العنف في الاسلام

 

فصل في ذكر السرايا والبعوث

التي كانت في سنة ست من الهجرة

وتلخيص ذلك ما أورده الحافظ البيهقي، عن الواقدي قال:

في ربيع الأول منها أو الآخر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن، في أربعين رجلا إلى غمر مرزوق، ماء لبني أسد، فهربوا منه، ونزل على مياههم، وبعث في آثارهم، وأخذ منهم مائتي بعير، فاستاقها إلى المدينة .

وفيها كان بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة، في أربعين رجلا أيضا فساروا إليهم مشاة، حتى أتوها في عماية الصبح، فهربوا منه في رءوس الجبال فأسر منهم رجلا، فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.

وبعث محمد بن مسلمة في عشرة نفر، فكمن القوم لهم حتى ناموا، فقتل أصحاب محمد بن مسلمة كلهم، وأفلت هو جريحا.

وفيها كان بعث زيد بن حارثة بالحموم، فأصاب امرأة من مزينة، يقال لها: حليمة. فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا منها نعما، وشاء وأسرى، وكان فيهم زوج حليمة هذه، فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها، وأطلقهما.

وفيها كان بعث زيد بن حارثة أيضا، في جمادى الأولى إلى بني ثعلبة، في خمسة عشر رجلا، فهربت منه الأعراب، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا، ثم رجع بعد أربع ليال.

وفيها خرج زيد بن حارثة في جمادى الأولى إلى العيص.

قال: وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع، فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته، وقد ذكر ابن إسحاق - كما تقدم - قصته حين أخذت العير التي كانت معه، وقتل أصحابه، وفر هو من بينهم حتى قدم المدينة وكانت امرأته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هاجرت بعد بدر فلما جاء المدينة استجار بها، فأجارته بعد صلاة الصبح، فأجاره لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس برد ما أخذوا من عيره، فردوا كل شيء كانوا أخذوه منه، حتى لم يفقد منه شيئا، فلما رجع بها إلى مكة وأدى إلى أهلها ما كان لهم معه من الودائع، أسلم وخرج من مكة راجعا إلى المدينة فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته زينب بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا ولا عقدا، كما تقدم بيان ذلك.

وكان بين إسلامه وهجرتها ست سنين، ويروى سنتان. وقد بينا أنه لا منافاة بين الروايتين؛ لأن إسلامه تأخر عن وقت تحريم المؤمنات على الكفار بسنتين، وكان إسلامه في سنة ثمان في سنة الفتح، لا كما يفهم من كلام الواقدي، من أنه سنة ست. والله أعلم.

وذكر الواقدي في هذه السنة، أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من عند قيصر، وقد أجازه بأموال وخلع، فلما كان بحسمي لقيه ناس من جذام، فقطعوا عليه الطريق، فلم يتركوا معه شيئا، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة أيضا رضي الله عنه.

قال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة قال: خرج علي، رضي الله عنه، في مائة رجل إلى أن نزل إلى حي من بني سعد بن بكر، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر فسار إليهم بالليل، وكمن بالنهار، وأصاب عينا لهم، فأقر له أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر .

قال الواقدي رحمه الله تعالى: وفي سنة ست في شعبان منها، كانت سرية عبد الرحمن بن عوف، إلى دومة الجندل وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هم أطاعوا فتزوج بنت ملكهم". فأسلم القوم، وتزوج عبد الرحمن بنت ملكهم، تماضر بنت الأصبغ الكلبية، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

قال الواقدي: في شوال سنة ست كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر، في عشرين فارسا، فردوهم.

وكان من أمرهم ما أخرجه البخاري ومسلم، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن رهطا من عكل وعرينة - وفي رواية: من عكل أو عرينة - أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا أناس أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة . فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا، حتى إذا كانوا ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود وكفرو بعد إسلامهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا وهم كذلك. قال قتادة: فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب بعد ذلك حض على الصدقة ونهى عن المثلة.

وهذا الحديث قد رواه جماعة عن قتادة، ورواه جماعة عن أنس بن مالك وفي رواية مسلم، عن معاوية بن قرة، عن أنس أن نفرا من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوه، وقد وقع في المدينة الموم - وهو البرسام - فقالوا: هذا الوجع قد وقع يا رسول الله، فلو أذنت لنا فرجعنا إلى الإبل، قال: "نعم، فاخرجوا فكونوا فيها". فخرجوا فقتلوا الراعيين، وذهبوا بالإبل، وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين، فأرسلهم إليهم، وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم.

وفي "صحيح البخاري" من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أنه قال: قدم رهط من عكل فأسلموا، واجتووا المدينة فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: "الحقوا بالإبل، واشربوا من أبوالها وألبانها". قال: فذهبوا فكانوا فيها ما شاء الله، فقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، فجاء الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في طلبهم، فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكواهم بها، وقطع أيديهم وأرجلهم، وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون، حتى ماتوا ولم يحسمهم وفي رواية عن أنس، قال: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش. قال أبو قلابة: فهؤلاء قتلوا، وسرقوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد روى البيهقي من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن محمد بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث في آثارهم قال: "اللهم عم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل". قال: فعمى الله عليهم السبيل فأدركوا، فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم وفي "صحيح مسلم

الصفحة الرئيسية