خمسة دروس أساسية في الدفاع عن الإيمان

الصلـــيب

نؤمن نحن المسيحيين أن المسيح صُلب ومات وقُبر، وبعد ثلاثة أيام قام، ثم ظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً، ثم صعد إلى السماء. وهو جالس الآن عن يمين العظمة في الأعالي، وننتظره يأتي ليدين الأحياء والأموات. لكن هناك من يشكك في تاريخية الصليب مدعياً عدم حدوثها ويسألنا البراهين على ذلك. ومع أن الواجب عليه هو أن يثبت صحة دعواه، لكننا بالمحبة المسيحية لا نطلب ذلك، بل نقدم براهيننا على صحة حادثة الصَّلب وحدوثها في قلب الزمان والتاريخ، رغبة منا في فائدة الذي يسأل بعيداً عن المباحثات الغبية التي حذرنا منها الرسول بولس لأنها تولد الخصومات، وعبد الرب يجب أن لا يخاصم أحداً.

1 - البرهان الأول - شهادة الآثار:

* اكتشف العلماء الفرنسيون في إيطاليا عام 1280 بمدينة نابولي أيام زحف فيليب الرابع ملك فرنسا صورة الحكم بصلب السيد المسيح، مدوَّن فيها الأسباب التي أدَّت إلى هذا الحكم وأسماء الشهود الذين حضروا المحاكمة.

* عثر العلماء الألمان في روما على رسالة مرفوعة من بيلاطس البنطي إلى طيباريوس قيصر يحكي له فيها عن صلب السيد المسيح وملابسات الحادث. وقد حُفظت هذه الرسالة في الفاتيكان، وكانت معروفة عند القدماء، وأشار إليها الفيلسوف يوستينوس عام 139م و العلامة ترتليان عام 199م.

* وجود صور ونقوش توضح الصلب في القرنين الأول والثاني(كتاب الاكتشافات الحديثة وصدق وقائع العهد الجديد تأليف السير وليم رمزي) فلو لم يكن الصليب قد حدث فعلاً ما تشير هذه النقوش؟!! …

*جميع الكنائس الأثرية في القرون الأولى بها أماكن للمعمودية وصور العشاء الرباني، ومعلق فيها الصليب. فان لم يكن الصليب قد حدث، ولو أن يسوع الذي يؤمن به المسيحيون لم يُصلب فعلاً، فلماذا اتَّخذ المسيحيون الصليب شعاراً لهم، وما معنى وجود كل هذا في الكنائس الأولى؟!!!!

2- البرهان الثاني - شهادة مؤرخين غير مسيحيين:

*- المؤرخ كارنيليوس تاسيتوس المولود عام 55م والذي كان حاكماً في آسيا الصغرى عام 112م, كتب لصديق له يدين فيه نيرون بإحراق روما والذي كان قد اتهم المسيحيين بحرقها قائلاً: "إن المسيح مصدر هذا الاسم، قد قُتل في عهد بيلاطس البنطي حاكم اليهودية أثناء سلطنة طيباريوس قيصر. وقد أمكن السيطرة على خرافة المسيح، لكنها عادت وانتشرت لا في اليهودية فقط حيث نشأ هذا الشر، لكن في روما أيضاً". ومن تعليق هذا المؤرخ الوثني نرى أنه يصف المسيحية بأنها خرافة وشر عظيم، لكنه يقول إن المسيح قد قُتل.

المؤرخ اليوناني لوسيان :

كاتب هجائي تحدث باحتقار عن المسيحية والمسيحيين في القرن الثاني الميلادي بأسلوب هجائي قائلاً: "الرجل الذي صُلب في فلسطين لأنه جاء بديانة جديدة إلى العالم، فوق ذلك قال لأتباعه إنهم إخوة لبعضهم البعض. بعد أن أخطأوا برفض آلهة اليونان وعبادة السوفسطائي المصلوب". يتعدى على السيد المسيح له المجد لكنه يدعوه " المصلوب ".

المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس وُلد عام 37م وكان قائداً للقوات اليهودية في الجليل عام 66م وهو الآن من المؤرخين المعتبرين لدى اليهود مثل الصحيحين عند إخوتنا المسلمين، كتب يقول: "في هذا الوقت كان يسوع الرجل الحكيم إن كان يحق لي أن أدعوه رجلاً لأنه عمل أعمالاً عجيبة وعلَّم تعاليم قبلها أتباعه بسرور، فجذب لنفسه كثيرين من اليهود والوثنيين. إنه المسيح. عندما حكم عليه بيلاطس بالصلب بناء على نصيحة قادة شعبنا لم يتركه أتباعه لأنه ظهر لهم حياً بعد اليوم الثالث كما سبق للأنبياء والقديسين أن تنبأوا عن هذا، أما الطائفة التي تبعته فهي طائفة المسيحيين الموجودة إلى يومنا هذا".

الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه "حياة المسيح" الصادر عام 1958 كتب دفاعاً عن الأناجيل يقول: "ليس من الصواب أن يقال إن الأناجيل جميعاً عمدة لا يعوَّل عليها في تاريخ السيد المسيح، لأنها كتبت عن سماع قريب ولم تكتب عن سماع بعيد في الزمن والمكان، ولأنها في أصلها مرجع واحد متعدد النقلة والنساخ ، ولأنها روت من أخبار الحوادث ما لم يذكره أحد من المؤرخين. إنما الصواب أنها العمدة الوحيدة في كتابة ذلك التاريخ. وليس في أيدينا مرجع أوفى منها لدرس حياة السيد المسيح والإحاطة بأطوار الرسالة وملابساتها " . والأستاذ العقاد يعترف بصحة الأناجيل، والأناجيل تذكر حادثة الصليب. فهذا اعتراف ضمني منه بصحة وتاريخية الصليب.

شهادة التلمود : وهي مجموعة الشرائع اليهودية التي تم تناقلها شفوياً حتى أخذت وضعها النهائي وكتبت بالغة العبرية في القرن الثاني الميلادي، وهي تعني "التعليم". جاء في التلمود المطبوع في أمستردام عام 1640 في فصل السنهدريم : "أن يسوع نودي أمامه مدة أربعين يوماً أنه سيُقتل لأنه ساحر وقصد أن يخدع إسرائيل ويضله. وبما انه لم يتقدم أحد للدفاع عنه، صُلب المسيح مساء عيد الفصح "

البرهان الثالث - الكنيسة والرسل :

منذ القرن الأول قامت الكنيسة بكتابة قانون إيمانها وضمنته حادث الصلب، وأول قانون نجده في الكتاب المقدس هو ما كتبه الرسول بولس: "فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باقٍ إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا" (1كورنثوس 15: 3-6). نعم إيماننا أن يسوع صُلب ومات ودُفن وفي اليوم الثالث قام ورآه كثيرون. وكأن الرسول بولس يقول: "أكثرهم باق إلى الآن، فاذهبوا وتحققوا منهم صدق قولي، فشهادة الشهود العيان أقوى شهادة". فمنذ ألفي عام ومازلنا وحتى الآن نكرر هذا القانون في كل وقت وفي كل كنائسنا. فلو لم يكن المسيح قد صُلب فعلاً في قلب الزمان والتاريخ فعلامَ يدل هذا القانون؟!!! لم نسمع أن أحد الآباء جاء وقال: ينبغي أن يتغير هذا القانون لأننا اكتشفنا أنه لم يُصلب لذلك لا داعي للقول إنه "صلب وقبر وقام".

البرهان الرابع شهادة التلاميذ:

شهود العيان الذين عاشوا الأحداث يوماً بيوم وحكوا لنا خبر الصليب واتهموا اليهود بأنهم صالبوه ، وكان هذا بعد أيام قليلة من الصلب وعلى بعد عدة أمتار من جبل الجلجثة ، ولم يكن الناس قد نسوا ما حدث. وحينما وقف بطرس في جماعة من اليهود تزيد على الخمسة آلاف نفس وقال لهم في شجاعة: "أنتم بأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه" وكان رد فعلهم الصمت المطبق!!!!

وكان بين السامعين اليهود كتبة هم حفظة الناموس ومنهم كهنة وفريسيون ، وهم أشراف القوم، بينما المتكلم صياد جاهل لا حسب له ولا نسب، ولا تعلم على أيدي أحد من ربانية اليهود حتى يقول هذا القول لأسياده، وتكون النتيجة صمتهم!!!!! لا بد أن كلام بطرس صحيح، والأحداث مطابقة للواقع الذي عاشوه . لذلك صمتوا. نعم أروع وأصدق شهادة والتي يؤخذ بها في المحاكم، فكل قول يقوم على فم شاهدين، ونحن أمام خمسة آلاف شاهد من ثقافات مختلفة واتجاهات فكرية مختلفة وأعمار مختلفة، والجميع يُجمعون على موقف واحد هو أن ما يقوله بطرس صحيحٌ مائة في المائة . نعم رأوه يُصلب هو بعينه، لأنه عاش بينهم ما يزيد على الثلاثين عاماً أجرى خلالها معجزات مبهرة وتكلم فيها أعظم الكلمات الخالدة، كل هذا حفر صورته في أذهانهم وعيونهم وضمائرهم، حتى لم يغب عنهم لحظة ولن يغيب.

البرهان الخامس شهادة الافتخار:

يقول الرسول بولس لأهل غلاطية 6: 14 "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم". بولس يفتخر بالصليب !!!! يفتخر بأن قائده أُعدم على أداة إعدام بشعة؟!!!، ألم يكن هناك شيء أجمل يفتخر به؟ أما كان يجب أن يفتخر بأن قائده قد أقام موتى، وفتح عيون عمي، وشفى بُرص، وأقام مفلوجاً، لكن الافتخار بوسيلة إعدام بشعة وبنهاية غير سعيدة لا بد أن يكون وراءه سر لا نعرفه وثمرة مباركة حصدها بولس، فدفعته لهذه الشهادة الغريبة والافتخار العجيب.

ولكي نوضح فكرة بولس نقول هذا المثل عن عائلة المشنوق:

عائلة تقرر أن تغيِّر اسمها من عائلة العم فانوس إلى عائلة المشنوق، وتسمي أفرادها جرجس المشنوق ، وإيمان المشنوق، وعادل المشنوق. وتعلق مشنقة على صدور نسائها ويطبعه رجالها على أياديهم وتتميز به بيوتهم ومقابرهم وأماكن عبادتهم. فنسأل كبيرهم : لماذا هذا التغيير؟ ألم يكن اسم فانوس أكثر إشراقاً؟ فيقول: جدنا الأكبر فانوس كان رجلاً ثورياً مناضلاً ضد الاستعمار، عبَّأ الرأي العام ضد المحتل وكوَّن خلايا لمناهضته وإقلاق راحته، فما كان من المستعمر إلا أن شنق الجد فانوس. فقام الشعب بثورة عارمة طرد على أثرها المستعمر وتحررت البلاد ونالت استقلالها. لهذا قرَّرت عائلتنا أن تغير اسمها بعائلة المشنوق الذي مات في سبيل تحرير الوطن، وقررنا أن نأخذ المشنقة علامة لنا، ليس حباً في الشنق والمشنقة كأداة إعدام بشعة، لكن كوسيلة قدَّم جدُّنا نفسه عليها من أجل الجميع، ليتمتع كل فرد في الوطن بحرية حقيقية كاملة.

على ذات المنوال يقول الرسول بولس: "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" فلولا المصلوب المقام الذي ظهر له في الطريق إلى دمشق وغيَّر اتجاه حياته مائة وثمانين درجة لكان في ظلام وموت أبدى الآن في الجحيم. فالمصلوب سبب حياته والصليب رمز لما عمله الله في المسيح لأجله. نعم وكل واحد فينا اليوم تغيرت حياته من شقي أثيم ونال حياة جديدة ولبس رداء البر يقول ما قاله بولس ويكرره بحمد وشكر وعرفان للمصلوب الحي إلى أبد الآبدين، ويتذكر هذا العمل برفع الصليب كوسيلة أتم بها الله هذا العمل العجيب.

البرهان السادس - العشاء الرباني:

مساء يوم الخميس، في الليلة التي أُسلم فيها المسيح اجتمع مع تلاميذه في علية لتناول الفصح، ورسم لهم فريضة جديدة هي فريضة العهد الجديد. يقول البشير متى: "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (متى 26: 26-28).

السيد المسيح يقدم خبزا مكسوراً رمزاً لجسده الذي سيُكسر، وكأساً رمزاً لدمه الذي سيُسفك من أجلهم قبل أن يُصلب. واستمرت الكنيسة منذ نشأتها وحتى اليوم وبمختلف طوائفها تصنع هذه الفريضة التي أسسها سيدها، وأمر أن تُصنع لتتذكر موته وقيامته إلى أن يجيء. فلو لم يُصلب المسيح ويموت ويقوم لكان ما تصنعه الكنيسة بلا معنى. ولم نسمع عبر ألفي عام أنه قام أحد الآباء ليصحح ما أخطأت فيه الكنيسة ويلغي هذه الفريضة؟ !!!! نعم لم نسمع لأن المسيح صُلب ومات وقام بالحقيقة في قلب الزمان والتاريخ.

البرهان السابع - كلمات السيد المسيح:

في بشارة يوحنا 3: 14، 15 يقول: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية". وكلنا يعرف هذه القصة والتي حدثت بعد عبور بنى إسرائيل البحر الأحمر وتمردهم على الله وعلى موسى وقولهم: "لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية؟ لأنه لا خبز ولا ماء، وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف" (عدد 21: 5، 6). فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة فلدغتهم ومات كثيرون. فصرخوا إلى موسى وقالوا: " أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك. فصلِّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات". فصلى موسى لأجل الشعب، فقال الرب لموسى: "اصنع لك حية وضعها على راية. فكل من لُدغ ونظر إليها يحيا" . وصنع موسى كما أمر الرب. يقيني أن الشعب انقسم فريقين، فريق حينما سمع كلام موسى اضطرب لأن الكلام غير معقول: كيف والسم يسري في جسده يطلب منه أن ينظر إلى قطعة نحاس معلقة على خشبة؟!!! والغريب أيضاً أنه لا اتصال بين الحية النحاسية والشخص المسموم. أليس المعقول أن يُقال اربطوا ما بعد الجرح حتى لا يسري السم في الجسم، ثم يشرط الجرح ويفصد الدم كإجراء وقائي أولي!!!! لا لن نسمع هذا الكلام. سنحاول بأنفسنا أن نصنع ما نراه صواباً.. هؤلاء ماتوا.. أما الفريق الآخر فعرف من موسى أن هذا كلام الله وطريقته لإنقاذهم، وهم يثقون فيه وفي قدرته ومحبته، لأنهم اختبروه كثيراً وعرفوا أنه يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر، فأطاعوا ونالوا الشفاء. على ذات المنوال يقول المسيح إنه كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع حتى أن كل من لدغته حية الخطية إبليس وينظر إلى المصلوب يحيا.

والغريب أن الناس ما زالوا منقسمين فريقين: فريق يقول ما هذا الهراء! كيف، ولماذا، ولا يمكن! بينما السم يسري في جسدهم. سيموتون في خطاياهم إن لم ينظروا إلى المصلوب الحي المقام.

قال السيد المسيح أيضا في بشارة يوحنا 24:12 "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير".

نعم فحبة الحنطة إن تركتها وحدها في وعاء جاف تبقى وحدها. لكن إن وضعتها على قطعة قطن مبللة تنبت وتصنع ساقاً ثم تحمل سنابل، بكل سنبلة حبوب كثيرة لأنها دُفنت وماتت. والرب يقول عن صلبه وموته إنه مثل حبة الحنطة. ففي حياته تبعه اثنا عشر تلميذاً. لكن بعد موته وقيامته وفي أول عظة للرسول بطرس يوم الخمسين آمن ثلاثة آلاف وصاروا خمسة آلاف في يوم ثانٍ. نعم فحبة الحنطة وقعت في الأرض وماتت وأتت بثمر كثير.


البرهان الثامن - القبر الفارغ:

كل الأنبياء ماتوا ودُفنوا في قبورهم ومازالت بقاياهم فيها إلا قبر السيد المسيح الخالي منه منذ اليوم الثالث لدفنه، لأنه قام ناقضاً أوجاع الموت لأنه رب الحياة الذي لا يمكن أن يمسكه الموت. هذه القضية أثارت كثيراً من الجدل، لكنها أيضاً كانت سبباً في إيمان كثيرين بالسيد المسيح وألوهيته. قال أحدهم: "حيَّرتني واستوقفتني هاتان الكلمتان " القبر الفارغ" كيف يكون فارغاً ونحن نتفق معكم أن هناك جثة !!!! أنتم تقولون إنها للسيد المسيح، ونحن نقول إنها للشبيه، فأين هي؟ وهل يمكن للشبيه أياً كان اسمه فهو واحد من التلاميذ الذين فروا هاربين حينما قبض على معلمهم وأظهروا كل خوف وجزع، لم نسمع أن أحدهم قام بمعجزات مبهرات مثل معلمه فنقول إنه يستطيع أن يقيم نفسه ويخرج من القبر صانعاً بذلك معجزة عادية بالنسبة له. وحينما زادت حيرتي سألت أحد العلماء الكبار والمسئولين ليحل لي هذه المشكلة فثار وهاج وماج قائلاً: "لم يذكر كتابنا شيئاً عن القبر الفارغ، ونحن غير مسئولين عن هذه المشكلة. نحن أمام إعلان نتمسك به ولا نخرج عنه ولا نُسأل عما سواه".!!!! ثم قال: "خرجت وكلي ثقة أن القبر للسيد المسيح الذي قام من الأموات لأنه فعلاً رب الحياة. وسلَّمت حياتي له لأنه يستحق، فهو صاحبها.

لكن هناك من يشكك في سبب فراغ القبر مدعياً أن الجسد قد سُرق منه!!!! وهنا نسأل: من هو السارق؟ عندنا ثلاثة احتمالات: إما أن اليهود أو الرومان أو التلاميذ سرقوه. فهل يمكن أن يسرقه اليهود وهم أصحاب قضية؟ أليس هم الذين ذهبوا إلى بيلاطس كاسرين يوم السبت، طالبين منه أن يختم القبر إلى اليوم الثالث قائلين: "يا سيد، قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي: إني بعد ثلاثة أيام أقوم. لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى" (متى 27: 63، 64).

وان قيل إن التلاميذ سرقوه، فكيف لهم أن يسرقوه، وهم الجبناء الذين تركوا سيدهم في أدق المواقف وأنكروه حين سألوهم عنه؟ كيف والقبر عليه حراس مدججين بالسلاح، والحجر كبير لا يمكن لأحد أن يدحرجه؟

إذاً فهل سرقه الحراس الرومان ؟

لا يمكن أن يعقل هذا لأن القانون الروماني في هذه الحالة كان يوقع على الحارس عقوبة المحروس الهارب. فكيف يسمح الحراس بسرقة الجسد، فيتعرضون للقتل؟؟!!! ما هي الرشوة التي تجعل شخصاً يُقبض عليه ويفقد حياته؟

وتتضح لنا هذه الحقيقة من قصة سجان فيلبي الذي حاول أن يقتل نفسه حينما وجد أبواب السجن مفتوحة وظن أن المسجونين هربوا، فأراد أن يقتل نفسه قبل أن يقتلوه!!!!!!

حتى الإشاعة التي حاول شيوخ اليهود أن يروجوها بقولهم للحراس: "قولوا إن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام" (متى 28: 13) قصة مفضوحة لأنه كيف يعرف الحراس أن التلاميذ هم السارقون بينما كان الحراس نياماً؟ وكيف يقول الحارس إني كنت نائماً في نوبة حراسة؟!! ألا يخاف المحاكمة العسكرية بسبب هذا الإهمال؟

البرهان التاسع: كلمة الله

عندنا ستة وستون مرجعاً تاريخياً يتحدث عن الصليب، تسعة وثلاثون منها تتحدث عن الصليب في المستقبل وسبعة وعشرون تتحدث عنه انه حدث فعلاً والكُتَّاب شهود عيان لذلك.

تسعة وثلاثون سفراً تتحدث بروح النبوة أن يسوع سيصلب مثلاً قبل الصليب بألف عام، يكتب داود في مزموره الثاني والعشرين بادئاً بذات الكلمات التي قالها الرب يسوع على الصليب «إلهي إلهي لماذا تركتني» ثم يصف ما حدث له «ثقبوا يدي ورجلي، يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون» (مز 22: 16، 18). كذلك قبل الصلب بسبعمائة سنة يكتب النبي إشعياء «لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها.. مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا.. وبحبره شفينا.. والرب وضع عليه إثم جميعنا .. كشاة تساق إلى الذبح .. جُعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته.. أُحصي مع أثمه وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين..» ( إش 53: 4-12).

ويكتب زكريا قبل الحادثة بخمسمائة سنة ويقول «وأفيض على بيت داود روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه..» (زك 12: 10) فيقول له ما هذه الجروح في يديك فيقول هي التي جرحت بها في بيت أحبائي» (زك 13: 6) ثم سبعة وعشرون سفراً يشهد كاتبوها أنهم رأوه وسمعوه ولمسوه ويقصوا علينا حادثة الصلب وكيف جالوا يبشرون بذلك في أنحاء المسكونة غير مبالين بالاضطهاد والقتل والتعذيب لأنها الحقيقة التي عاصروها. فلو لم يكن المسيح قد صلب فعن من تنبأ رجال العهد القديم وبشر رجال العهد الجديد.. كل هذا مسطر في 66 سفراً هم أسفار الكتاب المقدس الذي هو الوحي الإلهي.

لكن لماذا الصليب ؟

أولاً: يقول الرسول بولس: "فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت. لكن الله بيَّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 5: 7، 8).

نعم الكلام سهل. نقول مثلاً: بالروح بالدم نفديك يا فلان. أو: أفديك بعيني. أو: روحي فداك.. هذا كلام جميل. لكن عند التنفيذ لا يستطيع أحد أن يوفي بما وعد به ، فالروح عزيزة والعين غالية، والكلام لا يكلف الكثير. لذلك يقول الرسول بولس: "بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت". لكن في الصليب وبالموت قدم الله برهاناً عملياً على محبته لنا، لأنه في ملء الزمان جاء السيد المسيح ليقول للإنسان: ما رأيك في أن أحل محلك أنت المحكوم عليك بالقتل فأموت بدلك، وأنت تحل محلي أنا البريء الحي إلى أبد الآبدين، فتكون لك حياة أبدية؟

وأخذ الإنسان يفكر في هذا العرض المغري بحذر شديد. وما زال كثيرون حتى اليوم يفكرون: هل أستبدل مكاني بمكانه؟!!! لكن السيد المسيح اتخذ القرار وبدل مكانه، ونزل تاركاً مجده ليقدم نفسه ذبيحة إثم على الصليب كفارة لأجلنا ليموت عن كل واحد فينا، وترك مكانه لكل من يقبل هذا العمل ليحتله. وما زال العرض قائماً حتى اليوم.

ولكن هذا العرض سينتهي يوم مجيئه ثانياً، ربما اليوم أو غداً. ربما بعد شهر أو سنة .. لا نعرف.. لذلك فالوقت وقت مقبول واليوم يوم خلاص.. فهل اتخذت قرارك؟ إنه برهان محبة فائقة المعرفة، صادقة وحقيقية وعملية.

إنه الصليب برهان الحب.

ثانياً: إنه أداة صلح:

أخطأ أبوانا الأولان وسقطا محكوماً عليهما بالموت "لأن أجرة الخطية هي موت". في ذات الوقت الله عادل ورحيم. في عدله يطالب بتنفيذ الحكم، وفي رحمته يطلب الصفح. وهذان الضدان (إن جاز التعبير) لا يلتقيان، لأن صفات الله متساوية لا يغلب أحدها الآخر، فكيف للعدل والرحمة أن يلتقيا؟!!!

يقول المرنم : "الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما " (مزمور 85: 10)، نعم الرحمة والحق أصبحا أحباء، قبَّل أحدهما الآخر. ويقول الرسول بولس إن المسيح "يصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به (أي بالصليب)" ( أفسس 2: 16).

ثالثاً: تحقيقاً للنبوات:

تنبأ أنبياء العهد القديم كثيراً عن الصليب قبل حدوثه بمئات السنين. فلو لم يكن هناك صليب، فماذا كانت تعني وما هو القصد منها؟!! (راجع مزمور 22، إشعياء 53، زكريا 11، 12).

لذلك جاء الصليب ليحقق كل هذه النبوات التي كتبها رجال الله القديسين مسوقين من الروح القدس. فهل الصليب عقيدة نفتخر بها ، أم واقع نحياه واختبار معاصر؟

قال الرسول بولس: "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي" ( غلاطية 2: 20). وقال أيضاً: "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم" ( غلاطية 6: 14).

نعم العالم بالنسبة له ميت لا يثير شهوته وشهيته، وهو قد مات فلا يثير شهية أحد..

الصليب يجعلني لا أفعل أشياء يفعلها كثيرون بسهولة وبساطة، إن الأكل الشهي لا يثير شهية ميت. وقال الرسول بولس: "وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام" (2كورنثوس 5: 15).

البرهان الوحيد على عدم صحة صلب المسيح عند إخوتنا المسلمين هو ما جاء في سورة النساء 4: 157، 158 "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم إلا أتباع الظن، وما قتلوه يقيناً، بل رفعه الله، وكان الله عزيزاً حكيماً". وقارئ هاتين الآيتين لا بد أن يسأل عدة أسئلة:

1 - على من تعود كلمة "وقولهم":

أجمع أهل الذكر أن المقصود هم اليهود. فهل قال اليهود يوماً إنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم ، واعترفوا أنه رسول الله؟

لا نجد في التاريخ ما يؤيد ذلك، بل العكس، فقد أنكروا أن المسيح هو المسيا المنتظر، وأنكر أولادهم أن آبائهم صلبوه، وحاولوا تبرئتهم من هذه التهمة بشتى الطرق والوسائل حتى انهم انتزعوا اعترافا من بابا الفاتيكان ببراءتهم من دم المسيح!!!!!

2 - ما المقصود بالقول "شُبه لهم"؟

يقول أهل الذكر من الأفاضل المعتبرين أمثال الطبري، والبيضاوي، والرازي، والزمخشرى وابن كثير ما ملخصه:

1- ذهب عيسى مع سبعة عشر تلميذاً إلى منزل، ولما أحاط اليهود به وهموا بالدخول، جعل الله كل التلاميذ شبه عيسى حتى ظن اليهود أنهم سحروا، فهددوهم بالقتل إن لم يظهروا عيسى، فسأل عيسى تلاميذه: من يشترى الجنة بشبهي؟ فتبرع أحد التلاميذ وخرج لليهود قائلاً: أنا عيسى. ولما كان الله ألقى شبه عيسى عليه أخذه اليهود وصلبوه.

2-حينما حاول اليهود قتل عيسى، رفعه الله إليه فخافوا من وقوع الفتنة من عوامهم ، لذلك أخذوا آخر وصلبوه مدعين أنه عيسى، والناس ما كانوا يعرفون عيسى إلا بالاسم.

3-حينما علم قادة اليهود أن عيسى في أحد المنازل، أرسلوا طيطايوس لإحضاره حتى يصلبوه، ولما ذهب طيطايوس ودخل البيت، رفع الله عيسى إليه وألقى شبهه على طيطايوس ، لذلك فهو الذي صُلب وقتل.

4- عيَّن اليهود رجلاً لملاحظة عيسى، وحينما ذهب عيسى إلى جبل رفعه الله وألقى شبهه على هذا الملاحظ فقبضوا عليه وصلبوه وهو يقول: لست عيسى.

5- كان رجل يدعى أنه من أصحاب عيسى عليه السلام وكان منافقاً، فذهب إلى اليهود ليدلهم عليه، فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه عليه فقُتل وصلب.

ولنستمع إلى تعليق الإمام فخر الدين الرازي على ما سبق، كما جاء في كتاب التفسير الكبير "مفاتيح الغيب" في تفسيره لسورة آل عمران55:

"في إلقاء شبهه على الغير إشكالات:

الإشكال الأول:

لو جوَّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة، فإني إذا رأيت ولدي ثم رأيته ثانياً فحينئذ أجوز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً ليس بولدي بل هو إنسان ألقي شبهه عليه، وحينئذ يرتفع الأمان على المحسوسات . وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمداً ( صلعم ) يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوه أنه محمد لاحتمال أنه ألقي شبهه على غيره وذلك يفضي إلى سقوط الشرائع. وأيضاً فمدار الأمر في الأخبار المتواترة على أن يكون المخبر الأول إنما أخبر عن المحسوس. فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.

الإشكال الثاني:

وهو أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه في أكثر الأحوال، هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله تعالى (إذ أيدتك بروح القدس) مائدة 110. ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر، فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً على إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلى إسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرض له؟!

الإشكال الثالث:

أنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء. فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره، وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟!!!

الإشكال الرابع:

أنه إذا ألقى شبهه على غيره ثم أنه رُفع بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنه عيسى مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى.

الإشكال الخامس:

أن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة حبهم للمسيح عليه السلام وغلوهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً، فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد ونبوة عيسى بل في وجودهما ووجود سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكل ذلك باطل.

الإشكال السادس:

أنه ثبت بالتواتر أن المصلوب بقى حياً زماناً طويلاً، فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره لأظهر الجزع، وقال: إني لست عيسى إنما أنا غيره، ولبالغ في تعريف هذا المعنى، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى، فلما لم يوجد شيء من هذا علمنا أن ليس الأمر على ما ذكرتم.

3 – إن كان المسيح قد رُفع دون أن يموت ، فما معنى هذه الآيات:

سورة مريم 19: 33 "والسلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أُبعث حياً".

سورة آل عمران 3: 55 "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ".

سورة المائدة 5: 117 "فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم".

· قالوا رداً على سورة مريم 33 : إن عيسى رفع حياً وسيأتي مرة أخرى ليقتل المسيخ الدجال وينادى بالإسلام ويتزوج ثم يموت ويدفن بين الرسول وأبو بكر.

· وعلى ما جاء في سورة آل عمران 55 فسروا كلمة متوفيك كما يأتي:

# النوم : - عن اسحق: رفعه الله في منامه.

# القبض : - عن ابن وهب – قال إني متوفيك أي قابضك ولم يمت حتى يقتل الدجال وسيموت.

# الاستيفاء:- أي متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت.

* فريق آخر أقر بأن الوفاة هي الموت : -

# قال ابن عباس: متوفيك أي مميتك .

# قال وهب ابن منبه: توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات حتى رفعه

الله .

# قال بن اسحق: توفى سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه.

# قال بن أنس: توفاه الله حين رفعه إلي السماء.

# عن إدريس- تفسير ابن كثير : مات المسيح ثلاثة أيام ثم بعثه الله

1. كتابكم محرف !!

2. تعبدون ثلاثة !!

3. هل صُلب المسيح ؟

4 . من هو المسيح ؟

5. هل تجسد الله ؟

العودة الي الصفحة الرئيسية

العودة الي الصفحة الرئيسية