هل يتوافق المفهوم المسيحي واليهودي والإسلامي

في وصف المسيح له المجد على الأرض؟

"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". وسؤالي الاول هو أي بدء الذي يتكلم عنه هنا الكتاب المقدس؟

قبل ما أجيب على هذا السؤال أحب أن ألفت نظر الدارس إلى أن هذه الآية التي معنا من أهم الآيات في التعليم المسيحي، والتي تعكس طبيعة المولى القدير تبارك اسمه. إنها واحدة من أحجار الزاوية في الإيمان المسيحي. البدء هنا الذي يتكلم عنه الكتاب المقدس في الكلمات الأولى من العدد الأول من الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا هو ما يعرف بالأزل، أي البداية التي ما قبلها بداية. فهي قديمة وراجعة لوجود المولى القدير (سبحانه وتعالى). ومن المعروف أن الله (تبارك اسمه) لا بداية له ولا نهاية له. فتكون كلمة البدء هنا هي البداية التي لا بداية لها، أي البداية الأزلية.

في بداية سفر التكوين- هو أول أسفار الكتاب المقدس- يبدأ العدد الأول بنفس الكلمات، ويقول: "في البدء خلق الله السماوات والارض". فهل هناك اختلاف بين البدئين؟

البداية في سفر التكوين تتكلم عن بدء زمني محدد ومعروف، وهو يوم خلق المولى (سبحانه وتعالى) السماء والارض، بغض النظر عن بعد هذا الزمان عنا اليوم سواء كان من آلاف السنين أو ملايينها. لكن هذه الخليقة بدأت في وقت وزمن محدد، أما البدء في إلانجيل بحسب البشير يوحنا فهو الأزل أو البداية التي لا تاريخ لها، إنها كانت قبل كل التاريخ كما وضحت في إجابتي السابقة.

بداية هذا المقطع يقول: "في البدء كان الكلمة". فما المقصود بكلمة الكلمة؟ ولماذا استخدم الله سبحانه وتعالى هذا التعبير بالذات؟

الكلام هنا مقصود به شخص الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) الذي هو كلمة الله، وروح منه.

قبل أن تكمل، ما دليلك على أن الكلمة هنا هو شخص الرب يسوع المسيح (له المجد) وليس شخص ثاني؟

لأن الكلمات تقول في البدء كان الكلمة، فلو أنه يقصد الكلمة المنطوقة لقال الوحي في البدء كانت الكلمة؛ لأن الكلمة لفظة مؤنثة. وفي نفس العدد يقول، وكان الكلمة الله. يقول في العدد الثاني من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا عن الكلمة أيضاً: "هذا كان"، ولم يقل هذه كانت، هذا كان في البدء عند الله. ثم يقول "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة". أي الوحي هنا يكنَّي عن الكلمة بشخص حي حقيقي موجود منذ الأزل عند الله.

إذن لماذا استخدم المولى (سبحانه وتعالى) هذا التعبير بالذات؟ لماذا لم يقل في البدء كان المسيح، مثلاً والمسيح كان عند الله، وهكذا ليفسر ويحل غموض هذه الكلمة؟

كما قلنا في حلقة سابقة إن الانجيل بحسب البشير يوحنا نزل ليخاطب العالم أجمع، والذي كان متمثلاً في ذلك الزمان في الكيانين: العبري واليهودي، والفلسفة اليونانية. فبالنسبة للفكر اليهودي كان يرى في الكلمة أكثر من حروف منطوقة، أو صوت صارخ من حنجرة إنسان، ولكنه كان يراها قوة محركة للكون، ولها وجودها الذاتي المستقل، فهي تندفع كطلقة الرصاص لتصيب الهدف كما وصفها أحد أساتذة اللاهوت.

هل من الممكن أن تشرح لنا ما المقصود بقوة الكلمة في الفكر اليهودي بأكثر تفصيل؟

خذ مثل على قوة الكلمة في الفكر اليهودي كما قال واحد من شعرائهم: "إن كنت حريصاً مرة عندما تداول النار، فأحرص عشر مرات عندما تداول الكلمات". فمثلاً كانت كلمات نبي الله إسحق في بركته لابنه يعقوب كانت فيها قوة أدت الى بركته، ولم تستطع أية قوة أن توقف تأثيرها. الله (سبحانه وتعالى) نفسه خلق العالمين بالكلمة، فلقد قال تبارك اسمه: "ليكن نور، فكان نور" فهو الذي يقول للشيء كن فيكون. ويقول القدير عن نفسه: "لأنه كما ينزل المطر هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، ولا ترجع إليَّ فارغة، بل تعمل ما سررت به، وتنجح فيما أرسلتها إليه". وقال (تبارك اسمه) كلمتي كنار وكمطرقة تحطم الصخر، وعندما ترجم العهد القديم إلى اللغة الآرامية لكي يفهمها العبرانييون استعاض المترجمون بتعبير الكلمة بدلاً من لفظ الجلالة فيما يعرف بالترجوم، أي الترجمة الآرامية. وفيها ورد تعبير كلمة الله حوالي 320 مرة كناية عن لفظ الجلالة الله.

ما مفهوم الكلمة في فكر اليوناني؟

الكلمة في الفكر اليوناني ومعناها "لوجوس" حسب ما عرَّفه الفيلسوف اليوناني هيراكلتس، هو الحاكم لكل ما يدور في الطبيعة. فقد لا حظ هذا الفيلسوف أن كل ما في العالم متغير غير ثابت ومتحرك، وفي حالة فيضان متغير على حد تعبيره. فالأرض والنجوم والكواكب تدور في مداراتها، فيتعاقب الليل والنهار، وحركة المياه في المحيطات والبحار، وغيرها من كل ما يدور في هذا الكون الفسيح. وكان الفكر اليوناني يرى أن ما يحكم هذا التغير والفوران هو لوجوس، أو كلمة الله (سبحانه وتعالى)، أو ما أسموه بالعقل الإلهي المدبر، حتى ما يحدث داخل الإنسان من تفكير عقلي وتمييز بين الخير والشر، وكل تصرفات الإنسان إنما يسير كل شيء حسب سلطان لوجوس أو الكلمة. والفيلسوف فيلو اليهودي المتعمق كثيراً في الفكر اليوناني جمع بين الفلسفتين والفكرين، حيث رأى أن لوجوس كان منذ الأزل، وأنه الواسطة التي بها خلق الوجود، وقال إن لوجوس هو فكر الله مطبوعاً على العالم كما أنه وسيلة الله للخلق.

لماذا أستخدم المولى هذا التعبير بالذات وهو "الكلمة" للكتابة عن الرب يسوع المسيح؟

لأن هذا هو التعبير الذي كان يفهمه كل من اليهود واليونانيون وكل العالم وقتئذ. ومن إحسانات المولى القدير (تبارك اسمه) علينا أنه يستخدم تعبيرات وتشبيهات يفهمها البشر؛ لأنه (تبارك اسمه) يحب البشر، وعلى استعداد أن يقترب منهم إذا ما لاحظوا أنه أقرب إليهم من حبل الوريد. ويقول دكتور وليم باركلي في هذا الصدد أن البشير يوحنا- بإلهام من المولى القدير- يقول لليونانيين واليهود إنكم لأجيال طويلة كنتم تفكرون عن الكلمة، وتكتبون عن الكلمة، وتحلمون بالكلمة، أى القوة الخالقة لهذا الكون، والقوة الحافظة والمسيرة لهذا الوجود، والقوة العاملة والمفكرة في قلوب الناس، والقوة الروحية الملهمة لكل ما هو سام ورفيع في الحياة. وها هو لوجوس كلمة الله وفكر الله قد تجسد إلى العالم في شخص السيد يسوع المسيح (له المجد).

أنا أعلم أن القرآن الكريم يصف السيد الرب يسوع المسيح بنفس هذا التعبير، فيقول عنه (تبارك اسمه) إنه كلمة الله. فهل يتوافق الفكر الاسلامي في هذه النقطة مع الفكر اليهودي واليوناني والمسيحي، أم إن هناك اختلاف بينهم؟

الفكر الاسلامي يختلف كل الاختلاف عما سبق شرحه، فالكلمة كما وردت في القرآن الكريم تعني الكلمة المنطوقة من المولى (سبحانه وتعالى)، كأن يقول للشيء كن فيكون. فالاسلام لا يؤمن أن كلمة الله السيد المسيح هو كائن منذ الأزل، ولا دخل له في عملية الخلق، ولا حفظ نظام الكون، ولا علاقة له بعقل الله المدبر والمسيطر على هذا الكون. فالمسلمون يؤمنون بناء على تعليم القرآن أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال كن فيكون.

دكتور ناجي، ألا ترى أنه من الأوقع والأقرب للعقل البشري والمنطق أن يقال إن المسيح عيسى ابن مريم نبي ورسول لله كباقي الرسل والأنبياء، وإن مثله كمثل آدم خلق من تراب، ثم قال له "كن فكان"؟

قد يكون هذا صحيحاً ومقنعاً لأول وهلة، ودون التريث ودراسة الحقائق الإلهية المعلنة للبشر في الكتاب المقدس. وقد يكون أقرب للعقل البشري أن يقتنع أن مثل المسيح كمثل آدم خلق من تراب. لكن العبرة ليست بما يتناسب مع العقل البشري، أو ما يمكن أن يقتنع به، بل العبرة بما يعلنه المولى القدير (جل شأنه) في كتابه العزيز الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه الكتاب المقدس، عن طبيعة السيد المسيح (تبارك اسمه). فإن كان مثل السيد المسيح كمثل آدم مخلوق من تراب، فلماذا لم يشترك أب وأم طبيعيان في آتيانه ووجوده على الأرض؟ ولماذا يشهد القرآن الكريم أن المسيح قد وجد بكلمة الله، بل أكثر من ذلك، أنه قال عنه (له المجد) إنه هو نفسه كلمة الله. وأود أن أوضح أن هناك كثيراً من الأمور التي أعلنها الله (سبحانه وتعالى) في كتابه العزيز، ولا يقبلها الفكر البشري، ومع ذلك لابد أن يؤمن بها، ولابد أن يؤمن أنها حدثت حتى لو لم تتناسب مع تفكير الانسان الطبيعي.

هل من الممكن أن تعطينا أحد الامثلة للدلالة على إجابتك السابقة؟

خذ مثلاً قصة سقوط آدم وحواء أبوينا الأولين في الخطية والمعصية. وهي أول قصة أعلنها (سبحانه وتعالى) في الكتاب المقدس في سفر التكوين. هذه القصة لا يمكن قبولها ببساطة دون المرور على بعض الأسئلة التي طالما حيرَّت الكثيرين من الناس على الأرض. فإذا كان المولى القدير (تبارك اسمه) خلق الإنسان في جنة لكي يعيش فيها، ويستمتع بها، وهو يعلم ضعف الانسان، وككلي العلم كان يعلم مسبقاً أن الوسواس الخناس سيوسوس في صدريهما ويقنعهما بالأكل من الشجرة المحرمة، وسوف يطردا من الجنة، وسيقاسيان العذاب، وبعرق وجهه سيأكل آدم خبزه. فلماذا كانت كل هذه القصة؟ ولماذا خلق الله الإنسان من الأصل، ولماذا خلق لهم الشجرة المحرمة؟ ولماذا لم يمنعهما عن الأكل منها؟ ولماذا لم يخفها عن أعينهما وهو القادر على كل شيء؟ ولماذا ترك الشيطان أن يجربهما؟ ثم ما الفائدة من أن يخلق إنساناً للنعيم، فيتحول الأمر في النهاية، وتنقلب الأمور ضده؟ وغيرها من الاسئلة الكثيرة. ألم تفكر أنت قبل الآن في ذلك؟

بالطبع فكرت، كما بالتأكيد أن كل إنسان فكر في هذه الموضوعات!

هل وجدت لها حل أو إجابة مقنعة لعقلك تتماشى مع المنطق البشري؟

الحقيقة كلا.

هل منعك هذا من قبول هذه الحقائق والايمان بها وتصديق انها حدثت وانه بما ان هذا هو ترتيب وتدبير الله سبحانه وتعالى ورؤيته للأمور. فأنا وأنت راضين به، عالمين انه لحكمة المولى كلي الحكمة والتي لا يمكن ادراكها بالكامل بعقولنا البشرية او الاقتناع الكلي بها بحكمته جل شأنه قد تم كل ذلك وان له لشاكرين.

أيضاً لا، فكل هذه الحقائق مقبولة من الإنسان.

هكذا الحال مع كل ما يعلنه الله وخصوصا في هذه الحقيقة، وهي أن السيد المسيح تبارك أسمه هو كلمة الله لا المنطوقة فحسب كما يعرفها القرآن الكريم، بل هو عقل الله المفكر الوسيط الحافظ لكل نواميس الطبيعة. أي ببساطة هو الله نفسه ظاهرا في جسد إنسان، معلنا عن قوة الله جل شأنه وسلطانه على كل ما يدور في الكون ومظهرا صفاته وكمالاته تبارك أسمه للبشر، معلنا للناس أن لا اله إلا الله وانه هو كلمته وسلطانه وقوته وشخصه متمثلا لنا بشرا سويا.

لو اعتبرنا أن السيد المسيح كما تفضلت في الإجابة على الأسئلة السابقة أزلي أي كائن بذاته كوجود المولى تبارك أسمه، وانه هو كلمة الله أي عقل الله المدبر والحافظ لكل الأشياء بكلمة قدرته، نكون قد قلنا أن السيد المسيح واحد من أثنين إما أن يكون شخص منفصل عن الله وفي هذه الحالة نكون والعياذ بالله قد أشركنا به وجعلنا شخص آخر معه، وأما أن يكون المسيح هو الله وان كان المسيح هو الله فكيف تكون الكلمات الموجودة في الآية الأولى من الأصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا " كان الكلمة عند الله" أي أنها تتكلم عن شخصين واحد عند الثاني. فما هو تفسيرك لهذا الأمر؟

أولاً احب أن نتفق على قاعدة أساسية في إجابتنا على هذا السؤال لا غنى عنها ولا مفر منها، وهي أن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له ولا مثيل له جل شأنه وأن اتخاذ أحد غيره كإله أو مساواته بأي شخص أو شيء آخر، هو شرك وكفر بالله يعاقب عليه المولى سبحانه وتعالى يوم الدين بعذاب اليم، ولا تنفع معه وساطة أو شفاعة. وهذا ما يؤكده الكتاب المقدس في مواضع عدة أن الرب إلهنا اله واحد. وقال أيضاً " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" وغيرها من الآيات الكثيرة. فلا مجال للإدعاء بأن حتى شخص السيد المسيح تبارك اسمه هو إله آخر بجانب المولى القدير تبارك اسمه، فهذا أيضاً شرك به جل شأنه. لكن لحل هذا الموقف نقول أن الآية الأولى من الأصحاح الأول التي نحن بصددها من الإنجيل بحسب البشير يوحنا تقول " في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله." وهذه الثلاثة مقاطع تبدو متعارضة لكنها ليست كذلك. فإذا كانت كلمة البدء تعني انه الأزل أي قبل بدء كل تاريخ. وإذا كان الكلمة هو شخص السيد المسيح كما شرحنا يكون شخص السيد المسيح كما قال عن نفسه " قبل أن يكون إبراهيم (خليل الله) أنا كائن." وفي هذه الحالة يكون السيد المسيح هو الكائن بذاته فيكون هو الله العلي سبحانه وتعالى. المقطع الثالث من هذا لعدد يقول " وكان الكلمة الله" أي شخص الرب يسوع تبارك أسمه هو الله بحصر اللفظ في هذه الآية. أما المقطع "والكلمة كان عند الله" فهذا لا يعني أن شخص السيد المسيح منفصل عن الله. فعقلي وكياني وكلمتي قبل أن أشاركها مع الآخرين، وسلطاني وقوة تأثيري على الكون المحيط بي، هو نفس ذاتي وكياني، وليس شخص آخر منفصل عني، بل أنا نفسي لكن كل ما هنالك أن العقل المدبر لله، والكيان والتعبير الواضح عنه (جل شأنه) اتخذ جسداً إنسانياً، وجاء إلى أرضنا في صورة الرب يسوع المسيح له كل المجد.

التفكير بهذا المنطق صعب على البشر فهمه!

لكن تلاحظ أنه ليس ضد المنطق والعقل الإنساني بل هو فوق المنطق، وفوق محدودية العقل البشري، لكن هذه المشكلة محلولة إذا أراد المرء حلها.

كيف تحل هذه المشكلة، وكيف يقبلها العقل البشري ويفهمها؟

أولاً لابد للمرء أن يريد أن يقبلها، فالإنسان الذي يتعامل مع هذه الحقائق الإلهية، وهو رافض لها، وغير مستعد لقبولها إما لخوفه من البحث فيها، أو لتخويف الآخرين له، أو لأن دينه أو عقيدته تمنعه حتى من مجرد سماعها والتفكير بها، هذا الشخص لن يصل إلى الحقيقة والإدراك والإيمان بما يعلنه المولى (تبارك اسمه).

ثانياً- إن الله سميع عليم ومحب ودود، إذا ما ناجاه المرء، وطلب منه أن يشرح له صدره بفهم هذه الحقائق، وتأكيدها في حياته، وكان مستعداً لقبول ما يعلنه الله له، فالمولى هو الذي سيكرمه بفهم هذه الحقائق والإيمان بها.

ثالثاً- على المرء تصديق ما ورد في كتاب الله (سبحانه وتعالى)، أي الكتاب المقدس. فإذا ما قال المولى (عز وجل) إن الله بكلمته وسلطانه وسيطرته على الكون، ظهر في جسد سيدنا المسيح (تبارك اسمه) على الأرض، فلا مفر من تصديق هذه الحقيقة. لكن إن قال أحد إن كتابكم محرف، فالسؤال هو: هل حرَف المسيحيون هذا الجزء من الإنجيل؟

لما لا، على فرض أن الكتاب المقدس محرف لماذا لا يكون قد تم تحريف هذا الجزء؟

هذا الجزء من الإنجيل لا يمكن أن يكون قد تحرف لسبب بسيط، أن من يريد أن يحرف شيء لابد أن يضعه في صورة مقبولة من الناس، ومتناسباً مع العقل والتفكير البشري السليم والمنطقي. لكن لن يضعه في صورة تسبب الخلاف عليه كما هو الحادث بين المسلمين والمسيحيين واليهود اليوم. الأمر الآخر أن من يحرف شيئاً، لابد أن يتوقع أن يكسب منه مكسباً مادياً أو أدبياً وسيتفيد منه بأية صورة. لن يحرف شيئاً يسبب له مشاكل، ولن تعود عليه بأي نفع. ثم ما مصلحة البشير يوحنا أن يكتب هذه الكلمات إن لم يكن الله (سبحانه وتعالى) قد أوحى له بهذه الحقيقة؟! ولو وردت هذه الحقيقة على لسان البشير يوحنا فقط، لكان لنا العذر إذا فكرنا أن هذا الجزء قد تحرَّف. لكن إذا وردت في الإنجيل بحسب البشير متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، وكتابات الرسول بطرس، وبولس، ويعقوب، وغيرهم، أصبح من المتعذر الإيمان بتحريفها. أما إذا وردت على لسان نبينا ورسولنا وسيدنا وربنا السيد يسوع المسيح نفسه فلا مناص من تصديقها والإيمان بها، واستبعاد فكرة الوسواس الخناس بأن هذا الجزء قد تحرف. وكما قلت للإخوة المستمعين إن رغب أحد أن يقتني نسخة من الحلقة السابقة من البرنامج عن التحريف، يطلبها وسنرسلها له مجاناً بإذن الله. الموضوع كله هو أن شخص السيد المسيح يسوع ليس مجرد كلمة منطوقة، والكلمة هو عقل الله المدبر والمتحكم والمسيطر على هذا الكون، وهو كائن بذاته منذ الأزل، أي أنه هو الله نفسه، لكنه اتخذ صورة إنسان، وجاء إلى أرضنا؛ ليعلن لنا من هو الله (سبحانه وتعالى). فنحن نؤمن أن الله واحد لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، ونحن نعبد إلهاً واحداً هو المولى القدير (تبارك اسمه)، ونتفق أنه كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة. ففي البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله.

عودة للفهرس