هل المسيح هو الله؟ أم إبن الله؟ أم هو بشر؟

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 

الفهرس

مقدمة

الفصل الأول: الله الكائن الأبدى

أ- أهيه فى الترجمات المختلفة

ب- أهيه فى الفكر اليهودى

ج- أهيه الكائن فى العهد الجديد

د- أهيه الكائن وأباء الكنيسة

الفصل الثانى: يهوه رب العالمين

1- أصل الأسم يهوه

2- قداسة الأسم يهوه

3- ياه تصغير يهوه

4- أسماء الله العامة ويهوه

الفصل الثالث: أسم يهوه

أولاً: أسم يهوه يحمل جميع صفات الذات الإلهية

ثانياً: أسم يهوه وترجماته المختلفة

الفصل الرابع: يسوع ويهوه

أولاً: إسم يسوع

ثانياً: يسوع هو محور الإيمان وموضوعه

الفصل الخامس: يسوع المسيح هو الكائن السرمدى

1- أقوال يسوع المسيح عن كونه السرمدى

2- أقوال رسل المسيح عن كونه السرمدى

الفصل السادس: يسوع.. رب العالمين

أولاً: الرب (رب الكل)

ثانياً: يسوع.. رب المجد

الفصل السابع: ملك الملوك ورب الأرباب

أولاً: يهوه

ثانياً: يسوع

الفصل الثامن: أنا.. أنا يهوه "أنا هو"

1- يهوه وأنا هو

2- يسوع وأنا هو

3- الخلاصة الرب يسوع هو يهوه

الفصل التاسع: هل المسيح هو الله فى العهدين

1- العهد القديم يعلن لاهوت المسيح

2- المسيح هو "إله، الإله، الله" فى العهد الجديد

الفصل العاشر: المسيح هو الله أم هو ابن الله؟

الفصل الحادى عشر: هل المسيح ابن الله حقيقة أم مجازاً؟

أ- أبناء الله فى العهد القديم

ب- أبناء الله فى العهد الجديد

ج- بنوة المسيح لله – لاهوته

د- المسيح ابن الله فى الإنجيل بأوجهه الأربعة

الفصل الثانى عشر: المسيح هو الله أم هو بشر؟ ابن الله أم ابن إنسان؟

1- تجسد الكلمة "ابن الله وأحتجاب لاهوته

2- من هو ابن الإنسان

 

مقدمة

أصدرنا سنة 1988 كتاب "هل المسيح هو الله "يهوه" ليجيب على هذا السؤال الجوهرى فى العقيده المسيحيه، وأعتمدنا فى دراسته على الأسلوب الكتابى اللاهوتى اللغوى طالبين إرشاد الروح القدس وتوجيهه. وبعد مرور أكثر من ست سنوات ونصف من نشره ونفاذ نسخه من المكتبات رأينا، بتوجيه وإرشاد الروح القدس، اعاده الدراسة بتوسع، بل وعمل بحث جديد ونشر كتاب جديد يضم بين دفتيه محتوى الكتاب الأول بعد إعاده دراسته وتوسيعه على ضوء أحدث المراجع الكتابيه والتفسيريه واللغويه واللاهوتيه، بل والنقديه التى تنتقد عقيده لاهوت المسيح بشده ومراره بل وسخريه، وإضافه فصول جديده للأجابه على هذا السؤال، بتوسع كافى، وعلى أسئله كثيره غيره، مثل: هل المسيح هو الله؟ أم هو ابن الله؟ أم هو ابن انسان؟ أم هو مجرد بشر مثله مثل سائر البشر؟ هل هو الله أم ابن الله؟ هل هو ابن الله أم ابن انسان؟ ما معنى "ابن الله" وما معنى "ابن إنسان؟ دعا العهد القديم الملائكه والقضاه بالآلهه وأبناء الآلهه كما دعى بعض البشر مثل داود وسليمان وإسرائيل أولاد الله، كما دعا العهد الجديد المؤمنين أبناء الله، فما معنى ذلك؟ وهل يعنى القول المسيح "ابن الله" ما يعنيه بالنسبه للملائكه والبشر؟ هل هناك آيات صريحه فى العهد القديم تتكلم عن لاهوت المسيح؟ وهل هناك آيات صريحه فى العهد الجديد تؤكد ذلك أيضاً؟ هل قال المسيح "انى انا الله"؟ وهل نسب لنفسه أسماء الله والقابه وصفاته؟ وماذا يعنى بقوله "أنا ابن الإنسان" و "أنا انسان"؟ وهل يمكن أن يكون الله هو نفسه إنسان؟ وهل يمكن أن يقال أيضاً عن المسيح أنه ابن الله وابن الإنسان؟.

هذه الأسئله وغيرها ليست جديدة فى تاريخ المسيحيه أو فى تاريخ الفكر المسيحى، وإنما هى قديمه قدم المسيحيه نفسها وبدأت مع المسيح نفسه عندما سأله اليهود "من أنت؟"، "من هو هذا ابن الإنسان؟"، ولما أحتار الناس فى معرفه شخصه سأل هو تلاميذه "من يقول الناس أنى أنا ابن الإنسان؟.. وأنتم من تقولون أنى أنا؟"، وعندما أجابه بطرس بحقيقه كينونته وجوهره مدحه وقال أنه لم يعلن ذلك من نفسه بل أن هذا ما أعلنه الآب بواسطه بطرس. وقد وعد السيد الرسل أن يرسل الروح القدس لكى، كما يقول "يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم"، "فهو يشهد لى" و "يرشدكم إلى جميع الحق". وكما قال بولس الرسول "كلامى وكرازتى لم يكونا بكلام الحكمه (الإنسانيه) المقنع بل ببرهان الروح والقوه لكى لا يكون إيمانكم بحكمه الناس بل بقوه الله". ونرجو فى المسيح أن لا يكون كلام هذا الكتاب هو كلام الحكمه الإنسانيه المقنع بل هو برهان الروح القدس وتعليمه وإرشاده وشهادته للمسيح.

وفى هذا المجال نتقدم بالشكر لقداسه البابا شنوده الثالث بابا الاسكندريه وبطريرك الكرازه المرقسيه، الاستاذ والعالم والمعلم، على تشجيعه الرقيق ولمحات قداسته الرقيقه، ولنيافه الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمه وتوابعها، وأبى الروحى، على تشجيعه المستمر ودعمه المعنوى ومساعدتى فى الحصول على الكثير من المراجع اللازمه لمثل هذه الدراسات. راجياً من الله أن يديم حبريتهما سنين كثيره وأزمنه مديده. كما أرجو أن يأتى هذا الكتاب بالفائده المرجوه فى الروح القدس، روح الحكمه والاعلان فى معرفته.

عيد الميلاد المجيد

29 كيهك 1711ش

7 يناير 1995م

القس عبد المسيح بسيط ابو الخير

الفصل الأول

الله الكائن الأبدى الأزلى

 

الله كائن سرمدى، أبدى أزلى، لا بدايه له ولا نهايه، هو الموجود من الأزل، بلا بدايه، والموجود إلى الأبد بلا نهايه، لا إله قبله ولا بعده، ولا إله سواه أو مثله أو غيره أو معه، ولا شريك له. فهو الأله الواحد، الكامل فى ذاته، كلى الوجود والقدره والمعرفه والعلم، ولا يحتاج لغيره، فهو كلى الكمال، والذى يقول عن ذاته:

C "أنا الأول وأنا الأخر ولا إله غيرى. ومن مثلى فليخبر به... هل يوجد إله غيرى؟"(1).

C "أنا يهوه (الرب) صانع كل شئ ناشر السموات وحدى باسط الأرض. من معى؟"(2).

C "أنا الرب (يهوه) وليس آخر. لا إله سواى... لكى يعلموا من مشرق الشرق ومن مغربها أن ليس غيرى. أنا يهوه (الرب) وليس آخر"(3).

C "أذكروا الأوليات منذ القديم لأنى أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلى"(4).

C "أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر. ويدى أسست الأرض ويمينى نشرت السموات"(5).

C "لكى تعرفوا وتؤمنوا بى وتفهموا أنى أنا هو. قبلى لم يصور إله وبعدى لا يكون"(6).

ولله أسماء وألقاب كثيره وأهمها الأسم "أكون – أهيه – ehyeh"، و"يهوه" اللذان سندرسهما فى هذا الفصل.

و"أكون – أهيه – ehyeh" يعبر عن كينونة الله وكيانه وجوهره، ويعبر عن وجوده الذاتى، الدائم والمستمر، الوجود السرمدى، الأزلى الأبدى، الذى لا بدايه له ولا نهايه، فوق الزمان، فهو غير الزمنى. كما يعبر عن وجوده الذاتى، كالموجود بذاته بدون موجد، إذ أن وجوده فى ذاته ومن ذاته. كما يعبر أيضاً عن وجوده كالموجود، الذى هو أصل وسبب ومصدر وعلة كل وجود، الموجود الذى يستمد منه كل وجود وجوده، فهو الموجود بذاته وخالق كل الموجودات، الكون كله من أصغر جزء فى الذره إلى أكبر المجرات، خالق الكون وفيه.

سأل موسى الله، عندما ظهر له بلهيب نار فى العليقه عن أسمه: "فقال موسى لله ها أنا آتى إلى بنى أسرائيل وأقول لهم إله آبائهم أرسلنى إليكم. فإذا قالوا ما أسمه فماذا أقول لهم؟"(7).

والأسم فى القديم لم يكن مجرد علامه (Lable) للشخص، بل يدل فى الأغلب عن خواص وجوهر وصفات صاحبه، وعلى معناه(8). وهناك أداتان فى العبريه

للسؤال عن الأسم:

أ‌- "ماه – mah" والتى تساوى فى العربيه "ما – what" "ما أسمه". وتسأل عن خاصية وصفه وجوهر الشخص، أو عن حادثه هامه ارتبطت بشخصه(9)، (10).

ب‌- "مى – mi" والتى تساوى فى العربيه "من" وتسأل عن نسب الشخص أ بعض ملامحه الخارجيه(11)،(12).

وقد استخدم موسى النبى الأولى "ما اسمه"، لأنه أراد أن يعرف أكثر من مجرد الأسم، أراد أن يعرف جوهر الأسم ومغزاه وخواصه وصفاته. فأجابه الله عما سأل وكشف له ما تاقت إليه نفسه:

"فقال الله لموسى أهيه الذى أهيه". وقال هكذا تقول لبنى اسرائيل "أهيه" أرسلنى إليكم... يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلنى إليكم.

هذا أسمى إلى الأبدى وهذا ذكرى إلى دور فدور"(13).وعباره "أهيه الذى أهيه" أو "Eheyeh asher Eheyeh" منقوله حرفياً من النص العبرى إلى اللغه العربيه.

وهذا ما حدث أيضاً فى الترجمات السريانية والفارسية والكلدانية التى نقلت النص كما هو(14)، وقد أجمع علماء اليهود فى القديم وأباء الكنيسة فى القرون

الأولى وبقية علماء الكتاب المقدس واللغه العبريه فى كل العصور، على أن الأسم "أهيه – Eheyeh" مشتق من الفعل العبرى "هايا – Haya"، فعل الكينونة

"أكون – Etre – to Be". وقد ترجم بهذا المعنى "أكون"، "الكائن" وأحياناً "هو" فى كل الترجمات العالمية.

 

1- فقد ترجم فى اللغه اليونانية المعروفه بالسبعينية (LXX):

والتى قام بها سبعون من علماء اليهود فى القرن الثالث (282ق.م) قبل ميلاد المسيح: "ego eimi ho On... ho On a pestalke me"(15) وترجمت حرفياً

إلى الإنجليزيه: "Iam THE BEING... THE BEING has sent me" أى "أنا هو الكائن... الكائن أرسلنى".

2- وترجم فى اللاتينيه (The Volgate):

"Iam Who am" = "Ego Sum Qui sum"(16) و Sum" تعنى، أكون، أوجد، أحيا. أى أن الترجمه ركزت على الوجود المطلق للذات الإلهيه "أكون الذى أكون".

3- وترجم فى العربيه التى هى شقيقه العبرية:

"أكون الذى أكون... أكون أرسلنى"(17).

C وترجم فى الكاثوليكية اليسوعية:

"أنا هو الكائن... الكائن أرسلنى"(18).

C وترجم فى الترجمة اليسوعية الحديثه (1989م):

"أنا هو من هو... أنا هو أرسلنى إليكم"(19).

ويعلق أصحاب الترجمة فى الهامش قائلين:

"بما أن الله يعنى نفسه فهو يستعمل صيغة المتكلم "أنا هو"... لكن من الممكن أيضاً أن نترجم النص العبرى حرفياً فنقول: "أنا هو من هو". وهذا يعنى بحسب قواعد الصرف والنحو العبرية "أنا هو الذى هو"، "أنا هو الكائن". وهكذا فهمه أصحاب الترجمة اليونانية السبعينيه. فالله هو الكائن الوحيد حقاً... يتضمن هذا المقطع مُسبقاً تلك التوسعات التى سيأتى بها الوحى (راجع رؤ8: 1): "أنه كائن وكان يأتى. وأنه القدير"(20). أى "الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شئ".

C وترجم فى الترجمة العربية الجديدة (1993م):

"أنا هو الذى هو .... هو الذى أرسلنى".

وفى الهامش: "أنا هو الذى سأكونه"(21).

C وأحتفظت الترجمة البيروتيه بالنص العبرى كما هو:

"أهيه الذى أهيه... أهيه الرسلنى".

وهذا ما سبق أن فعله أبو الفرج وفسره كالآتى:

"الأبدى الذى لم يذهب بعيداً"(22).

4- وترجم فى كل الترجمات الإنجليزية القديمة والحديثه(23) كالآتى:

"أكون الذى أكون" “I Am Who I Am"

 

"أكون ما أكون" “I Am What I Am"

 

"أكون الذى أكون" “ I Am That I Am"

"أكون الذى أكونه" “I Am That is Who I am"

"سأكون ما أكون... أكون أرسلنى". “I Will Be What I Will Be... I Am has sent me"

 

5- وترجم إلى الفرنسية:

C "أكون الذى أكون... أكون أرسلنى “Je suis qui Je suis"

Je suis qui serai"(24)

C وجاء فى معجم اللاهوت الكتابى المترجم عن الفرنسية:

"أنى كائن"(25).

C وهناك ترجمة فرنسية أخرى للحاخام اليهودى ذوى (مع تعليق) تقول(26):

Je suis ce qui je suis Lemmuable. Le juste, aujourd, hui, Comme heir et demain: Seigneure, Eternel”:

"أكون ما اكون، أكون غير المتغير، العادل أمس واليوم وغداً"

6- وبالرغم من أن الترجمة السريانية نقلت النص كما هو بدون ترجمة إلا أن القديس أفرايم السريانى (القرن الرابع الميلادى) ترجمها فى تفسيره لسفر الخروج إلى: "أنا هو الكائن... الكائن أرسلنى" وفسرها: "انا الأزلى الذى لا أول له ولا بدء ولا نهاية ولا عدم"(27).

وقد فهمت وأدركت جميع الترجمات القديم والحديثة مغزى الاسم، "الكائن"، "أنا هو"، "أنا هو الكائن"، "أكون"، ومعناه وجوهره. فهو يعبر عن شخص الله وكينونته، كيانه، وجوهره وصفاته، ووجوده الدائم، المستمر، السرمدى، الأزلى الأبدى، الذى لا بداية له ولا نهايه. فهو الموجود الدائم، فى الماضى والحاضر والمستقبل، أمس واليوم وإلى الأبد، "الكائن والذى كان والذى يأتى". الموجود أبداً بلا بداية ولا نهاية، فى كل زمان وقبل الزمان وبعده. فهو الكائن الذى يكون، بل ولابد أن يكون لأنه عله الكون وسبب وجوده. وهو الكائن الواجب الوجود، عله واصل وسبب كل وجود "خالق كل السموات وناشرها، باسط الأرض ونتائجها، معطى الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً"(28)، "أنا أنا هو وليس إله معى. أنا أميت وأحيى.. أنى أرفع إلى السماء يدى واقول حى أنا إلى الأبد"(29).

كما يعنى الاسم أيضاً ويعبر عن حضور الله الدائم والمستمر والفعال. وهناك تفسير رائع لمتى هنرى يقول:

1- هو الموجود بذاته، إذ أن وجوده (being) فى ذاته ولا يعتمد فى وجوده على أحد ما، فأعظم وأحسن إنسان فى العالم يقول: "بنعمة الله أنا ما أنا"(30) ولكن الله يقول بصوره مطلقة – وأكثر من أى مخلوق، سواء كان إنسان أو ملاك، "أنا ما أنا". الكائن الموجود بذاته والذى لا يمكن أن يكون سوى المكتفى بذاته، فهو نبع البركه وكل الكفايه.

2- وهو أبدى وغير متغير، ودائماً هو هو، أمساً واليوم وإلى الأبد، سيكون ما يكون، وما هو كائن (يكون is)(31).

3- ولن نكتشفه بالبحث. فمثل هذا الأسم يوصل ما يختص بالله بوضوح ودقه، ويقول فى تأثير: "لما تسأل عن أسمى وهو عجيب"(32)، ما أسمه وما أسم ابنه ان عرفت؟"(33).

هل تسأل ما هو الله؟ ليكفينا أن نعرف أنه:

"يكون ما يكون وما كان أبداً وما سيكون أبداً"(34).

7- "أهيه – الكائن فى الفكر اليهودى":

كان اسم الله "أهيه" يعرف بين اليهود الذين كانوا يعيشون فى الشتات ويستخدمون اليونانية فى احاديثهم ب "الكائن – ho On" وذلك بحسب الترجمة اليونانية التى كانت معهم.

والكائن كما بينا هو أسم الله الذى يعبر عن كينونته ووجوده وجوهره. وكانوا يعرفون "ho On – الكائن" أكثر من الأصل العبرى "اهيه". وكانوا فيلو (Philo) الفيلسوف اليهودى الأسكندرى يستخدم اللفظ اليونانى "الكائن"، فى القرن الأول الميلادى، كالأسم الحقيقى لله(35).

أما يهود فلسطين فكانوا يعرفون الأسم فى اصله العبرى "أهيه" كما فسرو بنفس المعانى السابقة:

C جاء فى ترجوم جوناثان وترجوم أورشليم:

"هو الذى تكلم والعالم كان، الذى تكلم وكل الأشياء وجدت"(36).

C وجاء فى المدراش على الخروج 14: 3 "أنا أكون الذى كنت وأكون والذى أكون الآن والذى سأكون فى المستقبل"(37).

C وجاء فى ترجوم Joll على نفس النص: "أنا الذى كنت وسأكون"(38).

C وجاء فى نفس الترجوم على التثنية (39: 32): "أنا أكون الذى يكون والذى كان، وأنا أكون الذى سيكون ولا يوجد إله سواى"(39).

8- "أهيه – الكائن – ho On" فى العهد الجديد:

ورد فى سفر الرؤيا اسم "الكائن ho on" كاسم الله المعبر عن سرمديته خمس مرات، وقد ورد مضافاً إليه بعض أوصاف الله وألقابه الأخرى: "الرب الإله"، "القادر على كل شئ أى كلى القدره، "القدوس" و "العادل":

C "نعمة لكم وسلام من الكائن والذى كان والذى يأتى"(40).

C "أنا هو الألف والياء (البداية والنهاية) يقول الرب الإله الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شئ"(41).

C "قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شئ الذى كان والكائن والذى يأتى"(42).

C نشكرك أيها الرب الإله القادر على كل شئ الكائن والذى كان والذى يأتى"(43).

C "عادل أنت أيها الكائن والذى كان والذى يكون"(44).

وهذا هو نفس ما جاء فى خروج (14: 3) ولكن، هنا، بصوره متوسعة، وتفصيلية أكثر، وتفسيرية أكثر، تعبر عن كينوتة الله وجوهره وتضيف القابه وصفاته، كالقدوس والقادر على كل شئ والعادل والرب الإله، كما تعبر عن سرمديته، وجوده الدائم المستمر، الدائم الوجود، الأزلى الأبدى، الذى لا بدايه له ولا نهايه.

وقد ركز الوحى هنا على ثلاث تقسيمات للزمن:

"الذى كان – الكائن – والذى يكون أو الذى يأتى"

أى الذى كان منذ الأزل بلا بدايه، والكائن فى الحاضر والماضى والمستقبل، الموجود دائماً، والذى يأتى أو الذى يكون كما هو كائن وكما كان، إلى الأبد بلا نهاية، فهو الدائم الوجود، السرمدى.

C قال العلامه أكليمندس الأسكندرى (150 – 215م)

"الذى وحده هو الذى يكون (الكائن – ho On) والذى يأتى"، ثلاث تقسيمات فى الزمن للأسم الواحد (الكائن – ho On) الذى يكون"(45).

9- "أهيه – الكائن – ho On" وأباء الكنيسة

أدرك أباء الكنيسة منذ البدء وفهموا مغزى إعلان الله لأسمه الذى أعلنه لموسى "أهيه الذى أهيه" وعرفوا بالتسليم والدراسة وإرشاد الروح القدس أنه يعنى "الكائن"، "الموجود الواجب الوجود"، "أكون الذى أكون"، "أنا هو الكائن"، "أنا هو الموجود"، "أنا هو الذى يوجد"، "الذى يكون"، أى الله فى جوهره وفى أبديته وفى كينونته:

C قال العلامه أوريجانوس (185 – 245م):

"الآن، كل الأشياء مهما كانت فى ذاك الذى يوجد حقاً والذى قال لموسى: "أكون الذى أكون"(46).

C وقال القديس أثناسيوس الرسولى (296 – 373م):

"عندما نسمع "أكون الذى يكون" و "فى البدء خلق الله السموات والأرض" و "أسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" و "هكذا يقول الرب القدير" ندرك أن المقصود هو الجوهر البسيط المقدس غير المدرك للذى يكون"(47).

C وقال هيلارى أسقف بواتييه (315- 67/368م):

"وفى هذه الكتب (كتب موسى والأنبياء) يعطى الخالق، الله نفسه، شهاده عن نفسه بالكلمات التالية: "أكون الذى أكون"، وأيضاً هكذا تقول لبنى إسرائيل: الذى يكون أرسلنى إليكم".

وذهلت حقا لهذا التعريف الواضح لله الذى عبر عن المعرفة غير المدركه للطبيعة الإلهية بكلمات أكثر ملاءمه للذكاء البشرى. لأنه لا يمكن أن يدرك العقل صفة لله تميزه أكثر من وجوده. لأن الوجود بالمعنى المطلق لا يمكن أن يتضمن ما له بداية وما سيكون له نهاية، ولا يمكن للذى يضم الآن أستمرارية الوجود (الأبدية) وقوة (مصدر) السعادة التامة أن لا يكون له وجود فى الماضى ولا فى المستقبل، لأن ما هو إلهى لا يمكن أن يكون له بداية أو نهاية. وبما أن أبدية الله لا تنفصل عن ذاته، لذا يليق به هذا الشئ الواحد الوحيد: الذى هو يكون. كتأكيد لأبديته المطلقه (التى لا تنتهى)"(48).

C وقال القديس اغريغوريوس أسقف نيزينزا (325 – 389م):

"الذى يكون والله، هما الأسمان الخاصان بجوهره، ومن هذيه الاسمين، بصفة خاصة، الذى يكون، ليس لأنه عندما تكلم إلى موسى على الجبل وموسى سأله: ما أسمه، فقط. فقد دعى نفسه عندما أوصى موسى أن يقول للشعب: الذى يكون أرسلنى، بل لأن هذا الأسم هو الأكثر ملاءمة ودقه أيضاً... فنحن نسأل عن طبيعة ذى الوجود المطلق وغير المتحد بآخر، فالكينونة بمعناها اللائق خاصة بالله بصفة مطلقة وغير محدودة بكلمات مثل قبل أو بعد، لأنه لا يوجد فيه ماضى أو مستقبل"(49).

C وقال أيضاً: "الله كان دائماً ويكون وسيكون، أو بمعنى أدق، هو الكائن دائماً... فهو موجود أبداً، وهكذا يسمى نفسه عندما يتعامل مع موسى على الجبل. وهو يجمع فى ذاته كل الوجود (Being) لأنه لا بداية له ولا نهاية"(50).

C وقال القديس اغريغوريوس اسقف نيصص (339 – 394م):

"توضح كلمة الأسفار المقدسة علامة واحدة للاهوت الحقيقى، التى تعلمها موسى من الصوت العلوى (الذى من فوق)، عندما سمعه يقول:

"أنا هو الذى يوجد"، لذا يليق بنا أن نؤمن أنه هو وحده اللاهوت الحق الذى وجوده وجود أبدى وغير محدود (لا نهائى)"(51).

C وقال أيضاً أن الله "فى ظهوره الإلهى لموسى أعطى نفسه اسم الموجود عندما قال "أكون الذى أكون"(52).

C وقال امبروز أسقف ميلان (340 – 397م):

"الأسم هو ما يميز الشئ وبواسطته يمكن أن يفهم. وأنا من رأى موسى، عندما سأل: "ما أسمك؟". فقد أراد أن يعرف ما يخص الله وأن يعرف شئ خاص عنه. ولأن الله كان يعرف ما يدور فى عقله، لذا لم يخبره بأسمه بل بعمله، أنه لا يعبر عن أسم عام بل خاص عندما يقول: "أكون الذى أكون"، لأنه لا يوجد شئ أكثر تميزاً لله من كونه الموجود دائماً"(53).

C ويقول القديس جيروم (342 – 420م):

"يقول الرب فى الخروج: "أكون الذى أكون" وهكذا تقول لبنى إسرائيل: "الذى يكون أرسلنى إليكم"... الله الذى يكون دائماً، ليس له بداية من خارج ذاته، وهو أصل ذاته وسبب جوهره الذاتى"(54).

C وقال أغسطينوس أسقف هيبو (354 – 430م):

"وبكونه وحده الذى يوجد، قال: "أكون الذى أكون" و "قل لبنى إسرائيل: الذى يكون أرسلنى اليكم". لم يقل، الرب الإله، القدير، الرحيم، العادل، ولو قال لهم هذا لكان محقاً تماماً ولكنه... أجاب أنه هو الذى يكون الذى يدعى الكائن ذاته"(55).

C أخيراً قال يوحنا الدمشقى (675 – 749م):

"يبدو أن أكثر أسماء الله، المنطوق بها، مصداقيه هو "الذى يكون" كما يقول هو ذاته على الجبل فى جوابه لموسى "قل لبنى إسرائيل: الذى يكون أرسلنى" لأنه يحفظ فى ذاته كل الوجود(56).

 

 

---------

(1) أش 6: 44-8.

(2) أش 24: 44.

(3) أش 5: 45،6.

(4) أش 9: 46.

(5) أش 12: 48،13.

(6) أش 10: 43.

(7) خر 13: 3.

(8) New Bib. Dic. P 479.

See also Int. St. Bib. Ency. Vol. 2 p. 504

والتى تقول أن الاسم فى ع ق مثل كل الشخص "ويمكن أن يقال أن الأسم كان هو الشخص".

(9)، (10) أنظر تك 26: 31 (meh)، 27: 32، خر 14: 13، يش 21: 4، أم 4: 30، زك 9: 1، 6: 5.

Gaebelein Exp. Bib. Com. Vol. 2 p 323.

(11)،(12) أنظر تك 8: 33، خر 11: 3، 2 أخ 6: 2، مى 5: 1.

Gaebelein Vol. 2 P. 323.

(13) خر 14: 3، 15.

(14) Clarke’s Com. Vol. 1 P. 306.

(15) Brenton the Septuagent with Apoc. Gr. Eng. P. 73.

ويترجمها آدم كلارك "Iam he who exists- أنا هو الذى يوجد" Clarke’s Com. Vol. I P. 306

(16) Cassells Lat. Dic. P. 583 & Clarkek’s Com. P. 306 & The pulpit Vol. I Ex. P. 57.

(17) ترجمة دار الكتاب المقدس.

(18) الترجمة اليسوعية لسفر الخروج.

(19) الكتاب المقدس، دار المشرق بيروت 1989.

(20) السابق ص 157.

(21) الترجمة العربية الجديدة، دار الكتاب المقدس فى الشرق الأوسط ص70.

(22) Clarke’s Com. Vol. I P. 306.

(23) أنظر ترجمات، أورشليم (J.B) والملك جيمس (K.J) والمنقحة (R,S.V) والمعتمدة (A.S.V) والانجليزية الحديثة (N.E.B) والأمريكية الجديدة (N.A.S) والموسعة (Amplified) والأخبار الساره (G.N.B) والدولية الحديثه (N.I.V) وكتاب الحياة (Living Bible) والترجمة الانجليزية للنص العبرى الحرفى (Interlinear Heb. Eng. Ot Kohlenberger) وكذلك الترجمات اليهودية الأمريكية.

(24) Tradoction Decum: Dela Bible.

(25) معجم اللاهوت الكتابى. دار المشرق بيروت ص 878.

(26) عن كتاب "يهوه أم يسوع" أسبيروا جبور ص 98.

(27) تفسير الخروج مار أفرام السريانى، الآب يوحنا ثابت ص 23.

(28) أش 5: 42.

(29) تث 39: 32، 40.

(30) 1 كو10: 15.

(31) رؤ 8: 1.

(32) قض 18: 13.

(33) أم 4: 30.

(34) Mattew Henery Com. Vol. I P. 284.

(35) Kittle theo. Dic. Vol. 3.

(36) Clarke’s Com. Vol. I P. 306.

(37) Kitte Vol. 3

(38) Ibid

(39) Ibid

(40) رؤ 4: 1.

(41) رؤ 8: 1.

(42) رؤ 8: 4.

(43) رؤ 17: 11.

(44) رؤ 5: 16.

(45) The Instructor. 8

(46) De Prim. B. 1 ch. 3: 6

(47) Let. Com. The Councils of Rimini and Seleucia.

(48) The Trinity B 1: 5

(49) Four Theo. Ora. 18

(50) Second ora. 45, 3

(51) Ag. Eun. (The Faigh of the Early Fath. Vol. 2 P. 53)

(52) Ag. Eun. B 2: 4

(53) Letter to Comstantius 43, 19.

(54) The Faith of the Early Fathers Vol. 3 P. 193.

(55) On psalms 134,4

(56) The Source of Knowledge 3, 1,9

الفصل الثانى

يهوه رب العالمين

 

يهوه "Yahweh" مع "أهيه – ehyeh" هو الأسم الوحيد فى العهد القديم من بين أسماء الله وألقابه الدال على كينونته ووجوده الدائم، السرمدى، الأبدى الأزلى، الذى لا بداية له ولا نهايه. فهو مرتبط أيضاً مثل "إهيه" بالفعل "hayah – haya – هياه" والذى معناه "يكون to be، يصير become، يحدث happen أو يسبب to couse"، وبذا يكون معناه "الواحد الذى يكون" = "الكائن" المطلق الذى لا يتغير، وأيضاً "الذى يسبب أن يسير" = "الخالق" سبب وعلة الوجود، خالق الجميع، الفاعل فى الكون، فى الخليقة والتاريخ(1).

هو الموجود الذاتى، الموجود بذاته، ذو الوجود الدائم والمستمر.

هو الموجود بذاته من غير مُوجد، الموجود الوحيد الواجب الوجود وسبب وعلة كل وجود، الموجود المطلق غير المتغير وغير المحدود وغير الزمنى وغير المحوى، غير المستحيل:

C قال لموسى "أكون الذى أكون... أكون أرسلنى... يهوه إله أبائكم إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب... هذا أسمى إلى الأبد وهذا ذكرى إلى دور فدور"(2).

C أنه الكائن الذى كان والذى يكون غير المتغير:

"أنا يهوه لا أتغير.."(3).

"أما أنت يا يهوه فإلى الدهر جالس وذكرك إلى دور فدور... إلى الدهر سنوك. من قدم أسست الأرض والسموات هى عمل يديك. هى تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى. كرداءٍ تغيرهن فتتغير. وأنت هو وسنوك لن تنتهى"(4).

"من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله"(5).

"يهوه هو الله يهوه هو الله"(6).

"فأعلم اليوم وردد فى قلبك أن يهوه هو الإله فى السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواء"(7).

1- أصل الأسم "يهوه" ومغزاه:

يتفق العلماء، الآن، وبصفة عامة، على أن أسم "يهوه – yehweh" مشتق من الأصل العبرى، فى شكله القديم "هايا، هاياه – hayah, haya"(8)، ويعنى "أكون – Etre, to Be، يصير – become، يحدث – happen"(9). والأسم فى المضارع يعنى "هو الذى يكون – He Who is، أى "الموجود الذاتى"، "الموجود بذاته"، وفى المستقبل يعنى "هو الذى يستمر كائناً – He who will continue to be"(10)، أى الدائم الوجود، الموجود أبداً، الكائن الذى يكون الدائم الوجود وواجب الوجود، الكائن المطلق، الإله المطلق، الموجود بذاته والذى له حياه جوهرية فى ذاته، الموجود الدائم، الحى الذى له الحياه فى ذاته، الموجود بلا مُوجد، الموجود المطلق.

ويحدد أحد العلماء (Newbery) مغزى الأسم بقوله: "الذى كان دائماً والذى يكون دائماً والذى يأتى أبداً"(11).

أنه مشتق من فعل الكينونه منسوب إلى الثالث الغائب "أنا هو الذى يكون، أنا الكائن"(12)، والمعبر عنه فى العهد الجديد ب "الألف والياء، (البداية والنهاية) يقول الرب الإله الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شئ"(13)، أى الأزلى الذى لا بدايه له، والحاضر الآن ودائماً، الكائن، الموجود دائماً، والأبدى الذى لا نهايه له، السرمدى، الذى لا يتغير، واجب الوجود:

C "هكذا يقول يهوه... يهوه صبوؤت أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى"(14).

C "لأنى أنا يهوه لا أتغير.."(15).

ويتضح معنى الأسم ومغزاه من الطريقة التى سأل بها موسى الله عن أسمه: "ما أسمه"(16)، فقد سأل عن جوهر الأسم ومغزاه، ويتضح المعنى أيضاً من الطريقة والكيفية والكلمات التى أعلن بها الله عن الأسم:

"أهيه الذى أهيه... أهيه ارسلنى... يهوه إله آبائكم". و "أهيه" مثل "يهوه" أكون، هى صيغة المتكلم من الفعل "هايا، هاياه، هيه"، أى "أنى كائن" "أكون الذى أكون... أكون... الكائن، وعلى قول الله "أنى كائن" يجيب الانسان" هو الكائن" ويخاطبه "أنت الكائن"، أو "هو من يعطى الكيان"(17).

إذاً فالأسم يعبر عن الوجود الذاتى غير المتغير، الذى كان دائماً ما يكون، والذى يكون ما كان، والذى سيكون دائماً ما كان وما يكون دون أن يتغير(18)، لأنه هو ذاته غير المتغير.

وإلى جانب ما سبق فهناك الوجهه السببيه للأسم والذى يعنى "يسبب أن يصير"(19)، "الذى يسبب أن يكون، الذى يُحضر للوجود"، أى "الخالق"(20)، "أنا الذى يسبب أن يكون" أى الذى يخلق، الذى يخلق من العدم، يوجد الشئ من لا شئ، "أنا سبب كون ما يأتى للوجود"(21)، عله الوجود، "خالق كل شئ" ما فى السماء وما على الأرض، السماء ذاتها وما فيها، والأرض ذاتها وما عليها، الكون كله من أصغر جزء فى الذره إلى أكبر المجرات، ما يرى وما لا يرى، ما ندركه وما لا ندركه:

C "فأنه هو الذى صنع الجبال وخلق الريح وأخبر الإنسان ما هو فكره الذى يجعل الفجر ظلاماً ويمشى على مشارف الأرض يهوه أسمه إله الجنود أسمه"(22).

C "هكذا يقول الله يهوه خالق السموات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطى الشعب عليها نسمه والساكنين فيها روحاً"(23).

C "لأنه هكذا قال يهوه خالق السموات هو الله. مصور الأرض وصانعها. هو قدرها. لم يخلقها باطلاً. للسكن صورها. أنا يهوه وليس آخر"(24).

C "أنت نصبت كل تخوم الأرض الصيف والشتا وأنت خلقتها"(25).

C "الشمال والجنوب أنت خلقتهما... خلقت جميع بنى آدم"(26).

C "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدره لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهى بإرادتك كائنه وخُلقت"(27).

C "الحى إلى أبد الآبدين الذى خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها والبحر وما فيه"(28).

2- قداسة الأسم "يهوه":

يتكرر أسم "يهوه" فى العهد القديم، فى الأصل العبرى حوالى 6.800 مرة(29)، وبالتحديد 6.823 مرة(30). ونظراً لقداسة الأسم الشديدة وعظمته ورهبته، وكذلك الخوف من تحذير الوصية الثالثه:

"لا تنطق بأسم يهوه إلهك باطلاً لأن يهوه لا يُبرى من نطق بأسمه باطلاً"(31).

وأيضاً الخوف من الوقوع تحت عقوبه التجديف التى هى الموت رجماً:

"ومن جدف على أسم يهوه فإنه يقتل. يرجمه كل الجماعة رجماً. الغريب كالوطنى عندما يجدف على الأسم يقتل"(32).

لذلك أمتنع اليهود عن النطق به نهائياً منذ القرن الرابع قبل الميلاد، أى، فى زمن الهيكل الثانى، وبالغوا فى ذلك كثيراً، ودعوه "بالأسم الذى لا ينطق به ولا يصح ذكره"(33).

ويعقب الفيلسوف اليهودى فيلون Philo (20ق.م-40م)(34) على لاويين (15: 24) "كل من سب إلهه يحمل خطيئته"، بقوله "إذا كان هناك أحد، لا أقول أنه يجدف على رب الناس والألهه، بل يجرؤ فقط على أن ينطق بأسمه فى وقت غير مناسب فليتوقع الموت"(35).

وقال أيضاً "الأسم يهوه لا يجوز أن ينطق به إلا الذين تطهرت بالحكمة آذانهم والسنتهم، وبشرط أن يسمعوه وينطقوا به فى مكان طاهر"(36).

وبلغ من حرصهم على عدم نطق الأسم أنهم ظنوا أنه حتى الملائكه نفسها لا يجوز لها أن تنطق بأسم يهوه(37). وجاء فى القاموس الدولى للدين" هذا الأسم (يهوه) مقدس لدرجة أن اليهود لم ينطقوه عالياً أبداً ودائماً يستبدلونه بلقب آخر"(38)، ويقول التلمود البابيلونى "أن اليهود امتنعوا أن يلفظوا الأسم، بل والكهنة أيضاً لم يعدوا ينطقون به حتى فى تلاوة البركه"(39). ويقول التلمود الأورشليمى أنه كان مشروعاً لرئيس الكهنه أن ينطق بالأسم فى احتفالات يوم الكفاره(40). وكان ينطق به بصوت خفيض فى قدس الأقداس حتى لا يسمعه أحد خارجاً.

وبلغت المبالغه فى الخوف من نطق الأسم أن يقول أحد الربيين، كما ينقل د.ت. بيرسون D. T. Pierson، أن من يجرؤ على النطق بهذا الأسم (يهوه) سيفقد مكانه فى العالم الآتى(41)، أى يحرم من السعاده الأبدية.

ومن ثم فقد دعوه ب "الأسم – Ha Shem" و "الأسم العظيم المهوب" و "الأسم الخاص" و "الأسم المنفصل" و "الأسم الذى لا ينطق به" و "الأسم الذى لا يوصف" و "الأسم المحفوظ، و "الأسم المقدس" و "الأسم المتميز" و "الأسم الذى من أربعة أحرف (ى. و. ه Y H W H)"(42). وغلاباً ما يسمى بالكلمه اليونانيه "تتراجراماتون – Tetragrammaton" أى الأسم ذو الحروف الأربعة (YHWH, JHVH)(43).

وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه ب "ادوناى – Adonai" والذى يعنى "ربى – My Lord"، ويضعون التشكيل والحركات التى للأسم "ادوناى" على الحروف الأربعة "ى.ه.و.ه" للأسم الذى لا ينطق به، وينطقون "أدوناى". وهكذا تركوا الحروف الساكنه الأربعة ليهوه، فى النص، ووضعوا معهم الحروف المتحركة لأدوناى (a – o – a). ومن هذا جاء الأسم الهجين "جيهوفاه – Je hovah" المستخدم فى الانجليزية والفرنسية والألمانية، وهو الشائع الآن(44).

وقد فقد النطق الصحيح للأسم من التقليد اليهودى أثناء العصور الوسطى(45). وصار ينطق بأشكال مختلفة أهمها: "ياهفيه او يهفيه – Yahveh, Yeheveh" أو "ياهفى – Yahve" أو "جيهوفا – Jehova"(46).

يقول المؤرخ والكاهن اليهودى يوسيفوس (36 – 100م) أنه غير مشروع له أن يقول شئ عن هذا الأسم المقدس ونطقه(47).

وقد حاول العلماء التوصل إلى النطق الصحيح للأسم، وقد توصلوا، من خلال ترجمة أكليمندس الأسكندرى للاسم "Iaoue" وكذلك نطق ثيؤدوريت أسقف قورش (من القرن الرابع الميلادى) والذى راجعه على التوراه السامريه(48) "iabe"، كما وجُدت بردية مصرية بها نصوص سحرية من نهاية القرن الثالث الميلادى تشهد للهجاء الابائى لاسم يهوه، خاصه لنطق ثيؤدوريت، إلى النطق التقريبى للاسم(49).

ويعتقد العلماء الآن أن النطق والشكل "يهوه – Yahweh" هو الأقرب للنطق الأصلى، وأصبح هو الشكل المقبول عالمياً، والنطق الذى تعتمده الترجمات الحديثة والدارسين عموماً(50).

3- ياه تصغير "يهوه":

وهناك تصغير ليهوه هو "ياه" ومعناه "هو يكون – He is" والكتاب يربط أحياناً بين "ياه" و "يهوه"، أو يأتى "ياه" بمفرده، وقد تكرر حوالى 40 مره فى أسفار الخروج والمزامير وأشعياء:

C "توكلوا على يهوه إلى الأبد، لأن فى ياه يهوه صخر الدهور"(51).

C "غنوا لله رنموا لاسمه. أعدوا طريقاً للراكب فى القفار باسمه ياه وأهتفوا أمامه"(52).

C "ياه (الرب) قوتى ونشيدى. وقد صار خلاصى. هذا إلهى فأمجده. إله أبى فأرفعه"(53).

ويرتبط اسم.ياه" مع "يهوه" فى أشعيار أكثر من ثلاث مرات للتعبير على أن "ياه" هو "يهوه" ذاته: "هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى وقد صار لى خلاصاً"(54).

وكما لم يجرؤ الكتبه على نطق "يهوه" وكتابته بشكل كامل، هكذا لم يجرؤ أيضاً على كتابه "ياه" بشكل كامل "ياه – Ya". وهو كما قلنا يعنى "هو يكون – He is" من الزمن المضارع لفعل الكينونه "هيه – هايا – Etre – to Be"، ويمكن أن يوصل إلى "أنا أكون – Ego eimi – I am"، كما يوصل "يهوه" إلى التعبير الكامل "أكون ما أكون"(55). فهو يعبر عن الإله الحى، الحاضر والموجود دائماً فى كل زمان، كما يعبر عن حضور الله الدائم فى الحياة اليومية، وعمله الدائم وأشرافه على سلوك خليقته(56):

"الله لنا ملجأ وقوه. عوناً فى الضيسقات وجد شديداً"(57).

4- أسماء الله العامه و "يهوه":

إذا كان "يهوه" هو اسم الله الخاص الذى لا يمكن أن يطلق على غيره، والذى يعبر عن كينونته وجوهره، وكونه الموجود أبداً والحى إلى الأبد، لذا لا يقال أبداً "يهوه الحى"(58)، فالاسم ذاته يعنى أنه الموجود الذاتى واجب الوجود والحى إلى الأبد، فهناك ألقاب أخرى، عامه، لله، تعبر عن "الالوهيه، اللاهوت، وهى "إيلوهيم – Elohim، إيل – Eloah"، وتعنى "الله، إله، لاهوت، الوهيه".

وقد استخدمت عن الله الواحد "يهوه" وعن فكره الالوهيه عموماً(59):

C "لا يكن لك إلهه (إيلوهيم) أخرى أمامى"(60).

C "لأنه من هو إله (إيلوه) غير يهوه"(61).

C "لأنه من هو إله (إيل) غير يهوه"(62).

C "الله (إيل) ليس إنسان فيكذب"(63).

C "أما المصريون فهم أناس لا إلهه (إيل).."(64).

C "ليس لك مثل بين الالهه (ba, elohim) يا رب"(65).

C "وليس معه إله (Lo, el) أجنبى"(66).

C "ذبحوا لأوثان ليس الله (Lo, eloah)"(67).

(1) إيلوهيم (يهوه إيلوههيم)، "القدير، المقتدر":

يستخدم لقب "إيلوهيم – Elohim" فى العهد القديم، بصفه عامه، كلقب لله الواحد، وككلمه معبره عن الالوهيه بصفه عامه "إله، إلهه، الوهيه"(68). وقد تكرر فى العهد القديم (2.570)(69) مره، منها (2.300)(70) مره عن "الله" والباقى استخدم بمعنى عام "إله آلهه" عن أوثان(71)، وملائكه(72)، وبشر(73).

ويعبر "إيلوهم"، كلقب لله، فى العهد القديم، عن القدره "المقتدرون والعزه والسمو والأرتفاع. وهو اسم جمع، وعندما يستخدم عن الله يتبعه فعل مفرد وضمير مفرد وصفه مفرده:

C "فى البدء خلق (مفرد) الله (إيلوهيم) السماء والأرض"(74).

ويصف العلماء صيغة الجمع هذه فى "إيلوهيم" بالجمع المشدد الذى يتضمن فى ذاته "ملء اللاهوت" مركز فى الإله الواحد. وبالتالى فهو أكثر لقب مستخدم "لله"، بعد يهوه، ليعبر عن الله الواحد بصوره محدده، كما يعبر عن الله الواحد الذى يتضمن فى ذاته جمع القوات والصفات والشخصية. أنه يعبر عن وحدة اللاهوت فى الله الواحد، اللاهوت فى ملئه وكماله(75)، مع تثليث أقانيمه.

C "يهوه الهكم (إيلوهيكم) هو إله الإلهه (إلوهى ها إيلوهيم) ورب الأرباب الإله (إيل) العظيم الجبار المهيب..."(76).

وتكرر هذا اللقب 32 مره فى الاصحاحين الأول والثانى من سفر التكوين للتعبير عن قوة الله الخلاقه. فهو لقب يعبر عن قدره الله ومجده وقوته الخلاقه وكمال لاهوته. كما أنه يعبر عن الله كلى القدره واللاهوت بأوسع معنى له:

"أنا يهوه إلهك (إيلوهيم) إيل (إيل) غيور"(77).

ويستخدم الكتاب المقدس أبتداء من سفر التكوين (4: 2) تعبير "يهوه إيلوهيم" والذى عاده ما يترجم "الرب الإله – The Lord God". ويعبر هذا التعبير عن كينونه الله وقدرته الكليه، فيهوه، كما سبق أن بينا يعنى: الكائن الدائم الوجود، الحى السرمدى، كما يعنى إيلوهيم: قدره الله وسموه وعزته، كلى القدره والكائن الاسمى. وأستخدام الاسمين معاً فى تعبير واحد يعبر عن حقيقة الله الواحد، الكائن أبداً، الدائم الوجود، الواجب الوجود، الموجود بذاته، الحى، الخالق، نبع الحياه ومصدرها، العظيم المهوب.

(2) إيل (EI)، "القدير":

يستخدم "إيل" فى اللغات الساميه، بصفه عامه، كأسم عام "للالوهيه"، ويعنى "إله، الوهيه" ويرادفه فى العربية "إله – ilah"(78). ويعنى فى أصله السامى "الحياه"، "القوه"، "التفوق"(79). ويوصف بأنه الخالق الأبدى "خالقنا الأبدى"، "خالق المخلوقات"، "خالق الأرض"، "أبو الإنسان"، "الذى لا عمر له"(80).كما يوصف بصاحب الحكمه ذو الشعر الاشيب و "القديم"، "الأبدى"، "الملك الأبدى"، الملك أبو السنين(81)"، والرحيم"، الرؤوف"، الديان"، السامى"، "القدير"، "القوى(82)".

ويستخدم "إيل" فى العهد القديم كأسم عام للاهوت "إله، ألوهية، بصفة عامة، كما يستخدم كأسم علم "لله" بصفة خاصة(83). بمعنى "القدير" ونادراً، ان لم يكن ابداً، ما يستخدم كأسم علم لغير الله "يهوه" فى العهد القديم(84). ويستخدم الأسم كثيراً فى الأسفار الشعرية، خاصة ايوب والمزامير، كأسم لله الواحد. وقد تكرر فى سفر ايوب وحده حوالى 50 مرة(85). ويستخدم كأسم مرادف ليهوه، كما يستخدم أيضاً ليصف يهوه:

C "صوت يهوه على المياه. إله (إيل) المجد أرعد(86).

C "لأن يهوه إله (إيل) عليم(87).

C "هوذا الله (إيل) خلاصى... لان ياه يهوه قوتى(88).

وقد ترجم اللقب "إيل" حوالى 250 مره(89) "الله(90)". ويظهر هذا اللقب كثيراً فى ظروف تصف الله فى قوته العظيمة(91) وجبروته؛ فالله (إيل) هو الذى أخرج بنى إسرائيل من مصر بذراع قويه(92). ويصفه موسى النبى لبنى إسرائيل بالقول:

C "لأن يهوه إلهكم (إيلوهيم) هو إله الإلهه ورب الأرباب الإله (إيل) العظيم الجبار المهيب(93)".

وهو الذى قدم وعوده القديرة والعظيمة لأبراهيم ويعقوب(94)، وقد ظهر للمره الأولى فى سفر التكوين "الله العلى"، "إيل عليون"، عندما تقابل ابراهيم مع ملكى صادق كاهن "الله العلى، إيل عليون(95)".

كما استخدم السيد المسيح هذا اللقب فى أقوى تعبير له وهو على الصليب يعانى آلاماً شديدة، عندما صرخ إلى الآب منادياً:

C "إيلى، إيلى، لما شبقتنى" أى "إلهى إلهى لماذا تركتنى(96)"، والتى نقلها القديس مرقس بالاراميه "إيلوى، إيلوى(97)"، مناشداً الآب القدير، الله القدير، ومعبراً عن شدة الآلام التى يتحملها.

وبالاجمال فاللقب "إيل" يشير إلى الله "كالقوى، الأول، والواحد الذى هو عله وسبب وجود كل شىء، وبصيغته المفرده يعبر عن جوهر اللاهوت، ويرافق هذا اللقب عامه، صفات الله، وهو ملء التعبير يعبر عن شخص الله وعمله(98)".

ويستخدم اللقب "إيل" مع مجموعته من صفات الله والقابه، كالقاب مركبه، صارت فى حد ذاتها القاب عامه لله.

(3) إيل شداى (El Shaddai)، الله القدير":

يعنى "إيل شداى"، "الله القدير"؛ فاللقب "إيل" يعنى "الإله القدير"، كما يعنى "شداى"، "القدير- Almighty، أو الكافى- Sufficient"؛ وبالتالى فهو يعبر عن قدرة الله الكلية المركزه فى "إيل" وعن كرم الله وسخائه غير المحدود المركز فى "شداى". واللقب فى شكله المركب "إيل شداى" يعبر عن الله القدير الجواد، كلى القدرة كلى الجودة.

وكان هذا اللقب من أكثر الألقاب التى عرفها الأباء البطاركه(99)، والتى أعلن الله به عن ذاته كالقدير والقادر على كل شىء كلى القدرة، وخاصة فى الشعر القديم(100) وعندما ظهر لأبراهيم للمره الأولى ودعاه قال له: "أنا الله القدير (إيل شداى). سر أمامى وكن كاملاً(101)".وعندما بارك اسحق يعقوب قال له: "الله القدير (إيل شداى) يباركك(102)"، وكذلك عندما بارك يعقوب أبنه يوسف قال له: "القادر على كل شىء (شداى) الذى يباركك(103)".

وكان هذا اللقب من أكثر الألقاب استخداماً فى سفر أيوب، فقد تكرر فى هذا السفر وحده 31 مره من اجمالى 49 مره تكرر فيها اللقب فى كل العهد القديم(104). وكان هذا اللقب ايضاً مرادفاً ل "يهوه" ومعبراً عن قدرته الكليه ووجوده المطلق.

(4) إيل عليون (El Heleon)، "الله العلى":

"إيل عليون"، “El Elyon, Eleyon, Heleyon" يعنى "الله العلى"؛ إذ أن "عليون" يعنى "العلى- High, Most High" أو "الأعلى- Uppermost" أو الاسمى، الكائن السامى، الله فى سموه وعلوه "يهوه أرعد من السموات والعلى (عليون) أعطى صوته(105)". ويستخدم "عليون" أيضاً مع "إيلوهيم"؛ أصرخ إلى الله العلى (إيلوهيم عليون)..(106)"، وأيضاً مع "يهوه"؛ "وأرنم لاسم الرب العلى (يهوه عليون)..(107)"، لأن يهوه على (عليون) مخوف ملك كبير على كل الأرض(108)"، ويتكرر أستخدام "يهوه عليون"، "الرب العلى" كثيراً فى سفر المزامير(109).

وهذا الأسم المركب يعلن عن الله "العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس أسمه(110)"، "العلى" المتسلط "فى مملكة الناس ويعطيها لمن يشاء(111)".

(5) إيل عولام (El Olam)، "الله الأبدى":

يعنى "عولام"، "أبدى"، "زمن أبدى"، زمن حدوده مخفيه" أى بلا حدود، بلا بدايه بلا نهايه، ويصف ما يمتد فوق رؤيتنا البعيده جدأً، سواء كانت رؤيتنا للوراء أو للأمام. وعندما سصف الله يعنى أن سلطانه ممتد فى الأبدية، ممتد فى كل الدهور ولا تأثير للزمن عليه، وأنه هوذاته، الله، إيل أبدى بلا بدايه ولا نهايه، سرمدى:

C "من الأزل إلى الأبد أنت الله"(112)".

C "كرسيك مثبته منذ القدم. منذ الزل أنت الله(113)".

C "توكلوا على يهوه إلى الأبد لأن فى ياه يهوه صخر الدهور(114)".

C "ودعا (إبراهيم) هناك بإسم يهوه الإله السرمدى(115)".

C "يهوه إله أبدى... خالق أطراق الأرض(116).

(6) إيلوه (Elah)، "المعبود":

"إيلوه" يعنى "المعبود"، الذى تقدم له العباده"، الذى له السياده". وهو مفرد "إيلوهيم" ومرادف له، وهو لقب قديم لله، إيل، يهوه، ويرادف "الله- Allah" فى العربية، ويهوه(117) فى العبريه، ويعبر عن الله الواحد المعبود والذى له السياده. ويتكرر أستخدامه فى الشعر، خاصه الشعر القديم جداً(118)، فقد تكرر فى العهد القديم ككل 57 مره منها 42 مره فى سفر أيوب وحده.

و"إله- Elah" هو الشكل الكلدانى، الأرامى من "إيلوه" ويعنى أيضاً "المعبود" ويرادف "الله" بالعربية، وفعله العبرى "ألاه alah(119)" يعنى "يعبد"، يسجد"، "يقدم العباده"، "يهاب"، وكأسم يعنى "المعبود" و"الذى له السيادة، ويظهر هذا اللقب "إله" فى سفرى عزرا ودانيال 89 مره، وفى سفر ارميا مره واحدة فقط، وذلك فى الاجزاء الأرامية من هذه الأسفار، لأنه يصف الله الحى، الحقيقى، المعبود، المرتبط بشعبه أثناء السبى وعند العودة منه.

(7) ادون، ادوناى (adhon, adhonai)، "الرب":

يعنى لقب "ادون، Adon, adhonai))، فى العبرية "رب، سيد، “Lord”، وجمعه "ادونيم- Adhonim"، "ارباب- Lords" والذى يستخدم كجمع تعظيم للمفرد(120). ويستخدم "آدون" فى العهد القديم بمعنى السيد الأرضى (أكثر من 300 مرة)(121) مثل الزوج الذى تخاطبه زوجته "ياسيدى(122)" والآب الذى يخاطبه ابناؤه "سيدى(123)، والعبد الذى يخاطب سيده "سيدى(124)" والتلميذ الذى يخاطب معلمه "ياسيدى(125)، و "سيد الأرض"(126) ورب البيت وغيره ممن يملكون أشياء كثيره مثيله(127). كما أستخدم بصفه خاصه للملوك "يا سيدى الملك"(128) وأصحاب السلطان "يا سيدى أنت رئيس من الله بيننا"(129). كما استخدم بمعنى الالهى (حوالى 30 مره(130)).

وقد استخدم هذا اللقب "آدون" بكل هذه المعانى فى مخاطبة الله، بالمعنى الأسمى، معنى الكرامه والسياده(131)، فهو الرب والسيد صاحب السلطان والسياده على جميع المخلوقات، مخلوقاته هو، كالخالق للكون وما فيه، السماء والأرض، من فيها ومن عليها، كما يستخدم أيضاً للتعبير عن قوة الله وقدرته الكليه. ويستخدم أيضاً عن الله بصيغة الجمع، جمع التعظيم للتعبير عن الوهية الله وربوبيته وسيادته "قدرته السرمدية ولاهوته"(132):

"الرب الهكم هو إله الالهه ورب الأرباب ,ادونى ها ادونيم) الإله العظيم الجبار"(133).

ويعنى لقب "ادونى adhoni"، "ربى، سيدى – my lord" لأن حرف الياء "ى" هو ياء الملكيه. أما "ادوناى – adhonai" فيستخدم عاده للأحترام والتوقير، كبديل ل "أنت" و "هو"(134). ويستخدم فى أغلب الأحيان عن الله ويرتبط دائماً بالأسم الإلهى "يهوه". ويظهر هذا اللقب فى العهد القديم 449 مره، منها 315 مره مع يهوه – "ادوناى يهوه" 310 مره، ويهوه ادوناى" 5 مرات – و134 مره "ادوناى" وحده(135). وقد تكرر اللقب فى سفر حزقيال وحده 127 مره(136)، منها حوالى 182مره(137). "ادوناى يهوه" والباقى "ادوناى"وحده. وقد ترجم هذا اللقب المركب "ادوناى يهوه" و "يهوه ادوناى" ب "السيد الرب Lord God"(138)، ويعبر عن سلطة الله، يهوه، وسيادته على الكون كله، الخليقه كلها. وفى الغالبيه العظمى من الفقرات التى يتكرر فيها "ادوناى" تسبقه عباره "هكذا يقول كمقدمه له، خاصه فى سفرى حزقيال وأشعياء:

C "لذلك هكذا يقول السيد الرب..."(139).

C "هكذا يقول السيد رب الجنود..."(140).

ومنذ فترة ما بعد السبى وأمتناع اليهود عن نطق الأسم يهوه، أستخدم اللقب "ادوناى" كمرادق لأسم يهوه ومساو تفسيرى له، يعبر عن مغزاه وماهيته(141)، كما حل محله، كبديل له، فى الأحاديث الشفويه(142). وهذا جعل اليهود يحرصون على حماية الأستخدام الدينى ل "ادون" حتى لا يخاطب الناس به كما يخاطبون الساده من البشر، فكانوا يكتبونه، عند الأستخدام مع "يهوه" أو كبديل له، بطريقة مميزه وينطقونه أيضاً بطريقة مميزة(143).

 

 

(1) See Theo. Dic. OT vol. 5 p. 500 & Clarke’s Comm. Vol. 1 p. 475 & Int. St. Bib. Ency. Vol. 2 p. 507.

(2) خر 14: 3و15.

(3) ملا 6: 3.

(4) مز 12: 102، 24-27.

(5) مز 2: 90.

(6) 1 مل39: 18.

(7) تث 39: 4.

(8) Theo. Dic. Ot. Vol. 5 p. 513.

(9) Int. St. Bib. En. Vol. 2 p. 705

(10) Ibid

(11) All the Divin Names and Titles in the Bible p. 18.

(12) "أنت المسيح ابن الله الحى" الانبا غريغوريوس ج 88: 5.

(13) رؤ 8: 1.

(14) أش 6: 44.

(15) ملا 6: 3.

(16) أش 5: 45.

(17) معجم اللاهوت الكتاب ص 878.

(18) All the D. N. P. 18.

(19) Theo. Dic. Ot. Vol 2. P. 513

(20) The Interp. Dic. Vol. 2 p. 410

(21) Ibid and Int St. Bib. Ency. Vol. 2. P. 507.

(22) عا 13: 4.

(23) أش 5: 42.

(24) أش 18: 45.

(25) مز 17: 74.

(26) مز 12: 89،47.

(27) رؤ 11: 4.

(28) رؤ 6: 10.

(29) Interp. Dic. Vol. 2 P. 409

(30) "أنت المسيح ابن الله الحى" ج 89: 5.

(31) خر 7: 20 "لأن الأسم يهوه فى ذاته ليس مجرد اسم ينطق، بل يتضمن (1) طبيعته (الله) وكيانه وشخصه (أنظر مز 1: 20، لو 47: 24، يو 12: 1)، (2) التعليم أو العقيدة (مز 22: 22، يو 6: 17، 26)، (3) تعليمه الأخلاقى (ميخا 5: 4)، Exp. Bib Com. Vol. 2. P. 423.

(32) لا 16: 24.

(33) Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500.

(34) "الموسوعة النقدية للفلسفة اليهوديه" د. عبد المنعم الحفنى، ص 160.

(35) "أنت المسيح ابن الله الحى" ج 90: 5.

(36) السابق ص 90.

(37) السابق

(38) The Int. Dic. Of Religion P. 99.

(39) أنت المسيح ج 91: 5.

(40) السابق

(41) All D. Names P. 18.

(42) Ibid 17.

(43) The Levicon Web. Dic. Vol. 2. P. 1017

(44) كانت اللغة العبرية تتكون من 22 حرفاً ساكناً وليس بها حركات أو حروف متحركة. وكان القارئ يدرك النطق الصحيح ويضع الحروف المتحركة من الذاكرة تقليدياً، ومع عدم نطق اسم يهوه فقد ضاع النطق الصحيح له. وبدأت الحركات والحروف المتحركة تدخل تدخل اللغة العبرية، حتى تم ذلك على أيدى المأسوريين، أى حملة التقليد (ماسورا) فيما بين 500 إلى 950م (كتاب التوراه كيف كتب وكيف وصلت إلينا) للمؤلف ص 29 و 73.

(45) Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500

(46) The Pulpit Com. Vol. 1 Ex. 57. See also Clarke’s Com. Vol. 1 P. 475.

(47) Ant. B. 2: 4

(48) Interp. Dic. Vol. 2 p. 409 & Int. St. B. En. Vol. 2 p. 507.

(49) Ibid

(50) Ibid and Theo. Dic. OT Vol. 5 p. 500.

(51) أش 4: 26.

(52) مز 4: 68

(53) خر2: 15.

(54) أش 2: 12.

(55) All D. N. P. 15

(56) Ibid P. 16

(57) مز 1: 46.

(58) Ibid

(59) Theo. Dic. OT Vol. 1 P. 272

وردت عن الهه وثنيه (أصنام) (خر 15: 34، 12: 12، 15: 24، قض 10: 6، 6: 10).

(60) خر 3: 20.

(61) مز 31: 18.

(62) 2 صم 32: 22.

(63) عدد 9: 23.

(64) أش 3: 31.

(65) مز 8: 86.

(66) تث 12: 32.

(67) تث 17: 32.

(68) Theo. Dic. OT Vol. 1 P. 276 & 280.

(69) Ibid P. 272.

(70) All D. N. P. 5

(71) أنظر خر 14: 34، 12: 12، 15: 24، قض 10: 6، 6: 10، 1مل 33: 11، 2 مل 2: 1، 3، 6، 16، 33: 18، 34.

(72) بمعنى "كائنات إلهيه"، أنظر مز 5: 8، 7: 97.

(73) مثل القضاه، أنظر خر8: 22، مز 6: 82، وكذلك أرواح الموتى 1 صم 13: 28، أش 19: 8.

(74) تك 1: 1.

(75) Int. St. Bib. Enc. Vol. 2 P. 505 & 506.

(76) تث 17: 10.

(77) تث 9: 5.

(78) Theo. Dic. Ot Vol. 1 P. 242 – 244

(79) Ibid P. 245.

(80) Ibid

(81) Ibid

(82) Ibid

(83) Interp. Dic. 2P. 411

(84) Theo. Dis. OT. Vol. 1 P.253

(85) Int. St. Bib. Enc. Vol.2 P. 505 & Theo. Dic. OT Vol. 1 P.259

(86) مز 3: 29

(87) 1 صم 3: 2

(88) اش 2: 12

(89) All D. N. P.7

(90) Young’S Ana. Con. Bib. P.411

(91) All D. P.7

(92) عدد 22: 23

(93) تث 17: 10

(94) Ibid

(95) تك 18: 14

(96) متى 46: 27

(97) مر 34: 15

(98) Ibid

(99) خر 3: 6

(100) تك 24: 49،25؛ عدد 4: 24،16

(101) تك 1: 17

(102) تك 3: 28

(103) تك 24: 49،25

(104) Young’s Ana. P.28

(105) 2 صم 14: 22

(106) مز 2: 57

(107) مز 17: 7

(108) مز 7: 97

(109) أنظر مز 2: 47؛ 18: 83

(110) اش 15: 57 (أنظر اع 48: 7)

(111) دا 25: 4

(112) مز 2: 90

(113) مز 2: 93

(114) اش 4: 26

(115) تك 33: 21

(116) اش 28: 40

(117) مز 31: 18؛ 22: 50،23 اش 8: 44

(118) تث 15: 32،17؛ مز 31: 18؛ حب 13: 3

(119)) وتعنى كلمة "إله- Elah" أصلاً بلوطه an Oak، لأن هذه الشجرة ترمز للمتانة. أنظر All D. P.9

(120) Theo. Dic. OT Vol. 1 P.61

(121) Ibid

(122) تك 12: 18

(123) تك 5: 31

(124) تك 12: 24 (أنظر خر 5: 21)

(125) عدد 28: 11

(126) تك 30: 42.

(127) Ibid 62

(128) 1 صم 8: 24، 127: 26.

(129) تك 6: 23.

(130) Ibid 61.

(131) Interp. Dic. Vol. 2 P. 414

(132) رو 20: 1.

(133) تث 17: 10.

(134) Theo. Dic. OT Vol. 1 P. 62.

(135) Theo. Dic. OT Vol. 1 P. 62, 63.

(136) Ibid 63.

(137) All D. N. P. 35.

(138) Int. St. Bid. Enc. Vol. 2 P. 508

(139) أنظر حز 8: 13، 13، 16، 20.

(140) أش 24: 10.

(141) Kittle Theo. Dic. NT Vol. 3 P. `058.

(142) Int. St. Bib. Enc. Vol. 2 P. 508.

(143) فقد أعتبروا حرف الياء (ى) الأخير فى الكلمه والدال على الملكيه جزء من الكلمة "ادون ى"، ثم طولوا نطق هذه الياء ,الأخيره من الكلمه) فأصبحت "ادون اى". وكان هذا الفارق الخفيف كافى لتمييز "ادوناى" كنص دينى.

Inter. Dic. Bib. Vol. 2 P. 414.

الفصل الثالث

إسم يهوه

 

حمل الأسم "يهوه" ونسب إليه كل ما ينسب لله من صفات، كما كان اسم "يهوه" محور العباده فى القديم. واسم "يهوه كما بينا هو الاسم الوحيد الدال على ماهية وكينونة وجوهر الذات الإلهية والذى لم يشارك الذات الإلهية فيه أحد. وقد كان اسماُ على مسمى. والاسم فى الكتاب المقدس وفى اللغة العبرية والشعوب التى كانت مجاوره لها لم يكن مجرد علامه (Lable) خارجيه لتمييز شخص عن آخر، وشئ عن آخر، مثل إله وإنسان وحيوان ونبات وجماد، فحسب(1)، بل كان الاسم، فى الكتاب المقدس، خاصه أسماء الأشخاص المرتبطين بعلاقه قوية مع الله، مثل الآباء البطاركه والأنبياء، مرتبط بمغزاه الكامن فيه والمتصل به، "فآدم" دعى "آدم" لأنه من أديم الأرض أخذ"(2)، وحواء دعيت "حواء" لأنه "أم كل حى"(3)، وأسحق ومعناه "ابن الضحك" دعى هكذا لأن أمه ضحكت عند سماعها خبر الحبل به من الفم الإلهى(4). فالاسم فى الكتاب المقدس يشير إلى الشخص وكما يقال: "كما يسمى الرجل يكون هو"(5).

وكان للاسم فى الكتاب المقدس أهمية خاصه، فكان يدل على صاحبه، وكما قيل: مثل الاسم يكون الشخص، والاسم هو الشخص، فقد كان يتبع تغيير صفة الشخص أو حالته تغيير اسمه(6)، وعلى هذا الأساس تغير اسم "ابرام" إلى "ابراهيم"(7) و "ساراى" إلى "ساره"(8) و "يعقوب" إلى "أسرائيل"(9) و "سمعان" إلى "بطرس"(10) و "شاول" إلى "بولس"(11). بل وكان الوحى يعطى بعض الأفراد أسماء نبويه ذات مغزى نبوى ولا هوتى مثلما حدث مع أبناء أشعيا النبى(12) وهوشع النبى(13).

وهكذا اسم الله، فإذا كان للأسماء البشريه مثل هذه الأهمية لذا فمن الطبيعى أن يكون لأسماء الله وألقابه أهميه عظمى ومغزى لاهوتى عظيم.

أولاً: أسم يهوه يحمل جميع صفات الذات الإلهية

1- اسم يهوه لم ينسب لغير الله:

أسم "يهوه" هو اسم الله وحده ولم يطلق على غير الذات الإلهية ولم يسم به سوى الله وحده "يهوه هو الله، يهوه هو الله"(14). فهو الدال على ماهيته وجوهره وكينونته، الدال على الوجود الذاتى المطلق لله، كما يدل على الحياة الذاتيه المستمرة أبداً والفعاله فى ذات الله، "حى أنا إلى الأبد"(15)، "حى أنا يقول يهوه"(16).

ولم يذكر اسم "يهوه" معرفاً بأداه تعريف على الأطلاق لأنه اسم الذات الإلهيه الدال على ماهية وكينونه وجوهر اللاهوت، الله. ذُكر "يهوه" فقد كأسم مُعرف فى ذاته بدون أدوات التعريف اللغوية. كما لم يذكر أبداً بصفه الحى ولم يقال أبداً "يهوه الحى" كما قيل "الله الحى"، بل ذكر "يهوه" دون إضافه لقب "الحى"(17). فالاسم فى حد ذاته يعبر عن وجود الحياه فى الذات الإلهية، فهو الكائن الواجب الوجود، الدائم الوجود، عله وسبب الوجود الذى تنبع الحياه فى ذاته "له حياه فى ذاته"(18) وهو "الحى"، "حى أنا يقول يهوه"(19)، والحياه ليست منفصله عنه. وهذا ما لا ينطبق على مخلوق، لأن كل مخلوق يستمد وجوده وحياته من الله الحى الموجود الذاتى واجب الوجود، يهوه الكائن السرمدى.

كذلك لم يطلق تصغير يهوه "ياه" على بشر أو أى مخلوق آخر، بل أطلق على الله وحده، وأن كان قد ذُكر مع أسماء مركبه مثل "أبيا Abijah" والذى يعنى "يهوه ابوه"(20).

2- يهوه اسم الله وحده ولا يمكن أن يعطيه لغيره:

يكرر الكتاب تعبير "يهوه اسمه"، "اسمك يهوه"، "اسمى يهوه" للتعبير على أن أسم يهوه لا يخص ولا يعبر سوى عن الله وحده، لأنه كما قلنا يعبر عن ماهيته وكينونته وجوهره كالواجب الوجود والدائم الوجود وعلة كل وجود، كلى القدره:

C "هكذا قال يهوه صانعها. الرب مصورها ليثبتها، يهوه اسمه"(21).

C "الرب إله الجنود يهوه اسمه"(22).

C "ويعلمون أنك أنت وحدك اسمك يهوه العلى على كل الأرض"(23).

C "هأنذا أعرفهم هذه المره، وأعرفهم يدى، وجبروتى، فيعرفون أن أسمى يهوه"(24).

C "هو الذى صنع الجبال وخلق الريح وأخبر الإنسان ما هو فكره، الذى يجعل الفجر ظلاماً، ويمشى على مشارف الأرض، يهوه إله الجنود اسمه"(25).

C "الذى صنع الثريا والجبار، ويحول ظل الموت صبحاً، يظلم النهار كالليل، الذى يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض، يهوه اسمهُ"(26).

C "الذى بنى فى السماء علاليه، وأسس على الأرض قبته الذى يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض يهوه اسمه"(27).

كما أنه لم ولا ولن يعطيه لأخر لأنه "اسمه القدوس"(28) والمخوف، اسم الذات الإلهية الدال على الوجود الذاتى المطلق. كما يذكر الكتاب أن يهوه، الله، يغار على اسمه القدوس من التدنيس، وأنه لا يعطى اسمه ولا مجده لمخلوق ما:

C "أنا يهوه هذا اسمى ومجدى لا أعطيه لآخر"(29).

C "وأعرف بأسمى المقدس وسط شعبى إسرائيل ولا أدع أسمى المقدس يتنجس بعد فتعلم الأمم أنى أنا يهوه... وأغار على أسمى القدوس"(30).

ومن لا يمجد اسمه من الكهنه ويرتاع منه تصيبه اللعنه:

C "والآن اليكم هذه الوصية أيها الكهنه. أن كنتم لا تسمحون ولا تجعلون فى القلب لتعطوا مجداً لأسمى قال يهوه الجنود فأنى أرسل عليكم اللعن والعن بركاتكم... كان عهدى معه (لاوى) للحياه والسلام وأعطيته إياهما للتقوى فأتقانى. ومن اسمى أرتاع هو"(31).

3- المدعوا بأسمه:

كل من دعا بالإيمان بالله والتوبه فى العهد القديم دعا "باسم يهوه" وكان انوش بن شيث بن آدم هو أول من "دعا باسم يهوه"(32).

C وأختار الله سبط لاوى "لكى يقف ليخدم باسم يهوه هو وينوه كل الأيام"(33).

C وعندما قدم ابراهيم ذبائح لله بنى "مذبحاً للرب ودعا باسم يهوه"(34).

C وكذلك اسحق "بنى... مذبحاً ودعاً باسم يهوه"(35).

C ولما بنى سليمان الهيكل "دعا باسم يهوه"(36).

C وكذلك لما ظهر الملاك لهاجر "دعت اسم يهوه الذى تكلم معها أنت ايل رئى"(37).

C وكذلك نزل الله بمجده وظهر بواسطة السحاب نادى قائلاً:

C "وأجيز كل جودتى قدامك وأنادى باسم يهوه قدامك"(38).

C "فنزل الرب فى السحاب، فوقف عنده هناك ونادى باسم يهوه"(39).

4- اسمه مخوف ومهوب:

حذر الله من الحلف باسمه "يهوه" باطلاً أو التجديف عليه مما جعل بنى اسرائيل يتجنبون نطق الاسم نهائياً وليس الحلف به فقط:

"لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاًز لأن يهوه لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً"(40).

"ومن جدف على اسم يهوه فإنه يقتل"(41).

5- والفرق بين النبى الصادق والنبى الكاذب هو النطق باسم "يهوه" بالحق:

"أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون ابن الإنسان الذى لا يمسع لكلامى الذى يتكلم به بأسمى أنا اطالبه. أما النبى الذى يطغى فيتكلم بأسمى كلاماً لم أوصه أن يتكلم به أو الذى يتكلم بأسم الهه أخرى فيموت ذلك النبى. وأن قلبت فى قلبك كيف نعرف الكلام الذى لم يتكلم به الرب. فما تكلم به النبى باسم يهوه ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذى لم يتكلم به الرب بل يطغيان تكلم به النبى فلا تخف منه"(42).

6- وكانت الشعوب تخاف شعب الله لأن اسم "يهوه" دعى عليهم:

"فيرى جميع شعوب الأرض أن اسم يهوه قد سمى عليك ويخافون منك"(43).

7- وكان الحلف باسم "يهوه" هو أساس الثقة والأمان وذلك لاستحالة الحلف أو القسم به باطلاً، فمن يحلف به باطلاً موتاً يموت:

"فقال يوناثان لداود أذهب بسلام لأننا كلينا قد حلفنا باسم يهوه قائلين يهوه يكن بينى وبينك وبين نسلى ونسلك إلى الأبد"(44).

8- وكان داود وشعب الله فى القديم يترنمون ويسبحون ويباركون اسم "يهوه":

C "أحمد يهوه حسب بره وأرنم لأسم الرب العلى"(45).

C "فتخشى كل الأمم اسم يهوه وكل ملوك الأرض مجدك"(46).

C "وباسم يهوه دعوت آه يا رب نج نفسى"(47).

C "آه يا يهوه لأنى عبدك. أنا عبدك ابن امتك. حللت قيودى"(48).

C "وباسم يهوه دعوت آه يا رب نج نفسى"(49).

9- وكان اسم "يهوه" هو البرج الحصين، والمتكل عليه والمخوف والمتنبأ به والمدعو له وبه:

C "أسم يهوه برج حصين. يركض إليه الصديق"(50).

C "فيخافون من المغرب اسم يهوه ومن مشرق الشمس مجده"(51).

C "ويكون أن كل من يدعو باسم يهوه ينجو"(52).

C "لأنى حينئذ أحول الشعوب الى شفه نقية ليدعوا كلهم باسم يهوه ليعبدوه بكتفٍ واحدة"(53).

10- أخيراً قال المرنم "يهوه هو الله الذى أنار لنا"(54).

 

ثانياً: أسم "يهوه" وترجماته المختلفة

1- "يهوه" والترجمات العالمية:

يكتب الاسم "يهوه" فى العبرية كما هو "يهوه" ولكن ينطق بدلاً منه، "ادوناى" كما سبق أن بينا ولكن عندما ترجم اليهود العهد القديم إلى اللغة اليونانية فى القرن الثالث ق.م الترجمة المعروفة بالسبعينية (LXX)، لم ينقلوا الاسم "يهوه" كما هو مثل أسماء الملائكة والبشر، كميخائيل وإسرائيل وغيرهم، وإنما ترجم ترجمة تفسيرية، لم ينقلوه بحرفيته، كما هو معروف فى نقل الأسماء كما هى من لغة إلى أخرى، وإنما ترجموا معناه، ترجموا الاسم ترجمة تعطى معناه وتبين ماهيته، أى استخدموا مرادف تفسيرى له، وترجموه إلى اللغة اليونانية "كيريوس – Kyrios"(55) ومعناه "رب وسيد" وبالنسبة للاهوت يعبر الاسم "كيريوس" فى اليونانية عن سيادة الله على الكون وربوبيته، كما يعبر عن العلاقة الشخصية بين الله والانسان. فالله هو السيد والرب والمعبود والخالق، والانسان بالنسبة لله، عبد ومخلوق، الله سيد والانسان عبد يقف تحت أمره(56).

كما ترجم أيضاً لقب "ادوناى" إلى كيريوس Kyrios. وقد أختار علماء الكتاب المقدس الذين قاموا بالترجمة إلى اليونانية لفظ Kyrios بالذات كمرادف تفسيرى للاسم "يهوه" لأنه يعبر عن ربوبية الله وسيادته على الكون بإعتباره، كما وصف فى الكتاب المقدس، "سيد كل الأرض"(57)، "سيد الأرض كلها"(58).

وقد ترجم "يهوه" واختصاره "ياه" وتركيباته مثل يهوه صبؤوت إلى "كيريوس Kyrios" 6156 مرة(59). كما أستخدم لفظ "كيريوس" للتعبير عن اللاهوت فترجم إليه "ايل" القدير 60 مرة، و"ايلوه" 43 مرة، و "ايلوهيم" كلى القدرة 193 مرة، و"الهى صبوؤت" 3 مرات. كما استخدم لفظ "كيريوس Kyrios" فى ترجمة تعبيرات "يهوه ايلوهيم" الرب الاله Kyrios o Theos و "يهوه ادوناى" السيد الرب Kyrios Kyrios وأحياناً "despotis Kyrios"(60).

كما ترجم "يهوه" فى القبطية (بشويس – Pshois) الرب، كما ترجم فى العربية أيضاً "الرب" بمعنى السيد والمالك، كما جاء فى مختار الصحاح: "الرب اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال فى غيره إلا بالاضافة"(61). فرب كل شئ مالكه، كما أن "الرب" فى العربية هو اسم من أسماء الله يدل على ربوبيته وسيادته للعالمين.

وترجم إلى الانجليزية سواء اليهودية أو البريطانية أو الأمريكية أو العالمية بلفظ "Lord" بحروف كبيرة ويعنى السيد والرب وبالنسبة لله يعنى السيد والرب والكائن الاسمى(62). كما ترجم فى الفرنسية ب "L’Eternel" أى السرمدى و "Seigneure" أى سيد، مولى، رب، وترجم بنفس المعنى فى جميع اللغات الأوربية والعالمية.

وكما هو واضح فقد حذت جميع الترجمات حذو الترجمة اليونانية السبعينية التى ترجمت سنة 282ق.م والتى كانت أول ترجمة من العبرية إلى لغة أخرى غيرها. وإن كان يوجد الآن بعض الترجمات القليلة جداً والتى نقلت الاسم بحرفيته "يهوه"(63).

2- "يهوه" والعهد الجديد:

لم يستخدم العهد الجديد لفظ "يهوه" ولم يظهر هذا الاسم فى أى من أسفاره على الاطلاق، سواء فى حديث السيد المسيح أو تلاميذه أو فى أحاديث اليهود، ولم يذكر أو يظهر حتى فى الآيات التى نقلت واقتبست من العهد القديم وبها اسم ولفظ "يهوه". ويرجع ذلك إلى أن الاسم كما بينا كان ممنوع النطق به منذ القرن الرابع ق.م وحتى الآن فى الأوساط اليهودية. لذا لم يستخدمه السير المسيح مع اليهود الذين كانوا يهابون النطق به أو مع غيرهم من الذين كانوا يتكلمون اليونانية. كما كانت اللغة الآرامية هى اللغة التى كانت سائدة أيامه"(64).

وكان اللقب المفضل لدى السيد المسيح هو لقب ولفظ "الآب" “Pateer” خاصة فى مخاطبته له:

"نعم أيها الآب(65)".

"أحمدك أيها الآب(66)

"أيها الآب مجد اسمك"(67).

وكان لقب "الآب" هو اللقب الذى لمح به وأعلن عن لاهوته من خلاله مرات كثيره بإعتباره ابن الآب السماوى له فى الجواهر والواحد معه فى اللاهوت والطبيعة. وقد فهم اليهود من استخدامه لهذا اللقب مساواته لله الآب، كما فهموا أنه يعلن عن لاهوته وأنه ينسب لنفسه أنه إله بقوله واستخدامه لقب "الآب":

فأجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله"(68).

ولما قال لهم "أنا والآب واحد. فتناول اليهود حجارة ليرجموه... قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فأنك وأنت انسان تجعل نفسك إلها"(69).

كما كان لقب "الآب" هو اللقب الذى بين من خلاله وحدة الذات الإلهية وتثليث الأقانيم أو الصفات الذاتية فى لاهوت الله الواحد، كما بين من خلاله أيضاً العلاقة بين الأقانيم الإلهية وخاصة أقنوم الآب وأقنوم الكلمة:

"وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الأبن ومن أراد الأبن أن يعلن له"(70).

"ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى"(71).

"ومن رآنى فقد رأى الآب"(72).

"أنا فى الآب والآب فى"(73).

"أنا والآب واحد"(75).

وبالإضافة إلى لفظ ولقب "الآب" استخدم السيد المسيح وتلاميذه لفظى "رب – Kyrios" و "الله Theos" كبديل ليهوه وغيره من القاب مثل "ايلوهيم" و "أيل". وهذا واضح من الآيات التى افتبسها العهد الجديد من العهد القديم:

1- جاء فى مزومور 5: 31 "فى يديك استودع روحى – فديتنى يا يهوه اله الحق".

واستخدم السيد المسيح نفس النص مع استبدال لفظ يهوه ب لفظ "يا ابتاه":

فقال: "يا أبتاه فى يديك استودع روحى"(76).

وجاء فى ملوك الثانى 33: 4 "فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلى إلى يهوه".

وقال السيد المسيح: "متى صليت فأدخل الى مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذى فى الخفاء"(77).

وهذا استخدم لفظ الآب "أبيك" بدلاً من "يهوه".

2- جاء فى تثنية 3: 8 "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما خرج من فم يهوه يحيا الانسان".

وقال السيد المسيح: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله (Theos)(78)"

وهذا استبدل اسم "يهوه" بلق "الله – Theos- ثيؤس".

وقال السيد المسيح "للرب (كيريوس) الهك تسجد وإياه وحده تبعد"(79).

وهنا استبدل اسم "يهوه" بترجمته "رب – Kyrios".

وكذلك حذا التلاميذ – كيهود فى الاصل – حذو السيد المسيح ولم يستخدموا لفظ "يهوه" مطلقاً سواء فى الكلام عن الله بصفة عامة أو عندما اقتبسوا نصوص وآيات من العهد القديم.

 

(1) الأسم أصلاً يعنى أيضاحيه، دلاله، علامه مميزة، يحدد به شخص أو مكان أو شئ، لتمييزه عن غيره، كما كان الأسم أيضاً يكشف عن طبيعة صاحبه "الرجل الليئم... نابال لأن كأسمه هكذا هو. نابال أسمه والحماقه عنده" 1 صم 25: 25.

Int. St. Bib./ Enc. Vol. 3 P. 481.

(2) تك 7: 2.

(3) تك 20: 3.

(4) تك 3: 21-6.

(5) Ibid Vol. 2. P. 504.

(6) Ibid

(7) تك 4: 17، 5.

(8) تك 15: 17.

(9) تك 28: 32.

(10) متى 17: 16،18.

(11) أع 9: 13.

(12) أش 3: 7، 3: 8.

(13) هو 6: 1،9.

(14) 1 مل 39: 18.

(15) تث 40: 32.

(16) عدد 28: 14.

(17) وهذا يختلف تماماً عن قوله "حى أنا يقول يهوه".

(18) يو 6: 5.

(19) عدد 28: 14.

(20) All D. N. P. 19

(21) أر 2: 33.

(22) هو 5: 21.

(23) مز 18: 8.

(24) ار 21: 16.

(25) عا 13: 4.

(26) عا 8: 5.

(27) عا 6: 9.

(28) مز 21: 33.

(29) أش 8: 42.

(30) حز 7: 29، 25.

(31) ملا 1: 2، 2،5.

(32) تك 26: 4.

(33) تث 5: 18.

(34) تك 8: 12، 4: 13.

(35) تك 25: 26.

(36) 1 مل 2: 13، 5: 5.

(37) تك 13: 16.

(38) خر 19: 33.

(39) خر 5: 34.

(40) خر 7: 20.

(41) لا 16: 24.

(42) تث 18: 18 – 22.

(43) تث 10: 28.

(44) 1 صم 42: 20.

(45) حز 17: 7.

(46) مز 15: 102.

(47) مز 4: 116.

(48) حز 4: 116.

(49) حز 10: 118.

(50) ام 10: 18.

(51) أش 19: 59.

(52) يؤ 32: 2.

(53) صف 9: 3.

(54) حز 27: 118.

(55) Kittle Theo. Dic. NT Vol. 3. 1039 – 1-59.

(56) Ibid 1052.

(57) يش 11: 3و 13، ميخا 3: 4.

(58) زك 14: 4، 5: 6، مز 5: 97.

(59) كما ترجم أيضاً بتعبيرات Kyrios o Theos وأيضاً ego eimi مرتين despotis مرة واحدة Kittle 1058.

(60) Ibid 1058

(61) مختار الصحاح ص 228.

(62) Chamber’s Twent. C. Dic. 537

(63) نقلت كثيراً من الترجمات الاسم "يهوه" كما هو فى آيات قليله دون ترجمه. (أنظر مثلاً للترجمة العربية خر6: 3، ار 2: 33، هو 5: 12، عا 13: 4، 8: 5، 6: 9).

(64) اللغة الآرامية مشتقة من اللغة العبرية كما هى بمثابة العامية لها.

(65) مت 26: 11

(66) مت 25: 11

(67) يو 18: 12.

(68) يو 17: 5و 18.

(69) يو 30: 10 – 33.

(70) لو 22: 10.

(71) يو 6: 14.

(72) يو 9: 14.

(73) يو 10: 43.

(75) يو 30: 10.

(76) لو46: 23.

(77) متى 6

(78) متى 4: 4.

(79) لو 8: 4.

الفصل الرابع

يسوع ويهوه

 

أولاً: إسم يسوع

عندما بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم بالحبل بالسيد المسيح وولادته قال لها:

"وها أنت ستحبلين وتلدين أبناً وتسمينه يسوع"(1).

وقال ليوسف النجار خطيب العذراء عن الحبل "الذى حبل به" فى العذراء:

"فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم"(2).

إذا فأسم "يسوع" هو الاسم الوحيد الذى تسمى به السيد المسيح(3) بعد التجسد، أنه اسمه الوحيد الذى تسمى به من الملاك كما تسمى به أيضاً بعد ثمانية أيام من ولادته، أى يوم ختانه: "ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى سمى يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حبل به فى البطن"(4).

1- الاسم لغوياً

والاسم "يسوع" فى أصله العبرى هو "يشوع" الذى هو أيضاً تصغير "يهوشع". فقد كان الاسم يكتب وينطق "يهوشع – يهو شع" حتى سنة 500 ق.م(5) وبعد السبى البابلى أصبح يكتب وينطق فى شكله المختصر "يشوع – Joshua". والاسم كما هو فى أصله العبرى مكون من مقطعين، من كلمتين مندمجتين، هما "يهوه" الكائن الدائم الوجود الواجب الوجود وعلة كل وجود و "شع" وهو فعل عبرى بمعنى "يخلص"، وهو هنا فى الاسم "يهوشع" يعنى "المخلص". وهكذا يكون معنى الاسم "يهوه المخلص" أو "يهوه يخلص" أى الله المخلص. وقد فسره بعض العلماء اليهود مثل فيلو Phelo الفيلسوف اليهودى بأنه "الرب خلاص Soteria Kyrios"(6). وقال يوسابيوس القيصرى أبو التاريخ الكنسى "أسم يسوع يعنى خلاص الله"(7).

والاسم فى شكله الكامل "يهوشع" هو اسم جمله، الفاعل يأتى أولاً وهو "يهوه" والفعل "شع" هو شكل مساعد ومعناه الكامل كما قلنا "يهوه يخلص" أو "يهوه المخلص"(8). قال يشوع بن سيراخ عن يشوع بن نون "كان كأسمه عظيماً فى خلاص مختاريه"(9).

2- نقل الاسم الى اللغات المختلفة

عندما ترجم العلماء اليهود العهد القديم إلى اللغة اليونانية نقلوا الاسم "يهوشع" وتصغيره "يشوع" إلى Isou (ايسو) وفى حالة الفاعل Isous (ايسوس) وكذلك فعلت الترجمة القبطية التى حذت حذو العهد الجديد الذى استخدم Isous لكل من الاسم وتصغيره، وحذت الترجمات العالمية حذو الترجمة السبعينية والعهد الجديد، فنقل الاسم فى الانجليزية Jesus وفى الفرنسية Jesus(10) أما الترجمة العربية فقد استخدمت الشكل الأخير "يشوع" وأن كانت قد حافظت على الشكل الكامل "يهوشع" ونقلته كما هو عدة مرات(11)، وميزت بين المسيح "يسوع" فى شكله الآرامى أما يشوع بن نون فحافظت عليه كما هو "يشوع" وكذلك فعلت الترجمة الانجليزية التى ميزت بين يسوع Jesus. ولكن فى اليونانية لا فرق بين يسوع ويشوع ويهوشع فجميعهم واحد "ايسوس Isous"(12).

3- مغزى الاسم يسوع

وقد تسمى كثيرون من اليهود باسم "يشوع" خاصة بعد يشوع بن نون(13) حتى أوائل القرن الثانى الميلادى، وقد سمى بهذا الاسم يسوع المسيح "قبل أن حبل به فى البطن" وذلك بإعلان الهى "لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". أنه "يهوه المخلص"، فقد كان حقيقة هو يهوه الكائن "قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن"(14) وهو أيضاً "المخلص" ليس باحد غيره الخلاص.لان ليس اسم اخر تحت السماء قد اعطى بين الناس بة ينبغى ان نخلص(15)" اذا فالاسم "يسوع" هو أسم الذات الالهية بعد التجسد، كما سبق أن أعلن اسم "يهوه" كاسما للذات الالهية فى القديم. فالاسم "يهوه" يعبر عن كينونة الله وجوهره وعمله فى الخلق والاسم "يسوع" يعبر عن التجسد الالهى وعمل الله فى الفداء والخلاص فى العهد الجديد، "يهوه" هو يسوع ويسوع هو "يهوه" المخلص.

قال الوحى الالهى فى سفر أشعياء عن مجىء يوحنا المعمدان قبل المسيح:

C "صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق يهوه... ويتجلى مجد يهوه ويعيانه كل بشر".

وبعد أن جاء المعمدان قيل عنه:

C صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب Kyrios(16)".

والرب هنا هو المسيح الذى قال عنه الوحى الالهى "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً(17)". كان يوحنا المعمدان صوت صارخ فى البرية لاعداد طريق الرب، "يهوه"، يهوه المخلص، يسوع المسيح، فيتجلى مجده، مجد يهوه، مجد يسوع المسيح ويراه كل بشر كقول الوحى "ورأينا مجده مجداً".

4- أسم يسوع يحل محل أسم يهوه:

كان أسم "يهوه" فى القديم هو محور العبادة ومحور العلاقة بين الله والإنسان فقد أرتبط به كل ما يتعلق بالعلاقة بين المخلوق والخالق من عبادة وصلاة وسجود ودعوة... الخ. أما فى العهد الجديد فأن أسم يسوع والمساوى لأسم يهوه فقد أصبح هو محور العلاقة بين الله والناس، ومحور العبادة وأرتبط به كل ما أرتبط فى القديم بأسم يهوه. وصار أسم يسوع أسماً "فوق كل أسم لكى تجثوا بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض(18)".فهو "فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل أسم(19)".

فأسم يسوع يفوق كل أسم الإله المتجسد، أنه يهوه المخلص. أنه الإسم الوحيد المساوى والمرادف لاسم "يهوه" ويسوع نفسه كما قال الوحى الالهى "لم يحسب مساواته لله اختلاساً(20)".

يسوع وحده هو المساوى ليهوه لنه "يهوه المخلص"، أنه الهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح(21)"، أنه "افله الحق والحياة الأبدية(22)"، أنه "الألف والياء البداية والنهاية، الأول والآخر(23)"، أنه "الكائن على الكل الاله المبارك إلى الأبد(24)".

ثانياً: يسوع هو محور الإيمان وموضوعه

(أ) الإيمان بالله وأسم يهوه:

الله ذاته هو محور وأساس وموضوع الإيمان والدعوة، فهو خالق الوجود من العدم ومعطى الحياة لسائر المخلوقات، ومن ثم ينبغى دائماً للخليقة أن تكون متجهة إليه ومؤمنة به وبوحدانيته وبقدرته الكلية المطلقة.

وكان الإيمان بالله "يهوه" هو محور وموضوع رسالة النبياء والرسل والخدام ورجال الله فى كل العصور:

"هكذا قال يهوه خالق السموات هو الله. مصور الرض وصانعها هو قررها. لم يخلقها باطلاً. للسكن صورها. أنا الرب وليس آخر... أليس أنا الرب ولا إله آخر سواى (غيرى). إله بار ومخلص ليس سواى. التفتوا إلى وأخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا الله وليس آخر. بذاتى أقسمت خرج من فمى الصدق كلمة لا ترجع. أنه لى تجثو كل ركبة يحلف كل لسان(25)".

وكان "أسم يهوه" هو علامة وراية هذا الإيمان وموضوعه. وقد بدأت الدعوة أول ما بدأت بأسم "يهوه" لنه، كما قلنا، الأسم الدال على كينونته وجوهره وعمله فى الكون كواجب الوجود وعلة كل وجود:

C دعا أنوش بن آدم "بأسم يهوه(26)".

C ودعا ابراهيم واسحق ويعقوب "بأسم يهوه(27)".

C ونادى الله أمام موسى "بأسم يهوه، فنزل يهوه فى السحاب. فوقف عنده هناك ونادى بأسم يهوه(28)".

C كما أختار الله سبط لاوى يقف أمامه و "يخدم بأسم يهوه(29)".

C ودعى أسم يهوه على شعبه "فيرى جميع شعوب الأرض أن أسم يهوه قد سمى عليك ويخافون منك(30)".

C وكان "كل من يدعو بأسم يهوه ينجو(31)".

(ب) الإيمان بالله وأسم يسوع:

أسم "يسوع" فى العهد الجديد حل محل "أسم يهوه" فى القديم والدعوة "بأسم يهوه" والإيمان به تحولت إلى الدعوة "بأسم يسوع" والإيمان به، فقد نسب "لأسم يسوع، كل ما نسب ليهوه فى القديم، كما أقتبس العهد الجديد نفس الآيات الخاصة "بيهوه" وطبقها حرفياً على "يسوع"، مؤكداً أن يسوع هو يهوه وأن ما نسب ليهوه ينسب ليسوع.

1- أسم يسوع السامى:

وصف الكتاب "أسم يسوع" بالأسم السامى الذى يفوق كل أسم والذى هو فوق كل أسم وبرغم التجسد وأتخاذه صورة العبد إلا أنه "جلس فى يمين العظمة فى الأعالى صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم... ولتجسد له كل ملائكة الله(32)" لأن الفرق بين الملائكة وبين يسوع هو الفرق بين المخلوق والخالق "وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ليب نار. وأما عن الابن (يسوع) يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور(33)" انه أعظم من الملائكة، فهو خالق الملائكة ورب العرش، الله الجالس على العرش، لذلك فأسمه أفضل من أى أسم. أنه الغنى الذى أتخذ فقرنا "أفتقر وهو غنى(34)" ولكن السم الذى أتخذه بعد التجسد هو السم الذى يفوق كل أسم لأنه أسم الإله المتجسد.

وكما كان "أسم يهوه" هو الأسم الذى له العظمة والمجد كان أيضاً "أسم يسوع" وسيظل الأسم الذى له المجد والعظمة كما يقول الوحى الإلهى:

C لكى يتمجد "أسم ربنا يسوع المسيح" فيكم وأنتم فيه بنعمة الهنا والرب يسوع المسيح(35)".

C "وكان أسم الرب يسوع يتعظم(36)".

وما أروع هذا النشيد الذى تغنت به الكنيسة فى عصرها الأول بالوحى الالهى:

C الذى اذ كان فى صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاساً لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس واذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثوا بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب(37)".

أنه الأسم الذى يفوق كل أسم، المسجود له من جميع الخلائق، رأس كل شىء والخاضع تحت قدميه كل شىء.

2- يسوع هو محور الإيمان:

C قال السيد المسيح: "أنا هو القيامة والحياة من آمن بى ولو مات فسيحيا(38)".

C "أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى(39)".

C والذى يؤمن بالابن له حياة أبدية والذى لا يؤمن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله(40)".

ويقول الوحى الالهى فى الرسالة إلى رومية:

C "إن أعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت لن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص. لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزى... لأن رباً واحداً للجميع غنياً لجميع الذين يدعون به. لأن كل من يدعو بأسم الرب يخلص"(42).

والآيات الدالة على الإيمان به فى الكتاب المقدس كثيرة أنظر مثلاً:

C "فآمن به تلاميذه"(43).

C "آمن كثيرون بأسمه"(44).

C "فآمن به فى تلك المدينة (السامرة) كثيرون"(45).

C "آمن به كثيرون من الجمع(46).

C فآمن كثيرون بالرب(47).

C "من يؤمن به لا يخزى(48)".

C "من يؤمن به ينال بأسمه غفران الخطايا(49)".

وكان شعار الكنيسة فى بشارتها بالأنجيل فى المسكونة كلها:

C "أمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك(50)".

C "من آمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن(51)".

C "وليس بآحد غيره الخلاص. لأن ليس آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص(52)".

وذلك لأن يسوع المسيح هو:

C "رب الكل(53)".

C "لأن رباً واحداً للجميع(54)".

C "ملك الملوك ورب الأرباب(55)".

C "رب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به(56)".

C "هذا هو الاله الحق والحياة الأبدية(57)".

كان ومازال وسيظل الإيمان به هو محور الكتاب المقدس ومحور رسالة الأنبياء والرسل والخدام والمبشرين.

3- الدعوة بأسمه:

وكما كان الإيمان بأسم يهوه هو محور الكتاب هكذا كان "أسم يسوع" أيضاً وسيظل هو أساس الدعوة المسيحية. قال الوحى الالهى فى سفر يؤئيل النبى:

C "أن كل من يدعو بأسم يهوه ينجو(58)".

وأقتبس كل من القديس بولس والقديس بطرس هذه الآية وطبقاها حرفياً على يسوع:

C "كل من يدعوا بأسم الرب (Kyrios) يخلص(59)".

والرب هنا حسب سياق الموضوع والكلام هو الرب يسوع. وقد قال حنانيا لبولس بعد أن أمن بالرب يسوع المسيح:

C "لماذا تتوانى؟ قم أعتمد وأغسل خطاياك داعياً بأسم الرب(60)".

والرب طبعاً هو الرب سوع المسيح الذى قال عن بولس لحنانيا:

C "لأن هذا لى أناء مختار ليحمل أسمى أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل لأنى سأريه كم ينبغى أن يتألم لأجل أسمى(61)".

والقديس بولس يخاطب أهل كورنثوس بالوخى قائلاً:

C "إلى كنيسة الله التى فى كورنثوس المقدسين فى السيح يسوع المدعوين قديسين مع جميع الذين يدعن بأسم ربنا يسوع المسيح فى كل مكان(62)".

وهكذا تحولت الدعوة من "أسم يهوه" فى القديم إلى "أسم يسوع" فى العهد الجديد ودعى تلاميذه ورسله والمؤمنين به مسيحيين(63) على لقبه "المسيح" لنه "يسوع الذى يلقب بالمسيح".

ويسوع المسيح هو يهوه متجسداً، كلمة الله المتجسد.

4- يسوع هو محور وأساس وموضوع الكرازة:

كان الهدف الأول للبشارة والكرازة فى العهد الجديد هو الإيمان بالرب يسوع المسيح ونشر أسمه فى كل المسكونة. قال السيد نفسه لتلامسذه مفسراً ما كتبه عنه الأنبياء:

C "هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات فى اليوم الثالث.

وأن يكرز بأسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم(64)".

C ويقول الوحى الالهى "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال بأسمه غفران الخطايا(65)".

والإيمان بألوهيته كان هو هدف كتابة العهد الجديد:

C "أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة بأسمه(66)".

C "أكتب هذا إليكم أنتم المؤمنين بأسم ابن الله لكى تعلموا أن لكم حياة أبدية ولكى تؤمنوا بأسم ابن الله(67)".

C ومن أجل أسمه خرج الرسل ليبشروا ويكرزوا فى المسكونة كلها مزودين بوصاياه:

C "من أجل أسمه خرجوا وهم لا يأخذون شيئاً من الأمم(68)".

C "أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم الآب والأبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر(69)".

C "يسوع المسيح ربنا الذى لأجل أسمه قبلنا نعمة ورسالة لأطاعة الايمان فى جميع الأمم(70)".

C كان أسم يسوع هو محور وموضوع وأساس الكرازة كما أنه مرسل الرسل والأنبياء والمبشرين، وكان تعليم تعاليمه ووصاياه وتلمذة الأمم على ذلك هو شريعة الرسالة.

5- وهو مرسل الرسل والأنبياء والملائكة:

وهو أيضاً الذى يرسل الملائكة والأنبياء والرسل والمبشرين للأعلان عنه والبشارة والكرازة بأسمه وبتعاليمه ووصاياه فى كل المسكونة:

C أنا يسوع أرسلت ملاكى لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس(71)".

C وقال لتلاميذه "أذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالانجيل للخليقة كلها(72)".

C "وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض(73)".

وقال عنه الوحى الالهى:

C "الذى نزل هو الذى صعد فوق جميع السموات لكى يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض مبشرين والبعض رعاه والبعض معلمين(74)".

C "سر المسيح" الذى فى أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما قد أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح(75)".

5- وهو المعطى فما وكلاما وحكمة:

فى القديم قال الله لموسى:

C "أذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به(76)".

والسيد المسيح يقول لتلاميذه:

C "لأنى أنا أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يناقضوها أو يقاوموها(77)".

وفى القديم قيل:

C "أسمعوا كلمة يهوه يا بيت يعقوب(78)".

وفى العهد الجديد يقول الوحى الالهى:

C "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعض بمزامير وتسابيح وأغانى روحية بنعمة مترنمين فى قلوبكم للرب. وكل ما عملتم بقول أو بفعل الكل بأسم الرب يسوع المسيح(79)".

والسيد المسيح كثيراً ما يكرر ويقول:

C "فكل من يسمع أقوال هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر(80)".

C "وكل من هو من الحق يسمع صوتى(81)".

وكان يختم كثيراً من أقواله بتعبير "من له أذنان للسمع فليسمع(82)".

وهذا يبين أن يسوع هو يهوه، فيسوع هو الذى يرسل الملائكة والانبياء والرسل والمبشرين وهو الذى يعطيهم كلاما وحكمة عند أفتتاح الفم.

6- الكل خدامه:

قيل فى القديم:

C "وأما أنتم فتدعون كهنة يهوه تسمون خدام الهنا(83)".

C "وأبناء الغريب يقترنون بيهوه ليخدموه وليحبوا أسم يهوه ليكونوا له عبيداً(84)".

وفى العهد الجديد يقول الوحى الالهى:

C "لأنكم تخدمون الرب المسيح(85)".

فخدام يهوه هم خدام المسيح وخدمة يهوه هى خدمة الرب يسوع المسيح. ونحن جميعاً نخدم رباً واحداً والهاً واحداً.

8- أحتمال الآلام لأجل أسمه:

قال بطرس للسيد المسيح: ها نحن قد تركنا كل شىء وتبعناك".

C "فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو أخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلى ولأجل الانجيل إلا ويأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان بيوتاً وأخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً مع اضطهادات وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية(86)".

السيد المسيح يمدح من يترك كل شىء فى العالم لأجل أسمه ويعده بالحياة الأبدية كما بين أنهم سيضطهدون وينالون الضيق والآلام لأجل أسمه:

C "وتكونون مبغضين من الجميع لأجل أسمى(87)".

C "حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل أسمى(88)".

C يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة وتكونون مبغضين من الجميع من أجل أسمى(89)".

ولما جلد التلاميذ فى مجمع اليهود "أوصوهم أن لا يتكلموا بأسم يسوع(90)" ولكنهم ذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل أسمه(91)".

كما قيل عن بولس وسيلا: "رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل أسم ربنا يسوع المسيح(92)".

وقال القديس بولس بالوحى الالهى:

C أنى مستعد ليس أن أربط فقط بل أن أموت أيضاً فى أورشليم لأجل أسم الرب يسوع(93)".

C "من سيفصلنا عن محبة المسيح. أشدة أم ضيق أم أضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف. كما هو مكتوب أننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا فى هذه جميعها يعظم أنتصارنا بالذى أحبنا. فأنى متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التى فى المسيح يسوع ربنا"(94).

كما يمتدح السيد المسيح كل من ملاك كنيسة أفسس وملاك كنيسة برغامس، فيقول للأول: "احتملت ولك صبر وتعبت من أجل أسمى"(95) ويقول للثانى: "وأنت متمسك بأسمى ولم تنكر إيمانى"(96).

أحتمل الأنبياء والرسل والمبشرون والخدام الآلام لاجل "أسم يسوع" وقبلوا ذلك بفرح، ولو لم يكن المسيح، يسوع، هو يهوه، الله، الاله المتجسد، الله الظاهر فى الجسد، لما احتملوا الآلام لاجل أسمه وطافوا العالم كله يدعون للإيمان بأسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا والحياة بأسمه، من يؤمن به ينال حياة أبدية ومن لا يؤمن به يمكث عليه غضب الله "الذى يؤمن بالأبن له حياة والذى لا يؤمن بالأبن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله"(97).

9- على اسم يسوع رجاء الأمم

وكما قيل عن يهوه أن اسمه رجاء الأمم قيل عن يسوع أيضاً أن على اسمه رجاء الأمم: "فعلم يسوع وانصرف من هناك. وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعاً. وأوصاهم أن لا يظهروه. لكى يتم ما قيل بأشعياء النبى القائل: هوذا فتاى الذى اخترته. حبيبى الذى سرت به نفسى. أضع روحى عليه فيخبر الأمم بالحق... وعلى اسمه يكون رجاء الأمم"(98).

10- بالإيمان بأسمه تغفر الخطايا

C يقول الكتاب "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا"(99).

C "أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم خطاياكم لأجل اسمه"(100).

C ولما وعظ بطرس الرسول أول عظة له بعد حلول الروح القدس سأل الكثيرون من الذين نخسوا فى قلوبهم الرسل "ماذا نصنع" فقال لهم القديس بطرس:

"توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس"(101).

11- وبأسم يسوع تجرى قوات وعجائب وتخرج الشياطين

عندما أرسل السيد المسيح تلاميذه للبشارة به قال لهم معطياً سلطانه لهم:

C "اشفوا مرضى. طهروا برصاً. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين"(102).

وكذلك لما عين سبعين رسولاً وأرسلهم أمامه خاطبهم قائلاً:

C "وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم.. أشفوا المرضى الذين فيها"(103).

C "فرجع السبعو بفرح وقالوا له يا رب حتى الشياطين تخضع لنا بأسمك"(104).

وقبل صعوده مباشرة قال لتلاميذه ورسله:

C "وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين بأسمى ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات وأن شربوا سماً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون"(105).

حتى الذين ليسوا من أتباعه كانوا يخرجون الشياطين بأسمه، قال له يوحنا:

C "يا معلم رأينا واحداً يخرج شياطين بأسمك فمنعناه لأنه ليس يتبعنا. فقال يسوع لا تمنعوه لأنه ليس أحد يصنع قوة بأسمى ويستطيع سريعاً أن يقول شراً"(106).

وهكذا خرج الرسل مزودين بالسلطان الذى أعطاه لهم يسوع المسيح يصنعون قوات وعجائب ومعجزات بأسمه فشفى بطرس ويوحنا أعرج من بطن أمه قائلين:

C "بأسم يسوع المسيح الناصرى قم وأمشى"(107).

ولما سألهما رؤساء الكهنة "بأية قوة وبأى اسم صنعتما أنتما هذا؟"(108) قال لهم بطرس:

C "أنه بأسم يسوع المسيح الناصرى... وقف هذا أمامكم صحيحاً"(109).

وهكذا أيضاً أخرج القديس بولس الروح النجس من العرافة قائلاً:

C "أنا آمرك بأسم يسوع المسيح أن تخرد منها فخرج فى تلك الساعة"(110).

12- الصلاة والطلبة بأسم يسوع

الصلاة والطلبة لا تقدم إلا إلى الله وحده، والرب يسوع المسيح يطلب أن نصلى إليه قائلاً:

C "لأنه حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم"(111).

C "ومهما سألتم بأسمى فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن. أن سألتم شيئاً بأسمى فأنى أفعله"(112).

C "وفى ذلك اليوم تطلبون بأسمى"(113).

13- عدم التجديف على اسمه

حذر العهد القديم من التجديف على "اسم يهوه" ويحذر العهد الجديد من التجديف على أسم يسوع:

C قال القديس يعقوب الرسول بالوحى عن الأشرار: "أما هم يجدفون على الاسم الحسن الذى دعى به عليكم".

C وقال القديس بولس بالوحى: "وليتجنب الأثم كل من يسمى اسم المسيح".

وهذا كله يدل على أن كل ما يقدم وينسب إلى يهوه يقدم وينسب إلى يسوع، لأن يهوه هو يسوع، ويسوع هو يهوه.

 

 

(1) لو 31: 1.

(2) متى23: 1.

(3) أما المسيح وابن الله وابن الانسان... الخ فهى ألقاب تعبر عن وظائفه المختلفة بعد التجسد، كما تعبر عن صفاته الالهية والناسوتية.

(4) لو 21: 2.

(5) ويشع بن نون فهو "يهوشع" فى أسفار الخروج والعدد والتثنية والقضاه وفى 1 مل 34: 16، 1 أخ 27: 7 وفى يشوع بن سيراخ 1: 46، كما يدعى يشوع بن يو صادق – الذى عاد مع زروبابل من السبى – دائماً "يهوشع" فى سفرى حجى وزكريا، ولكن يدعى "يشوع" فى عزرا ونحميا. وأنظر أيضاً Kittle Theo. Dic. NT Vol. 3: 284

(6) Ibid Vol. 5: 72

(7) All D. N. P. 174

(8) Kittel Vol. 3: 281

(9) كان اسم يشوع بن نون فى الاصل "هوشع" فتحول بواسطة موسى إلى "يهوشع" عدد 16: 13 "يهوشع بن نون" 1 أخ 27: 7 فقد خلص الله شعبه من أعدائهم على يد يشوع بن نون وقد كان فى ذلك رمزاً للمسيح الذى خلص العالم كله من الخطية.

(10) وهما لا يختلفان كثيراً عن ايسوس.

(11) أنظر 1 صم 14: 6 و 18، حجى 1: 1و 12 و 14و 2: 2 و 4 زك 1: 3و 3و6و8ز9.

(12) Kittel Theo. Dic. Vol. 5: 285

(13) فى ما قبل السبى أنظر لو 29: 3 وفى العهد الجديد أنظر متى 16: 27 وكذلك دعى بار يشوع أع 6: 13 ودعى الساحر والنبى الكتاب اليهودى "باريشوع" Bar Isous وكذلك "يسوع الملقب يسطس" مساعد بولس كو 11: 4 Kittel 5: 285

(14) يو 58: 8.

(15) أع 12: 4.

(16) أش 3: 40-5.

(17) مر 3: 1 ولو 4: 3.

(18) يو 14: 1.

(19) فى 10: 2و11.

(20) أف 21: 1.

(21) تى 13: 2.

(22) 1 يو 20: 5.

(23) رؤ 8: 1.

(24) رو 5: 9.

(25) أش 18: 45-23.

(26) تك 26: 4.

(27) تك 8: 12و 4: 13و 25: 26.

(28) خر 5: 34.

(29) تث 5: 18.

(30) تث 10: 28.

(31) يؤئيل 32: 2.

(32) عب 4: 1و6.

(33) عب 7: 1و8.

(34) 2 كو 9: 8.

(35) 2 تس 12: 1.

(36) أع 10: 19.

(37) فى 6: 2-11.

(38) يو 25: 11.

(39) يو 16: 14.

(40) يو 36: 3.

(42) رو 9: 10 – 13.

(43) يو 11: 2.

(44) يو 23: 2.

(45) يو 39: 4

(46) يو 31: 7

(47) أع 42: 9

(48) رو 33: 9

(49) أع 43: 10

(50) أع 31: 16

(51) عد 6: 16

(52) أع 12: 4

(53) أع 36: 10

(54) رؤ 12: 10

(55) رؤ 16: 19

(56) 1 كو 6: 8

(57) 1 يو 20: 5

(58) يؤئيل 32: 2

(59) أع 17: 2-21 ورؤ 13: 10

(60) أع 16: 22

(61) أع 15: 9و16

(62) 1 كو 2: 1

(63) أع 26: 11

(64) لو 27: 24

(65) أع 43: 10

(66) يو 31: 20

(67) 1 يو 13: 5

(68) 3 يو 7

(69) متى 16: 28-18

(70) رؤ 20: 15

(71) رؤ 16: 22

(72) متى 16: 28

(73) أع 8: 1

(74) أف 10: 4و11

(75) أف 5: 3و6

(76) حز 12: 4

(77) لو 1: 21

(78) أر 4: 2

(79) كو 16: 3و17

(80) 5 متى 24: 7

(81) يو 37: 18

(82) متى 15: 11 أنظر مر 9: 4 ولو 35: 14

(83) أش 6: 61

(84) أش 6: 56

(85) كو 24: 3

(86) مر 28: 10-30

(87) متى 22: 10

(88) متى 9: 24

(89) لو 12: 21

(90) أع 28: 5

(91) أع 41: 5

(92) أع 46: 15

(93) أع 12: 21

(94) رو 35: 8،39.

(95) رؤ 9: 2.

(96) رؤ 13: 2.

(97) يو 36: 3.

(98) متى 17: 12-21

(99) أع 43: 10.

(100) 1 يو 12: 2.

(101) أع 37: 2و38.

(102) متى 8: 10.

(103) لو 8: 10و9.

(104) لو 17: 10.

(105) مر 17: 16و18.

(106) مر 38: 9و39.

(107) أع 6: 3.

(108) أع 7: 4.

(109) أع 10: 4.

(110) أع 8: 16.

(111) متى 20: 18.

(112) يو 12: 14و13.

(113) يو 26: 16.

الفصل الخامس

يسوع المسيح هو الكائن السرمدى

 

بينا سابقاً أن الله وصف ذاته، فى العهد القديم، وأعطى لنفسه أسم ولقب "الكائن"، "الذى يكون"، "يهوه"، "أهيه"، الكائن الدائم الوجود عله وسبب كل وجود، السرمدى، الحى الابدى مصدر الحياه ونبعها. وهنا، فى هذا الفصل، نبين قول السيد المسيح عن نفسه وأقوال الرسل، فى العهد الجديد، عن كونه هو نفسه، يسوع المسيح، هو ذاته "الكائن" "الذى يكون"، "يهوه"، "أهيه" السرمدى، الذى لا بدايه له ولا نهايه، الموجود أبداً، من الأزل وإلى الأبد، الكائن الحى الدائم الوجود "الكائن والذى كان والذى يأتى"(1)، نبع الحياه ومصدرها، خالق الكون وكل ما فيه ومدبره:

1- أقوال يسوع المسيح عن كونه السرمدى:

لم تكن بدايه الرب يسوع المسيح، هى الحبل به وميلاده من العذراء فى لحظة معينة من الزمان ويوم معين فى التاريخ البشرى، فهذه كانت بدايه تجسده وظهوره على الأرض فى الجسد وأنما هو، بلاهوته، كان موجوداً سابقاً قبل الخليقه، من الأزل، بلا بدايه، كان موجود أبداً. يقول هو عن نفسه:

C "لأنى قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتى بل مشيئه الذى أرسلنى"(2).

C "أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء"(3).

C "فأن رأيتم ابن الإنسان صاعداً حيث كان أولاً"(4).

C "خرجت من عند الآب وأتيت إلى العالم"(5).

C "والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم"(6).

C "لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم"(7).

فى الآيات الثلاث الأولى يؤكد السيد المسيح أنه "نزل" من السماء، كان فى السماء قبل أن ينزل إلى الأرض. وفى الرابعه يؤكد أنه خرج "من عند الآب"، وهذا القول أكده للتلاميذ "من عند الآب خرجت"(8) ولليهود "لأنى خرجت من قبل الله وأتيت"(9)، وفى كل الأحوال يؤكد على وجوده السابق فى السماء. ولا يعنى بقوله "نزلت أنه محدود فى المكان، وخلو الأرض منه عندما كان فى السماء، وخلو السماء منه عندما نزل إلى الأرض، لأنه بلاهوته غير محدود فى المكان، وهذا ما أكده بقوله:

C "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء"(10).

فهو يؤكد أنه لم يكن هناك أحد فى السماء قبله وأنه برغم نزوله من السماء إلا أنه كان فى نفس الوقت فى السماء وعلى الأرض، بلاهوته.

وفى الآيتين، الخامسه والسادسه، يعلن أنه كان موجوداً قبل "كون العالم"، "قبل إنشاء العالم"، أى قبل الخليقه، وبالتالى منذ الأزل. ومن أروع وأبلغ ما قاله عن وجوده السرمدى:

C "قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن"(11).

وهذا القول جعل اليهود يغضبون ويحنقون عليه ويقرروا موته رجماً بالحجاره "فرفعوا حجاره ليرجموه"(12). لماذا؟ لأنهم أعتقدوا أنه يجدف على الله وينسب لنفسه ما لله ويسمى نفسه بأسم الله، اى يقول أنه الله(13). كيف ذلك؟

أولاً: يقول أنه قبل أن يوجد ابراهيم، قبل أن يولد ابراهيم، قبل أن يأتى أبراهيم إلى الوجود (حوالى 2000 سنه قبل تجسد المسيح)، كان هو موجوداً. هم يعرفون أن عمره لا يصل إلى خمسين سنه "ليس لك خمسون سنه بعد"(14)، وهو يؤكد على وجوده السابق، قبل ابراهيم. وهذا يعنى أنه كان موجوداً قبل التجسد والميلاد من العذراء، وبالتالى فهو ليس مجرد بشر، بل أسمى من ذلك.

ثانياً: أنه يقول بالحرف الواحد "أنا كائن"، حرفياً "أنا اكون" = "إيجو إيمى- Ego eimi" – "I Am"، وهو هنا يستخدم نفس التعبير الذى عبر الله به عن نفسه لموسى النبى، ويعطى لنفسه نفس الأسم واللقب الذى عبر به الله عن نفسه "اأهيه"، "يهوه"، "الكائن الذى يكون". وهذا ما جعل اليهود يثورون عليه ويحنقون لأنهم أدركوا أنه يعنى "أنه يهوه"، "أنه أهيه"، "الكائن الذى يكون". فهذا الأسم لا يمكن أن يطلق على غير الله ذاته والذى يقول "يهوه هذا أسمى ومجدى لا أعطيه لآخر"(15).

ثالثاً: كما أن استخدام السيد المسيح للزمن الحاضر (المضارع) "أكون am – eimi " يدل على الوجود المستمر، بلا بدايه وبلا نهايه: "الكائن" دائماً، والذى "كان" أزلاً بلا بدايه، والذى سيكون "يأتى" أبداً بلا نهايه، فى الماضى بلا بدايه، والحاضر دائماً، والمستقبل بلا نهايه. ويؤكد السيد على وجوده السرمدى هذا بقوله أيضاً:

C "أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً وها أنا حى إلى ابد الأبدين، ولى مفاتيح الهاويه والموت"(16).

C "أنا هو الألف والياء. البدايه والنهايه. الأول والآخر"(17).

C "القدوس الحق الذى له مفتاح داود الذى يفتح ولا أحد يغلق ولا أحد يفتح"(18).

وفى هذه الآيات يؤكد السيد المسيح ويصف نفسه ب 1- الأول والآخر؟ 2- الحى إلى الأبد؟ 3- الذى له مفاتيح الحياة والموت؟ 4- القدوس الحق:

أولاً: الأول والآخر هو الله وحده الذى قال فى سفر أشعياء:

C "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى"(19).

C "أنا يهوه وليس آخر. لا إله سواى... ليس غيرى. أنا يهوه واليس آخر"(20).

C "لأنى أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلى"(21).

C ويتساءل الله قائلاً "هل يوجد إله غيرى؟"(22)، "أليس أنا الرب ولا إله آخر غيرى؟"(23). وتجيب البشرية قائلة: "وحدك الله وليس آخر. ليس إله"(24). وهذا تأكيد مطلق على أنه لا يوجد إلا واحد هو الله، لا إله غيره ولا مثله ولا قبله ولا بعده "قبلى لم يصور إله وبعدى لا يكون"(25)، ومع ذلك يقول المسيح أنه هو ذاته "الأول والآخر"، "الألف والياء"، "البداية والنهاية". هو الأول وهو اللف وهو البداية، كل شىء والذى هو ذاته بلا بداية، الأزلى. وهو الآخر والياء والنهاية، الله يؤكد أنه لا إنه لا إله غيره، فهو الإله الواحد السرمدى، والسيد المسيح يؤكد أنه هو هذا الواحد، الأول والآخر، الألف والياء، البداية والنهاية، الذى كان والكائن والذى يكون، السرمدى.

ثانياً: يعلن الرب يسوع المسيح إنه "الحى"، "الحى إلى أبد الأبدين"، أى "الحى القيوم"، وأن "له الحياة فى ذاته"(26) و"فيه كانتا الحياة"(27) كما أنه معطى الحياة ومانحها للخليقة "أنا هو القيامة والحياة"(28)، هو الحى السرمدى، الحى القيوم، الحى أبداً، الذى له الحياة فى ذاته ومعطى الحياة للكون، للخليقة كلها.

والله فى القديم يصف نفسه ب "الحى" الذى "يحيى ويميت"، "الحى القيوم"، "الحى إلى أبد الأبدين":

C "حبى أنا يقول يهوه"(29)، "حى أنا يقول السيد الرب"(30).

C "الإله الحى القيوم إلى الأبد"(31).

C "أنا أنا هو وليس إله معى. أنا أميت وأحى... حى أنا إلى الأبد"(32). وفى سفر الرؤيا يوصف اله ب "الحى إلى أبد الأبدين":

C "الحى إلى أبد الأبدين الذى خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها والبحر ومافيه"(33).

C "يخر الربعة والعشرون شيخاً قدام الجالس على العرش ويسجدون للحى إلى أبد الأبدين"(34).

وهنا يوصف الله الآب والرب يسوع المسيح بصفات واحده ولقب واحد هو "الحى القيوم"، الله هو الحى القيوم، الحى الباقى، الدائم، إلى الأبد، والذى يحيى ويميت، الخالق، ويسوع المسيح هو الحى القيوم، الذى له الحياة وفيه الحياة ومعطى الحياة. بل ويصف سفر الرؤيا الله والرب يسوع المسيح بصفة واحدة ولقب واحد هو "الحى إلى أبد الأبدين".

ثالثاً: يعلن الرب يسوع المسيح أنه هو الذى له "مفاتيح الهاوية والموت"، والذى "له مفتاح داود الذى يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح"(35)، والذى له مفاتيح ملكوت السموات"(36). والمفاتيح هنا ترمز إلى سلطانه على الحياة والموت، وسلطانه على السماء والأرض، وأنه هو وحده الذى يفتح ويغلق دون أن يكون لأحد سلطان عليه، فهو صاحب السلطة الوحيد. وهناك مثل ربانى يقول: "يوجد أربعة مفاتيح ممسوكة فى يد الله لا يعطيها لملاك ولا لسيراف (أحد الساروفيم)(37): مفتاح المطر ومفتاح الطعام ومفتاح القبور ومفتاح المرأة العاقر(38). والمسيح يمسك فى يده جميع المفاتيح فى السماء وعلى الأرض.

رابعاً: ويعلن الرب يسوع المسيح أيضاً أنه "القوس الحق"(39). والقدوس لقب من ألقاب الله بأعتباره مصدر القداسة "أسمى القدوس"(40)، "أسمه قدوس"(41)، "الإله القدوس"(42)، "ساكن الأبد القدوس أسمه"(43). والسيد المسيح يصف نفسه بالقدوس الحق"، وسفر الرؤيا يصف الله الآب بنفس اللقب "القدوس والحق"(44). كما يصف الوحى الالهى الرب يسوع المسيح ب "القدوس البار(45)، "فتاك القدوس"(46)، "القدوس الذى دعاكم"(47)، وقال الملاك للعذراء "القدوس المولود منك"(48)ن كما وصف السيد أيضاً بأنه "قدوي بلا شر ولا دنس"(49). الله هو القدوس والرب يسوع المسيح هو القدوس، ومع أنه الكتاب يقول "ليس قدوس مثل يهوه"(50)،فالكتاب نفسه يقول أن الرب يسوع المسيح هوهو "يهوه القدوس"، وأروع مثال على ذلك هو تسبحه السرافيم فى سفر أشعياء، فقد رأى أشعياء النبى "يهوه الصبؤوت" جالس على العرش وحوله السرافيم يسبحونه قائلين "قدوس قدوس قدوس رب الجنود (يهوه صبؤوت) مجده ملء كل الأرض"(51). وقال القديس يوحنا الرسول أن الذى رآه أشعياء هذا، والذى تسبحه السرافيم هو الرب يسوع المسيح؟ "قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه"(52).

2- أقوال رسل المسيح عن كونه السرمدى:

1- جاء فى مقدمة الانجيل للقديس يوحنا قول الوحى الالهى:

C "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله. كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان. فيه كانت الحياة"(53).

وتعبر الآيه الأولى من هذه الفقرة "فى البدء كان الكلمة" عن وجود الرب يسوع المسيح السابق وأزليته بصورة رائعة، ويتركز جوهر هذه الأزلية، هذا الوجود السرمدى فى ثلاثة عناصر هى: "البدء" و "كان" و "كل شىء به كان" إلى جانب كونه الحياة "فيه كانت الحياة" ومانحها.

أولاً: فى البدء: هنا ليس بداءاً زمنياً، إنما هو بدء ما قبل البدء السابق للخليقة، البدء السابق لعملية الخلق ووجود المخلوقات.

فالذى كان فى البدء هو الخالف الذى "كل شىء به كان"، والذى كان قبل الكون، والذى قال عن نفسه أنه كان "قبل كون العالم"(54). وبالرغم أن البدء هنا يلمح إلى البدء فى سفر التكوين "فى البدء خلق الله السموات والأرض"(55)، إلا أن "البدء" هنا يسبق بدء التكوين، الخلق. البدء فى سفر التكوين هو "بدء التكوين، الخلق، الخلق، بدء عملية أخلق ذاتها، والذى يبدأ من هذه النقطة، الخلق، نازلاً إلى ما بعد ذلك فى دورة الزمن. و"البدء" هنا، البدء الذى كان فيه الكلمة موجوداً، هو "بدء" ما قبل البدء، البدء الذى لا بداية، بدء،له الازل. أنه البدء الذى يذكر وجود الكلمة فبل الخليقة ويرجع للوراء إلى ما قبل الزمن، إلى الأزل الذى لا بداية له، إلى الأبدية.

والكلمة الذى كان فى البدء هو الكائن السرمدى بلا بداية والذى وصف نفسه بالأول الذى قبله لا يوجد شىء، والبداية الذى بلا بداية له ولا زمن "غير المبتدىء الأبدى. غير الزمنى. الذى لا يحد"(56). وكما يقول عنه ميخا النبى باروح القدس "ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل"(57).

C يقول هيلارى أسقف بواتييه (315-67/368م):

"ما هى قوة هذه الكلمات "فى البدء كان الكلمة"؟ قروناً ولت دهوراً أنقضت، أتخذ أى بدء تشاؤه ومع ذلك لا يمكن أن تشمله بزمن"(58).

ثانياً: "كان الكلمة"، والفصل "كان en" جاء فى الزمن الماضى الناقص، ير التام، الدال على حالة كانت مستمرة، ويتضمن أستمرار الوجود، الوجود المستمر فى الماضى. وهذا يعنى أنه قبل أن يبدأ البدء كان الكلمة موجوداً، ويمكن أن تترجم الآية حرفياً "عندما بدأ البدء كان الكلمة موجوداً هناك"(59)، وهذا يعادل ويساوى القول "الكلمة يسبق الزمن أو الخليفة"(60). فكان هنا تشير إلى الوجود المطلق لارتباطها بالبدء وبالخالق.

ومعنى نص الآية كاملاً: أنه فى البدء، وقبل الخلق، كان الكلمة موجوداً وهوالخالق ذاته، الذى كان موجوداً من الأزل بلا بداية قبل أن يقوم بعملية الخلق، كان موجوداً، وكان هو العنصر الفعال، الخالق، بدء البدء. ويتكرر الفعل "كان _ en" فى هذه الآية، عن الكلمة، أربع مرات:

"فى البدء كان... الكلمة كان... وكان الكلمة... كان فى البدء".

وفى هذه المرات الأربع تشير إلى ما قبل الخلق والزمن إلى الأزل إلى الأبدية، فقد كان هو فى البدء عند الله، و "كان" هو الله، "كان" قبل وجود للخليقة و "كان" هو الخالق، "كل شىء به كان" أى بالكلمة، الرب يسوع المسيح، و "كان" فى هذه الآية "كل شىء به كان" فى أصلها اليونانى "صار – egeneto"، وحرفياً "جاء إلى الوجود"، "وبغيره لم يكن شىء مما كان (صار – جاء إلى الوجود – egeneto". اذاً، فهو الذى كان "موجوداً، والخليقة لم تكن قد جاءت إلى الوجود، فهو الخالق، الذى خلق الخليقة "كل شىء به كان (جاء إلى الوجود)" و "بغيره لم يكن شىء مما كان (جاء إلى الوجود)".

ويؤكد الوحى الالهى أنه هو، الكلمة، الرب يسوع المسيح، نبع الحياة ومصدرها بقوله "فيه كانت الحياة"(61)، فهو معطى الحياة للخليقة سواء كانت مادية (جسمانية) أو أخلاقية، وهو معطى الحياة الأبدية لكل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية"(62)، "الذى يؤمن بالابن له حياة أبدية"(63)، "من يؤمن بى فله حياة أبدية"(64). هو مصدر نبع، الحياة ومبدأها. وهذا ما عبر عنه القديس يوحنا الرسول بالروح القدس بقوله:

C "الذى كان من البدء، الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة أظهرت ونشهد ونخبركم بالحساة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا"(65).

فالكلمة، كلمة الله، الرب يسوع المسيح "كان" عند الله الآب، كان من البدء عند الله الآب، كان بلا بداية، من الأزل، كان أبداً، فهو الحياة الأبدية، الذى كان قبل كل شىء وهو الذى كون، خلق أوجد كل شىء هو الذى جاء بكل شىء إلى الوجود، خلق كل شىء.

2- جاء فى الرسالة إلى كولوسى قول الوحى الالهى:

"الذى هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة. فأنه فيه خلق الكل ما فى السموات وما على الأرض ما يرى وما لايرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل"(66).

وفى هذه الآيات الثلاث يكشف لنا القديس بولس بالروح القدس عن أربعة القاب، أربع صفات للرب يسوع المسيح هى:

1- صورة الله.

2- البكر.

3- الخالق.

4- الأزلى.

1- صورة الله: يتكرر تعبير "صورة الله" للرب يسوع المسيح ثلاث مرات:

C "المسيح الذى هو صورة الله"(67).

C "الذى هو صورة الله غير المنظور"(68).

C "الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله"(69). وصورة الله مثل كلمة الله هو الله ذاته، وكما دعى السيد المسيح كلمة الله "ويدعى أسمه كلمة الله"(70) بمعنى أنه الله "وكان الكلمة الله"(71)، دعى أيضاً "صورة الله" بمعنى أنه الله. ويستخدم الوحى الإلهى فى الآيتين الأولى والثانية النص اليونانى "إيكون _ Eikon"، "Eikon Tou Theou"، صورة، صورة الله، وهذا النص يعنى:

أ- "صورة طبق الأصل" والتى تعنى بالنسبة للرب يسوع المسيح، أو تجلى الذات الالهية فى شخصه، بمعنى أن "طبيعة الله وجوهره (كينونته) أعلنت، ظهرت فيه"(72) كما خبر"(73)، "هو الذى أخبر عنه" وكما عبر القديس بولس بالروح، أيضاً "لأناره معرفة مجد الله فى وجه يسوع المسيح"(74).

ب- كما يعنى "الشبه الدقيق"، الصورة الزيتية، أو الفوتوغرافية، أو الصورة المنقولة على العملة (النقود المعدنية)، أو صورة الشخص المنعكسة فى المرآة. والمسيح هو "صورة الله" بمعنى أنه الصورة الدقيقة لله الآب، مثل صورة الملك على العملة، أو الانعكاس كما يظهر الشخص فى المرآة(75)، فهو نفسه "بهاء مجد الله ورسم جوهره" أشعاع مجد الله، وصورة جوهر الله.

وفى الآية الثالثة يستخدم النص اليونانى "مورفى _ Morehe" والذى يعبر عن طبيعة الكيان وشخصه(76)، والذى يشير إلى الظهور الخارجى الذى يوصل للجوهر(77)، وهنا يُ عبر عن الكيان الجوهرى لله(78)، ولذا فالتعبير "صورة الله" فى هذه الآية مترجم فى NIV "فى نفس طبيعة الله In The Very Nature Of God" أى "الذى إذ كان فى نفس طبيعة الله"(79).

ويسبق قوله "صورة الله – Morphe Theou" عبارة "الذى إذ كان – Hos en"، و "كان" هنا ليست فى الماضى البسيط "Eimai"(80)، بل فى الزمن المستمر والذى يعنى هنا الوجود من البدء أسبقية الوجود، الذى كان موجوداً دائماً، بصفة مستمرة فى حالة الأستمرار، مثل قوله "فى البدء كان الكلمة". ويلى ذلك أيضاً قوله أنه، المسيح، "مساوياً لله" الآب. ولا يساوى الله إلا الله، كلمة الله، صورة الله، الذى له نفس طبيعة وجوهر الله. هو الذى كان دائماً ويكون دائماً وسوف يكون أبداً، الأزلى الأبدى، السرمدى.

2- البكر: أستخدمت كلمة "بكر فى العهد الجديد عن السيد المسيح يمعنى السيادة والسمو والتفوق فى كل شىء:

C "الذى هو البداءة بكر من الأموات لكى يكون هو متقدماً فى كل شىء"(81).

C "متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله"(82).

C "يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض"(83).

وفى هذه الآيات يشير الوحى الالهى إلى أسبقية فى الزمن وسمو وسيادة وتفوق فى المكانة، المكانة السامية. وفى هذه الآية، "بكر كل خليقه"، تعنى وجود المسيح السابق لكل خليقة، السابق فى الوجود والزمن. وهو أيضاً فوق كل خليقة فى المكانة السامية والكرامة. وتركز الآية بصفة خاصة على سموه وسيادته، فهو "البكر فوق كل خليقة"(84). وهو فوق كل خليقة لأنه خالقها ومدبرها، ومن ثم تدين له الخليقة بوجودها ومعناها.

3- خالق الكون: "فأن فيه خلق الكل ما فى السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق". كما سبق وقيل "كل شىء به كان (كون) وبغيره لم يكن شىء مما كان (كون _ جاء إلى الوجود _ خلق)".(85)،

وأيضاً "ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به"(86)، ويستخدم الوحى الإلهى فى هذه الآيات، وخاصة الأولى ثلاثة حروف جر "فيه – به – له" بمعنى لاهوتى دقيق. "فيه خلق الكل" بمعنى أنه سبب وعله كل شىء سبب وجود كل شىء وخالقه، الخالق الذى أوجد، خلق، كل شىء، جاء به إلى الوجود. كل شىء خلق فيه، فهو الأصل والمصدر والمبدىء.و "الكل به"، "كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان.. كوُن العالم به"(87)، "الذى به جميع الأشياء ونحن به"، هو خالق الكون وما فيه، الذى كونه، صنعه، جاء به إلى الوجود، خالق السماء وما فيها من كائنات روحية غير مرئية والأرض وما فيها وما عليها من كائنات مرئية، الكون كله من أصغر جزء فى الذرة إلى أكبر المجرات ما يُرى وما لا يُرى، ما نعرفه وما لا نعرفه. هو الذى كان فى البدء وقبل البدء الزمنى، كان من الأزل، البداءه والمبدىء الذى جاء بالكون وما فيه إلى الوجود.

والكل خلق له أيضاً "الكل به وله قد خُلق"، هو الخالق للكون وهو الغاية والهدف الذى يتجه إليه ويتحرك نحوه كل شىء لخدمة وتحقيق أرادته وتسبيحه وتمجيده، سواء شاء أم ابى. وقد جاء فى سفر الرؤيا قول الوحى الإلهى أن جميع الكائنات تصرخ أمامه قائلة:

C "بصوت عظيم مستحق هو الحمل (المسيح)... أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة... والسلطان إلى أبد الأبدين"(88). فهو كما يقول الكتاب: الذى من أجله الكل وبه الكل"(89).

وعبارة "كل شىء فى اليونانية "Ta Panta" تُترجم أيضاً "الكون". وتشير، هنا إلى الكون، كل الخليقة المادية والروحية فى السموات والأرض، المرئية وغير المرئية، عالم الملائكة، الكائنات الروحية، وعالم البشر وكل الكائنات الأرضية، الكواكب والمجموعات الشمسية والمجرات، الكون كله. المسيح هو خالقه وهو ربه "رب الكل"(90).

4- الأزلى: مقيم الكون مدبره: ويشير الكتاب بقوله "الذى هو قبل كل شىء إلى وجوده السابق للخليقة، إلى أزليته، إلى وجوده الأزلى قبل الكون، إلى سرمديته، كالأزلى بلا بداية وهو أيضاً الأبدى بلا نهاية.

و"فيه يقوم الكل"، "فيه قُوام(91) و (يتكون)(92) كل شىء بمعنى يتوحد ويتماسك ويُدار، فهو الذى يجعل الكون متماسك والذى جعل للكون "نظاماً كاملاً متكاملاً (Cosmos) بدلاً من اللاتكون(93). وهذا يساوى قوله "وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته"(94)، والذى يعنى يحافظ على الكون ويبقيه ويديره فى حركته المستمرة، أى أن "كل الأشياء (الكون Tapanta) تتوقف على تماسكها فيه أو تبقى بتماسكها فيه"(95)، وهو يدير الكون فى حركته المستمرة وتغيراته الدائمة، وكما قال أحد العلماء (Weiss) "مع الكل فى كل تغيراته وتحولاته فى كل الدهور"(96).

4- جاء فى الرسالة إلى العبرانيين قول الوحى الإلهى:

C "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وغلى الأبد"(97)

C "وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب أستقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الأثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الأبتهاج أكثر من شركائك. وأنت يا رب فى البدء أسست الأرض والسموات هى عمل يديك. هى تبيد ولكن أنت تبقى. وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى"(98).

وتعبر هذه الآيات عن أزلية الرب يسوع المسيح وأبديته، سرمديته، إلى جانب أنه خالق الكون، كما تعبر عن كونه الحى الدائم إلى الأبد، وتخاطبه بلقب "الله"، "كرسيك يا الله" وبأسم "يهوه"، "وأنت يا رب" هنا مقتبسه من مزمور 103 الذى يخاطب الرب، يهوه "باركى يا نفسى يهوه". وتخاطبه بالذى كان فى البدء "وأنت يارب فى البدء"، وبالحى القيوم، الباقى "أنت تبقى"، وغير المتغير، والدائم إلى الأبد، والذى لا يفنى. ويتكرر فى الآيات تعبيرى "هوهو" و "أنت أنت" للدلالة على الثبات وعدم التغير، من الأزل وإلى الأبد، فى الماضى "أمساً" والحاضر "اليوم"، والمستقبل "وإلى الأبد". فهو الحى، القيوم، الأذلى، الأبدى، الباقى، الدائم، البداية والنهاية، الأول والآخر، الألف والياء، الذى لا يفنى.

5- جاء فى الرسالة إلى رومية قول الرسول بالروح القدس:

C "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الهاً مباركاً"(99).

فى الجزء الأول من الآية يتحدث عن تجسد المسيح وأتخاذه جسداً من مريم العذراء ابنة داود وإبراهيم. أما الجزء الثانى فيتحدث عن المسيح بلاهوته ك "الكائن على الكل" و "الله المبارك"، هو "الكائن"، "يهوه"، "رب الكل". ويستخدم الوحى فى هذه الآية لتبين "الكائن على الكل" والذى يساوى "يهوه رب الكل"، و "إلهاً مباركاً" والذى يترجم حرفياً "الإله المبارك" و "الله المبارك" إلى الأبد.

والخلاصة، كما جاء فى الآيات السابقة أن الرب يسوع المسيح هو، الرب، رب الكل، الله، الأبدى، الأزلى، السرمدى، الحى القيوم، الدائم، غير المتغير، الباقى، الخالق، المدبر، المعين، المدير (الذى يدير الكون)، السيد، السامى، المتفوق، كلمة الله، صورة الله، رسم جوهر الله، بهاء مجد اللهن رب الكون وخالقه ومدبره، القدوس، الحق، المبارك، البدء، الأول، الآخر، الألف، الياء، الحياة، معطى الحياة، الذى له الحساة فى ذاته، المحيى، المميت، القدير.

 

 

(1) رؤ 8: 1.

(2) يو 38: 6.

(3) يو 51: 5.

(4) يو 62: 16.

(5) يو 28: 16.

(6) يو 5: 17.

(7) يو 24: 18.

(8) يو 27: 16.

(9) يو 42: 8.

(10) يو 13: 3.

(11) يو 58: 8.

(12) يو 59: 8.

(13) يقول الكتاب "من جدف على أسم يهوه فإنه يقتل. يرجمه كل الجماعه رجماً. الغريب كالوطنى عندما يجدف على الأسم يقتل" (لا 16: 24).

(14) يو 27: 8.

(15) أش 8: 42.

(16) رؤ 17: 1،18.

(17) رؤ 13: 22.

(18) رؤ 7: 3.

(19) أش 6: 43.

(20) أش 5: 45،6.

(21) أش 9: 46.

(22) أش 8: 44.

(23) أش 21: 45.

(24) أش 14: 45.

(25) 10: 43.

(26) يو 26: 5.

(27) يو 4: 1.

(28) يو 25: 11.

(29) ى 6: 14.

(30) أش 18: 49.

(31) حز 11: 5.

(32) دا 26: 6.

(33) تث 32ك: 39،40.

(34) رؤ 6: 10.

(35) رؤ 10: 4.

(36) يو 18: 1.

(37) ملاك من طغمه السيرافيم (أش 2: 6).

(38) Vencent’s Word Study Of The NT Vol. 2 P. 433

(39) رؤ 7: 3.

(40) لا 2: 22.

(41) مز 21: 33.

(42) أش 16: 5.

(43) أش 15: 57.

(44) رؤ 10: 6.

(45) أع 14: 3.

(46) أع 27: 4.

(47) 1 بط 15: 1.

(48) لو 35: 1.

(49) عب 26: 7.

(50) 1 صم 2: 2.

(51) أش 3: 6.

(52) يو 41: 12.

(53) 1 يو 3: 1.

(54) يو 5: 17.

(55) تك 1: 1.

(56) القداس الغريغورى.

(57) ميخا 2: 5.

(58) N & P. Fath. 2 nd S. Vol. 10 P.209.

(59) Vencent’s W. S. NT P. 29.

(60) Ibid.

(61) يو 4: 1.

(62) يو 15: 3،16.

(63) يو 36: 3.

(64) يو 37: 6.

(65) 1 يو 1: 1،2.

(66) 15: 1-17.

(67) 2 كو 4: 4.

(68) كو 15: 1.

(69) فى 6: 2.

(70) رؤ 13: 19.

(71) يو 1: 1.

(72) Garbelein Vol. 11 P. 123.

(73) يو 18: 1.

(74) 2 كو 6: 4.

(75) Ibid.

(76) Ibid.

(77) Gaebelein Vol. 11 P. 123.

(78) Vencent’s Vol. 3 P. 431.

(79) الترجمة الدولية الحديثة.

(80)

(81) كو 18: 1.

(82) عب 6: 1.

(83) رؤ 5: 1.

(84) NIV.

(85) يو 3: 1.

(86) 1 كو 6: 8.

(87) يو 3: 1ن10.

(88) رؤ 12: 5،13.

(89) عب 10: 2.

(90) أع 36: 10.

(91) الترجمة اليسوعية الجديدة.

(92) الترجمة العربية الجديدة.

(93) Gaebelein Vol. 11 P. 183.

(94) عب 3: 1.

(95) Vencent’s Vol. 4 P. 383.

(96) Ibid.

(97) عب 8: 13.

(98) عب 8: 1-12.

(99) رو 5: 9.

الفصل السادس

يسوع.. رب العالمين

 

أولاً: الرب (رب الكل)

ترجم "يهوه" إلى "كيريوس Kyrios" فى اليونانية، كما سبق، بمعنى رب الكون وسيده ومالكه، فهو خالقه. وأستخدم لقب "رب Kyrios" فى العهد الجديد للآب والابن على السواء، الله الآب دعى رب، والأبن دعى رب بنفس المعنى اللاهوتى وبوظيفة مساوية للتى لله الآب. أستخدم لقب رب للسيد المسيح بمعناه اللاهوتى الكامل وقد أرتبطن به كل خصائص الذات الإلهية بأعتباره أسماً من أسماء الله الذى ترجمت إليه أهم أسماء الله والقابه(1).

1- رب بمعنى المعلم:

أستخدم لقب رب أولاً للسيد المسيح بمعنى "معلم" وذلك بسبب نظرة تلاميذه، الذين هم فى الأصل يهود، وكذلك بسبب نظرة اليهود إليه "كمعلم" مثل معلمى الشريعة اليهود. وكان تلاميذه يطلبون منه أن يعلمهم كما يعلم كل من الربيين اليهود ويوحنا تلاميذهم:

C "يا رب (Kyrie) علمنا أن نصلى"(2).

وقال لهم أيضاً:

C "أنتم تدعوننى معلماً وسيداً (رباً Kyrios) وحسناً تقولون لأنى أنا كذلك"(3). وكانوا يدعونه أيضاً "رابى – Rabby"(4) و "ربونى Rabbouny(5)" وأصلهما "راب" وتعنى فى العبرية السيد العظيم والمعلم(6). وهكذا دعى معلمى اليهود ربيين وقال السيد المسيح عن الكتبة والفريسيين أنهم يحبون أن يناديهم الناس "سيدى سيدى Rabby أى "رابى"(7).

من هذا المنطلق أيضاً دعى السيد المسيح معلماً بمعناه التعليمى وكانوا ينادونه فى بعض الأحيان قائلين: "يا معلم ديدا سكالوس – Didaskalos"(8).

2- يسوع هو الرب يهوه:

وعلى الرغم من أن اللقب قد أستخدم للمسيح سواء من اليهود ومن تلاميذه خاصة قبل الصليب والقيامة، ولكن ليس بمعناه اللاهوتى، كاملاً، إلا أن الوحى الالهى نسب إليه اللقب بمعناه اللاهوتى الكامل خالصة فى الاعلانات السماوية عنه:

فقيل عن يوحنا المعمدان أنه يكون:

"عظيماً أمام الرب... يهيىء للرب شعباً مستعداً"(9).

والرب هنا هو السيد المسيح، والقبذكر هنا بمعناه اللاهوتى الكامل، أى "يهوه"، ففد جاء فى العهد القديم عن يوحنا المعمدان أنه:

C "صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق يهوه"(10).

وجاؤ عنه أيضاً فى الهد الجديد:

C "كانت كلمنة الرب على يوحنا بن زكريا فى البرية... صوت صارخ فى البرية أعدوا طريع الرب Kyrios"(11).

والمقصود فى الآية الثانية الرب يسوع المسيح، كما أن ما جاء فى الآية الأولى هو نبؤة عنه، نبؤة عن يوحنا كصوت صارخ أمام الرب يسوع المسيح، الذى هو "يهوه"، الرب. وهذا ما بينه بصورة أكبر سجود المعمدان وهو جنين فى بطن أمه له ستة أشهر للرب يسوع المسيح بينما الملاك لم يبشر العذراء بالمسيح سوى من أيام قليلة"(12).

ولكون السيد المسح، يسوع، هو الرب "يهوه"، فقد قال عنه المعمدان:

C "الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست أهلاً أن أحمل حذاءه"(13).

C "الذى يأتى بعدى الذى صار قدامى الذى لست بمستحق أن أحل سيور حذائه"(14).

C "هذا هو الذى قلت عنه يأتى بعدى رجل صار قدامى لأنه كان قبلى"(15).

C "وأنا قد رأيت وشهددت أن هذا هو ابن الله"(16).

C "ينبغى أن ذلك (المسيح) يزيد وأنا (المعمدان) أنقص"(17).

C "الذى يأتى من فوق هو فوق الجميع... الذى يأتى من السماء هو فوق الجميع"(18).

C "الآب يحب الابن وقد دفع كل شىء فى يديه"(19).

كما قالت أمه اليصابات للعذراء "من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلىّ"(20).

وهذا ما يؤكد أن المسيح "كرب" هو "يهوه" الذى أتى من فوق من السماء، ملك كل شىء ورب كل شىء وسيد كل شىء والذى هو فوق الجميع.

والسيد المسيح نفسه يستخدم هذا اللقب بمعناه اللاهوتى المطلق فى كثير من أقواله:

"ليس كل من يقول لى يا رب يدخل ملكوت السموات"(21).

"كثيرون سيقولون لى لى ذلك اليوم يا رب يا رب أليس بأسمك تنبأنا وبأسمك أخرجنا شياطين وبأسمك صنعنا قوات كثيرة"(22).

"ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً"(23).

وعندما سأل اليهود "قائلاً ماذا تظنون فى المسيح؟ ابن من هو؟ قالوا ابن داود قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح رباً... فأن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه"(24).

"ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده... فيجيبه الأبرار يا رب متى رأيناك..."(25).

وهذه الآيات تدل على أنه رب السموات والأرض. رب الطبيعة ولأرواح وسائر المخلوقات رب السبت، رب داود، رب الملائكة، رب المجد، رب العرش، رب الدينونة (الديان). أنه الرب، أى "يهوه"، الرب بمعناه اللاهوتى الكامل. قال الملاك فى بشاربه للرعاه "ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلصاً هو المسيح الرب"(26). ويتضح معنى هذا اللقب كاملاً بالاضافة لما سبق فى مخاطبة توما له "ربى والهى"(27) أنه الرب والاله، الرب الإله، يهوه ايلوهيم.

3- لقب رب بعد القيامة:

وأن كان السيد قد تعمد أخفاء لاهوته قبل الصلب والقيامة، برغم ما أعلنه عن ألوهيته فى عدة مواقف وبالرغم من أن الكثير من أقواله وأعماله التى كانت واحدة منها تكفى لإعلان لاهوته كما فهم اليهود فى موقفين وقالوا "قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً نفسه بالله"(28) و "فأنك وأنت أنسان تجعل نفسك الهاً"(29) كما حاولوا رجعه عدة مرات لذلك"(30) إلا أن المواقف تغير تماماً بعد القيامة من الموت ولم يعد هناك ما يدعو لأخفاء لاهوته، فبدأ يظهر مجده ولاهوته أمام تلاميذه بدون أخفاء أو تحفظ، وتحولت علاقة التلاميذ الودية معه إلى الرهبة والخوف المشوب بهيية النظر إلى الإله، رب المجد، يهوه".

وعند رؤية المريمتين له بعد القيامة "سجدتا له"(31) والشريعة تقول "ليهوه الهك تسجد وأياه وحده تتقى وتعبد"(32). ولما ظهر لتلاميذه على بحيرة طبرية، يقول الوحى الالهى "لم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت إذ يسأله من أنت إذ كانوا يعلمون أنه الرب"(33).

وكان أخطر وأهم أعلان بعد القيامة هو أعلان توما الذى خاطبه "ربى والهى"(34).

وهذا التعبير أستخدم كثيراً فى العهد القديم عن الله "يهوه" "يهوه ايلوهيم". وراح التلاميذ يسألونه أسئلة وهو يجيب بلا تحفظ دون أن يخفى ألوهيتهن على هذه الأسئلة التى لا يمكن أن يجيب عليها سوى الله وحده(35) وهم يعلمون تماماً أنه العليم، العالم بكل شىء، "يهوه" الذى لا تخفى عليه خافية فى الكون لأنه ربه وخالقه، ويعبر عن ذلك قول القديس بطرس له بالوحى" "يارب أنت تعلم كل شىء"(36) ويؤكد صحة كلامه هذا بسؤاله للرب عن مصير القديس يوحنا وهذا ما لا يعلمه إلا الله وحده، فيقول له "وهذا ما له"(37) فيجيبه الرب يسوع أجابة يعلن فيها أنه الله، الكلى القدرة، رب الحياة والموت، رب العالمين "قال له يسوع أن كنت أشاء أنه يبقى حى حتى أجيىء"(38) كما سأله التلاميذ أيضاً عن مصير ملك إسرايل: "يا رب هل فى هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل"(39). واضح من سؤالهم أنهم يعلمون مقدرته على "رد الملك لإسرائيل" أى أنه رب العالمين.

ثم يعلن لتلاميذه بأشكال مختلفة أنه رب العالمين، رب الكون:

C "دفع إلىّ كل سلطان فى السماء وعلى الأرض"(40).

C "وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض"(41).

C "وأن يكرز بأسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم"(42).

"وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين بأسمى ويتكلمون بألسنة جديدة يحملون حيات وأن شربوا سماً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون"(43).

C "أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم الآب والابن والروح القدس"(44).

"وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(45).

وهذه الآيات تدل على أنه رب السماء والأرض، رب الطبيعة. وبرغم صعوده إلى السموات جسدياً، بناسوته إلا أنه مالىء الكل بلاهوته، جالس على العرش فى السماء ومع ذلك موجود بلاهوته مع كل واحد من مؤمنيه. فسجد له التلاميذ(46) عند صعوده كيهوه رب العالمين و"خرجوا وكرزوا فى كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة"(47).

يعمل معهم على الأرض بالرغم من أنه جالس على العرش، كرب العرش، فى السماء.

ثانياً: يسوع.. رب المجد

1- مجد يهوه:

كلمة مجد (كابود – Kabod) فى العبرية تعنى بالنسبة لله، "يهوه"، إعلان كينونة الله(48) وطبيعته وجوهره وتشير إلى حضوره وعظمته(49). كما يرتبط أحياناً بإعلان مجد "يهوه" ببعض الظواهر الطبيعية مثل البرق والرعود والنار والدخان والسحاب الثقيل(50): "هوذا الرب الهنا قد أرانا مجده وعظمته وسمعنا صوته من وسط النار"(51). وكان "يهوه" ذاته هو "مجد إسرائيل"(52) فى القديم، سار معهم فى البرية مرشداً وقائداً لهم: فى الصباح ترون مجد يهوه... وإذ مجد يهوه قد ظهر فى السحاب"(53).

وحل الله بمجده على خيمة الاجتماع "ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء يهوه المسكن(54) ولما بنى سليمان الهيكل حل "يهوه"، الله، بمجده فيه(55) ورأى حزقيال مجد "يهوه" فى صورة شبه انسانية: "شبه كمنظر إنسان... منظر شبه مجد الرب (يهوه) ولما رأيته خررت على وجهى(56) "كما رأى أشعياء السيد الرب "يهوه" جالساً على كرسى مرتفع... السرافيم واقفون فوقه... وهذا نادى ذلك وقال قدوس قدوس قدوس يهوه الجنود مجده ملء كل الأرض"(57) ولكن مجد "يهوه"، ظهر بعد ذلك فى سفى أشعياء النبى بصورة أكثر روحانية "فيعلن مجد يهوه ويراه كل بشر"(58)، "أما عليك فيشرق يهوه ومجده عليك يرى"(59).

2- مجد يسوع:

تعنى كلمة مجد (ذوكسا Doxa)(60) فى العهد الجديد "المجد أو البهاء"(61) وقد أستخدمت عن مجد الرب يسوع المسيح "رب المجد"، أنها تصف شخص الله وحضوره وظهوره فى شخص وعمل الرب يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد، الاله المتجسد الذى هو "بهاء مجده ورسم (ختم) جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته"(62)، صورة الله غير المنظور"(63) و"الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً"(64).

وظهر مجد يسوع فى الههد الجديد مساوياً لمجد "يهوه" فى القديمن كما ظهر مجد يسوع أنه هو مجد "يهوه" ذاته. قال القديس يوحنا بالوحى أن المجد الذى رآه أشعياء النيى فى القديم هو مجد الرب يسوع "قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه"(65).

وكذلك قال القديس يوحنا عن تجسده وظهوره فى الجسد "والكلمة صار جسداً وحل بيننا (فينا) ورأينا مجده مجداً لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقاً"(66).

ولم يحتاج الرب لخيمة ليحل فيها كما لم يحتاج أن يتكلم من وسط النار إذ أنه نصب خيمته بيننا، حل لكل ملئه فى الناسوت.

أظهر السيد المسيح مجده فى معجزاته مثل تحويل الماء إلى خمر "وأظهر مجده فآمن به تلاميذه"(67).

وكما أظهر "يهوه" مجده فى القديم على جبل سيناء لموسى(68)، وعلى جبل حوريب لأيليا(69)، أظهر الرب يسوع المسيح مجده على جبل نابور، فأخذ تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا ابنى زبدى "وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وتغيرت هيئته قامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور بيضاء جداً كالثلج(70)، وإذا موسى وأيليا قد ظهرا يتكلمان معه... وأما بطرس والذين معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم فلما أستيقظوا رأوا مجده والرجلبين الواقفين معه"(71).

وكان التلاميذ مرتعبين(72)، فجاءهم صوت من السماء قائلاً "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت"(73) فسقط التلاميذ على وجوههم وخافوا جداً(74).

ويكتب القديس بطرس فى رسالته الثانية عن هذا الحدث يقول: "إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل كنا معاينين عظمته"(75).

ومع ذلك يقول السيد المسيح أن مجده الأزلى عظيم "مجدنى أيها الآب بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم"(76) وأن كان قد تخلى عن مجد هبا لتجسد إلا أنه بعد القيامة والصعود يقول الكتاب: "ولكن الذى وضع قليلاً عن الملائكة (بالتجسد) يسوع تراه مكللا بالمجد والكرامة"(77). "عظيم هو سر التقوى اله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراؤى لملائكته كرز بين الأمم، أؤمن به فى العالم رفع فى المجد"(78)، أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده"(79).

3- رب المجد:

ويقول الكتاب أن يسوع هو "رب المجد" الذى لو عرف اليهود والرومان حقيقته لما صلبوه "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد"(80). ويكرر الكتاب كثيراً تعبيرات:

C "يسوع المسيح له المجد إلى الأبد"(81).

C "يسوع المسيح له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين"(82).

"مستحق هو الحمل المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة"(83)، ونفس هذه الصفات أعطيت فى نفس السفر لله الآب(84) مما يدل على أن ما للمسيح، يسوع، هو لله، "يهوه" كل ما للآب هو لى"(85).

وأن الآب والابن واحد "أنا والآب واحد"(86) أى أن يسوع هو "يهوه" ويشلهما نفس السفر بصفات واحدة فى نص واحد:

"وكل خليقة مما فى السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل مافيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين"(87).

وسيظهر الرب يسوع المسيح فى مجيئه الثانى فى مجده بصورة أعظم وأبهى مما ظهر فى أيام خدمته على الأرض، أنه سيأتى بقوة ومجد كثير. ويجلس على كرسى الدينونة.

C "ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله"(88).

C "ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته"(89).

C "منى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده"(90).

C "ومتى جاء ابن الإنسان عى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده"(91).

C "ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين"(92)

"أستعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته فى نار لهيب معطياً نقمة للذين يعرفون الله والذين لا يطيعون أنجيل ربنا يسوع المسيح الذين سيعاقبون بهلاك أبدى من وجه الرب ومن مجد قوته، متى جاء ليتمجد فى قديسيه ويتعجب منه فى جميع المؤمنين"(93).

C "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح"(94).

من هذا يتضح أن مجد "يهوه" هو مجد يسوع، ومجد يسوع هو مجد "يهوه"، ويسوع هو يهوه، ويهوه ويسوع واحد، غله واحد ورب واحد.

 

(1) أستخدم لقب "رب" فى العهد الجديد بمعنى "رب، سيد، صاحب، مولى، للسيد المسيح. وخاصة من الناس الذين كانوا يطلبون منه الشفاء "أرحمنى ياسيد.. يا سيد أعنى" متى 22: 15و25 والذين يطلبون الشفاء لذويهم "يا سيد غلامى مطروح" مت 6: 8. كما أستخدم بنفس المعنى لغيره كصاحب الكرم (لو 13: 20و15) ومالك العبيد (لو 43: 12) وسيد الخدم (مت 24: 6) وبيلاطس الوالى (متى 63: 27)، كما أستخدمته مريم المجدلية ونادت به السيد المسيح عندما ظنت أنه البستانى (يو 15: 20) فنادت "يا سيد".

(2) لو 1: 11.

(3) يو 13: 13.

(4) لما أراد أثنين من تلاميذ يوحنا المعمدان الانضمام إليه خاطباه قائلين "ربى" الذى تفسيره يا معلم حسب ما جاء فى أنجيل يوحنا (16: 20).

(5) خاطبته المجدلية بعد القيامة قائلة "ربونى"، وأيضاً فسرها الانجيلى "الذى تفسيره يا معلم" (يو 16: 20).

(6) The New Bible Dic. P. 1072.

(7) مت 7: 23.

(8) دعى معلم حوالى 45 مرة أنظر مثلاً متى 19: 8 ولو 5: 10 ومر 16: 22 ويو 2: 3.

(9) لو 17: 1.

(10) أش 3: 40.

(11) لو 2: 3و4.

(12) لو 41: 1.

(13) متى 11: 3.

(14) يو 27: 1.

(15) يو 30: 1.

(16) يو 34: 1.

(17) يو 30: 3.

(18) يو 31: 3.

(19) يو 35: 3.

(20) لو 43: 1.

(21) متى 21: 7.

(22) متى 22: 7.

(23) مر 28: 2.

(24)

(25) متى 31: 25و37.

(26) لو 88: 2.

(27) يو 28: 20.

(28) يو 18: 5.

(29) يو 33: 10.

(30) يو 59: 8و31: 10.

(31) متى 9: 28.

(32) تث 20: 10 ومتى 10: 4.

(33) يو 12: 21.

(34) يو 28: 20.

(35) سأله تلاميذه من قبل شبيهة مثل سؤالهم عن علامات النهاية (متى 1: 24-3) لإيمانهم أنه "المسيح ابن الله الحى" متى (16: 16).

(36) يو 17: 21.

(37) يو 12: 21.

(38) يو 22: 21.

(39) أع 6: 1.

(40) متى 18: 28.

(41) أع 8: 1.

(42) أع 8: 1.

(43) مر 17: 16و18.

(44) متى 19: 28.

(45) متى 19: 28.

(46) لو 52: 24.

(47) مر 19: 16و20.

(48) كما تعنى بالنسبة للبشر الثروة أو العظمة أو السمعة أو الكرامة.

(49) مز 3: 96و4.

(50) حز 14: 19-19.

(51) تث 24: 5.

(52) 1مل 11: 8و12 أخ 1: 8-4.

(53) حز 28: 26: 1.

(54) أش 1: 6و3.

(55) أر 11: 2و13.

(56) حز 7: 16و10.

(57) حز 34: 40.

(58) أش 4: 40.

(59) أش 3: 60.

(60) وقد ترجمت كلمة كابود إلى ذوكسا فى الترجمة السبعينية وتعنى سمعة. كلمة أستخدمت أيضاً بمعنى الكرامة الانسانية – (متى 8: 4و29: 6).

(61) See Kittle Vol. 2: 247.

(62) عب 3: 1.

(63) كو 15: 1.

(64) يو 9: 2.

(65) يو 41: 12.

(66) يو 14: 1.

(67) يو 11: 2.

(68) خر 15: 24.

(69) امل 8: 19.

(70) مر 3: 9.

(71) لو 32: 9.

(72) مر 6: 9.

(73) متى 7: 17.

(74) متى 8: 17.

(75) 2 بط 16: 1.

(76) يو 5: 17.

(77) عب 9: 2.

(78) 1 تى 16: 3.

(79) لو 26: 24.

(80) 1 كو 8: 2.

(81) رو 27: 16.

(82) غلا 5: 1.

(83) رؤ 12: 5.

(84) رؤ 11: 4.

(85) يو 15: 16.

(86) يو 30: 10.

(87) رؤ 13: 5.

(88) متى 27: 16.

(89) متى 30: 24.

(90) متى 28: 19.

(91) متى 31: 25.

(92) لو 26: 9.

(93) 2 تس 7: 1-10.

(94) تى 13: 2.

الفصل السابع

ملك الملوك ورب الآرباب

 

أولاً – يهوه:

جاء فى الكتاب عن الله، "يهوه"، قوله:

C "لأن يهوه الهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب الآله العظيم الجبار المهيب"(1).

C "أحمدوا رب الأرباب لأن إلى الأبد رحمته"(2).

C "المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب"(3).

أى أنه ملك الملوك ورب الأرباب وإله الآلهة، العظيم، الجبار، المهيب، الرحيم، المبارك، العزيز، الوحيد.

ثانياً – يسوع:

ويقول الكتاب أيضاً عن يسوع المسيح:

C "وله على ثويه وعلى فخذه أسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب"(4).

C "وهؤلاء سيحاربون الحمل، والحمل سيغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك"(5).

C "ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به"(6).

C "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الاله المبارك إلى الأبد"(7).

C "الهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح"(8).

C "يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى أسمه عجيباً مشيراً آلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام"(9).

وإله الآلهة هذا هو، الواحد، والمبارك، والعظيم، والقدير أو الجبار (حرفياً) أى له كل ما ليهوه من ألقاب وصفات وبالتالى فهو يهوه ذاته.

1- الرب برنا:

ودعى السيد المسيح ب "يهوه برنا" فقد تنبأ عنه أرميا النبى قائلاً: "ها أيام تأتى يقول الرب (يهوه) وأقيم لداود غصن بر فيمك ملك وينجح ويجرى عدلاً وحقاً فى الأرض... وهذا هو أسمه الذى يدعونه به "يهوه برنا"(10) وقد جاء المسيح من نسل داود بالرغم من أنه رب داود(11) "أنا أصل وذرية داود"(12) ولكنه فى نفس الوقت هو يهوه، رب داود والذى دعى "يهوه برنا" لأنه بررنا من خطايانا "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح"(13).

"لكن أعتسلتم بل تقدستم بل تبررتم بأسم الرب يسوع وبروح الهنا"(14).

2- المعبود:

قال الله فى شريعته فى القديم "يهوه الهك تتقى واياه تعبد وبأسمه تحلف"(15).

وقال الرب يسوع المسيح فى العهد الجديد "للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد"(16).

وهذا يبين أن الله وحده، "يهوه"، هو الذى تقدم له العبادة والسجود، وهو وحده الذى يحلف بأسمه.

ولكن الوحى فى العهد الجديد يبين لنا أن يسوع المسيح هو الذى تقدم له العبادة والسجود وهو الذى يعطى النعمة والقوة والغلبة وعصيانه خطيئة عقابها الهلاك الأبدى:

(أ) الرب يسوع هو المعبود:

دعى تلاميذه أنفسهم عبيداً وقدموا له الأكرام وكل ما يتعلق ويليق به وعبادته كرب الكون المعبود.

قال له توما"ربى والهى"(17) وهذا يعنى عبادته كإله ورب العالمين.

وجاء فى أفتتاحيات رسائل الرسل أعلان أجماعهم على أنهم عبيد المسيح.

C "يعقوب عبد يسوع المسيح"(18).

C "يهوذا عبد يسوع المسيح"(19).

C "بطرس عبد يسوع المسيح"(20).

C "بولس عبد يسوع المسيح"(21).

C "بولس وتيموثاوس عبدا يسوع المسيح"(22).

C "بطرس الذى منكم عبد المسيح"(23).

يقول القجيس بولس بالوحى "لأن من دعى فى الرب وهو عبد فهو عتيق الرب. كذلك أيضاً الحر المدعو هو عبد للمسيح. قد أشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيداً للناس"(24).

الجميع يعلنون أنهم عبيد للمسيح ويقول الوحى بلسان بولس الرسول "لا تصيروا عبيداً للناس" مما يؤكد أن يسوع المسيح ليس مجرد أنسان ولكنه الرب الاله، المعبود، رب الكل، رب العالمين. والقديس يوحنا يقول بالوحى فى بداية الإعلان السماوى "إعلان يسوع المسيح الذى أعطاه الله أياه ليرى عبيده ما لابد أن يكون مرسلاً بيج ملاكه لعبده يوحنا". فهو رب الملائكة والبشر.

وفى نفس الوقت يدعو فيه الرسل أنفسهم وبقية المؤمنين والخلائق عبيد للمسيح يدعون أنهم عبيد(25) الله،والشريعة تنص على أنه لا عبادة ولا سجود لغير الله، وهم كيهود، فى الأصل، يعلمون ذلك جداً مما يدل على إيمانهم بألوهية يسوع المسيح وأنه "يهوه"، رب العالمين كما قال بطرس الرسول بالوخى "يسوع المسيح. هذا هو رب الكل"(26) و "رئيس الحياة"(27). ويقول دانيال النبى بالوحى متنبأ عن ربوبية المسيح للكون:

فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً للتعبد له كل الشعوب والألسنة سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض"(28).

(ب) الرب يسوع هو المسجود له:

والمعبود بالطبع يقدم له السجود محرم لغير الله "للرب الهك تسجد وإياه وحده تعبد"(30) ولما حاول القديس يوحنا أن يسجد للملاك فى الرؤيا قال له الملاك "أنظر أنا عبد معك ومع أخوتك الذين عندهم شهادة يسوع المسيح أسجد لله"(31)، ولما حاول كرنليوس أن يسجد للقديس بطرس منعه قائلاً: "قم أنا أيضاً أنسان"(32). ولكن الرب يسوع المسيح قبل السجود له سواء قبل الصلب والقيامة أو بعد القيامة ولم يمنع أحداً من السجود له:

عند ميلاده جاء المجوس قائلين "أتينا لنسجد له"(33). وسجدوا له "خروا وسجدوا له"(34).

C "وأذ أبرص قد جاء وسجد له"(35).

C "وفيما هو يكلمهم بهذا إذا قد جاء فسجد له"(36).

C "والذين فى السفينة جاءوا فسجدوا له"(37).

C "وإذا امرأة كنعانية.. أتت وسجدت له قائلة يا سيد أعنى"(38).

C "حينئذ تقدمت إليه أم ابنى زبدى مع أبنيها وسجدت"(39).

C "وكذلك تلاميذه بعد القيامة "لما رأوه سجدوا له"(40).

C "والمريمتين "أمسكتا بقدميه وسجدتا له"(41).

C "والمولود أعمى الذى خلق له عينين "سجد له"(42).

وفى كل هذه الحالات لم توجد أى أشارة أو تلميح فى الكتاب على أن الرب يسوع قد رفض ولم يقبل السجود له بل على العكس تماماً.. فكيف يرفض السجود له وهو المكتوب عنه "ولتسجدوا له كل ملائكة الله"(43) وأيضاً يقول الكتاب: "لأننا جميعاً سنقف أمام كرسى المسيح لأنه مكتوب حى أنا يقول الرب أنه ستجثوا لى كل ركبة وكل لسان سيحمد الله"(44). وهاتان الآيتان تؤكدان أن كل الخلائق تسجد للرب يسوع المسيح، الإله الحى، رب العالمين "تجثوا بأيم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض"(45).

(ج) وتقدم له الصلوات:

الصلاة لا تقدم لقير الله، والرب يسوع يطلب أن يٌصلى إليه:

C "حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم"(46).

C "ليس كل من يقول لى يا رب بدخل ملكوت السموات"(47).

C "لماذا تدعوننى يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله"(48).

وصلت إليه الكنيسة عند أختيار متياس:

C "وصلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أيا أخترته"(49).

والقديس بولس يصلى غليه ضارعاً أن يخلصه من شوكة الجسد:

C "من جهة هذه تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقنى. فقال لى تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحرى فى ضعفاتى لكى تحل على قوة المسيح"(50).

ويشكره لأنه قواه "وأنا أشكر ربنا الذى قوانى"(51).

والصلاة إليه تؤكد حضوره فى كل مكان وزمان "وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(52).

(د) الدعاء بأسمه:

وكما ترفع إليه الصلوات يدعو المؤمنين بأسمه:

C "كل من يدعو بأسم الرب يخلص"(53).

C "لماذا تدعوننى يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله"(54).

(س) العصيان عليه خطيئة عقابها الهلاك الأبدى:

C "الخطيئة هى التعدى"(55) على الله وعلى ناموسه، والخطأ ضد الله عقابه الهلاك الأبدى:

C "من أخطأ إلى أمحوه من كتابى"(56).

ويعرفنا أيضاً أن الخطأ ضد المسيح عقابه الهلاك الأبدى:

C "فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله"(57).

والارتداد عنه يؤدى إلى عدم النجاة كما يؤدى إلى الهلاك الأبدى:

C "فبالأولى جداً لا ننجو نحن المرتدين عن الذى من السماء"(58).

C "كيف ننجو نحن أن أهملنا خلاصاً هذا مقداره"(59).

ويعتبر أن الخطأ ضد الاخوة هو خطأ ضد المسيح:

"وهكذا اذ تخطئون إلى الاخوة وتجرحون ضميركم الضعيف تخطئون إلى المسيح"(60).

كما يحذر الكتاب من تجربة المسيح ويقول ان الذين جربوا "يهوه فى العهد القديم جربوا المسيح ويذكر لقب المسيح بدلاً من "يهوه" فنالوا عقاباً شديداً:

"ولا نجرب المسيح كما جرب أناس منهم فأهلكتم الحيات"(61).

(ص) يسوع يعطى القوة والغلبة:

درسنا أن الرب يسوع هو يرسل الرسل والأنبياء والخدام والمبشرين كما يرسل ملائكته من السماء. وعندما يرسلهم يعطيهم القوة والغلبة على العالم:

C "فبكل سرور أفتخر بالحرى فى ضعفاتى لكى تحل على قوة المسيح"(62).

C "وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذى قوانى"(63).

C "المسيح فيكم رجاء المجد... الذى لأجله أتعب أيضاً مجاهراً بحسب عمله الذى يعمل بقوة"(64).

C "أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى"(65).

C "وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذى قوانى أنه حسبنى أميناً جعلنى للخدمة"(66).

C "ولكن الرب وقف وقوانى لكى تتم لى الكرازة"(67).

وهذا يسواى ما قيل عن يهوه فى العهد القديم:

C "قوتى وترنمى الرب (ياه)"(68).

C "الرب (ياه) قوتى ونشيدى"(69).

فالرب يسوع هو "يهوه" الذى يعمل الانبياء والرسل بقوته، يعمل فيهم وبهم:

C "لأنى لا أجسر أن أتكلم عن شىء مما لم يفعله المسيح بواسطتى"(70).

فهم رسله وخدامه وعبيده الذين يعملون كل شىء بأمره، وهم ليسوا رسل أو خدام بشر ولكنهم رسل وخدم رب العالمين "بولس رسول لا من الناس ولا بأنسان بل بيسوع المسيح والآب"(71) وأيضاً "أعرفكم أيها الأخوة الأنجيل الذى بشرت به أنه ليس بحسب انسان. لأنى لم أقبله من عند انسان ولا علمته. بل بإعلان يسوع المسيح"(72). ويسبق هذا بقوله أنه هو "عبد للمسيح"(73). أنه لم يقبل رسالته من انسان ولكن من الرب يسوع الذى هو "الله ظهر فى الجسد"(74). والذى اذ كان فى صورة ال لم يحسب مساواته لله أختلاساً لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس واذ وجد فى الهيئة كأنسان"(75). فهو رب الكل الذى "الكل به وله قد خلق"(76).

(ط) يسوع معطى النعمة:

يقول عنه الكتاب أنه الغنى والذى يعطى الجميع من غناه ونعمته. وكلمة نعمة فى اليونانية (Charis) خارس، وتعنى أيضاً فضل وأحسان ومنه. والرب يسوع يقدم دائماً فضله وأحسانه ونعمته تظهر فى الضعف.

وغنى نعمته فائق ولا حد له:

C "فأنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع أن من أجلكم أفتقر وهو غنى لكم تستغنوا أنتم بفقره"(77).

C "نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم"(78).

C "النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا"(79).

C "فقال لى تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل"(80).

C "تكون معكم نعمة ورحمة وسلام من الله الآب ومن الرب يسوع المسيح"(81).

C "ليظهر فى الدهور الآتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا فى المسيح يسوع"(82).

C "ولكن أنموا فى النعمة وفى معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر"(83).

الرب يسوع هو الغنى بالنعم الذى يعطى الجميع من نعمة وغناه أنه المنعم، مصدر النعم وواهبها، والله وحده، "يهوه"، هو المنعم، ويسوع هو المنعم.

(ع) القسم بالرب يسوع:

كان الحلف فى العهد القديم لا يجوز إلا "بيهوه" وحده "يهوه الهك تتقى واياه تعبد وبأيمه تحلف"(84). والسيد المسيح قال "لا تحلفوا البتة"(85) ولكن الرسل أشهدوا الرب على كلامهم وأعمالهم، وهذا يدل على أنه الموجود فى كل مكان وزمان، الموجود دائماً "ها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر".

C "أقول الصدق فى المسيح ولا أكذب".

C "فأقول هذا وأشهد فى الرب"(86).

"وحرف الجر فى "فى – In – En" فى الآيتين هو فى طبيعة القسم مثل عبارة "بالله" العربية، وكأنه يقول أنى أشهد الرب يسوع على صدق ما أقول ويستخدم الكتاب كلمة "أناشدك" أى "أشهدك" فيقول القديس بولس لتيموثاؤس:

C "أناشدك أمام الله والرب يسوع والملائكة المختارين"(87).

C "فكر بهذه الامور مناشداً قدام الرب"(88).

C "أنا أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته"(89).

C "أوصيك أمام الله الذى يحيى الكل والمسيح يسوع"(90).

فى الآيتين الأولى والثانية يعنى أنه يجعل الله والرب يسوع وأيضاً الملائكة شهوداً على ما يقوله له، وفى الثالثة يشهد الله والرب يسوع كديانن الكون، كشاهد على ما يقوله والذى يسدينه بحسب عمله الذى أشهد الرب عليه، وفى الرابعة يستخدم كلمة "أوصيك" وتعنى الشهادة على هذه الوصية، شهادة الله، شهادة الرب يسوع.

واذا كان الكتاب يجعل القسم بيسوع، الرب يسوع الميسح، وشهادته على أقوال وتصرفات البشر، ويشرك الآب معه فى ذلك، فهذا يدل على أنه رب العالمين وأن كان قد أشرك الملائكة فى الشهادة فهذا يدل على أن الملائكة كائنات روحية تعمل بأمر الرب والتى قد تكون حاضرة هذه الشهادة.

(م) يسوع هو الرحيم:

أتصف الرب يسوع بالرحمة "لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف"(91) والرحمة والرحيم من صفات الله وحده الذى قال عنه الكتاب "الرب الرب (يهوه يهوه) إله رحيم ورؤوف بطيىء الغضب وكثير الاحسان والوفاء"(92). وكان الرسل فى أفتتاحيات رسائلهم يطلبن رحمة يسوع للمؤمنين كما كانوا يطلبون نعمته وسلامه:

C "تكونه معكم نعمة ورحمة من الله الآب ومن الرب يسوع"(93).

C "نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والرب يسوع مخلصنا"(94).

C "ليعط الرب رحمة لبيت انسيفورس"(95).

C "منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية"(96).

أنه الرحيم معطى الرحمة والذى يرحم ويترأف على شعبه وقد أرتضى أن يتجسد "لكى يكون رحيماً"(97). الجميع محتاجون إلى رحمته وهو يرحم الجميع ولا يخيب رجاء أحد.

(ن) يد الله (يهوه) ويد يسوع:

وردت كلمة يد فى العبرية (يد – Yad) بمعانى كثيرة منها "القدرة" ولذلك جاءت كلمة "يد الرب بمعنى قدرة يهوه(98)، وجاءت فى بداية الانجيل للقديس لوقا(99) بمعنى قوة الرب (مع يوحنا المعمدان).

وأستخدمت كلمة يد الرب فى العهد الجديد، لتعنى "يد الرب يسوع" أو قوته، القوة الخارجة منه، من يديه، وكانت يد الرب معهم (التلاميذ الرسل) فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الرب"(100). ويد الرب هنا تعنى قوة الرب يسوع. وكان تعبير"فمد يسوع يده ولمس" يعنى خروج قوة منه وإجراء قوات وعجائب ومعجزات، فلمس المصابين بالبرص وشفاهم(101)، وشفى حماة بطرس بمجرد "لمس يدها"(102) وأقام أبنه بايرس من الموت بعد أن "أمسك يدها"(103). وهذا ما أذهل جميع من الذين شاهدوا لمسه يده متعجبين كيف "تجرى على يديه قوات مثل هذه"(104).

الخلاصة أن كل ما نسب إلى "يهوه" نسب إلى يسوع مما يدل على أن يسوع هو "يهوه".

 

(1) تث 17: 10.

(2) ز 3: 136.

(3) 1 تى 15: 6.

(4) رؤ 11: 17.

(5) رؤ 11: 17.

(6) 1 كو 56: 8.

(7) رو 5: 9.

(8) تى 13: 2.

(9) أش 6: 9.

(10) أر 5: 23و6.

(11) متى 42: 22-46.

(12) رؤ 22ك16.

(13) رو 24: 3.

(14) 1 كو 11: 6.

(15) تث 13: 6.

(16) متى 10: 4.

(17) يو 28: 20.

(18) يع 1: 1.

(19) يه 1.

(20) 2 بط 1: 1.

(21) رو 1: 1.

(22) فى 1: 1.

(23) كو 12: 4.

(24)

(25) رؤ 1: 1.

(26) 1 بط 16: 2 ورؤ 18: 11 يقول القديس بولس "بولس عبد الله ورسول يسوع" تى 1: 1 ويقول القديس يعقوب "يعقوب عبد الله والرب يسوع" يع 1: 1.

(27) اع 36: 10.

(28) أع 15: 3.

(30) متى 10: 4.

(31) رؤ 10: 19و9: 22.

(32) اع 25: 10.

(33) متى 3: 2.

(34) مت 11: 2.

(35) متى 2: 8.

(36) متى 18: 9.

(37) متى 33: 14.

(38) متى 25: 15.

(39) متى 20: 20.

(40) متى 17: 31 ولو 52: 24.

(41) متى 9: 38.

(42) يو 38: 9.

(43) عب 6: 1.

(44) رو 10: 14و10.

(45) فى 10: 2.

(46) متى 20: 18.

(47) متى 21: 7.

(48) لو 46: 6.

(49) اع 24: 1.

(50) 2 كو 7: 12-9.

(51) 1 تى 12: 1.

(52) متى 19: 28.

(53) اع 21: 2 ورو 3: 10.

(54) لو 46: 6.

(55) 1 يو 4: 3.

(56) خر 33: 32.

(57) عب 29: 10.

(58) عب 25: 12.

(59) عب 3: 2.

(60) 1 كو 12: 8.

(61) 1 كو 9: 10.

(62) 2 كو 9: 12.

(63) كو 29: 1.

(64) 1 تى 12: 1.

(65) فى 13: 4.

(66) 1 تى 12: 1.

(67) 2 تى 17: 4.

(68) مز 14: 118.

(69) حز 2: 15.

(70) رو 18: 15.

(71) غل 1: 1.

(72) غل 11: 1و12.

(73) ع10.

(74) 1 تى 16: 2.

(75) فى 6: 2و7.

(76) كو 15: 1.

(77) 2 كو 9: 8.

(78) رو 24: 16.

(79) يو 13: 1.

(80) 2 كو 9: 12.

(81) أف 7: 2.

(82) 2 يو 3.

(83) 2 بط 18: 3.

(84) تث 13: 6.

(85) رو 1: 9.

(86) اف 17: 4.

(87) 1 تى 21: 5.

(88) 2 تى 14: 2.

(89) 2 تى 1: 4.

(90) 1 تى 3: 6.

(91) يع 11: 5.

(92) حز 6: 34.

(93) 2 يو 3.

(94) تى 14: 1.

(95) 2 تى 16: 1.

(96) يه 21.

(97) عب 17: 2.

(98) تث 17: 8، مز 12: 136.

(99) لو 66: 1.

(100) اع 21: 11.

(101) متى 3: 8.

(102) متى 15: 8.

(103) متى 25: 9.

(104) مر 2: 6.

الفصل الثامن

أنا.. أنا يهوه

 

"أنا هو"

1- يهوه وأنا هو:

أستخدم الله للإعلان عن ذاته إلى جانب "يهوه" و "أهيه" الدالين على وجوده الثانى المستقل كواجب الوجود الدائم الوجود وعلة الوجود وسببه تعبيرى "أنا" و "أنا هو".

أولاً – أنا:

أستخدم الله ضمير المتكلم "أنا" وهذا الضمير عندما يصدر من الذات الإلهية ويخرج من الفم الإلهى –اذا جاز التعبير- يعلن عن ذاته وعن سلطانه المطلق وعن وحدانيته وعن كونه الخالق الوحيد للكون، الفاعل الذى لا يمكن أن يكون مفعولاً، حر الارادة فيما يفعل ويقول ولا راد له ولا من يدرك أفكاره، فلا إله غيره ولا مثيل له ولا شبيه ولا شريك:

C "أنا يهوه وليس آخر. لا إله سواى"(1).

C "أنا أنا يهوهوليس غيرى مخلص"(2).

C "أنا يهوه صانع كل شىء ناشر السموات وحدى وباسط الأرض من معى"(3).

C "من اليوم أنا هو ولا منقذ من يدى. أفعل ومن يرد"(5).

C "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب"(6).

C "أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلى"(7).

ثانياً: أنا هو:

وتعبير "أنا هو"، أنا + ضمير الغائب "هو"، "أنى هو" بالعبرية عندما يخرج من فم الله يعبر عن كينونة الذات الإلهية ويتساوى مع "يهوه"، أى الكائن، ومع "اهيه الذى اهيه"، أى أكون الذى أكون، وتعنى "أنا، أنا الله، أنا الاعلى، أنا الذى يستطيع وحده أن يقول أنا كالخالق والمبدع والموجود الدائم عله كل وجود، وهو "هو" أى الذى يكون، "الكائن، أنا هو الله، أنا هو الكائن. وقد فهم ذلك علماء اليهود، الخبراء بالعهد القديم واللغة العبرية، فترجموا "أنا هو، مساوية ل "أنا يهوه" ومساوية ل "اهيه الذى اهيه، فى اللغة اليونانية:

1- فترجموا "أنا هو" "أنى هو" إلى "Ego Eimi – I am" أى "أنا أكون= أنا هو= أنا يهوه".

2- وترجموا "أنا يهوه" مرتين "Ego Eimi – I am" أى "أنا أكون= أنا يهوه= أنا هو".

C أنا يهوه "I am – Ego Eimi" وليس آخر"(8).

C "أنا يهوه (Ego Eimi Ego Eimi Kyrios) متكلم بالصدق ومخبر بالاستقامة"(9).

وفى الآية الأولى ترجموا "أنا يهوه" أنا أكون، أنا هو، وفى الثانية ترجموا "أنا يهوه" أنا أكون، أنا أكون الرب" أى أنا هو، أنا هو الرب.

3- كما ترجموا "اهيه الذى اهيه" (I am – Ego Eimi) أى "أنا هو الكائن".

أى أن تعبير "أنا هو= أنا أكون= أنا يهوه= أكون الذى أكون= أنا هو الرب أو أنا أكون الرب. وهذا ما توضحه الآيات التالية: "أنا أنا هو وليس إله معى.. أنا أميت وأحيى. سحقت وأنى أشفى وليس من يدى مخلص. أن أرفع إلى السماء يدى وأقول حى أنا إلى الأبد(10).

والمتكلم هو الله، يهوه، الإله الواحد، الذى يحيى ويميت القادر على كل شىء الحى القيوم الدائم الوجود، السرمدى، الخالق، والاسم المستخدم هو ضمير المتكلم "أنا" وضمير المتكلم وضمير الغائب "أنا هو"، أى أنا الذى أكون، الكائن، الوحيد، المحيى والمميت، الخالق، الحى القيوم.

وقد فسر ترجوم Joll الآية الأولى من هذه الآيات الثلاث مثل تفسيره للنص الالهى "اهيه الذى اهيه" تماماً وبنفس الكلمات:

C "أنا أكون الذى يكون والذى كان، وأنا أكون الذى سيكون ولا يوجد إله سواى"(11).

2- يسوع وأنا هو:

أستخدم الرب يسوع تبيرات "أنا" و "أنا هو" و "انى هو" بنفس الطريقة والأسلوب والمعانى التى أستخدمت بها وعبرت عنها على فم الله فى العهد القديم مع فارق واحد هو أن الله تكلم فى القديم بصورة مباشرة بإعتباره الله يهوه المتكلم، بينما فى العهد الجديد الذى تكلم هو يسوع، يسوع المسيح، الرب يسوع المسيح، الإله المتجسد والذى كان مستمعيه يجهلون ألوهيته والتى كان يحاول أن يعلن عنها بشكل غير مباشر من خلال نسب صفات وأسماء وألقاب وأعمال الله إلى ذاته.

أولاً – أنا:

أستخدم الرب يسوع المسيح ضمير ال "أنا" بنفس القوة والمعانى التى أستخدمت بها فى العهد القديم، ومن أقوى وأروع وأعظم ما أستخدم به هذا ال "أنا" هو وقوفه بالمقابلة مع أقوال الله فى العهد القديم، اذ يقول "قيل لكم"، "أما أنا فأقول لكم" والقائل فى القديم هو الله، وهو يضع نفسه فى مقابلة مع الله ويضع أقواله فى مقابلة مع أقوال الله ولا يجرؤ على ذلك سوى الله نفسه:

"قيل للقدماء لا تقتل... وأما أنا فأقول لكم... قيل للقدماء لا تزن. وأما أنا فأقول لكم كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه.. قيل للقدماء لا تحنث... أما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة... قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر... قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم"(12).

أنه يقابل الجديد بالقديم وأقواله بأقوال الله ويعدل هذا القديم ويضيف إلى أقوال الله، فيعدل الشريعة القديمة ولعطى شريعة جديدة "قيل للقدماء... وأما أنا فأقول لكم" أنه يسواى نفسه بالله والكتاب يقول أن هذه المساواة هى حق له وليست أختلاساً "الذى اذ كان فى صورة الله لم يحسب مساواته لله أختلاساً"(13). ويستخدم ضمير ال "أنا" بنفس القوة التى تكلم بها الله فى القديم كالذى يفعل ولا يوجد من يرده الفاعل الوحيد، وهذا ما يدل على أنه هو معطى الشريعة فى القديم والحديث والمتكلم سابقاً والآن ولاحقاً، وهو وحده الذى يستطيع أن يتكلم عن نفسه هكذا، ولا يمكن أن يتكلم عن نفسه هكذا، كما لا يمكن أن يساوى نفسه بالله أن لم يكون هو ذاته، الله.

ويقول للروح النجس: " أنا آمرك. أخرج منه ولا تدخله أيضاً"(14).

يكلمه بلهجة الأمر وبضمير "أنا" الإلهى الخلاق، مع أنه يقول لتلاميذه: هذا النجس لا يمكن أن يخرج بشىء إلا بالصلاة والصوم"(15) والرسل والانبياء صلوا فى القديم وصاموا(16) ولكن الرب يخرج الشياطين بكلمة الأمر والشياطين تصرخ أمامه معترفة بألوهيته قائلة "مالنا ولك يايسوع ابن الله. أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا"(17).

كما يستخدم الرب يسوع المسيح ضمير ال"أنا" كالحى القيوم، السرمدى، الموجود فى كل زمان ومكان، الغير محدود والغير المحوى، غير الزمنى، وكمعطى الحياة ومرسل الروح القدس، رب العرش، رب السماء والأرض، العالم بالغيب، الحى القيوم:

C "أنا أرسلتكم كغنم وسط ذئاب"(18)، أى مرسل النبياء والرسل الذى قال عنه الكتاب:

C "الذى نزل هو الذى صعد أيضاً فوق جميع السموات لكى يملأ الكل، وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين"(19).

C "أنا يسوع أرسلت ملاكى لاشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس"(20). فهو مرسل الملائكة "فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه"(21).

C "ها أنا أرسل لكم موعد أبى"(23) مرسل الروح القدس "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا اليكم من الآب روح الحق من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى"(24).

وهنا يطلب الايمان به ويعلن "أنه" مقيم الموتى، معطى الحياة فى الدنيا والحياة الأبدية.

C "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق"(25).

C "أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم"(26).

وهنا مقابلة بينه وبين المخلوق، بين الخالق والمخلوق الذى من فوق والذى من أسفل، السمائى والأرضى.

C "أنا أعلم الذين أخترتهم"(28) العالم "يا رب أنت تعلم كل شىء"(29) العليم بالخفايا.

C "أنا حى فأنتم ستحيون"(30)، "وفيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس"(31) الحى القيوم.

ثانياً – أناهو:

أستخدم الرب يسوع المسيح ضميرى "أنا هو" كما أستخدمنا فى العهد القديم وخرجا من الفم الألهى وأن كان قد أستخدمهما بثلاثة معانى هى:

1- أنا هو الشخص المطلوب أو المتحدث عنه أو المقصود.

2- أنا هو المسيا، المسيح الموعود أو المنتظر.

3- أنا هو، الكائن، يهوه، اهيه، الحى القيوم.

(أ) أنا هو الذى تطلبونه:

عندما جاء اليهود للقبض على يسوع فى بستان جسيمانى قال لهم "من تطلبون؟ أجابوا يسوع الناصرى، قال لهم: أنا هو (Ego Eimi)(32) أى أنا أكون هو الذى تطلبونه(33) لكن الشىء غير المتوقع أنهم "رجعوا للوراء وسقطوا على الأرض"(34) وبرغم أنه كرر عليهم عبارة "أنا هو" "أنى أنا هو" ومع ذلك وقف الجميع فى خوف وهيبة ورهبة أمام شخصه الألهى "أنا هو" ولم يجرؤ أحد منهم أن يقترب إليه أو يلمسه بل سقطوا على الأرض. فقدم نفسه وأسلم ذاته بنفسه.

(ب) أنا هو المسيح المنتظر:

وعندما تساءلت المرأة السامرية عن المسيا، المسيح المنتظر والموعود قال لها "أنا الذى أكلمك هو (Ego Eimi)(35)، فهو يعلن لها أنه هو المسيح المنتظر، المسيا، ولكن يتعدى إلى حقيقة وعمق تجسده ويكشف عن ذاته الإلهية، يكشف عن كونه الإله المتجسد، معطى الحياة الأبدية "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبت أنت منه ماء حياً... من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد"(36)، أنه الرازق والمعطى، معطى الحياة، ومعطى ماء الحياة الأبدية، الكائن، "يهوه".

(ج) أنا هو الكائن:

ومن أكثر أستخدمات الرب يسوع لعبارة "أنا هو" هو أستخدامها بمعنى أنا هو المسيا، أنا يهوه، أنا الكائن، أنا هو الذى يكون الكائن المبارك إلى الأبد، أنا هو القدير، النازل من السماء، نور العالم، الرب، صورة الله غير المنظورة:

1- أنا هو.. ابن الله

سأل رئيس الكهنة الرب يسوع وقال له "هل أنت المسيح ابن الله؟" فقال له يسوع "أنا هو

(I am – Ego Eimi) وسوف تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة وآتياً فى سحاب السماء"(38) فأعتبره رئيس الكهنة مجدفاً "فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدف"(39). وهنا نجد حقيقتين:

1- أنه "ابن الله" وابن الله كما فهم اليهود وأكد الكتاب المقدس هو مساوى ومعادل لله، أى أنه إله من نفس جوهر الآب "قال أن الله أبوه مساوياً نفساً بالله"(40)، لأنك وأنتا أنسان تجعل نفسك الهاً"(41). ولهذا مزق قيافا رئيس الكهنة ثيابه وظن أنه مجدفاً لأنه ينسب لنفسه الأولهية والمساواة مع الله. والمسيح ذاته يؤكد هذه المساواة ولكن فى وحدة اللاهوت والذات الألهية لله الواحد بقوله "أنا والآب واحد"(43)، "أنا فى الآب والآب فى"، "من رآنى فقد رأى الآب"(44).

2- يؤكد بتعبيره "أنا هو" المعنى الالهى للتعبير بتأكيد أنه ابن الله وأنه الجالس على العرش الألهى، رب العرش، والآتى على السحاب كالديان ورب الكون.

2- أنا هو.. لا تخافوا (القدير)

وأستخدم الرب يسوع المسيح تعبير "أنا هو" مقترناً بإستخدام قدرته الكلية كرب الكون والطبيعة. كل تلاميذه مع آخرين فى السفينة، والسفينة كانت فى وسط البحر معذبة فى الامواج والرياح المضادة وكان هو على الجبل يصلى فجاءهم ماشياً على الماء فى الهزيع الرابع من الليل تخافوا"(45). ولكى يطمئن بطرس الرسول أنه الرب طلب منه أن يأمره أن يمشى على الماء ونزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ولما دخل السفينة سكنت الريح "والذين فى السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله"(46) وفى هذا الموقف تظهر لنا أربع حقائق:

1- علم وهو على الجبل وحده بما صارت إليه السفينة والخطر الذى يتعرض له تلاميذه فهو العبيم، العالم بكل شىء علام الغيوب.

2- مشى على الماء مسافة طويلة وهذا يدل على أنه فوق الطبيعة ونواميسها، فهو رب الطبيعة، ثم هدأ الريح التى كانت مضادة للسفينة وهذا تأكيد أنه رب الطبيعة.

3- جعل بطرس أيضاً يمشى على الماء، أعطاء قوة للتغلب على نواميس الطبيعة.

4- جعل الذين فى السفينة يعترفون بأنه ابن الله لما رأو ما لا يمكن لبشر أن يفعله.

وبعد قيامته من الموت دخل على تلاميذه والأبواب مغلقة أختترق الحوائط والحواجظ والجدران بالرغم من أتخاذه لجسد مادى ووقف فى وسط تلاميذه مما جعلهم مرة أخرى يظنوه أنه روح أو خيال أو شبح فهدأهم قائلاً "أنا هو I am – Ego Eimi"(47)، وهذا يبين سلطانه على الطبيعة مرة أخرى وبشكل عجيب جداً اذ تخطى الحواجظ والجدران- دخل ووقف فى وسط التلاميذ بالرغم من عدم وجود أى فتحة ينفذ منها، تخطى نواميس الطبيعة كرب الطبيعة، ثم قال لتلاميذه "أنا هو". بدد خوفهم سابقاً فى السفينة. أنه يقول لهم أنا هو يسوع، أنا هو الرب، رب الطكبيعة، أنا هو مبدد الخوف، القدير، فلا تخافوا كما قال يهوه فى القديم لموسى "لا تخف"(48) وكما قال ليعقوب "أنا الله إله أبيك. لا تخف من النزول إلى مصر"(49) وكما قال فى سفر أشعياء النبى "لا تخاف لأنى معك. لا تتلفت لأنى الهك.." أنا يهوه الهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك"(50).

وهو الذى قال للقديس يوحنا الانجيلى والرائى عندما سقط عند رجليه كميت:

"لا تخف أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً وها أنا حى إلى أبد الأبدين أمين"(51) أى أنا الذى لا إله غيرى، الواحد، الحى، القيوم، رب الحياة والموت.

3- أنا هو.. النازل من فوق (الرازق)

بعد أن أشبع خمسة الاف رجل ومن كان معهم من نساء وأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين وفاض عنهم اثنتا عشرة قفة مملؤة من الكسر(52) نزل تلاميذه فى السفينة فى المساء فهاج البحر وهبت عليهم ريح عظيمة فجاءهم يسوع ثانية ماشياً على الماء فخافوا وطمأنهم قائلاً "أنا هو" I am(53) Ego Eimi لا تخافوا" وللوقت صارت السفينة على البر إلى الأرض التى كانوا ذاهبين إليها"(54).

وفى الغد كلمهم قائلاً: "أنا هو خبز الحياة من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بى فلا يعطش أبداً.. أنا هو I am – Ego Eimi خبز الحياة... أنا هو I am – Ego Eimi الخبز الحى الذى نزل من السماء"(55).

وهنا نجد عدة حقائق:

1- أنه الرازق، المعطى، الواهب، الخالق، فقد خلق من خمسة أرغفة وسمكتين ما يكفى أكثر من خمسة آلاف نسمة وفاض عنهم، أثنتا عشرة قفة مملؤة من الكسر.

2- قدرته الكلية، القادر على كل شىء، وسلطته على الطبيعة فقد مشى على الماء واختصر الزمن.

3- أنه ليس من العالم ولكنه نزل من السماء ونزوله يدل على وجوده السابق، كالأزلى الذى لا بداية له أنه "الرب من السماء"(56). رب السماء والأرض، ونزوله من السماء هذا تعبير مجازى يدل على تجسده ولكنه موجود فيها معاً، فى السماء وعلى الأرض بلاهوته:

C "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الانسان الذى هو فى السماء"(57).

C "وكما نقول فى القداس الالهى "وعند صعودك إلى السموات جسدياً اذ ملأت الكل بلاهوتك"(58).

4- أنه خبز الحياة، الخبز الحى، فهو الحى القيوم، الحى إلى أبد الأبدين، فيه كانت الحياة"(59).

C "أنا هو I am – Ego Eimi" الطريق والحق والحياة"(60).

C "لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة العالم"(61).

C "أما أنا فقد أتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"(62).

C "هكذا تملكت النعمة بالبر للحياة البدية بيسوع المسيح ربنا"(63).

C "ومن له الابن له حياة ومن ليس له ابن الله فليست له حياة"(64).

أنه الحى القيوم، واهب الحياة ومعطيها. الحياة فى الدنيا، والحياة فى الآخرة.

4- أنا هو.. نور العالم

وقف الرب يسوع المسيح أمام الجموع ونادى بأعلى صوته:

C "أنا هو I am – Ego Eimi" نور العالم من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة بل يكون له نور الحياة".

C "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق (Ego – Eimi). أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم".

C "لأنكم أن لم تؤمنوا أنى أنا هو I am – Ego Eimi تموتون فى خطاياكم".

C "فقالوا له من أنت؟ فقال لهم أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به".

C "متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أنى أنا هو I am – Ego Eimi".

"من منكم يبكتنى على خطية".

"الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن فرفعوا حجارة ليرجموه"(66).

وفى هذا الخطاب الالهى يستخجدم تعبير أناهو خمس مرات مقترنة بكثير من صفاته الألهية التى تعبر عن لاهوته وكونه الله، يهوه، الكائن على الكل، رب الكون.

1- يقول أنه نور العالم، هو النور، نور العالم، يهوه نورى وخلاصى"(67).

C "الرب نور لى"(68) والقديس يوحنا يقول بالوحى "الله نور"(69)، والسيد المسيح يقول عن نفسه:

C "أنا هو نور العالم"، "أما أنا فقد جئت نورا إلى العالم"(70). "أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير"(71).

يهوه هو النور والسيد المسيح هو النور، أنا هو، أنا أكون النور= من فوق= أنا يهوه النازل من السماء.

2- ويقول أنه من فوق وليس من هذا العالم، أنا هو، أنا أكون من فوق= أنا يهوه النازل من السماء.

3- يطلب الإيمان أنه هو "تفهمون أنى أنا هو، أى أنا الذى أكون. ولما سألوه من أنت؟ قال "أنا الذى من البدء أنا، الزلى، أنا الكائن، أنا يهوه. وإن كان قوله "إن لم تؤمنوا أنى أنا هو" يحتمل أن يكون "أنا هو" أى المسيا، المسيح المنتظر" أنا هو الشخص الآتى كسؤال تلاميذ يوحنا له "أنت هو الآتى أم ننتظر آخر"(72)، إلا أن نسبة الصفات الألهية لذاته وتعبيراته فى هذه الآيات وأستخدامه لفعل الكينونة مع الضمير "أنا" وقوله "أنا هو" مع أطلاق الصفات الألهية على ذاته، يدل بما لا يدع مجالاً للشك أنه هو، يهوه، اهيه، الكائن، الله، فهو على الأقل يعنى معنى مناظر ومساوى ليهوه، اذ ينسب إلى نفسه كل ما ليهوه، الله، كقوله "كل ما للآب هو لى"(73)، ولا يساوى الله أو يناظره سوى ذاته، هو وحدة الذى يساوى ويناظره ذاته.

4- ثم يقول صراحة وبجلاء ووضوح "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن"(74) ويستخد تعبير "أنا هو، I am – Ego Eimi أنا أكون، أى أنا موجود قبل إبراهيم وهذا يدل على أزليته ويستخدم الزمن الحاضر، المضارع، وليس الماضى "قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون" أى أنا موجود دائماً فى الماضى والحاضر والمستقبل، الأزلى، الحاضر الآن، الأبدى، الدائم الوجود فى كل زمان، الذى فوق الزمان، غير الزمنى السرمدى.

وقوله "أنا أكون I am – Ego Eimi= أنا هو" يساوى قول موسى لله:

"منذ الأزل وإلى الأبد أنت الله"(75) وترجمت إلى اليونانية "You are-su ei" "أنت تكون". وأستخدم المرنم بالوحى الألهى نفس التعبير:

"أما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور... وأنت يا رب فى البدء أسست الأرض والسموات هى عمل يديك كلها تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت (You are)" وسنوك لن تفنى"(77)

مما يؤكد أن ماطبق على يهوه طبق على الرب يسوع. وما نسب ليهوه نسب للرب يسوع، أن يسوع المسيح هو يهوه، رب الكل، رب العالمين.

5- أنا هو.. الواحد مع الآب

بعد أن فتح عينى المولود الاعمى وخلق له عينين من الطين قال للجموع: "أنا I am – Ego Eimi باب الخراف... أنا هو I am – Ego Eimi الباب... أنا هو (I am – Ego Eimi) الراعى الصالح... أما أنا فأنى الراعى الصالح"(78).

"أنا والآب واحد. فتناول اليهود حجارة ليرجموه.. قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فأنك وأنت انسان تجعل نفسك الهاً"(79).

وهنا ينسب لنفسه الصلاح الذى لا يكون لغير الله وحده "ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله"(80)، كما ينسب لنفسه أنه الباب الوحيد إلى السماء كما قال أيضاً "أنا هو I am – Ego Eimi" الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى"(81). أنه الصالح والباب الوحيد، أنه الحياة ذاتها، الطريق القويم، الصراط المستقيم المؤدى إلى الحياة الأبدية. أنه الراعى، الراعى الصالح الذى يبذل نفسه عن الخراف والراعى الصالح هو الله نفسه.

"هوذا السيد الرب (أدوناى يهوه) بقوة يأتى وزراعه تحكم له. هوذا أجرته معه وعملته قدامه. كراع يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان وفى حضنه يحملها ويقود المرضعات". ويقول المرنم: "يهوه راعى فلا يعوزنى شىء"(83).

ثم يقول "أنا والآب واحد" مؤكداً وحدته فى الذات الألهية، وحدته فى الجوهر الألهى والطبيعة الألهية التى لله الواحد. ولما فهم اليهود أنه يقول عن نفسه أو يجعل نفسه الهاً" حاولوا رجمه ظانين أنه مجدف: "فأنك وأنت انسان تجعل نفسك الهاً" والعجيب أنه يلومها على أفكارهم وعدم إيمانهم بهذه الألوهية فيقول لهم: "أتقولون لى أنك تجدف لأنى قلت أنى ابن الله، أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا أن الآب فى وأنا فيه"(85).

من أجل ذلك طلبوا أن يمسكوه ويرجموه لأنه صرح بألوهيته وساوى نفسه بالله.

6- أنا هو.. الرب (الكائن)

قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه "أنتم تدعوننى معلماً وسيداً (رباً Kyrios) وحسناً تقولون لأنى (Ego Eimi) كذلك"(86)، ثم يعلن عن حقيقة كينونته الألهية "أقول لكم" الآن قبل أن يكون حتى متى كان ترمنون أنى أنا هو I am – Ego Eimi"(87).

وفى هاتين الآيتين يعلن بوضوح أنه الرب فعلاً، الكائن أنه "الرب" كما أنه هو "أنا هو يهوه، آهيه، الكائن الذى يكون.

7- أنا هو.. صورة الآب وبهاء مجده

قال السيد لتلاميذه معزياً بعد العشاء الربانى ومعلناً لاهوته ووحدته مع الآب فى الجوهر. "أنا هو (I am – Ego Eimi) الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتى إلى ألاب إلا بى. لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس ياسيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذا مدته ولم تعرفنى يا فيلبس الذى رآنى فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن إلى فى الآب والآب فى... صدقونى أنى فى الآب والآب فى. وإلا فصدقونى بسبب الأنعمال نفسها"(88).

وهنا حديث صريح عن لاهوت المسيح، أنه هو، الذى يكون، هو الكائن، هو الطريق الوحيد والحق الوحيد والحياة الدنيا والآخرة. ولا يمكن لأحد أن يأتى إلى الآب إلا به. لأنه كلمة الله، الله متكلماً، صورة الله غير المنظور، الذى رآه فقد رأى الآب لنه واحد مع الآب "أنا والآب واحد"(89) وأنه فى الآب والآب فيه، لاهوت واحد، جوهر واحد، طبيعة الهية واحدة، إله واحد لا سواه ولا شريك له. فهو "بهاء مجده ورسم جوهره"(90)، الله معلناً، الله متجلياً، الله ظاهراً "أنا معكم زماناً هذا مدته ولم تعرفنى يا فيلبس الذى رانى فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب؟" فهو يلوم على فيلبس لأنه طلب أن يرى الآب بينما هو معهم، ويقول لتلاميذه ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه فهم قد رأو الرب يسوع "الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر"، فهو الله ناطقاً وظاهراً "الله ظهر فى الجسد"(91)، صورة الله وبهاء مجده ورسم جوهره، الذى رآه فقد رأى الآب لأنه والآب واحد، فهو أهيه، الكائن الذى يكون، يهوه، الله معنا، الله الظاهر فى الجسد، الله ناطقاً، كلمة الله، نطق الله العاقل، عقل الله الناطق، هذا هو الأله الحق والحياة الأبدية"(92)، "الكائن على الكل الأله المبارك إلى الأبد"(93).

 

 

الخلاصة

الرب يسوع هو يهوه الكائن على الكل

"الله المبارك إلى الأبد"

تبين لنا من دراستنا هذه أن يسوع المسيح، الرب يسوع المسيح هو الله، يهوه، الوهيم، ايل، الرب، أدوناى، يهوه ليلوهيم، يهوه أدوناى، فقد نسب إليه ونسب إلى نفسه كل أسماء وصفات وألقاب وأعمال الله، وأقتبس العهد الجديد، وأشار هو نفسه إلى آيات ونصوص العهد القديم الخاصة بالله فى جميع أسمائه وألقابه وصفاته وأعماله وبصفة خاصة ما يخص يهوه أسم الله الوحيد المعلن كأسمه والمعبر عن كينونته ووجوده السرمدى الذاتى المستقل وطبقها على نفسه وطبقها الكتاب عليه بإعتبارها تخصه هو كيهوه فى العهد القديم والرب يسوع فى العهد الجديد.

"هذا هو رب الكل"(94)

 

 

يهوه فى القديم

أكون الذى الاكون أكون.. يهوه(95).

(أنا هو الكائن)(97).

الكائن والذى كان والذى يأتى القدير(99)

منذ الأزل وغلى الأبد أنت الله(101).

أنت هو وسنوك لن تنتهى(103).

أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر(105).

أنا هو قبلى لم يصور إله ويعدى لا يكون(107).

أنا الأول والآخر ولا إله غيرى(109).

أنا يهوه وليس آخر. لا إله سواى(110).

أنا الله وليس آخر(111).

يهوه نورى وخلاصى ممن أخاف(113).

لأن يهوه شمس ومجن(116).

لا تغيب بعد شمسك وقمرك. لا ينقض لأن يهوه يكن لك نوراً أبدياً(118).

اذا جلست فى الظلمة فيهوه نوراً لى(120).

الله نور وليس فيه ظلمة البته(127).

يسوع فى العهد الجديد

قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن(96).

ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن الكل الله المبارك(98).

الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شىء(100).

يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد(102).

وأما عن الابن كرسيك يالله إلى دهر الدهور.

أنت أنت وسنوك لن تنتهى(104).

أنا هو الألف والياء(106).

أنا هو الأول والآخر(108).

أنا هو اللف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر(112).

أنا هو نور العالم(114).

أنا هو لا تخافوا(115).

أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير(119).

لذلك يقول أستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضىء لك المسيح(119).

كان النور الحقيقى الذى ينير كل أنسان آتياً إلى العالم. والنور يضىء فى الظلمة والظلمة لم تدركه(122)

 

 

(1) اش 4: 45.

(2) اش 11: 43.

(3) 6: 43.

(5) اش 13: 43.

(6) حز 15: 3.

(7) اش 9: 46.

(8) اش 8: 45.

(9) اش 16: 45.

(10) تث 39: 32و40.

(11) Kittel Theo. Die. NT Vol.3.

(12) متى 21: 5-47 مع خر 20.

(13) فى 6: 2.

(14) مر 25: 9.

(15) مر 29: 9.

(16) أنظر 1 مل 21: 17.

(17) متى 29: 8.

(18) متى 16: 10.

(19) أف 6: 4و7.

(20) رؤ 16: 22.

(21) متى 31: 24.

(23) لو 29: 24.

(24)

(25) يو 40: 6.

(26) يو 23: 8.

(28) يو 18: 13.

(29) يو 17: 21.

(30) يو 19: 14.

(31) يو 4: 1.

(32) 5: 18-12.

(33) ولما سأل المولود أعمى الذى فتح الرب يسوع عينيه عن نفسه قال "أنا هو" (Ego Eimi) أى أنا الذى تسألون عنه (يو 9: 9).

(34) يو 6: 18-10.

(35) يو 26: 4.

(36) يو 13: 4و14.

(38) مر 63: 4.

(39) متى 64: 26.

(40) يو 18: 5.

(41) يو 30: 10.

(43) يو 10: 14.

(44) 9: 14.

(45) متى 27: 14.

(46) متى 32: 14.

(47) لو 36: 24-42.

(48) عدد 43: 21.

(49) تك 3: 46.

(50) اش 10: 41و13.

(51) رؤ 17: 1و18.

(52) يو 11: 6-13.

(53) يو 16: 6-21.

(54) يو 21: 6.

(55) يو 35: 6-51.

(56) 1 كو 47: 5.

(57) يو 13: 3.

(58) القداس الغريغورى، صلاة الصلح.

(59) يو 4: 1.

(60) يو 6: 14.

(61) يو 33: 6.

(62) يو 10: 10.

(63) رو 21: 5.

(64) 2 تى 10: 1.

(66) يو 12: 8و23-58.

(67) مز 1: 27.

(68) ميخا 8: 7.

(69) 1 يو 5: 1.

(70) يو 46: 12.

(71) رؤ 16: 22.

(72) متى 3: 11.

(73) يو 15: 16.

(74) يو 58: 8.

(75) مز 2: 90.

(77) عب 6: 1،12.

(78) يو 7: 10و10.

(79) يو 30: 10-33.

(80) متى 17: 19.

(81) يو 16: 14.

(83) مز 1: 33.

(85) يو 31: 10و39.

(86) يو 13: 13.

(87) يو 19: 13.

(88) يو 6: 4-12.

(89) يو 20: 10.

(90) عب 2: 1.

(91) 1 تى 16: 3.

(92) 1 يو 30: 5.

(93) رو 5: 9.

(94) اع 36: 10.

(95) خر 14: 3.

(97)

(99) رؤ 4: 1.

(101) مز 2: 90.

(103)

(105) اش 12: 48.

(107) اش 10: 43.

(109) اش 6: 44.

(110) اش 5: 45.

(111) اش 22: 45.

(113) مز 1: 27.

(116) مز 11: 84.

(118) اش 20: 60.

(120) ميخا 8: 7.

(96) يو 58: 8.

(98) رو 5: 9.

(100) رؤ 8: 1.

(102) عب 8: 13.

(104) عب 6: 1و12.

(106) رؤ 8: 1.

(108) رؤ 17: 1.

(112) رؤ 13: 22.

(114) يو 12: 8.

(115) يو 20: 6.

(119) اف 4: 5.

(122) يو 9: 1و5.

الفصل التاسع

هل المسيح هو الله فى العهدين القديم والجديد؟

 

بينّا فى الفصول السابقة كيف أن المسيح وصف بأوصاف الله ولُقب بألقابه وأتخذ أسم الله الوحيد الدال على كينونته وطبيعته وجوهره والذى لم يسم به أحد لأنه أسم الذات الألهية "يهوه هذا أسمى ومجدى لا أعطيه لآخر"(1)، "وأغار على أسمى القدوس(2)". وقد برهنا على أن كل ما جاء به الوحى فى العهد القديم عن الله، جاء به الوحى أيضاً فى العهد الجديد عن المسيح، أن يهوه فى العهد القديم هو يسوع فى العهد الجديد. وفى هذا الفصل نقدم الإجابة عن سؤالين محددين هما:

1- هل تنبأ العهد القديم عن كون المسيح هو الرب يهوه، والإله، الله؟

2- وهل أعلن الوحى فى العهد الجديد. صراحة، أنه إله، الإله، الله؟

والإجابة هى كالآتى:

1- العهد القديم يعلن لاهوت المسيح:

تنبأ أنبياء العهد القديم بالروح القدس وأعلنوا عن كل تفاصيل أيام حياة المسيح على الأرض تجسده، من الحبل به وميلاده من العذراء إلى صلبه وموته بالجسد وقيامته وصعوده إلى السماء، ومن أهم ما تنبأوا به أيضاً هو وجوده السابق للتجسد وكونه الرب "آدون" و "يهوه" والخالق والإله القدير "إيل" وحكمة الله الذى به خلق العالم، والقديم الأزلى الذى لا بداية له.

1- تنبأ العهد القديم عن يوحنا المعمدان سابق المسيح قائلاً:

C "صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب (يهوه)(3)".

C "هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجىء يوم الرب (يهوه) اليوم العظيم والمخوف(4)".

وأكد الروح القدس فى العهد الجديد أن هاتين النبؤتين عن يوحنا المعمدان، فهو الصوت الصارخ فى البرية الذى جاء بروح إيليا وقوته ليعد طريق الرب، يهوه، ويهوه هذا هو يسوع المسيح، الرب يسوع المسيح. قال الملاك عنه لأبيه زكريا الكاهن وهو يبشره بالحبل به وميلاده "امرأتك اليصابات ستلد لك أبناً وتسميه يوحنا... يكون عظيماً أمام الرب... ويتقدم أمامه (أمام الرب) بروح إيليا وقوته... لكى يهيىء للرب شعباُ مستعداً(5)". وقد أكد الانجيل بأوجهه الأربعة، بالروح القدس، أن يوحنا المعمدان هو المقصود بالنبؤة الأولى(6). وأكد السيد المسيح أنه هو، المعمدان، المقصود بالنبؤة الثانية فقال "وأن أردتم أن تقبلوا فهذا هو (يوحنا المعمدان) إيليا المزمع أن يأتى(7)".

تنبأ العهد القديم أن المعمدان سيعد طريق، الرب، "يهوه"، وهو يقصد بالرب هنا، الرب يسوع المسيح، ويؤكد أنه هو "يهوه"، الله الواحد. أعلن أنه سيعد طريق الرب "يهوه"، وقد جاء يوحنا المعمدان ليعد طريق الرب "يسوع المسيح"، مؤكداً أنه هو "يهوه" الله. وما يبرهن على ذلك، أيضاً، هو أعلان المعمدان نفسه عن الرب الذى جاء بعد طريقه، الرب يسوع المسيح وقوله:

C "الذى يأتى بعدى هو أقوى منى الذى لست أهلاً أن أحمل حذاءه(8)".

C "الذى لست أهلاً أن أنحنى وأحل سيور حذائه(9)".

C "الذى يأتى بعدى الذى صار قدامى الذى لست بمستحق أن أحل سيور حذائه(10)".

C "الذى يأتى بعدى صار قدامى لأنه كان قبلى... هذا هو ابن الله(11)".

C "الذى يأتى من فوق هو فوق الجميع... الذى يأتى من السماء هو فوق الجميع... الآب يحب الابن وقد دفع كل شىء فى يديه(12)".

C فهو يعلن مؤكداً أن المسيح هو "الأقوى" وأنه هو شخصياً، المعمدان، ليس أهلاً ولا مستحقاً أن ينحنى ويحل سيور حذائه أو يحمل حذائه، لماذا؟ لأن المسيح، الرب يسوع المسيح، صار قدامه لأنه كان قبله، كيف كان قبله علماً بأن يوحنا مولود قبل المسيح بستة شهور؟ والأجابة هى أنه، المسيح، كان موجوداً بلاهوته قبل التجسد، كان فوق، فى السماء، فهو الآتى من فوق، النازل من السماء هو فوق الجميع، لماذا؟ لأنه رب الجميع، فهو ابن الله الذى من ذات الله وهو الذى فى يديه السلطان على كل شىء، فى السماء وعلى الأرض. أنه الرب "يهوه"فى العهد القديم، ويسوع المسيح فى العهد الجديد، "يهوه" متجسداً.

2- كما تنبأ ملاخى النبى نبؤة مزدوجة عن مجىء المعمدان ليعد الطريق أمام الرب "يهوه"، وعن كون المسيح هو "السيد" الرب "آدون" و "يهوه" و "ملاك العهد" الذى وصف فى أسفار العهد القديم، الأقدم (تكوين – قضاه) بصفات الله، "يهوه" وحمل أسم "يهوه" كما ستبين فى الفصل التالى:

C "هأنذا أرسل ملاكى فيهيىء الطريق أمامى ويأتى بغته إلى هيكله السيد (آدون – Ha Adon) الذى تطلبونه وملاك العهد الذى تسرون به، هوذا يأتى قال رب الجنود (يهوه صبؤوت)(13)".

المتكلم هنا، فى هذه النبؤة، هو "يهوه" والذى يعلن عن حقيقتين؛ الأولى؛ هى أنه سيرسل ملاكه هو "ملاكى" الذى يعد، يهيىء، طريقه هو، طريق "يهوه"، "أمامى"، يهيىء الطريق أمام العهد الجديد هذه الحقيقة "فأنه (يوحنا المعمدان) هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيىء طريقك قدامك(14)". وهنا تأكيد على أن الرب يسوع المسيح هو "يهوه".

والثانية: هى أن السيد، وفى العبرية "آدون" الذى هو "السيد الرب (آدون يهوه)(15)"، صاحب الهيكل، رب الهيكل، الذى سيأتى إلى "هيكله"، هيكل الرب "يهوه"، كالملك والإله، هو ملاك العهد، المعلن عن الله الآب، قوة الله وحكمته، صورة الله غير المنظور، الذى هو الرب يسوع المسيح، ابن الله الآب والواحد معه فى الجوهر، الآتى من فوق والخارج من ذات الله. وقد جاء السيد المسيح إلى الهيكل فى طفولته وعندما كان فتى وأثناء خدمته وأخيراً فى الأسبوع الأخير من أيام تجسده على الأرض، فى دخوله الأنتصارى لأورشليم كالملك الآتى، وتطهير للهيكل، وقوله الشهير "مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص(16)"، مشيراً إلى ما جاء فى سفر نبؤة ارميا النبى(17)، ومؤكداً أنه هو السيد "آدون" والرب "يهوه".

3- وتكلم داود النبى بالروح القدس متنبأ "قال الرب (يهوه) لربى (آدوناى) أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك(18)".

وفى هذه النبؤة يتكلم عن الرب "يهوه" الذى يخاطب الرب "آدوناى" ويجلسه عن يمين العظمة. وآدوناى كما بينا هو "يهوه"، والمعنى هنا هو أن الله الآب يخاطب الله الابن الذى سبق داود النبى وتنبأ عنه قائلاً بالروح القدس "قال لى أنت ابنى. أنا اليوم ولدتك(19)". وقد أشار السيد المسيح نفسه إلى هذه النبؤة مؤكداً على حقيقتين؛ الأولى، هى أنه هو المقصود بالرب "آدوناى" فى هذه النبؤة؛ والثانية، هى أنه هو "رب داود"، الجالس على عرش الله، فى يمين العظمة فى السماء. يقول الكتاب:

C "وفيما كان الفريسسسون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً: ماذا تظنون فى المسيح، أبن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربى أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك. فأن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون أبنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة(20)".

أكد الرب يسوع المسيح أنه هو الرب "آدوناى" وآدوناى هو "يهوه"، وأنه هو الجالس فى يمين العظمه، على عرش الله فى السماء. كما قال أيضاً "من الآن تبصرون أبن الإنسان جالساً على يمين القوه"(21). وعن صعوده يقول الوحى الإلهى:

C "ثم أن الرب بعدما كلمهم (تلاميذه ورسله) أرتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله"(22).

C "أرتفع بيمين الله"(23).

C "الذى هو أيضاً عن يمين الله"(24).

C "المسيح جالس عن يمين الله"(25).

C "جلس عن يمين العظمه فى الأعالى"(26).

C "جلس فى يمين عرش العظمه فى السموات"(27).

C "جلس إلى الأبد عن يمين الله"(28).

C "جلس فى يمين عرش الله"(29).

C "وأجلسه عن يمينه فى السماويات"(30).

وعند أستشهاد أستيفانوس نظر إلى فوق "ورأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله"(31).

المسيح هو الرب "أدوناى، "يهوه"، رب داود الجالس فى يمين عرش العظمه، عرش الله فى السماء.

4- وتنبأ ميخا النبى بالروح القدس قائلاً: "أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيره أن تكونى بين الوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى سيكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل"(32).

وقد أكد الإنجيل للقديس متى أن هذه النبؤه تخص المسيح الذى وُلد فعلاً فى بيت لحم، وكان علماء اليهود يعرفون جيداً أن هذه النبؤه تخص المسيح الآتى وأشاروا إلى هذه الحقيقة عندما سألهم هيرودس الملك "أين يولد المسيح؟ فقالوا له فى بيت لحم اليهودية. لأنه مكتوب هكذا بالنبى: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منك يخرج مُدبّر يرعى شعبى إسرائيل"(33).

ويؤكد الوحى الإلهى فى هذه النبؤه أن المسيح الذى وُلد فى زمن معين فى بيت لحم موجود منذ الأزل بلا بدايه وأن ميلاده من العذراء فى بيت لحم ليس هو بداية وجوده. أنه الموجود "منذ القديم منذ أيام الأزل". ويستخدم الوحى فى هذه النبؤه ثلاثة تعبيرات لها مغزاها الهام".

أ‌- "مخارجه"، وتعنى أصوله، أصل وجوده، ليس ميلاده فى بيت لحم.

ب‌- "منذ القديم"، وتعنى كلمة "القديم – qedem" هنا، القديم السحيق فى الأبدية، الأزل الذى لا بدايه له. وهى مستخدمه عن الله الأزلى الذى لا بدايه له "الإله القديم لنا ملجأ"(34)، "ألست أنت منذ الأزل (القديم) يا رب إلهى قدوسى"(35). ومستخدمه أيضاً عن قدم أعمال الله(36) وقدم أعلاناته "منذ البدء... منذ القدم"(37) وعن القدم الأزلى قبل الزمن وقبل الخليقة "من قبل أعماله منذ القدم"(38). وبالتالى فالنبؤه تؤكد لنا وجود المسيح القديم السابق لميلاده والسابق للخليقة والزمن، تؤكد لنا وجوده الأزلى بلا بدايه.

ج- كما تعنى عبارة "منذ أيام الأزل – Yeme Olam" فى العبريه القدم العظيم والأبدية، الأزل. والنبؤه بجملتها تؤكد لنا معنى واحد، وهو أن المسيح الأتى الذى سيولد فى زمن محدد ومكان محدد هو بيت لحم، هو الموجود منذ الأزل بلا بداية، القديم الموجود منذ القدم قبل الزمن وقبل الخليقة.

5- ونأتى إلى قمة إعلان العهد القديم عن لاهوت المسيح وكونه "إله"، "الإله"، "الله" فى سفرى المزامير وأشعياء النبى:

أ‌- يقول الوحى الإلهى فى مزمور 6: 45،7 "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب أستقامه قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الأثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الأبتهاج أكثر من رفقائك".

ب‌- ويقول الوحى فى نبؤه أشعياء 6: 9،7 لأنه يولد لنا ولد ونعطى أبناً وتكون الرياسه على كتفه ويدعى أسمه عجيباً مشيراً إلها قديراً أباً رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهايه على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد".

وفى هاتين النبؤتين يتحدث الوحى الإلهى عن نسل داود الذى سيجلس على عرشه(39)، هذا العرش الأبدى الذى يمتد فى حكمه وملكوته إلى ما لا نهايه "نسله إلى الدهر يكون وكرسيه (عرشه) كالشمس أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر"(40)، "للسلام لا نهايه على كرسى داود وعلى مملكته". هذا الملك الآتى، النسل الآتى، المسيح المنتظر ابن داود، لن يكون مجرد بشر، فهو يلقب بخمسة ألقاب إلهية "عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام"، وهذه الألقاب لا يمكن أن يتصف بها بشر أو يلقب بها، فهو "الإله القدير" الذى خاطبه المرنم "كرسيك يا الله".

وقد جاء الرب يسوع المسيح من نسل داود بالجسد(41)، ولُقب بابن داود(42)، وقال عن نفسه انه "أصل وذرية داود"(43). وكان عجيباً فى الحبل به وميلاده من عذراء، وعجيباً فى أعماله وأقواله، وعجيباً فى قيامته وصعوده. وكان مشيراً فى ذاته لأنه لا يحتاج إلى مشوره أحد، فهو نفسه حكمة الله(44) والعالم بكل شئ، كلى العلم، الذى لا يحتاج إلى مشوره مخلوق(45). كما كان هو ملك السلام ورئيس السلام الذى ترنمت الملائكة عند ظهوره على الأرض بالجسد قائله "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسره"(46)، والذى قال لتلاميذه "ليكون لكم فى سلام"(47)، "سلاماً أترك لكم. سلامى أعطيكم"(48).

وأعظم ما فى النبؤتين هو أعلان الوحى أنه "الله" و"الاله القدير"، ويستخدم فى الأول لقب "إيلوهيم"، "كرسيك يا الله (إيلوهيم)" وفى الثانية لقب "إيل" وهو لقب الله الذاتى والمرادف ليهنه، و"جيبور – Gibbor" الجبار. و"إيل جيبور – El Gibbor" والمترجم "إلهاً قديراً وهو حرفياً "الإله الجبار" هو لقب الله وحده الذى لم يطلق على غيره أبداً، مطلقاً.

ف "إيل" هولقب الله ويعنى "القدير"، "كلى القدره"، إلى جانب أنه يعنى "الله" و "اللاهوت" ويشير إلى الإلوهية، اللاهوت بمعناه الكامل والدقيق "إله"، "الله" ويعبر عن الله ذاته "أنا الله (إيل) وليس آخر، الإله (إيلوهيم) وليس مثلى"(49). واللقب "إيل جيبور – El Gibbor" يعنى الله الكلى القدره الجبار ولم يطلق إلا على الله وحده:

C "الإله العظيم الجبار يهوه صبؤوت أسمه(50)".

C "ترجع البقية. بقية يعقوب إلى الله القدير"(51).

C "يهوه إلهكم (إيلوهيم) هو إله الإلهة ورب الأرباب الإله (إيل) العظيم الجبار المهيب"(52).

C "يا إلهنا العظيم الجبار المخوف"(53).

الله وحده هو الإله الجدبار، القدير، المخوف، إله افلهة ورب الأرباب، إله القوات السمائية، "يهوه القدير الجبار"(54). والرب يسوع المسيح فى هذه النبؤة هو "الإله"، "القدير"، "كلى القدرة"، "الجبار" وهو أيضاً كما قال الوحى الألهى "ملك الملوك ورب الأرباب"(55) و"إيلوهيم"، الله العظيم، المهوب، المخوف.

ويطلق عليه الوحى أيضاً "أباً أبدياً" وحرفياً "الآب الأبدى" أبو الأبد، الذى لا بداية له ولا نهاية، الأزلى الأبدى، السرمدى، أو كما لاسبق وأعلن أنه الول والآخر، البداية والنهاية، اللف والياء "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد"(56)، "الرب الإله الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شىء"(57).

6- ونختم نبؤات العهد القديم بإعلان الوحى الإلهى أنه "المعبود" من كل الشعوب والأمم والألسنة "كنتا أرى فى رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أنى وجاء إلى القديم اليام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض"(58).

وابن الإنسان هو لقب المسيح بعد التجسد، وقديم الأيام، أى الأزلى، وهو الله الآب. وقد أخذ المسيح، الله الأبن، من الآب كل سلطان فى السماء وعلى الأرض، كما قال هو نفسه "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض"(59)، وقال الرسل عنه أيضاً بالروح القدس:

C "لأنه أخضع كل شىء تحت قدميه"(60).

C "لكى يسود على الأحياء والأموات"(61).

C "الذى هو فوق كل رياسة وسلطان"(62).

C "وأجلسه عن يمينه فى السماويات فوق كل رسايه وسلكان وقوة وسيادة... وأخضع كل شىء تحت قدميه"(63).

C "لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثوا بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض"(64).

هو "المعبود" من كل الخلائق فى الكون كله، الملك الأبدى، ملك الملوك ورب الأرباب، الذى له السلطان الأبدى والملكوت الذى لا يزول ولا ينقرض، والذى تنبأ عنه داود النبى بالروح القدس قائلاً: "ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبد له"(65)، وأيضاً دانيال النبى: "ملكوت ملكوت أبدى وجميع السلاطين ايه يعبدون ويطيعون"(66). وهذا ما قيل عن الله الآب "هو الإله الحى القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهى"(67). وهذا ما تقوله الخليقة كلها فى الكون كله له الآب وللرب يسوع المسيح:

C "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهى بإرادتك كائنة وخلقت"(68).

C "مستحق هو الحمل المذبوح (المسيح) أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما فى السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين"(69).

كل ما لله الآب هو لله الأبن، أسماء المسيح وألقاب الله هى ألقاب المسيح وصفات الله هى صفات المسيح وأعمال الله هى أعمال المسيح، وبالاجمال كل ما لله الآب هو لله الأبن، كما قال هو نفسه "كما قال هو نفسه "كل ما للآب هو لى"(70).

2- المسيح هو "إله" و "الإله" و "الله" فى العهد الجديد:

كان أسم "يهوه" فى العهد القديم هو الأسم الوحيد لله والدال على كينونته وجوهره كالإله الواحد، الخالق، الواجب الوجود، الدائم الوجود، سبب وعلة وأصل ومصدر كل وجود الكائن والذى كان والذى يأتى، الألف والياء، الأول والآخر، البداية بلا بداية والنهاية بلا نهاية، الأزلى الأبدى، السرمدى، الحى القيوم، الحى إلى أبد الآبدين، كلى الوجود، كلى القدرة، كلى العلم والمعرفة. وقد ترجم فى اليونانية سواء فى الترجمة اليونانية السبعينية أو العهد الجديد إلى "كيريوس – Kyrios " أى "رب"، "رب الكون وخالقه، كما ترجم أيضاً إلى "ثيؤس – Theos" الله، وإلى "أنا أكون – Egoeimi". وفى العهد الجديد حل "يسوع" محل "يهوه" وطبقت عليه جميع أسماء وألقاب وصفات، صار جسداً، أتخذ جسداً، وبأعتباره أنه هو نفسه "كلمة الله" الذى هو "الله" وصورة الله، وبهاء "آدوناى" إلى "رب" وطبق أيضاً على الرب يسوع المسيح بأعتباره أنه رب الجميع"، "رب العالمين" الذى فيه وبه وله خلق الكل والذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل.

وإلى جانب "رب – Kyrios" فقد أستخدم العهد الجديد لقب "ثيؤس – Theos" والذى يعنى "إله" و "الإله" و "الله" فى اليونانية، كلقب لله الواحد وللتعبير عن الألوهية واللاهوت، ومنه إلى "ثيؤتيس – Theotes". اللاهوت. وقد ترجمت ألقاب الله العبرية "إيلوهيم وإيل وإلو وإلاه" إلى "ثيؤس – Theos". وأستخدم العهد الجديد هذا اللقب "ثيؤس – theos" بمعناه الكامل الدقيق "إله" و "الإله" و "الله" عن الرب يسوع بأعتبار أنه هو نفسه "إله" و "الإله" و "الله"و "الذى يحل فيه كل ملء اللأهوت (Theotes) جسدياً"(71).

1- جاء فى أفتتاحية الأنجيل للقديس يوحنا قول الوحى الألهى "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله. كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان. فيه كانت الحياة"(72).

والكلمة هنا هو الرب يسوع المسيح "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوؤ نعمة وحقاً"(73)، ويدعى أسمه كلمة الله"(74).

ويتصف الكلمة هنا بأنه كان "فى البدء" أى الأزلى بلا بداية، وأنه كان "عند الله" فى ذات الله، ككلمة الله الذاتى وعقله الناطق، وأنه كان هو ذاته "الله" و "كان الكلمة الله" أو "هو الله"، إلى جانب أنه الله الخالق ومصدر الحياة. وهنا يدعو الوحى "كلمة الله" بأنه هو "الله ذاته"، "Theos" وهى حرفياً كما جاءت فى اليونانية "والله كان الكلمة – Theos e`n Logos".

2- بعد قيامة الرب يسوع المسيح من الموات وظهوره لتلاميذه، وبعد أن تأكد تلميذه توما حقيقة قيامته، أدرك بالروح القدس أن المسيح ليس مجرد إنسان، وفهم هاتفاً ومعترفاً بلاهوته قائلاً "ربى وإلهى"(75)، "ho Kyrios... ho Theos...". عرف أنه "الرب – Kyrios" و "الإله- Theos" واللقب الذى خاطب به توما السيد "ربى وإلهى" هو نفس لقب الله فى القديم "يهوه إيلوهيم – الرب الإله – كيريوس ثيؤس – Kyrios Theos".

وكما خاطب أنبياء العهد القديم الله بلقب "الرب الإله – يهوه إيلوهيم" والذى يحمل فى ذاته كل معانى اللاهوت، وأهم ألقاب الله كالخالق والحى القيوم وكلى القدرة، وأيضاً "السيد الرب آدوناى يهوه" الذى يضيف إلى الألقاب السابقة لقب "السيد"، الرب، رب الكون وسيده والذى له السياده عليه، هكذا خاطب توما الرب يسوع المسيح "ربى وإلهى" بالمعنى الكامل والذى للاهوت، الله، الخالق، الحى القيوم، كلى القدرة، ورب الكون وسيده.

وسجل الانجيل هذا القول كحقيقة ثابتة، بل ومدح السيد المسيح توما على إيمانه هذا مؤكداً هذه الحقيقة، إلى جانب حقيقة قيامته، لأنك رأيتنى يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا"(76).

وقد تصور البعض، وزعموا بدون علم، أن ما قاله توما لم يكن إلا تعبيراً عن أندهاشه، مثلما نقول عندما نقف مندهشين أمام شىء مدهش "يا الله! يا الهى! – O my God"ز وقد فات هؤلاء ثلاث حقائق؛ هى أنه لم يكن اليهود سواء فى القرن الأول الميلادى أو القرون السابقة للميلاد يستخدمون مثل هذا التعبير كعلامه للتعجب، كما كان اليهود

يخشون أستخدام أسماء الله حتى لا يقعوا تحت عقوبة التجديف على الله وهى الموت(77)، ولا يجب أن نتصور أن ما نستخدمه من تعبيرات اليوم هو نفس ما كان يستخدمه الناس منذ ألفى سنة، برغم أختلاف الزمان والمكان والبيئة والحضارة والذين وأساليب كل عصر.

3- جاء فى خطاب القديس بولس لأساقفة كنيسة أفسس "أحترزوا اذاً لأنفسكم ولجميع الرعيه التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التى أقتناها بدمه"(78). أى التى أفتداها بدمه، والذى أفتدى الكنيسة بدمه هو الرب يسوع المسيح "عالمين أنكم أفتديتم لا بأشساء تفنى... بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر فى الأزمنة الأخيرة من أجلكم"(79).

الآية الولى تقول أن الذى أفتدى الكنيسة بدمه هو "الله" والذى أفتدى الكنيسة بدمه هو الرب يسوع المسيح، وهنا أعلان صريح أن المسيح هو "الله – Theos". ولكن "الله روح"(80) والروح ليس له لحم وعظام"(81) وهو نور وغير مرئى "ساكناً فى نور لا يدنى منه الذى لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه"(82)، وغير كدرك بالحواس، فكيف يفتدى الكنيسة بدمه؟ والإجابة هى أن كلمة الله الذى هو الله الذى ظهر فى الجسد(83)، أتخذ جسداً(84)، أخذ صورة عبد(85)، وجاء إلى العالم فى الجسد(86)، ومن ثم تألم بالجسد(87)، وسفك دم هذا الجسد الذى أتخذه(88)، ولكنه فى حقيقته هو "الله" "رب المجد" وكما يقول الوحى الإلهى "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد"(89).

4- وجاء فى الرسالة إلى رومية "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الإله المبارك إلى الأبد(90). وعبارة "حسب الجسد تعنى أنه جاء من نسل إبراهيم واسحق ويعقوب وداود "من جهة الجسد"(91)، الذى اتخذه من مريم العذراء ابنه إبراهيم وابنه داود، وظهر فيه وجاء فيه إلى العالم. ولكنه فى حقيقة هو "الكائن على الكل"، "ho on"، أى الذى فوق الكل، رب الكل، الإله المبارك، أو الله المبارك إلى الأبد. هو "الله – Theos" ورب العالمين.

5- جاء فى الرسالة الأولى إلى تيموثاؤس "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح"(92). وهنا يقول الوحى أن المسيح بلاهوته هو "الإله الواحد"، ولكنه كإنسان، بناسوته هو الإنسان، فقد صار إنساناً بعد أن أتخذ جسداً وجاء إلى العالم فى صورة العبد، لأنه وحده الذى يجمع فى ذاته اللاهوت والناسوت.

6- جاء فى الرسالة إلى تيطس "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذى بضل نفسه لكى يفدينا من كل إثم ويظهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً فى أعمالٍ حسنةٍ"(93). وفى هذه الآية يصف الوحى الإلهى الرب يسوع المسيح ب "إلهنا العظيم" أو "الله العظيم". وقد تصور البعض أن هناك انفصال بين "إلهنا العظيم" و "مخلصنا يسوع المسيح"! ولكن عند دراسة الآية والنظر إليها من جهتى اللغة وسياق الكلام (القرينه) يتضح للجميع أنه لا يوجد أنفصال بين العبارتين، إذ أن الوحى افلهى يستخدم اداة تعريف "ال – The" واحدة للأسمين "إلهنا العظيم" و "مخلصنا":

"tou megalou Theou Kai Soteros hemon Christou lesou"

"The great God and Saritour of us Christ Jesus"

"يسوع المسيح نا مخلص و الله عظيم ال"

وترجمتها الحرفية "إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح". وهى تتحدث عن يسوع المسيح بصفة واحدة "العظيم" ولقبين "إلهنا ومخلصنا"، تتحدث عن شخص واحد، وهذا ما يؤكد سياق الكلام فى الآية كاملة عن ظهور شخص واحد هو "إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح"، "الذى بذل نفسه" وحده، مفرد "لكى يفدينا" وحده، مفرد "ويطهر لنفسه" وحده، مفرد. ومن المعروف والمتوقع أن الظهور المنتظر هو لشخص المسيح وحده، وكما يقول الكتاب "ظهور ربنا يسوع المسيح"(94).

7- وجاء فى الرسالة إلى العبرانين "وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك"(95). وفى هذه الآية يخاطب الأبن الله "كرسيك يا الله"، Theos، وهو يعنى ملكوته الأبدى وأنه هو نفسه "الله – Theos" رب العرش وملك الملك، وملك الملوك ورب الأرباب.

8- وجاء فى رسالة بطرس الثانية "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً مساوياً لنا ببر إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح"(96). وهنا يصف الرب يسوع المسيح ب "إلهنا ومخلصنا". وتكرر مثل هذا التعبير فى هذه الرسالة مع أستخدام كلمة "ربنا" كمرادف ل "إلهنا"؛ "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح"(97)، "معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح(98)، "وصية ربنا ومخلصنا"(99). وهكذا فالسيد المسيح هو "إلهنا – Theos" و "ربنا – Kyrios" ومخلصنا.

9- جاء فى رسالة يوحنا الأولى "ونحن فى الحق وفى أبنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية"(100). وفى هذه الآية يصف المسيح ب "الإله الحق" و "الحياة الآبدية". فهو الذى قال عن نفسه أنه "القدوس الحق"(101)، كما وصف سفر الرؤيا الآب أيضاً ب "السيد القدوس والحق"(102)، وقال المسيح عن نفسه أيضاً "أنا هو الطريق والحق والحياة(103)، وقد وصف ب "كلمة الحياة"(104)، و "الحياة الأبدية"(105)، والتى كانت عند الآب.

ومن الناحية اللغوية تشير العبارة "هذا هو" بصورة طبيعية وفعلية إلى المسيح، الأبن، أبنه يسوع المسيح، الذى هو الإله الحق والحياة الأبدية.

والخلاصة: هى أن العهد الجديد يعلن لنا أن المسيح هو "إله" و "الإله" و "الله"، رب المجد، الإله العظيم، الله المبارك، الذى على الكل، والذى فيه وبه وله خلق الكل.

 

 

(1) اش 8: 42.

(2) حز 25: 39.

(3) اش 3: 40.

(4) ملا 5: 4.

(5) لو 13: 1-17.

(6) جاء فى الانجيل للقديس متى "وفى تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز فى برية اليهودية... فأنه هذا هو الذى قيل عنه بأشعياء النبى القائل: صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب. أصنعوا سبله مستقيمة" (متى 1: 3،3) وهذا ما أكدت الاناجيل الثلاثة الأخرى (مر 2: 1،3؛ لو 2: 2-14 يو 23: 1).

(7) متى 14: 11 وقال أيضاً "أنه (المعمدان) إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا" (مر 13: 9؛ أنظر متى 12: 17).

(8) مت 11: 3.

(9) مر 8: 1.

(10) يو 27: 1.

(11) يو 30: 1،34.

(12) يو 31: 3،35.

(13) ملا 1: 3.

(14) متى 10: 11 (أنظر مر 2: 1،4).

(15) خر 17: 23؛ اش 24: 1... الخ.

(16) لو 22: 2؛41: 3. متى 12: 21؛ مر 15: 11-27؛ لو 45: 19،46.

(17) ار 11: 7.

(18) مز 1: 110.

(19) مز 7: 2.

(20) متى 41: 22-46؛ مر 36: 12،37؛ لو 42: 20-44.

(21) متى 64: 26، مر 62: 14.

(22) مر 19: 16.

(23) أع 32: 2، 31: 5.

(24) رو 34: 8.

(25) كو 1: 3.

(26) عب 3: 1.

(27) عب 10: 8.

(28) عب 2: 12.

(29) عب 2: 12.

(30) اف 20: 1.

(31) أع 55: 7.

(32) ميخا 2: 5.

(33) متى 4: 2-6.

(34) تث 27: 33.

(35) حبقوق 12: 1.

(36) اش 26: 37، مراثى 17: 2.

(37) أش 21: 45، 10: 46.

(38) أم 23: 8 وأستخدمت أيضاً عن "السموات القديمه" مز 33: 68.

(39) وقد تم ذلك جزئياً فى حكم سليمان الحكيم بن داود (2صم 12: 13، مل 32: 1-37)، ولكن كان هدف النبوه هو الملك الأسمى، ملك المسيح الآتى وعرش الله ذاته ملك الملوك.

(40) مز 36: 89،37.

(41) متى 43ك22، 45، رو 3: 1، رؤ 7: 3، 5: 5، يو 42: 7.

(42) متى 1: 1، 20، 27: 9، 23: 12، 22: 15... الخ.

(43) رؤ 16: 22.

(44) 1كو 24: 1.

(45) يو 30: 16، 17: 21.

(46) لو 14: 2.

(47) يو 23: 16.

(48) يو 27: 14.

(49) أش 9: 46.

(50) ار 17: 32.

(51) أش 21: 10.

(52) تث 17: 10.

(53) نح 32: 9.

(54) مز 8: 24.

(55) رؤ 16: 19.

(56) عب 8: 13.

(57) رؤ 8: 1.

(58) دا 13: 7،14.

(59) متى 18: 28.

(60) 1 كو 27: 15.

(61) رو 9: 14.

(62) كو 10: 2.

(63) اف 20: 1-22.

(64) فى 9: 2،10.

(65) مز 11: 72.

(66) دا 27: 7.

(67) دا 26: 6.

(68) رؤ 11: 4.

(69) رؤ 12: 5،13.

(70) يو 15: 16.

(71) كو 9: 2.

(72) يو 1: 1-4.

(73) يو 14: 1.

(74) رؤ 19: 13.

(75) يو 28: 20.

(76) يو 29: 20.

(77) يو 33: 10.

(78) أع 28: 20.

(79) 1 بط 18: 1-20.

(80) يو 24: 4.

(81) لو 39: 24.

(82) 1 تى 16: 6.

(83) 1 تى 16: 3.

(84) يو 14: 1.

(85) فى 6: 2.

(86) 1 يو 12: 4.

(87) 1 بط 1: 4.

(88) عب 10: 10.

(89) 1 كو 8: 2.

(90) رو 5: 9.

(91) رو 3: 1.

(92) 1 تى 5: 2.

(93) تى 13: 2،14.

(94) 1 تى 14: 6.

(95) عب 8: 1.

(96) 2 بط 1: 1.

(97) 2 بط 11: 1.

(98) 2 بط 20: 2؛ 18: 3.

(99) 2 بط 2: 3.

(100) 1 يو 20: 5.

(101) رؤ 7: 2.

(102) رؤ 10: 6.

(103) يو 16: 14.

(104) 1 يو 1: 1.

(105) 1 يو 2: 1.

الفصل العاشر

المسيح هو الله أم أبن الله؟

 

برهنّا فى الفصول السابقة كيف أن الوحى الإلهى أعلن فى العهدين القديم والجديد، أن المسيح هو الله ذاته، إله الكون وربه وخالقه ومدبره ومقيمه وحافظه ومحركه وواضع نواميسه، وكيف أن المسيح نفسه سمى نفسه بأسماء الله ولقب نفسه بألقابه ونسب لنفسه صفاته وقام بكل أعماله وأكد أن الآب يعمل بالأبن ومن خلاله، وأن كل ما لله الآب هو الله الأبن، المسيح، وأن الآب يظهر فيه وبه ومن خلاله، معلناً بهذا أنه الله الذى أتى من السماء، نزل من السماء، وظهر على الأرض فى صورة إنسان "أخذاً صورة عبد"(1)، وجد فى الهيئة كإنسان، ولقب نفسه بقلب "ابن الإنسان" إلا أنه بلاهوته، هو الله، الموجود فى كل مكان فى الكون كله، فى السماء وعلى الأرض، فى آن واحد، سواء عندما ظهر على الأرض فى الجسد، أو عندما صعد إلى السماء، بالجسد، جسدياً، فهو الموجود، بلاهوته، فى كل مكان، كلى الوجود. وقد أعلن هو نفسه هذه الحقيقة بقوله:

C "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء(2). وهنا يعبر عن كونه الموجود فى السماء وعلى الأرض فى آن واحد.

C "لأنه حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم"(3).

C "وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(4).

C "أنا فى أبى وأنتم فى وأنا فيكم"(5).

وفى هذه الآيات الأربع يعلن أنه الموجود، بلاهوته، فى كل مكان فى آن واحد، فهو الموجود فى كل مكان، كلى الوجود.

ويعلن لنا الوحى فى العهد الجديد أكثر من 100 مرة أن المسيح، أيضاً، هو "ابن الله" فلقب نفسه ب "أبن الله"(6). و "ابن الله الوحيد"(7). و "الابن"(8)، وقال عن نفسه فى مناجاته للآب "مجد ابنك"(9)، وناداه التلاميذ بهذا اللقب "ابن الله"(10). و "ابن الله الحى الله الحى"(11) وخاطبه الآب من السماء "أنت ابنى الحبيب الذى به سررت"(12)، هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت"(13)، وكان هذا اللقب "ابن الله" وأعتراف المسيح به، أمام السنهدرين، هو سبب الحكم بموته صلباً(14)، بالجسد، كان هو السبب الأول والرئيسى فى الحكم بصلبه.

والسؤال الآن: هل المسيح الله أم ابن الله؟

للإجابة على هذا السؤال الجوهرى الذى هو محور الإيمان المسيحى والعقيده المسيحية، نرجع إلى أهم الألقاب الإلهية التى لُقب بها الرب يسوع المسيح فى الكتاب المقدس بعهديه:

1. سُمى الرب يسوع المسيح باسم الله ولُقب بألقابه ووصُف بصفاته وبرهن على أقواله بأعماله التى هى أعمال الله، وأكد على حقيقة وحدة الذات الإلهية، وحدته مع الآب وفى الآب فى الطبيعة والجوهر.

2. ظهر الرب يسوع المسيح، قبل التجسد، فى العهد القديم للآباء البطاركه والأنبياء، مرات عديده، فى ظهورات إلهية (ثيؤفانى – Theophany) فى أشكال ماديه مؤقته، ودعى بملاك(15) العهد وملاك يهوه، مؤكداً أن الله ذاته، يهوه، موجوداً وعاملاً فى العالم، ومعلناً عن ربوبيته السمائية وحضوره الشخصى فى العالم. وكان ملاك يهوه يحمل أسم يهوه ويتكلم بأعتباره الله، يهوه، ويحمل صفاته، ويؤكد على أنه يهوه، ومن أمثله هذه الظهورات ما يلى:

أ – ظهر لإبراهيم على أنه الرب، يهوه "وظهر له يهوه عند بلوطات ممراً وهو جالس فى باب الخيمه"(16)، وخاطبه على أنه الرب، يهوه ذاته، الله(17). وعند تقديم اسحق ذبيحة ظهر له ملاك يهوه وخاطبه على أنه ملاك يهوه وأنه هو يهوه ذاته "فناداه ملاك يهوه من السماء وقال... الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك أبنك وحيدك عنى". ثم "دعا ابراهيم أسم ذلك المكان يهوه يرأه"(18)، أى رأيت يهوه. وفى الحالتين المذكورتين، ظهر الله يهوه لإبراهيم كملاك يهوه وتكلم على أنه هو يهوه ذاته، وعرف ابراهيم أن الذى ظهر له وكلمه هو يهوه ذاته، وسجل موسى النبى الموقف على أنه ظهور الله ذاته يهوه "وظهر له يهوه".

ت‌- وظهر ملاك يهوه لهاجر وكلمها على أنه هو الله، يهوه، وسجل موسى النبى بالروح أن الذى ظهر لها هو الله، يهوه: "وقال لها ملاك يهوه: تكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة" وأعلمها بمستقبل أبنها الذى فى بطنها، إسماعيل، ثم الوحى الإلهى "فدعت أسم يهوه الذى تكلم معها أنت "إيل رئى – El Roi"ز لأنها قالت. هنا أيضاً رأيت بعد رؤيه"(19)، أى أنت الإله الذى رأنى" أو لقد رأيت الآن الواحد الذى رأنى"(20).

ج- وظهر ليعقوب فى حلم "واذا سلم منصوبه على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا يهوه واقف عليها فقال: أنا يهوه إله إبراهيم أبيك وإله إسحق...". ولما قام يعقوب قال "حقاً أن يهوه فى هذا المكان وأنا لم أعلم. وخاف وقال ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء"(21).

ثم ظهر له فى هيئة إنسان وصارعه حتى طلوع الفجر، وسأله يعقوب عن أسمه "فقال لماذا تسأل عن أسمى. وباركه هناك. فدعى يعقوب أسم المكان فنيئيل. قائلاً لأنى نظرت الله وجهاً لوجه ونجّيت نفسى"(22).

وفى الرؤيتين يؤكد الوخى أنه رأى الله الذى ظهر له فى السماء وظهر له فى هيئة إنسان وسأله عن أسمه، وقال "لأنى نظرت الله وجهاً لوجه". ثم يقول بعد ذلك "الله الذى سار أمامه أبواى إبراهيم وإسحق. الله الذى رعانى منذ وجودى إلى اليوم. الملاك الذى خلصنى من كل شر يبارك الغلامين"(23)، مؤكداً أن الذى ظهر للآباء وساروا أمامه والذى رعاه هو، هو نفسه الملاك الذى خلصه، ملاك يهوه الذى هو الله نفسه، يهوه، فى ظهوره العادى المؤقت.

د- وظهر لموسى فى سيناء أكثر من مرة معلناً أنه الله يهوه، وأنه أيضاً ملاك الله يهوه، ملاك يهوه:

1- فقد ظهر له وأول مرة فى العليقة "وظهر له ملاك يهوه بلهيب نار من وسط العليقة" ثم عرف موسى أن ملاك يهوه، هو يهنوه ذاته، وتكلم ملاك يهوه بأعتباره هو يهوه ذاته "فلما رأى يهوه أنه مال لينظر ناداه الله من وسك العليقة وقال: موسى موسى... أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله"(24).

2- وقال الله لموسى عن هذا الملاك، الذى هو الله، يهوه ذاته "ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك فى الطريق ويجيىء بك إلى المكان الذى أعددته: أحترز منه وأسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن أسمى فيه"(25). وهنا يعلن الوحى أن ملاك يهوه، الذى هو الظهور افلهى فى شكل مرئى Theo Phany يمثل الله ذاته ويقوم ويحمل أسمه "لأنى أسمى فيه".

3- كما رأى موسى مجد الله "ويكون متى أجتاز مجدى أنى أضعك فى نقرة الصخرة وأسترك بيدى حتى أجتاز. ثم أرفع يدى فتنظر ورائى وأما وجهى فلا يرى"(26).

ر- وظهر ملاك يهوه ليشوع بين نون وقال له "أخلع نملك من رجليك لأن المكان الذى أنت وقف عليه هو مقدس"(27).

س- وظهر لجدعون (القاضى) على أنه ملاك يهوه وكلمة على أعتبار أنه يهوه ذاته "فظهر له ملاك يهوه... فقال يهوه أنى أكون معك... فقال جدعوت آه يا سيدى يهوه لأنى قد رأيت ملاك يهوه وجهاً لوجه. فقال له يهوه السلام لك. لا تخف. لا تموت"(28).

ص- وظهر لمنوح والد شمشون، كما ظهر أيضاً لأم شمشون كملاك يهوه وبشرهما بميلاد شمشون، وقال له منوح "ما أسمك حتى اذا جاء كلامك تكرمك. فقال له ملاك يهوه لماذا تسأل عن أسمى وهو عجيب؟" وبعد الصعوج إلى السماء، قال عنه منوح لزوجته "نموت موتأً لأننا رأينا الله"(29).

ط- وظهر الله لأشعياء النبى فى بداية خدمته "فى سنة وفاه عزيا الملك رأيت السيد (آدون) جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. بأثنين يغطى وجهه وبأثنين يغطى رجليه وبأثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فأهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وأمتلأ البيت دخاناً. فقلت ويل لى لأنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينى قد رأتا الملك يهوه صبوؤت"(30).

كما ظهر فى سفر دانيال فى شبه ابن إنسان، كما بينا فى الفصل السابق(31)، وظهر فى سفر زكريا الذى يحمى أورشليم(32) ويقيس أورشليم(33) والذى يطهر أورشليم(34) والذى يبنى أورشليم(35).

والسؤال الآن: ما الذى يؤكد أن ملاك يهوه، الذى هو يهوه، هو الرب يسوع المسيح قبل التجسد؟ وما الذى يؤكد أن الظهورات التى لله فى العهد القديم هى للرب يسوع المسيح؟ والأجابة يقدمها الوحى ذاته:

أولاً: يقول القديس يوحنا بالروح "الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر"(36). المسيح وحده هو الذى يظهر الله ويعلن عنه لأنه فيه ومنه. هو "صورة الله غير المنظور"(37)، "بهاء مجده ورسم جوهره"(38).

ثانياً: يؤكد القديس يوحنا بالروح القدس أن السيد الرب، يهوه صبوؤت الذى رآه أشعياء النبى هو الرب يسوع المسيح بقوله "قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه"(39).

ثالثاً: عندما سأل منوح ملاك يهوه عن أسمه قال له "لماذا تسأل عن أسمى وهو عجيب". وهذه الكلمة "عجيب" تشير إلى الرب يسوع المسيح فى نبؤه أشعياء النبى "ويدعى أسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً"(40).

3- كون الرب يسوع المسيح هو "كلمة الله – ho logos tou Theou"، "ويدعى أسمه كلمة الله"(41)، "فى البدء كان الكلمه والكلمه كان عند الله وكان الكلمه الله"(42). "وكلمة الله" كما جاء فى سفر الرؤيا هو الصادق، الأمين، الحاكم العادل الذى سيحكم بالعدل، الذى "عيناه كلهيب نار"، الذى يرعى "الأمم بعصا من حديد" والذى يدعى أسمه "ملك الملوك ورب الأرباب"(43)، هو الله. فهو كلمة الله الذى كان فى البدء بلا بدايه والذى كان عند الله "وكان الكلمه عند الله"، مع الله، فى ذات الله، والكلمه مميز فى ذات الله لأنه نطق الله الذاتى وعقله الناطق، المولود من الآب بلا بدايه ولا نهايه ولا أنفصال فى الذات الإلهيه، كولاده الشعاع من النور والكلمه من العقل. يقول القديس يوحنا بالروح القدس "الحياة الأبدية التى كانت عند الآب"(44). أى أن الكلمه الإلهى، كلمة الله، الذى كان عند الله، فى ذات الله بلا بدايه ولا نهايه، كان الكلمه الحياه الفعاله فى ذات الله وهو الله، الله الكلمه.

4- وهو "صورة الله غير المنظور"(45) و "صورة الله" كما بينا(46) – eikon tou The ou""، تعنى صوره طبق الأصل لله الآب، الصورة التى تعطى لنا صورة دقيقة لله الآب فى جوهره مثل صورة الملك على العمله أو الصورة الفوتوغرافيه للشخص ومثل صورة الإنسان وإنعكاسه فى المرآه، فهو الصورة الحقيقية والدقيقة لله، كما تعنى ظهر الله، بمعنى أن طبيعة الله وكيانه كُشفوا وأعلنوا وظهروا بدقه فيه ومن خلاله، فهو أشعاع، بهاء، مجد الله وصورة جوهره، وكما يقول القديس بولس بالروح القدس "لأنارة معرفة مجد الله فى وجه يسوع المسيح"(47).

5- وهو أيضاً "الذى إذ كان فى صورة (شكل – morphe) الله"(48)، والصورة هنا تشير إلى الظهور الخارجى الذى يؤدى إلى الجوهر، هو فى شكل الله الآب ذاته، فى طبيعته وجوهره كما يؤكد فى الآيه التاليه أنه كان "مساوياً لله"، وكان مستمراً فى الوجود من الأزل بلا بدايه. أنه فى شكل الله الآب والمساوى له فى الطبيعه والجوهر والوجود السرمدى والمسجود له من جميع الخلائق فى الكون كله.

6- وهو أيضاً "قوة الله وحكمة الله"(49)، أى القدير، كلى القدرة، وحكمة الله، كلى الحكمه وكلى العلم، كما يقول الوحى "المذخر فيه جميع كنوز الحكمه والعلم"(50). فهو حكمة الله الخالق الوجود فى ذات الله من الأزل بلا بدايه "من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مُسحت... لما ثبت السموات كنت هناك أنا... كنت عنده صانعا"(51)، فقد خلق الله العالم بكلمته وحكمته، وكلمته هو المسيح، وحكمته هو المسيح.

الرب يسوع المسيح هو كلمه الله وصوره الله غير المنظور، صورة جوهره المساوى لله، وهو أيضاً حكمة الله وقوة الله. هو الله الكلمه الذى هو صورة غير المنظور، صورة جوهره، قوته وحكمته. الله متجلياً، الله ناطقاً، الله خالقاً، الله معلناً. ابن الله الذى من ذات الله الذى هو الله.

7- ابن الله "huios tou Theou"

ونصل إلى هنا لقب أبن الله "huios tou Theou" وعلاقته بالله الآب. يقول لنا الرب يسوع نفسه أن ابن الله هو الله لأنه من ذات الله وفى ذات الله، هو فى الله والله فيه ومن رأه فقد رأى الآب لأنه الله معلناً، الله متجلياً، صورة الله غير المنظور، كلمة الله ونطقه الذاتى، أنه ابن الله المساوى لله الذى هو الله، كلمة الله الذى كان عند الله وكان هو الله، صورة الله المساوى لله، وهو الله الظاهر، المعلن، بهاء مجده ورسم جوهره. وفيما يلى أهم ما قاله الرب يسوع المسيح عن كونه "ابن الله":

C "كل شئ قد دُفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الأبن ومن أراد الأبن أن يعُلن له"(52).

C "أنا هو الطريق والحق والحياه. ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى. لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس يا يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زماناً هذا مدته ولم تعرفنى يا فيلبس. الذى رأنى فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أنى أنا فى الآب والآب فى ... صدقونى أنى فى الآب والآب فىّ. والا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها"(53).

C "أنا أعرفه لأنى منه وهو أرسلنى"(54).

C "لأنى خرجت من قبل الله وأتيت إلى العالم"(55).

C "كما أن الآب يعرفنى وأنا أعرف الآب"(56).

C "دُفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض"(57).

C "الآب يحب الأبن وقد دفع كل شىء فى يده"(58).

C "أيها الآب قد أتت الساعة. مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضاً إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطى حياة حياة أبدية لكل من أعطيته"(59).

وقال القديس يوحنا بالروح القدس:

C "الله لم يره أحد قط. الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر"(60).

وهذه الآية فى أدق ترجماتها التى تعتمد على أقدم المخطوطات تقول:

"monogenes Theos ho on eis ton kolpon tou patro`s."

"الإله الوحيد (God The Only) الذى (الكائن – ho on) فى حضن الآب هو أخبر عنه"(61).

C "يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شىء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى"(62).

ويقول القديس فى الرسالة إلى العبرانين بالروح القدس:

"الله بعدما كلم الأباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى أبنه الذى جعله وأرثاً لكل شىء الذى به أيضاً عمل العالمين. الذى وهون بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم. لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً وأنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً. وأيضاً متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور... ثم لمن من الملائكة قال قط أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك"(63).

مما سبق يتضح لنا الآتى:

أ- أن ابن الله هو الأبن الوحيد، الإله، الذى فى حضن الآب، الكائن فى حضن الآب، كلمة الله "والكلمة كان عند الله"، الذى فى ذات الله، الذى من الله ذاته "أنا عرفه" أى الآب "لأنى منه"، خرجت من قبل الله"، "من عند الله خرج وإلى الله يمضى". أنه ابن الله الذى من ذات الله وفى ذات الله "أنا فى الآب والآب فى"، "الذى رآنى فقد رأى الآب"، صورة الله غير المنظور، كلمة الله الذى كان عند الله وهوالله.

ت‌- أبن الله، هو المعلن لذات الله، صورة الله، الله ظاهراً، الله متجلياً "الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر"، هو الملن لذات الله لأنه من ذات الله "أنا أعرفه لأنى منه"، وهو وحده الذى يعرف الآب، كما أنه هو نفسه لا يعرفه أحد، فى جوهره، سوى الآب "وليس يعلن له". أنه ابن الله، كلمة الله، الذى كلمنا الله من خلاله وفيه "كلمنا... فى أبنه".

ج-أبن الله هو الوارث لأبيه "الذى جعله وارثاً لكل شىء"، ويصف الرب يسوع المسيح نفسه فى مثل الكرامين الأردياء ب "الوارث"، "هذا هو الوارث"(64). وهو وارث كما يرث الأبن أبيه. ولأن المسيح هو الخالق، الذى خلق الله به الدهور، العالمين، الكون وما فيه فهو وارث لما خلقه، لذا يكرر الرب يسوع نفسه قوله "الآب يحب الأبن وقد دفع كل شىء فى يده"، "كل شىء قد دفع إلى من أبى".

د- ابن الله هو خالق الكون ومقيمه ومدبره ومحركه وواضع نواميسه "الذى به أيضاً عمل العالمين"، الذى من أجله الكل وبه الكل"(65)، "الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل"(66). "وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" وكل شىء هنا "ta panta" تعنى الكون وكل ما فيه وما به، كمدبره "حامل كل الأشياء"، ومحركه ومقيمه وواضع نواميسه. ومن ثم فهو وارث كل شىء، وارث ما يدبره ويقيمه.

ر- أبن الله هو الجالس عن يمين الله "أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطناً لقدميك"، الجالس فى عرش الله، عن يمين العظمة "جلس فى يمين العظمة فى الأعالى". وهو أعظم من جميع الملائكة والبشر وكل المخلوقات لأنه خالق الكل ومدبره والذى يخضع له الكل.

س- ابن الله، هو بكر الله، المدعو هنا ب "البكر"، بكر الله بصورة مطلقة. وهذا اللقب يعنى أنه كأبن الله، بكر الله، له مكانة أبيه، وهو مثل لقب "مونوجينيس – monogene`s" وحيد الجنس، يصف العلاقة الفريدة فى ذات الله، بين الله الآب، والله الأبن، الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب الذى أخبر عنه، صورة الله غير المنظور.

ص- أبن الله، بهاء مجد الله، أشعاع مجد الله، سطوع مجد الله؛ "الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره". وعبارة "الذى وهو" فى أصلها اليونانى "الذى كونه – hos on – Being"، "بهاء" فى اليونانية "aPaugasma" وتعنى؛ سطوع، تألق، الأشعاع الخارجى. ومعنى هذا أن أبن الله هو الأشعاع الخارجى، الخارج من ذات الله، سطوع المجد الإلهى الذى يظهر فى ذاته مجد وعظمة الكيان الإلهى، الجوهر الإلهى، الطبيعة الإلهية "الله يدع مجده يصدر من ذاته فيظهر للوجود كيان نورانى مثل ذاته"(67)، أو كما قال أحد علماء الكتاب المقدس "أبن الله فى عظمته الجوهرية هذه هو التعبير والتعبير المطلق للنور الإلهى فى أنعكاسه"(68)، وقال أباء الكنيسة الأولى أن الله هو أنعكاس المجد الإلهى مثل أشعة الشمس من الشمس أو النور من النور(69).

كما تعنى عبارة "ورسم جوهره" الصورة المعبرة للذات الإلهية، الصورة الحقيقية لجوهر وطبيعة الذات الإلهية. وكلمة "رسم" هى "كاريكاتير – Character" وتعنى قالب محفور لسك العملة أو فورمة الميداليات أو قالب، ختم دمغ الورق، أى رسم محفور، وتعنى فى هذه الآية صورة الختم، علامة الختم، كالصورة على العملة النقدية التى تشرح قيمتها وطبيعتها، الرسم المطبوع على الختم، أى تعنى أن كيان الله وجوهره مدرك فى شخص المسيح، ابن الله، الذى هو الصورة الفعلية الدقيقة لله الآب، لأنه يحمل فى ذاته الأنطباع الدقيق للطبيعة الإلهية والكيان الإلهى، الذات الإلهية، الله. ولذا فسر القديس أغريغوريوس أسقف نيصص هذه الآية هكذا "بهاء مجده والصورة المعبرة لشخصه"(70).

أذاً ابن الله هو كلمة الله الذى فى ذات الله ومن ذات الله وهو الله. هو الظهور الإلهى لله الذى هو الله، الله معلناً، الله متجلياً، الله ظاهراً. هو صورة الله غير المنظور، الله ظاهراً، الصورة الذاتية لله الذى هو الله منظوراً. هو الذى فى شكل الله، صورة الله، المساوى لله الآب ومن نفس جوهره، الواحد معه فى الجوهر، كما قال هو نفسه "أنا والآب واحد"(71)، "أنا أعرفه لأنى منه"(72)، "أنا فى الآب والآب فى"(73)، "الذى رآنى فقد رأى الآب"(74)، "كل ما للآب هو لى"(75). أين الله هو بهاء مجد الله، أشعاع مجد الله، والصورة المعبرة لجوهره، هو نور الله، نور من نور، أشعاع مجد الله الصادر من ذاته بلا بداية وبلا نهاية وبلا أنفصال.

C قال القديس أكليمندس الرومانى (95م) "خلاله (به) نرى أنعكاس وجه الله السامى... لكونه بهاء مجده"(76).

C وقال القديس أريناؤس أسقف ليون (120 – 202م) "أعلن الآب" أبو ربنا يسوع المسيح فى كلمته الذى هو أبنه، فيه كشف الله وصار ظاهراً لكل من أعلن لهم. لأن أولئك الذين عرفوه أعطاهم الأبن أعلاناً. فقد كان الأبن دائماً مع الآب، موجوداً من القدم ومن البدء. وهو دائماً يعلن الآب للملائكة ورؤساء الملائكة والقوات والأطهار وكل من يريد الله أن يعطى له أعلان".

C وقال العلامة ديديموس الضرير (توفى سنة 396م) "اذا كان الأبن الوحيد، كما يكتب بولس للعبرانيين، هو اشراق المجد والختم الدقيق للجوهر وصورة الله غير المرئى ولا شكل له ولا بداية، واذ كان يقول الحق عندما يقول "من رآنى فقد رأى الآب" و "أنا والآب واحد"، فهو اذاً من نفس جوهر الله الآب بلا بدية ومساوى له وغير متغير. لأن النور مولود من النور وليس من طبيعة أخرى. "ويبين القول أنه الختم الدقيق للجوهر، التماثل المطلق والثبات (عدم التغير) فى الطبيعة والمجد والقدرة الكلية"(77).

C ويقول القديس كيرلس الأسكندرى (توفى سنة 444م) "نؤمن بإله واحد، آب قدير، خالق كل شىء ما يرى وما لا يرى؛ وبرب واحد يسوع المسيح، أبنه، مولود منه بحسب الطبيعة قبل كل الدهور والزمن، فبحسب الزمن هو بلا بداية وأبدى مع الآب فى كرامة متساوية، اذ يتساوى مع الآب فى كل وجه لأنه ختم وأشراق جوهره"(78).

هو ابن الله وكلمته وصورته وأشعاع مجده وصورة جوهره، عقله الناطق ونطقه العاقل، الله متكلماً، الله ناطقاً، الله خالقاً، الله ظاهراًن الله معلناً، الله منظوراً، الله الأبن، أبن الله، الإله الوحيد الذى فى حضن الآب، الأبن الوحيد الذذى فى حضن الآب، الذى من ذاته وفى ذاته، الذى معه بلا بداية ومنه بلا أنفصال ومساوى له فى كل شىء فى البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله". أبن الله من ذات الله وفى ذات الله وصورة الله فهو الله.

 

 

(1) فى 7: 2.

(2) يو 13: 3.

(3) متى 20: 18.

(4) متى 20: 8.

(5) يو 20: 14.

(6) يو 35: 9.

(7) يو 18: 3.

(8) يو 36: 3.

(9) يو 1: 17.

(10) يو 49: 1.

(11) متى 16: 16.

(12) مر 11: 1.

(13) متى 17: 3.

(14) متى 63: 26.

(15) كلمة "ملاك" فى العبرية هى حرفياً "ملاك" وتعنى "رسول" بصفه عامة، وعن الكائنات الروحية القادمة من السماء تعنى "رسل سمائيون" والملاك الذى هو كائن روحى سمائى، يعنى رسول قادم من السماء، وسيط سمائى حامل رساله من الله إلى الناس. ومن هذا المنطق دعى الله فى ظهرواته المؤقتة "ملاك العهد" و"ملاك يهوه" ودعى المسيح فى سفر ملاخى ب "ملاك العهد" ملا 1: 3.

(16) تك 1: 18.

(17) تك 13: 18.

(18) تك 11: 22 – 14.

(19) تك 7: 16 – 13.

(20) NIV

(21) تك 12: 28 – 17.

(22) تك 29: 22،30.

(23) تك 15: 48،16.

(24) خر 2: 33،4 – 6.

(25) خر 20: 23،21.

(26) خر 22: 33،23.

(27) يش 13: 5 – 15.

(28) قض 11: 6 –24.

(29) قض 17: 13 – 22.

(30) اش 1: 6 – 5.

(31) اش 13: 7،14.

(32) زك 8: 1-13.

(33) زك 8: 2-11.

(34) زك 10: 3.

(35) زك 12: 6-15.

(36) يو 18: 1.

(37) كو 15: 1.

(38) عب 3: 1.

(39) يو 41: 12.

(40) أش 6: 9.

(41) رؤ 13: 19.

(42) يو 1: 1.

(43) رؤ 11: 9 – 16.

(44) 1 يو 2: 1.

(45) كو 15: 1.

(46) فى الفصل السابق.

(47) 2 كو 6: 4.

(48) فى 5: 2.

(49) 1 كو 24: 1.

(50) كو 3: 2.

(51) أم 22: 8 – 30.

(52) متى 27: 11.

(53) يو 6: 14-16.

(54) يو 29: 7.

(55) يو 42: 8.

(56) يو 15: 10.

(57) متى 17: 28.

(58) يو 35: 3.

(59) يو 1: 17،2.

(60) يو 18: 1.

(61) The N I V Interline.

(62) يو 3: 13.

(63) عب 1: 1-13.

(64) مر 7: 12.

(65) عب 10: 2.

(66) كو 16،17.

(67) Vincent`s Vol. 4 P. 382.

(68) Ibid.

(69) Kittle Vol. 1 P. 508.

(70) Ag. Eunomius B. 8: 1.

(71) يو 30: 10.

(72) يو 29: 7.

(73) يو 9: 14،10.

(74) يو 5: 16.

(75) Rom. 36.

(76) Against Heresies B 2: 30,3.

(77) The Tirinity 3: 2,8.

(78) The Faith of The Fathers Vol. 3 P. 221.

الفصل الحادى عشر

هل المسيح "أبن الله" حقيقة أم مجازاً؟

 

تكلم السيد المسيح عن الله الآب بأعتباره آب الجميع وعلم تلاميذه أن يخاطبوه فى الصلاة قائلين "أبانا الذى فى السموات"(1) ودعاه ب "أباكم"(2) و "أبيكم"(3) و "أبوكم"(4) و "أبوك"(5) و "صل إلى أبيك"(6) و "أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم"(7). وقد زعم أحدهم أن المسيح قال هذه العبارات فى أنجيل متى وحده ثلاث عشرة مرة وذلك قبل المرة الأولى التى قال فيها "أبى". ويكرر قائلاً فى مغالطة واضحة "أنها ثلاث عشرة مرة مقابل مرة واحدة. أى الكفتين أرجح؟". ولكن المسيح كرر عبارت "أبى" و "الآب" عن علاقته هو بالآب فى أنجيل متى عشرين مرة"(8)، وليست مرة واحدة فقط كما يزعم، كما تكررت فى الأناجيل الثلاثة الأخرى 96 مرة(9)، أى أنها تكررت فى الأناجيل الأربعة حوالى مئة وست عشرة مرة!!

كما تحدث الكتاب المقدس بعهديه عن ملائكة وبشر دعوا أبناء الله فما حقيقة ذلك؟ وهل بنوة المسيح لله بنوة حقيقية أم بنوة مجازية؟ وهل هى مثل بنوة البشر والمخلوقات أم هى بنوة جوهرية حقيقية؟

أ- أبناء الله فى العهد القديم:

أستخدم العهد القديم تعبيرات "أبناء الله" و "بنو الله" و "بنى الله" عن الكائنات الروحية فى العالم السمائى، الملائكة. وفى جميعها أستخدم التعبيرات العبرية "بنى ها إيلوهيم" و "بنى إيلوهيم" و "بنى إيلوهيم" والتى تعنى "بنى الآلهة" و "بنو الآلهة" و "المقتدرون"، أى الكائنات السمائية.فإيلوهيم أسم جمع؛ خاصة عندما يتبعه فعل جمع أو ضمير جمع، كما فى هذه التعبيرات، وإيليم هو جمع إيل، والترجمة الحرفية لجميعها هى أبناء الآلهة المقتدرون، الكائنات الروحية السمائية القديرة.

C "وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (بنى ها إيلوهيم) ليمثلوا أمام يهوه"(10).

C "وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله (بنى إيلوهيم) ليمثلوا أمام يهوه"(11).

C "وعندما ترنمت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بنى الله (بنى إيلوهيم)"(12).

والفكرة العامة فى العهد القديم هى أن هذه الكائنات الروحية السمائية تكون مجمع عظماء تحت سلطان الله وحكمه وسيادته، بأعتباره القاضى الأعظم فى المجلس السمائى "الله قائم فى المجمع العظيم بين الآلهة (إيلوهيم) يقضى"(13).

ولم يدعوا أبداً أبناء يهوه، كما لم يدعى أحدهم أبداً أبن يهوه، أنما هو كائنات سمائية روحية خاضعة لإرادة الله وسيادته "قدموا للرب (يهوه) يا أبناء الله (بنى إيليم – المقتدرون – mighty ones) قدموا للرب (يهوه) مجداً وعزاً"(14).

ب- وخاطب الله داود الملك والنبى وأبنه سليمان الحكيم على أساس سلطتهما الملوكية الممنوحة لهما من الله لحكم شعبه كأبناء الله "أنت أبنى أنا اليوم ولدتك"(15) داود، هو يكون لى أبناً وأنا أكون له أباً"(16) سليمان. وذلك بمعنى مجازى على أساس شرعية الحكم المعطى لهما من الله مباشرة، وعلى أساس الملك الآتى النازل من السماء أبن داود الذى سيجلس على كرسيه إلى الأبد. فقد تم قول الله لداود وسليمان فى الآيتين السابقتين جزئياً، ولكن المقصود بهما فعلاً كان هو النسل الآتى الذى قال عنه الله لداود "مرة حلفت بقدسى أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر"(17) والذى تنبأ عنه أشعياء النبى قائلاً "لنمو رياسته وللسلام لا نهاسة على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد"(18).

هذا الملك الآتى من نسل داود هو، كما تنبأ أشعياء "الإله القدير الآب الأبدى رئيس السلام"(19)، والذى قال عنه الملاك للعذراء مريم "هذا يكون عظيماً وأبن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية... القدوس المولود (ملك) يدعى أبن الله"(20).

ومن ثم فقد أكد السيد المسيح أنه هو نفسه أبن داود وربه(21) "أصل وذرية داود"(22)، وأكد الرسل بالروح القدس أن البنوة المقصودة فى الآيتين، أعلاه، هى بنوة المسيح لله، يقول الرسول بالروح فى مقارنة بين المسيح، أبن الله، وبين الملائكة "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً أنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً"(23).

ج- ودعى إسرائيل ب "أبنى البكر"(24) و "أفرايم أبن عزيز لدىّ"(25)، كما دعى بنو إسرائيل ب "أولاد الرب"(26)، ووصفت إسرائيل بزرجة الرب(27)، وكذلك وصفت أورشليم"(28)، التى ولدتهم؛ وهكذا كان بإمكانهم دعوة الله "أبونا"(29).

وفى كل الأحوال فقد دعى اسرائيل "ابنى"(30) على اساس أنه الشعب الوحيد فى ذلك الوقت الذى كان يعبد الله الواحد، والذى كان يقوده الله بنفسه "لما كان اسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى". ونظراً لعلاقة هذا العشب الله وعبادته له وحده فقد وصفه الله مجازاً بالزوجة المخلصة لزوجها، وعندما كان ينحرف الشعب ويعبد الأوثان كان الله يصفهم بصورة أدبيه مجازيه رمزية، بالزوجة الخائنة(31). وكان الله يؤدبهم كما يؤدب الآب أبنه "فأعلم فى قلبك أنه كما يؤدب الإنسان أبنه قد أدبك الرب إلهك"(32)، "الأبن يكرم أباه والعبد يكرم سيده. فإن كنت أباً فأين كرامتة وإن كنت سيداً فأين هيبتى قال لكم رب الجنود أيها الكهنة المحتقرون أسمى"(33). وكانت هذه الصلة بالله، العلاقة الروحية، تستمر بأستمرار الشعب فى طاعة الله وعبادته وأتباعه وتنتهى بعصيانه وعبادة الأوثان. فالعلاقة التى دعى على أساسها الشعب بأبناء الله، أولاد الرب، ودعى على أساسها أسرائيل بالزوجة والأبن، هى علاقة روحية بين الله وشعبه الذى أحبه ورأفُه والذى كان له عليه حق الطاعة والأستجابة لعنايته الإلهية وعبادته، هذه العلاقة صورت بصورة أدبية مجازية رمزية.

د- كما دعى القضاه فى العهد القديم بالآلهه "إيلوهيم" بأعتبار أنهم كانوا يمثلون الله، القاضى والديان الأعظم، على الأرض، كانوا يمثلون الله القاضى العادل. لذا قال لهم "أنا قلت أنكم الهه (إيلوهيم) وبنو العلى كلكم"(34).

وفى كل الأحوال السابقة تختلف بنوة هذه المخلوقات ويختلف تلقيبهم بالآلهة عن بنوة المسيح ولاهوته على أساس أن المسيح هو أبن الله الوحيد والواحد مع الآب فى الجوهر وفى كل الكمالات اللاهوتية، فله كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات ويعمل كل أعمال الله وعلى رأسها الخلق وتدبير الكون وحمله. لذا فهو الأعظم، الأعظم من الملائكة بأعتبارهم خليقته التى تسجد له، والأعظم من البسر باعتبارهم أيضاً خلائقه الذين يقدمون له العبادة والسجود.

C "صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم... وأيضاً متى أدخل الكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الأبن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور"(35).

C "لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثوا بإسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض"(36).

وقد برهن السيد المسيح نفسه على هذا الفارق الذى بينه وبين المخلوقات بقوله "أنا والآب واحد... أجابهم يسوع أليس مكتوباً فى ناموسكم أنا قلت أنكم إلهه. أن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأنىقلت أنى أين الله. أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه"(37).

البشر دعوا آلهه لأن كلمة الله قد صارت إليهم أما هو عمن ذات الله ويعمل نفس أعمال الله التى هى برهان لاهوته وهو الواحد مع الآب فلى الجوهر والمساوى له الذى له كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات.

ب- أبناء الله فى العهد الجديد:

يدعى كل البشر فى العهد الجديد أبناء الله على أساس أن الكل خليقته "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد... لأننا أيضاً ذرية الله"(38)، "أليس آب واحد لكلنا. إله واحد خلقنا"(39)، وعلى هذا الأساس دعى "آدم أبن الله"(40). ويدعى الأبرار بصفة خاصة "أبناء الله"، "أحبوا أعدائكم" وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بنى العلى"(41)، "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون"(42).

ويدعى المؤمنون بالمسيح أولاد الله "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون بأسمه"(43). المسيح نفسه هو الذى منحهم هذا اللقب، فهو الذى جاء بهم إلى الله الآب وقدسهم بدمه ودعاهم أخوه له "الذى من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام.؟ لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا لا يستحى أن يدعوهم أخوه"(44)، فهو المقدس الذى قدسهم وهم المقدسين بدمه، ومن ثم دعاهم أخوه، أصبحوا أبناء الله لأن المسيح ابن الله دعاهم أخوه له، فقد نزل من السماء وأقتداهم ووهبهم هبة التبنى "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى. ثم بما أنكم أبناء الله روح أبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب. اذ لست بعد عبداً بل أبناً ووارث مع المسيح"(45). نال المؤمنون روح التبنى بالمسيح "روح التبنى الذى نصرخ به يا اب الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فأن كنا أولاداً فأننا ورثة أيضاً الله ووارثون مع المسيح"(46).

ويدعى المؤمنون أيضاً بأبناء الله الحى لأنهم خلقوا على صورة ابن الله، المسيح، هو صورة الله الذاتية، صورة جوهره، وهم خلقوا على شبه صورته "لأن الذى سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة أبنه ليكون هو بكر بين أخوة كثيرين"(47). صاروا على شبه صورة ابن الله بالخليقة الجديدة. وعلى هذا الأساس يخاطبون الله فى الصلاة "أبانا" ويقول لهم المسيح عن الله "أبوكم"، "أباكم"، "أبيكم" و "أبى وأبيكم"، "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع"(48).

وهذه البنوة التى لأبناء الله بالمسيح تتم بصورة أخروية بالمجىء الثانى والقيامة من الأموات "لأن أنتظار الخليقة يتوقع أستعلان أبناء الله"(49)، حيث يصير أبناء الله بالقيامة، كما يقول المسيح، كائنات روحية مثل الملائكة لن ترى الموت والفساد "الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يُزوجون ولا يتزوجون. اذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة"(50).

دعى المؤمنون أبناء الله بالتبنى بدم المسيح ولأن المسيح نفسه هو الذى قدسهم ومنحهم السلطان أن يصيروا أولاد الله. أما المسيح قهو الواحد مع الآب فى الجوهر والذى فى الآب والآب فيه. وقد ميز القديس يوحنا، لغوياً بين المسيح كالأبن الوحيد الذى من ذات الله وفى ذات الله وأحتفظ له بلقب "الأبن – huios" لكونه الأبن الحقيقى والوحيد، وبين "أولاد الله"، "tekna Theou"(51)، مستخدماً كلمة "tekna" بمعنى "أطفال" جمع "tekenon" أى طفل.

ج- بنوة المسيح لله – لاهوته:

دعى الرب يسوع المسيح، كلمة الله الذى كان عند الله وهو الله، ب "أبن الله"، "huios Theou" بالمعنى الحقيقى والكامل للإلوهية، اللاهوت، كأبن الله الذى هو كلمة الله وهو الله، اللله ناطقاً، الله معلناً، صورة الله غير المنظور. فهو الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر والذى من نفس طبيعته وجوهره. وقد لقب نفسه ولقبه القديس يوحنا بالروح القدس ب "وحيد من الآب"، "الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب"، "أبنه الوحيد"، "أبن الله الوحيد":

C هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوجيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله أبنه ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذى يؤمن له لا يدان والذى لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن بأسم ابن الله الوحيد"(52).

C "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله... والكلمة صار جسداً وجل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً... الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر عنه"(53).

C "بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل أبنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به"(54).

وكلمة "وحيد" فى هذه الآيات هى فى اليونانية "مونوجينيس – monogene’s"، وتعنى حرفياً؛ واحد فى النوع، واحد فقط، فريد(55)، وتركز على حقيقة أن المسيح، كلمة الله، هو الإبن الوحيد لله، والذى لا يوجد ابن الله غيره أو سواه أو مثله، لا يوجد أبن لله فى نوعه ونفرده كالأبن من الآب ومن طبيعته وجوهره. هو وحده الذى من ذات الله الآب ومن طبيعته وجوهره والمساوى له فى كل ماله. هو وحده صورة الله، صورة طبق الأصل، والملن له، كلمة الله، الله ناطقاً.

كما تركز هذه الكلمة "الوحيد" على الكيان الشخصى لكلمة الله، المسيح، بأعتباره كلمة الله وصورته وأشعاع مجده ورسم جوهره، فهو أبن الله الوحيد، الفريد والمتفرد، الذى هنو الله ناطقاً الله ذاته معلناً.

ويعبر لنا الوحى الإلهى عن اللاقة الذابنة الفريدة بين الآب والأبن فى آيتين "كما لوحيد من الآب" و "الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب":

1- تعبر الأولى "وحيد من الآب – monoenous Para Patros" عن وحدة الأبن مع الآب فى الجوهر، اذ أن قوله "من الآب" يميز الابن الوحيد تمييزاً مطلقاً عن الخلائق لأنه "مع الآب"، من ذات جوهره وطبيعته وفى ذاته. أنه أبن الله الوحيد الذى من ذاته وفى ذاته، الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر. هو الأبن الوحيد الذى كان – en" فى البدء مع الله الآب بلا بداية، والذى كان هو الله.

2- والآية الثانية "الأبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب"، والعبارة الأخيرة حرفياً "الكائن فى حضن الآب – ho on eis ton Kolpon Tou Theou"، وتعنى الموجود مع الآب، "وكان الكلمة عند الله"، بلا زمن، بلا بداية ولا نهاية، كما تعبر عن العلاقة الأبدية بين الآب والأبن فى الذات الإلهية، ويعبر حرف الجر "فى – eis" عن حقيقة الوجود الأزلى الأبدى للأبن مع الآب وعودته لمجد الله الآب بعد التجسد، فهو يعطى فى قوله "فى حضن الآب" معنى "الذى دخل فى وهو هناك".

وهذه الآية تقدم الوصف المطلق لطبيعة الأبن الإلهية والوجود الأبدى مع الآب بلا بداية ولا نهاية. وقد جاءت عبارة "الأبن الوحيد" فى هذه الآية فى أقدم المخطوطات وأدقها(56) "monogenes Theos – الإله الوحيد – God the One and Only" وترجمت هكذا فى أحدث الترجمات العالمية(57). مؤكدة أن الأبن الوحيد هو "الإله الوحيد الكائن فى حضن الآب".، فهو إله من إله، نور من نور، كلمة الله، صورة الله، بهاء مجد الله والصورة الدقيقة لجوهره، ابن الله، الله ناطقاً، الله معلناً.

وقد أكد المسيح، ابن الله، على حقيقة مساواته لله الآب وكونه إله، الإله، بأقوال كثيرة مقدماً الدليل والبرهان على صحة أقواله:

C "فأجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أن الله أبوه مساوياً نفسه بالله"(58) وكانت أجابته لهم أنه كإبن الله يعمل جميع أعمال أبيه، الله "لأنه مهما عمل ذلك فهذا يعمله الأبن كذلك لأن الآب يحل الأبن ويريهجميع ما هو يعمله... لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحى كذلك الآبن أيضاً يحى من يشاء. لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب.

من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذى أرسله... لأنه كما أن الآب له حياه فى ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياه فى ذاته... فأنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحساة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة"(59).

وفى هذه الآيات يؤكد المساواة الكاملة بين الآب والأبن، فهو يعمل جميع أعمال الله مهما كانت اذ يقيم الموتى ويحيى من يشاء، ويحيى الموتى الذين فى القبور يوم الدينونة ويدين كل البشرية كل واحد بحسب أعماله(60)، وهو الذى له الحياة فى ذاته، والذى له كرامة متساوية مع الله الآب وهو يؤكد على أنه الخالق المستمر فى عمله الخلاق الذى هو عمل الآب، اذ أنه هو كلمة الله الخالق والمنفذ للارادة الإلهية، والمعلن للذات الإلهية والطبيعة الإلهية. أنه الخالق خلق الكون وما يزال مستمر فى تجديد الخليقة، هو الحى، الذى فيه الحياة ومعطى الحياة الأبدية. ابن الله الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر، والواحد معه فى الارادة والمساوى له فى الكرامة.

C "أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه... قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً... أن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى. ولكن أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه"(61).

وقوله "أنا والآب واحد" هنا يعبر عن وحدة الآب والأبن الجوهرية بأستخدام الذات الإلهية، وحدة ومساواة فى الجوهر والطبيعة. ويعبر عن هذه الوحدة الجوهرية بأستخدام كلمة "واحد – hen" وهى ضمير حيادى (neuter)، ليس مذكر ولا مؤنث، ليؤكد على الوحدة فى الجوهر والطبيعة، وليس مجرد وحدة فى الأرادة والقوة، وبالتالى يؤكد المساواة الكاملة والتامة فى الذات الإلهية. وقد أدرك اليهود على الفور أنه يقصد المساواة الكاملة مع الله، كما أدركوا ذلك فى قوله السابق وقالوا "قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً (مساوياً) نفسه بالله"، وقالوا هنا "لأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً". فلا يساوى الله إلا الله وبالتالى بكون هو إلهاً، الإله المساوى للآله والحد معه فى الجوهر. لذلك طلبوا فى المرة الأولى "أن يقتلوه" وفى الثانية تناولوا "حجارة لكى يرجموه" بتهمة التجديف. ولكن المسيح، أبن الله، برهن لهم على حقيقة كونه ابن الله المساوى لله والواحد مع الآب فى الجوهر بأعمخاله الإلهية التى هى أعمال الله "أن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه"(62).

يقول المسيح، كلمة الله، ابن الله، تأكيداً للوحدة والمساواة فى الذت الإلهية بين الآب والأبن "كل ما للآب هو لى"(63)، "أنا أعرفه لأنى منه"(64)، "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب"(65)، ويخاطب الآب بقوله "أنى خرجت من عندك... كل ما هو لى فهو لك. وما هو لك فهو لى... أنت أيها الآب فى وأنا فيك... أننا نحن واحد"(66). وهذه المساواة أكدها القديس بولس بالروح القدس، كما بينا، فى قوله "الذى اذ كان فى صورة اله لم يحسب ماساواته لله أختلاساً"(67). أنه الذى من الآب وفى الآب والواحد معه فى الجوهر والمساوى له فى الجوهر والطبيعة، فهو كلمة الله الذى كان عند الله وكان هو الله، صورة الله غير المنظور، بهاء مجده، إشعاع مجده، ورسم جوهره، الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو أخبر عنه، ابن الله، صورة الله، اشعاع مجده، صورة جوهره، الله ناطقاً، الله معلناً.

د- المسيح ابن الله فى الإنجيل بأوجهه الأربعة:

يتصور البعض أن المسيح لم يتكلم عن نفسه كإبن الله المساوى لله الآب والواحد معه فى الجوهر، بصورة كافية، وأن كتاب الانجيل الأربعة لم يذكروا ذلك بما يكفى. ولكن الواقع غير ذلك تماماً، فقج ركز كل واحد من الإنجيلين الأربعة على جانب معين من جوانب السيد المسيح دون أن يغفل أبداً حقيقة لاهوته وكونه ابن الله المساوى للآب والواحد معه فى الجوهر.

أولاً: الأناجيل الثلاثة الأولى:

نقل القديس متى الأقوال التالية للمسيح وشاركه القديس لوقا فى القولين الثانى والثالث:

C "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(68).

C "كل شىء قد دفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن. ومن أراد الابن أن يعلن له"(69).

C "فأجاب رئيس الكهنة وقال له أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح أبن الله. قال له يسوع أنت قلت. وأيضاً أقول لكم: من الأن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة "عن يمين قوة الله"(70) "وآتياً على سحاب السماء"(71)، "فمزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً قد جدف... ها قد سمعتم تجديفه"(72).

وأبتدأ القديس مرقس الانجيل الثالث بقوله "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله"(73)، وختمه بجلوس الابن عن يمين أبيه ووجوده فى نفس الوقت مع تلاميذه يعمل معهم وبهم ومن خلالهم "ثم أن الرب بعدما كلمهم أرتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا فى كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة"(74).

وفى هذه الآيات، أعلاه، يؤكد المسيح، ابن الله، على مساواته المطلقة مع الآب والروح القدس، ووحدة الذات الإلهية فى قوله "وعمدوهم بأسم" وليس "بأسماء"، كما يؤكد وحدته مع الآب ومساواته له وتميزه عن المخلوقات بإعلانه أنه لا أحد يعرق حقيقة الابن فى جوهره، إلا الآب، "ليس أحد يعرق الابن إلا الآب" لأنه من جوهره، وهو وحده الذى يعرف الآب ويعلنه كقوله "أنا أعرفه لأنى منه". وكلمة "يعرف – epiginoskei" هنا، هى فعل مركب ويمكن أن يترجم حرفياً "يعرف معرفة كاملة – Fully Knows"، ويشرح المعرفة الكاملة التى لا يمكن أن تكون لغير الله، كما يعنى المعرفة الكلية التى لأبن الله، كل المعرفة الإلهية. هو وحده الذى يعرف الآب، والآب فقط هو الذى يعرف الابن، وبالتالى فمعرفة الآب تؤدى لمعرفة الابن، ومعرفة الابن تؤدى لمعرفة الآب، وهذا ما عبر عنه بقوله "لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضاً"(75).

ولأنه ابن الله الذى هو الله متكلماً، الله معلناً، الواحد مع الآب، فهو الذى له السلطان على كل الخليقة فى السماء والأرض، له السلطان والسيادة وله المعرفة الكلية. وهو أبن الله الموجود فى السماء والجالس على عرش الله، عن يمين الله، والموجود مع تلاميذه ورسله على الأرض فى آن واحد. هو ابن الله الجالس عن يمين القوة والذى سيأتى على السحاب.

وقد مزق رئيس الكهنة ثيابه عند سماعه أعلان ابن الله هذا معتقداص أنه يجدف لأنه يعلن أنه الله الجالس عن يمين الله والمساوى له.

وتنقل الأناجيل الثلاثة إعلان الآب من السماء عن كون المسيح هو "ابن الله الحبيب" وذلك فى حادثتى العماد والتجلى؛ فلما أعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. واذ السموات قد أنفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السماء قائلاً "هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت"(76)، أو كما نقلها القديسان مرقس ولوقا "أنت أبنى الحبيب الذى به سررت"(77). وفى حادثة التجلى تكرر نفس الأعلان السمائى "هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت"(78).

وأرتبط هذا الأعلان السمائى فى الحادثة الأولى بأنفتاح السماء ونزول الروح القدس بهيئة جسمية عليه، وإعلان يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحل سيور حذاء المسيح أو يحمل حذاءه(79). وفى الثانية، التجلى، يعلن السيد المسيح عن شىء من مجده ولاهوته فقد "تغيرت هيئته قدامهم (تلاميذه) وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور"(80)، "صارت هيئة وجهه متغيرة"(81)، "وصارت ثيابه بيضاء كالثلج"(82). هذه الظاهر الإلهية جعلت يوحنا المعمدان يقول عنه "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله"(83)، وجعلت التلاميذ الثلاثة الذين هذا التجلى الإلهى يسقطون على وجوههم وخافوا جداً"(84) و "كانوا مرتعبين"(85)، صاروا فى غيبوبة روحية لما شاهدوه.

وينقل القديس متى أعتراف بطرس الرسول "أنت المسيح أبن الله الحى"(86)، هذا الأعتراف السمائى عن الأبن من خلال القديس بطرس "طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبى الذى فى السموات"(87)، وهذا تأكيد لما سبق أن قاله الرب "ليس أحد يعرف الأبن إلا الآب". أعلنت بنوة المسيح لله من الآب مباشرة لأنه لا أحد يعرف حقيقة الابن فى جوهره كإبن الله، سوى الآب ذاته، لأن الآب والأبن واحد.

وهناك الكثير من الآيات فى الأناجيل الثلاثة التى تعلن أن المسيح هو أبن الله(88).

ثانياً: الانجيل للقديس يوحنا:

ركز الانجيل للقديس يوحنا بدرجة كبيرة على تأكيد لاهوت المسيح وكونه الابن الوحيد الذى هو الإله الوحيد الذى فى حصن الآب والواحد معه والمساوى له فى الجوهر. وقد بدأ الإنجيل بإعلان أزلية الأبن، كلمة الله، ووحدته مع الآب وكونه الخالق لكل شىء وكونه مصدر الحياة ونبعها "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان فيه كانت الحياة"(89)، ثم يعلن عن تجسد الكلمة، أبن الله، وينقل الكثير من أقوال المسيح عن كونه الأبن المساوى للآب والواحد معه فى الجوهر والذى من ذات الآب، والذى له كل ما للآب. كما ينقل أعترافات التلاميذ كنثنائيل ومرثا وغيرهم عن كون المسيح "ابن الله"(90)، ويؤكد على حقيقة التهمة التى صلب بسببها المسيح وهو قوله وإعلانه أنه "ابن الله"(91). ويختم انجيله بقوله بالروح القدس "وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة بأسمه"(92).

 

 

(1) متى 9: 6.

(2) متى 6: 5.

(3) متى 1: 6.

(4) متى 26: 6.

(5) متى 6: 6.

(6) متى 6: 6.

(7) يو 17: 20.

(8) متى 21: 7؛32: 10؛25: 11،26،27؛50: 12؛13: 15؛17: 16،27؛10: 18،19، 35؛23: 20؛ 31: 21؛36: 24؛34: 25؛29: 26،39،42،53؛19: 28.

(9) أنظر مر 38: 8؛32: 13؛36: 14؛ لو 49: 2؛26: 9؛31: 10؛ يو 16: 2؛27: 6،32... الخ.

(10) اى 6: 1.

(11) اى 1: 2.

(12) اى 7: 38.

(13) مز 1: 82.

(14) مز 1: 29.

(15) مز 7: 2.

(16) 2صم 13: 17.

(17) مز 35: 89-37.

(18) اش 7: 9.

(19) اش 6: 9.

(20) لو 31: 1-35.

(21) متى 43: 22،44.

(22) رؤ 16: 22.

(23) عب 5: 1 (أنظر أع 33: 13؛عب 5: 5).

(24) حز 22: 4.

(25) ار 20: 31.

(26) تث 1: 14.

(27) هو 4: 2.

(28) حز 20: 16.

(29) اش 16: 63.

(30) هو 1: 11.

(31) هو ص 2.

(32) تث 5: 8.

(33) ملا 6: 1.

(34) مز 6: 82.

(35) عب 4: 1-6.

(36) فى 10: 2.

(37) يو 33: 10-38.

(38) أع 28: 17.

(39) ملا 10: 2.

(40) لو 38: 3.

(41) لو 35: 6.

(42) متى 9: 5.

(43) يو 12: 1.

(44) عب 10: 2،11.

(45) غل 4: 4-6.

(46) رو 15: 8-17.

(47) رو 29: 8.

(48) غل 26: 3.

(49) رو 19: 8.

(50) لو 35: 20،36.

(51) يو 12: 1؛52: 11؛ 1يو 1: 3.

(52) يو 16: 3-18.

(53) يو 1: 1،14.

(54) 1يو 9: 4.

(55) وردت كلمة مونوجينيس أربع مرات لغير المسيح عن ابن وحيد لأمه (لو 2: 7) وبنت وحيده لأبيها (لو 42: 8) وأبن وحيد لأبيه (لو 38: 9)، واسحق كوحيد أبيه من زوجته الشرعية سارة (عب 17: 11).

(56) Geek NT.

(57) الترجمة الدولية الحديثة.

(58) يو 17: 5،18.

(59) يو 19: 5-29.

(60) رو 6: 2.

(61) يو 30: 10-38.

(62) يو 38: 10.

(63) يو 15: 16.

(64) يو 29: 7.

(65) يو 28: 16.

(66) يو 8: 17،10،20-22.

(67) فى 5: 2.

(68) متى 18: 28-20.

(69) متى 27: 11؛ لو 22: 10.

(70) لو 69: 22.

(71) متى 63: 26،64.

(72) متى 65: 26.

(73) مر 1: 1.

(74) مر 19: 16،20.

(75) يو 19: 8.

(76) متى 16: 3،17.

(77) مر 11: 1؛ لو 22: 3.

(78) متى 5: 17؛ مر 7: 9؛ لو 35: 9.

(79) متى 11: 3؛ مر 7: 1؛ لو 16: 3.

(80) متى 2: 17.

(81) لو 29: 9.

(82) مر 3: 9.

(83) يو 34: 1.

(84) متى 6: 17.

(85) مر 6: 9.

(86) متى 16: 16.

(87) متى 17: 16.

(88) أنظر متى 3: 4؛29: 8؛24: 14-32؛ مر 11: 3؛ لو 9: 4،41.

(89) يو 1: 1-4.

(90) يو 49: 1؛27: 11.

(91) يو 7: 19.

(92) يو 31: 20.

الفصل الثانى عشر

المسيح هو الله أم هو بشر؟

إبن الله أم هو أبن إنسان؟

 

يبدو للبعض من القراءة الظاهرية، السطحية، للإنجيل، العهد الجديد، أن المسيح مجرد بشر مثل سائر البشر، فقد ولد من أم فى مكان محدد وزمان معين وكانت له عشيرة وأهل وأقارب وأصدقاء وأعداء، وكان له ما للإنسان من روح ونفس وجسد، ومكون من لحم ودم وعظام، وكان يجوع ويعطش ويأكل ويشرب يرتوى ويشبع، وكان يكل ويئن ويتعب ويحزن ويكتئب ويبكى ويضطرب، كان يبتهج ويفرح ويسر، وكانت له نهاية حياة اذ مات على الصليب ودفن فى القبر والأرتفاع، وكان كإنسان محدود فى المكان اذ كان ينتقل من مكان إلى آخر، وكان يسافر ساعات وأيام، وكان يبدو محدودأً فى القوة الجسدية ولم يقوى على حمل الصليب بل سقط به على الأرض، كما بدا أنه يجهل بعض الأمور مثل ساعة ويوم القيامة العامة. ويقول عنه الكتاب أنه "كان ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمه وكانت نعمة الله عليه"(1)، "وأما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس"(2).. الخ. فى حين أن الله يسمو على هذه الأمور اذ هو نور ولا يجوز عليه ما يجوز على البشر "الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذى وحده له عدم الموت ساكناً فى نور لا يدنى منه الذى لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذى له الكرامة والقدرة الأبدية"(3). والله كما قال المسيح نفسه، روح "الله روح"(4) فى حين أن المسيح قال عن نفسه لتلاميذه "جسونى وأنظروا فأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لى"(5). وكان المسيح مجرياً، كما يقول الكتاب، "بل مجرب مثلنا فى كل شىء بلا خطية"(6)، وقد جربه إبليس على الجبل(7). وبالأجمال كان المسيح مساوياً للبشر فى كل شىء ما عدا الخطية، وكان له كل ما للبشر من صفات وخواص، أو كما يقول الكتاب "من ثم كان ينبغى أن يشبه أخوته فى كل شىء"(8). ولكن المسيح، كما بينّا فى الفصول السابقة، هو كلمة الله الذى كان من الأزل بلا بداية مع الله وهو الله، والذى كان منذ الأزل بلا بداية فى شكل وطبيعة وجوهر الله والمساوى لله لأنه منه وفيه "أنا فى الآب والآب فىّ"(9)، أنا أعرفه لأنى منه"(10)، هو صورة الله غير المنظور، الصورة التى تعكس وتظهر الأصل، صورة طبق الأصل، أنعكاس مجد الله، بهاء مجد الله، فهو نور من نور، ورسم جوهره، ختم جوهره، الصورة الفعلية الدقيقة التى تعلن جوهره لأنه من طبيعة الله الآب وجوهره، الواحد مع الآب فى الطبيعة والجوهر، والمساوى للآب فى الطبيعة والجوهر، كلمة الله الذى هو الله، صورة الله مثل صورة الإنسان فى المرآة، الذى هو الله، الله ناطقاً، الله معلناً، الذى به كان شىء "كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان فيه كانت الحياة"(11)، فإنه فيه خلق الكل.. الكل به وله قد خلق. الذى هو قبل شىء وفيه يقوم الكل"(12)، حامل كل الأشياء بكلمة قدرته"(13)، "الذى من أجله الكل وبه الكل"(14)، فهو خالق الكون وحامله ومدبره ومحوره. وهو الأبدى الذى لا بداية له ولا نهاية. وبالأجمال فهو له كل ما للآب من أسماء وألقاب وصفات؛ فهو بهوه وإيل وإيلوهيم وإله والإله والله "كل ما للآب هو لى"(15)، أنا والآب واحد"(16)، قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن)"(17)، والذى خاطبه تلميذه توما بالروح القدس "ربى وإلهى"(18)، وقال عنه تلميذه بطرس "إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح"(19) وتلميذه يوحنا "هذا هو الإله الحق والحياة والحياة الأبدية"(20)، ورسوله بولس "إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح"(21)، وأشعياء النبى "الإله القدير الآب الأبدى"(22)، وداود النبى "قال الرب لربى"(23)، وميخا النبى "ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل"(24)، وقال هو عن نفسه "أنا الألف والياء البداية والنهاية. الأول والآخر"(25).

والسؤال الآن هو: كيف يكون للمسيح كل ما للإنسان وكل ما لله؟ كيف يكون هو الله وإنسان فى آن واحد؟ كيف يكون ابن الله هو نفسه ابن الإنسان؟ كيف يكون غير المحدود هو المحدود؟ وكيف يكون القدير هو الضعيف؟ كيف يكون الكامل هو نفسه الذى نما فى القوة والحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس؟

1- تجسد الكلمة "أبن الله" واحتجاب لاهوته:

عندما قال المسيح للجموع وهو يعلم فى كفر ناحوم(26): "لأنى قد نزلت من السماء... أنا هو الخبز الذى نزل من السماء"(27)، تذمر اليهود عليه "وقالوا أليس هذا هو بن يوسف الذى نحن عارفون بأبيه وأمه. فكيف يقول هذا أنى نزلت من السماء؟ فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم. لا يقدر أحد أن يقبل أن لم يجتذبه الآب الذى أرسلنى وأنا أقيمه فى اليوم الأخير... ليس أن أحداً رأى الآب إلا الذى من الله. هذا قد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم منم يؤمن بى فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة... هذا هو الخبز النازل من السماء.. أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء. أن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد.. والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياه العالم". فقال كثيرون من تلاميذه اذ سمعوا أن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه؟". "فعلم يسوع فى نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا فقال لهو أهذا يعثركم؟ فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً... الكلام الذى من أبى... قال له بطرس يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله (الحى)"(28).

حقاً هذا الكلام صعب ولا أحد يقدر أن يعرفه ويدركه ويؤمن به إلا بإعلان من الآب وأرشاد وتعليم الروح القدس. قال المسيح لبطرس عند أعترافه بأن يسوع هو "المسيح ابن الله الحى"، "أن لحماً ودماً لم يعلن لك ولكن أبى الذى فى السموات"(29)، وقال عن الروح القدس "وأما المعزى الروح القدس الذى يرسله الآب بأسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكر بكل ما قلته لكم"(30)، ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق. فهو يشهد لى"(31). وقال القديس بولس بالروح "لا يقدر أحد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس"(32).

نعم لا يقدر أحد أن يكشف لنا سر المسيح سوى أعلان الآب وتعليم وإرشاد الروح القدس. إعلان الآب بالروح القدس الذى يرسله الأبن من الآب. وقال وكتب تلاميذ المسيح ورسلخ بالروح القدس:

C "فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.. والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملؤ نعمة وحقاً... الله لم يره أح قط الإله (الأبن) الوحيد الذى هو (الكائن) فى حضن الآب هو خبّر"(33)، "أخبر عنه".

C "الذى اذ كان فى صورة الله (فى طبيعة الله) لم يحسب مساواته لله أختلاساً لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس. وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثو بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب"(34).

C "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً (صائراً – Genomenon) من مرأة مولوداً (صائراً – Genonmenon) تحت الناموس لتنال التبنى"(35).

C "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكة كُرز به بين الأمم أؤمن به فى العالم رفع فى المجد"(36).

C "الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمنين العظمة فى الأعالى"(37).

فإذا قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم أشترك هو أيضاً كذلك فيهما... من ثم كان ينبغى أن يشبه أخوته فى كل شىء... أنه فيما هو قد تألم مجرّباً يقدر أن يعين المجربين"(38).

هذه الآيات وغيرها تكشف لنا الآتى:

1- أن المسيح، الذى هو كلمة الله الذى كان مع الله، فى حضن الآب، الذى هو الله، صورة الله الذى من طبيعة الله وجوهره والواحد مع الآب، والمساوى له، بهاء مجده، أشعاع مجد الله وختم، رسم، جوهره، الصورة الدقيقة المعبرة لذات الله، لجوهره، معلناً، الله ناطقاً، نزل من السماء وظهر على الأرض كإنسان.

2- أنه نزل من السماء، ظهر على الأرضن ظهر بين الناس وللملائكة أيضاً فى الجسد، ظهر فى الجسد، صار جسداً، أتخذ صورة العبد، صار فى شبه الناس ووجد فى هيئة إنسان، وتواضع إلى أقصى حد، حتى الموت، الموت بالجسد. صار من امرأة، وولد من امرأة فى "ملء الزمان" أى فى الزمان المحدد من قبل الله منذ الأزل(39)، أتخذ كل ما للإنسان، أتخذ جسداً كاملاً (Sarx egeneto)(40)، "وساركس Sarx" هنا Flesh وتعنى جسداً كاملاً، كان له لحم ودم وعظام وروح ونفس(41). شابه الإنسان فى كل شىء، أتخذ الطبيعة الإنسانية الكاملة، بلا خطية.

كلمة الله وصورة الله المساوى لله والواحد مع الآب فى الجوهر حل بكل ملء لاهوته فى الجسد "لأنه فيه (الجسد) سر أن يحل كل الملء"(42)، فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً"(43). أتخذ جسداً كاملاً، مولوداً، صائراً، من احرأة، من مريم العذراء "القدوس المولود (منك)"(44). أعده بنفسه ولنفسه، يقول بالروح "هيأت لى جسداً"، "لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربان لم ترد ولكن لم ترد ولكن هيأت لى جسداً"(45). جاء إلى العالم بالجسد، فى الجسد، كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء فى الجسد فهو من الله"(46). جاء إلى العالم فى الجسد دون أن يفعل خطية "فالله اذ أرسل أبنه فى شبه جسد الخطية"(47)، "كان مجرباً مثلنا فى كل شىء بلا خطية"(48).

يقول الوحى الإلهى جاء "فى – en" ليعنى أنه جاء "فى"، حل "فى"، ظهر "فى"، جاء "فى" الجسد، ظهر "فى" الجسد، ولم يتحول أو يتغير أو يتبدل، فقد صار جسداً بمعنى أتخذ جسداً، كما يقول الرسول بالروح "أخذاً صورة عبد". أخلى نفسه لاهوته، حجب "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد"(49). أحتجب لاهوته فى ناسوته، أخفى لاهوته بحجاب وهذا الحجاب هو الجسد الذى أتخذه، وضع نفسه إلى درجة الموت كإنسان "أنه من أجلكم أفتقر وهو الغنى لكى تستغنوا أنتم بفقره"(50)، أو كما خاطب هو الآب مجدنى أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم"(51)، أخفى لاهوته، حجب لاهوته، أخلى نفسه أخذاً صورة عبد، وفى نفس الوقت أحتفظ بكل ماله من صفات اللاهوت وخصائصه وألقابه كإله لأنه لا يمكن أن يتغير.

ظهر على الأرض فى الجسد مثلما زظهر فى العهد القديم فى شكل مادى مؤقت، فقد مهد فى ظهوره الإلهى فى العهد القديم Theophany لتجسده الحقيقى بحلوله فى الجسد وأتخاذه صورة العهد فى "ملء الزمان". وذلك دون أن يتغير ا, يتبدل أو يتحول أو يحد، فهو بلاهوته مالىء الكل "اما املأ أنا السموات والأرض يقول الرب" أو كما يقول "لأنه حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون فى وسطهم"(52).

تجسد كلمة الله وأتخذ الطبيعة الإنسانية الكاملة وظل كما هو الإله القدير دون تغيير أو تبديل أو تحول، ودون أن يحد لا فى كلية الوجود ولا فى كلية القدرة ولا فى كلية العلم. كان كاملاً فى لاهوته وكان كاملاً أيضاً فى ناسوته، إنسانيته، لم يتحول من إله إلى إنسان ولم يتغير عن كونه الإله ولم يبتدل لأن هذا لا يجوز على طبيعة الله، اللاهوت، بل ظل كما هو كامل فى لاهوته كإله مساوى لله وواحد مع الآب فى الجوهر، له كل ما للآب ويعمل كل أعماله، الله ككلمة الله الخالق والعامل فى الكون، الذى كان عند الله وكان هو الله.

وكان كاملاً فى ناسوته إنسانيته، له كل ما للإنسان من خواص وصفات ويعمل أعمال الإنسان بلا خطية. ظهر فى الجسد، حل فى الجسد، أخذ جسداً، صورة الله أخذ صورة العبد، فعبارة "أخذاً (Labon) صورة عبد، لا تعنى التحول أو التغيير إلى، بل تعنى "أضافة" أى أن صورة الله الكائن فى طبيعته الله، الكائن فى حضن الآب من الأزل بلا بداية "أخذاً"، "أضاف" لذاته صورة العبد، حجب لاهوته فى هذه الصورة، أخفى لاهوته فى الجسد، حتى يقدر الناس أن يروه "الله لم يره أحد قط الأبن الوحيد الكائن فى حضن الآب أخبر عنه". أتخذ جسداً أخذاً صورة عبد، حجب لاهوته، حجب بهاء مجده، إشعاع مجد الله، نوره الخارج عنه وبعد أن كان غير مرئى صار مرئياً بالجسد وفى الجسد، رآه البشر ورأته الملائكة أيضاً "ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكته"، كلمنا الآب فيه "كلمنا فى أبنه الذى وهو بهاء وجده ورسم جوهره".

3- صورة الله أخذاً صورة العبد، متى حدث ذلك؟ يقول الكتاب فى "ملء الزمان"، فى الوقت المعين من قبل الله، ولكن كيف حدث ذلك؟ فهذا مالا يدركه عقل مخلوق، إنه سر المسيح، كما يقول الكتاب(53)، الذى لا يدركه إلا الآب والابن "وليس أحد يعرف الابن إلا الآب". أتخذ صورة العبد وطبيعته وخواصه وألقابه ودعى "ابن الإنسان" و "إنسان" ووضع نفسه إلى أقصى درجة ممكنة "وضع نفسه وأطاع حتى الموت"، "موت الصليب". وهذا يفسر لنا ما يبدو، ظاهرياً، أنه تناقض، يفسر لنا ما يتصوره البعض أنه دليل على أن المسيح لم يكن سوى بشر!! وأنه مجرد إنسان عادى مثل سائر البشر!! وأنه مجرد رسول ونبى مثل سائر الأنبياء والرسل صنع الله على يديه معجزات وعجائب، أو كما قال بطرس الرسول: "يسوع الناصرى رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيديه فى وسطكم وأنتم تعلمون"(54).

فالمسيح قال عن نفسه أنه "رب داود"(55) وأعظم من سليمان(56) وأعظم من يونان(57) و "قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن)"(58) و "أنا والآب واحد" وأكد على أنه إله والمساوى لله: وقال "أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر"(59)، و "أنا فى الآب والآب فى"(60)، "كل ما للآب هو لى"(61)، "مهما عمل ذلك (الآب) فهذا يعمله الأبن كذلك"(62) ومدح نثنائيل وبطرس ومرثا عندما أعترفوا بأنه المسيح أبن الله الحى(63)، وأكد أنه كائن مع الآب من الأزل بلا بداية "مجدنى أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبلكون العالم"(64)، وأكد مرات عديدة أنه نزل من السماء، كما أكد أنه الموجود فى السماء وعلى الأرض فى آن واحد(66). وقال عنه بطرس وفى نفس الخطاب الذى قال فيه "يسوع الناصرى رجل"، "واذ أرتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذى أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات وهو نفسه يقول: قال الرب لربى أجلس عن يمينى... أن الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً"(67)، وقال عنه أيضاً "هذا هو رب الكل"(68)، و "إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح"(69)، "ربنا ومخلصنا يسوع المسيح"(70)، وقال عن نفسه "بطرس عبد يسوع المسيح".

المسيح كإنسان جاء من نسل داود بالجسد" ولكنه فى ذاته الإله المبارك "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على اكل الإله المبارك إلى الأبد". ومن فقد تعب وجاع وعطش وكان ضعيفاً بالجسد كإنسان، ومات بالجسد "وقد صالحكم الآن فى جسم بشرته بالموت"(71)، "فأن المسيح تألم مرة واحدة... مماتا فى الجسد ولكى محيى فى الروح"(72)، "الذى فى أيام جسده اذ قدم بصراخ شديد ودموع وطلبات وتضرعات"(73). دعى من نسل إبراهيم بالجسد وهو الكائن الذى كان والذى يكون قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون، كائن، وجاء من ثمرة صلب داود وهو الكائن الذى على الكل الإله المبارك إلى الأبد. تعب وجاع وعطش وحزن وأنّ ومات بالجسد يموت. كان كاملاً فى لاهوته وكاملاً فى ناسوته. كان يتكلم كإله ويعمل كإله وفى نفس الوقت كان يتكلم كإنسان ويتصرف كإنسان، فهو الإله المتجسد، الكلمة الذى صار جسداً، أخذاً صورة عبد.

4- حجب لاهوته فى ناسوته، أخفى لاهوته فى ناسوته، فقد حجب وجوده الكلى كالموجود فى كل مكان بلاهوته، وبدا محدود فى المكان، فكان ينتقل من مكان إلى مكان، ويتكلم عن نفسه كالموجود فى مكان واحد معين بالجسد وغير الوجود فى غيره، كقوله "لعازر مات وأنا أفرح لأجلكم أنى لم أكن هناك لتؤمنوا. ولكن لنذهب إليه"(75)، فى حين يقول فى مواقف أخرى "لأنه حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمى أكون فى وسطهم"(76)، "وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر"(77)، "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء"(78)، "أنا فى أبى وأنتم فى وأنا فيكم"(79). أنه المحدود فى المكان بالجسد، بناسوته، والموجود فى كل مكان، كلى الوجود، بلاهوته.

حجب علمه باليوم والساعة "أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين فى السماء ولا الابن إلا الآب"(80)، كما كان ينمو فى الحكمة، كإنسان، بالجسد، وفى نفس الوقت يقول عنه الكتاب أنه "امذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم"(81) وأنه كان يعرف الجميع"(82) ويعرف خفايا القلوب والأفكار(83)، ماضى الإنسان وحاضره(84). وقال له تلاميذه "الآن نعلم أنك عالم بكل شىء ولست تحتاج أن يسألك أحد"(85). كان العليم والعالم بكل شىء كلى العلم بلاهوته ولكنه أخفى هذه المعرفة الكلية، حجبها بناسوته. كان يعلم بيوم وساعة الدينونة بلاهوته ولكنه أخفى هذه المعرفة بناسوته كإنسان.

حجب قدرته الكلية، كالقادر على كل شىء، وظهر كإنسان ضعيف فتعب وأستراح من تعبه وسقط بالصليب على الأرض، كان ضعيفاً كإنسان بناسوته، ولكنه فى نفس الوقت كان هو القادر على كل شىء، فكان له سلطان على الطبيعة، البحر والريح(86)، وعلى الأمراض(87)، وعلى الموت(88)، وعلى الأرواح الشريرة(89)، أو كما قال "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض"(90) و "مهما عمل ذلك (الآب) فهذا يعمله الأبن كذلك"(91).

كان يصلى لله كإنسان بالجسد، بناسوته، وكان هو المعبود كإله(92)، بلاهوته، المعبود من الملائكة(93)، ومن جميع المخلوقات التى فى السماء وعلى الأرض وتحت الأرض(94). ولأنه المعبود فقد قبل أن يسجد له تلاميذه ورسله(95)، وغيرهم(96).

2-من هو ابن الإنسان؟

سأل المسيح تلاميذه هذا السؤال "من يقول الناس أنى أنا ابن الإنسان؟ فقالوا. قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون أرميا أو واحد من الأنبياء". هذه هى أجابة البشر الذين يأخذون الأمور بحسب الظاهر، بعيداً عن روح الله. وهنا سأل المسيح عن مفهوم التلاميذ أنفسهم لأبن الإنسان: "قال لهم أنتم من تقولون أنى أنا؟ فأجاب سمعان بطرس أنت المسيح أبن الله الحى". فقال له السيد مادحاً "طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبى الذى فى السموات"(97).

إذاً ابن الإنسان "هو نفسه "ابن الله: وهذا الأعلان لم يعرفه بطرس من نفسه ولكن عرفه بإلان سماوى من الآب نفسه، كما أكد السيد نفسه، وكما أكد سابقاً بقوله "وليس أحد يعرف الأبن إلا الآب"(98). أنه الإله المتجسد، الكلمة المتجسد، الذى له كل صفات وخصائص اللاهوت وكل صفات وخصائص الناسوت. هو الكلمة الذى صار جسداً وصورة الله الذى أخذ صورة العبد. ولقب ابن الإنسان هو لقب الإله المتجسد الذى أعطاه لنفسه ولم يلقبه به غيره، كان هو اللقب الذى لقب به نفسه، وكان يفضله على غيره لأنه اللقب الذى يحجب اللاهوت فى الناسوت، يخفى لاهوته فى إنسانيته "أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع".

وقد يبدو للبعض أن هناك اللقب يدل على أن المسيح مجرد إنسان، بشر؛ فإبن الأنسان ماذا يكون "أن الم يكن آدمياً، إنساناً؟!، كما يقول البعض. ولكن الواقع غير ذلك تماماً لأن المسيح يشير بهذا اللقب إلى ما سبق أن تنبأ به عنه دانيال النبى "كنت أرى فى رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل أبنى إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض"(99). وهذا ما قاله لرئيس الكهنة عندما سأله أن كان هو "المسيح ابن الله الحى؟" "من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء"(100). فهو "ابن الإنسان" الذى له المجد والملكوت الذى لا ينقرض والسلطان الأبدى الذى لا يزول، والمعبود من جميع الشعوب والأمم والألسنة، هو الجالس فى يمين عرش الله، فى يمين القوة، والذى رآه القديس يوحنا فى رؤياه وأعلن له أنه "الأول والآخر" و "الحى إلى أبد الأبدين"(101) "الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر"(102). الآتى على السحاب "ثم نظرت واذا سحابه بيضاء وعلى السحابه جالس شبه ابن إنسان على رأسه أكليل من ذهب وفى يده منجل حاد"(103)، والجالس على العرش الأبيض العظيم، عرش الدينونة(104). والذى رآه أستفانوس لحظة أستشهاده قائماً عن يمين الله "ها أنظر السموات مفتوحة وأبن الإنسان قائماً عن يمين الله"(105).

أن لقب "ابن الإنسان" كما أستخدمه المسيح لم يعبر عن إنسانيته فحسب، بل عبر عن كونه الكلمة المتجسد، الإله المتجسد، الله الظاهر فى الجسد لذلك ربط به كثيراً من صفاته الإلهية؛ يقول فى مواضع كثيرة:

C "من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على أبن الإنسان"(106).

C "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء"(107).

C "لأنه كما أن الآب له حياه فى ذاته أعطى الإبن أيضاً أن تكون له حياه فى ذاته. وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه أبن الإنسان"(108).

C "فأن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً"(109).

C "متى رفعتم أبن الإنسان فحينئذ تفهمون أنى أنا هو"(110).

C "أن لإبن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا"(111).

C "أبن الإنسان هو رب السبت أيضاً"(112).

C "يرسل أبن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته.."(113).

C "فأن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله"(114). "ابن الإنسان آتياً فى ملكوته"(115).

C "متى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده"(116).

C "وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء... ويبصرون ابن الإنسان آتياً على يحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلى أقصاها"(117).

C "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع آمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعى الخراف عن الجداء... ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا إلى يا مباركى أبى رثو الملك المُعد لكم منذ تأسيس العالم"(118).

ابن الإنسان فى أقوال المسيح هذه هو رب الملائكة والنازل من السماء والعائد إلى السماء إلى حيث كان أولاً وهو فى السماء وعلى الأرض فى آن واحد، وهو الحى والذى له الحياة فى ذاته، والديان الجالس على عرش الدينونة الأبيض العظيم والذى يجازى كل واحد بحسب أعماله، وهو أيضاً "يهوه" "أنى أنا هو"، ورب الملكوت، ملك الملكون ورب السبت وغافر الخطايا، وهو رب العلم بلاهوته كإله، وفى نفس الوقت كان مجرباً مثلنا فى كل شىء بلا خطية(119). أنه كلمة الله الأزلى الذى صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً، صورة الله، الذى فى نفس طبيعة الله، اشعاع مجد الله والصورة المعبرة لجوهره، المساوى لله ولكنه أخلى نفسه، تنازل، تواضع وآخذ صورة العبد وصار فى شبه الناس ووجد فى الهيئة كإنسان، الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً(120) "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الإله المبارك إلى الأبد"(121)، "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أؤمن به فى العالم رُفع فى المجد"(122). لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكى تجثو بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب"(123).

 

 

(1) لو 40: 2.

(2) لو 52: 2.

(3) 1تى 15ك6،16.

(4) يو 24: 4.

(5) لو 39: 24.

(6) عب 15: 4.

(7) متى 10: 4.

(8) عب 17: 2.

(9) يو 10: 14.

(10) يو 29: 7.

(11) يو 3: 1،4.

(12) كو 16: 1،17.

(13) عب 3: 1.

(14) عب 10: 2.

(15) يو 15: 16.

(16) يو 30: 10.

(17) يو 58: 8.

(18) يو 28: 20.

(19) 2 بط 1: 1.

(20) 1يو 20: 5.

(21) تى 13: 2.

(22) اش 6: 9.

(23) مز 1: 110.

(24) ميخا 2: 5.

(25) رؤ 13: 22.

(26) يو 59: 6.

(27) يو 38: 6،41.

(28) يو 60: 6-69.

(29) متى 17: 16.

(30) يو 26: 14.

(31) يو 26: 15.

(32) 1كو 3: 12.

(33) يو 1: 1،2،14،18.

(34) فى 5: 2-11.

(35) غل 4: 4.

(36) 1تى 16: 3.

(37) عب 3: 1.

(38) عب 14: 2،17،18.

(39) اف 10: 1.

(40) لو 39: 24.

(41) مر 34: 14؛ لو 46: 23.

(42) كو 19: 1.

(43) كو 9: 2.

(44) لو 35: 1.

(45) عب 5: 10.

(46) 1يو 3: 4.

(47) رو 3: 8.

(48) عب 15: 4.

(49) عب 8: 13.

(50) 2كو 9: 8.

(51) يو 5: 17.

(52) متى 20: 18.

(53) اف 4: 3.

(54) أع 22: 2.

(55) متى 41: 22-43.

(56) لو 31: 11.

(57) متى 41: 12.

(58) يو 58: 8.

(59) رؤ 13: 22.

(60) يو 10: 14.

(61) يو 15: 16.

(62) يو 19: 5.

(63) متى 16: 16، يو 49: 1؛27: 11.

(64) يو 5: 17.

(66) يو 13: 3.

(67) أع 33: 2-36.

(68) أع 36: 10.

(69) 2بط 1: 1.

(70) 2بط 11: 1.

(71) كو 2: 1.

(72) 1بط 8: 3.

(73) عب 7: 5.

(75) يو 14: 11،15.

(76) متى 20: 18.

(77) متى 20: 28.

(78) يو 13: 3.

(79) يو 30: 16.

(80) مر 32: 3.

(81) كو 3: 2.

(82) يو 24: 2.

(83) يو 24: 2.

(84) يو 29: 4.

(85) يو 30: 16.

(86) متى 26: 28.

(87) متى 1: 8-4؛ لو 39: 4.

(88) لو 14: 7؛15؛54: 8،56؛ يو 4: 11.

(89) متى 16: 8،17؛ لو 35: 14.

(90) متى 18: 28.

(91) يو 19: 6.

(92) متى 9: 4،10.

(93) عب 16: 1.

(94) فى 10: 2.

(95) متى 9: 28.

(96) أنظر لو 5: 2؛ متى.

(97) متى 15: 16-17.

(98) متى 27: 11.

(99) دا 13: 7،14؛2: 2؛18: 9.

(100) متى 64: 26.

(101) رؤ 17: 1.

(102) رؤ 13: 22.

(103) رؤ 14: 14.

(104) رؤ 11: 20.

(105) أع 56: 7.

(106) يو 51: 1.

(107) يو 13: 3.

(108) يو 26: 5،27.

(109) يو 12: 6.

(110) يو 28: 8.

(111) مر 10: 2.

(112) متى 8: 11.

(113) متى 41: 13.

(114) متى 27: 16.

(115) متى 28: 16.

(116) متى 28: 19.

(117) متى 30: 24.

(118) متى 31: 25-34.

(119) عب 15: 4.

(120) كو 9: 2.

(121) رو 5: 9.

(122) 1تى 16: 3.

(123) فى 9: 2-11.

الصفحة الرئيسية