إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟

(سر التجسد الإلهي)

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 

الفهرس

المقدمة

الفصل الأول هل المسيح إله أم إنسان؟ هل هو ابن الله أم ابن مريم؟

الفصل الثاني كيف يولد الخالق من امرأة مخلوقه؟

الفصل الثالث كيف صار الكلمة جسدا؟

الفصل الرابع أباء الكنيسة وتعبير " صار جسدا

الفصل الخامس مسيح واحد أم اثنان؟

الفصل السادس ما معني اتحاد اللاهوت بالناسوت وكيف تم؟

الفصل السابع جسد المسيح من السماء أم من العذراء؟

الفصل الثامن جسد المسيح روحي أزلي أم مادي زمني؟ وما معنى عبارة "مولود غير مخلوق"؟

الفصل التاسع هل كان جسد المسيح حاملا للخطية أو قابلا لها؟

الفصل العاشر هل نعبد المخلوق أم الخالق؟

الفصل الحادي عشر لماذا ظهر الله في الجسد ولم ينزل ظاهرا بلا هوته؟

الفصل الثاني عشر من كان يحكم الكون عندما نزل المسيح من السماء؟

 

مقدمة الطبعة الأولى

إذا كان المسيح إلها فكيف تحبل به امرأة وتلده كسائر المخلوقات من التراب؟ سؤال يتردد في ذهن كل البشرية مهما كانت أفكارها وعقائدها في كل عصر من العصور منذ كان السيد المسيح نفسه علي الأرض. فالفكر البشري قاصر ومحدود ولا يمكنه أن يسع وأن يدرك غير المحدود ومن الصعب علي الفكر البشري أن يتخيل أن الخالق الأبدي الأزلي، غير المحدود بالزمان والمكان يحل في رحم امرأة وتلده كسائر البشر أو أن يكون له أما.

بل ومن الصعب علي الفكر البشري أيضا أن يدرك الله غير المحدود إذ من الصعب أن يدرك المحدود غير المحدود. ويتبع هذا السؤال أسئلة عديدة وهي:

- هل يمكن أن الله يولد من امرأة مخلوقة وهو الخالق؟

- كيف صار إنسانا وهل تحول الله عن جوهره إلى إنسان؟

- كيف يمكن أن يحل الله في رحم امرأة؟

- كيف يصير غير المحدود محدودا، وغير الزمني زمني، وغير المخلوق يولد من المخلوق؟

- من كان يدير الكون عندما كان في بطن العذراء؟ وكثيرا من الأسئلة.

وقد أردنا في هذا الكتاب أن نجيب علي هذه الأسئلة وغيرها من الكتاب المقدس ومن قوانين المجامع المسكونية ومن كتابات آباء الكنيسة التي أجابوا فيها علي هذه الأسئلة وغيرها في أيامهم. والكتاب المقدس وفكر الآباء غني بالإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها.

وفي هذه الطبعة الثانية أعدنا تنقيح الكتاب والأستفاضة في دراسة مواضيعه، بعد الأطلاع على الكثير من الكتب والمقالات سواء المنشورة في المكتبات أو في المواقع الكثيرة الموضوهة على شبكة الأنترنت، والتي تركز على جانب واحد في شخص الرب يسوع المسيح، الجانب الإنساني فقط، ولا تدرك حقيقة سر التجسد أو سر التقوى، كما يقول الكتاب المقدس " وبالاجماع عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم أومن به في العالم رفع في المجد " (1تي16: 3).

وفي النهاية نتمنى من الله الذي تجسد وظهر في الجسد أن ينير عقولنا وأفهامنا لنجيب علي هذا السؤال وما يتعلق به من أسئلة. راجين أن يستفيد القارئ من هذه الدراسة اللاهوتية التي فضلنا أن توضع علي هيئة سؤال وجواب ليسهل للقارئ متابعتها والاستفادة بها.

ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر لقداسة البابا شنودة الثالث الذي يشجعني دائماً على البحث والدراسة ونشر الكتب العقيدية واللاهوتية والتي تجيب على كل ما يتعلق بالعقيدة من أسئلة وأستفسارات بحسب المبدأ الكتابي القائل " مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة " (1بط15: 3). كما لا يفوتني أيضاً أن أتقدم بالشكر لنيافة الأنبا مرقس، أبي الروحي، أسقف أسقف شبرا الخيمة وتوابعها، والذي يتم البحث والنشر في هذه الدراسات تحت إشراف وتدعيم نيافته. راجيا من الله أن يديم لنا حياتهما سنين كثيرة بنعمة ربنا يسوع المسيح وبركة العذراء القديسة مريم وجميع الشهداء والابرا والقديسين.

القس عبد المسيح بسيط أبو الخير

 

مقدمة الطبعة الثانية

إذا كان المسيح إلها فكيف تحبل به امرأة وتلده كسائر المخلوقات من التراب؟ سؤال يتردد في ذهن كل البشرية مهما كانت أفكارها وعقائدها في كل عصر من العصور منذ كان السيد المسيح نفسه علي الأرض. فالفكر البشري قاصر ومحدود ولا يمكنه أن يسع وأن يدرك غير المحدود ومن الصعب علي الفكر البشري أن يتخيل أن الخالق الأبدي الأزلي، غير المحدود بالزمان والمكان يحل في رحم امرأة وتلده كسائر البشر أو أن يكون له أما.

بل ومن الصعب علي الفكر البشري أيضا أن يدرك الله غير المحدود إذ من الصعب أن يدرك المحدود غير المحدود. ويتبع هذا السؤال أسئلة عديدة وهي:

- هل يمكن أن الله يولد من امرأة مخلوقة وهو الخالق؟

- كيف صار إنسانا وهل تحول الله عن جوهره إلى إنسان؟

- كيف يمكن أن يحل الله في رحم امرأة؟

- كيف يصير غير المحدود محدودا، وغير الزمني زمني، وغير المخلوق يولد من المخلوق؟

- جسد المسيح روحي أزلي من السماء، أم مادي زمني من العذراء؟

- هل نعبد المخلوق أم الخالق؟

- لماذا ظهر الله في الجسد ولم ينزل ظاهرا بلا هوته؟

- من كان يدير الكون عندما كان في بطن العذراء؟ وكثيرا من الأسئلة.

وقد أردنا في هذا الكتاب أن نجيب علي هذه الأسئلة وغيرها من الكتاب المقدس ومن قوانين المجامع المسكونية ومن كتابات آباء الكنيسة التي أجابوا فيها علي هذه الأسئلة وغيرها في أيامهم. والكتاب المقدس وفكر الآباء غني بالإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها.

 

عيد رأس السنة القبطية

(عيد الشهداء - 1719ش)

11/سبتمبر/2002م

القس عبد المسيح بسيط أبو الخير

الفصل الأول

هل المسيح إله أم إنسان؟

هل هو ابن الله أم ابن مريم؟

 

يسأل البعض هذا السؤال الجوهري بالنسبة للمسيحية:

- هل المسيح إله أم إنسان؟

- هل هو ابن الله أم ابن الإنسان، أبن مريم؟ فعند القراءة الأولي للعهد الجديد يجد الإنسان نفسه أمام هذا السؤال وغيره من الأسئلة العديدة المرتبطة به:

- هل المسيح هو الله الخالق أم أنه مجرد إنسان مخلوق خُلق مثل آدم؟

- هل هو الله الكلي الوجود، الموجود في كل مكان وزمان، غير المحدود بالزمان أو المكان، الأبدي الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية، أم أنه المولود من في بيت لحم ومن العذراء في زمن معلوم ومكان محدد؟

- هل هو الله الواحد غير المولود الذي لا أب له ولا أم ولا نسب؟ أو أنه الإنسان الذي له ولد من أم وله سلسلة أنساب تصل إلى آدم؟

- هل هو الله الذي لا يجوع ولا يعطش ولا يأكل ولا يشرب ولا يتعب ولا ينام، أم أنه الإنسان الذي جاع وعطش وأكل وشرب وتعب واستراح ونام؟

- هل هو الله الحي الأبدي الذي لا يموت، أم أنه الإنسان الذي مات ودفن في القبر ثلاثة أيام؟

وكثيرا من الأسئلة التي سنذكرها في حينها.

 

س 1: هل المسيح هو الله وابن الله؟

& ج: نعم المسيح هو الله(1) وابن الله فقد نسب إليه الكتاب المقدس كل أسماء الله

وألقابه وصفاته وأعماله، ودعي اسمه يسوع (مت21: 1؛ لو31: 1) واصله العبري " يهوشاع " ومعناه الله المخلص أو الله يخلص (يهوه يخلص) كما دعي " عمانوئيل " في سفر اشعياء وإنجيل متي وتفسيره " الله معنا " (اش14: 7؛ مت23: 1) كما دعاه الكتاب " الله " أو " الإله ":

- " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3).

- " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9).

- " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28: 20).

- " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2).

- " ونحن في الحق وفي ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20: 5).

- " إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح " (تي13: 2).

- " ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك " (رو5: 9).

- " أما عن الابن يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " (عب8: 1).

- " أجاب توما وقال له (ليسوع المسيح) ربي والهي " (يو28: 20).

- " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم والي الأبد " (عب8: 13).

- " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان " (يه25).

- " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1).

وكانت أعماله هي أعمال الله: فهو خالق الكون ومدبره:

- " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " (يو1: 13).

- " الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل " (كو15: 116).

- " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب2: 13).

وصاحب السلطان علي الكون " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا13: 7،14).

وصفاته هي نفس صفات الله كالوجود الأزلي بلا حدود والأبدية، أي الأزلي الأبدي والوجود في كل مكان " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) والعلم بكل شئ " الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد لهذا نؤمن انك من الله خرجت " (يو30: 16)، والقدرة علي كل شئ " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1).

أما كون المسيح ابن الله ووصف الكتاب له بذلك باعتباره هو كلمة الله " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1) وعقل الله الناطق وصورة الله غير المنظور " المسيح الذي هو صورة الله " (2كو4: 4)، المساوي لله الآب " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله " (في6: 2)، " الذي هو صورة الله غير المنظور ... فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو15: 1)، وبهاء مجد الله الآب ورسم (صورة) جوهره " الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب3: 1)، والموجود دائما وأبدا في حضن الآب من الأزل وإلى الأبد، بلا بداية ولا نهاية " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خبر " (يو18: 1)، " لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك وأيضا أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا " (عب5: 1)، المولود من الآب وفي ذات الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق. من الآب " أنا اعرفه لأني منه وهو أرسلني " (29: 7)، وفي الآب " أنا في الآب والآب في ... صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " (يو10: 14،11)، وواحد مع الآب " أنا والآب واحد " (يو30: 10). وهذا ما يؤكده الكتاب أيضا في العشرات من آياته:

فقد وُصف ب " ابن الله الحي " ؛ " أنت هو المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16)، و " المسيح ابن الله " (مت63: 26)، وفي بدء الإنجيل للقديس مرقس يقول " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (مر1: 1)، والشياطين " كانت تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله " (لو41: 4). وأكد الرب يسوع المسيح للجموع أنه ابن الله الذي من ذات الله الآب والذي له كل صفات الله الآب والذي يعمل جميع أعمال الله الآب ؛ " فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله، فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك، لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالا اعظم من هذه لتتعجبوا انتم، لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء، لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله، الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة، الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون، لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان، لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيّآت إلى قيامة الدينونة " (يو18: 529).

 

س 2: هل المسيح ابن مريم أيضا؟

& نعم الرب يسوع المسيح هو ابن العذراء القديسة مريم، فقد كرر الكتاب المقدس في آيات كثيرة أن المسيح بالجسد حبل به وولد من العذراء القديسة مريم بالروح القدس، يقول الكتاب: " مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى المسيح " (مت16: 1)، " أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس " (مت18: 1)، وقال الملاك ل " يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس " (مت20: 1)، وقالت الجموع عنه " أليس هذا ابن النجار أليست أمه تدعى مريم " (مت55: 13)، وقال لها الملاك " وها آنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية، فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا؟ فأجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو31: 135)، كما ووصفت العذراء مريم ب أمه " وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا " (يو25: 19)، وأيضا ب " مريم أم يسوع " (أع14: 1)، كما وصفتها اليصابات بالروح القدس ب " أم ربي " ؛ " فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي " (لو43: 1).

 

س 3: إذا هل يولد الله أو يلد؟ هل هو مولود أو والد؟

& مبدئيا نقول أن الله فوق الحس أو الجنس، فالله بطبيعته وجوهره غير مولود أو والد، لم يلد ولم يولد، فالله نور " الله نور وليس فيه ظلمة البتة " (1يو5: 1)، " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية آمين " (1تي 16: 6)، والله روح " الله روح " (يو24: 4)، والله واحد، كائن في الكون وحده، ليس معه أو مثله أو شبيه به أحد ولا إله آخر معه ولا غيره ولا قبله أو بعده هو الأول والآخر وليس إله غيره ؛ " الرب هو الإله ليس آخر سواه " (تث35: 4)، " أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري " (اش6: 44)، " هل يوجد اله غيري " (اش8: 44)، أنا الرب وليس آخر لا اله سواي " (اش5: 45)، " وحدك الله وليس آخر ليس اله " (اش14: 45)، " إليس أنا الرب ولا اله آخر غيري اله ... ليس سواي " (21: 45)، " لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلي " (اش9: 46)، " ليس اله آخر إلا واحدا " (1كو4: 8)، " أني أنا هو قبلي لم يصور اله وبعدي لا يكون " (اش10: 43). فالله أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية. ولم يوجد أصلا بالتوالد إنما هو الموجود الذاتي، الموجود بذاته دون أن يوجده أحد لأنه هو موجد كل الخليقة، خالقها ومدبرها.

ولكنه موجود كامل في ذاته، فيه الحياة وفيه العقل، فهو موجود بذاته عاقل بعقله حي بروحه، وخاصية الوجود الذاتي في الذات الإلهية هي ما يسميها الله بالآب، وخاصية العقل في ذات الله يسميها بالكلمة: كلمة الله والذي هو أيضا صورة الله، فالله ناطق بكلمته، ويسميها أيضا بالابن، ابن الله، وخاصية الحياة في الذات الإلهية يسميها بالروح ؛ الروح القدس أو روح الله، روح الله القدوس. الله موجود بذاته، ناطق بكلمته أو عاقل بعقله، حي بروحه.

إذا فالله موجود بذاته، الآب، ناطق بكلمته، وكلمته، ابنه، موجود في ذاته، في حضنه " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر " (يو18: 1)، وروحه القدوس من ذاته وفي ذاته، منبثق عنه، خارج عنه " الروح القدس الذي من عند الآب ينبثق " (يو26: 15).

كلمة الله خارج من ذات الله وفي ذاته ومن ثم يسمى بالابن، خارج من ذاته أي مولود من ذاته وفي ذاته ولادة أبدية مثل ولادة النور من النور، كما نقول في قانون لأيمان " مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق ". وهذه الولادة فوق الحس والجنس، مولود من الآب وغير منفصل عنه، فهذه صفات الإله الواحد الكامل في ذاته. ولكن هذا غير ولادته من العذراء، أي تجسده في ملء الزمان.

 

س 4: إذا كان هو الله الأبدي الأزلي، الأزلي الأبدي، غير المحدود في الزمان والمكان فكيف تكون العذراء مريم هي أمه، وهي مخلوقة ولها بداية؟ كيف يكون للأزلي أم حادثة ومخلوقة؟

& نعم العذراء مريم هي أمه بحسب الناسوت (بالجسد) ولكنها دعيت بوالده الإله لأنها ولدت الإله المتجسد ودعتها اليصابات بالروح القدس " أم ربي " (لو43: 1). ولكن أمومة العذراء للمسيح وحبلها به وولادتها له لا يعني أنها اسبق منه في الوجود كإله أو أنها أصله ومصدره كإله، حاشا! فهو بلاهوته اصلها وخالقها فهو الأزلي الأبدي، الأزلي الأبدي، غير الزمني وغير المحدود بالزمن أو المكان، كقوله " أنا هو الألف والياء الأول والأخر " (رؤ11: 1)، " أنا هو الأول والأخر " (رؤ17: 1)، " أنا الألف والياء البداية والنهاية الأول والأخر " (رؤ13: 22). فهو الموجود دائما قبل العذراء بل وقبل الخلائق، فهو خالق كل شئ ؛ " في البدء كان الكلمة والكلمة كان هند الله وكان الكلمة الله ... كل شئ به كان (كون صار) وبغيره لم يكن شئ مما كان (كون). فيه كانت الحياة ... والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو1: 1،2،14)، " فأنه فيه (المسيح) خلق الكل ما في السموات وما علي الأرض ما يري سواء كان عروشا أم رياسات أم سيادات أم سلاطين الكل به وله قد خلق " (كو15: 1،16). فوالدته العذراء مريم مخلوقة بواسطته، فهو خالقها وأصلها.

 

س 5: إذا كيف يكون المولود سابقا لأمه؟ وإذا كان هو الله فكيف تكون له أما مخلوقة؟ علما بأن الله لا أم له ولا أهل فهو نفسه علة الوجود والذي يستمد منه كل شئ وجوده؟

& أن الحبل بالمسيح وميلاده من العذراء لكونه عجيبا وغريبا علي الأفهام صار آية الكون ودعاه الوحي آية" ولكن يعطيكم السيد نفسه آيه. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعوا اسمه عمانوئيل " (اش14: 7). نعم أن دخول الله في البشرية وولادته من عذراء هو آيه الآيات وتحار الأفكار والعقول في إدراكها، ولكن فكر الله يختلف عن فكر الإنسان " يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما ابعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لان من عرف فكر الرب أو صار له مشيرا " (رو33،34: 11).

والآية هنا هي في تجسد الله الأزلي الأبدي ؛ صائراً، مولوداً، من امرأة " عذراء " ودخوله في الزمان وهو غير الزمني وظهوره بحجم محدود بالأبعاد الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع) وهو الغير محدود علي الإطلاق. صارت العذراء مريم أمه مع أنه خالقها، صارت أما لمن أنشأها قال لها الملاك: " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلي يدعي " (لو31: 1)، " القدوس المولود منك يدعي ابن الله " (لو35: 1)، فالمولود من العذراء هو " يسوع يهوشاع يهوه المخلص الله المخلص " أنه " القدوس " القدوس الحق " (رؤ7: 3) " ابن العلي ابن الله "، " عمانوئيل الله معنا "، " الإله القدير الأب الأبدي " (اش6: 9).

نعم فالعذراء حبلت به وولدته مع أنه هو الله الأزلي الأبدي، غير المحدود، القدوس. كما دعي أيضا ب ابن داود ومع ذلك يؤكد المسيح أنه وأن كان ابنا لداود فهو رب داود وخالقه إذ يقول في سفر الرؤيا " أنا أصل وذرية داود " (رؤ16: 22). ونظرا لصعوبة ذلك علي الفهم البشري فقد عجز عن فهمه وإدراكه عظماء الدارسين اليهود في عصره (أيام تجسده) فقال لهم متسائلا:

- " ماذا تظنون في المسيح ابن من هو؟ قالوا ابن داود. وقال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فأن كان داود يدعوه بالروح ربا فكيف يكون ابنه؟ " (مت42: 2245)، وهنا عجز الكتبة والفريسيون عن الإجابة علي سؤاله!

أنه رب داود وخالقه ومع ذلك دعي ابنه!

كما دعي أيضا ابن يهوذا لأنه جاء من سبط يهوذا " فانه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا " (عب14: 7) ومع ذلك يقول الكتاب أنه " اصل يهوذا " (اش1: 11)، أنه من نسل يهوذا وفي نفس الوقت رب واصل يهوذا!

كما دعي أيضا ب ابن إبراهيم ومع ذلك قال هو نفسه لليهود: " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (أكون) " (يو58: 8)، أي قبل أن يوجد إبراهيم أنا موجود، أنا أكون دائما، أنا كائن من الأزل والي الأبد.

مما سبق يتضح أن المسيح هو ابن العذراء وخالقها وابن داود وربه وخالقه وابن يهوذا وأصله وابن إبراهيم مع أنه الكائن الأزلي الأبدي الدائم الوجود! وهذا يعود بنا للإجابة علي السؤال مرة أخري: كيف يكون المولود سابقا لأمه؟

فتقول أن المولود، هنا، سابقا لأمه لأنه هو ذاته خالقها، والله ليس في حاجة إلى الولادة من امرأة ولكن شاءت أرادته الإلهية لكي يظهر للبشرية أن يتجسد في ملء الزمان ويأخذ صورة الإنسان وأن يظهر لنا علي الأرض كإنسان، بالجسد أو في الجسد، ويصبح غير المرئي مرئيا وغير المنظور منظوراً وغير المدرك مدركا، كما يقول القديس يوحنا بالروح القدس ؛ " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده " (يو14: 1)، " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة فأن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الأب وأظهرت لنا " (1يو1: 13)، وأيضا يقول القديس بولس بالروح " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي 16: 3)، " الذي إذ كان في صورة الله ... أخلى نفسه أخذا صورة عبد " (في5: 2،6)، " ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة " (غل4: 4).

 

إذا فالمسيح هو الله وابن الله وهو أيضا ابن مريم بالجسد وابن داود وثمرة صلبه بالجسد " فإذ كان (داود) نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه " (أع30: 2)(2)، وابن إبراهيم ونسله الموعود (غل14: 3،16) ورب إبراهيم (يو58: 8)، فهو الإله المتجسد الذي يجمع في أقنومه وذاته اللاهوت والناسوت، فهو كلمة الله وحكمه الله وقوة الله، الله معنا، وهذه حقيقة لاهوته، وهو أيضا ابن الإنسان وهذه حقيقة ناسوته، أي أنه كإله فهو الله ذاته، كلمة الله، ابن الله، وكإنسان فهو ابن مريم.

 

س 6: هل ولدت العذراء إنساناً لأنها لا يمكن أن تلد الله؟ فالله، كما بينا، لا يولد مثل البشر فهو فوق المادة والحس والجنس!؟

& العذراء ولدت يسوع المسيح، ويسوع المسيح هو كلمة الله وهو نفسه ابن الإنسان، أنه الإله المتجسد، عمانوئيل، الله معنا، القدوس الحق " القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو35: 1)، " ابن العلي " (لو32: 1) وقد خاطبتها اليصابات بعد أن سجد الطفل الذي في بطنها لمن كان في بطن العذراء: " أم ربي " (لو43: 1)، فقد " ارتكض الجنين (يوحنا المعمدان) بابتهاج في " بطن اليصابات (لو44: 1) لربه وخالقه الحال في بطن العذراء ليتخذ لنفسه جسدا، وعلمت هذه الحقيقة اليصابات بالروح القدس فهتفت " من ابن لي أن تأتى أم ربي إلى ".

ولدت العذراء الإله المتجسد فهي لم تلد إنساناً عادياً لأن الملاك بشرها أنها ستحبل وتلد بالقدوس ولم تلد الله بلاهوته، لأن الله لا يلد ولا يولد ولا يتوالد وهو فوق الحس والجنس، أنه روح وواحد لا شبيه له ولا مثيل ولا اله غيره ليس له والد أو والده فهو الدائم الوجود وعله كل وجود. كما أنها لم تلد اثنين الهاً وإنساناً، إنسان ولد منها وإله مر بأحشائها، إنما ولدت الإله المتجسد الذي هو اله وفي نفس الوقت إنسان، أنها لم تلد اللاهوت ولكن اللاهوت هو الذي حل في أحشائها واتخذ لنفسه منها وفيها جسدا فولدت الناسوت المتحد باللاهوت، ولدت الناسوت متحدا باللاهوت، ولدت كلمة الله المتجسد.

 

قال قداسة البابا شنوده الثالث متسائلا:

" من الذي ولدته العذراء؟ هل ولدت إلها فقط؟ أم ولدت إنسانا فقط؟ ولدت إلها و إنسانا؟ أم ولدت الإله المتجسد؟ " وأجاب قداسته:

" من المستحيل أن تكون قد ولدت إلها فقط لأنها ولدت طفلا رآه الكل. ولا يمكن أن تكون ولدت إنسانا فقط، لأن هذه هرطقة نسطور. ثم ما معني قول الكتاب الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك. فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله (لو35: 1) وما معني أن ابنها يدعي عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت23: 1)؟ وما معني قول اشعياء النبي " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا، وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا لها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9)؟ إذا هو لم يكن مجرد إنسان، وإنما كان ابن الله وعمانوئيل وإلها قديرا والعذراء أيضا لم تلد إنسانا وإلها وإلا كان لها ابنان، الواحد منها اله، والآخر منها إنسان لم يبق إلا أنها ولدت الإله المتجسد "(3).

أنه ابن مريم وابن الله وكلمته، صورة الله، الله معنا. أنه اله وإنسان في أن واحد، شخص واحد مسيح واحد طبيعة واحدة من طبيعتين بغير اختلاط أو امتزاج أو تغيير أو استحالة أو انفصال، أو افتراق، أنه الإله المتجسد الذي هو اله بلاهوته وإنسان بناسوته. له خصائص وصفات اللاهوت وخصائص وصفات الناسوت مع أنه واحد مسيح واحد " يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2) الذي قال عنه يوحنا الرسول والإنجيلي " هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20: 5).

وهذا الإيمان هو ما آمنت به الكنيسة منذ نشأتها الأولى:

 

- قال القديس اغناطيوس الإنطاكي تلميذ بطرس الرسول:

" يوجد طبيب واحد هو في الوقت نفسه روح وجسد (اله وإنسان) مولود وغير مولود. الله صار جسدا، حياه حقيقية في الموت من مريم ومن الله "(4).

 

- وقال يوستينوس الشهيد (110165م):

" لقد صار المسيح إنسانا بواسطة العذراء ... أما مريم العذراء فأمنت وابتهجت عندما بشرها الملاك فالقدوس الذي يولد منها هو ابن الله " (5).

 

- وقال ايريناؤس (120 202م):

" إذا لم يكن المسيح اله حق وإنسان حق لأصبح خلاصنا مستحيل "(6)

فالمسيح باعتباره الإله المتجسد فقد جمع في شخصه الإلهي بين الإله والإنسان، اللاهوت والناسوت. فهو من حيث لاهوته واحد مع الأب في الجوهر ومع حيث ناسوته فهو شريك للإنسان، لنا في اللحم والدم (عب 14: 2)(7) وكل ما يتصل بنا. أنه اله من حيث لاهوته وإنسان من حيث ناسوته.

 

- جاء في ثاؤطوكية لأحد:

" الله الكلمة ... صار إنسانا بغير افتراق. واحد من اثنين. لاهوت قدوس بغير فساد مساو للآب، وناسوت طاهر بغير مباضعة مساو لنا في التدبير "(8).

 

- وجاء في ثاؤطوكية الثلاثاء:

" التي ولدت لنا الله الكلمة الذي صار إنسانا لأجلا خلاصنا. وبعد أن صار إنسانا هو الإله أيضا "(9).

 

- وجاء في ثاؤطوكية الخميس:

" هو اتحاد الاثنين: لاهوت وناسوت. ولهذا سجد له المجوس، ساكتين وناطقين بلاهوته "(10).

 

- وجاء في قانون الإيمان الاثناسيوسي:

" لأن الإيمان المستقيم هو أن نؤمن ونعترف بأن ربنا يسوع المسيح ابن الله، هو اله وإنسان معا ... هو اله مولود من جوهر الأب قبل العالمين. وهو إنسان مولود من جوهر أمه في العالم. هو اله تام، وهو إنسان تام ذو نفس ناطقة وجسد بشري "(11).

 

- وقال القديس اثناسيوس الرسولي:

" الكلمة نفسه الذي ولد من مريم فقد اتخذ منها جسدا وصار إنسانا، إذ هو بطبعه وجوهره كلمه الله، أما من جهة الجسد فهو إنسان من نسل داود ومن جسد مريم "(12).

 

- وقال القديس كيرلس الاسكندري عمود الدين البطريرك والعشرين (404 435): " وماذا يمكن أن يكون ذاك الذي ولد عن العذراء، إلا مثلنا في مظهره وطبيعته؟ لكن بالإضافة إلى أنه إنسان هو أيضا الإله الحقيقي "(13).

وقال أيضا: " نقر، حسب إقرار الكنيسة الجامعة، أن الله كاملا اتخذ الإنسان كاملا "(14).

 

- وقال ساويرس بن المقفع أسقف الاشمونين (ولد حوالي 915م):

" أن المسيح خالق ورازق، وحي، وعالم، من حيث هو اله ونقول " أن المسيح أكل وشرب وقتل ومات"، من حيث هو إنسان "(15).

نعم أنه إله من جهة لاهوته وهو أيضا إنسان من جهة ناسوته، الإله المتجسد الذي يجمع في شخصه اللاهوت والناسوت، خصائص وصفات اللاهوت وخصائص وصفات الناسوت، هو الأزلي الأبدي، وكإنسان دعي ابن مريم العذراء لكنه الإله المتجسد والمسيح الواحد والرب الواحد والطبيعة الواحدة المتحدة من طبيعتين بدون افتراق أو انفصال أو تحول أو تغيير أو امتزاج.

 

- إذا كان المسيح هو الله فكيف يحل في بطن العذراء في وسط الدم والنجاسة؟ ومن كان يدير الكون عندما كان في بطن العذراء؟!!

يسأل البعض هذا السؤال بدون وعي أو حتى مجرد التوقف لحظة للتفكير فيما يقولون، فقد بينا أن الله غير محدود لا بالمكان ولا الزمان، فهو، بلاهوته، يملأ الكل وموجود في كل مكان كقول الرب يسوع المسيح عن نفسه " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3)، كما قال عنه الكتاب أيضاً أنه " الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل " (أف10: 4). فالمسيح بلاهوته لا يحده مكان ولا زمان لذا قال لتلاميذه " حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم " (مت20: 18)، كما قال لهم عند صعوده إلى السماء " وها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر " (مت16: 28).

 

- وقال القديس أثناسيوس الرسولي:

" صار له كل ما للبشر كأنه واحد منهم مع أنه في نفس الوقت خالقهم ويملأ بلاهوته السماء والأرض "، وقال القديس كيرلس عامود الدين " ونحن لا نُعلم بأن الكلمة عندما تجسد وصار إنساناً كاملاً أصبح محدوداً. فهذا هو الغباء بعينه. إنما نحن نُعلم بأنه يملأ السموات والأرض وما تحت الأرض ".

ولأنه ماليء المسوات والأرض بلاهوته فقد كان في بطن العذراء متجسداً وكان في نفس الوقت موجوداً في كل مكان، في السماء وعلى الأرض، بلاهوته، كما أنه، بلاهوته، لا يمكن أن يتأثر لا بالدم أو أي سوائل أو بأي مادة مهما كانت مثل شعاع الشمس الذي لا يتأثر بمياه البحار أو أي سوائل ينعكس عليها.

 

---

(2) أقرأ كتابنا " هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر؟ ".

(2) أنظر (2صم12: 713؛مز11: 132؛رو3: 1؛2تي8: 2).

(3) طبيعة المسيح لقداسة البابا شنودة الثالث.

(4) أفسس 7

(5) Dial. With Try. 100.

(6) Ag. Her. b. 3.

(7) تاريخ الفكر المسيحي ج 1: 453.

(8) الأبصلمودية المقدسة.

(9) الأبصلمودبة.

(10) السابق.

(11) الفقرات 28 30.

(12) الرسالة إلى أبكتيكس: 13.

(13) تفسيره ليوحنا 7: 19.

(14) في سر التجسد لنيافة الأنبا أغريغوريوس 18.

(15) مصباح العقل، تحقيق الأب سمير خليل ص 61.

الفصل الثاني

كيف يولد الخالق من إمرأة مخلوقه؟

 

س 1: إذا كان المسيح هو الله وفي نفس الوقت هو ابن مريم، فكيف يولد الله وهو الذي لم يلد؟ وكيف يولد من امرأة مخلوقة وهو الخالق؟

& ج: نحن نؤمن أن الله ليس مولوداً ولا يلد ولا يتوالد، مثل البشر، ليس له ذريه كما أنه ليس له أب أو أم فهو الذي لا بداية له ولا نهاية، الموجود الدائم الوجود وعله كل وجود ولم يوجده أحد وإنما هو الموجود بذاته، الموجود دائما بلا بداية ولا نهاية إذ يقول هو عن نفسه (كما بينّا في الفصل السابق):

- " أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحي " (تث39: 32).

- " أكون الذي أكون " الكائن " (خر14: 3)، أي الكائن، الموجود دائما علة كل وجود.

- " أنا الأول وأنا الأخر ولا اله غيري " (اش6: 44).

والسيد المسيح باعتباره كلمة الله، الله ناطقا، " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1)، وصورة الله غير المنظور، هو الله " هذا هو الإله الحق والحيوة الأبدية " (1يو20: 5). وكلمة الله مولود من ذات الله بلا انفصال مثل ولادة الشعاع من النور والكلمة من العقل، مولود منذ الأزل " أنت ابني أنا اليوم ولدتك " (عب5: 1)، مولود بلا بداية ولا نهاية ولا خلق " مولود غير مخلوق "، فهو كلمة الله، وكلمة الله هو الله " وكان الكلمة (هو) الله "، " والكلمة هو الله " والله غير مولود وغير مخلوق ولا آب له ولا أم ولا نؤمن بتعدد آلهة بل نؤمن بإله واحد فقط بدون مشاركة من أي كائن آخر " الرب إلهنا رب واحد " (تث4: 6).

 

- والرب يسوع المسيح يقول ":

- " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي كان والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1).

- " أنا هو الألف والياء الأول والآخر " (رؤ11: 1).

- " أنا الألف والياء البداية والنهاية. الأول والأخر " (رؤ13: 22).

- " قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن) " (يو8: 58)، أي أنا أكون دائما، أنا الكائن دائما، في كل زمان، بلا بداية ولا نهاية.

- " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم والي الأبد " (عب7: 13). ولكن الله قادر علي كل شئ ولا يستحيل عليه شئ، والذي كُتب عنه ؛ " الله القادر على كل شيء " (تك3: 48)، " الإله القادر على كل شيء " (خر3: 6)، " الرب القادر على كل شيء " (2كو18: 6)، " قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شيء الذي كان و لكائن و لذي يأتي " (رؤ8: 4)، وأيضا " غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " (لو26: 18)، والذي عرف أول ما عرف عند الآباء الأول بالقدير أو القادر علي كل شئ " وأنا أظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب بأني الإله القادر علي كل شئ " (خر3: 6).

وقد شاءت أرادته الإلهية، منذ الأزل، أن يظهر للإنسان على هذه الأرض وفي هذا العالم بأن يتجسد ويظهر له عيانا، في الجسد، في مكان معين وزمان معين ومن ثم أختار أم معينه ليولد منها " في ملء الزمان "، يظهر علي الأرض كإنسان، فحل في بطن هذه الأم، العذراء مريم، واتخذ منها جسدا وظهر علي الأرض كإنسان، اتخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، وجد في هيئة إنسان، يقول الكتاب:

- " في البدء (منذ الأزل) كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله (الكلمة هو الله) كل شئ به كان (كون، صار، وجد) وبغيره لم يكن شئ مما كان ... فيه كانت الحياة ... والكلمة صار (اتخذ)(1) جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو1: 13،14).

- " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3).

- " الذي إذ كان (هو) في صوره الله لم يحسب مساواته لله اختلاسا لكنه أخلى نفسه (تنازل من علاه) أخذا صورة عبد صائر في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت " (في6: 5-8).

كلمة الله وصوره الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم (صورة) جوهره، الإله القدير، الله الكلمة، لما أراد أن يظهر علي الأرض، ولما جاء الوقت المحدد لذلك (ملء الزمان)، حل في بطن العذراء القديسة مريم واتخذ منها جسدا، اتخذ صورة العبد وصار علي الأرض في هيئة إنسان، ظهر في الجسد الكامل، اتخذ كل ما للإنسان حتى الموت، ولد من أم وهو الخالق الذي لم يخلقه أحد، ولد في الزمان وهو خالق الزمان، الأبدي الأزلي، ولد وهو الذي بطبيعته سلا يلد ولا يولد مثل سائر المخلوقات، نزل علي الأرض، نزل من السماء وظهر علي الأرض في هيئة إنسان وسار بين البشر وعاش بينهم ثلاث وثلاثين سنه وثلث!!

 

س 2: كيف يولد من العذراء في حين أنه نزل من السماء!؟؟ لو كان قد نزل من السماء فلا يمكن أن يكون ولد من امرأة، ولو كان قد ولد من امرأة فلا يمكن أن يكون من السماء!!

& ج: الكتاب واضع وصريح في أن المسيح قد نزل من السماء إذ يقول المسيح عن نفسه:

- "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) وكرر في تعبيرات عديدة أنه نزل من السماء حتى أن اليهود لما سمعوه يقول ؛ " لأني قد نزلت من السماء " قالوا " أليس هذا يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه: فكيف يقول هذا أنى نزلت من السماء " (يو42: 6).

- والقديس بولس يقول بالروح ؛ " وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضا إلى أقسام الأرض السفلي الذي نزل هو الذي صعد فوق جميع السموات لكي يملا الكل " (أف9: 4،10).

والكتاب أيضا واضح وصريح في أن المسيح قد ولد من العذراء مريم بالروح القدس، حل في أحشائها وأتخذ منها جسدا، إذ يقول:

- " ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس " (غل4: 4).

- " ها العذراء تحبل تلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " (اش14: 7) والذي تفسيره الله معنا " (مت23: 1).

- " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا ألها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9).

- وقال الملاك للعذراء " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع ... الروح القديس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله " (لو31: 1،35).

- وقال ليوسف النجار ؛ " لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع " (مت20: 1).

- وقالت اليصابات للعذراء ؛ " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك " (لو42: 1).

- ويقول القديس لوقا الإنجيلي ؛ " وبينما هما هناك (في بيت لحم) تمت أيامها لتلد فولدت ابنها البكر " (لو6: 2،7).

فالعذراء قد حبلت بالمسيح حقا وولدته حقا، فهو قد ولد منها وهو أيضا ثمرة بطنها.

 

س 3: هل كان ميلاده منها مجرد مرور أو عبور، حل فيها ومر من خلالها دون أن يأخذ منها شيئاً، كعبور الماء من القناة أو عبور السفن من القنوات؟

& ج: كلا وحاشا فقد كان ميلاده من العذراء ميلادا حقيقيا كاملا وليس مرورا. فقد حل فيها وأتخذ منها جسدا حقيقيا، كاملا، إنسانا كاملا، ومكث في أحشائها تسعة اشهر كجنين حتى ولدته عندما تمت أيامها. لقد كان هو ثمرة بطنها أي أن ناسوته، جسده، طبيعته الإنسانية، مكون من لحم ودم وعظام، وأيضا من روح ونفس وجسد، داخل أحشائها ومن أحشائها ذاتها فهو بالحق والحقيقة ثمرة بطنها " ولد منها ودعيت هي أمه " أم ربي " (لو43: 1)، بالرغم من أنه، هو، خالقها. نعم ولد من امرأة ولكن باتخاذه جسدا منها. فهو مع كونه الإله الأبدي الأزلي أتخذ منها جسدا، احتجب به وسكن فيه واتحد به فكان هو جسده:

" احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية ... لترعوا كنيسة الله التي اشتراها بدمه " (أع28: 20)، " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة " (1بط24: 2). وللتعبير عن هذه الحقيقة يستخدم القديس يوحنا تعبير ؛ " المسيح انه قد جاء في الجسد " (1يو2: 4-3)، و " المسيح آتيا في الجسد " (2يو7: 1).

" وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد " (1تي16: 3).

---

(1) بحسب الترجمة القبطية.

الفصل الثالث

كيف صار الكلمة جسدا؟

 

س 1: كيف صار الكلمة جسدا هل تحول اللاهوت إلى ناسوت وتغيرت الطبيعة الإلهية وتبدلت أو استحالت إلى طبيعة ناسوتية؟ فالكتاب يقول "والكلمة صار جسداً "ويقول عن امرأة لوط أنها نظرت وراءها " فصارت عمود ملح " (تك26: 19)، ويقول عن عصاه موسى " فصارت حية " (خر3: 4). وقد تحولت امرأة لوط فعلا من لحم ودم وعظام إلى كتلة من الملح وكذلك عصا موسى تحولت من عصاه يابسة جافة إلى حية تدب فيها حياة.

 

س 2: وهل تحول اللاهوت كذلك عن طبيعته إلى ناسوت فترة التجسد والوجود على الأرض؟

س 3: وهل توقف الله عن كونه إلهاً وتوقفت صفاته الإلهية كالقدرة الكلية، القدرة على كل شيء، والعلم الكلي، العلم بكل شيء، والمعرفة الكلية، معرفة كل شيء، والوجود الكلي، الوجود في كل مكان فيما بين الحمل والقيامة والصعود؟

 

س 4: وهل عاد إلى طبيعته الإلهية بكونه الله بعد الصعود؟

& ج: لا يمكن أن نشبه الله بالبشر فالله طبيعته إلهية غير مرئية أو محسوسة أو مدركه بالحواس، فهو روح " الله روح " (يو24: 4)، " وأما الرب فهو الروح " (2كو17: 3)، وهو نور " الله نور وليس فيه ظلمة البتة " (1يو5: 1)، " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه " (1تي 16: 6)، " أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " (يع17: 1)، ولا يمكن أن يُري " ملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده " (1تي17: 1)، أو يُحس أو يُدرك " القدير لا ندركه " (أي23: 37)، " هوذا الله عظيم ولا نعرفه وعدد سنيه لا يفحص " (أي26: 36)، " عجيبة هذه المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها " (مز6: 139)، " إلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي " (أي7: 11)، " عظيم هو الرب وحميد جدا وليس لعظمته استقصاء " (مز3: 145)، " ليس عن فهمه فحص " (اش28: 40)، " يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما ابعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، لان من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا، أو من سبق فأعطاه فيكافأ، لان منه وبه وله كل الأشياء " (رو33: 11-36). ولا أحد يعرف ماهية طبيعته سوي ذاته فقط ويعلنها بكلمته، الابن، صورة الله غير المنظور، والذي يقول ؛ " ليس أحد يعرف الابن إلا الأب. ولا أحد يعرف الأب إلا الابن ومن أراد الابن يعلن له " (مت27: 11).

والكتاب المقدس يعلن لنا، أيضا، أن الله لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل ولا يصير عن كونه إلى شئ آخر، فالله هو الله ولا يتغير:

- " أنا الرب لا أتغير " (ملا6: 3).

- " الله ليس عنده تغيير " (يع17: 1).

- " إلى الدهر سنوك (يا رب). من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقي وكلها كثوب تبلي. كرداء تغيرهن فتتغير وأنت هو وسنوك لن تنتهي " (مز24: 102-27).

كما أن الله لا مثيل له لنشبهه بالمخلوقات أو نمثله بها:

- " فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به " (اش18: 440).

- " بمن تشبهونني وتمثلونني لنتشابه " (اش5: 46).

- " ليس مثل الله " (تث26: 33).

- " أي اله عظيم مثل الله " (مز13: 77).

- " ليس مثلي في كل الأرض " (حز14: 14).

- " لا مثل لك يارب عظيم أنت " (ار6: 10).

 

س 5: ولكن ما الذي يمنع أن يكون المسيح قد تغير فعلا بالتجسد، بمعني أنه إذا كان الله غير متغير فما الدليل علي أن المسيح غير متغير أو متحول أو متبدل؟

& ج: المسيح باعتباره كلمة الله وعقله النطق وصورة الله وابن الله والإله القدير، الله الكلمة، فهو غير متغير أو متحول أو متبدل بطبيعة لاهوته:

- " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم والي الأبد " (عب7: 13).

أي أنه كما هو منذ الأزل والي الأبد هو هو لم ولن يتغير فهو الذي قال عن نفسه " أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والأخر ". (رؤ13: 22). وخاطبه القديس بولس باعتباره الله رب العرش الثابت والذي لا يفني ولا يتغير بنفس النصوص التي خاطب بها داود النبي الله في المزامير قائلاً:

- " وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ... وأنت يارب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقي وكلها كثوب تبلي وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك لن تفني " (عب7: 1-13). ويلاحظ، هنا، أن الروح القدس يقول عنه " هوهو ويخاطبه " أنت أنت " أي هو كما هو أنت كما أنت منذ الأزل والي الأبد بدون تغيير.

وقال هو أيضا عن نفسه ؛ " قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن) " (يو58: 8) قالها بصيغة المضارع (أكون) أي أنه يكون دائما بدون تغيير.

 

س 6: إلا يعتبر ميلاده من العذراء ونموه في الجسم والقوه والحكمة وأكله وشربه ... الخ، وهو، بلاهوته، الأبدي الأزلي والكامل والغير محدود والذي لا يأكل ولا يشرب نوعا من التغير؟

& ج: كلا فكل هذه من خصائص وصفات الطبيعة الإنسانية التي اتخذها، كإنسان بعد التجسد(1).

 

س 7: فما معني صار إذا. ألا تعني أنه صار من شئ إلى آخر أي تحول وتبدل؟

& ج: كلا. وسبق أن قلنا أن الله لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل. وقد وردت كلمة " صار " بمعاني مختلفة سواء في العهد القديم أو العهد الجديد. فقد جاءت في العهد القديم في الآيات التالية:

- " وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا " (تك22: 3).

- " أحمدك (يارب) لأنك استجبت لي صرت لي خلاصا " (مز21: 118).

- " صارت لي دموعي خبزا نهارا وليلا " (مز33: 42).

- " لأنه قال فكان. هو أمر فصار " (مز9: 33).

وفي هذه الآيات الأربع نجد أن معني كلمة " صار " لا يعني بالضرورة التحول أو التغيير ففي الآية الأولى لا يمكن أن يكون آدم قد " صار " مثل الله بمعني تحول إلى الألوهية وصار ألها؟‍! وفي الثانية لا يعني التحول وإنما يعني أنه أصبح (صار) مخلصا للمرنم عندما التجأ إليه، وفي الثالثة لا يعني المرنم أن دموعه " صارت " خبزا بمعني أنها تحولت إلى خبز يؤكل وإنما يعني أنه كان يبكي ليلا ونهارا، وفي الرابعة تعني " صار" حدوث الشيء وكينونته بعد أمر الله.

وقد وردت كلمة صار (εγένετο -egeneto) في العهد الجديد من الفعل (γίνομαι - ginomai) والذي ترجم بمعنى " يصير أو يكون " وأيضا " يحدث، يجري، يحصل، يتفق يعرض، يكون، يتكون،يجعل، يصنع، مولود ...الخ "، ونكتفي هنا بذكر بعض الأمثلة التي تخص شخص السيد المسيح فقط:

- " الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار (εγένήθη - egenethy) رأس الزاوية " (مت42: 21).

- " ما هذه الحكمة إلى أعطيت له حتى تجري (γινόμεναι - genomenai) علي يديه قوات مثل هذه " (مر2: 6).

- " وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة (γενομένοις - genomenois) منه " (لو17: 13).

- " كل شئ به كان (εγένετο - egeneto) وبغيره لم يكن شئ مما كان " (يو3: 1).

- " كان في العالم وكون العالم به (εγένετο - egeneto) " (يو10: 1).

- " قبل أن يكون (γενέσθαι - genesthai) إبراهيم أنا أكون " (يو58: 8).

- " ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً (γενόμενον - genomenon) من امرأة مولودا تحت الناموس " (غل4: 4).

- " لكنه أخلي نفسه اخذاً صورة عبد صائرا (γενόμενος- genomenos) في شبه الناس " (في7: 2).

- " صائرا (γενόμενος- genomenos) اعظم من الملائكة بمقدار ما روث اسما افضل منهم " (عب4: 1).

- " دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرا (γενόμενος- genomenos) علي رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد " (عب20: 6).

وفي هذه الآيات العشر لا تعني أية منها التحول أو التغيير وقد ترجمت بمعاني عديدة: " صار " " تجري "، " كان "، " كون "، " يكون "، مولود "، وفي جميع الآيات التي ترجمت فيها بمعني " صار " لا تعني التحول أو التغيير مطلقا وإنما تعني الأولى الحصول علي الرتبة الأولى (المقدمة)، رأس، أي الحجر الأساسي في البناء والسابعة تعني " الولادة من امرأة " ليس بالتحول أو التغيير وإنما باتخاذ جسدا من امرأة والدخول تحت حكم الناموس كإنسان. والثامنة تعني أنه اخذ صورة عبد بظهوره في شبه الناس بالجسد الذي اتخذه وليس بالتحول إلى شبه الناس فالرسول بولس يقول بالروح عن الرب يسوع المسيح ؛ " الله الذي أرسل ابنه في شبه جسد الخطية " (رو3: 8). لاحظ (εν -in) في شبه جسد وليس متحولا إلى جسد وإنما " في " وكذلك القديس يوحنا يقول ؛ " كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله " (يو2: 4). هنا أيضا يقول أنه جاء " في الجسد وليس بالتحول أو التغيير إلى الجسد. " والقديس بولس يقول بالروح أيضا " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (εν -in) ظهور في الجسد وليس تحّول أو تبّدل أو تغيّر إلى جسد، لم يقل أنه ظهر جسدا وإنما ظهر " في - εν - in " الجسد.

وهذا أيضا ما يعنيه الكتاب بالروح القدس بقوله ؛ " والكلمة صار جسدا " أنه لا يعني التحول أو التغير ولكن يعني الاتخاذ كقول الكتاب بالروح ؛ " فأنه لم يتخذ الملائكة قط بل إنما اتخذ نسل إبراهيم " (عب16: 2). أو كما جاء في كتاب Reference chain Thompson " أنه لم يتخذ له (on him) طبيعه الملائكة وإنما اخذ له (on him) نسل إبراهيم " (عب16: 2).

أنه اتخذ جسدا أعده بنفسه من وفي أحشاء العذراء مريم كما قال لها الملاك ؛ " القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو35: 1)، وهو ثمرة بطنها كما قالت لها اليصابات بالروح القدس " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك " (لو42: 1). وداخل أحشائها كما يقول الكتاب بالروح ؛ " هيأت لي جسدا " لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربان لم ترد ولكن هيأت لي جسدا ... لا فعل مشيئتك يا الله " (عب5: 10).

أعد لنفسه جسدا وهيأه داخل رحم العذراء مريم وحل فيه بملء لاهوته منذ اللحظة الأولى لبداية تكونه من أحشاء العذراء وداخل بطنها، ولم يوجد هذا الجسد، الطبيعة الإنسانية الكاملة، بدون اللاهوت لحظة واحدة ولا طرفة عين، بل وجد متحداً باللاهوت ؛

- " لأنه فيه (جسده) سر أن يحل كل الملء" (كو19: 1).

- " قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت " (كو21: 1،22).

- " فأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2).

لقد اتخذ جسدا، هيأه وأعده لنفسه وحل فيه واتحد به منذ اللحظة الأولى لبدايته في بطن العذراء وصار جسده، جسد الكلمة، جسد الله، الإله المتجسد، عمانوئيل الله معنا.

 

س 8: إذا كان الله الكلمة قد اتخذ جسدا بمعني أعده وحل فيه وهو متحدا به فلماذا لم يقل والكلمة اتحد بجسدٍ وهيأ لنفسه جسدٍ واتحد به أو ما شابه ذلك؟

&ج: لقد أكد الكتاب في مواضع عديدة، كما سنبين، أنه هناك تمييز ما بين الكلمة " الله " وبين الجسد الذي اتخذه من حيث الطبيعة، طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت كقوله: " الله حلف له (داود) بقسم أنه من ثمره صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس علي كرسيه " (أع30: 2).

- " أبنه (ابن الله) الذي صار من نسل داود من جهة الجسد " (رو3: 1).

- " منهم (اليهود) المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك " (رو5: 9).

- " وقد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت " (كو22: 1).

- " الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات " (عب7: 5).

- " فأن المسيح تألم مره واحدة ... مماتا في الجسد ولكن محي في الروح " (1بط18: 3).

وفي هذه الآيات يبين لنا الكتاب بالروح أن ناسوت (جسد) المسيح، طبيعته الإنسانية، مأخوذ من صلب إبراهيم وداود، من نسل إبراهيم ونسل داود " من ثمرة صلبه "، " من نسل داود حسب الجسد "، " منهم (نسل إبراهيم) " المسيح حسب الجسد " كما أنه تألم في جسده، في جسم بشريته وكذلك مات بالجسد.

ولم يقل الكتاب " اتحد بجسد " بدلا من " صار جسدا " لئلا يفهم أنه كان هناك " جسد " ثم اتحد به، أو أنه حل علي إنسان كان موجوداً سابقاً للحلول والاتحاد ثم حل عليه واتحد به. ولكنه قال " صار جسدا " بمعني أنه حل في بطن العذراء بلاهوته أولا قبل أن يوجد " الجسد " واتخذ منها جسدا واتحد به منذ اللحظة الأولى لحلوله وبداية الجسد ونما متحدا (متجسدا) باللاهوت.

 

س 9: هل كان اللاهوت موجوداً أولا وكان هناك وقت لم يكن فيه الناسوت؟

& ج: نعم اللاهوت أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية، ولكن الناسوت لم يوجد قبل بداية تكونه من وفي أحشاء العذراء مريم برغم من أنه ناسوت الإله المتجسد.

 

س 10: هل أعد اللاهوت الناسوت ثم حل فيه؟ أو هل وجد الناسوت لفترة ثم حل فيه العذراء القديسة مريم؟

& ج: حاشا وكلا: لم يوجد الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين بدون اللاهوت أو بعيدا عنه وإنما وجد ونما متحداً باللاهوت. كما نما الناسوت وهو جسد كلمة الله ووجد وهو متحد باللاهوت. لقد كان هو الإله المتجسد ولم يوجد لحظة واحدة ولا طرفة عين دون اللاهوت وإنما كان منذ اللحظة الأولى هو الإله المتجسد، منذ البدء هو عمانوئيل، القدوس، رب العالمين. فبعد بشارة الملاك للعذراء مباشرة يقول الكتاب " فقامت مريم في تلك الأيام " (لو39: 1)، ذهبت مريم إلى اليصابات بعد حبلها بيوحنا المعمدان بسته اشهر وكانت العذراء حامل بالجنين الإلهي في لحظاتها الأولي، وبمجرد دخولها على اليصابات " أرتكض الجنين (يوحنا المعمدان) في بطن أمه للإله المتجسد الذي في بطن العذراء والتي لم تتعد بشارة الملاك لها بالحبل بعمانوئيل، القدوس أبن الله، سوي أيام تعد علي أصابع اليد. وقال عنه المعمدان أيضا:

- " الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان (اقدم مني) قبلي ومن ملئه نحن جميعا أخذنا " (يو15: 1،16).

---

(1) أنظر كتابنا " هل المسيح إله أم هو إنسان مثل آدم خُلق من تراب؟ ".

الفصل الرابع

أباء الكنيسة: وتعبير "صار جسدا"

 

منذ فجر المسيحية والكنيسة تؤكد عدم التحول أو التغير في ذات الله وأن الرب يسوع المسيح هو الإله المتجسد، الله الظاهر في الجسد، عمانوئيل، الإله القدير، الأزلي الأبدي، المولود من نسل إبراهيم وأسحق ويعقوب وداود بحسب الجسد مع أنه الكائن على الكل الله المبارك إلى الأبد (رو5: 9)، وأنه ظهر في الجسد باتخاذه جسداً من لحم ودم وعظام وروح ونفس في أحشاء القديسة مريم العذراء. وهذا ما سجله كل من القديس لوقا والقديس متى بالتفصيل بالروح القدس في الإنجيل (مت1،2؛لو1،2)، وما أكده، أيضا، كل من القديس مرقس والقديس يوحنا بإعلانهما بالروح القدس أمومة العذراء القديسة مريم له، سواء في تعاملها معه وتعامله معها (يو2؛ مر31: 3؛3: 6)، أو عند الصليب (يو25: 1927)، وهذا أيضا ما سجله بقية الرسل في رسائلهم بالروح القدس ؛ فالقديس يوحنا يقول بالروح القدس " والكلمة صار جسدا " (يو14: 1)، ويقول أيضا أنه " جاء في الجسد " (1يو2: 4) و" آتيا في الجسد " (2يو7). والقديس بولس الرسول أكد مرات عديدة حقيقة تجسد الرب باتخاذه جسدا كقوله " ومنهم المسيح حسب الجسد " (رو5: 9) و" الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3).

وكذلك القديس بطرس بقوله بالروح: " فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد " (1بط1: 4) و " سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيمانا ثمينا مساويا لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح " (2بط1: 1)، فهو، هنا، يعلن أنه إلهنا ومخلصنا " وعند الحديث عن آلامه يبين أنه " تألم بالجسد " كما قال أيضا " مماتا في الجسد " (1بط18: 3).

وقد تعلم أباء الكنيسة، من تلاميذ رسل الرب يسوع المسيح وخلفائهم، الذين تعلموا علي أيدي الرسل، بما استلموه من الرسل أنفسهم، سواء المدون في العهد الجديد مع شهادة العهد القديم أو ما تسلموه شفاهه ونادوا به في كل مكان. وهذه شهادتهم وتعليمهم في القرون الأولى للمسيحية:

- قال القديس أعناطيوس الإنطاكي تلميذ القديس بطرس الرسول:

" المسيح يسوع الذي من نسل داود (بالجسد) (رو3: 1) والمولود من مريم: الذي ولد حقا وأكل حقا... " (ترالس: 9).

ثم يقول أنه " يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه روح وجسد (إي إله وإنسان)، مولود وغير مولود. الله صار جسدا، حياة حقيقية في الموت (أي التجسد) من مريم ومن الله، كان قابلاً للألم وهو الآن غير قابل للألم. يسوع المسيح ربنا " (أفسس2: 7).

وأيضا " إيمان واحد بيسوع المسيح الذي من نسل داود بحسب الجسد ؛ ابن الإنسان وابن الله " (أفسس 2: 20).

ثم قال بأكثر وضوح: " نؤمن هكذا أنه اخذ إنسانا كاملا من مريم العذراء والده الإله ومن الروح القدس " ودعاه جسده " الجسد الذي بناه الله من جسم ودم العذراء " (لاهوت).

" المسيح الذي هو حقيقة من نسل داود بالجسد (رو3: 1) وابن بمشيئة وقوة الله، وولد حقا من مريم العذراء وأعتمد من يوحنا المعمدان لتتم به كل عدالة.

 

- وقال القديس بوليكاريوس تلميذ القديس يوحنا الرسول:

" كل من لا يعترف بأن يسوع المسيح قد جاء في الجسد هو ضد المسيح "(1).

وهو هنا يستخدم نفس تعبير القديس (1يو2: 4) يوحنا لأنه تلميذه.

 

- وقال ارستيدس الاثيني (حوالي 140م):

" يرجع إيمان المسيحيين إلى الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء بالروح القدس لخلاص البشرية وهو ابن الله العلي وقد وولد من عذراء قديسة بدون زرع بشر وأتخذ جسدا بغير فساد " (2).

 

- وقال ميليتو أسقف ساردس (حوالي 171م):

" تبرهن أعمال المسيح بعد معموديته أن روحه وجسده، طبيعته الإنسانية، كانا مثل طبيعتنا ... وتوضح أعماله بعد معموديته، خاصة معجزاته، للعالم بكل تأكيد اللاهوت المحتجب في جسده، ولكونه الله ولكونه أيضا إنساناً تاماً (كامل في ناسوته) فقد قدم إيضاحاً إيجابياً لطبيعته (حرفيا طبيعتيه ؛ اللاهوت والناسوت): أوضح لاهوته عن طريق معجزاته التي صنعها في السنوات الثلاث التالية لمعموديته، التي أتممها لكونه في الجسد، فقد حجب لاهوته بالرغم من أنه الإله الحقيقي الموجود قبل كل الدهور "(3).

 

- وقال ايريناؤس أسقف ليون وخليفة تلاميذ الرسل:

" لكي يجدد الإنسان في نفسه، صار غير المرئي مرئياً وغير المدرك صار مدركاً والغير المتألم صار خاضعاً للألم. الكلمة صار إنساناً ليجدد كل شيء في ذاته "(4).

" وعندما جاء المسيح إلى عالمنا لخلاصنا أخذ جسدا حقيقيا كأجسادنا لأن الرسول يقول الكلمة صار جسدا "(5).

 

- وقال اطيفوس تلميذ الرسل وبطريرك القسطنطينية علي الميلاد:

" كلمة الله أتضع وهو غير المتضع في جوهره، أتضع بإرادته ولبس صورة العبد، الذي بلا جسد لبس جسدا من أجلك أيها الإنسان. الكلمة الذي تجسد، غير الملموس بجوهر لاهوته لُمس من أجلك أيها الإنسان الذي ليس له ابتداء بلاهوته لبس جسدا. الغير متغير تجسد بالجسد المتغير " (اعتراف الآباء).

 

- وقال ترتليان (حوالي 155م):

" نزل بهاء مجد الله (عب1: 3)، كما سبق أن تنبأ الأنبياء في القديم، إلى عذراء وكون جسدا في رحمها، وولد متحداً كإله وإنسان، تشكل الجسد بالروح القدس، تغذى ونما إلى الرجولة، تحدث وعلم وعمل، هذا هو المسيح "(6).

" دعي الكلمة ابنه (ابن الله) وظهر في أوقات مختلفة للبطاركة باسم الله، وكان الأنبياء يسمعونه دائما، وأخيرا نزل من الروح القدس وبقوة الله الآب إلى مريم العذراء وصار جسدا في أحشائها، وولد منها "(7).

 

- قال اكليمندس الإسكندري (150 215م).

" بعملية التجسد اصبح الابن منظورا ومدركا في حيز الأشياء التي نراها وندركها بحواسنا "(8).

 

- قال يوستينوس الشهيد (ولد حوالي 100م):

" الكلمة (logos λόγος)، هو نفسه أتخذ شكلا وصار إنسانا ودعي يسوع المسيح "(9).

" أنه كان موجودا سابقا كابن خالق كل شيء، لكونه الله، وأنه وُلد كإنسان بواسطة العذراء ... كان موجودا سابقا وخضع لمشيئة الآب ليولد كإنسان مثلنا "(10).

" لقد صار المسيح إنسانا بواسطة العذراء ليزهق العصيان الذي أنبثق عن الحية بالطريقة نفسها "(11).

 

- قال اوريجانوس (185 253م):

" يسوع المسيح نفسه الذي جاء (إلى العالم) ... جرد نفسه (من مجده) وصار إنسانا وتجسد برغم من أنه الله وبينما صار إنسانا بقي كما هو إله، لقد اتخذ جسدا مثل أجسادنا ... ولد من العذراء ومن الروح القدس "(12).

 

- وقال العلامة هيبوليتوس (استشهد عام 235م) في تفسير أمثال 9: 1 " الحكمة بنت بيتها ":

" أنه يقصد أن المسيح حكمه الله الأب وقوته (1كو24: 1) بني بيته أي طبيعته الجسدية التي اتخذها من العذراء كما قال (يوحنا) من قبل " والكلمة صار جسدا وحل بيننا " ثم قال في تفسير " مزجت خمرها " " أن المخلص وحد لاهوته، مثل الخمر النقي، مع الجسد في العذراء وولد منها إله وإنسان في أن واحد "(13).

 

- وقال القديس اثناسيوس الرسولي (296 373م):

" لكنه اخذ جسدا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل من عذراء طاهرة بلا لوم ... لأنه وهو القادر علي كل شئ وبارئ كل شئ أعد الجسد في العذراء كهيكل له، وجعله جسده بالذات، واتخذه أداة له وفيه أعلن ذاته، وفيه حل "(14).

" صار" تخص الجسد، وفعلا " صار" الجسد خاصا بالكلمة وليس خاصا بإنسان، فالله تأنس، ولذلك قيل أنه " صار جسدا " حتى لا يخطئ أحد في فهم حقيقة التجسد، ويغفل اسم الجسد " ... هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي صار جسدا خاصا به وفيه حل "(15).

وقال أيضاً: " التعبير: " صار جسدا "، يبدو كأنه متوازي مع ما قيل عنه " جُعل خطية، ولعنة " (2كو21: 15)، ليس لأن الرب تحول إلى ذلك لأنه كيف هذا؟ بل لأنه قبل هذا عندما اخذ إثمنا وتحمل ضعفنا (اش4: 53) "*.

 

- وقال القديس كيرلس الإسكندري متسائلا " كيف تفسر " الكلمة صار جسدا؟ ":

ثم أجاب قائلا: " يبشرنا بولس الحكيم جدا ووكيل أسراره وكاهن الإنجيل " فليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح يسوع أيضا الذي إذ كان في صورة الله صار في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان تواضع وأطاع حتى الموت موت الصليب " (في5: 27).

" فالكلمة الابن الوحيد الإله الذي ولد من الله الأب الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره (عب3: 1) هو الذي صار جسدا، دون أن يتحول إلى جسد، أي بلا امتزاج أو اختلاط أو أي شئ آخر من هذا القبيل بل " أخلي ذاته " وجاء إلى فقرنا، ومن اجل الفرح الموضوع أمامه، استهان بالعار (عب2: 12) دون أن يحتقر فقر الطبيعة الإنسانية لأنه أراد كإله أن يخلص الإنسان الخاضع للموت والخطية وأن يعيده إلى ما كان عليه في البدء، فجعل جسد البشر جسده ونفس إنسانية عاقلة ... فولد كإنسان بطريقة إعجازية من امرأة، لأنه لم يكن ممكنا بأمره أن نري الله علي الأرض في شكله غير المنظور لأن الله لا يري فهو غير مرئي، وطبيعته غير محسوسة، لكن حسن في عينيه أن يتجسد وأن يظهر في ذاته كيف يمكن أن تتمجد طبيعتنا بكل أمجاد اللاهوت، لأنه هو نفسه إله، وإنسان " في شبه الناس " ولأنه أصلا إله قيل عنه أنه " صار في شبه الناس ". فالله الذي ظهر في شكلنا وصار في صورة العبد، هو الرب وهذا ما نعنيه بأنه صار جسدا ولذلك نؤكد أن العذراء القديسة هي والدة الله "(16).

وقال في تفسيره ليوحنا 1: " والكلمة صار جسدا ": " الآن يعلن الإنجيلي التجسد بشكل علني، فهو يؤكد أن الابن الوحيد جاء، ودعي ابن الإنسان. ولهذا السبب بالذات وليس لأجل أي شيء آخر يقول " الكلمة صار جسدا " ومعنى هذه الكلمات لا يزيد عن قوله " الكلمة صار إنسانا "، وتعبير الإنجيلي " الكلمة صار جسدا " ليس غريبا ولا بعيدا عن استعمال الأسفار الإلهية لأنها غالبا ما تسمي الإنسان كله " جسد " كما جاء في النبي يوئيل " سأسكب من روحي على كل جسد " (يوئيل28: 2) ... ولم يقل الإنجيلي أن الكلمة جاء إلى الجسد مثلما فعل في القديم عندما جاء إلى الأنبياء والقديسين، واشتركوا فيه وإنما ما يعنيه الإنجيلي، أنه صار جسدا، أي صار إنسانا ولكنه هو الله بالطبيعة وهو في الجسد، وجعله جسده دون أن يفقد لاهوته. فهذا هو اعتقادنا لأننا نعبده وهو في الجسد ...وحتى لا يتصور أحد بجهل أنه تخلى عن طبيعته، وتحول إلى جسد، وتألم، وبذلك صار قابلا لتغير (مع أن اللاهوت بعيد تماما عن التغيير أو التبديل)، أضاف الإنجيلي الإلهي على الفور " وسكن فينا "، لكي ندرك أنه يتكلم عن شيئين أولا الساكن، ثم المسكن، لكي لا يفترض أحد بعد ذلك أنه تحول إلى جسد، وإنما سكن في الجسد، واستخدم جسده، الهيكل الذي اتخذه من العذراء القديسة، أو كما يقول بولس " لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2).

ثم يضيف " ورأينا مجده، مجد الابن الوحيد للآب، مملوء نعمة وحقا ":

بعد أن قال أن الكلمة صار جسدا، أي صار إنسانا، وبعد أن جعله معنا في الأخوة الخاصة مع الخلائق والعبيد، يعود ويؤكد كرامته الإلهية التي لم تتغير، ويعلنه لنا إلها كاملا، له كل صفات وطبيعة الآب. فالطبيعة الإلهية لها ثباتها الخاص بها، ولا تقبل التغيير إلى ما ليس منها، بل تظل بلا تبديل محتفظة بما لها من صفات. ولأجل ذلك بعد أن قال الإنجيلي " الكلمة صار جسدا " عاد وأكد أنه لم يخضع لضعفات الجسد، ولم يفقد قوته ومجده الإلهي، عندما لبس جسد الضعف الذي بلا مجد. فقال " ورأينا مجده "، الذي يفوق كل مجد، والذي يجعل كل من يراه يعترف أنه مجد الآب الوحيد، ابن الله الآب، المملوء نعمة وحقا "**.

 

- يقول اميروسيوس أسقف ميلان في عمله بخصوص الإيمان:

" لقد كتب أن الكلمة صار جسدا، ولا أنكر أن هذا كتب، ولكن أنظر إلى النصوص المستخدمة، إذ يتبع هذا قوله، وحل بيننا، وهذا يعني أنه سكن في جسد بشري ... أنه يتكلم عن اتخاذه جسدا ".

ونختم هذه الأقوال بقول القديس اثناسيوس الرسولي إلى أبيكتيتوس:

" من أين خرجت هذه الأمور. وأي عالم سفلي تقيأ القول بأن الجسد الذي من مريم هو من نفس جوهر لاهوت الكلمة؟ أو بأن الكلمة تحول إلي لحم وعظام وشعر وكل الجسد وتغير عن طبيعته الخاصة؟ أو من كفر إلى مثل هذه الدرجة حتى يقول وهو في نفس الوقت يعتقد أيضا بأن اللاهوت ذاته الذي من نفس جوهر الأب، قد صار ناقصا خارجا من كامل، والذي سمر علي الخشبة لم يكن هو الجسد بل هو جوهر الحكمة الخالق ذاته؟ أو من سمع بأن الكلمة حول نفسه جسدا قابلا للتألم، ليس من مريم بل من جوهره الذاتي فهل يمكن أن يدعي مسيحيا من يقول هذا؟ "(19).

لقد صار الكلمة جسدا، صورة الله اتخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، اتخذ كل مالنا، شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية " لأنه جاء في شبه جسد الخطية " (رو3: 8)، " مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب15: 4)، " ظهر في الجسد " الذي اتخذه من مريم العذراء وحل فيه وبه وصار جسده، جسد الله الكلمة، الكلمة المتجسد، الإله المتجسد.

---

(1) (رسالته إلى فيلبي 1: 7).

(2) Apology 15.

(3) Fragment In Anastasius of Sinai ch. 13.

(4) Ag. Her. B,3: 16,6.

(5) Ag. Her. b1.436.

(6) Apology 13.

(7) Ag. The Her. 13,1.

(8) Storm v. 39;2.

(9) First Apology 5.

(10) Dialogue With Trypho 48.

(11) آباء الكنيسة د أسد رستم 82.

(12) De Principiis.

(13) Ant. N. F. vol. 3, p174.

(14) تجسد الكلمة 3: 8.

(15) تجسد ربنا يسوع المسيح 28.

* الرسالة إلى أبيكتيتوس: 2.

(16) المسيح واحد، مركز دراسة الآباء 20،21.

** شرح إنجيل يوحنا ص 129 - 132.

(19) الرسالة إلى أبكتيتوس: 2.

الفصل الخامس

مسيح واحد أم اثنان؟

 

س 1: إذ كان الكلمة قد اتخذ جسدا كاملا فهل يعنى هذا أنه اثنان، المسيح الإله والمسيح الإنسان؟ وهل توحي تعبيرات المجامع المسكونية والآباء "من طبيعتين" و "في طبيعتين" و "طبيعة متحدة" و"اتحاد" بذلك؟ فالاتحاد لا يتم إلا بين اكثر من واحد! كما أن نسطور بطريرك القسطنطينية(1) يقر بوجود المسيح الإله والمسيح الإنسان ويقول أن العلاقة بينهما من قبيل الاقتران أو الاتصال أو المصاحبة، بالرغم من أنه يقول أن هذا الاقتران قد تم منذ بداية الحمل في بطن مريم العذراء!!

& الكتاب المقدس يؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أنه ليس هناك سوى مسيح واحد يتكلم كإنسان ويعمل أعمال الإنسان وله جوهر وصفات وطبيعة الإنسان، وفى نفس الوقت يتكلم ويعلم كإله ويعمل أعمال الله، كل أعمال الله، وله جوهر وصفات وطبيعة الله!! دعا نفسه ودعاه الكتاب " ابن الله وابن الإنسان "، الإله القدير، " عمانوئيل "، الله المبارك، الإله الواحد، الإله القدير، الإله العظيم، الإله الحكيم، الأزلي الأبدي الذي لا بداية له ولا نهاية، وفى نفس الوقت ابن مريم وابن إبراهيم واسحق ويعقوب وابن داود النبي، الذي كان ميتا فعاش والحي إلى ابد الآبدين (رؤ11: 1).

أنه الإله المتجسد الذي له صفات وخواص وجوهر وطبيعة الله وله أيضا صفات وخواص وجوهر طبيعة الإنسان ومع ذلك فهو المسيح الواحد:

- "لأن معلمكم واحد المسيح " (مت8: 23).

- "وتكون رعيه واحدة لراع واحد " (يو16: 10).

- " ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به " (1كو6: 8).

- " أن كان واحد قد مات لأجل الجميع " (2كو14: 5).

- " لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح " (2كو11: 2).

- " رب واحد، إيمان، واحد، معمودية واحدة " (أف5: 4).

- " يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2).

أنه المعلم الواحد والراعي الواحد بلاهوته وناسوته ؛ وهو الواحد خالق الكون وما فيه ومع أنه الله الخالق وهو الإله المتجسد " يسوع المسيح "، ويسوع هو اسمه بعد التجسد:

- " فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع " (مت21: 1).

- " ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع " (مت25: 1).

- " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع " (لو31: 1).

- " ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حبل به في البطن " (لو21: 2).

وكلمة " يسوع " تعني " يهوه يخلص، أي " الله يخلص "، كما قال الملاك للعذراء " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ". واسم يسوع يعني في العهد الجديد الله المخلص الذي ظهر في الجسد، الإله المتجسد. واسم " يسوع " هو الاسم الوحيد الذي تسمى به الرب يسوع المسيح بعد التجسد.

يسوع هو " يهوه المخلص "، ويهوه هو الكائن، ويسوع أيضا هو الكائن على الكل " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يو58: 8)، وهو أيضاً المخلص يقول الكتاب عنه " وليس بأحد غيره الخلاص. لان ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص " (أع12: 4). وهنا يتبين لنا أن اسم " يسوع " هو أسم الرب يسوع المسيح بعد التجسد، اسم الإله المتجسد، المسيح الواحد بلاهوته وناسوته.

واسم يسوع، أيضا، هو محور العلاقة بين الله والناس، ومحور العبادة وأرتبط به كل ما أرتبط باسم الله يهوه في القديم. وصار أسم يسوع أسماً " فوق كل أسم " فهو الذي تسجد له كل الخليقة " لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض " (في10: 2،11). واسم يسوع، كما يقول الكتاب " فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضا " (أف21: 1،22).

واسم يسوع وُصف في الكتاب بالاسم السامي الذي يفوق كل أسم والذي هو فوق كل أسم، وبرغم تجسده واتخاذه صورة العبد إلا أنه " جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم "، وهو الذي، كما يقول الكتاب، " تسجد له كل ملائكة الله " (عب7: 1،8)، لأن الفرق بين الملائكة وبين يسوع هو الفرق بين المخلوق والخالق، كما يقول الكتاب أيضا " وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن (يسوع) يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " (عب7: 1،8)، هو أعظم من الملائكة لأنه خالق الملائكة ورب العرش، الله الجالس على العرش، لذلك فأسمه أفضل من أي أسم. أنه الغنى الذي أتخذ فقرنا " أفتقر وهو غنى " (كو29: 8).

وقد كان " أسم يسوع " وسيظل الاسم الذي له المجد والعظمة كما يقول الكتاب " لكي يتمجد أسم ربنا يسوع المسيح فيكم وأنتم فيه بنعمة إلهنا والرب يسوع المسيح " (2تس12: 1)، " وكان أسم الرب يسوع يتعظم " (أع10: 19)، وما أروع هذا النشيد الذي تغنت به الكنيسة في عصرها الأول مترنمة بالروح القدس:

" الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاساً لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب " (في5: 2-11).

أسم يسوع هو الاسم الذي يفوق كل أسم، المسجود له من جميع الخلائق، رأس كل شيء والخاضع تحت قدميه كل شيء، وهو أيضاً الذي يرسل الملائكة والأنبياء والرسل والمبشرين للإعلان عنه والبشارة والكرازة باسمه وبتعاليمه ووصاياه في كل المسكونة، يقول في سفر الرؤيا ؛ " أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس " (رؤ16: 22)، وقال لتلاميذه " أذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " (مت16: 28)، "وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض " (أع8: 1). وقال عنه الكتاب:

" الذي نزل هو الذي صعد فوق جميع السموات لكي يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض مبشرين والبعض رعاه والبعض معلمين " (أف10: 4،11).

ويقول القديس بولس بالروح " وكل ما عملتم بقول أو فعل فأعملوا الكل باسم الرب يسوع المسيح " (كو17: 3). وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكد أن كل ما كان يفعله الرسل ويقولونه كان باسم " الرب يسوع ":

- " فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس " (أع38: 2).

- " فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش " (أع6: 3).

- " فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري ... وقف هذا أمامكم صحيحا " (أع10: 4).

- " لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض " (في10: 2).

 

وفي كل الأحوال فقد كان اسم يسوع هو اسم المسيح الواحد والرب الواحد والذي لا يميز فيه بين كونه ابن الله وابن الإنسان، وكونه الإله المتجسد الذي له كل ما للاهوت وكل ما للناسوت، الكامل في لاهوته والكامل أيضا في ناسوته، إنما في كل الأحوال هو هو المسيح الواحد، يسوع المسيح ربنا، الرب يسوع المسيح.

والمسيح أيضا لقبه بعد التجسد، ولكن لقب المسيح مرتبط بكونه ابن الله:

- " فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16).

- " فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله " (مت63: 26).

- " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (مر1: 1).

- " وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه انه المسيح " (لو41: 4).

- " ونحن قد آمّنا وعرفنا انك أنت المسيح ابن الله الحي " (يو69: 6).

- " قالت له نعم يا سيد أنا قد آمنت انك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم " (يو27: 11).

- " وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " (يو31: 20).

فالكتاب ينسب ما يخص لاهوته لناسوته وما يخص ناسوته للاهوته على السواء لأنه الإله الواحد والرب الواحد والمخلص الواحد والمسيح الواحد، يسوع المسيح ابن الله الحي، أنه الواحد الذي مات على الصليب، وأن كان قد مات كإنسان فالكتاب ينسب ما يخص ناسوته لشخصه الواحد بلاهوته وناسوته.

والكتاب ملئ بالآيات التي تنسب له الألم والموت في الوقت الذي تدعوه فيها ابن الله، والآيات التي تنسب له أعمال الله وصفاته في الوقت التي تدعوه ابن الإنسان:

- قال هو نفسه ؛ " أنا هو الأول والأخر، الحي وكنت ميتا وها أنا حي إلى أبد الآبدين " (رؤ11: 1). والأول والأخر هو الله، الأزلي الأبدي ؛ الذي بلا بداية وبلا نهاية ؛ الحي إلى أبد الآبدين ؛ ولكن الله لا يموت ومع هذا يقول عن نفسه ؛ " وكنت ميتا "، والموت من طبيعة وخواص الناسوت، الجسد، فهل يتكلم كاثنين؟ كلا، فهو يقول ؛ " أنا كنت "، " أنا " بضمير مفرد وفعل المفرد. أنه ينسب ما للاهوت للناسوت وما للناسوت للاهوت، والناسوت ناسوته، وهو المسيح الواحد.

- قال القديس بولس ؛ " لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد " (1كو8: 2).

- وقال أيضا " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28: 20).

أنه يقول أن المصلوب هو رب المجد ذاته الذي لو عرف اليهود حقيقته وأنه " رب المجد " لما صلبوه، ويقول أيضا أن الذي سفك دمه هو الله علما بأن رب المجد الله لا يمكن أن يصلب ويسفك دمه ويموت. فالله روح بسيط (يو24: 4)، ونور وساكن في نور " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه " (1تي16: 6)، فهو غير مدرك بالحواس، والروح كما يقول الرب يسوع المسيح " ليس له لحم وعظام " (لو39: 24)، وبالتالي ليس له دم، فهو غير مركب.

كما أنه أزلي أبدى، لا بداية له ولا نهاية، حي إلى الأبد ولا يموت. ومع ذلك نسب له الموت وسفك الدم! وهذا ما يختص به ناسوته فقط لكنه نسب ما يخص الناسوت للاهوت لوحدانية المسيح الواحد.

أنه لا يموت ولا يسفك الدم باعتباره الله ولكنه سفك دمه ومات كإنسان، ولم يقل الكتاب " لأن لو عرفوا لما صلبوا جسد المسيح "، إنما " صلبوا رب المجد " ولم يقل كنيسة الله التي اقتناها بدم ناسوته، جسده الذي أتخذه، وإنما " كنيسة الله التي اشتراها (الله) بدمه ". فالناسوت، الجسد، هو الذي حل فيه اللاهوت بكل ملئه " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2)، اتخذه وظهر به على الأرض " ظهر في الجسد " (1تي16: 3)، في ملء الزمان، فصار ناسوته، جسده، ونسب كل ما له لشخصه الواحد، الإله الواحد والرب الواحد والمعلم الواحد والمسيح الواحد، الإله المتجسد الذي له كل صفات وخواص اللاهوت وكل صفات وخواص الناسوت! ابن الله وابن الإنسان! الآتي من فوق والمولود من العذراء! الأبدي الأزلي، والمولود في ملء الزمان! الذي بلا بداية وبلا نهاية، والذي بدأ بظهوره على الأرض في ملء الزمان، في بداية محددة هي بداية تجسده في بطن العذراء! الحي الأبدي الذي لا يموت والذي مات على الصليب!

- طلب فيليس تلميذ المسيح منه أن يرى الآب قائلا: " يا سيد أرنا الآب وكفانا " قال له " أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ " (يو8: 14-9). لقد رأى فيلبس المسيح من جهة ناسوته فقط، بالجسد، بالرغم من أنه رأى أعماله الإلهية وعجائبه ومع ذلك طلب أن يرى الآب، الله الآب، أراد أن يرى اللاهوت غير المرئي، في جوهره، ونسي تحذير الله لموسى " لا تقدر أن ترى وجهي لان الإنسان لا يراني ويعيش " (خر20: 33)، وتأكيد القديس يوحنا بالروح " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر " (يو18: 1)، " الله لم ينظره أحد " (1يو12: 4)، وأن الرب يسوع المسيح هو وحده المعلن لذات الآب لأنه " صورة الله غير المنظور " (كو15: 1)، " بهاء مجده وصورة جوهرة " (عب3: 1)، ومع ذلك وبخه الرب يسوع المسيح بقوله " أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟ الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ " (يو9: 14)، وهذا ما عبر عنه القديس بولس بقوله " الله ظهر في الجسد ". لقد رأى فيلبس الرب يسوع المسيح بناسوته، في إنسانيته، ولم يدرك أن اللاهوت حال في الناسوت، محتجب في الناسوت، كما أن لاهوت الآب والابن واحد " أنا والآب واحد " (يو30: 10) و " أنا في الآب والآب في " (يو10: 14).

وهنا لم يفصل الرب يسوع المسيح بين لاهوته وناسوته، بل لام فيلبس لأنه طلب رؤية الآب. ومع أنه لم يرى سوى الناسوت الظاهر ولكن الرب يسوع المسيح لامه لأنه هو الله الظاهر في الجسد، " الله ظهر في الجسد ". لم يقل له أنا معكم زمانا بناسوتى أو ظاهرا كإنسان، إنما قال " من رآني فقد رأى الآب، وهو هنا لم يتكلم عن نفسه كاثنين بل كمسيح واحد واله واحد. أنه واحد مع الآب بلاهوته لكنه قال أنه، المسيح المتكلم مع فيلبس، والذي رأوه مده طويلة، الإله المتجسد، واحد مع الآب وهو في الآب والآب فيه أي نسب ما يخص لاهوته لناسوته لأنه المسيح الواحد.

- قال لنيقوديموس ؛ " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3)، فهو يقول أنه موجود في السماء وعلى الأرض في وقت واحد، هو الذي يملا الكل بلاهوته " أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب " (ار24: 23)، يقول ذلك في الوقت الذي كان جالسا فيه يتحدث مع نيقوديموس كإنسان، وكإنسان كان محدود بالمكان والزمان والأبعاد، أنه لم يقل أنه موجود في السماء وعلى الأرض ومالئ الكل بلاهوته غير المحدود وإنما قال " ابن الإنسان الذي هو في السماء " وابن الإنسان لقبه بعد التجسد. فهو المسيح الواحد الذي لم يفصل قط بين لاهوته وناسوته.

- وقال لرؤساء اليهود " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (أكون) (يو58: 8)، ولم يقبل رؤساء اليهود قوله هذا واعتبروه من قبيل التجديف على الله، فكيف يقول لهم أنه كائن قبل إبراهيم، وقد فهموا أنه يقصد أنه الله، ولذلك لما قال هذا حاولوا أن يرجموه كمجدف لأنهم لم يروا فيه سوى ابن مريم الذي من الناصرة (يو59: 8-60؛ مر6: 3).

وهو هنا يقول أنه " كائن - يكون "، كان موجودا قبل إبراهيم فهو الأبدي الأزلي، الذي بلا بداية وبلا نهاية، الموجود دائما. ومع أنه بحسب الجسد لم يكن له سوى حوالي 33 سنه إلا أنه الأبدي الأزلي بحسب اللاهوت. ولم يقل أبدا " أنا كائن قبل إبراهيم بلاهوتي، أو قبل التجسد، بل قال أنا، وأنا هنا " يسوع المسيح " الإله المتجسد "أنا " بلاهوته وناسوته دون انفصال أو تفرقه.

كما خاطب الآب بهذا الأسلوب وهذه الصيغة دون تفريق بين اللاهوت والناسوت قائلا ؛ " مجدني أنت أيها الآب بالمجد الذي كان لي عند ذاتك قبل كون العالم " (يو5: 17). " لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو24: 17).

 

أن ما يتحدث عنه الرب يسوع المسيح يرجع كينونته قبل الخليقة، إلى ما قبل تكوين العالم، إلى الأزل السحيق، اللابداية، ومع ذلك يستخدم ضمير المتكلم المفرد لأنه الإله المتجسد الذي يجمع في ذاته للاهوت والناسوت.

إذا فالمسيح هو الله وهو أيضا إنسان، ابن الله وابن مريم وابن داود وثمرة صلبه (أع30: 21)، وابن إبراهيم ونسله الموعود (أع25: 3)، هو الإله المتجسد الذي يجمع في أقنومه وذاته اللاهوت والناسوت، فهو كلمة الله وحكمة وقوة الله، الله معنا وهذه حقيقة لاهوته. وهو أيضا ابن الإنسان وهذه حقيقة ناسوته المتحد بلاهوته، أي أنه كإله هو الله ذاته، كلمه الله وصورة جوهره، وكإنسان فهو ابن مريم المولود من أحشائها وهو ثمرة بطنها (لو42: 1).

- ويقول الكتاب بالروح ؛ أنه " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاسا لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله وأعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الأرض " (في5: 2-10).

من هذا النص يتضح أنه "صورة الله غير المنظور " (في6: 2) و " المساوي لله "، " بهاء مجده ورسم جوهره "، هو الله لأن الله غير محدود ولا يسع الكون غيره لذا لا يساويه سوى ذاته. وصورة الله هو الله، ومع ذلك تنازل وتجسد واخذ صورة العبد وهيئة الإنسان واجتاز الموت ثم رفُع في المجد وصار أعلى من السموات (عب26: 7)، وهو الذي تسجد له كل الخليقة في كل الكون " ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الأرض ". أنه هو ذاته الله المعبود ولكنه اجتاز الموت بعد التجسد وقام من الأموات، والله لا يموت وإنما الجسد الذي اتخذه هو الذي مات، مات كإنسان، ثم رفع في المجد كإنسان، مع أنه الله العلي، ومع ذلك لم يفصل الكتاب بين كونه الله وكونه صار في صورة العبد فقال وضع نفسه وأطاع حتى الموت، ثم رُفع ولم يقل الكتاب أن الموت والرفع هما من خصائص الناسوت وليس اللاهوت ولكنه نسب ما للناسوت للاهوت لوحدانية المسيح الواحد.

- قال يوحنا الإنجيلي بالروح: " هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو16: 3).

- وقال القديس بولس بالروح: " إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته (رو10: 5).

وفي كلتا الحالتين يقول الكتاب أن ابن الله، بذل ذاته على الصليب ا، لابن هو الله الكلمة، الذي هو واحد مع الآب في الجوهر، والآب والابن واحد " أنا والآب واحد " اله واحد، الآب هو الله والابن هو الله وطبعا الذي مات على الصليب هو المسيح، كإنسان، بناسوته، يقول الكتاب " مماتا في الجسد " (1بط18: 3)، " تألم المسيح لأجلنا في الجسد " (1بط1: 4)، ومع ذلك قال أن الذي بذل ذاته ومات هو ابن الله الوحيد دون تفرقه بين اللاهوت والناسوت أي نسب ما للناسوت للاهوت لوحدانية المسيح الواحد.

- يقول الكتاب أيضا " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم وإلى الأبد " (عب7: 13)، وقوله " امسا " يعني منذ الأزل و" اليوم " يعني الحاضر و" إلى الأبد " يعنى إلى ما لا نهاية، فهو الأزلي الأبدي، الذي بلا بداية وبلا نهاية. وقوله " هو هو " يؤكد عدم التغير، و " يسوع "، كما قلنا، هو اسمه بعد التجسد وكذلك " المسيح " لقبه بعد التجسد، والوجود الدائم من صفات الله، اللاهوت ومع ذلك يصر الكتاب " هو هو " تأكيد على وحدانية المسيح، وحدانية أقنوم كلمة الله المتجسد.

- " قال الرب يسوع المسيح ؛ " أنا والآب واحد " (يو30: 10)، وقال أيضا " أبى اعظم منى " (يو28: 14).

والواحد مع الآب تعنى أنه واحد مع الآب في الذات والجوهر والطبيعة وأن كل ما هو للآب هو للابن، كما قال هو ؛ " كل ما للآب هو لي " (يو15: 16)، وأنه متساوي مع الآب، فالابن حتما يساوى أبيه في الطبيعة والجوهر وهذا ما فهمه اليهود عندما دعا نفسه " ابن الله " فقالوا ؛ " قال أن الله أبوه مساويا نفسه بالله

 

" (يو18: 5). وهذا ما أعلنه الوحي أيضا: " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله " (في6: 2)، ولذا نقول في كل صلاة مساوي للآب في الجوهر (قانون الإيمان)، أنه الله ذاته، ولا يساوى الله سوى الله. أنه صورة الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم جوهره (عب3: 1)، حكمة الله وقوة الله (1كو34: 1)، لكنه قال: " أبى اعظم مني "، حقا أن الآب واحد مع الابن في الجوهر وأن الابن مساوي للآب في الجوهر، ولكن لأن الابن أخلي نفسه ... وضع نفسه (في7: 2)، افتقر وهو غني (2كو8: 9)، ومن اجل تنازله وإخلاء نفسه وتواضعه صار الآب اعظم منه بالتجسد، لكنه لم يقل " أنا والآب واحد بلاهوتي " ولا أبى اعظم من ناسوتي، أو اعظم مني بحسب الناسوت، بل قال " أنا والآب واحد "، و " أبى اعظم مني "، ناسبا ما للاهوت للناسوت وما للناسوت للاهوت لأنه مسيح واحد، رب واحد، ابن واحد، اقنوم واحد، الإله المتجسد.

- بدأ القديس متى الإنجيل الذي دونه بالروح القدس قائلا " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود " (مت1: 1)، وبدأ القديس مرقس الإنجيل الذي دونه بالروح قائلا " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (مر1: 1).

وكلاهما كانا يتكلمان عن مسيح واحد هو ابن الله وابن الإنسان، وكلاهما نقلا عن السيد المسيح تلقيبه لنفسه بهذين اللقبين مرات عديدة وعلي سبيل المثال فقد سجل القديس متي لقب " ابن الله " حولي 9 مرات(2)، كما سجل القديس مرقس لقب " ابن الإنسان " حوالي 14 مرة(3).

وكما قال الكتاب أن ابن الله بذل ذاته ومات وأن رب المجد صلب وأن الله سفك دمه علي الصليب، قال أيضا أن ابن الإنسان هو الرب والديان وغافر الخطايا كما أنه الحي والذي له الحياة في ذاته، بل في معظم المرات التي ذكر فيها لقب " ابن الإنسان " كان يظهر مرتبطا بصفة من صفات اللاهوت:

- فهو غافر الخطايا " ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا " (مت6: 9)، ولا يغفر الخطايا إلا الله وحده (لم21: 5).

- وهو الرب، رب السبت " فان ابن الإنسان هو رب السبت أيضا " (مت8: 12).

- ورب الملائكة " يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم " (مت41: 13).

- وهو الذي له المجد والديان الذي يدين المسكونة بالعدل (أع31: 17) ؛ " فان ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " (مت27: 16).

- رب الملكوت " الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته " (مت28: 16).

- والمخلص " لان ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك " (مت11: 18).

- والديان الجالس على عرش المجد " فقال لهم يسوع الحق أقول لكم أنكم انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضا على اثني عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الأثنى عشر " (مت28: 19).

- والآتي على السحاب " لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان " (مت27: 24).

- الآتي على السحاب بقوة ومجد " وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير " (مت30: 24).

- " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس

على كرسي مجده " (مت31: 25).

- والجالس عن يمين العظمة في السماء " منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسا عن يمين قوة الله " (لو69: 22).

- ورب الملائكة " وقال له الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان " (يو51: 1).

- والكائن في السماء وعلى الأرض في آن واحد " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3).

- وصاحب السلطان الديان " وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان " (يو27: 5).

- وهو معطي الحياة الأبدية " اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان لان هذا الله الآب قد ختمه " (يو27: 6).

- النازل من السماء " فان رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا " (يو62: 6).

- وهو الكائن " فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو " (يو28: 8).

- والذي له المجد " وأما يسوع فأجابهما قائلا قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان " (يو23: 12).

- والمرتفع " فأجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان من هو هذا ابن الإنسان " (يو34: 12).

- " فلما خرج قال يسوع الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه " (يو31: 13).

- والجالس عين يمين الله الآب " فقال ها أنا انظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله " (أع56: 7).

من الآيات السابقة نري الرب يسوع يتكلم عن نفسه كابن الإنسان الآتي من السماء والذي هو في السماء في آن واحد، وعن مجيئه الثاني على سحاب السماء وكونه الديان في يوم الدينونة، ملك يوم الدين الذي " يرسل ... ملائكته "، فأن الابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله "، " لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان ... تظهر علامة ابن الإنسان في السماء ...

ويبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الرياح الأربع من اقصاء المسكونة إلى أقصاها ".

قال أنه سيأتي بمجد ومع ملائكته وسيجمعون مختاريه من اقصاء المسكونة والجميع سيرونه آتيا علي السحاب. وكل هذه الصفات هي صفات اللاهوت وليست صفات الناسوت، فهو رب المجد ورب الملائكة كما أنه رب الخليقة كلها وديانها، ملك يوم الدين، ومع ذلك نسب صفات اللاهوت للناسوت وقال " ابن الإنسان آتيا في ملكوته "، فهو الملك السمائي والأرضي، ملك الملوك، ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ16: 19). أنه رب العالمين وملك الملوك وملك يوم الدين (رؤ21: 20).

وعندما سأل الرب يسوع المسيح تلاميذه قائلا: " من يقول الناس أنى أنا ابن الإنسان؟ " (مت13: 16)، وجاءت الإجابة علي لسان بطرس بالروح: " أنت المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16)، مدحه يسوع قائلا: " طوبي لك يا سمعان بن يونا أن لحما ودما لم يعلن لك ولكن أبي الذي في السموات " (مت17: 16).

وكما قلنا أن ابن الله يساوي الله فالابن يساوي أباه في الجوهر والطبيعة، فهو الحي، الأبدي الأزلي، الذي بلا بداية وبلا نهاية، ومع هذا نسب هذه المساواة لنفسه كابن الإنسان! فقد كان سؤاله عن ابن الإنسان.

كما قال " أن لابن الإنسان سلطاناً أن يغفر الخطايا علي الأرض " (لو24: 5)، ولا يغفر الخطايا إلا الله وحده (مر7: 2)، وأيضا " لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له الحياة في ذاته " (يو26: 5)، والابن هنا هو ابن الإنسان " ,أعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان " (27: 5)، فالآب حي بذاته لأن الله حي، والابن أيضا هو الحي ومعطي الحياة " فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " (يو4: 1)، والرب يسوع المسيح يقول أنه الحي الديان " كابن الإنسان " وهذا لأنه مسيح واحد، الإله المتجسد عمانوئيل الله معنا.

 

وقال أيضا " فأن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا " (يو62: 6)، وهو لم يأت بناسوته من السماء إنما أخذه من العذراء، ولكنه بلاهوته نزل من السماء، فنسب لناسوته ما يخص لاهوته.

ومما ذكر يتضح أن الكتاب لم يتكلم عن مسيحين أو اثنين في شخص المسيح وإنما تكلم فقط عن مسيح واحد له صفات وخواص اللاهوت وصفات وخواص الناسوت، تكلم عنه كإنسان كما تكلم عنه كإله، لقب بألقاب الإنسان وقام بأعمال الله وأيضا بأعمال الإنسان. لكن لم يقل الكتاب مطلقا بمسيحين مسيح اله ومسيح إنسان بل مسيح واحد هو اله وفي نفس الوقت إنسان " يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2).

---

(1) أنظر الفصل السادس.

(2) مت3: 4،6؛29: 8؛33: 14؛16: 16؛63: 26؛40: 27،43،45.

(3) مر10: 2،28،31،38؛9: 9،12،31؛33: 10،45؛26: 26؛14: 21،41،16.

الفصل السادس

ما معني اتحاد اللاهوت بالناسوت وكيف تم؟

 

س 1: إذا كان المسيح واحداً هو كلمة الله الذي صار جسدا أو هو الله الذي ظهر في الجسد ؛ فما معني تعبيرات: "تجسد" و "اتحاد اللاهوت بالناسوت" و "طبيعة واحدة متجسدة" و "طبيعتين" و "في طبيعتين" و "من طبيعتين" و "أقنوم" و "إله تام وإنسان تام" و "كامل في لاهوته وكامل في ناسوته"؟

& أوضحنا أن الكتاب المقدس لم يتكلم سوي عن مسيح واحد هو كلمة الله الذي هو الله والذي صار جسدا في ملء الزمان، الله الذي ظهر في الجسد، صورة الله المساوي لله الذي أتخذ صورة العبد، وهو نفسه يتكلم عن نفسه باعتباره شخص واحد، مسيح واحد، وان كان قد تكلم عن نفسه تارة كإله وتارة كإنسان. ومن تأملنا في شخصه الإلهي نري بمنظار الكتاب المقدس انه الإله القدير الذي ظهر في الجسد وصار الإله المتجسد، أي الذي أتخذ جسدا، والذي أصبح يحوي في ذاته اللاهوت والناسوت.

فهو الله الأبدي الأزلي، الذي لا بداية له ولا نهاية، الإله الواحد، الإله العظيم، الإله الحكيم، الإله القدير، الإله المبارك، وهو أيضا كلمة الله وحكمة وقوة الله وصوره الله وبهاء مجده ورسم جوهره. هو الله بجوهره وكيانه أي بطبيعته(1). وبعد أن صار جسدا، في ملء الزمان، وحل بيننا، ظهر في الجسد ورأته الخليقة في صورة العبد وفي شبه الناس وهيئة الإنسان، اصبح إنساناً وابن إنساناً، فقد ولد من العذراء حقا ومن ثمرة بطنها من لحم ودم وعظام وروح ونفس، ومن ثم فهو أيضا إنسان بجوهره وكيانه أي بطبيعته، فهو كامل (تام) في لاهوته وكامل (تام) في ناسوته (إنسانيته).

ونظرا لأن جوهر الله غير مدرك ولا محسوس، أو كما قال السيد نفسه " الله روح " والروح بسيط وغير مركب، وجوهر الإنسان مدرك بالحواس ومركب وهو عكس الروح " لأن الروح ليس له لحم ولا عظام " (لو39: 24)، وان الله لما تجسد لم يتحول إلى جسد إنما اتخذ جسدا وحل فيه وظهر فيه وبه بين الناس " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو18: 1)، وكما قلنا انه كامل في لاهوته وكامل في ناسوته بدون تغيير أو تحول، ومن ثم فقد اضطر آباء الكنيسة وعلماؤها (كما بينّا في الفصول الأولى) لوضع مصطلحات وصيغ لاهوتية مبنية ومستخرجة ومأخوذة من نصوص الكتاب المقدس ذاته واستخدموها سواء في المجامع المسكونية المقدسة أو في كتاباتهم سواء الدفاعية أو التفسيرية وذلك لتحديد الإيمان السليم المبني علي المسيح نفسه وكتابه المقدس. ومع ذلك نؤكد أن هذه المصطلحات والصيغ لا تعبر عن حقيقة التجسد الذي هو سر يفوق العقل ولا يعلمه إلا الله وحده، إنما تقربه من عقولنا فقط.

- فقد استخدموا كلمة " أقنوم - Hypostasis - όηποστασις " بمعنى الكيان، فعندما نقول أقنوم واحد نعني كيان واحد، فالإنسان المكون من روح وجسد هو أقنوم واحد، كيان واحد، وشخص واحد. والرب يسوع المسيح بلاهوته وناسوته هو أقنوم واحد، هيبوستاس واحد، وشخص واحد.

- وكلمة طبيعة (φύσις - physis - فيزيس) والتي تعبر عن جوهر الكائن ؛ فالطبيعة إذا هي ما يجعل الكائن علي ما هو عليه(2). لشرح كيف أن شخص المسيح يضم في ذاته، بعد التجسد، طبيعة اللاهوت (طبيعة الله) وطبيعة الناسوت (طبيعة الإنسان) في أقنوم واحد هو شخص المسيح أو " طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة "، " واحدة هي طبيعة الكلمة المتجسد ".

: واستخدموا كلمة " اتحاد - Unity /Union- ενοςιν) " للتعبير عن الوحدة بين اللاهوت والناسوت أو الاتحاد الكائن بين لاهوت الرب يسوع المسيح وناسوته. وأيضا " الاتحاد الأقنومي - Hypostatic Union " الذي وصفه القديس كيرلس بكونه " اتحاداً طبيعياً "، " اتحاداً شخصياً "، " وحدة حقة " اتحد ابن الله بطبيعتنا وجعلها خاصة به(3)، فتحقق فيه اتحاد حق بين اللاهوت والناسوت برغم اختلاف الطبيعتين، في طبيعة واحدة متجسدة " طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة " و " أقنوم وحد متجسد لله الكلمة ". فكيف تم هذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت؟

 

س 2: إذا كيف تم الاتحاد بين اللاهوت والناسوت ومتي تم؟ وهل أوجد الله الناسوت أولا ثم حل فيه وأتحد به أم ماذا؟

& أولا: لم يستخدم الكتاب تعبير الاتحاد بين اللاهوت والناسوت وإنما استخدام نصوص اقوي وأبلغ دلاله من الاتحاد وذلك للتعبير عن تجسد كلمة الله:

- " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا " (يو14: 1).

- " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3).

- " الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2).

- " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاسا لكنه أخلى نفسه أخذا صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت " (في5: 2-7).

- " هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا " (اش14: 7؛ مت23: 1).

- " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9).

- " وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا ... سيخرج منك مدبرا ... ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " (مي2: 5).

- " إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما ... من ثم كان ينبغي أن يشبه اخوته في كل شئ " (عب14: 2).

هذه الآيات، وغيرها، هي التي استخدمها الكتاب المقدس للتعبير عن تجسد الله الكلمة.

فقد قال الكتاب انه، المسيح، قد حبل به من العذراء وولد ولدا من بني إسرائيل بحسب الجسد ؛ " ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد آمين " (رو5: 9)، انه ولد من العذراء، بالجسد، وفي بيت لحم، بالجسد، ومن نسل إبراهيم وداود بحسب الجسد وكان تجسده حقيقيا إذ اخذ جسدا حقيقيا من لحم ودم وعظام كما كان له روح ونفس.

ولكن كيف اتخذ هذا الجسد؟ فقد " صار جسدا "، " ظهر في الجسد "، " حل اللاهوت في الناسوت "، " أخلى نفسه "، وضع نفسه وصار جسدا، أخذا صورة العبد وصائرا في هيئة الإنسان بل وشابه الإنسان في كل شئ ما عد الخطية " مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب15: 4)، لأنه جاء " في شبة جسد الخطية " (رو3: 8).

وهذه التعبيرات ؛ ظهر في الجسد، حل اللاهوت في الناسوت، صار الكلمة جسدا، أخلى صورة الله ذاته ووضع نفسه وأخذ صورة الإنسان، ولد من العذراء من نسل إبراهيم وداود، وفي بيت لحم، اخذ كل ما للبشرية وشابهنا في كل شئ وهو الله ذاته، بكل ملء لاهوته، صورة الله المساوي لله، الله معنا، الإله القدير، الأزلي الأبدي، الكائن علي الكل، الله المبارك ؛ وضع لها الآباء تعبير ؛ الاتحاد، اتحاد اللاهوت والناسوت، اتحاد اللاهوت بالناسوت للتعبير عن تجسد الكلمة الذي تم في ملء الزمان.

أما كيف تجسد الكلمة وكيف صار جسدا وكيف اتخذ صورة الله صورة العبد، كيف ظهر الله في الجسد وكيف حل اللاهوت في الناسوت وكيف حبلت به العذراء وولدته فهذا مالا يدركه عقل، لا عقل البشر ولا حتى اسمي وأرفع الملائكة رتبه. انه سر يفوق أدراك جميع المخلوقات ولا يعلمه سوي الله وحده لأنه يختص به وحده، فهو الذي تجسد وهو وحده الذي يعرف كيف تجسد، وقد أعلن الرب يسوع المسيح أن اليهود وان كانوا قد عرفوه انه " النجار ابن مريم " (مت55: 13؛ مر6: 3)، لكنهم لم يعرفوا حقيقة شخصه وحقيقة تجسده، كما أن التلاميذ وإن كانوا قد عرفوا، بالروح، انه " المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16) لكنهم، قبل أن يحل الروح القدس عليهم، لم يعرفوا حقيقة شخصه كما يجب ولا عرفوا سر تجسده. وان كان الملائكة قد عرفوا حقيقة شخصه إذ بشر الملاك جبرائيل العذراء بالحبل به وولادته وهتفت الملائكة يوم مولده قائلين:

- " انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب " (لو11: 2).

- " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " (لو14: 2).

وكانوا خداما له في أيام تجسده علي الأرض " وصارت الملائكة تخدمه " (مت11: 4؛ مر13: 1)، إلا انهم لم يعرفوا كيفية تجسده فهذا سر يختص به وحده ولا يعلمه سوي هو وحده، فهو الغير محدود في الزمان أو المكان أو العلم أو القدرة ولا تدركه عقول المخلوقات المحدودة، وقد قال عن نفسه:

- " ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " (مت27: 11؛ لو22: 10)، انه وحده الذي يعرف ذاته وحقيقة تجسده، ولذا كرر لمستمعيه:

- " لستم تعرفونني أنا ولا أبي لو عرفتموني لعرفتم أبى أيضا " (يو19: 8).

لماذا؟ يقول ؛ " انتم من أسفل. أما أنا فمن فوق انتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم " (يو23: 8).

- " لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضا " (يو17: 4).

- " انهم لم يعرفوا الأب ولا عرفوني " (يو3: 16).

وقال عنه يوحنا المعمدان بالروح:

- " في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه " (يو26: 1).

وقال عنه يوحنا الإنجيلي واللاهوتي بالروح:

- " كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم " (يو10: 1).

وقال القديس بولس الرسول بالروح:

- " لا يقدر أحد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " (1كو3: 12).

لماذا؟ لأن الروح القدس هو " روح المسيح " (رو9: 8)، كما انه روح الآب (يو26: 15)، وطبعا روح الله الذي هو الله يعرف حقيقة ذات الله ؛ " الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله " (1كو10: 2)، " لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه. هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله " (1كو11: 2،12). انه وحده الذي يعرف حقيقة ذاته وحقيقة تجسده أما نحن، البشر، فلا نعرف شيئاً عن الله سوي الأشياء الموهوبة لنا من الله (1كو12: 2)، كما يقول القديس بولس الرسول بالروح.

وقد دعا الكتاب المقدس تجسد الكلمة بالسر العظيم:

- " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3).

انه سر لا يعلمه سوي صاحبه وصاحبه هو الله:

- " السر الذي كان مكتوما في الأزمنة الأزلية " (رو16: 25).

- " سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا " (1كو7: 2).

- " السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح " (أف9: 3).

- " السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال لكنه الآن قد اظهر لقديسيه " (كو26: 1).

وإذا كان آباء الكنيسة وعلماؤها قد عرفوا هذا السر، سر التجسد، انه اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص السيد المسيح، انه اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة الإنسانية، وان السيد المسيح بتجسده وبحلول لاهوته في الناسوت وصيرورته بشر قد جمع في ذاته اللاهوت والناسوت، وانه بطبيعة واحدة متحدة " طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة " من طبيعتين (اللاهوت والناسوت) تجتمع فيها جميع خواص وصفات اللاهوت وجميع خواص وصفات الناسوت بدون اختلاط وامتزاج أو تغيير أو استحالة، وبأقنوم واحد " أقنوم واحد متجسد لله الكلمة "، إلا انهم وقفوا أمام كيفية حدوث هذا الاتحاد، هذا التجسد، هذا الظهور الإلهي، هذا الحلول الإلهي في الناسوت، هذه الصيرورة إلى بشر واتخاذ الجسد ومشاركة الإله للبشرية في كل شئ، في اللحم والدم والعظام والروح والنفس، هذه المشابهة مع البشرية في كل شئ ما عدا الخطية، هذا التنازل والتواضع والفقر، الاختياري،، الذي اختاره رب المجد " أفتقر وهو غني " (2كو2: 8)، " أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان " (في6: 2)، وقفوا مشدوهين ومبهورين أمام عظمته، وعاجزين عن وصفه أو إدراكه أو فهمه وقالوا عنه انه:

- السر الذي لا تدركه افهام.

- السر الذي لا ينطق به.

- انه سري بصفة مطلقة.

- السر الذي يفوق العقل.

- انه سري وفائق للعقل.

- الاتحاد الذي يفوق العقل ولا يوصف.

- قال القديس كيرلس الإسكندري وهو اشهر من درس وعلم في اتحاد اللاهوت بالناسوت:

" عندما نقول أن كلمة الله اتحد بطبيعتنا فان كيفية هذا الاتحاد هي فوق فهم البشر ... فهو اتحاد لا يوصف وغير معروف لأي من الناس سوي الله وحده الذي يعرف كل شئ. وأي غرابه في أن يفوق (اتحاد اللاهوت بالناسوت) إدراك العقل؟!! ...إذا طُلب إن نحدد كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جدا "(3).

وقال أيضا ؛ " الكلمة تجسد وصار إنسانا كاملا ... بطريقة يعرفها هو وحده "(4). وأيضا " وأنا لا أنكر أن كل ما ذكرناه يفوق كل التعبيرات البشرية الممكنة، لكن لا يجب أن نتوقف عن التأمل والإيمان بسر المسيح بسبب وجود صعوبة مثل هذه بل ليظل هذا السر باستحقاق موضع إكرامنا، لأنه كلما كان السر فوق أدراك العقول وبعيدا عن إمكانية التعبير عنه بكلمات، ازداد إيماننا بعظمته وروعته "(5).

 

- وقال القديس اغريغوريوس النيزنزي:

" ولد من العذراء بلا عيب وبطريقة تفوق الوصف "(6).

 

- وقال القديس ثاؤدوطس أسقف انكوريا في خطبه له علي التجسد تليت في مجمع افسس:

" أن الواحد نفسه هو اله أزلي وإنسان له ابتداء من الزمان فأحد هذين الأمرين كان في الوجود سابقا والأخر صار من بعد. فان قلت كيف صار الوحيد عبدا باقيا ما كان وصائرا ما لم يكن أجبتك إن كنت تريد أن تعلم هذا فاعلم انه صار ولكن كيف صار فلا يعلم ذلك إلا صانع العجائب وحده "(7).

 

- وقال القديس يعقوب البرادعي اشهر من دافع عن عقيدة الطبيعة الواحدة المتحدة في القرن السادس:

" وكان اتحاد اللاهوت بالناسوت اتحادا سريا لا تدركه الأفهام ولا تتصوره (تصوره) الأوهام فلا لاهوته صار لحما ولا ناسوته (ولحمه) صار لاهوتا "(8).

 

س 3: كيف شرح الآباء اتحاد اللاهوت بالناسوت؟ وما هي الأمثلة التي استخدموها في ذلك؟

& شبه آباء الكنيسة وعلى رأسهم القديس كيرلس عمود الدين اتحاد اللاهوت بالناسوت بالروح والجسد في الإنسان وبالنار المشتعلة في العليقة والعليقة لم تحترق وجمرة اشعياء النبي واتحاد الحديد بالنار.

1 - الروح والجسد في الإنسان: فالإنسان مكون أساساً من روح عاقلة وجسد أي من مادتين مختلفين وجوهرين مختلفتين، وبرغم اختلاف طبيعة الجسد عن الروح إلا أنهما يكونان الإنسان الواحد، كله كوحدة واحدة، ولذا فنحن لا نتكلم عن الروح على حده ولا نتكلم عن الجسد على حده، بل نتكلم عن الإنسان الواحد، كوحدة واحدة، لا نفصل بين روحه وجسده، ونميز بينهما في ذهننا فقط، فلا نقول أن جسد فلان يتألم أو أن روحه سعيدة، إنما نقول فلان يتألم وأيضا فلان سعيد، ونميز ذهنيُاً فقط بين آلامه بالجسد وسعادته بالروح. يقول القديس كيرلس " عندما نقول إن كلمة الله اتحد بطبيعتنا فإن كيفية هذا الاتحاد هي فوق فهم البشر. وهذا الاتحاد مختلف تماماً ... فهو اتحاد لا يويصف وغير معروف لأي من الناس سوى الله وحده الذي يعرف كل شئ ... فما هي كيفية اتحاد نفس الإنسان بجسده؟ من يمكنه أن يخبرنا؟!! ونحن بصعوبة نفهم وبقليل نتحدث عن اتحاد النفس بالجسد. ولكن إذا طلب منا أن نحدد كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جداً، نقول أنه من اللائق أن نعتقد أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في عمانوئيل هو مثل اتحاد نفس الإنسان بجسده - وهذا ليس خطأ لأن الحق الذي نتحدث عنه هنا تعجز عن وصفه كلماتنا. والنفس تجعل الأشياء التي للجسد هي لها رغم أنها (النفس) بطبيعتها لا تشارك الجسد آلامه المادية ... لكنها لا تشارك الجسد رغباته، ومع ذلك تعتبر أن تحقيق الرغبة هو تحقيق لرغبتها هي (النفس). فإذا ضرب الجسد أو جرح بالحديد مثلا فأن النفس تحزن مع جسدها، ولكن بطبيعتها لا تتألم بالآلام المادية التي تقع على الجسد.

ومع هذا يلزم أن نقول أن الاتحاد في عمانوئيل هو أسمى من أن يشبه باتحاد النفس بالجسد، لأن النفس المتحدة بجسدها تحزن مع جسدها وهذا حتمي حتى أنها عندما تقبل الهوان تتعلم كيف تخضع لطاعة الله. أما بخصوص الله الكلمة فأنه من الحماقة أن نقول أنه كان يشعر - بلاهوته - بالإهانات، لأن اللاهوت لا يشعر بما نشعر به نحن البشر. وعندما اتحد بجسد له نفس عاقلة وتألم لم ينفعل - اللاهوت - بما تألم به، لكنه كان يعرف ما يحدث له. وأباد كإله كل ضعفات الجسد، رغم أنه جعلها ضعفاته هو فهي تخص جسده. لذلك (بسبب الاتحاد) قيل عنه أنه عطش وتعب وتألم لأجلنا.

ولذلك فأن اتحاد الكلمة بطبيعتنا البشرية يمكن على وجه ما أن يقارن باتحاد النفس بالجسد، لأنه كما أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكن الإنسان واحد من أثنين (النفس والجسد)، هكذا المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل، واللاهوت نفسه والناسوت نفسه في الواحد بعينه الأقنوم الواحد. وكما قلت أن الكلمة يجعل آلام جسده آلامه هو، لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر سواه. هكذا يمنح الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته من قوة، حتى أن جسده قادر على أن يقيم الموتى ويبرئ المرضى "(9).

2 - العليقة المشتعلة بالنار: كما شبه آباء الكنيسة اتحاد اللاهوت بالناسوت بظهور الله في هيئة نار في العليقة ومع هذا لم تحترق العليقة بالنار يقول الكتاب ؛ " وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق، فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم لماذا لا تحترق، فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى فقال هانذا " (خر2: 3-5).

- يقول القديس كيرلس:

" باطل هو إدعاء من يقول أننا باعترافنا بطبيعة واحدة للابن المتجسد والمتأنس نحدث اختلاط أو امتزاجا " بين اللاهوت والناسوت " ... فإنهم إذا اعتبروا أن طبيعة الإنسان لكونها ضئيلة جدا أمام الطبيعة الإلهية الفائقة فلا بد أن تتلاشى إذا ما اتحدت بها، فإننا نجيبهم " تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله " (مت29: 22) فإنه لم يكن مستحيلا على الله محب الصلاح أن يخضع نفسه لحدود البشرية، وهذا هو ما سبق موسى وأعلنه لنا في سر مبينا لنا في مثال كيفية التجسد. فأن الله قد نزل في العليقة في البرية بمنظر النار وكان يضيء العوسج (العليقة) ولا يحرقه. وكان موسى يتعجب من هذا المنظر. لأن الخشب " بطبعه " لا يحتمل النار. فكيف استطاعت هذه المادة القابلة للاحتراق أن تحتمل اشتعال النار فيها " بدون أن تحترق "؟ لقد كان هذا كما قلت مثالا للسر الذي به استطاعت طبيعة اللوغوس الإلهية أن تخضع نفسها لحدود البشرية، لأنه أراد ذلك ولا يستحيل عليه شيء قط ... وكما أن النار كانت تضيء العليقة دون أن تحرقها هكذا أيضا اللوغوس لما تجسد لم يحرق الجسد الذي اتحد به بل على العكس جعله جسدا محيياً "(10).

وأيضا: " إن النار لم تستطع أن تلتهم العليقة، بل كانت تداعبها وتتآنس مع طبيعتها الخشبية ... بهذه الطريقة كان اللاهوت يتلاطف مع الناسوت "(11).

" فكما أن النار كانت تنير العليقة دون أن تلتهمها، هكذا أيضا اللوغوس في تجسده لم يحرق الجسد الذي اتحد به، بل جعله على العكس جسدا محييا. كان الكلمة نوراً وناراً في الجسد، في الناسوت ولم يحترق ولم يتلاشى هذا الناسوت بالنار الآكلة، بل أصبح الجسد مناراً ومنيراً لأته فيه حل ملء اللاهوت جسدياً "(12).

3 - جمرة اشعياء: وشبه اتحاد اللاهوت بالناسوت أيضا باتحاد النار مع الخشب، الفحم، في جمرة اشعياء، والنار المتحدة مع الفحم تكوّن معه وحدة واحدة لا نستطيع فيها أن نميز بين النار والفحم، ومع ذلك يظل الفحم فحماً وتظل النار ناراً. " يقول اشعياء النبي: " وجاء الي واحد من السرافيم وبيده جمرة متقدة أخذها بملقط من على المذبح وقال لي هذه ستلمس شفتيك لكي تنزع إثمك وتطهرك من خطاياك " (اش6: 6،7). ونحن نقول أن الجمرة المتقدة هي مثال وصورة الكلمة المتجسد ... مثالا لكلمة الله المتحد بالطبيعة البشرية دون أن يفقد خواصه، بل حول ما أخذه (الطبيعة البشرية) وجعله متحداً به، بل بمجده وبعمله. لأن النار عندما تتصل بالخشب (الفحم) تستحوذ عليه، لكن الخشب يظل خشباً 00 فقط يتغير إلى شكل النار وقوتها، بل يصبح له كل صفات النار وطاقتها ويعتبر واحدا معها. هكذا أيضا يجب أن يكون اعتقادنا في المسيح، لأن الله الكلمة اتحد بالإنسانية بطريقة لا ينطق بها، ولكنه أبقى على خواص الناسوت على النحو الذي نعرفه، وهو نفسه لم يفقد خواص اللاهوت عندما اتحد به (بالناسوت) بل جعله واحدا معه، وجعل خواص (الناسوت) خواصه. بل هو نفسه قام بكل أعمال اللاهوت فيه (في الناسوت) "(13).

ويقول أيضا " والمسيح يشبه بالجمرة لأنه مثلها يعتبر من شيئين مختلفين ولكنهما باجتماعهما معا قد أقترنا معا في وحدة واحدة، لأن النار حينما تدخل في الخشب "الفحم" تحوله بنوع ما إلى مجدها الخاص ومع ذلك فهو يبقى على ما كان عليه " أي خشباً " (14)

4 - اتحاد الحديد بالنار: ويشبه القديس كيرلس، أيضاً، اتحاد اللاهوت بالناسوت، مثل جمرة النار، بمثل الحديد والنار، فكما يتحد الحديد مع النار ويصيران قطعة ملتهبة، إلا أن النار تبقى ناراً والحديد يظل كما هو، وعندما نطرق الحديد المتحد بالنار لا تتأثر النار بذلك ؛ " كما أن الحديد إذا قربناه من نار شديدة يكتسب للوقت مظهر النار ويشترك في صفات ذلك العنصر الغالب، هكذا أيضا طبيعة الجسد التي اتخذها لنفسه اللوغوس غير الفاسد والمحيي لم تبقى على حالها الأول بل قد أنعتقت من الفساد ومن الفناء وسادت عليهما ".

" إذا وضعتم حديداً في النار، فأنه يمتلئ كذلك بقوة النار ... وهكذا الكلمة المحيي لما وحُد بذاته جسده الخاص - بالكيفية التي هو وحده يعلمها - جعل هذا الجسد محيياً "(15).

 

---

(1) كتاب " قانون الإيمان ج 2 التجسد " للأنبا يوحنا نوير ص 71.

(2) المرجع السابق ص 71.

(3) كتاب" الاصطلاحان طبيعة أو أقنوم " للقمص تادرس يعقوب ملطي ص 15.

(3) شرح تجسد الابن الوحيد ص 18.

(4) المرجع السابق ص 50.

(5) السابق

(6) On The Holy Baptism 45.

(7) الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ج 1: 469.

(8) كتاب " أمانة القديس يعقوب البرادعي " مخطوط بدير السريان (لاهوت).

(9) شرح تجسد الابن الوحيد 18و19.

(10) التجسد الإلهي للقديس كيرلس الكبير للأب متى المسكين ص 22 و 23. أنظر المسيح واحد ص 52 و 53.

(11) تاريخ الفكر ج3: 107.

(12) السابق 108.

(13) شرح تجسد ص 20 و21.

(14) التجسد الإلهي ص 24و25.

(15) التجسد الإلهي ص 25.

الفصل السابع

جسد المسيح: من السماء أم من العذراء؟

س 1: إذا كان كلمة الله لم يتحول إلى جسد بل اتخذ جسدا، فهل كان جسده حقيقيا أم شبه جسد (هيئة جسد)؟

& أولا: جسد حقيقي من مريم العذراء:

يقول الكتاب " لكنه أخلى نفسه اخدا صورة عبد " (في7: 2)، اتخذ الكلمة جسدا حقيقيا، حبلت به العذراء، تكون من لحمها ودمها داخل أحشائها ثم ولدته فكان هو وليدها وثمرة بطنها، أبنها المولود منها والذي حبلت به تسعه أشهر، ونما داخل أحشائها بقول الكتاب:

تنبأ اشعياء النبي بالروح القدس قائلا:

? " ها العذراء تحبل وتلد ابنا " (اش14: 7) تحبل وتلد.

? " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا " (اش6: 9) يولد.. ولد.

وقال الملاك جبرائيل للعذراء:

? " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا " (لو31: 1)، تحبل وتلد.

? " أيضا القدوس المولود منك " (لو35: 1)، مولود منها. أي من أحشائها.

وقالت القديسة اليصابات للعذراء مريم بالروح القدس:

? " مباركه أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك " (لو42: 1)، ثمرة بطنها.

وقال القديس بولس:

? " ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس

- 72 -

? " (غل4: 4)، مولودا من العذراء.

? " ومنهم (بنو إسرائيل) المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد آمين " (رو5: 9)، من إسرائيل بحسب الجسد.

? " فإذ كان (داود) نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه " (أع30: 2)، من ثمرة صلب داود حسب الجسد.

وقد استخدم الكتاب هنا كلمة " مولودا " (εγένετο - egeneto) وهي نفس الكلمة التي استخدامها في الإنجيل للقديس يوحنا " والكلمة صار "، أي " صائرا من امرأة " و " صائرا تحت الناموس ". وكما تعني عبارة " صار جسدا " انه اتخذ جسدا حقيقيا، هكذا، أيضا، تعني عبارة " صائرا من امرأة " انه اخذ جسده حقيقة من المرأة، فهو " نسل المرأة " الذي وعد الله انه " يسحق رأس الحية " (تك15: 3)، فهو مولود المرأة، العذراء، وثمرة بطنها، حبلت به مثل سائر المواليد ولما " تمت أيامها لتلد " (لو7: 2) ولدته وخرج من رحمها الذي تكون فيه ومنه ونما فيه، وكان هو ابنها البكر والوحيد (لو6: 2) الذي حبلت به من الروح القدس وبدون زرع بشر " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله " (لو35: 1).

اتخذ جسدا حقيقيا لم يأت به من السماء ولم يكن مجرد شبه أو خيال أو هيئه البشر دون أن يكون بشرا حقيقيا، إنما هو جسد حقيقي تكون من أحشاء العذراء مريم ونما في رحمها. انه جسد من لحم ودم وعظام، كما يقول الكتاب:

? " إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما... من ثم كان ينبغي أن يشبه اخوته في كل شئ " (عب14: 2،15).

قال الرب يسوع المسيح نفسه لتلاميذه بعد القيامة:

? " جسّوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي " (لو339: 24).

? وتنبأ المرنم أن عظامه ستظل سليمة عند صلبه وموته ولن تكسر:

? " يحفظ جميع عظامه وواحدة منها لا تنكسر " (مز20: 34).

وأكد القديس يوحنا الإنجيلي بالروح إتمام ذلك:

? " ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه " (يو23: 19-36).

انه اتخذ جسدا حقيقيا مكون من لحم ودم وعظام وبالتالي فقد كان كاملا من الناحية الفسيولوجية (الجسمية)، فكان يجوع ويعطش ويأكل ويشرب ويتعب وينام ويتألم، فبعد أن صام أربعين يوم وأربعين ليله " جاع أخيرا " (مت2: 4) وأيضا " جاع " (مت21: 11) بعد أن خرج مع التلاميذ من بيت عنيا، وعطش علي الصليب وقال " أنا عطشان " (يو28: 19)، وذلك لفقدانه لكمية كبيره من الدم والسوائل من جسده علي الصليب. وكان يأكل ويشرب، ومن ابرز ما يذكره الكتاب هو أكله مع تلاميذه الفصح (لو15: 22)، وأكله معهم " سمكاً مشوياً وشيئا من شهد العسل " (لو42: 24،43) بعد القيامة.

وأكل في بيت لعازر ومريم ومرثا (يو1: 12،2)، وفي بيت متي العشار (مت9: 9-11) الذي صار له تلميذا ورسولا وإنجيليا. وأكل في بيت سمعان الفريسي حتى اتهمه الكتبة والفريسيون انه " أكول وشريب " (مت19: 11)، وانه " يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة " (مر16: 2؛لو2: 15)، وطلب من السامرية أن تعطيه ليشرب " اعطني لأشرب " (يو7: 4)، وقال هو عن نفسه " جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب " (لو34: 7)، ونام علي ظهر السفينة وأيقظه تلاميذه (مر38: 4-40)(1).

كما تعب وجلس علي بئر يعقوب (يو6: 4) وأنّ (مر43: 7) وتألم ومات علي الصليب (يو19). وكذلك أيضا كان يفرح ويتهلل ويحزن ويبكي، أي كان كاملا من الناحية السيكولوجية (النفسية)، فقد بكي علي قبر لعازر (يو35: 11)، كما بكي علي أورشليم (لو41: 19)، كما حزن حزنا شديدا في البستان " ابتدأ يحزن ويكتئب " (مت37: 26)، " ابتدأ يدهش ويكتئب " (مر33: 14)، " وقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت " (مت38: 26) وفرح قبل إقامة لعازر وقال لتلاميذه " وأنا افرح لأجلكم " (يو15: 11)، وتهلل بعد عودة السبعين رسولا من إرساليتهم " تهلل يسوع بالروح " (لو21: 10). وهكذا يقول الكتاب: " كان ينبغي أن يشبه أخوته في كل شئ " (عب17: 2).

كما جرب من إبليس (مت1: 4-3)، وانتصر عليه وجاءت ملائكته لتخدمه (مت11: 4)، كما جربه الكهنة والكتبة والفريسيون مرات عديدة لكي يوقعوا به أمام اليهود فيظهرونه وكأنه مجدف وناقض لناموس موسى أو لكي يوقعوا به في قبضة الرومان كثائر ضد الاستعمار الروماني لفلسطين (مت1: 16). وكثيرا ما كان يقول لهم " لماذا تجربوني " (مت18: 22)، " لماذا تجربوني يا مرأون " (مر15: 12)، وكان دائما يجتاز التجربة بقوه وعظمة وان كانت تترك أثرا نفسيا عليه فقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يو11: 1).

قال بولس الرسول بالروح " لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطيه " (عب15: 4).

& ثانيا: أباء الكنيسة وميلاد المسيح من العذراء:

وقد أدرك أباء الكنيسة منذ بدء المسيحية حقيقة كمال ناسوت المسيح وحقيقة ميلاده، متجسدا من العذراء مريم وحتمية ذلك ودافعوا ضد الذين قالوا أن جسده خيالا، مثل الغنوسيين الذين هاجمهم القديس يوحنا قائلا:

? " كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بالمسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح " (1يو2: 4-3).

? وأيضا " لأنه قد دخل إلى العالم مضلون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتيا في الجسد. هذا هو المضل والضد للمسيح " (2يو7).

وسار علي نهجه تلميذه القديس بوليكاريوس الذي قال مستخدما نفس عباراته:

" كل من لا يعترف بان يسوع المسيح قد جاء في الجسد هو ضد المسيح "(2).

? وقال القديس اعناطيوس الإنطاكي:

" المسيح يسوع الذي من نسل داود والمولود من مريم الذي ولد حقا وأكل حقا

وشرب حقا وصلب حقا علي عهد بيلاطس البنطي ومات حقا "(3).

? وقال القديس ايريناؤس أسقف ليون:

" إن لم يكن المسيح إنسانا حقا وإلها حقا لأصبح خلاصنا مستحيلاً وعندما جاء المسيح إلى عالمنا مخلصا أخذ جسدا حقيقيا كأجسادنا لأن الرسول يقول: " والكلمة صار جسدا "(4).

وقال أيضا " أن المسيح آدم الأخير كان لحما ودما من دمنا كان إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معني "(5).

? وقال ميليتوس أسقف ساردس في القرن الثاني:

" فهوذا المسيح " الذي صار جسدا في بطن العذراء والذي لم تكسر عظامه علي الخشبة "(6).

? وقال اكلمندس الإسكندري:

" بعملية التجسد أصبح الابن منظورا ومدركا في خير الأشياء التي نراها والتي ندركها بحواسنا "(7).

? وقال يوستينوس الشهيد في حواره مع تريفو اليهودي:

" من البديهي لدي جميع الناس إن لا أحد من جنس إبراهيم حسب الجسد قد ولد من عذراء، ولم يقل أبدا عن أحد انه ولد من عذراء، إلا عن المسيح. وقيل عنه " ها العذراء تحبل وتلد ابنا " لأنه إن لم يكن المولود من العذراء هو ذلك الذي يتكلم عنه اشعياء النبي فمن الذي قال عنه الروح القدس: " ولكن يعطيكم السيد نفسه آيه... " ولكن الآية الحقيقية التي صارت سببا لرجاء الجنس البشري، هي أن بكر كل الخليقة صار جسدا من الحشا البتولي وولد "(8).

? وقال القديس اثناسيوس الرسولي:

" كانت مريم في الحقيقة مفترضة من قبل. ليأخذ الكلمة منها (جسدا) ويقدمه من أجلنا كذاته... أنها ولدته، وأنها " قمطته " ولذلك فان الثديين اللذين رضعهما يعتبران مباركين. وقد قدم ذبيحة. لأنه بولادته فتح الرحم وهذه كلها براهين علي أن العذراء هي التي ولدته.

وجبرائيل حمل إليها البشارة بيقين كامل ولم يقل مجرد " المولود فيك "، حتى لا يظن أن الجسد غريب عنها ومجلوب إليها من الخارج، بل قال " المولود منك " لكي يعتقد الجميع أن المولود خارج منها. إذ ان الطبيعة تبين هذا بوضوح، فمن المستحيل علي عذراء تدر لبنا إن لم تكن قد ولدت. ومن المستحيل أن الجسد يتغذى باللبن ويقمط أن لم يكن قد ولد بصوره طبيعية قبل ذلك "(9).

& ثالثا: الإنسانية الكاملة:

كان كاملا في ناسوته، إنسانيته، إذ قد تكون جسده من لحم ودم وعظام وأيضا من روح ونفس. أي كان جسدا كاملا بنفس وروح إنسانية عاقلة. وقد استخدم الكتاب في النصوص والآيات الدالة علي تجسده اتخاذه جسدا، كلمه " σαρζ - sarx "، أي جسد flesh، الطبيعة البشرية. فقد استخدم الكتاب عبارات: " صار جسدا "، " في الجسد "، " من جهة الجسد "، " حسب الجسد " للتعبير عن تجسده واتخاذه، الجسد الكامل أو الإنسانية الكاملة " والكلمة صار جسدا " (يو14: 1).

? الله حلف (لداود) " بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد " σαρζ - sarx " (أع30: 2).

? " الذي صار من نسل داود حسب الجسد " " σαρζ - sarx " (رو3: 1).

? " الذي إذا أرسل ابنه في شبه جسد " σαρζ - sarx " الخطية " (رو3: 8).

? " ومنهم (نسل إبراهيم) المسيح حسب الجسد " σαρζ - sarx " (ررو5: 9).

? " وان كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد " σαρζ - sarx " (2كو16: 5).

? " قد صالحكم الآن في جسم (σώματι - swma) بشريته (σαρκός της - Tis sarxos) (كو21: 1-22).

? " مماتا في الجسد " σαρζ - sarx " (1بط18: 3).

? " تألم المسيح لأجلنا في الجسد " σαρζ - sarx " (1بط1: 4).

وكلمة " σαρζ - sarx " يقابلها في العبرية كلمة " بسر - basar "(10)، أي إنسان، ويقابلها في العربية " بشر "(11)، وتعني الإنسان، الإنسانية، وقد استخدمها العهد الجديد عن المسيح للتعبير عن إنسانيته الكاملة مع الإشارة إلى تجسده بشكل ظاهر ومحسوس ومدرك. كما استخدمها في أحوال كثيرة متضمنة النفس والروح(12).

وهي عكس كلمه (σώματι - swma)، أي جسم، body، وتترادف مع كلمة " انثروبوس " ανθρωπος - anthrwpos "، أي إنسان، بشر، رجل، والتي استخدمها السيد عن نفسه باعتباره كامل في ناسوته فقال:

" أنا إنسان " ανθρωπον - anthrwpon " قد كلمكم بالحق " (يو40: 8).

وكما رآه اليهود كإنسان فقط فقالوا له معترضين علي قوله انه ابن الله:

" فانك وأنت إنسان " ανθρωπος - anthrwpos" تجعل نفسك إلها " (يو33: 10). وقالوا عنه أيضا: " لم يتكلم قط إنسان " ανθρωπος - anthrwpos " مثل هذا الإنسان " ανθρωπος - anthrwpos " (يو46: 7).

وقال القديس بولس الرسول:

? " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان " ανθρωπος - anthrwpos " يسوع المسيح " (1تي5: 2)، فهو الوسيط كإنسان وكإله. وكإنسان كامل في ناسوته، إنسان كامل.

ومنه أيضا لقب ابن الإنسان " ανθρωπου ό υίος - anthrwpou ho uios " الذي استخدمه الرب يسوع المسيح كثيرا.

& رابعا: إعلان الكتاب المقدس عن نفسه وروحه الإنسانية:

والكتاب لم يكتف بهذا الكلام فقط عن إنسانية المسيح الكاملة بل أكد أن له نفسا روحا إنسانية عاقلة. فعندما مات علي الصليب قال " يا أبتاه في يديك استودع روحي " (لو46: 23)، ثم " اسلم الروح " (مت5: 27)، أي خرجت روحه الإنسانية من جسده الإنساني وهو يستخدم نفس التعبير الذي استخدمه القديس استيفانوس لحظة وفاته " أيها الرب يسوع أقبل روحي " (أع9: 7).

وعن نفسه الإنسانية قال: " نفسي حزينة جدا حتى الموت " (مر34: 14). وهكذا يثبت الكتاب ويؤكد أن المسيح فعلا كان مجربا مثلنا، شابهنا في كل شئ " ما عدا الخطية " (عب15: 4).

وقد عبر الآباء عن اتخاذ الله للإنسانية الكاملة بتعبير " تجسد وتأنس "(13)، أي كما يري الآباء إن كلمة " تأنس " تفيد انه صار إنسانا كاملا نفسا وجسدا وروحا "(14)، وجاء في قانون الإيمان مجمع نقيه (325م) " نزل من السماء وتجسد من الروح ومن مريم العذراء تأنس " أي اخذ إنسانيتنا الكاملة.

? قال يوستينوس الشهيد:

" أن ناسوت المسيح كان يشمل جسدا ونفسا "(15).

? وقال العلامة اوريجانوس:

" لأنه من المستحيل أن تتحد الطبيعة الإلهية بالجسد بدون عامل وسيط وهي

النفس البشرية "(16).

? وجاء في الابصلمودية المقدسة:

" وهكذا أيضا تجسد منك يا مريم بغير تغيير، بجسد ناطق، مساو لنا كامل. وله نفس عاقلة "(17).

? ونصلي في القداس الإلهي قائلين:

" أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست وشابهتنا في كل شئ ما خلا الخطية وحدها... وأكملت التدبير بالجسد "(18).

? وقال القديس اثناسيوس الرسولي متسائلا:

" كيف تجسد المخلص وحل بيننا؟ هل اخذ جزءًا من الإنسان أي الجسد فقط؟ وهل هذا يعني انه كان عاجزا عن أن يخلص النفس أي يخلص الإنسان كله؟ اشمأز من العقل الإنساني لأنه اخطأ أم أنه كان يخاف أن يخطئ هو أيضا؟ وكيف يخاف وهو الإله الذي إذا تجسد وصار إنسانا استمر في صلاحه وكماله. أن الذين يفكرون بهذا الأسلوب هم بلا شك مملؤون بالكفر "(19).

ثم يجيب: " وإذا كانت الأناجيل تقول أن يسوع " اضطرب بالروح " (يو21: 13) فقد أعلن الرب بكلمات أخرى انه يعني عقله الإنساني بقوله " نفسي قد اضطربت " (يو27: 12)، وإذ كشف الرب بهذا عن عقله الإنساني فقد أعلن بذلك إن فيه ذات العنصر الذي فينا وهذا ما جعله يترفق بنفوسنا "(20)، وأيضا " هو اله تام، وهو إنسان تام ذو نفس ناطقة وجسد بشري ذو كيان ووجود "(21).

? قال البابا ثيئوفيلوس الإسكندري (358 - 412م):

" لم يكن المسيح جسداً بدون نفس، وان الله الكلمة لم يحل فيه (في هذا الجسد) محل النفس " (في سر التجسد 13)، " يجب أن يعرف... انه قد اتخذ مثيل حالتنا تماما، وأنه إذا قد شاركنا ليس فقط في جسد أو نفس غير ناطقة وبلا عقل vous (nous)،ولكن في الجسد كله والنفس كلها، فقد اظهر فيه إنسانا كاملا "(22).

? وقال القديس ديديموس الضرير (313 - 398م):

" ظهر ناسوته لنا في كل شئ، فيما عدا الخطية ولم يكن جسده بغير نفس.. أن نفس يسوع.. عاقلة ومطابعة لنفوس الناس (أو من ذات جوهرها)، كما أن جسده

? وقال البابا داماسوس أسقف روما في رسالة كتبها سنة 375م:

الخارج من مريم كان مطابعا لأجساد الناس (أو من ذات جوهرها) "(23).

" يلزم أن نعترف بأن الحكمة ذاته، الكلمة، ابن الله، اتخذ جسدا ونفسا وعقلا (nous) بشريين، اعني آدم كله، وبعبارة أوضح كل إنساننا العتيق، فيما عدا الخطية "(24).

? وقال القديس كيرلس الإسكندري:

" فهوذا (المسيح) كلمة الله الآب الذي تجسد وصار إنسانا كاملا ونحن نؤمن أن الجسد الذي اتحد به، فيه نفس عاقلة، ولهذا فالاتحاد كامل وحقيقي "(25).

" لذلك عندما نسمع أن الكلمة صار جسدا فلنعتقد انه تجسد وصار إنسانا له نفس وجسد لان الكلمة الذي تجسد وصار إنسانا كاملا ودعي ابن الإنسان لأن له نفسا وعقلا، اتحد بكل مكونات الإنسان اتحادا حقيقيا بطريقه يعرفها هو وحده "(26).

وأيضا " (يجب أن) يعرف أن جسد الرب المأخوذ من مريم كانت له أيضا نفس، ليس كتلك التي تمتلكها الكائنات غير العاقلة وإنما (التي تملكها) الأناس العاقلة "(27)

? وقال القديس البابا ديوسقوروس (444 - 454م):

" إلا انه مع أخذه الجسد ذا النفس العاقلة استمر إلها مثلما كان "(28).

? وقال يوحنا الدمشقي:

" وان المسيح بالتجسد قد أقام له جسدا حيا ذا نفس ناطقة وعاقلة وذلك من انقي دماء الدائمة البتولية، فاتخذ باكورة الجبلة البشرية صار الكلمة نفسه أقنوما للجسد، حتى أن هذا الجسد كان معا جسد ابن الله وجسد ذا نفس ناطقة وعاقلة "(29).

? وقال الأنباء ساويروس المقفع (القرن العاشر):

" اتخذ الابن الإله جسدا هكذا من مريم العذراء له روح عاقلة ناطقة ".

" والكلمة صار جسدا ".. أخذ الجسد بكامله. ذو نفس عاقلة كما قال سفر الخليقة أن الإله اتخذ ترابا من الأرض فخلق الإنسان... كذلك قال "والكلمة صار جسدا " فدل إن الجسد كامل بكماله ذو نفس عاقلة ناطقة ولهذا سمي آدم الثاني "(30).

---

(1) أنظر أيضا (مت24: 8؛ لو28: 8).

(2) رسالته إلى فيلبي 1: 7.

(3) " رسالته إلى ترالس: 9.

(3) تاريخ الفكر المسيحي ج 1: 436.

(5) Adv. Her. 5: 14: 2.

(6) Quasten 267.

(7) Strom 5 ;39 ; 16;5.

(8) قتلة الأنبياء، ترجمة مليكة ويوسف حبيب 13، 14.

(9) الرسالة إلى ابيكتيتوس: 5.

(10) Theological Dic. Of NT vol.2: 127.

(11) كما تعني في العبرية أيضا اللحم (حز6: 37) والقرابة الجسدية، النسب (تك23: 8،24)، كما تعني كلمة بشر في العربية أيضا " البشره " أي ظاهر جلد الإنسان ؛ مختار الصحاح ص 54.

(12) The Pulpit vol. 17: 17.

(13) القداس الإلهي.

(14) القديس أثناسيوس الرسولي، للأب متى المسكين ص 386.

(15) Just. Dial. C. Trypho 102.

(16) De Princip. ii , 6;3.

(17) ثيؤتوكية الثلاثاء.

(18) القداس الغريغوري، صلاة الصلح.

(19) تجسد ربنا يسوع 37.

(20) تجسد ربنا يسوع 40،49.

(21) قانون الإيمان الأثناسيوسي ف 30.

(22) في سر التجسد 13.

(23) السابق 16.

(24) السابق 16.

(25) شرح تجسد الابن الوحيد 38.

(26) المرجع السابق 40.

(27) تفسيره لإنجيل يوحنا 27: 12.

(28) البابا ديسقوروس، للأنبا أغريغوريوس 168.

(29) المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي 46.

(30) الدر الثمين في إيضاح الدين 55 ؛ وكتاب المجامع، مخطوط بدير السريان 136 لاهوت.

الفصل الثامن

جسد المسيح روحي أزلي أم مادي زمني؟

وما معنى عبارة "مولود غير مخلوق"

س 1: جسد المسيح ؛ هل هو روحي أزلي أم مادي زمني؟

ونقول في قانون الإيمان النيقاوي " نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق"، فما معني عبارة " مولود غير مخلوق"؟

& أولا: جسد المسيح وهل هو روحي أم مادي، أزلي أم زمني:

قلنا إن المسيح كإله، بلاهوته، صورة الله غير المنظور، بهاء مجد الله الآب ورسم جوهره، قوه الله وحكمة الله، انه الله ناطقا عقل الله الناطق، الله معنا، الله الظاهر في الجسد، الإله القدير، الكائن على الكل الإله المبارك، الإله الواحد، الإله العظيم، رب المجد، رب الأرباب، رب الكل (العالمين)، وقلنا أن " الله روح " (يو24: 4)، و " أما الرب فهو الروح " (كو7: 3)، والروح كما يقول الرب يسوع المسيح " ليس له لحم وعظام " (لو39: 24)، فهو بسيط وغير مركب، انه " نور و " ساكن في نور لا يدني منه " (1تي16: 6)، وغير مرئي وغير مدرك بالحواس.

أما جسد المسيح، المسيح كإنسان، بناسوته، فهو كما ذكر الكتاب مكون من لحم ودم وعظام ونفس إنسانية وروح إنسانية، مولود من مريم العذراء وقد تكون في أحشائها ومن أحشائها، هيأ لنفسه منها جسدا " فلذلك يقول عند دخوله إلى العالم:

ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدا " (عب5: 10)، اعد الجسد داخل أحشائها من لحمها ودمها، حل الروح القدس عليها وطهر أحشاءها، حل اللاهوت، الكلمة في بطن العذراء وهيأ لنفسه جسدا منها، من لحمها ودمها، فهو ثمرة بطنها المولود منها بقوة الروح القدس: " أن الابن (اللوجوس) قد حل في بطن القديسة العذراء، وأخذ له ناسوتا منها ثم ولدته "(1).

انه آدم الثاني، الإنسان الكامل المولود بغير زرع بشر، انه من نفس جبلتنا فقد أخذ من لحم ودم مريم العذراء المجبولة من نسل آدم. انه من جنسنا.

- " من ثم كان ينبغي انه يشبه اخوته في كل شئ " (عب17: 2) انه مولود من مريم العذراء فهو كإنسان ابن مريم وابن داود وابن إبراهيم.

- ولد في ملء الزمان " ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة " (غل4: 4).

- وبالتالي فالمولود من البشر هو بشر أو كما قال السيد نفسه: " المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح " (يو5: 3)، والمولود من المادة هو مادة، والمولود من الزمني هو زمني، فالجسد المولود من العذراء هو من لحمها ودمها ومن نفس جوهرها وطبيعتها كإنسان، انه كإنسان من نفس طبيعتنا وجنسنا وجوهرنا، من نفس طبيعة العذراء وجوهرها، مولود منهما فهو ثمرة بطنها. وهو كإنسان شابهنا في كل شئ من لحم ودم وعظام وروح إنسانية عاقلة ونفس إنسانية. انه مولود من العذراء وكإنسان بدأ في العذراء وتكون منها وفيها وكإنسان حبلت به وكإنسان ولد منها وهو ابنها.

قبل التجسد كان اللاهوت ولم يكن الناسوت، وقبل العذراء مريم لم يكن للناسوت أي وجود وإنما وجد بعد وجودها لأنه منها. والعذراء مجبولة، فهو مجبول من العذراء، والعذراء حادثة زمنية مخلوقه وهو مولود منها، حبلت به وولدته ورضع من لبنها ودعي ابنها، ابن مريم، مع انه الموجود منذ الأزل بلاهوته فقد كان بلاهوته منذ الأزل، فهو الله الدائم الوجود، الأبدي الأزلي، غير الزمني، الذي بلا بداية وبلا نهاية.

- قال القديس أثناسيوس الرسولي موضحا جوهر وطبيعة ناسوت المسيح، المسيح بناسوته، المسيح كإنسان في كتابه تجسد الكلمة:

" ولكنه اتخذ جسدا من جنسنا ...، وليس ذلك فحسب، بل من عذراء طاهرة وبلا لوم، لم تعرف رجلا، جسدا طاهرا وخاليا بالحق من زرع البشر. لأنه بالحق هو القادر عل كل شيء، وبارئ كل شيء، أعد الجسد في العذراء كهيكل له، وجعله جسده بالذات، وأتخذه أداه له وفيه أعلن ذاته، وفيه حل(2).

- " وهكذا إذ اخذ جسدا من أجسادنا جسدا مماثلا لطبيعتها "(3).

- " فقد اخذ لنفسه جسدا لا يختلف عن جسدنا "(4).

- " وإذ رأى " الكلمة " أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلا بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة " الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا اخذ لنفسه جسدا قابلا للموت حتى باتحاده بالكلمة، الذي هو فوق الكل، يكون جديرا أن يموت نيابة عن الكل "(5).

- " فأنه إذ أتى إلى عالمنا، واتخذ أقامته في جسد واحد بين أترابه "(6).

- " لهذا إذ ابتغي منفعة البشر كان طبيعيا أن يأتي إلينا كإنسان أخذا لنفسه جسداً كسائر البشر، ليعلمهم الأمور الأرضية أي بأعمال جسده "(7).

- " وما دام الجسد قد اشترك في ذات الطبيعة مع الجميع لأنه كان جسدا بشريا وان كان قد اخذ من عذراء فقط بمعجزه فريدة، فكان لابد أن يموت أيضا كسائر البشر نظرائه، لأنه كان جسدا قابلا للموت. ولكنه بفضل اتحاده " بالكلمة " لم يعد خاضعا للفساد بمقتضى طبيعته، بل خرج عن دائرة الفساد بسبب الكلمة الذي أتى ليحل فيه(8).

- وجاء في رسالته إلى ادلفوس:

" لأنه إن كان الجسد في حد ذاته هو جزء من عالم المخلوقات لكنه صار جسد الله "(9).

و " لذلك فانه عند اكتمال الدهور أيضا فقد لبس هو نفسه ما هو مخلوق (أي الجسد) لكي يجدده مره أخري بنفسه كخالق، ولكي يستطيع أن يقيمه "(10).

- وجاء في رسالته ابكتيتوس:

" العذراء هي التي ولدته. وجبرائيل حمل إليها البشارة بيقين كامل ولم يقل مجرد " المولود فيك " حتى لا يظن أن الجسد غريب عنها ومجلوب إليها من الخارج، بل قال " المولود منك " لكي يعتقد الجميع أن المولود خارج منها. إذ أن الطبيعة تبين هذا بوضوح، فمن المستحيل على عذراء أن تدر لبنا أن لم تكن قد ولدت. ومن المستحيل أن الجسد يتغذى باللبن ويقمط أن لم يكن قد ولد بصورة طبيعية قبل ذلك "(11).

- " وهكذا فان المولود من مريم هو بشري بالطبيعة، بحسب الكتب الإلهية، وأن

جسده جسد حقيقي، وهو حقيقي لأنه نفس جسدنا، حيث أن مريم هي أمنا، لأننا نحن جميعا (هي ونحن) أيضا من آدم "(12).

- " أن الجسد الذي كان فيه الكلمة لم يكن من نفس جوهر اللاهوت، بل هو حقا مولود من مريم، والكلمة نفسه لم يتحول إلى عظام ولحم، بل قد صار في الجسد ... أنه صار جسدا لا بتحوله إلى جسد بل باتخاذه جسدا حيا من أجلنا، وصار إنسانا ... وبما أن هذا هو معنى النص المشار إليه، فانهم يدينون أنفسهم أولئك الذين يظنون أن الجسد المولود من (مريم) كان موجودا قبل مريم، وأن الكلمة كان له نفس بشرية قبلها (قبل مريم) "(13).

- وجاء في كتاب تجسد ربنا يسوع المسيح والمنسوب إلى القديس اثناسيوس:

" لقد تم اتحاد لاهوت كلمه الله بالناسوت في أحشاء القديسة مريم، عندما نزل الكلمة من السماء، أي أن الناسوت لم يكن له وجود قبل نزول الكلمة وتجسده، بل لم يكن للناسوت أي وجود حتى قبل وجود مريم والده الإله التي ولدت من آدم "(14).

- " أما هؤلاء الذين نفند آراءهم (الهراطقة، المبتدعون) فهم يتوهمون أن الكلمة متغير أو يفترضون أن تدبير الآلام هو غير حقيقي ولم يحدث، لأنهم يطلقون علي جسد المسيح أوصافا مثل " غير مخلوق " و " سمائي " و أحيانا يقولون أن الجسد " من ذات جوهر اللاهوت "(15).

- وقال القديس كيرلس عمود الدين في شرح تجسد الابن الوحيد:

" وإذا كان هناك أحد ما يتجرأ أو يعلم بأن الجسد الترابي (أي مريم العذراء) هو الذي ولد الطبيعة الإلهية غير الجسدانية، أو أن العذراء حبلت بالطبيعة التي هي فوق كل الخليقة، فان هذا هو الجنون بعينه، لان الطبيعة الإلهية ليست من تراب الأرض حتى تولد منه (من التراب ولا تلك الخاضعة للفساد تصبح أما لعدم الموت ولا تلك الخاضعة للموت تلد الذي هو حياه الكل، ولا غير المادي يصبح ثمره للجسد الذي بطبيعته خاضع للميلاد وله ابتداء في الزمان، الجسد لا يمكنه أن يلد الذي لا بداية له ... هكذا الكلمة هو الله لكنه تجسد أيضا وولد حسب الجسد وبطريقه بشرية، لذلك تدعي التي ولدته والدة الإله "(16).

- وأيضا " لأنه عندما تجسد أخذ جسدا ارضيا من تراب الأرض، ولذلك قيل انه مات به (الجسد) مثلنا، رغم انه بطبيعته هو الحياة "(17).

- وقال في تفسير يوحنا ؛ " لم يكن (جسد المسيح) خيالا أو شبحا استتر في شكل بشري، أو كما يدعي البعض جسدا روحيا من مادة خاصة أثيرية مختلفة تماما عن الجسد الذي علق علي الصليب، وهذا ما يفهمه البعض من تعبير " الجسد الروحي(18) "(19)، " لأنه كيف، وبأي وسيلة يمكن لأثار المسامير والجروح وتناول الطعام المادي أن تنسب لروح عارية من الجسد؟ كل هذه الأمور تناسب الجسد وأحواله وحده. وما فعله المسيح لا يعطي الفرصة لأحد لكي يعتقد أن المسيح قام (من الأموات روحا فقط)، أو أن جسده كان خيالا أو جسدا أثيريا، وهو ما يطلق عليه البعض اسم الجسد الروحي "(20).

- وقال في تفسير أمثال 23: 8 ؛ " لبس جسدنا كما لو كان من الأرض "(21).

- وقال تعليقا علي أمثال 1: 9 ؛ " لقد صار بيتا للحكمة، مبنيا بها، هذا الجسد العادي المولود من القديسة العذراء "(22).

- وهاجم القديس اعناطيوس في أواخر القرن الأول الذين أنكروا بشرية جسد المسيح وقالوا انه كان شبه أو خيال وانه لم يتألم بالحقيقة كبشر ولكن شبه لهم:

" إذا كان يسوع المسيح كما زعم الذين بلا اله، أي الملحدين لم يتألم إلا في الظاهر ... فلماذا أنا مكبل بالحديد لماذا أتوق إلى مجابهة الوحوش؟ "(23).

- وقال اغريغوريوس النيزنزي في رسالة إلى كليدونيوس ضد ابوليناريوس:

" وإذ قال أحد أن جسده جاء من السماء وليس من هنا أو منا (نحن) علي الرغم من انه فوقنا فليكن محروما، لان الكلمات: " الإنسان الثاني الرب من السماء " (1كو47: 15) وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضا (1كو48: 15) " ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) وما شابه ذلك تفهم باعتبار الاتحاد مع السماوي حتى أن كل الأشياء خلقت بالمسيح والمسيح يحل في قلوبكم "(24).

- قال البابا تاودوسيوس البطريرك ال 23(528 559م):

" وإذا المسيح خرج من زرع داود وأخذ شبهنا في كل شئ ما خلا الخطية فنحن اخوته بحق كما نص الرسول "(25).

- وقال البابا بنيامين البطريرك ال 38 (617 656م):

" الذي هو الله الكلمة صار جسدا بأقنومه وحده بدون افتراق ولا اختلاط من جسد ودم والده الإله مريم المقدسة التي هي عذراء في كل زمان. جسدا مساويا لنا متألما له نفس عاقلة ناطقة "(26).

- وقال يوحنا الدمشقي:

" تم التجسد الإلهي علي أثر التبشير ... إذ بعد إن قبلت العذراء القديسة (بشارة الملاك لها) حل الروح القدس عليها ... فطهرها ومنحها أيضا قوة استيعاب لاهوت الكلمة مع ولادته. وللحال ظللتها حكمه الله العلي وقوته ... فاستخلص لذاته من دمائها النقية الجزيلة الطهارة جسدا حيا، نفساً ناطقة عاقلة ... لم يتحد بجسم له أقنومه قائم في ذاته بل أنه لما حل في أحشاء العذراء القديسة وهو غير محصور في أقنومه قد أقام له جسدا حيا ذا نفس ناطقة وعاقلة، وذلك من انقي دماء الدائمة البتولية "(27).

- وقال البابا مقار ال 59 (923 943م):

" بمشيئة الآب وفعل الروح القدس ومن مريم الطاهرة حين ناداها رئيس الملائكة جبرائيل فحبلت من ثم بالكلمة المتأنس تسعه شهور تامة وولدت بأمر عجيب ... وهكذا ولد من العذراء "(28).

- وقال البابا مينا الثاني ال 61 (948 966م):

" نزل إلينا بدون مفارقة حصن أبيه وانفصاله عن جوهره وحل في بطن العذراء البتول: وإنما صنع له جسما بشريا من الروح القدس ومن دمائها الطاهرة بنفس ناطقة عاقلة من نسل إبراهيم ولذلك صار الكلمة لحما 00 "(29).

- وقال ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين:

" انه تراءى وظهر لنا في آخر الزمان في جسد خلقه من جسم العذراء مريم "(30).

- قال الأنبا بولس البوشي في ميمر له علي الميلاد:

" المولود من الآب قبل الدهور ميلادا أزليا بلا ابتداء لا يدرك ولا يحد له زمان ولد اليوم للخلاص ".

- وجاء في مذكرة طبيعة المسيح لقداسه البابا شنوده الثالث:

" الطبيعة اللاهوتية (الله الكلمة) اتحدت بالطبيعة الناسوتية التي أخذها الكلمة (اللوجوس) من العذراء مريم بعمل الروح القدس. الروح القدس طهر وقدس مستودع العذراء طهارة كاملة حتى لا يرث المولود منها شيئا من الخطية الأصلية، وكون من دمائها جسدا اتحد به ابن الله الوحيد وقد تم هذا الاتحاد منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس في رحم السيدة العذراء "(31).

- وجاء في كتاب أنت المسيح ابن الله الحي للأنبا أغريغوريوس ردا علي سؤال " هل جسد المسيح مخلوق؟ ". " أقول نعم أن الجسد من حيث هو جسد، مخلوق، وقد تكون بالروح القدس من مريم العذراء، من دمها ولحمها ... فلذلك يقول عند دخوله إلى العالم: ذبيحة وتقدمه لم تشأ ولكن هيأت لي جسدا "(32).

" ومع ذلك بعد التجسد لا نجرؤ علي أن نفصل بين ناسوت المسيح ولاهوته لأنهما منذ التجسد قد اتحدا بغير افتراق ولا انفصال ولا يجوز بتاتا أن نميز أو نفصل بين اللاهوت والناسوت أو نفرق بينهما وإذا فصلنا بين خصائص الناسوت وخصائص اللاهوت نفصل بين الخصائص فصلا ذهنيا بينهما بعد الاتحاد، لأنه اتحاد كامل لا يقبل الانفصال أو الافتراق "(33).

& ثانيا: مولود غير مخلوق:

س 2: إذا ما معني عبارة " مولود غير مخلوق؟ "

عبارة " مولود غير مخلوق " تخص اللاهوت، الطبيعة الإلهية فالمسيح من حيث هو اله، من حيث لاهوته، فهو مولود من الآب قبل الأزمان ولادة لا مادية ولا حسية، فهو نطق الله الذاتي وعقله الناطق يصدر من ذات الآب بالولادة بلا انفصال، بولادة روحيه فوق الجنس والحس والعقل والإدراك في كامل التنزيه والتجريد والتوحيد، يصدر من ذاته وفي ذاته، فهو عقل الله ناطق، الله ناطقا، كلمه الله وقوة الله وحكمة الله ورسم جوهره.

انه مولود غير مخلوق " من حيث هو كلمة الله، وكلمة الله مولود من الآب "، " أنت ابني أنا اليوم ولدتك " (مز7: 2)، فهو كلمة الله الذي هو الله نفسه: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة (هو) الله " (يو1: 1).

وعبارة " مولود غير مخلوق " وردت في قانون الإيمان الذي صدر عن مجمع نيقية سنه 325م، والذي رد بها علي بدعة اريوس الذي أنكر أزلية المسيح وولادته من ذات الآب كابن الله وكلمة الله ونطقه الذاتي العاقل وقال انه مخلوق وموجود قبل الزمان وقبل العالم ومتميز عن الآب وهو حسب اعتقاد اريوس كائن متوسط بين الآب والعالم، ورفض فكرة ولادة الابن والكلمة من ذات الله واعتبر أن الولادة لا تتفق مع روحانية الله لان الولادة تقتضي المادية كما تقتضي الشهوة الجنسية والتغير، ورفض أن يكون الابن من جوهر الآب أو أن يكون صادرا منه وإنما قال أن الابن وجد بعملية خارجية محدودة أو بفعل صادر عن أراده الآب.

وهو بهذا يتجاهل أقوال وإعلانات الكتاب المقدس عن أزلية المسيح وكونه الله ذاته، الله الكلمة، عقل الله ونطقه العاقل وكلمة الله المولود منه ولادة روحية لا حسية ولا مادية وانه " مساو للآب في الجوهر " لأنه صورة الله غير المنظور المساوي الله لأنه هو الله. انه ابن الله، كلمته المولود منه بلا بداية ولا انفصال.

- " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1).

- " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي كان والذي يأتي " (رؤ8: 1).

- " أنا هو الألف والياء. الأول والأخر " (رؤ11: 1).

- " أنا الألف والياء الأول والأخر. البداية والنهاية " (رؤ13: 22).

- " ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " (مي5: 2).

- " الكل به وله قد خلق وهو قبل كل شئ وفيه يقوم الكل " (كو17: 1).

انه البدء ومبدىء الحياة، الله، الأزلي الأبدي، الذي بلا بداية وبلا نهاية، الدائم الوجود، غير الزمني، الذي لا يحد. ولم يكن هناك وقت لم يكن، فهو كلمة الله الذاتي الذي لا يحد. ولم يكن هناك وقت لم يكن فيه، فهو كلمة الله الذاتي الأزلي ولم يكن هناك وقت كان الله فيه بدون عقله وكلمته " منذ وجوده أنا هناك " (اش16: 48).

- قال القديس امبروسيوس:

" الابن هو قبل الزمن وخالقه ولا يمكن أن يكون قد بدأ في الوجود بعد خليقته "(34).

- وقال القديس اثناسيوس الرسولي:

" كلمته أزلي وهو ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور اله حق من اله حق، مساو للآب في الجوهر الذي به كان كل شئ ولم يكن قبل وجوده زمان ولا بدء له ... قبل كل الدهور كلها وليس بمكون ولا كان من بعد أن لم يكن "(35).

وقد جاء نص قانون الإيمان النيقاوي الذي رد فيه علي إنكار اريوس لأزلية المسيح هكذا:

" نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور اله حق من اله حق، مولود غير مخلوق مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شئ الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس ".

واضح هنا انه مولود من الآب قبل كل الدهور كإله، كالله الكلمة، بلاهوته وان ولادته من الآب هي المقصود بها انه مولود غير مخلوق، مولود من ذات جوهر الآب بلا انفصال وليس مخلوق كما قال أريوس.

وانه مساو للآب في الجوهر أو واحد مع الآب في الجوهر كما قال:

- " أنا والآب واحد " (يو30: 10)

- " كل ما للآب هو لي " (يو15: 16)

- " من رآني فقد رأي الآب أنا في الآب والآب فيّ " (يو9: 14،10).

والملاحظ في تسلسل قانون الإيمان انه يتكلم عنه كإله أولا، مولود من الآب قبل كل الأزمان وليس مخلوق وانه خالق كل شئ ثم يحدث عن تجسده أو ميلاده من العذراء في " ملء الزمان " تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس ".

فالمسيح له ميلادان، ميلاد أزلي من ذات الله الآب وفي ذاته بلا انفصال " الابن الوحيد الذي في حضن الآب (يو18: 1)، فهو كلمة الله ونطقه العاقل، الله الكلمة، الله ناطقا، وميلاد زمني من مريم العذراء في ملء الزمان الذي هو تجسده، ميلاد أزلي دائم وغير منفصل وهو الذي يعبر عنه قانون الإيمان بقوله: " مولود غير مخلوق "، وميلاد زمني له بداية، حادث ويعبر عنه قانون الإيمان بالقول: " نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس "، فهو أزلي زمني في آن واحد، أزلي كإله، باعتبار لاهوته وزمني كإنسان باعتبار ناسوته.

- قال القديس كيرلس الإسكندري:

" أن المسيح الواحد هو عينه الابن الوحيد المولود من الآب. وهو ذاته البكر بين أخوه كثيرين. هو عينه أزلي كإله، وهو ذاته مولود في الزمان جسديا. هو ذاته قدوس حسبما هو اله، وهو ذاته تقدس معنا لما طهر أنسانا "(36).

---

(1) طبيعة المسيح لقداسة البابا شنوده الثالث ص 9.

(2) تجسد الكلمة ف3: 8.

(3) السابق ف 4: 8.

(4) السابق ف 2: 8.

(5) السابق ف 1: 9.

(6) السابق ف 4: 9.

(7) السابق ف 8: 14.

(8) السابق ف 4: 20.

(9) الرسالة إلى أدلفوس: 3.

(10) السابق: 8.

(11) الرسالة إلى أبيكتيتوس: 5.

(12) إلى أبيكتيتوس: 7.

(13) إلى أبيكتيتوس: 8.

(14) الفصل الرابع.

(15) الفصل الثاني.

(16) الفصل الثامن والعشرون.

(17) الفصل السادس الثلاثون.

(18) تعبير نادى به وظهر في الأوساط الغنوسية في القرنين الأول والثاني للميلاد، ويبدوا أنه ظل سائدا حتى القرن الرابع الميلادي.

(19) تفسيره ليوحنا 24: 20،25.

(20) السابق 28: 20.

(21) في سر التجسد 29.

(22) السابق 29.

(23) رسالته إلى ترالس: 10.

(24) To Cledonius

(25) الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ج 1: 41.

(26) اعترافات الآباء.

(27) المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي: 46.

(28) اعترافات الآباء.

(29) السابق.

(30) مصباح العقل 5: 15.

(31) اللاهوت المقارن ج 2 ؛ وطبيعة المسيح ص 1.

(32) أنت المسيح ابن الله الحي ج 7: 74.

(33) السابق.

(34) The ch. F. 58.

(35) كمال البرهان ص 59.

(36) علم اللاهوت للقمص ميخائيل مينا ج 1: 355.

الفصل التاسع

هل كان جسد المسيح حاملا للخطية أو قابلا لها؟

 

س 1: إذا كان المسيح، كلمة الله، وقد اتخذ جسدا حقيقيا كاملا، فهل يعني هذا أنه كان حاملا للخطية أو قابلا لها؟

& الكتاب المقدس يبين بوضوح وبلا لبس أن المسيح، كإنسان، بناسوته، هو الوحيد الذي ظهر على الأرض وكان معصوما من الخطأ، وأنه طاهر وبلا خطية، فهو لم يكن حاملا للخطية أو وارثا لها بأي حال من الأحوال. كان جسده خاليا من الخطية تماما.

قال هو نفسه متحديا معترضيه من اليهود " من منكم يبكتني علي خطية؟ " (يو46: 8)، أي من منكم يجرؤ أن ينسب لي، أو يقول لي، أنى فعلت خطيئة واحدة مهما كانت، أو يقول أنه رآني افعل خطية واحدة مهما كانت، أو سمع أنني فعلت خطيئة واحدة مهما كانت. ولم يجرؤ أحد بالفعل أن ينسب إليه أنه فعل خطية علي الإطلاق. قال هذا في الوقت الذي أعلن فيه جميع الرسل والأنبياء أنهم خطاه بالفعل أو بالقول(1).

- فها أيوب النبي يعترف بخطيئته قائلا ؛ " أخطأت ... لماذا لا تغفر ذنبي وتزيل أثمي " (أي20: 7-21).

- وداود النبي يقول بالروح ؛ " إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت ... لأني هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي " (مز3: 51،4).

- واشعياء النبي يقول بالروح ؛ " ويل لي أنى هلكت لأني أنسأن نجس الشفتين " (اش5: 6).

- وقال القديس بولس بالروح ؛ " أما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية " (رو14: 7).

- وقال القديس يوحنا بالروح ؛ " أن قلنا أننا بلا خطية نخطئ وليس الحق فينا " (1يو8: 1).

اعترف الجميع بخطيئتهم بل وبخطيئة البشرية كلها " ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد " (مز3: 53). عدا المسيح وحده الذي تحدي الجميع أنه قدوس وبار وأنه لم يعمل الخطية. كان قدوسا وبارا برغم أنه أشترك معنا في كل ما للبشرية من صفات وخصائص وطبيعة إنسانية ولكن ماعدا الخطية لأنه كما يقول الكتاب " جاء في شبه جسد الخطية " (رو8: 3). وقد أعلن الجميع بالوحي أن المسيح قدوس وبار وأن قداسته وبره تفوق السموات والأرض فقد اجتاز الأرضيات وصار أعلي من السموات.

قال داود النبي بالوحي ؛ " أنت ابرع جمالا من بني البشر انسكبت النعمة علي شفتيك ... كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك، أحببت البر وأبغضت الإثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك " (مز8: 45،9)، وبعد أن أعلن الروح القدس لاشعياء النبي أن المسيح هو عمانوئيل، الله معنا وأنه الإله القدير " قال عنه أيضا: " أنه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش " (اأش9: 53).

- " جاء في شبه جسد الخطية " (رو3: 8).

- " مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية " (عب15: 4).

- " قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات " (عب26: 7).

- " الذي لم يعرف خطية " (2كو21: 5).

- " ليس فيه خطية " (1يو5: 3).

- " الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر " (1بط22: 2).

وترجع طهارة المسيح وبره وقداسته إلى عدة أسباب:

 

1- ولادته من عذراء بدون زرع بشر

فقد ولد من أم بلا أب، لم يعرفها رجل ولم تعاشر معاشرة الأزواج. قال داود النبي " بالإثم صورت وبالخطية حبلت أمي " (مز5: 51). وقال أيضا " زاغ الخطاة من الرحم، ضلوا من البطن " (مز3: 57). ووصف الله إسرائيل ؛ " من البطن سميت عاصيا " (اش8: 38).

ولد الجميع من أباء أما المسيح فقد ولد من أم بلا أب لكنه ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء.

لم يولد بصوره طبيعية ولكن ولد من العذراء بفعل الروح القدس، أعد لنفسه جسدا خاصا " هيأت لي جسدا " (عب5: 10؛ مز6: 39)، حل الروح القدس علي مريم العذراء وطهرها وقدسها وقام بتهيئة وعمل الجسد " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك "، ونتيجة لذلك فالمولود منها قدوس، بار، ابن الله " فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله " (لو35: 1)، أنه العظيم وابن العلي.

لم يكن من زرع بشر ولكن من عمل الروح القدس " وجدت حبلي من الروح القدس " (مت18: 1)، " لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس " (مت20: 1). ونحن نؤمن أنه " تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس " (قانون الإيمان النيقاوي). وإذا كان الروح القدس قد طهر مستودع العذراء، رحمها، كما قام بعمل، وتهيئة الجسد، فيستحيل أن " الذي من الروح القدس، ومن العذراء القديسة مريم " (القداس الإلهي) يكون قد حمل الخطية أو كان قابلا لها.

- وقال القديس ديديموس الضرير:

"أن خطيئة الأبوين الأولين (أدم وحواء) هي الخطيئة القديمة التي طهرنا منها يسوع المسيح في المعموديته ... أن جميع أولاد آدم ورثوها، وانتقلت إليهم بالخلفة والتوالد عن طريق المعاشرة الجنسية بين الوالدين، وهذا هو السبب في أن المسيح ولد من عذراء لم تتلوث أو تتلطخ بها. وبالمعمودية ييطهر الإنسان من الخطيئة الأصلية"(2) .

2 خلق الإنسان خاليا من الخطية

عندما خلق الله الإنسان خلقه " علي صورته ومثاله " (تك27: 1) وذلك في البر والقداسة، خلقه خاليا من الخطية والخطية ليست أصيلة فيه وإنما دخيلة عليه بغواية الشيطان وبحسد إبليس له(3). دخلت الخطية إلى العالم بحسد إبليس وغوايته ولم تكن مخلوقه مع الإنسان ولكنها دخلت إليه من الخارج بعد خليقته علي صورة الله ومثاله، دخلت إليه بعد غواية آدم وحواء، دخلت الخطية إلى آدم الذي كان مخلوقا بلا خطية ومن آدم انتقلت الخطية إلى كل الجنس البشري " كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا أجتاز الموت إلى جميع الناس ذا اخطأ الجميع " (رو12: 5).

والمسيح هو آدم الثاني، الذي هو " الرب من السماء " (1كو47: 15)، الذي ولد بدون زرع بشر بل من الروح القدس ومن مريم العذراء. لم تنتقل إليه الخطية من أمه العذراء القديسة مريم التي تطهرت بالروح القدس، تطهر مستودعها الذي حل فيه اللاهوت وهيأ لنفسه منها جسدا بعمل وفعل وزرع الروح القدس. لم تنتقل إليه الخطية لأنه ولد بدون أب بشري، لكن ولد من الروح، ولد خاليا من الخطية ولم يرثها. والخطية لم تدخل إليه من الخارج ولم يكن في الظن أنها تدخل إليه لأنه ولد قدوسا وبارا وبرغم كل ضعفات الجسد إلا أنه لم يكن حاملا للخطية أو قابلا لها علي الإطلاق لاتحاد اللاهوت بالناسوت.

 

3- اتحاد اللاهوت بالناسوت لا يسمح للخطيئة بالدخول إليه

ولأن المسيح هو الله الظاهر في الجسد، الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا، والذي اتحد فيه اللاهوت بالناسوت منذ اللحظة الأولى التي قبلت فيها العذراء بشارة الملاك لها " هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك " (لو38: 1)، لذا لا يمكن أن يكون فيه خطية أو أن يكون قابلا للخطية بأي حال من الأحوال. فجسده، ناسوته، هو جسد الله.

- " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع20: 28).

- " لو عرفوا لما صلبوا رب المجد " (1كو8: 2).

- " أنا هو الأول والأخر والحي وكنت ميتا وها أنا حي إلى ابد الآبدين "(رؤ11: 1).

وإذا كان هو الله الظاهر في الجسد، الكلمة الذي صار جسدا، وجسده هو جسد الله فلا يمكن أن يخطئ لأن " الله نور وليس فيه ظلمه البتة " (1يو5: 1).

 

- قال القديس اثناسيوس الرسولي:

" صار الجسد جسد الإله، ليس كمساوٍ له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة وإنما " صار " معه بالطبيعة جسده دون أن ينفصل اللاهوت عن الناسوت بسبب قوة الاتحاد "(4).

- وقال مدافعا عن خلو جسد المسيح من الخطية:

" وحيث أن الرب صار إنسانا وأخذ طبيعة إنسان ولم يكن هذا مجرد خيال فلا معني لإثارة موضوع الخطية كاعتراض علي التجسد، لأن الذي تجسد هو خالق الجسد. أما عن الصراع الكامن في طبيعتنا فهو ما اخترعناه نحن من شرور نبتت من غواية الشيطان الذي علمنا كيف نعصي الله وزرع هذه الغواية في طبيعتنا، هذا الصراع لا يزال يدور في داخلنا بسبب ضعفنا. أما الرب فقد تجسد دون أن يتخلى عن ألوهيته، وهو ما يعني أنه لا يوجد فيه صراع داخلي صادر من الطبيعة القديمة أي إنساننا القديم ... فقد صار الرب إنسانا وكان بلا خطية " وصار بذلك الإنسان الجديد الكامل.. "(5).

 

- ويقول القديس كيرلس عمود الدين:

" أن الجسد (جسد المسيح) هو الذي نال كمالا عظيما نتيجة اشتراكه مع الكلمة واتحاده به "(6).

" لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر سواه، هكذا يمنح الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته من قوه "(7).

" ولكن علينا أن نلاحظ أنه عندما صار مثلنا قيل عنه أنه رفع معه الجسد إلى مجد الألوهه "(8).

 

- وقال الأنبا بولس البوشي:

" واتحاد لاهوته غير المدرك بطبيعتنا، الطبيعة الضعيفة التي قد هلكت فجعلها قويه غالبه الموت، وقاهره لإبليس وجنوده " (مقالات الأنبا بولس البوشي: 12).

---

(1) يذكر الكتاب أن جميع الناس، بدون استثناء سقطوا في الخطية " الجميع زاغوا وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد " (مز3: 14 ؛رو12: 3)، وذلك بما فيهم الأنبياء، فيذكر الكتاب أن نوح قد سكر وتعرى برغم وصفه له بأنه بار وكامل (تك21: 9) وإبراهيم كذب على فرعون (تك11: 1220) وكذلك أسحق (تك7: 2611)، ويعقوب كذب على أبيه (تك18: 2728)، وكذلك يهوذا ابن يعقوب (تك26: 37)، وموسى قتل المصري (حر11: 215)، وداود زنى (2صم 11) 00 الخ

(2) كتابه (في الثالوث 12: 2) ؛ مع كتاب (أنت المسيح ابن الله ج 93: 7).

(3) القداس الإلهي مع سفر يشوع بن سيراخ.

(4) تجسد ربنا يسوع المسيح: 12.

(5) المرجع السابق: 17.

(6) في سر التجسد.

(7) شرح تجسد: 9.

(8) السابق: 12.

الفصل العاشر

هل نعبد المخلوق أم الخالق؟

س: إذا كان المسيح بناسوته، جسده، هو من مريم العذراء، فهل يعني هذا أننا نعبد المخلوق؟

& نحن لا نعبد المخلوق وإنما نعبد الخالق، فهو وحده الذي يجب أن تقدم له العبادة. أننا نعبد المسيح لأنه الإله القدير، الحكيم، العظيم، الواحد، المبارك، القدوس، الله الذي ظهر في الجسد، عمانوئيل الله معنا.

فهو قد اتخذ جسدا واتحد به اتحادا أبديا لا ينفصل، وصار هذا الجسد هو جسده الخاص به وغير المنفصل عنه لحظة واحدة ولا طرفة عين. لأن الجسد هو جسده الذي اتخذه " الكلمة صار جسدا " (يو14: 1)، وظهر فيه وبه " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3)، إذ حل فيه حلولا كاملا بتمام وكمال لاهوته " الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2)، ولأنه واحد مع جسده شخص واحد، اقنوم واحد، طبيعة واحدة متحدة من طبيعتين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، لذا نعبد المسيح بلاهوته، كإله دون أن نفصل عنه ناسوته، نعبد المسيح الواحد، عمانوئيل، الله معنا، الله الظاهر في الجسد دون تفرقه بين لاهوته وناسوته كالإله المتجسد، الكامل في لاهوته والكامل أيضا في ناسوته.

أننا نعبد يسوع المسيح، الله المخلص، الرب يسوع المسيح، الذي له يسجد كل من في السماء ومن علي الأرض، جميع الخلائق، باعتباره خالق الكل " فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو16: 1-17) ؛ " لكي تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء ومن علي الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب " (في10: 2،11) فهو " رب الكل " (أع30: 10)، رب العالمين الذي تتعبد له كل الخليقة، كما قال الكتاب " لتتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا14: 7).

إذا فالرب يسوع المسيح، الإله المتجسد، بلاهوته وناسوته، هو المعبود والذي يقدم له الجميع السجود والعبادة. فقد دعى تلاميذه أنفسهم عبيداً له، عبيد ليسوع المسيح، الرب يسوع المسيح، وقدموا له الإكرام وكل ما يتعلق ويليق به وعبادته كرب الكون المعبود:

- قال له توما " ربى وإلهي " (يو28: 20)، وهذا يعنى عبادته كإله ورب العالمين.

وجاء في افتتاحيات رسائل الرسل إعلان إجماعهم على أنهم عبيدا للمسيح.

- " يعقوب عبد ... يسوع المسيح " (يع1: 1).

- " يهوذا عبد يسوع المسيح " (يه 1).

- " بطرس عبد يسوع المسيح " (2بط1: 1).

- " بولس عبد ليسوع المسيح " (رو1: 1).

- " بولس وتيموثاوس عبدا يسوع المسيح " (في1: 1).

- " ابفراس الذي هو منكم عبد للمسيح " (كو12: 4).

ويقول القديس بولس بالروح القدس " لأن من دعى في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب. كذلك أيضاً الحر المدعو هو عبد للمسيح. قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيداً للناس " (1كو22: 7-23).

الجميع يعلنون أنهم عبيد للمسيح ويقول الروح القدس بفم ولسان القديس بولس الرسول " لا تصيروا عبيداً للناس " مما يؤكد أن الرب يسوع المسيح ليس مجرد إنسان ولكنه الإله المتجسد، الرب، المعبود، رب الكل، رب العالمين.

والقديس يوحنا يقول بالروح في بداية سفر الرؤيا " إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه الله إياه ليرى عبيده ما لابد أن يكون مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحنا " (رؤ1: 1). فهو، يسوع المسيح، الإله المتجسد، بلاهوته وناسوته، رب الملائكة والبشر.

ويقول دانيال النبي بالروح متنبئاً عن ربوبية المسيح للكون، يسوع المسيح، الرب يسوع المسيح، الإله المتجسد، المعبود بلاهوته وناسوته، كإله وإنسان:

" كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه، فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا13: 7-14).

وهو هنا المعبود كابن الإنسان، الإله المتجسد، بلاهوته وناسوته، كما أنه المسجود له كالرب المعبود، بلاهوته وناسوته، فعند ميلاده جاء المجوس قائلين " أتينا لنسجد له " (مت2: 2)، وسجدوا له " خروا وسجدوا له " (مت11: 2).

- " وأذ أبرص قد جاء وسجد له " (مت2: 8).

- " وفيما هو يكلمهم بهذا إذا رئيس قد جاء فسجد له " (مت18: 9).

- " والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله " (مت33: 14)

- " وإذا امرأة كنعانية.. أتت وسجدت له قائلة يا سيد أعنى " (مت25: 15).

- " حينئذ تقدمت إليه أم أبني زبدى مع أبنيها وسجدت " (مت20: 20).

- " وكذلك تلاميذه بعد القيامة " لما رأوه سجدوا له " (مت17: 28).

- " والمريمتين " أمسكتا بقدميه وسجدتا له " (مت9: 28).

- " والمولود أعمى الذي خلق له عينين " سجد له " (يو38: 9).

- " وإذا ابرص قد جاء وسجد له " (مت2: 8).

- " وفيما هو يكلمهم بهذا إذا رئيس (مجمع لليهود) قد جاء فسجد له " (مت18: 9).

ومكتوب عن الرب يسوع المسيح " ومتى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله " (عب6: 1)، وأيضاً يقول الكتاب ؛ " لأننا جميعاً سنقف أمام كرسي المسيح لأنه مكتوب حي أنا يقول الرب أنه ستجثو لي كل ركبة وكل لسان سيحمد الله " (رو10: 14-11). وهاتان الآيتان تؤكدان أن كل الخلائق تسجد للرب يسوع المسيح، الإله المتجسد، رب العالمين، بلاهوته وناسوته، " تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض " (في11: 2).

وتقدم له الصلوات باعتباره المعبود والإله المتجسد، المسيح الواحد، بلاهوته وناسوته، والصلاة لا تقدم لغير الله، والرب يسوع المسيح يطلب أن يٌصلى إليه:

- " حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى فهناك أكون في وسطهم " (مت20: 18).

- " ليس كل من يقول لي يا رب يا رب بدخل ملكوت السموات " (مت21: 7).

- " لماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله " (لو46: 6).

وصلت إليه الكنيسة عند اختيار متياس بدلا من يهوذا الأسخريوطي:

- " وصلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أيا اخترته " (أع24: 1).

والقديس بولس يصلى إليه ضارعاً أن يخلصه من شوكة الجسد:

- " من جهة هذه تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل على قوة المسيح " (2كو7: 129).

- ويشكره لأنه قواه " وأنا أشكر ربنا الذي قواني " (1تي12: 1).

والصلاة إليه تؤكد حضوره في كل مكان وزمان " وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " (مت19: 28).

وهو الذي يستجيب الصلاة ويعطي الغلبة والقوة والنعمة باعتباره الرب المعبود، يسوع المسيح، الإله المتجسد، بلاهوته وناسوته، المسيح الواحد:

- " فبكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتي لكي تحل على قوة المسيح " (2كو9: 12).

- " وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني " (كو29: 1).

- " المسيح فيكم رجاء المجد ... الذي لأجله أتعب أيضاً مجاهراً بحسب عمله الذي يعمل بقوة " (1تي12: 1).

- " أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في13: 4).

- " وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني أنه حسبني أميناً جعلني للخدمة " (1تي12: 1).

- " ولكن الرب وقف وقواني لكي تتم بي الكرازة " (2تي17: 4).

- " لأني لا أجسر أن أتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح بواسطتي " (رو18: 15).

ولأنه هو الرب المعبود فهو الذي يعطى النعمة، يقول عنه الكتاب أنه الغني والذي يعطى الجميع من غناه ونعمته، كالمسيح الواحد، الإله المتجسد، بلاهوته وناسوته، الرب يسوع المسيح:

- " فأنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع أنه من أجلكم أفتقر وهو غني لكم تستغنوا أنتم بفقره " (2كو9: 8).

- " نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم " (رو24: 16).

- " النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا " (يو13: 1).

- " فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل " (2كو9: 12).

- " نعمة ورحمة وسلام من الله الآب ومن الرب يسوع المسيح " (أف7: 2).

ويصف الكتاب الرب يسوع المسيح بملك الملوك ورب الأرباب، والرب الواحد والكائن على الكل الإله المبارك، والإله القدير، ولا يتكلم عنه كإله فقط ولكن كالرب يسوع، الإله المتجسد، بلاهوته وناسوته:

- " وهؤلاء سيحاربون الحمل، والحمل سيغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك " (رؤ14: 17).

- " وله على ثويه وعلى فخذه أسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب " (رؤ16: 19).

- " ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به " (1كو6: 8).

- " ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل الإله المبارك إلى الأبد "(رو5: 9).

- " إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح " (تي13: 2).

- " يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى أسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام " (اش6: 9).

وقد وصف المسيح، باعتباره الإله المتجسد، بالصفات الإلهية والبشرية في آن واحد، ومن ثم تقدم له العبادة باعتباره الرب الواحد، المسيح الواحد لأنه لما تجسد الله الكلمة واتخذ جسدا لم يفصل بين جسده، كونه إنسانا، وبين لاهوته، لأن " لاهوته لم ولا ولن يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ". فقد اتحد اللاهوت بالناسوت اتحادا أبديا لا ينفصل " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقا " (يو14: 1).

ومن ثم لا يمكن أن نفصل بين اللاهوت والناسوت، الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية اللتان اتحدتا في طبيعة واحدة متحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، لأنه من بعد التجسد ليس هناك سوى المسيح الواحد من طبيعتي اللاهوت والناسوت، برغم احتفاظ كل طبيعة بخواصها، وبدون أن تذوب أو تتلاشى طبيعة في الأخرى.

ولأن المسيح واحد، رب واحد، شخص واحد، فكل ما ينسب للاهوته ينسب أيضا لناسوته، وما ينسب لناسوته ينسب أيضا للاهوته، وهذا ما يسميه آباء الكنيسة وعلماؤها ب " تبادل الخواص " بين اللاهوت والناسوت، فيقول الكتاب أن " الله سفك دمه " (أع28: 20)، وأن " رب المجد صلب " (1كو8: 2)، وأن الأبدي الأزلي، الذي لا بداية له ولا نهاية، الأول والأخر، الألف والياء، البداية والنهاية، الحي إلى أبد الآبدين، قد مات (رؤ: 81،11؛ 6: 21؛ 13: 22)!! كما يقول أيضا أن " ابن الإنسان " هو الرب، والديان، وغافر الخطايا، والحي، ومعطي الحياة، والجالس عن يمين العظمة في السماويات، والذي له المجد والسلطان، وملك الملوك ورب الأرباب.

- قال العلامة اوريجانوس:

" انه بسبب الاتحاد الذي لا ينفك بين الكلمة والجسد، كل شئ يختص بالجسد ينسب أيضا للكلمة وكل ما يخص بالكلمة يحمل علي الجسد "(1).

- وقال اثناسيوس الرسولي:

" أن صفات الجسد الخاصة كالجوع والعطش والتعب وما إليها مما هو في إمكان الجسد تحمل عليه (أو توصف كأنها له) لأنه هو كان فيها، بينما من جهة أخري، أن الأعمال الخاصة باللوغوس نفسه كإقامة الموتى، ورد البصر إلى الأعمى وشفاء المرأة النازفة الدم، قد صنعها بجسده وقد احتمل الكلمة (اللوغوس) ضعفات الجسد كأنها ضعفاته هو لأن الجسد هو جسده والجسد خدم أعمال اللاهوت لأن اللاهوت كان فيه أو أن الجسد كان جسد الله. وعندما تألم الجسد لم يكن الكلمة (اللوغوس) خارجا عنه، ولهذا فأن الآلام كانت آلامه هو، وعندما اجترح بأسلوب إلهي أعمال أبيه لم يكن الجسد خارجا عنه، ولكن الرب صنعها في الجسد نفسه"(2)

- وقال مفصلا أننا نعبد المسيح الواحد، كلمة الله المتجسد:

" نحن لا نعبد المخلوق، حاشا ... ولكننا نعبد رب الخليقة المتجسد، كلمة الله. لأنه إن كان الجسد نفسه، في حد ذاته هو جزء من عالم المخلوقات، ولكنه صار جسد الله، فنحن من ناحية لا نفصل الجسد عن الكلمة ونعبد مثل هذا الجسد في حد ذاته، ومن ناحية أخري، عندما نريد أن نعبد الكلمة، فأننا لا نفصل الكلمة عن الجسد، ولكننا كما سبق أن قلنا إذ نعرف أن " الكلمة صار جسدا " فأننا نعرفه كإله أيضا، بعد أن صار في الجسد، وتبعا لذلك، فمن هو أحمق إلى هذه الدرجة حتى يقول للرب " انفصل عن الجسد لكي أعبدك؟ ". أو من هو عديم التقوى لدرجة أن يقول له مع اليهود الحمقى لماذا وأنت إنسان تجعل نفسك ألها (يو33: 10)، ولكن الأبرص لم يكن من هذا النوع، فأنه عبد الله في الجسد، وعرف انه الله قائلا: " يارب، إن أردت تقدر أن تطهرني " (مت3: 8) (3).

" ونحن نعرف انه " في البدء كان الكلمة، والكلمة عند الله " (يو1: 1)، فأننا نعبد ذاك الذي صار هو نفسه أيضا أنسانا لأجل خلاصنا، لا كما لو كان هذا الذي صار جسدا هو مساو للجسد بالمثل، بل (نعبده) كسيد أخذا صورة عبد، وكصانع وخالق صائرا في مخلوق أي (الجسد) ... نعبد حضوره المتجسد ".

- وقال القديس كيرلس عمود الدين:

" واحد فقط نسجد له كما قلت سابقا حتى عندما تجسد وصار البكر من ضمن أخوه كثيرين. واحد هو الذي سجد له المولود أعمي عندما شفي بمعجزة، لان الإنجيلي يذكر: " ووجده يسوع في الهيكل وقال له: هل تؤمن بابن الله؟ فقال الذي شفي: ومن هو يا سيد حتى أومن به؟ ... عندئذ أعلن المسيح عن نفسه متجسدا بالكلمات التالية " الذي قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو "، وهنا استخدم المسيح صيغه المفرد وهذا يعني انه لم يسمح بأن نفصل اللاهوت عن الناسوت، لذلك إذا أراد أحد ما أن يصف عمانوئيل بأنه إنسان فقط فعليه أن يتذكر أن الاسم لا يشير إلى الإنسان فقط بل إلى كلمه الله الذي اتحد بطبيعتنا والواحد ذاته سجد له التلاميذ عندما رأوه ماشيا علي المياه: سجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله (مت33: 14)، ونحن لا نقول أننا نعبد الناسوت مع اللاهوت لأن في هذا القول فصل شنيع 00 لذلك كل من يقول انه يعبد الناسوت مع اللاهوت يعتقد بدون شك بوجود ابنين، ويفصل اللاهوت عن الناسوت(4).

- وقال أيضا " أننا لا نعبد المسيح الإله المجرد عن الجسد لأننا لم نعرفه إلا في الجسد. ونحن نعبد المسيح الواحد دون أن نفصل بين لاهوته وناسوته لأن كل عبادة تقدم للمسيح هو اقتراب من الأب "(5).

---

(1) النسطورية للأنبا أغريغوريوس 19.

(2) النسطورية ص 20 و Against Ar. 3,31.

(3) الرسالة إلى أدلفوس: 3.

(4) شرح تجسد الابن الوحيد: 36.

(5) هامش شرح تجسد الابن الوحيد: 27.

الفصل الحادي عشر

لماذا ظهر الله في الجسد ولم ينزل ظاهراً بلاهوته؟

س 1: لماذا اتخذ جسدا؟ ولماذا لم يظهر بلاهوته، بدون التجسد، فيراه الجميع علي حقيقته؟ أليس هذا اكرم له وأليق بعظمته ومجده؟

& الله بلاهوته، بجوهره، بطبيعته غير مرئي وغير مدرك بالحواس ولا يمكن أن يراه أو يدركه مخلوق بالحواس، ولذلك لم يره أحد قط من جميع المخلوقات سواء التي تري أو التي لا تري، البشر أو الملائكة. يقول الوحي الإلهي:

- " الله لم يره أحد قط " (يو18: 1).

- " الله لم ينظره أحد قط " (1يو2: 4) لماذا؟ لأنه:

- " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدني منه، الذي لم يره أحد، من الناس ولا يقدر أن يره " (1تي16: 6).

أنه نور وساكن في نور ولا يري علي الإطلاق ولا تدركه الحواس حتى الملائكة الواقفين حول العرش لا يمكن أن يروا جوهره، جوهر لاهوته، لأنه بطبيعته غير مرئي وغير مدرك بالحواس.

والسرافيم الممتلؤن عيونا والمتقدون نارا لا يجرؤن علي مجرد التفكير في رؤيته بجوهره إذ يقول الكتاب أن لكل " واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطى رجليه وباثنين يطير " (أش2: 6)، لماذا يغطون وجوههم لأنهم لا يستطيعون النظر إليه والي ضياء ولمعان مجده ولا يوجد في الخليقة كلها من يقدر أن يدرك جوهره، جوهر لاهوته، يقول الكتاب أنه يرى فقط في خليقته ؛ " لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته " (رو20: 1). جاء في القداس الإلهي:

" السرافيم والشاروبيم (يقفون أمامك) فبجناحين يغطون وجوههم من أجل لاهوتك الذي لا يستطاع النظر إليه ولا التفكير فيه "(1).

وقد اشتهي جميع الأنبياء أن يروا مجده ولكنهم لم يستطعيوا، لماذا؟ لأن الله غير مرئي ولا يستطيع أي مخلوق مهما كان أن يقف أمامه أو أن يراه. قال أيوب البار بأسلوب مجازي ؛ " يحجب كرسيه باسطا عليه سحابة ... أعمدة السموات ترتعد وترتاع من زجره " (أي5: 26،11).

هو، بلاهوته، بطبيعته وجوهره الإلهي، غير مرئي وغير مدرك بالحواس كما أنه أيضا غير محدود في المكان أو في الزمان، كلي الوجود:

- " أما املأ أنا السموات والأرض يقول الرب " (ار23: 23).

- " منذ الأزل والي الأبد أنت الله " (مز2: 90).

وقد اشتهى جميع الآباء والأنبياء في القديم أن يروه، أن يروا مجده، أن يروا الله في جوهره وكيانه ولكنهم لم يروا سوى شبه للرب في الرؤى والأحلام، وبرغم امتياز موسى النبي عن جميع الأنبياء إلا أنه لم ير سوي " شبه الرب "، قال الله لهارون أخو موسى ولمريم أختهما ؛ " اسمعا كلامي أن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه، وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو آمين في كل بيتي، فما إلى فم وعيانا أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يعاين "(عد6: 12-8).

قال الرب يسوع المسيح " الحق أقول لكم أن أنبياء وأبرار كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا "(مت17: 13).

وعندما طلب موسى من لله أن يراه وقال له " ارني مجدك "، قال له الله " أجيز كل جودتي قدامك وأنادى باسم الرب قدامك وأتراءف على من أتراءف وارحم من ارحم "، ثم قال له " لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش "، ولما أراد الله أن يكشف له عن شيء من مجده قال له " هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز، ثم ارفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهي فلا يرى "(خر18: 33-23).

وبالرغم من أن موسى لم يرى سوى شيء من المجد الإلهي وهو مختبئ في قلب الصخرة إلا أن جلد وجهه صار يلمع من انعكاس هذا القليل من المجد الإلهي، يقول الكتاب ؛ " وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ... لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه، فنظر هرون وجميع بني إسرائيل موسى وإذا جلد وجهه يلمع فخافوا أن يقتربوا إليه "، وهذا ما أضطر موسى النبي أن يضع برقع على وجهه " ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه برقعا، وكان موسى عند دخوله أمام الرب ليتكلم معه ينزع البرقع حتى يخرج ثم يخرج ويكلم بني إسرائيل بما يوصى، فإذا رأى بنو إسرائيل وجه موسى أن جلده يلمع كان موسى يرد البرقع على وجهه حتى يدخل ليتكلم معه " (خر29: 34-35).

ولما نزل الله علي الجبل في هيئة وشكل مظاهر الطبيعة المختلفة " وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل أن الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الآتون وارتجف كل الجبل جدا، فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت " (خر18: 19،119). " ولما رأي الشعب ذلك ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلم أنت معنا فنسمع ولا يكلمنا الله لئلا نموت " (خر19: 20). وقالوا بعد ذلك " لأنه من هو من جميع البشر الذي سمع صوت الله الحي يتكلم من وسط النار مثلنا وعاش " (تث26: 5)، لقد سمعوا صوت فقط يأتيهم من وسط النار التي ظهر الله من خلالها، ولكنهم لم يروا الله ظاهرا، في طبيعته وجوهره لأته لا يراه الإنسان ويعيش. ويقول الكتاب أن موسى نفسه وهو الذي خاطب الله وتناقش معه وحاوره (خر9: 34) قال عندما جاء إلي الجبل المضطرم بالنار الذي كان الله متجليا عليه " أنا مرتعب ومرتعد " (عب21: 12).

فإذا كان مجرد سماع صوت الله يميت فماذا يحدث لو ظهر الله بجوهره، بطبيعته، بلاهوته علي الأرض؟ وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يحدق في الشمس وهي إحدى مخلوقات الله، فكيف نفكر في نزول الله وظهوره بلاهوته غير المرئي بلا حجاب؟

- طلب موسى أن يري الله فوعده أن يريه مجده ووضعه في نقره، وأخفاه لأنه لا يستطيع أيضا أن يري مجده في تمام بهائه ولمعانه ومع ذلك نزل موسى من علي الجبل وكان جلد وجهه يلمع من انعكاس بهاء مجد الله عليه، من انعكاس لمعان بهائه علي وجهه مما أضطر موسى أن يضع برقعا علي وجهه حتى يستطيع هرون وبنو إسرائيل أن يتكلموا معه. فإذا كانت الجماعة قد خافت أن تقترب من موسى لأن جلد وجهه كان يلمع بسبب كلامه مع الله ورؤيته شبه مجده فماذا يحدث لهم لو رأوا مجد الله وبهاءه واللمعان الخارج منه؟ ماذا يحدث لو رأوه ظاهرا بلا حجاب؟ إذا كانوا قد خافوا أن يروا إنساناً أنعكس عليه نور مجد الله، ليس نور وإنما لمعان من النور، فماذا يحدث لو رأوا البهاء الذي أنعكس منه هذا اللمعان وليس جوهر اللاهوت نفسه؟

- سمع إيليا صوت الله منخفضا وكان في مغارة في جبل تابور فخرج من المغارة بعد أن " لف وجهه بردائه " (1مل13: 19)، وعندما عبر مجد الله بعد أن سبقه ريح ونار عظيمة تشققت الجبال والصخور (1مل11: 19)؟ فماذا يحدث للبشر إذا كان الريح والنار (1مل14: 19) التي وجدت بحضوره قد شققت الصخور والجبال؟ كما أن إيليا لف وجهه لسماعه صوت الله.

- عندما ظهر ملاك الله لدانيال النبي علي نهر دجله في رؤيا سقط علي وجهه وتحولت نضارته إلى فساد وسقط علي وجهه إلى الأرض (دا9: 10)، وإذا كان دانيال وهو النبي المحبوب عند الله لم يستطيع أن يثبت أمام الملاك بل سقط علي الأرض وتحولت نضارة جسده إلى فساد، شيخوخة، فكيف تحتمل البشرية رؤية رب الملائكة؟

- ولما تجلي الرب يسوع المسيح علي الجبل أمام تلاميذه وأظهر شيئا من مجد لاهوته، يقول الكتاب ؛ " أضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور " (مت2: 17)، فارتعد التلاميذ وخافوا وسقطوا علي الأرض مع أنهم أكلوا مع المسيح وشربوا معه ولكن عند رؤيتهم شيئا من مجد لاهوته لم يحتملوا رؤية مجده، فماذا يحدث لو أن المسيح ظهر بلا هوته بدون حجاب الناسوت؟

- ولما ظهر الرب يسوع المسيح لشاول الطرسوسي - القديس بولس فيما بعد - بعد قيامته وصعوده إلى السماء رأي، شاول، نورا وصفه بأنه افضل من لمعان الشمس" رأيت في نصف النهار في الطريق ... نورا من السماء افضل من لمعان الشمس قد ابرق حولي وحول الذاهبين معي " (أع13: 26)، فسقط هو والذين معه علي الأرض، وبعد أن كلمه الرب يسوع المسيح وقام من علي الأرض كان وهو مفتوح العينين لا يبصر " (أع8: 9)، ولما ابصر علي يد تلميذ المسيح حنانيا سقط من علي عينيه " شئ كأنه قشور فأبصر في الحال " (أع18: 98).

فإذا كانت رؤية القديس بولس لنور المسيح من خلال حجاب الناسوت، بعد القيامة والصعود، قد أعمت بولس وجعلت علي عينيه ما يشبه القشور لأن الرب كان يريده، فماذا كان يحدث لو لم يكن الرب يريده؟ ماذا يحدث للآخرين الذين كانوا معه لو رأوا مجده كما رآه شاول؟ ماذا يحدث لو نزل المسيح ظاهرا بلاهوته وبدون حجاب الناسوت الذي احتجب به؟

- ولما ظهر للقديس يوحنا وهو منفي في جزيرة بطمس في رؤيا سقط عند رجليه كميت برغم أنه التلميذ الذي " كان الرب يحبه "(2)، والذي سبق أن اتكأ علي صدره (يو23: 13). فماذا كان يكون الأمر لو ظهر له حقيقة بلاهوته وليس في رؤيا؟

- يذكر سفر الرؤيا أن ملاكا واحد نزل من السماء " واستنارت الأرض من بهائه " (رؤ1: 18)، فإذا كان ملاكا واحد أنار الأرض واستنارت من بهائه وهو المخلوق والذي لا يستطيع رؤية الخالق فكم وكم يكون بهاء مجد الله لو نزل علي الأرض ظاهرا كما نزل الملاك؟

لقد اتخذ المسيح جسدا، تجسد، اخذ صورة العبد ليحجب لاهوته، ليحجب بهاء مجده والنور خارج منه. تجسد لكي يستطيع البشر أن يروه. وبعد أن كان غير مرئيا صار مرئي بالجسد وفي الجسد الذي اتخذه، رآه البشر ورأته كذلك الملائكة، رأته الملائكة ورآه السرافيم الذين يخفون وجوههم بأجنحتهم وهم وقوف قدامه، رأته الملائكة بعد أن تجسد وصار مرئيا بناسوته " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة " (1تي16: 3،17).

- قال يوحنا ذهبي الفم في عظمته الخاصة علي الإنجيل للقديس يوحنا:

" أن كنا لا نقدر مطلقا أن نشاهد أي قوه روحيه حتى المخلوقة " لذلك يقول بولس: " الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه " (1تي16: 6) هل هذه الخاصية تخص الأب وحده دون الابن؟ حاشا لنا أن نفكر هكذا إنما تخص الابن أيضا لكي تعرف هذا اسمع بولس يقول عنه ذات الأمر " صورة الله غير المنظور " (كو15: 1)، فأن كان هو صورة غير المنظور يلزم أن يكون غير منظور وإلا فلا يكون صورته. لا تعجب من بولس حين يقول في موضع آخر: " الله ظهر في الجسد " فقد تحقق الظهور خلال الجسد، لكن ليس ظهورا للجوهر.

أضف إلى هذا أن بولس يتحدث عنه كغير منظور، ليس فقط بين البشر، بل وأيضا بين القوات العلوية، إذا بعد قوله " ظهر في الجسد " يقول " تراءى لملائكة ".

عندما لبس الجسد صار منظورا حتى بالنسبة للملائكة. أما قبلا فلم تره الملائكة إذ جوهره غير منظور حتى بالنسبة لهم "(3).

- وقال أغناطيوس الأنطاكي عن ظهوره بالجسد مخاطبا القديس بوليكاربوس ؛ " وليكن نظرك علي من لا يتغير، أي ذاك الذي يعلو الزمان ولا يرى ولكن قد صار مرئيا لأجلنا "(4).

- وفي أقوال القديس اكليمندس الإسكندري يوضح أنه بعملية التجسد اصبح الكلمة، ابن الله، منظورا ومدركا في حيز الأشياء التي نراها وندركها بحواسنا "(5).

- وقال القديس اغريغوريوس النيزنزي:

" كلمه الله الذي هو قبل العوالم، غير مرئي وغير المدرك، الذي لا جسم له (غير المحوي) البدء من البدء. نور من نور، أصل الحياة والخلود، صورة الله وختم جوهره، الصورة غير المتغيرة صوره الأب وكلمته جاء لصورته (يقصد الذي خلق علي صورته ومثاله) وأخذ جسدا لأجل جسدنا "(6).

س 2: ماذا يعني الكتاب برؤية بعض الأنبياء لله؟

ماذا يعني إذا قول الكتاب أن بعض الأنبياء رأوا الله؟ وما الفرق بين ظهوره في القديم واتخاذه جسدا، وبمعني أدق ما الفرق بين الجسد الذي ظهر به في القديم والجسد الذي اتخذه في التجسد؟

& يذكر الكتاب أن الله قد ظهر لإبراهيم في هيئة رجل " وظهر له الرب عند بلوطات ممرا " (تك1: 18)، واستضافه وأكل معه (تك3: 18،8)، وظهر لأسحق " وظهر له الرب وقال ... فظهر له الرب في تلك الليلة وقال أنا اله إبراهيم أبيك " (تك2: 26،24)، وظهر ليعقوب " وظهر الله ليعقوب أيضا حين جاء من فدان أرام وباركه " (تك9: 35)، وأن يعقوب رأي الله " وجها لوجه " (تك30: 32)، وأن والد شمشون ووالدته رأيا الله وقالا " نموت موتا لأننا قد رأينا الله " (قض22: 13)، وكذلك اشعياء يقول " رأيت السيد (الرب) جالس وأذياله تملأ الهيكل " (اش1: 6).

والقديس يوحنا يقول أن اشعياء رأي مجد المسيح " قال (اشعياء) هذا حين رأي مجده " (يو41: 12)، وحزقيال رأي " شبه كمنظر نار من منظر حقويه " (حز3: 8)، ودانيال رآه في صورة " قديم الأيام " الجالس علي عرش الدينونة (دا9: 7).

ولكن هذه الظهورات هي رؤى وامثال، شبه، ظهورات وقتيه وليست تجسدات حقيقية. ظهر في هيئة شكليه لرجل أو ملاك وتكلم من خلال النار والريح والسحاب أو في رؤى. وهذه كلها ظهورات وقتيه بأشكال وقتيه وغير ثابتة. أنها أشكال اتخذها الله للظهور بها مؤقتا ولكنها لم تكن أجسادا حقيقية، كانت تمهد الطريق والذهن البشري للتجسد الحقيقي، الاتحاد الحقيقي، واتخاذ جسدا من لحم ودم وعظام، باتحاد ابدي لا ينفصل ولا ينحل. اتحاد حقيقي كامل " والكلمة صار جسدا ".

ظهر الله للآباء البطاركة، إبراهيم وأسحق ويعقوب، ثم لموسى النبي في العليقة وتخاطب معهم " فماً لفم " وسمعوه بآذانهم كما يسمع صوت الطبيعة وكل ما له صوت مسموع، وظهر لهم في أشكال مرئية للعين، رأوا فيها " شبه الرب "، أو كما قيل عن موسى النبي " وشبه الرب يعاين "، ولكن دون أن يروه بلاهوته، في طبيعته اللاهوتية، النورانية والروحية، وجوهره الذي لا يُرى. ظهر لهم في أشكال مؤقتة وهيئات جسمية مثل الرجال.

هذه الظهورات أسماها علماء اللاهوت " الثيؤفانيا - θεοφανια- Theophania "(7) أو " ثيؤفاني - θεοφανη - Theophany "، أي ظهور إلهي. وهذا التعبير اللاهوتي مأخوذ ومركب من كلمتين يونانيتين هما " ثيؤس θεος - Theos "، أي " الله " و" فانين φανειν - Phanein " أي " يظهر ".

ويقدم لنا العهد الجديد في المثالين التاليين نموذجين للظهورات الإلهية في هيئات جسمية مرئية:

1 - في معمودية الرب يسوع المسيح من يوحنا المعمدان يقول الكتاب " ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسّمية مثل حمامة " (لو22: 3)، " وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " (مت17: 3).

2 - وعند حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين يقول الكتاب ؛ " صار بغتةً من المساء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كانها من نار واستقرت على كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس. وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا " (أع1: 2-4).

وهنا نرى أن الروح القدس الذي هو روح الله، الله روح، غير المرئي، يظهر في العماد في " هيئة جسمية مثل حمامة "، وفي اليوم الخمسين يظهر في شكل وهيئة " ألسنة منقسمة كانها من نار "، إذا ليس هو حمامة ولكنه ظهر في هيئة وشكل " مثل " حمامة، وليس هو نار مادية وإنما ظهر في هيئة وشكل السنة منقسمة " كأنها " من نار.

والعهد الجديد يتكلم أيضا عن ظهور الله لإبراهيم " ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم " (أع2: 7)، وظهور " ملاك الرب " لموسى النبي " ظهر له ملاك الرب في برية جبل سيناء في لهيب نار عُلّيقة " (أع31: 7)، ويستخدم الفعل اليوناني " οπτομαι - Optomai " والذي يعنى " يرى، يعاين، يظهر " والذي استخدمه الكتاب بالروح حوالي 48 مرة من 55 مرة للتعبير عن ظهورات إلهية وملائكية كظهور الله لإبراهيم وملاك العهد لموسى النبي وظهور الملاك في بستان جثسيمانى (لو32: 22)، وظهور موسى وإيليا مع الرب يسوع المسيح على جبل التجلي (مت3: 17)، وظهورات الرب القائم من الموت بعد القيامة للتلاميذ والرسل (لو34: 24)، وظهوراته عند المجيء الثاني (مت30: 24؛64: 26)، ومشاهدة ورؤية رؤى وإعلانات في رؤى كرؤى القديس يوحنا(8)، وفي كل الأحوال يعنى رؤية ظهورات واضحة ومرئية للعين الخارجية، ورؤى سماوية مدركة بالعين الداخلية، وكلاهما مدرك بالعقل والحواس أيضا لأنهما مرتبطان بمعجزات ظاهرة ومحسوسة وملموسة، ونبوات تمت بعد هذه الإعلانات سواء في أيام الأنبياء وحياة معاصريهم أو بعد ذلك بقليل أو كثير.

كانت الأجساد في الظهورات السابقة إعلانات، رؤى وأمثال قال الله لهوشع النبي " كلمت الأنبياء وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلت أمثالا " (هو10: 12).

س 3: ما الفرق بين الظهورات في القديم والتجسد؟

& ظهر الله في القديم في أشكال مختلفة وبطرق متنوعة، ظهر في هيئة رجل أو ملاك أو تكلم من خلال النار والريح والسحاب وهذه كلها كانت مجرد ظهورات وقتيه تنتهي بمجرد انتهاء المهمة التي ظهر لأجلها أنها كانت أشباه، أمثله، مثلها مثل ظهور الملائكة في هيئة رجال، في هيئة مرئية، الله روح لطيف لا جسم له ولما ظهر في القديم اتخذ مظهر الجسد، ظهر في شبه مثال للتجسد الآتي. ولكن لم يكن تجسدا كاملا من لحم ودم وعظام كما حدث في التجسد الذي تم في ملء الزمان و" يمكن القول أنه جسد خيالي أو جسد أثيري يتكون من الأثير ثم ينتهي بمجرد انتهاء مهمة هذا الظهور وذلك بتحلل هذا الجسد فيتبدد ويزول "(9).

علي آية حال فقد ظهر الله في أشكال ولم تكن تجسدات حقيقية وهو وحده الذي يعلم كيفيتها.

---

(1) القداس الكيرلسي.

(2) أنظر يو26: 19؛2: 20؛ 7: 21،20.

(3) On John Hom. 5.

(4) الرسالة إلى بوليكاربوس 3: 2.

(5) Storm 5 , 39 ; 16, 5.

(6) Sec. Oration On Easter: 9.

(7) أنظر كتابنا " الإعلان الإلهي وكيف كلم الله الإنسان " ف 2.

(8) رؤ7: 1؛ 19: 11؛ 1: 12،3؛ 4: 22.

(9) كتاب " في ليلة عيد الميلاد " لنيافة الأنبا أغريعوريوس، ص 25.

الفصل الثاني عشر

من كان يحكم الكون عندما نزل المسيح من السماء؟

س: من كان يحكم الكون عندما نزل المسيح من السماء، وعندما كان في بطن العذراء، وعندما كان ينام وينعس، وعندما كان علي الأرض بصفه عامة؟

&: المسيح لكونه الله فهو غير محدود بلاهوته الذي يملأ كل شئ ويحيط بكل شئ، " أما أملا أنا السموات والأرض يقول الرب " (أر24: 23)، انه الغير محدود علي الإطلاق، بلاهوته، يقول الرب لشعب إسرائيل في القديم:

- " الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من اسفل، ليس سواه " (تث39: 4).

- " لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلي الأرض من اسفل "(يش11: 2).

- وقال لأرمياء النبي موجها كلامه إلى بني إسرائيل ؛ " العلي اله من قريب يقول الرب ولست ألها من بعيد. إذا اختبأ إنسان في أماكن مستتره أفما أراه أنا يقول الرب. أما أملا أنا السموات والأرض يقول الرب " (ار23: 23-24).

وعندما حل في بطن العذراء وظهر في الجسد، لم يكن حلوله أو نزوله هذا انتقال من مكان الي آخر ومن السماء الي الأرض، كلا، حاشا، فاللاهوت لا يمكن أن ينتقل من مكان الي آخر بينما هو يملأ كل شئ ويحيط بكل شئ، فهو غير محدود في الزمن وا المكان فكيف يحده مكان، سواء كان هذا المكان هو السماء أو الأرض أو بطن العذراء، أو حتى الناسوت الذي حل فيه واتحد به وظهر فيه وبه ومن خلاله للناس.

كما انه لم يكن جزء من اللاهوت لأن اللاهوت واحد لا يتجزأ " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9: 2).

لكنه كان متجسدا في صورة إنسان وشكل العبد المحدود بالمكان ومع ذلك فقد كان يملأ الكل بلاهوته غير المحدود، حل في الجسد المحدود وهو الغير محدود بلاهوته، نزل علي الأرض دون أن يفارق السماء، كان في بطن العذراء ومع ذلك كان جالسا علي العرش يدير الكون بقوه لا هوته غير المحدود. فهو كما يقول الكتاب " حامل كل الأشياء بكلمة قدرته "(عب3: 1)، و" الذي فيه يقوم الكل "(كو16: 1).

نزل من السماء ولكن دون أن يخلي مكانه فيها، نزل منها دون أن يفارقها وذلك لأنه مالئ كل شئ ويحوي كل شئ ولا يحويه شئ.

ولم يكن نزوله انتقالا من مكان لآخر وانما كان تنازلا إذ كما يقول الكتاب " أخلى نفسه أخذا صورة عبد... وضع نفسه " (في6: 2-7) انه أخلى نفسه، وضع نفسه أي تنازل عن مجد لاهوته واتخذ فقر ناسوتا كما قال الكتاب " افتقر وهو غني " (2كو9: 8)، تنازل عن كونه " رب المجد " (1كو8: 2)، واخذ صورة العبد الفقير، النجار الناصري، وأحتمل ما لا يمكن أن يحتمله لولا تنازله وتجسده.

ومع تنازله وتجسده واتخاذه الطبيعة الإنسانية المحدودة فقد كان موجوداً في كل مكان، ويملأ الكل بلاهوته. وقال هو نفسه عن هذه الحقيقه " وليس أحد صعد الي السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو كائنا- في السماء " (يو13: 3)، فهو يقول انه نزل من السماء ومع ذلك فهو كائن، موجود، حاضر في السماء، انه موجود في السماء وعلي الأرض في آن واحد، برغم تجسده وظهوره في هيئة عبد واتخاذه صورة الإنسان، نزل في صورة الإنسان. نزل من السماء ومع ذلك ظل موجودا في السماء، نزل الي الأرض ولم يخل من وجوده السماء، ظل فيها مع انه كان متجسدا علي الأرض.

ومع انه كان متجسدا كانسان، وظاهرا في الجسد المحدود فقد قال أيضا: " لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثه بأسمى فهناك أكون (أنا) في وسطهم " (مت20: 18)

وأيضا ؛ " إن احبني أحد يحفظ كلامي ويحبه ابي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا " (يو23: 14). وعند صعوده بالجسد الي السماء قال ؛ " وها أنا معكم كل الأيام الي انقضاء الدهر " (مت20: 28). فهو يقول انه في السماء وعلي الأرض في آن واحد مع انه كان محدودا بالناسوت، بالجسد، ولكنه الغير محدود بلاهوته.

وفي هذه الآيات يقول انه يمكن أن يكون مع أي شخص يحبه في أي مكان أو زمان، حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثه باسمه في أي مكان علي الأرض وفي أي زمان يكون حاضرا معهم وهذا يعني انه غير محدود بالمكان وأيضا بالزمان. ولما صعد الي السماء بجسده ظل علي الأرض في كل مكان بلاهوته، يقول لتلاميذه: " وها أنا معكم كل الأيام الي انقضاء الدهر ".

- قال القديس كيرلس عامود الدين:

" أن طبيعة الكلمة لا يمكن بتاتا أن تحد علي الرغم من أننا نقول انه يسكن كما في هيكل مقدس، في الجسد المولود من القديسة العذراء "(1).

وقال أيضا: " إذا قيل أن الله الكلمه نزل إلينا فلا يفزع أحد ظانا كيف نزل غير المادي من مكان الي آخر. ولا يجب أن يظن أحد انه ينسحب من مكان لآخر، فهو يملأ كل الأشياء، بل علينا أن نفهم أن نزوله ومجيئه ليس تنقلا من مكان لآخر، بل قبول الكلمة الخدمة المقدسة وأرسالية سلمت بعد ذلك لتلاميذ المسيح "(2).

وأيضا " ونحن نعترف بأن الكلمه الله هو معنا، دون أن يكون محصورا في مكان ما، لأنه أي مكان لا يوجد فيه الله الذي يملأ كل الأشياء "(3).

- قال بروكلس بطريرك القسطنطينيه وخلف نسطور: " كان في حضن أبيه وهو هو في مستودع البتول، هو كان محمولا علي ذراعي أمه وهو محمولا علي أجنحة الرياح مسجودا له من الملائكه، جالس مع العشارين والشار وبيم لا يجسرون أن ينظروا إليه "(4).

- قال ساويرس بن المقفع:

" لأن قولنا نزل (لا يعني) أن السماء كانت خاليه منه، ولا هو محدود في موضع دون موضع، إنما ذكر النزول ها هنا يعني به كونه أتضع واتحد بالجسد، وصار إنسانا لأن هذا اعظم نزول انه صار موجودا محسوسا وملموسا ومحدودا بالجسد الذي اتحد به لله "(5).

انه نزل من السماء افتقر وهو غني، أخلى ذاته وأخذ صورة العبد دون أن يفارق عرشه في السماء ودون إن يخلو منه مكان ما في الكون ودون أن يتغير عن كونه الله، أخلي نفسه لأجل الطبيعه البشريه التي اتخذها، وصار في صورة عبد، شابهنا في كل شئ ما عدا الخطيه وحدها، وهو ملء اللاهوت الذي يملأ الكل ويحيط بالكل وفوق الكل " عظيم هو سر التقوى لله ظهر في الجسد تبرر في الروح ترآي لملائكته كُرز به بين الأمم أُو من به في العالم رُفع في المجد ".

- قال القديس اغسطينوس:

" أو ليس هو ذاك الذي جاء الي أرضنا دون أن يبتعد عن السماء؟ أو ليس هو ذاك الذي صعد الي السماء دون أن يتخلي عنا "(6).

---

(1) في سر التجسد 35.

(2) شرح تجسد الابن الوحيد 27.

(3) المرجع السابق 2.

(4) الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ج 1: 468.

(5) الدر الثمين في إيضاح الدين 55.

(6) شرح رسالة يوحنا الأولى م 6: 13.

الصفحة الرئيسية