الاعجاز المزعوم في سورة العاديات

 

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌٌ


من المعتقد عند المسلمين ان هذه السورة , كغيرها من سور القرآن , من اقوال رب العالمين التى اوحاها لعبده محمد لهداية البشر أجمعين وانها تنزيل بلسان عربى مبين , وانه لا يقدر انس ولا جان ان يأت بأحسن منها أو مثلها .

وعندما نسأل عن ماهية اعجازها , فلا نجد اجابة غير ان البشر والجن يعجزوا ان يأتوا بمثلها وكفى !!

اى تعريف الماء بالماء !!

لكن عندما نضعها تحت مجهر البحث والنقد لنتحقق من هذا الزعم

لا نجد فيها اى شئ خارق , بل على العكس نجد انها عبارة عن الفاظ غامضة , غير متفق عليها , متراصة بجوار بعضها البعض لا يخرج منها معانى واضحة , او دلالات مفهومة

هذه السورة بكاملها تسبب احراج كبير للمسلم لان لا احد يستطيع ان يجزم بانه فهم شيئا محددا منها( خاصة الايات الخمس الاولى ) ولانها تحتوى من المشاكل اللغوية على ما جعل علماء الاسلام يختلفون فى معانيها وتأويلاتها . فان سألت ما معنى العاديات او الموريات او المغيرات , فلن تجد اجابة متفق عليها بالرغم من جلال تلك الاشياء التى جعلت الله يقسم بها , بل كل اجابة قدمها صحابى او تابع لمعانى تلك الكلمات كانت تتهم بانها افتاء بما ليس له علم من صحابى او عالم آخر !!

انك لو قرأت تلك الايات وحاولت ان تفهمها باعتمادك على فهمك للغة العربية وبدون الرجوع للتفاسير او المعاجم اللغوية فلن تفهم شيئا ,
وان استعنت بتلك التفاسير وآراء العلماء وتأويلاتهم لتلك الايات فلن تفهم ايضا شيئا
وكل ما ستخرج به هو آراء يكذبها ويناقضها أراء أخرى , وغموض ورائه غموض !

ولنا ان نتسائل : لماذا كل هذه الالغاز والحيرة فى فهم الايات بالرغم من زعم القرآن ان الله انزل القرآن بلسان عربى مبين ؟

" انه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الامين .على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربى مبين" الشعراء 192 – 195

" إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " يوسف 2

" قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون " الزمر 28

"كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " فصلت 3

" إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " الزخرف 3

" وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم " ابراهيم 4

فان كان العرب , بل علمائهم فى اللغة وفى التفسير والتاويل لا يتفقون فى معانى كلمات وآيات سورة العاديات موضوع دراستنا , فلمن نلجأ؟
هل نلجأ للهنود أم الصينيين أ م الانجليز لكى يقولوا لنا ماذا تعنى الايات ؟

ومن وراء هذا الغموض ؟

هل تكلم الله فى هذه الايات بلغة عربية غير العربية التى يفهمها العرب حتى ان علمائها غير متفقين على معانيها ؟
وحسنا رفض فقهاء وعلماء الاسلام ترجمة القرآن للغات الاخرى , لانهم ماذا سيترجمون ؟

فان النص غير مفهوم وغير متفق عليه بلغته الاصلية وهذا سر رفضهم للفكرة , فتجدهم كارهين لفكرة ترجمة القرآن ويكتفوا بقولهم ان ما يترجم من القرآن للغات الاخرى ليس ترجمة له وانما ترجمة لمعانيه !!

هل يعقل ان تلك الايات المبينة لا يتفق احد على معناها ؟ فاذا كان الاختلاف على معناها هو بين اوائل المسلمين و كبار العلماء , فماذا ننتظر من المسلم البسيط ؟

وأليس تناقضا ان تكون الايات مبينة وفى نفس الوقت غامضة ولا يتفق اثنين على معناها؟

ان آية ابراهيم 4 تؤكد ان الله لا يرسل رسول الا بلسان قومه حتى يبين لهم , فانزل الله القرآن بالعربية للعرب حتى لا يكون لهم حجة , فما بالهم يختلفون فى معانى الكلمات والجمل وكانها كتبت بلغة اعجمية؟

انتاب جميع المفسرين لهذه السورة عبء تفسيرها لان النص الذى يفسرونه غامض لغويا لاحتوائه على كلمات غريبة فى معناها وفظة على الاذن وتركيب كلماتها لا يقدم جملة مفيدة ولا يخضع لقواعد معينة , والا لما اختلف العلماء كما سنبين لاحقا , ولاحتوائه على ضمائر متصلة تعود على اسماء لم تذكر نصا وانما تركت لذكاء السامع !!

فكان نتيجة ذلك حيرة العلماء والمفسريين فى فك طلاسم تلك الايات التى يزعم القرآن انها كتبت بلسان عربى مبين

ولذلك تجد الطبرى يبتدأ بالتنبيه فى بداية تفسيره للايات الثلاث الاولى على اختلاف العلماء فى تأويل الايات:

" الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَالْعَادِيَات ضَبْحًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَالْعَادِيَات ضَبْحًا }
" وَقَوْله : { فَالْمُورِيَات قَدْحًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل , فِي ذَلِكَ"

" وَقَوْله : { فَالْمُغِيرَات صُبْحًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ"

وحتى لا نتهم اننا نفسر الايات من عندياتنا , فلقد اعتمدت على كتب التفسير المعتبرة عند المسلمين وهى تفاسير الجلالين وابن كثير والطبرى والقرطبى لسورة العاديات

ولنبدأ الجولة فى دراسة تلك السورة


وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا

ماذا تعنى؟

يقولون لنا ان الله فى هذه الاية يقسم بالعاديات .

فما هى تلك العاديات التى من رفيع شأنها ان يقسم بها الله؟

هى : الخيل .

لا , بل هى : الابل فى خروجها من عرفة الى المزدلفة ومن المزدلفة الى منى .

ان التردد فى معناها ليس تردد من ناحيتنا وانما هذا هو حال علماء المسلمين حيث اختلفوا فى معناها !

انهم ليسوا متأكدين بما أقسم الله !

ونسأل هل أقسم الله بشئ غير معروف فى اللغة العربية ؟ " والعاديات " الخيل تعدو في الغزو وتضبح " ضبحا " هو صوت أجوافها إذا عدت" .. هذا ما قاله الجلالين.

بينما ابن كثير يقول ان العاديات هى الخيل كما قال بذلك ابن عباس , ومع ذلك ثار على بن ابى طالب على ابن عباس عندما سمع ذلك وقال له

" أَتُفْتِي النَّاس بِمَا لَا عِلْم لَك؟ "

ويقدم على تعريفه للعاديات فيقول :

" ؟ إِنَّمَا الْعَادِيَات ضَبْحًا مِنْ عَرَفَة إِلَى الْمُزْدَلِفَة وَمِنْ الْمُزْدَلِفَة إِلَى مِنًى"

ويبدو ان ابن عباس رجع عن رأيه واخذ برأى على باعتبار العاديات ليست الخيل !
فيروى لنا ابن كثير

" قَالَ اِبْن عَبَّاس فَنَزَعْت عَنْ قَوْلِي وَرَجَعْت إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ عَلِيّ إِنَّمَا الْعَادِيَات ضَبْحًا مِنْ عَرَفَة إِلَى الْمُزْدَلِفَة فَإِذَا أَوَوْا إِلَى الْمُزْدَلِفَة أَوْرَوْا النِّيرَان"

ويورد ابن كثير قائمة باسماء من اخذ برأى ابن عباس ومن اخذ برأى على

"وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ عَلِيّ إِنَّهَا الْإِبِل جَمَاعَة مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم وَعَبْد بْن عُمَيْر وَقَالَ بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس آخَرُونَ مِنْهُمْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء مَا ضُبِحَتْ دَابَّة قَطُّ إِلَّا فَرَس أَوْ كَلْب وَقَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَصِف الضَّبْح أح أح"

ويقول الطبرى

" فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا : الْخَيْل الَّتِي تَعْدُوا , وَهِيَ تُحَمْحِم. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { وَالْعَادِيَات ضَبْحًا } قَالَ : الْخَيْل , وَزَعَمَ غَيْر اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا الْإِبِل ."

ويقول ايضا : " قَالَ : سُئِلَ عِكْرِمَة , عَنْ قَوْله : { وَالْعَادِيَات ضَبْحًا } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْفَرَس إِذَا جَرَى كَيْفَ يَضْبَح . 29235 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَيْسَ شَيْء مِنْ الدَّوَابّ يَضْبَح غَيْر الْكَلْب وَالْفَرَس"

اما القرطبى فيقول :

" أَيْ الْأَفْرَاس تعْدُو . كَذَا قَالَ عَامَّة الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْل اللُّغَة ; أَيْ تَعْدُو فِي سَبِيل اللَّه فَتَضْبَح . قَالَ قَتَادَة : تَضْبَح إِذَا عَدَتْ ; أَيْ تُحَمْحِم . وَقَالَ الْفَرَّاء : الضَّبْح : صَوْت أَنْفَاس الْخَيْل إِذَا عَدَوْنَ . اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ شَيْء مِنْ الدَّوَابّ يَضْبَح غَيْر الْفَرَس وَالْكَلْب وَالثَّعْلَب"

واستدل القرطبى بابيات شعر تنسب الضبح للخيل :

" وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : وَطَعْنَة ذَات رَشَاش وَاهِيهْ طَعَنْتهَا عِنْد صُدُور الْعَادِيَهْ يَعْنِي الْخَيْل . وَقَالَ آخَر : وَالْعَادِيَات أَسَابِيّ الدِّمَاء بِهَا كَأَنَّ أَعْنَاقهَا أَنْصَاب تَرْجِيب يَعْنِي الْخَيْل . وَقَالَ عَنْتَرَة : وَالْخَيْل تُعْلَم حِين تَضْ بَح فِي حِيَاض الْمَوْت ضَبْحًا وَقَالَ آخَر : لَسْت بِالتُّبَّعِ الْيَمَانِيّ إِنْ لَمْ تَضْبَح الْخَيْل فِي سَوَاد الْعِرَاق وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : وَأَصْل الضَّبْح وَالضُّبَاح لِلثَّعَالِبِ ; فَاسْتُعِيرَ لِلْخَيْلِ ."

ويقدم القرطبى اسبابا لنزول هذه الايات :

". وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّة إِلَى أُنَاس مِنْ بَنِي كِنَانَة , فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرهَا , وَكَانَ اِسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ الْمُنْذِر بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ , وَكَانَ أَحَد النُّقَبَاء ; فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّهُمْ قُتِلُوا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَة إِخْبَارًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَلَامَتِهَا , وَبِشَارَة لَهُ بِإِغَارَتِهَا عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ"

وعن اصل كلمة العاديات يقول القرطبى:

". وَسُمِّيَتْ الْعَادِيَات لِاشْتِقَاقِهَا مِنْ الْعَدْو , وَهُوَ تَبَاعُد الْأَرْجُل فِي سُرْعَة الْمَشْي ."

ويظل السؤال:

ما معنى العاديات ؟
هل هى الخيل أم الابل ؟
وما معنى ضبحا ؟

فأن كانت هى صوت الخيل فلماذا رفض كثير من الصحابة وعلى راسهم على بن ابى طالب ان يكون ما اقسم الله به هو الخيل وقالوا ان ما اقسم الله به هو الابل؟ بل ان على اتهم ابن عباس فى قوله على العاديات بانها الخيل بانه يفتى بما ليس له علم !!

ومن زاوية اخرى , نترك علماء المسلمين فى اختلافاتهم الى ان يقرروا - بعد مرور اكثر من اربعة عشر قرنا - ان كانت العاديات هى الخيل أم الابل , ونسأل :
ما الحكمة ان يقسم الله سواء بالخيل التى تقول فى ضبحها اح اح او بالابل ؟

فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا

ما هى تلك الموريات التى يقسم الله بها ؟

هل هى الخيل ؟

هل هى المكر او مكر الرجال؟

هل هى الالسنة؟

هل هى الابل ؟

الله واعلم !!

على اى حال
هى الخيل .

يقول الجلالين " " فالموريات " الخيل توري النار " قدحا " بحوافرها إذا سارت في الأرض ذات الحجارة بالليل"

ويقول ابن كثير " " فَالْمُورِيَات قَدْحًا " يَعْنِي اِصْطِكَاك نِعَالهَا لِلصَّخْرِ فَتَقْدَح مِنْهُ النَّار "

وقال القرطبى " قَالَ عِكْرِمَة وَعَطَاء وَالضَّحَّاك : هِيَ الْخَيْل حِين تُورِي النَّار بِحَوَافِرِهَا"

وقال الطبرى " فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْخَيْل تُورِي النَّار بِحَوَافِرِهَا"

ومع ذلك هناك من رأى رأيا آخر

حيث يرى انها المكر او مكر الرجال

يقول الطبرى:

" . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : مَكْر الرِّجَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29255 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَالْمُورِيَات قَدْحًا } قَالَ : الْمَكْر . 29256 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح . عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { فَالْمُورِيَات قَدْحًا } قَالَ : مَكْر الرِّجَال ."

ويقول القرطبى " وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُورَيَاتِ قَدْحًا : مَكْر الرِّجَال فِي الْحَرْب ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَزَيْد بْن أَسْلَمَ . وَالْعَرَب تَقُول إِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يَمْكُر بِصَاحِبِهِ : وَاَللَّه لَأَمْكُرَنَّ بِك , ثُمَّ لَأُورِيَنَّ لَك . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُمْ الَّذِينَ يَغْزُونَ فَيُورُونَ نِيرَانهمْ بِاللَّيْلِ , لِحَاجَتِهِمْ وَطَعَامهمْ . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهَا نِيرَان الْمُجَاهِدِينَ إِذَا كَثُرَتْ نَارهَا إِرْهَابًا . وَكُلّ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَدُوّ يُوقِد نِيرَانًا كَثِيرَة لِيَظُنّهُمْ الْعَدُوّ كَثِيرًا . فَهَذَا إِقْسَام بِذَلِكَ . قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هِيَ النَّار تُجْمَع . وَقِيلَ هِيَ أَفْكَار الرِّجَال تُورِي نَار الْمَكْر وَالْخَدِيعَة"

وهناك من قال انها الالسنة

يقول الطبرى:

" وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْأَلْسِنَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29257- حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا يُونُس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : يُقَال فِي هَذِهِ الْآيَة { فَالْمُورِيَات قَدْحًا } قَالَ : هِيَ الْأَلْسِنَة"

ويقول القرطبى " وَقَالَ عِكْرِمَة : هِيَ أَلْسِنَة الرِّجَال تُورِي النَّار مِنْ عَظِيم مَا تَتَكَلَّم بِهِ , وَيَظْهَر بِهَا مِنْ إِقَامَة الْحُجَج , وَإِقَامَة الدَّلَائِل , وَإِيضَاح الْحَقّ , وَإِبْطَال الْبَاطِل ."

وهناك من قال هى الابل

يقول الطبرى:

". وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْإِبِل حِين تَسِير تَنْسِف بِمَنَاسِمِهَا الْحَصَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29258 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { فَالْمُورِيَات قَدْحًا } قَالَ : إِذَا نَسَفَتْ الْحَصَى بِمَنَاسِمِهَا , فَضَرَبَ الْحَصَى بَعْضه بَعْضًا , فَيَخْرُج مِنْهُ النَّار"

انها حيرة ما بعدها حيرة ! هل هذا النص العربى المبين غامض لمثل هذه الدرجة حتى انهم لا يدرون ما المقصود بالموريات قدحا ؟
وان اعترفوا بغموضه فهل يعترفوا ان الايات لم تنزل بلسان عربى مبين ؟

ان الحيرة دفعت بالطبرى الى ان يقول فيما معناه :
ان الله اقسم بالموريات مهما كان معناها!!

أى اقسم بشئ مبهم وغامض

أى أقسم بشئ لا يدرى احد ماهيته الا الله !!
وبلغة متذوقى الشعر : المعنى فى بطن الشاعر !!

وهكذا نسب لله الطيش وعدم الابانة والدقة فى رسالته للبشر , وعلى البشر ان يفهموا رسالته كيفما شاءوا لان نص الرسالة غير واضح وغير مبين !!
يقول الطبرى:

. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَقْسَمَ بِالْمُورِيَاتِ الَّتِي تُورِي النِّيرَان قَدْحًا ; فَالْخَيْل تُورِي بِحَوَافِرِهَا , وَالنَّاس يُورُونَهَا بِالزَّنْدِ , وَاللِّسَان مَثَلًا يُورِي بِالْمَنْطِقِ , وَالرِّجَال يُورُونَ بِالْمَكْرِ مَثَلًا , وَكَذَلِكَ الْخَيْل تَهِيج الْحَرْب بَيْن أَهْلهَا : إِذَا اِلْتَقَتْ فِي الْحَرْب ; وَلَمْ يَضَع اللَّه دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مِنْ ذَلِكَ بَعْض دُون بَعْض فَكُلّ , مَا أَوْرَتْ النَّار قَدْحًا , فَدَاخِلَة فِيمَا أَقْسَمَ بِهِ , لِعُمُومِ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ ." !!!

بدلا من الاعتراف بان النص لا دلالة محددة مبينة له , يجعل الطبرى الله هو المسئول عن ذلك !!

[size=12]فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا[/size]

هل هى الخيل عندما تغير على العدو عند الصبح
كما قال ابن عباس وغيره ؟

أم هى الابل تدفع بركبانها يوم النحر من منى الى جمع
كما قال على بن ابى طالب وابن مسعود ؟

الجلالين يقول انها الخيل : " فالمغيرات صبحا " الخيل تغير على العدو وقت الصبح بإغارة أصحابها"

وابن كثير يقول انها الاغارة وقت الصباح : " فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا يَعْنِي الْإِغَارَة وَقْت الصَّبَاح كَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِير صَبَاحًا وَيَسْتَمِع الْأَذَان فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا وَإِلَّا أَغَارَ ."

والطبرى يورد رأى من قال انها الخيل او انها الابل :

" وَقَوْله : { فَالْمُغِيرَات صُبْحًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَالْمُغِيرَات صُبْحًا عَلَى عَدُوّهَا عَلَانِيَة...

عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : سَأَلَنِي رَجُل عَنْ الْمُغِيرَات صُبْحًا , فَقَالَ : الْخَيْل تُغِير فِي سَبِيل اللَّه ...

حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَالْمُغِيرَات صُبْحًا } قَالَ : هِيَ الْخَيْل ...

. وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْإِبِل حِين تَدْفَع بِرُكْبَانِهَا مِنْ " جَمْع " يَوْم النَّحْر إِلَى " مِنًى " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29264 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه { فَالْمُغِيرَات صُبْحًا } حِين يُفِيضُونَ مِنْ جَمْع..."

وكذلك القرطبى

" الْخَيْل تُغِير عَلَى الْعَدُوّ عِنْد الصُّبْح ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ ....

وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : هِيَ الْإِبِل تُدْفَع بِرُكْبَانِهَا يَوْم النَّحْر مِنْ مِنًى إِلَى جَمْع"

ان اى محاولة لمعرفة دقيقة عن المقصود بالمغيرات صبحا تبوء بالفشل , كل ما يقدم ما هو الا ظنيات .
لذلك لا نندهش من موقف الطبرى عندما يشعر بالفشل والاحباط فيقول :

" . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَقْسَمَ بِالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ مُغِيرَة دُون مُغِيرَة , فَكُلّ مُغِيرَة صُبْحًا , فَدَاخِلَة فِيمَا أَقْسَمَ بِهِ ; وَقَدْ كَانَ زَيْد بْن أَسْلَم يَذْكُر تَفْسِير هَذِهِ الْأَحْرُف وَيَأْبَاهَا , وَيَقُول : إِنَّمَا هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ . 29265 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَالْعَادِيَات ضَبْحًا فَالْمُورِيَات قَدْحًا } قَالَ : هَذَا قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ . وَفِي قَوْله : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } قَالَ : كُلّ هَذَا قَسَم , قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ أَبِي يَنْظُر فِيهِ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ , وَلَا يَذْكُرهُ , يُرِيد بِهِ الْقَسَم ." !!

ان الطبرى ينسب لله الحماقة والسخف حيث جعله يقسم بشئ هيولى غير محدد " وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ مُغِيرَة دُون مُغِيرَة , فَكُلّ مُغِيرَة صُبْحًا , فَدَاخِلَة فِيمَا أَقْسَمَ بِهِ" !!
فنسب لله عدم الدقة فى الالفاظ وعجزا لغويا فى التعبير عما يريد ان يبلغه للمؤمنيين , بينما عدم الدقة فى اختيار الالفاظ والعجز اللغوى فى التعبير ليسا فى الله وانما فى هذا النص القرآنى المبين!

ومن ناحية اخرى لنسأل :

ما الحكمة من ان يقسم الله بالخيل أو الابل التى تعدو؟ ثم بالخيل التى يخرج من حوافرها النار عند اصطكاكها بالصخر؟ ثم يقسم بالخيل التى تقوم بالاغارة فى الصباح ؟
أنكون مبالغين لو قلنا ان هذا الاله يقسم بامور تافهه؟


[size=24]فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا[/size]

ما المعنى ؟

يقول الجلالين :

" فأثرن " هيجن " به " بمكان عدوهن أو بذلك الوقت " نقعا " غبارا بشدة حركتهن

ويقول ابن كثير : فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا يَعْنِي غُبَارًا فِي مَكَان مُعْتَرَك الْخُيُول

ويقول الطبرى : وَقَوْله { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَرَفَعْنَ بِالْوَادِي غُبَارًا ; وَالنَّقْع : الْغُبَار , وَيُقَال : إِنَّهُ التُّرَاب

ويقول القرطبى : أَيْ غُبَارًا ; يَعْنِي الْخَيْل تُثِير الْغُبَار بِشِدَّةِ الْعَدْو فِي الْمَكَان الَّذِي أَغَارَتْ بِهِ

والخلاصة هى ان الخيل تثير التراب او الغبار

وهنا نجد مشكلتين

اولا :كلمة " به" تعود على من ؟
وان كانت تعود على شئ فلماذا لم يذكر هذا الشئ ؟

" به" تعود على :

المكان ؟

أم العدو؟

أم حوافر الخيل؟

بعضهم قال ان " به" تعود على موضع او مكان المعركة التى تدخلها الخيل فيكون معنى الاية :

ان الخيل أثارت بمكان المعركة ترابا
(ابن كثير : فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا يَعْنِي غُبَارًا فِي مَكَان مُعْتَرَك الْخُيُول ,

وكذلك الجلالين : فأثرن " هيجن " به " بمكان عدوهن أو بذلك الوقت)

وفريق آخر قال ان " به " تعود على العدو ويكون معنى الاية:

ان الخيل اثارت التراب على العدو
( القرطبى : وَقِيلَ : " فَأَثَرْنَ بِهِ " , أَيْ بِالْعَدْوِ " نَقْعًا " )

وفريق ثالث قال ان " به " تعود على حوافر الخيل فيكون معنى الاية :

ان الخيل اثارت بحوافيرها التراب
( الطبرى : قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَبُو رَجَاء , قَالَ : سُئِلَ عِكْرِمَة , عَنْ قَوْله { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا } قَالَ : أَثَارَتْ التُّرَاب بِحَوَافِرِهَا )

والغريب فى الامر ان الثلاثة اشياء التى قد تعود عليها كلمة " به" لا وجود لها فى نص الايات !!!
والمعروف فى علوم اللغة والبلاغة ان يعود الضمير لاسم سابق عليه جاء ذكره سابقا , فلم يأت فى الايات ذكر المكان ولا العدو ولا الحوافر !!
ولقد حاولوا تبرير ذلك المأخذ البلاغى

فيقول الطبرى :

. وَالْهَاء فِي قَوْله " بِهِ " كِنَايَة اِسْم الْمَوْضِع , وَكَنَّى عَنْهُ , وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر , لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْغُبَار لَا يُثَار إِلَّا مِنْ مَوْضِع , فَاسْتَغْنَى بِفَهْمِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْره

ويؤيد القرطبى نفس الفكرة فيقول :

وَالْكِنَايَة فِي " بِهِ " تَرْجِع إِلَى الْمَكَان أَوْ إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي تَقَع فِيهِ الْإِغَارَة . وَإِذَا عُلِمَ الْمَعْنَى جَازَ أَنْ يُكَنَّى عَمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر بِالتَّصْرِيحِ

وهذه الحجج واهية ومردود عليها من اقوالهما نفسها
انهما يفترضان ان السامع لاية فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا سيفهم تلقائيا وبديهيا ان المقصود بالهاء المكان ولذلك لم يأت له ذكر !! وهذا باطل لانهما قدما فى تفسيريهما آراء لعلماء وصحابة وتابعين قالوا بان الهاء تعود الى العدو أو حوافر الخيل , ويلاحظ ان الذين اختلفوا فى ذلك كبار الصحابة والعلماء , فما بال السامعين للاية من البسطاء والجهلاء !!
ولنا ان نسأل : ان المذكور نصا و تصريحا مثل الايات السابقة اختلف فيه , فكيف يتفق السامعون على الهاء التى تعود على شئ لم يذكر؟
ثانيا : نَقْعًا

ما النقع ؟

معظم التفاسير قالت ان النقع هو التراب او الغبار ومع ذلك هناك من قال ان النقع هو رفع الصوت وهذا رأى القرطبى حيث يقول:

قُلْت : وَقَدْ يَكُون النَّقْع رَفْع الصَّوْت , وَمِنْهُ حَدِيث عُمَر حِين قِيلَ لَهُ : إِنَّ النِّسَاء قَدْ اِجْتَمَعْنَ يَبْكِينَ عَلَى خَالِد بْن الْوَلِيد ; فَقَالَ : وَمَا عَلَى نِسَاء بَنِي الْمُغِيرَة أَنْ يَسْفِكْنَ مِنْ دُمُوعهنَّ وَهُنَّ جُلُوس عَلَى أَبِي سُلَيْمَان , مَا لَمْ يَكُنْ نَقْع , وَلَا لَقْلَقَة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : يَعْنِي بِالنَّقْعِ رَفْع الصَّوْت ; عَلَى هَذَا رَأَيْت قَوْل الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْل الْعِلْم"

والخلاصة اتضح انهم غير متفقين على " به " ولا على " نقعا"

[size=12]فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا[/size]

ما معنى الاية؟

يقول ابن كثير " أَيْ تَوَسَّطْنَ ذَلِكَ الْمَكَان كُلّهنَّ جَمْع"

ويقول الطبرى " وَقَوْله : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَوَسَطْنَ بِرُكْبَانِهِنَّ جَمْع الْقَوْم"

وينقل الطبرى رأى عكرمة : " سُئِلَ عِكْرِمَة , عَنْ قَوْله : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } قَالَ : جَمْع الْكُفَّار"

وينقل رأى ابن عباس : " عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } قَالَ : هُوَ جَمْع الْقَوْم . "

وينقل راى مجاهد : ", عَنْ مُجَاهِد { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } قَالَ : جَمْع هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ."

وينقل رأى آخرين : " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ { فَوَسَطْنَ بِهِ } مُزْدَلِفَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29279- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } يَعْنِي : مُزْدَلِفَة ."

اما القرطبى فيقول :

" أَيْ فَوَسَطْنَ بِرُكْبَانِهِنَّ الْعَدُوّ ; أَيْ الْجَمْع الَّذِي أَغَارُوا عَلَيْهِمْ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : " فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا " : يَعْنِي مُزْدَلِفَة ; وَسُمِّيَتْ جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاس"

واضح ان غموض البناء اللغوى وفجاجته كان وراء تلك التفاسير المختلفة ولو كان النص واضحا ومبينا لما كان كل هذا التباين.

جاءت الاية وبها كلمة " جمعا " تلك الكلمة الغامضة , فقال بعضهم المقصود جمع الكفار , وآخرون قالوا جمع القوم , وآخرون قالوا جمع العدو , وآخرون قالوا جمع هؤلاء وهؤلاء , وآخرون قالوا مزدلفة !!
أما عن الهاء فى كلمة "به" فاعادها ابن كثير الى المكان الذى لم يذكر !
" أَيْ تَوَسَّطْنَ ذَلِكَ الْمَكَان كُلّهنَّ جَمْع"

والطبرى اعادها الى راكبى الخيل الذين لم يذكروا ايضا ! " فَوَسَطْنَ بِرُكْبَانِهِنَّ جَمْع الْقَوْم"

وهناك من المفسرين والصحابة من تجاهل وجود " به" وكأنها ليست موجودة وقدم تفسيره على هذا الاساس مثل عكرمة وابن عباس ومجاهد.

ملاحظة أخيرة على الايات الخمس الاولى من السورة:

يورد القرطبى هذه المقولة لابن العربى

" قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَقْسَمَ اللَّه بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " يس . وَالْقُرْآن الْحَكِيم " [ يس : 1 - 2 ] , وَأَقْسَمَ بِحَيَاتِهِ فَقَالَ : " لَعَمْرك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتهمْ يَعْمَهُونَ " [ الْحِجْر : 72 ] , وَأَقْسَمَ بِخَيْلِهِ وَصَهِيلهَا وَغُبَارهَا , وَقَدْح حَوَافِرهَا النَّار مِنْ الْحَجَر , فَقَالَ : " وَالْعَادِيَات ضَبْحًا " . .. الْآيَات الْخَمْس"

ولنا ان نتساءل:

ان الايات الخمس الاولى من سورة العاديات يعتبرها المسلمون قسم فيها يقسم الله بهذه الاشياء التى لا يتفقوا على معناها , ولو افترضنا انهم اتفقوا على ان الله كان يقسم بالخيل ويقسم بصهيله ويقسم بغباره ويقسم بحوافره التى تقدح نارا , فما الحكمة من القسم بكل هذه الامور ؟
ألم يكفى الاله ان يقسم بالخيل حتى انه لا يكتفى بذلك و يقسم بغباره وحوافره؟
وكل آيات القسم الخمسة السابقة تجعل القارئ او المستمع منتظرا ومتشوقا ان يعرف ذلك الشئ الذى جعل الاله يقسم بكل تلك الاقسام المتعددة , وانه ينتظر ان يسمع سرا عظيما لا يصدق .

وما علاقة المقسوم به والمقسوم عليه كما سنراه فى الاية التالية ؟

[size=7]إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ[/size]
هذا هو السر العظيم الذى كلف الله القسم خمس مرات فى خمس آيات متتاليات !!

وفسرها الجلالين :" إن الإنسان " الكافر " لربه لكنود " لكفور يجحد نعمته تعالى "

وابن كثير "هَذَا هُوَ الْمُقْسَم عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ بِنِعَمِ رَبّه لَكَفُور جَحُود "

والطبرى: { إِنَّ الْإِنْسَان لِرَبِّهِ لَكَنُود } يَقُول : إِنَّ الْإِنْسَان لَكَفُور لِنِعَمِ رَبّه "

والقرطبى " هَذَا جَوَاب الْقَسَم ; أَيْ طُبِعَ الْإِنْسَان عَلَى كُفْرَان النِّعْمَة "

أكرر ما علاقة القسم بالمقسوم عليه ؟

ان الله يقسم بالخيل وغباره وصهيله وحوافره ولماذا كل هذا؟ لاجل ان يقول ان الانسان جاحد !!!

كان يكفى ان يقسم بشئ واحد او لا يقسم مطلقا لكى يقول لنا

ان الانسان جاحد ,

وكنا سنوافقه ونقول صدقت !!

[size=9][size=18][size=24]وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد[/size][/size][/size]


من هو الشهيد فى هذه الاية ؟

قالوا قد يكون المقصود الله أو الانسان الكافر الجاحد !!

فاعل الجملة الله , او الكافر ... لا فرق !!

وقبل تعليقنا لنقرأ التفاسير

الجلالين " وإنه على ذلك " أي كنوده " لشهيد " يشهد على نفسه بصنعه

ابن كثير " قَالَ قَتَادَة وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَإِنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد وَيَحْتَمِل أَنْ يَعُود الضَّمِير عَلَى الْإِنْسَان قَالَهُ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فَيَكُون تَقْدِيره وَإِنَّ الْإِنْسَان عَلَى كَوْنه كَنُودًا لَشَهِيد أَيْ بِلِسَانِ حَاله أَيْ ظَاهِر ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي أَقْوَاله وَأَفْعَاله كَمَا قَالَ تَعَالَى " مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ " .

الطبرى " وَقَوْله : { وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه عَلَى كُنُوده رَبّه لَشَهِيد : يَعْنِي لَشَاهِد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29288- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد } قَالَ : يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد . 29289 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد } فِي بَعْض الْقِرَاءَات " إِنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد " . 29290 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان { وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد } يَقُول : وَإِنَّ اللَّه عَلَيْهِ شَهِيد .

القرطبى " أَيْ وَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ اِبْن آدَم لَشَهِيد . كَذَا رَوَى مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد ; وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ , وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَمُحَمَّد بْن كَعْب : " وَإِنَّهُ " أَيْ وَإِنَّ الْإِنْسَان لَشَاهِد عَلَى نَفْسه بِمَا يَصْنَع ; وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا .


الاية السابقة تقول إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
ثم تأتى الاية التالية مباشرة معطوفة على السابقة بحرف الواو وتقول وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد , والمفروض لغويا وبلاغيا ان كلمة وَإِنَّهُ الثانية تعود على نفس الشخص وهو الانسان الكنود , وما يثبت هذا أن الاية التى تلى الايتين تستمر فى العطف وتقول وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ

وهنا يتفقون بلا خلاف ان المقصود هو الانسان , لكن لسبب أو آخر يفضل معظم المفسرون ان تكون معنى الاية : أنه ( الله) على ذلك لشهيد !!
واذا بحثنا عن السبب نجد اشارة قالها الطبرى تقول : " فِي بَعْض الْقِرَاءَات
" إِنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد " !!
فنجد معظم المفسريين لديهم حنين لما تحمله الذاكرة من نص الاية فى القراءات السابقة لنص مصحف عثمان , لكن فى تفسيرهم هذا يضحون بالبلاغة ويجعلون الايات مشوهة لغويا حيث نجد نفس الضمير ( الهاء) فى كلمة " انه"
يتأرجح فى رجوعه الى الله والانسان الكنود الكافر !!


[size=9]وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ[/size]

الجلالين : " وإنه لحب الخير " أي المال " لشديد " الحب له فيبخل به

الطبرى : وَقَوْله : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر لَشَدِيد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ الْإِنْسَان لِحُبِّ الْمَال لَشَدِيد

القرطبى : أَيْ لَقَوِيّ فِي حُبّه لِلْمَالِ . وَقِيلَ : " لَشَدِيد " لَبَخِيل

. قَالَ اِبْن زَيْد : سَمَّى اللَّه الْمَال خَيْرًا ; وَعَسَى أَنْ يَكُون شَرًّا وَحَرَامًا ; وَلَكِنَّ النَّاس يَعُدُّونَهُ خَيْرًا , فَسَمَّاهُ اللَّه خَيْرًا لِذَلِكَ


جميع المفسريين اجمعوا على معنى الاية انها تقول ان الانسان الكنود يحب المال بشدة , والغريب فى الامر انهم فسروا الخير بالمال , مع ان المعنى البديهى الذى يتبادر للذهن ان الخير هو العمل الصالح والتقوى , ونسأل :
على أى اساس تكون كلمة الخير هنا مرادفة للمال وخاصة ان حب المال هنا مذموما لدلالته على البخل؟
حاول البعض ان يجد تبريرا لذلك فيروى القرطبى :

"قَالَ اِبْن زَيْد : سَمَّى اللَّه الْمَال خَيْرًا ; وَعَسَى أَنْ يَكُون شَرًّا وَحَرَامًا ; وَلَكِنَّ النَّاس يَعُدُّونَهُ خَيْرًا , فَسَمَّاهُ اللَّه خَيْرًا لِذَلِكَ"

ولكن نسأل:
الناس سموا المال خيرا وقد يكون ذلك المال شرا وحراما , فلماذا يوافق الله على خطأ الناس فى تسميتهم للمال الحرام خيرا؟ ألم يكن أولى ان يسمى الله فى كتابه الكريم الشئ باسمه الحقيقى بدلا ان يعوم على عوم الناس الكنودين ( الجاحدين والكافرين ) ؟
بدلا من ان يصحح مفاهيم الناس الخاطئة يوافقهم عليها !!


[size=12]أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ

وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ

إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌٌ

[/size]

تفاجئنا الاية الاخيرة بضمير متصل يعود على الجمع فى كلمة رَبَّهُمْ و بِهِمْ
واذا اعدنا قرأة السورة من أولها لا نجد اى اشارة لاسم جمع يمكن ان يعود عليه هذا الضمير ولا يوجد اسم يمكن ان يعود اليه الضمير المتصل الا كلمة الانسان الذى هو لربه لكنود وهو نفسه الذى قيل له بصيغة المفرد أَفَلَا يَعْلَمُ!!

وطالما قال القران

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ

وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ

(وجميعها بصيغة المفرد)

ألم يكن اولى وأبلغ ان يقول:

إن ربه به يومئذ لخبير ؟

وفى نهاية دراستنا النقدية لسورة العاديات نسأل:

أين البلاغة اللغوية فى هذه الايات بينما تحتوى على ما يجافى مبادئ البلاغة وأدنى اساسيات الفكر المنطقى ؟

اين البيان (اللسان العربى المبين) فى الايات بينما معظم الكلمات غامضة ومختلف عليها ؟

واخيرا
من حق المسلم ان يعتبر سورة العاديات اعجاز بصرف النظر عن طلاسمها وغموضها اللغوى وعدم اتفاق علماء المسلمين فى معانيها
اما هذا الغموض وتلك الطلاسم اللغوية وعدم اتفاق العلماء على معانيها فلا نرى منه ما يراه الاخوة المسلمون


وللجميع تحياتى
وهذه روابط لبعض دراساتنا لموضوعات تتعلق بالبحث الحالى لمن اراد المزيد :
انجيل الطفولة ومصدريته لبعض معجزات المسيح فى القرآن
مذهب الدوسيتية الغنوصى و "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم
شمشون - دراسة نقدية تكشف التقديس الدينى الزائف للانبياء
ديانة ماني وأثرها على الإسلام
 

الصفحة الرئيسية