احكام أهل الذمة

 

الفصل الاول

في أحكام البيع والكنائس

قال تعالى (   وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) وقال (   في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) وقال تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) قال الزجاج تأويل هذا لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في كل شريعة نبي المكان الذي يصلى فيه فلولا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كان يصلى فيها في شريعته وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن محمد المساجد . وقال الأزهري أخبر الله سبحانه أنه لولا دفعه بعض الناس عن الفساد ببعضهم لهدمت متعبدات كل فريق من أهل دينه وطاعته في كل زمان فبدأ بذكر الصوامع والبيع لأن صلوات من تقدم من أنبياء بني إسرائيل وأصحابهم كانت فيها قبل نزول القرآن وأخرت المساجد لأنها حدثت بعدهم . وقال ابن زيد الصلوات صلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدو . قال الأخفش وعلى هذا القول الصلوات لا تهدم ولكن تحل محل فعل آخر كأنه قال تركت صلوات . وقال أبو عبيدة إنما يعني مواضع الصلوات . وقال الحسن يدفع عن مصليات أهل الذمة بالمؤمنين .

وعلى هذا القول لا يحتاج إلى التقدير الذي قدره أصحاب القول الأول وهذاظاهر اللفظ ولا إشكال فيه بوجه فإن الآية دلت على الواقع لم تدل على كون هذه الأمكنة غير المساجد محبوبة مرضية له لكنه أخبر أنه لولا دفعه الناس بعضهم ببعض لهدمت هذه الأمكنة التي كانت محبوبة له قبل الإسلام وأقر منها ما أقر بعده وإن كانت مسخوطة له كما أقر أهل الذمة وإن كان يبغضهم ويمقتهم ويدفع عنهم بالمسلمين مع بغضه لهم . وهكذا يدفع عن مواضع متعبداتهم بالمسلمين وإن كان يبغضها وهو سبحانه يدفع عن متعبداتهم التي أقروا عليها شرعا وقدرا فهو يحب الدفع عنها وإن كان يبغضها كما يحب الدفع عن أربابها وإن كان يبغضهم . وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى وهو مذهب ابن عباس في الآية . قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبيد الله هو ابن موسى عن إسرائيل عن السدي عمن حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما (   لهدمت صوامع وبيع ) قال الصوامع التي يكون فيها الرهبان والبيع مساجد اليهود والصلوات كنائس النصارى والمساجد مساجد المسلمين . قال ابن أبي حاتم وأخبرنا الأشج ثنا حفص بن غياث عن داود عن أبي العالية قال (   لهدمت صوامع ) قال صوامع وإن كان يشرك به وفي لفظ إن الله يحب أن يذكر ولو من كافر . كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1168و 1169و 1170.


وفي تفسير شيبان عن قتادة الصوامع للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود والمساجد للمسلمين . وقد تضمن الشرط ذكر الدير والقلاية والكنيسة والصومعة . فأما الدير فللنصارى خاصة يبنونه للرهبان خارج البلد يجتمعون فيه للرهبانية والتفرد عن الناس . وأما القلاية فيبنيها رهبانهم مرتفعة كالمنارة والفرق بينها وبين الدير أن الدير يجتمعون فيه والقلاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه ولا يكون لها باب بل فيها طاقة يتناول منها طعامه وشرابه وما يحتاج إليه . وأما الصومعة فهي كالقلاية تكون للراهب وحده .

قال الأزهري الصومعة من البناء سميت صومعة لتلطف أعلاها يقال صمع الثريدة إذا رفع رأسها وحدده وتسمى الثريدة إذا كانت كذلك صومعة ومن هذا يقال رجل أصمع القلب إذا كان حاد الفطنة . ومنهم من فرق بين الصومعة والقلاية بأن القلاية تكون منقطعة في فلاة من الأرض والصومعة تكون على الطرق .

وأما البيع فجمع بيعة وأهل اللغة والتفسيرعلى أنها متعبد النصارى إلا ما حكيناه عن ابن عباس أنه قال البيع مساجد اليهود . كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1171.


وأما الكنائس فجمع كنيسة وهي لأهل الكتابين ولليهود خاصة الفهر بضم الفاء والهاء واحدها فهر وهو بيت المدراس الذي يتدارسون فيه العلم .

وفي الحديث أنا رسول الله دخل على اليهود بيت مدراسهم . وفيه أيضا قول أنس كأنهم اليهود حين خرجوا من فهرهم . وحكم هذه الأمكنة كلها حكم الكنيسة وينبغي التنبيه عليها . كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1172.

 

 

تنحصر مسالة بناء وترميم الكنائس في أربعة جوانب، تقسم البلاد إلى الأقسام التالية:

بلاد اسلم عليها أهلها.

وبلاد مصرها المسلمون كالبصرة والكوفة .

وبلاد فتحها المسلمون عنوة.

 وبلاد  صولح  أهلها عليها.

وبناء  الكنائس والمعابد لأهل الذمة يختلف باختلاف هذه الأقسام.

 فالبلاد التي اسلم عليها أهلها، والبلاد التي مصرها المسلمون، يمنع اهل الذمة  ان يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة. راجع: أحكام اهل الذمة لابن الجوزي 2/116 - 118  والمغنى المحتاج 4/253 وبدائع الصنائع للكاساني 7/114والمغنى لابن قدامه 10/60.

اما ما مصرته العرب فليس لهم ان يحدثوا فيه  بناء بيعة ولا كنيسة، ولا يضربوا فيه بناقوس  ولا يظهروا فيه خمراً، ولا يتخذوا فيه خنزيراً، وكل مصر كانت العجم مصرته ففتحه الله على العرب - المسلمين - فنزلوا على حكمه  فللعجم ما في عهدهم، وللعرب ان يوفوا لهم بذلك. راجع الخراج لابو يوسف ص 149.

(يستدل ان هذا البلد ملكاً للمسيلين وما دام كذلك فلا يجوز إظهار معابد الكفر فيه). راجع المغنى لابن قدامه 10/ 610.

اما البلاد التي فتحت عنوة فلا يجوز تمكينهم من أحداث بيعة ولا كنيسة ؛ وذلك لان المسلمين قد امتلكوها بالفتح واصبحت في حكم ما مصره المسلمون . راجع: مغنى المحتاج 4/ 254 والمغنى لابن قدامه 10/610 .

واما الكنائس والبيع الموجودة  قبل الفتح فللفقهاء فيه أقوال: قال ابن القاسم من المالكية : تبقى ولو بلا شرط.

والحنفية قالوا: يمنعون من الصلاة فيها، وتبقى كالمساكن ولا تهدم وتتخذ للسكن . راجع: بدائع الصنائع 7/ 114 -

اما الحنابلة فلهم في هذا روايتان: الأولى:

 ان تهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين.

 فلا يجوز ان تكون فيها بيعة كالذي مصره المسلمون. والرواية الثانية للحنابلة: يجوز بقاؤها  لان الصحابة قد فتحوا كثيراً من البلاد فلم يهدموا شيئاً من الكنائس.

اما الشافعية فقالوا: بوجوب هدمها في الأصح.

يقول ابن القيم الجوزي ( هذه البلاد  بحالاتها المختلفة صافية للأمام ان أراد ان يقر اهل الذمة فيها ببدل الجزية جاز، فلو اقرهم الامام ان يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة،أو يظهروا فيها خمر أو خنزيراً أو ناقوسا لم يجز.

وان شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان الشرط والعقد فاسدا، وهو اتفاق الأمة لا يعلم ًبينهم فيه نزاع.

وقال الامام احمد: حدثنا حماد بن خالد الخياط ، اخبرنا الليث بن سعيد، عن توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر قال: قال رسول  الله ( لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة) .

الخصاء هنا كناية عن الرهبنة  .

عن عمر بن الخطاب انه قال: لا كنيسة ولا خصاء في الإسلام.

سئل عكرمة  ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب فقال هل للعجم ان يحدثوا فيها شيئا؟ .

فقال: ايما مصر مصرة العرب  فليس للعجم ان يبنوا فيه، ولا يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يتخذوا فيه خنزير.

وقال عبد الله بن احمد: سمعت ابي يقول:  ليس لليهود والنصارى ان يحدثوا في مصر مصره المسلمين بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا بها ناقوسا الا في مكان لهم الصلح، وليس لهم ان يظهروا الخمر في بلاد المسلمين.

قال عبد الرزاق: اخبرنا معمر انه سمع الحسن يقول : ان من السنة ان تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة. ذكره احمد عن عبد الرزاق وهذا الذي جاءت به النصوص والآثار وهو مقتضى اصول الشرع وقواعده.

يقول ابن تيمية: ان علماء المسلمين من اهل المذاهب الاربعة: مذهب ابو حنيفة، ومالك والشافعي واحمد، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري ، والاوزاعي والليث بن سعد، وغيرهم، من الصحابة والتابعين، متفقون : على ان الامام  ان هدم كل كنيسة بأرض العنوة؛000 يجب طاعته ومساعدة في ذلك) . راجع:الجهاد2/212 -214.

عن الحسن البصري انه قال : من السنة ان تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة.

عن عمر بن الخطاب انه قال ( لا كنيسة في الإسلام) .

وهذا مذهب الأئمة الاربعة في الأمصار ولا زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين يفعل ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز،- ولفا شكري مبارك مصر-  روى الامام احمد عنه انه كتب لنائبه في اليمن ان يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين فهدمها.وكذلك هارون الرشيد أمر بهدم الكنائس في سواد بغداد وكذلك المتوكل .

راجع: أحكام اهل الذمة لابن الجوزي ص 2/ 119 -125. 

 

هذا صريح  في  انهم لا يملكوا  رقابها كما يملكون  دورهم : إذ لو ملكوا رقابها لم يكن  للمسلمين ان  ينزلوها الا برضاهم  كدورهم، وانما متعوها متاعاً، وإذا شاء المسلمون نزلوها، فأنها ملك المسلمين.

فان المسلمين لما ملكوا الأرض لم يستبقوا الكنائس والبيع على ملك الكفار بل دخلت في ملكهم كسائر أجزاء الأرض، فإذا نزلها المارة - من المسلمين - بالليل أو النهار فقد نزلوا في ملكهم.

فان  قيل: فما فائدة الشرط ان كان الآمر كذلك ؟ قيل: فائدته انهم لا يتوهمون  بإقرارهم فيها كسائر دورهم ومنازلهم التي  لا يجوز دخولها إلا بأذنهم.

 فما يدل على ذلك أنها لو كانت ملكاً لهم لم يجز للمسلمين الصلاة فيها إلا بأذنهم، فان الصلاة في  ملك الغير بغير آذنه  في المكان المغصوب هي حرام، وفي  صحتها نزاع  معروف، وقد صلى الصحابة في  كنائسهم  وبيعهم.

 لكن المسلمون  قد اختلفوا في كراهية الصلاة  في  البيع  والكنائس.

وأحتج الذين كرهه الصلاة في البيع والكنائس : أنها من مواطن الكفر والشرك، فهي أولى  بالكراهية من الحمام  والمقبرة  والمزيلة ، وأنها من أماكن الغضب، وان النبي قد أنهى عن الصلاة في  بابل  وقال  أنها ملعونة  فعلل منع الصلاة فيها  باللعنة. وكنائسهم  موضع اللعنة والسخطة والغضب  ينزل عليهم  فيها كما قال بعض  الصحابة.

( اجتنبوا اليهود والنصارى في أعيادهم فان السخطة  تنزل  عليهم).

وبأنها من  بيوت أعداء الله والله لا يتعبد في  بيوت  أعدائه. أحكام اهل الذمة 2/148.

لا حرمة في شريعة الإسلام السمحة لكنائس الله.

شريعة الإسلام الكاملة والعادلة أباحت للمسلمين كنائس الله ، لهم ان يدخلوها في اي وقت ومتى شاءوا دون ان يمنعهم أحد من ذلك، انهم نزلاء بيوت الرحمن بالإكراه.

على اهل الكتاب ان لا يمنعوا المسلمين من نزول كنائسهم لكن ان يقم عباد الله اليهود الصلاة  في الجامع الإبراهيمي في الخليل ، أو جامع قبة الصخرة في القدس، فهذه جريمة تقشعر لها أبدان المؤمنين، اما نزول المسلمين لكنائسنا في اي وقت ومتى شاءوا فانه حلال ومباح من رب العالمين  !.

هناك حقيقة يجهلها أكثرية المسيحيين وهي:  ان مفاتيح أبواب كنيسة القيامة الذي يوجد في داخلها القبر المقدس في أيادي عائلتان إسلاميتان هما : آل جودة. وآل نسيبه.  وقد اختلف المسلمون في تحديد التاريخ الذي تولتا فيه هذه المهمة . وان اتفقوا في القول ان آل جودة هم الذين يحتفظون بالمفاتيح، وان آل نسيبه هم الذين يفتحون الكنيسة في مواعيدها المقررة  . ومتى فتح هؤلاء الباب - اي باب كنيسة القيامة - أعادوا المفاتيح إلى أولئك وهكذا دواليك.

راجع المفصل في تاريخ القدس لعار العارف ص521.

مفاتيح كنيسة القيامة لليوم في أيادي المسلمين .

سؤال : هل يقبل المسلمين بان يسلموا لنا مفاتيح المسجد الأقصى للمسيحيين أو لليهود وذلك لكي نتساوى في التقليد ؟.

 

في فترة خلافة عمر بن الخطاب دمر الغزاة الفاتحون أربعة آلاف كنيسة ومعبد للكافرين" راجع. الاستشراق أدور السعيد  ص 102

من هنا وبناءٍ على هذه الأحكام والتشريعات الإسلامية أغلقت كنائس الله ، ونهبت ، وأحرقت، ودمرت وذلك عملاً بتعاليم شريعة الإسلام السمح  والمسالم الذي لا إكراه فيه!.

الصفحة الرئيسية