أهـــل الكتـــاب فـي المجتمــــع الإســــلامي

www.islameyat.com

مقـــدمة

الفصـــل الأول

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ،ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون

بني تغلب وأحكامهم

ذكـــر معاملتــهم

شهــود جنــائزهم

التهنئــــــــــة

منع الاستعانة باليهود والنصارى في شيء من أمور المسلمين

الشــــروط العمــــرية

أحكام البيـــع والكنائس

ذكر الأمصار التي وجدت فيها هذه الأماكن

النــــوع الثاني من البلاد

النــوع الثالث من البلاد

ترميم الكنائس المهدمة

تملك النصراني لأراضي في دار الإسلام

قول النصارى : لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزاوها في الليل والنهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل

الفـــصل الثـــاني

إظهار المنكر من أقوال النصارى وأفعالهم مما نهوا عنه

على النصارى ألا يكتموا غشاً للمسلمين

على النصارى ألا يضربوا ناقوسا ً

على النصارى ألا يظهروا صليباً

عدم رفع أصواتهم في الصلاة ولا القراءة في الكنائس

على النصارى ألا يخرجوا كتاباً أو صليباً في أسواق المسلمين

عليهم ألا يخرجوا باعوثاً ولا شعانين ولا يرفعوا أصواتهم مع الموتى في أسواق المسلمين

لا يجاور النصارى المسلمين بالخنزير ولا ببيع الخمر

لا يجاوز النصارى المسلمين بموتاهم

على النصارى ألا يبيعوا الخمور

على النصارى ألا يرغبوا أحداً في دينهم ولا يدعون إليه أحد

لا يتخذ النصارى رقيقاً مما جرت عليه أحكام المسلمين

لا يمنع النصارى أحداً من أقربائهم من الدخول في دين الإسلام

الفصـــل الثـالــث

في تغيير لباس النصارى وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه

منع النصارى من لبس العمامة

منع النصـارى من إطلاق اللحــية

عـلى النصــارى ألا يتشبهوا بالمسلمين في النعال ،وفرق الشعــر

حـلق شعــر الرأس

لا يلبس النصارى أردية مثل المسلمين

لا يتشبه النصارى بالمسلمين فلا يركبون السروج ولا يتقلدون السيوف ولا يتخذوا شيئاً من السلاح ولا يحملوه معهم

المــرأة النصرانية

منع النصارى من التكلم بكلام المسلمين

منــع النـصارى من نقش خواتيمهم بالعربية

منـع النصارى من الإكتناء بكنى المسلمين

يجب على النصارى توقير المسلم في مجالسهم ويقومون له عن المجالس ، ولا يطلعوا عليه في منزله ونرشده الطريق

الفـصـل الــرابــع

في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة أو نحوها

الفصــل الخـــامــس

أحكام ضيافتهم للمارة من المسلمين وما يتعلق بذلك

الفصــــل الســـادس

باب ما يتعلق بالإضرار بالمسلمين أو الإسلام

نواقــض عهـــد النصــارى

النهاية

مقـــدمة :-

إن فكرة كتابة هذا الكتاب أو البحث كانت تراودني بين حين وآخر خاصة كتما كانت تحدث بعض المشاكل بالنسبة للمسيحيين الذين هم أحد قطبي أهل الكتاب المغضوب عليهم والضالين كما يحلوا للقرآن أن يطلق عليهم ،لكن بعد انتهاء المشكلة وخروج وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة تبرر ما حدث للمسيحيين ،يفتر حماسي نحو إكمال هذا البحث خاصة وأنني كنت أعلم علم اليقين أن ما حدث وما يحدث هو بدوافع عقائدية وأن هناك المبررات القرآنية والفقهية للقيام بذلك وأكثر إن أرادوا ،لكن ذات مرة شعرت في داخلي بالتقصير الشديد نحو الله والمسيح إن لم أكمل ما أريد ومن هنا كان علي أن أبحث عن المصادر الموثوق فيها والتي يحترمها المسلمون عامتهم وخاصتهم حتى لا يكون هناك حرج إذا ما كشفنا عن حقائق ودوافع التعدي بالقول والفعل على المسيحيين والدليل على أن ما يتعرض له المسيحيون ما هو إلا أمراً شرعياً لا غبار عليه إذ يعتبرون البلاد دياراً للإسلام ومن هنا كان عليهم أن يحددوا علاقتهم بغير المسلمين من يهود أو نصارى وحيث أن الوجود اليهودي بمصر لم يكن يثير غريزة المسلمين العدوانية لذا كانوا وما زالوا يصبون جام غضبهم المعلن منه وغير المعلن على المسيحيين ،ومن هنا نجد التنافس على أشده للكتابة عن وضع النصارى في ديار الإسلام وتبرير كل مضايقاتهم لهم ،ومن خلال هذا الكتاب أو البحث سأحاول إلقاء الضوء على بعض ما هو منصوص عليه في الفقه الإسلامي نحو النصارى ،وكشف النصوص التي تأمر المسلم بالاعتداء على النصراني المسالم .

الكاتب : بولس صادق

الفصـــل الأول

1- يقول القرآن " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " [i]

يقول الزمخشري في الكشاف وابن كثير في تفسيره لهذه الآية :لا تتخذوهم أولياء أي تنصروهم وتستنصرونهم ،وتؤاخونهم وتصافونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين ثم علل بقوله :بعضهم أولياء بعض "أي إنما يوالي بعضهم بعضاً لاتحاد ملتهم واجتماعهم على الكفر ،وقوله "ومن يتولهم منكم فإنه منهم "تغليظ من الله وتشديد في وجوب مقاطعتهم واجتنابهم ،ويروي ابن كثير في ذلك حادثة مفادها "عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم وكان لأبا موسى كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال إن هذا يعني الكاتب النصراني لحفيظ هل أنت قاريء لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام فقال أبو مو سى إنه لا يستطع فقال عمر أجنب هو ؟ قال لا بل هو نصراني فانتهرني ثم ضرب فخذي فقال أخرجوه ثم قرأ الآية " [ii]

2- قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ،ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون " [iii] "

يقول القرطبي في الجامع وابن كثير في تفسيره والزمخشري في الكشاف أن معنى أو تفسير هذه الآية أن الله لما حرم على الكفار أن يدخلوا المسجد ،وجد المسلمون في أنفسهم بما قُطع عنهم من التجارة التي كان أهل الكتاب يوافون بها فقد أحل الجزية وكانت لم تؤخذ من قبل فجعلها عوضاً عما منعهم من موافاة أهل الكتاب بتجارتهم وأمر سبحانه وتعالى بمقاتلة أهل الكتاب ،ويقول ابن كثير أن محمد بعد ما فرغ من قريش وأمكنه الله من المدينة فرغ لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ولا بد أن يكون من يدفع الجزية من النصارى ذليل وحقير مهان ،ولهذا لا يجوز إعزاز أهل الكتاب بل هم أذلاء صغرة أشقياء .

والجزية هي الخراج المفروض على الكفار من أهل الكتاب إذلالاً وإصغاراً واختلف في اشتقاقها فقال القاضي في الأحكام السلطانية اسمها مشتق من الجزاء إما جزاءاً على كفرهم أو جزاءاً لأمان المسلمين لهم ،وقال صاحب المغني هي عقوبة أو أجرة .

وقوله عن يدِ أي يعطوها أذلاء صاغرين مقهورين [iv] وهذا هو الصحيح في الآية .

وقوله "وهم صاغرون" أي يدفعها وهو صاغر ذليل ،واختلف الناس في تفسير الصغار الذي يكونون عليه حال دفع الجزية فقال عكرمة يدفعها وهو قائم ويكون الآخذ جالساً ،وقالت طائفة أن يأتي بها بنفسه ماشياً لا راكباً ويطال وقوفه عند إتيانه بها ويجر إلى الموضع الذي تؤخذ منه بالعنف ثم تجر يده ويمتهن ،ويقول الإمام أحمد بن حنبل أن الصغار هو أن يجروا في أيديهم ويختمون في أعناقهم ،وقال القاضي عياض أن صاغرون أن يتم الاستخفاف بهم وإذلالهم وضربهم ،وزاد القاضي أبو يعلى أن الجزية إن لم تدفع بالصغار فالذي لا يدفع لا ذمة له ولا عصمة لدمه وماله

بني تغلب وأحكامهم :-

بنو تغلب هم من صميم العرب تنصروا في الجاهلية وهم قبيلة قوية ذات شوكة كان يخشاهم النبي والصحابة من بعده حتى أنهم لم يكونوا يدفعون الجزية فكانوا يدفعون صدقة على المسلمين وفي سنن أبي داود من حديث إبراهيم ابن مهاجر عن زياد بن حدير قال :قال :علي :"لئن بقيت لنصارى تغلب لأقتلن المقاتلة منهم ولأسبين الذرية فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي ألا ينصروا أبناءهم .

كذلك فإن هناك نصوصاً تبيح للمسلم أن يطرد النصراني أو اليهودي منها أو عدم دخوله إياها كما حدث مع اليهود كما في الحديث التالي عن أبي هريرة قال بينا نحن في المسجد خرج علينا النبي فقال انطلقوا معي إلى اليهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي فنادى اليهود فقال يا معشر اليهود اسلموا تسلموا .فقالوا :قد بلغت يا أبا القاسم فقال :ذلك أريد أسلموا تسلموا فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم ثم قالها الثالثة ،فقال أعلموا أن الأرض لله وللرسول وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله [v] . وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ؛قال : اشتد بالنبي المرض فقال : ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبدا ؛ فتنازعوا –ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا :ماله ؟ أهجر ؟ استفهموه فقال " ذروني ،الذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه " فأمرهم بثلاث فقال : أخرجوا أهل الكتاب من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد كما كنت أجيزه وسكت عن الثالثة . (رواه البخاري)

وروى البخاري عن ابن عمر أن يهود بني النضير وبني قريظة حاربوا النبي فأجلى بني النضير وطردهم من أرضهم وأقر بني قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وسبى نساءهم وأولادهم واستولى على أموالهم وأجلى بعد ذلك يهود المدينة كلهم ،وعن عمر بن الخطاب أنه سمع النبي يقول :"لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً " (رواه مسلم )

وعن عائشة قالت آخر ما عهد النبي هو " لا يترك بجزيرة العرب دينان اليهود والنصارى "

وفي مسند الإمام أحمد عن على قال: قال النبي: يا علي إن أنت وليت بعدي فاخرج نصارى نجران واليهود من جزيرة العرب "

ذكـــر معاملتــهم

عن أبي هريرة أنه قال قٌال النبي: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه "وفي رواية في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي قال: " إذا سلم عليكم اليهودي فإنما يقول أحدهم :السلام عليك . فقل وعليك

وهناك خلاف حول عيادة أو زيارة المسلم للنصراني إذا مرض أو غير ذلك تقول النصوص في كلتا الحالتين ألا يعود المسلم النصراني مريضاً كان أم غير ذلك إذا تأكد أن زيارته للنصراني سوف تجعله يعتنق الإسلام وروى في ذلك الإمام أحمد وغيره من الأحاديث ،قال الأثرم :لقد عاد النبي اليهودي ودعاه للإسلام ،وقال أبو مسعود الأصبهاني :سألت أحمد بن حنبل عن عيادة الجار النصراني قال : نعم على أن تدعوه للإسلام ، وقال الفضل بن زياد :سمعت أحمد سألعن الرجل المسلم يعود أحداً من اليهود والنصارى قال:إن كلن يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل فليعده ، وقال اسحق بن إبراهيم سألت أبا عبد الله عن الرجل يكون له جار نصراني أيعوده ؟ قال : يحيي فيقوم على الباب ويعذر إليه فلا يدخل . [vi]

يروي البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب أن أباه أخبره قال : لما حضرت الوفاة أبا طالب جاءه النبي فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب .

شهــود جنــائزهم

قال أبو طالب :سألت أبا عبد الله عن الرجل يموت وهو يهودي وابنه مسلم كيف يصنع ؟ قال يركب دابته ويسير أمام الجنازة ولا يكون خلفه فإذا أرادوا أن يدفنوه رجع ، وروى سعيد بن منصور قال : حدثني عيسى بن يونس عن محمد بن إسماعيل عن أبي وائل قال : ماتت أمي نصرانية فأتيت عمر فسألته فقال : اركب في جنازتها وسر أمامها . وتعليل ذلك أن السير أمام الجنازة يعد خارجاً عن موكب الجنازة وإذا كان هذا حال من هو مسلم وأحد أبويه يهودي أو نصراني ، لكن في حالة أن يكون المتوفي نصراني فلا يحق لأحد من المسلمين المشاركة فيها بعيداً أو قريباً ..

كذلك لا يجوز المسلم أن يعزي اليهودي أو النصراني ولا يقبل كذلك عزاء منه لأن ذلك يعد موالاة لهم وقد نهانا الله عن موالاتهم وفي ذلك يقول أحمد بن حنبل " قال عباس بن محمد الدوري سألت أحمد بن حنبل ،قلت : اليهودي والنصراني يعزيني فما أقول له ؟ قال ابن حنبل لا تقبل عزاءه .

التهنئــــــــــة

اختلفت الروايات في هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض وعن أحمد بن حنبل أنه قد منع ذلك ، والكلام فيها كالكلام في العيادة والتعزية لكن العامة حرمت ذلك . فلا تهنئه في عيد أو أي مناسبة خاصة كالزواج وما إلى ذلك .

منع الاستعانة باليهود والنصارى في شيء من أمور المسلمين

كذلك فإنه لا يجوز أن يتم الاستعانة بالنصارى في إدارة شئون المسلمين ولا يجوز تشغيلهم لدى المسلمين مهما كانت خبرتهم ويقول أبو طالب : سألت أبا عبد الله : يستعمل النصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج وغيره ؟ قال : لا يستعان بهم في شيء وقال أحمد حدثنا وكيع عن عائشة قال : قال النبي أنا لا نستعين بمشرك وحتى في أمور القتال فإن حاول اليهودي أو النصراني القتال في صفوف المسلمين فهذا حرام بدليل حديث عائشة الذي ترويه : أن محمداً خرج إلى بدر فتبعه رجل من اليهود فلحقه عند الحرة فقال : إني أردت أن أتبعك وأصيب معك ، قال النبي : تؤمن بالله ورسوله؟ قال : لا قال له محمد : فارجع فلن استعين بمشرك ، وفي المسند عن انس ابن مالك أن النبي قال : لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا خواتيمكم عربياً " وفسر قوله فقال : لا تستضيئوا بنار المشركين أي لا تستنصحوهم ولا تستضيئوا برأيهم ومعناه الصحيح مباعدتهم وعدم مساكنتهم كما في الحديث الصحيح الذي فيه : أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين لا تراآي نارهما .

وقال عبد الله بن أحمد عن أبي موسى قال : قلت لعمر لدي كاتباً نصرانياً قال : قاتلك الله أما سمعت الله يقول " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فهو منهم " ألا اتخذت حنيفاً قال : قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته ولي ديني قال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم وقد أذلهم الله ،أدنيهم إذ أقصاهم الله .

وكتب إليه بعض عماله يستشيره في استعمال النصارى فقال : إن المال قد كثر ولا يحصيه إلا هم ، فاكتب إلينا بما ترى فكتب إليه " لا تدخلوهم في دينكم ولا تسلموهم ما منعهم الله منه ، ولا تأمنوهم على أموالكم ، وتعلموا الكتابة فإنما هي الرجال [vii] وكتب إلى عماله : أما بعد فإنه من كان قبله كاتب نصراني فلا يعاشره ولا يوازره ولا يجالسه ولا يعتضد برأيه فإن النبي لم يأمر باستعمالهم ولا خليفته من بعده وورد على عمر كتاب معاوية بن أبي سفيان : أما بعد ، يا أمير المؤمنين فإن في عملي كاتباً نصرانياً لا يتم أمر الخراج إلا به فكرهت أن أقلده إلا بأمرك . فكتب يرد عليه عافانا الله وإياك قرأت كتابك في أمر النصراني أما بعد فإن النصراني قد مات ، والسلام ، ويعني بذلك أنه لو أن النصراني قد مات ماذا كنت تفعل ؟ وكان لعمر عبد نصراني فقال له : أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين ، فإنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمرنا بمن ليس منا ، فأبي فطرده عمر .

وكتب إلى أبي هريرة يقول : أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله أن تدركني وإياك ؛ أقم الحدود ولو ساعة من النهار وإذا حضرك أمران أحدهما لله والآخر للدنيا فآثر نصيبك من الله فإن الدنيا تنفذ والآخرة تبقى . عد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح بابك وباشرهم وابعد النصارى وانكر أفعالهم ولا تستعن في أمر من أمور المسلمين بهم .

وقد سار باقي الخلفاء الراشدين على نفس خط عمر بن الخطاب فها هو عمر بن عبد العزيز يكتب إلى جميع عماله في الآفاق : أما بعد فإن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم من كتاب الله " يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس " فقد جعلهم حزبا للشيطان وجعلهم " الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً "، واعلموا أنه لم يهلك من هلك من قبلكم إلا بمنعه للحق وبسط يده للظلم وقد بلغني عن قوم من المسلمين فيما مضى أنهم إذا قدموا بلداً أتاهم أهل الشرك من اليهود والنصارى فاستعانوا بهم في أعمالهم وكتاباتهم لعلمهم بالكتابة والجباية والتدبير ، ولا خيرة ولا تدبير فيما يغضب الله ورسوله وقد كان لهم في ذلك مدة وقد قضاها الله فلا اعلم أن أحداً من العمال أبقى نصرانياً متصرفاً على غير دين الإسلام إلا نكلت به .

وكتب إلى حيان عامله في مصر باعتماد ذلك ، فكتب إليه : أما بعد يا أمير المؤمنين فإنه إن دام هذا الأمر في مصر أسلمت الذمة وبطل ما يؤخذ منهم . فأرسل إليه رسولاً وقال له : اضرب حيان على رأسه ثلاثين سوطاً أدباً على قوله ، وقل له : من دخل دين الإسلام فضع عنه الجزية فوددت لو أسلموا كلهم فإن الله بعث محمد داعياً لا جابياً .

وأمر أن تهدم بيع النصارى المستجدة ، فيقال أنهم توصلوا إلى ملوك الروم وسألوه في مكاتبة عمر بن عبد العزيز فكتب إليه : أما بعد يا عمر فإن هؤلاء الشعب سألوا في مكاتبتك لتجري أمورهم على ما وجدتها عليه وتبقي كنائسهم وتمكنهم في عمارة ما خرب منها ، فإنهم زعموا أن من تقدمك فعل في أمر كنائسهم ما منعتهم منه فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم فاسلك سنتهم ،وإن يكونوا مخالفين لها فافعل ما أردت فكتب إليه عمر : أما بعد فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله في قصة داوود وسليمان " إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان "

وكتب إلى بعض عماله أما بعد فإنه بلغني أن في عملك كاتباً نصرانياً يتصرف في مصالح الإسلام فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسان بن زيد يعني ذلك الكاتب إلى الإسلام فإن أسلم فهو منا ونحن منه وإن أبى فلا تستعن به ولا تتخذ أحداً على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين .

وجاء المتوكل فصرف أهل الذمة الذين كانوا قد استقوا في زمن المهدي وغير زيهم في مراكبهم وملابسهم [viii] وذلك أن المباشرين منهم للأعمال كثروا في زمانه وزادوا على الحد ،وغلبوا على المسلمين لخدمة أمه وأهله وأقاربه ،وذلك في سنة 235 فكانت الأعمال الكبار كلها أو عامتها إليهم في جميع النواحي وكانوا قد أوقعوا في نفس المتوكل شيئاً من مباشري المسلمين وأنهم بين مفرط وخائن وعملوا عملاً بأسماء المسلمين وأسماء بعض الذميين لينفوا التهمة وبكى المتوكل إلى أن غشي عليه وطلب الرجل فلم يوجد فخرج أمره بلبس النصارى واليهود الثياب العسلية وألا يمكنوا من لبس ثاب تشبه ثياب المسلمين ولتكن ركبهم خشبا ،وأن تهد بيعهم المستجدة وأن تطبق عليهم الجزية ،ولا يفسح لهم في دخول حمامات المسلمين وأن يفرد لهم حمامات خدمها أهل ذمة ولا يستخدموا مسلماً في حوائجهم لنفسهم وأفرد لهم من يحتسب عليهم وكتب كتاباً نسخته : " أما بعد فإن الله اصطفى الإسلام ديناً فشرفه وكرمه وأناره ونصره وأظهره وفضله وأكمله ، فهو الدين الذي لا يقبل غيره ، بعث به النبي الخاتم ، وسيد المرسلين وأهان الشرك وأهله ووضعهم وصغرهم وقمعهم وخذلهم وتبرأ منهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة ونهى عن ائتمانهم والثقة بهم .

وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أن أناساً لا رأي لهم ولا رؤية يستعينون بالنصارى في أفعالهم ويتخذونهم بطانة من دون المسلمين فأعظم أمير المؤمنين ذلك وأنكره وأكبره وتبرأ إلى الله منه .

وفي زمان المقتدر بالله فقد عزل الكتاب من النصارى وعمالهم وأمر ألا يستعان بأحد منهم حتى قتل أبي ياسر النصراني عامل مؤنس الحاجب وكتب إلى نوابه بما نسخته عوائد الله عند أمير المؤمنين توفي على غاية رضاه ونهاية أمانيه ، وليس أحد يظهر عصيانه إلا جعله الله عظة للأنام والله عزيز ذو انتقام فمن نكث وطغى وبغى وخالف أمير المؤمنين وسعى في إفساد دولة أمير المؤمنين عاجله أمير المؤمنين بسطوته .

وفي وقت الآمر بالله كان جماعة من كتاب مصر قبطها في مجلسه فقال الراهب رئيس القبط للأمير : نحن أصح ملاك هذه الديار حرباً وخراجاً ملكها منا المسلمون وتغلبوا عليها واغتصبوها واستملكوها من أيدينا .

ثم انتبه الآمر بالله من رقدته وأفاق من سكرته وأدركته الحمية الإسلامية والغيرة المحمدية فغضب لله غضب ناصر الدين وبار بالمسلمين فألبس أهل الذمة من النصارى الغيار " الزي " وأنزلهم بالمنزلة التي أمر اله تعالى أن ينزلوا بها من الذل والصغار وأمر ألا يؤلوا شيئاً من أعمال الإسلام وأن ينشئوا في ذلك كتاباً يقف عليه العام والخاص ،فكتب عنه ما نسخته : الحمد لله المعبود في أرضه وسمائه والمجيب دعاء من يدعوه ، وأبى أن يقبل ديناً سواه من الأولين والآخرين فقال تعالى " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، وصل الله على محمد صاحب الدين الحنيف الذي اعترف به الجاحدون ،وذل به المشركون .

المعروف أن النصارى موسومون بغضب الله ولعنه الله والشرك به والجحد لوحدانيته ، وفي الصلاة يسأل المسلمون الله أن يجعلهم من الذين أنعم الله عليهم وليس كمن غضب الله عليه من اليهود ولا من الضالين من النصارى ، وقال فيهم الله " ضربت عليهم الذلة والمسكنة ولذلك يكب أن نجعل النصارى أذلاء صاغرون ، وقد حكم الله عليهم حكماً مستوراً في الذراري على مر السنين فقال : " وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب " [ix] وهم أمة الخيانة لله ورسوله وكتابه والمؤمنين كما في قوله " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " ويقول عنهم القرآن أيضاً " سما عون للكذب أكالون للسحت "

وحرم الله الموالاة للنصارى واليهود فقال : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " والنصارى واليهود هم أعداء لله وللمؤمنين كما في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق " ومن ضروب الطاعات إهانة النصارى في الدنيا ومن حقوق الله الواجبة أخذ جزية رؤوسهم التي يجب عليهم عند دفعها أن يكونوا صاغرون أذلاء إعزازاً للإسلام ،وإمعاناً في مذلتهم ،كان عليهم أن يميزوا عن المسلمين في ملابسهم وفي الأسماء وصبغ أبوابهم وعمائمهم باللون الأغبر الرصاصي وليؤخذ كل منهم بأن يكون زناره ( ضفيرة شعر ) فوق ثيابه ، ومنع لابسه من أن يستره برداء ولا يمكنون من ركوب شيء من الخيل والبغال ولا سلوك مدافن المسلمين ولا مقابرهم في نهار أو ليل ولا يفسح لأحد منهم في المراكب المحلاة ولتكن توابيت موتاهم مشدودة بحبال الليف ، مكشوفة غير مغشاة .

وحقيقة الأمر أن النصارى ممنوعون من الاستيلاء على ما بيد المسلمين لأن مقصود الدعوة هو أن تكون كلمة الله هي العليا وليست لهم حق شفعة على مسلم ، وعن حماد بن زيد عن مجاهد قال : ليس لنصراني شفعة " [x] وروى إسحاق بن منصور قال : ليس لنصراني شفعة " قيل لماذا ؟ قال : لأن النبي قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب "، كما أنهم ليس لهم حق في الطريق المشترك الذي يسير فيه المسلمون .

كذلك لا تصح شهادة النصارى على زواج المسلم من النصرانية .

الشــــروط العمــــرية

قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى ابن خالد قال : حدثني عمر أبو اليمان قال : أخبرني إسماعيل بن عياش ، قال : حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا : كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم : " إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا على أنفسنا " ألا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب ؛ ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين ، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها ليل أم نهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً وألا نكتم غشاً للمسلمين ، وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا ، ولا نظهر عليها صليباً ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وألا نخرج صليباً أو كتاباً في سوق المسلمين وألا نخرج باعوثـاً ولا شعانين ، ولا نرفع أصواتنا على موتانا ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين .

أحكام البيـــع والكنائس :

يقول ابن القيم في الأحكام أن البيع هي مساجد اليهود والكنائس هي مساجد النصارى هكذا أطلق عليها وأن هذه البيع والكنائس تهدم إذا دخل المسلمون مصراً من أمصار أهل الكتاب ، ويقول في سورة الحج " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع . . . " ويقول في معنى هذه الآية كما جاءت في تفسير ابن كثير أن الله يحفظ الصوامع والبيع من الناس بالناس وذلك لأنها سابقة للإسلام ولو كانت بنيت بعد الإسلام لما دافع عنها وقال أيضاً أنها مسخوطة وقد صالح محمد أهل الكتاب على عدم بناء كنائس ولا معابد .

ويقول ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبيد الله –ابن موسى- عن إسرائيل عن السدي عن ابن عباس قال : لهدمت صوامع وبيع " قال : الصوامع هي التي يكون فيها الرهبان ، والبيع مساجد اليهود والصلوات كنائس النصارى ، والمساجد مساجد المسلمين وقال إن الصوامع والبيع والكنائس يشرك أهلها بالله وهم كفار وهدم بيوتهم حلال . [xi]

وقد تضمن الشرط ذكر القلاية والدير والكنيسة والصومعة وأما الدير فللنصارى خاصة يبنونه للرهبان خارج المحلة يجتمعون فيه للرهبانية والتفرد عن الناس . وأما القلاية فيبنيها رهبانهم مرتفعة كالمنارة والفرق بينها الدير أن الدير يجتمعون فيه والقلاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه ولا يكون لها باب بل فيها طاقة يتناول منها طعامه وما يحتاج إليه .

ذكر الأمصار التي وجدت فيها هذه الأماكن

البلاد التي تفرق فيها أهل الذمة والعهد ثلاثة أقسام أحدها بلاد أنشأها المسلمون في الإسلام ، الثاني بلاد أنشأها المسلمون وفتحها المسلمون عنوة وبالقوة وملكوا أرضها وساكنيها ، الثالث أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون بالصلح ، ويزعم المسلمون أنهم بنوا القاهرة وبغداد والبصرة وواسط والكوفة وعن نافع ابن الحارث قال : كان عمر بن الخطاب قد هم أن يأخذ للمسلمين مصراً وكان المسلمون قد غزوا من الحر وفتحوا طبرستان وطردوا أهلها منها وبعثوا لعمر يقولون له : إنا وجدنا بطبرستان مكاناً لا بأس به ، فكتب إليهم : أن بيني وبينكم دجلة ولا حاجة لي في شيء بيني وبينكم فيه دجلة أن نتخذه مصراً ونفتحه قال : فقدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت فقال له : يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة به بادية يقال لها الخريبة [xii] ويقال للأرض البصرة وبينها وبين دجلة فرسخ فيه خليج يجري فيه الماء وأجمة قصب فأعجب ذلك عمر فدعا جيشاً على رأسه عتبة بن غزوان وفيه نافع بن الحارث واقتحموا البصرة وروعوا أهلها وكان ذلك في سنة ستة عشرة ويقول قتادة أن أول من اقتحم البصرة رجل من شيبان .

أما بغداد قال سليمان بن المجلد وزير أبي جعفر : خرجت مع أبي جعفر يوماً قبل أن نفتح بغداد ونحن نرتاد موضعاً يكون فيها عسكره ، فبصرنا بقس شيخ كبير ومعه جماعة من النصارى فقال : اذهب بنا إلى هذا القس نسأله فمضى إليه أبو جعفر فقال له : يا شيخ أبلغك أنه سيفتح الله هذه المدينة قال : نعم ولست بصاحبها قال : وما علمك : قال القس : وما اسمك ؟ قال : عبد الله قال : فلست بصاحبها قال : فما اسم صاحبها قال : مقلاص فتبسم أبو جعفر .

هذه البلاد صافية للإمام الذي يفتحها إن أراد أن يقر أهل الكتاب فيها بالجزية ولا يقرهم الإمام أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة .

قال الإمام أحمد قال : قال النبي : لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء ، وعن أبي لهيعة قال :قال عمر بن الخطاب : لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء .

وجاء عن عكرمة قال : سئل ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب التي فتحها المسلمون ، هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئاً ؟ فقال : أيما مصر مصرته العرب وفتحه الله لهم ، فليس للعجم أن يحدثوا فيه ولا يضربوا فيه ناقوس .

قال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : ليس لليهود والنصارى أن يحدثوا في مصر فتحه الله للمسلمين بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا ناقوساً ، وقال المروزي قال لي أبو عبد الله : سألوني عن الديارات في المسائل التي وردت من قبل الخليفة فقلت : أي شيء تذهب أنت ؟ فقال : ما كان قد بني من كنيسة أو قلاية أو صومعة أو بيع تهدم . [xiii]

قال أبو الحارث سئل أبو عبد الله عن البيع والكنائس التي بنها أهل الذمة من اليهود والنصارى قال : تهدم وليس لهم أن يحدثوا شيئا من ذلك فيما فتحه المسلمون ، وقيل لأبي عبد الله : ما هي الحجة في أن يمنع أهل الذمة أن يبنوا بيعة أو كنيسة إذا كانت الأرض ملكهم وهم يؤدون الجزية ؟ قال : حديث ابن عباس واضح في ذلك أيما مصر فتحه المسلمون فتهدم الكنائس والبيع ويمنعوا من إحداث أي شيء من هذا القبيل .

وقال الإمام أحمد بن حنبل أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عروة بن محمد السعدي يقول له : اهدم الكنائس التي في بلاد المسلمين وشهدت عروة يهدمها في صنعاء ، وأخبر معمر عن الحسن أنه قال : " إن من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة " [xiv] .

سئل ابن تيمية عن قوله في إقليم توافق أهل التقوى في هذا الزمان على أن المسلمين قد فتحوه عنوة من غير صلح ولا أمان ،فهل ملك المسلمون ذلك الإقليم بذلك ؟ وهل يكون الملك شاملاً لما فيه من أموال النصارى والأثاث والمزارع والحيوان والرقيق والأرض والدور والبيع والكنائس والقلايات والأديرة ونحو ذلك .

قال ابن تيمية : ما فتحه المسلمون كأرض خيبر التي فتحت على عهد النبي وكعامة أرض الشام وبعض مدنها وكأرض مصر فإن هذه الأقاليم التي فتحت بالقوة في خلافة عمر بن الخطاب فهذه تحسب فيئاً للمسلمين أي ملكاً لهم خالصة من عند الله فقد ملكهم الله إياها كما ملكهم ما استولوا عليه من النفوس والأموال والمنقول والعقار ، ومعابدهم ومساكنهم وأسواقهم ومزارعهم وسائر منافع الأرض ، ولهذا لما استولى محمد على أرض من حاربه من أهل الكتاب وغيرهم مثل بني قينقاع ، وبالنضير وقريظة كانت معابدهم مما استولى عليه ولهذا نزل القرآن يؤيد ذلك فيقول : " وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ".

النــــوع الثاني من البلاد

وهي البلاد التي بناها اليهود أو النصارى ومصروها ثم فتحها المسلمون عنوة وقهراً بالسيف فهذه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من البيع والكنائس أما من كان فيها قبل غزو المسلمين فهذه لا يجوز إبقائها [xv] بل تهدم وتركها بدون هدم حرام كما قال محمد : " لا تصلح قبلتان ببلد واحد "كما حرم أن تقام صلوات أو شعائر للكفر والشرك على حد قوله وذلك لأن الله أمر بالقتال حتى يكون الدين كله لله

النــوع الثالث من البلاد

وهي البلاد التي غزاها المسلمون وعقدوا مع أهلها صلحاً من بلاد اليهود والنصارى وهذه نوعان ، الأول هو [xvi] أن يصالحهم على أن الأرض لهم وللمسلمين خراجها أو يصالحون على مال يدفعونه ، أما بخصوص البيع والكنائس فيصالحوا عليها كما صالحهم عمر في شروطه المعروفة ، وخلاصة الأقوال التي قيلت في هذا الموضع هو ما رواه أحمد عن ابن عباس : ليس لليهود ولا النصارى أن يحدثوا في مصر مصره المسلمون بيعة أو كنيسة ولا يضربوا فيه بناقوس ولا يرفعوا صليباً ولا يرفعوا ناراً ولا شيئاً مما يجوز لهم في دينهم .

وقال محمد بن الحسن : " لا ينبغي أن يترك في أرض العرب كنيسة ولا بيعة ولا يباع فيها خمر وخنزير ومصراً كان أو قرية ، وقال الشافعي في المختصر : " ولا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعاً لصلواتهم ، ولا يظهروا فيها حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا يحدثوا بناء يطولون به على بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيئاتهم في المركب والملبس وبين هيئات المسلمين ، وأن يعقدوا الزنار على أوساطهم ولا يدخلوا مسجداً ولا يسقوا مسلماً خمراً ولا يطعموه خنزير وإن كان لهم بمصر المسلمين كنيسة أو بناء طويل كبناء المسلمين فتهدم كل [xvii] ذلك ويمنعوا من إحداث مثل ما تهدم هذا إذا كان المصر للمسلمين أحيوه أو فتحوه عنوة .

قال صاحب النهاية أن البلاد قسمان بلدة ابتناها المسلمون فلا يمكن لأهل الذمة من بناء كنيسة ولا بيت نار ولا بيعة ولا قلاية فإن فعلوا نقضت عليهم وإن كان البلد للكفار وجرى فيهم حكم المسلمين فإن فتحه المسلمون عنوة وملكوا رقاب الأبنية والعراص فإنه يتعين نقض ما فيها من بيعه وكنائس ويمنعوا من استحداث مثلها ، وإن رأى الإمام أن يبقي كنيسة ويقر في البلد طائفة من أهل الكتاب فإن الصحابة قد منعوا ذلك ، هذا إذا فتحنا البلد عنوة فإن فتحت صلحاً فهذا ينقسم قسمان : أحدهما أن يقع الفتح على أن رقاب الأراضي للمسلمين ويقرون فيها بمال يؤدونه لسكناها سوى الجزية . فإن استثنوا في الصلح البيع والكنائس لم تنقض عليهم وإن أطلقوا وما استثنوا بيعهم وكنائسهم ففي المسألة وجهان : أحدهما أنها تنقض عليهم لأن المسلمين ملكوا رقاب الأبنية ، تغنم كما تغنم الدور ؛ والثاني لا نملكها لأنا شرطنا تقريرهم ، وحقيقة الخلاف ترجع إلى أن اللفظ في مطلق الصلح هل يتناول البيع والكنائس مع القرائن التي ذكرناها ؟

القسم الثاني : أن يفتحها المسلمون على أن تكون رقاب الأرض لهم فإذا وقع الصلح كذلك لم يتعرض للبيع والكنائس ، وإن أرادوا استحداث كنائس منعوا من ذلك .

قال الإمام مالك بن أنس في كتابه الجواهر أن أهل الكتاب إن كانوا في بلدة بناها المسلمون فلا يمكنون من بناء كنيسة وكذلك لو ملكنا البلدة قهراً فلا يبنون كنائس وتهدم عليهم ويجب ان يتميز النصارى عن المسلمين فلا يركبون خيلاً مطلقاً وإن ركب حماراً ينزل عنه عندما يمر بالمسلمين ولا يسكن داراً عالية البناء ويجعل على داره علامة لكي لا يقف بداره سائل وعليه أن يظهر الكستيج مزنراً فوق ثيابه محوكاً من خيوط الصوف والشعر الثمين ،والكستيج لفظ فارسي معرب معناه الأصلي العجز والذل ولا يلبس الثياب الفاخرة كصوف مربع وجوخ رفيع ولا يلبس زنار الأبريسم وإنما يلبس قلنسوة طويلة من كلباس أو لبد مصبوغة بالسواد وتجعل مكاعبهم (مداساتهم) خشنة فاسدة اللون وكذا تؤخذ نساؤهم بالزي في الطرق فيجعل على ملاءة اليهودية خرقة خضراء وعلى ملاءة النصرانية خرقة زرقاء وينبغي لغير المسلم أن يلازم الصغار فيما يكون بينه وبين المسلم في كل شيء .

نقل الشيخ أبو عمر أن النصارى يمنعون من إصلاح كنيسة فيما بين المسلمين لقول النبي : " لا يرفع فيكم يهودية ولا نصرانية "

وقد روى أبو داوود في سننه عن اسباط عن السدي عنا بن عباس قال : صالح النبي نصارى نجران على ألفي حلة وأن لا يرمموا ما عطب من كنائسهم وبيعهم .

ترميم الكنائس المهدمة

في مسألة ترميم الكنائس المتهدمة وبناء ما تهدم منها قولان للإمام الشافعي والإمام مالك وكلا القولين واحد لأنهم قد افتوا بمنع النصارى من ترميم ما تهدم من كنائسهم أو بناءه استناداً إلى ما فعله عمر ابن الخطاب في شروطه المعروفة [xviii] ويقول ابن قدامة : يجوز هدم الكنيسة للمصلحة العامة ويجوز منع ترميم ما تهدم منها للمصلحة العامة ،ولا يجوز لهم نقل الكنيسة من المكان الذي تهدمت فيه إلى مكان آخر .

تملك النصراني لأراضي في دار الإسلام

يقول الإمام الشافعي وأصحاب ابن حزم الظاهري بأنه لا يجوز تملك النصراني لأرض داخل دار الإسلام واحتجوا على ذلك بقول النبي : " موتان [xix] الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم " فأضاف عموم الموات للمسلمين حتى ولو أحياها نصراني فهي تبقى للمسلم ولا يمكن منها النصراني ولم يبق شيء للكفار وإضافة الأرض إلى المسلم إما إضافة ملك أو إضافة تخصيص وعلى التقديرين فتملك الكافر بالإحياء ممنوع.

قول النصارى : لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزاوها في الليل والنهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل .

هذا صريح في أنهم يملكوا رقابها لأن المسلمين لما ملكوا الأرض لم يستبقوا كنيسة ولا بيعة على ملك النصارى بل دخلت في ملكهم وعليه فإن دخول المسلم الكنيسة يأتي برغبته ولا علة في ذلك فإن نزلها المارة بالنهر أو بالليل فإنهم قد نزلوا في ملكهم .

الفـــصل الثـــاني

إظهار المنكر من أقوال النصارى وأفعالهم مما نهوا عنه

على النصارى أن لا يؤوا جاسوساً في منازلهم أو في كنائسهم وإن فعلوا ذلك فقد نقضوا العهد وحلت دماؤهم وأموالهم ، واحتجوا على ذلك بما قاله الربيع استناداً إلى شروط عمر بن الخطاب إذ قال : يشترط الإمام عليهم أن من ذكر كتاب الله أو محمد رسول الله أو دين الله بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو أصابها بنكاح أو فتن مسلماً عن دينه أو قطع عليه الطريق أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عيناً لهم فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله وذمة رسوله

على النصارى ألا يكتموا غشاً للمسلمين

يعني بذلك أنه إن وقع من النصارى شيء ضد المسلمين فلا يجوز لهم كتمان الأمر بل عليهم الاعتراف وإبلاغ الأمير بكل تفاصيل ما حدث وإن لم يفعلوا فقد نقضوا العهد ويعاملون معاملة يهود بني قريظة وبنو النضير .

على النصارى ألا يضربوا ناقوسا ً

لما كان الضرب بالناقوس علامة الكفر اشترط عليهم تركه وفي ذلك قال ابن عباس : " أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ، ولا يضربوا ناقوساً ولا يشربوا خمرا " وذكره الإمام أحمد في مسنده ، وعن عبد الله قال : ليس للنصارى أن يحدثوا مصر مصره المسلمون بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا فيه ناقوس ، وقال الخلال في الجامع عن صفوان ابن عمر وقال : " كتب عمر: إن أحق الأصوات أن تخفض أصوات النصارى في كنائسهم [xx] ويقول إسحق بن منصور قلت لأبي عبد الله : للنصارى أن يظهروا الصليب أو يضربوا بالناقوس ؟ قال : لا وقال في رواية إبراهيم بن هانيء : " لا يترك للنصارى أن يجتمعوا في كل أحد ولا يظهروا خمراً ولا ناقوساً " وقد أبطل الله بالآذان ناقوس النصارى وبوق اليهود .

على النصارى ألا يظهروا صليبا ً

لقد منع النصارى من أن يظهروا الصليب لأنه من شعائر الكفر الظاهرة وقال بذلك كل الأئمة وأصحاب الحديث ومنهم أحمد ابن حنبل الذي قال : ولا يرفعوا صليباً ولا يظهروا خنزيراً ، ولا يرفعوا ناراً وعلى الإمام أن يمنعهم من ذلك .

عدم رفع أصواتهم في الصلاة ولا القراءة في الكنائس

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله على الأمصار الإسلامية " أن امنعوا النصارى من رفع أصواتهم في كنائسهم فإنها أبغض الأصوات إلى الله وأولاها أن تخفض " وقال الشافعي : " واشترط عليهم يعني النصارى ألا يسمعوا المسلمين شركهم ولا يسمعونهم ضرب ناقوس فإن فعلوا ذلك عزروا ".

على النصارى ألا يخرجوا كتاباً أو صليباً في أسواق المسلمين

زيادة على عدم السماح لهم بإظهار ذلك على الكنائس وفي صلواتهم فهم ممنوعون من إظهاره في أسواق المسلمين وإن لم يرفعوا أصواتهم به وقد روى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق أن النصارى منعوا إظهار الصليب خارج الكنيسة وإلا كسر فوق رؤوسهم [xxi] .

عليهم ألا يخرجوا باعوثاً ولا شعانين ولا يرفعوا أصواتهم مع الموتى في أسواق المسلمين

الباعوث هو الخروج المبكر مثل الخروج في عيد الفطر والأضحى ومن هنا قال الإمام أحمد في رواية ابن هانيء لا يترك النصارى يجتمعون يوم الأحد فإن ذلك هو غاية الباعوث ونهايته فإنهم ينبعثون إليه من كل ناحية .

أما الشعانين فهي أعياد لهم والفرق بينها وبين الباعوث أنه اليوم والوقت الذي ينبعثون فيه على الاحتشاد والاجتماع ، وعدم رفع أصواتهم مع موتاهم فهذا يعم رفع أصواتهم بقراءة الإنجيل والنوح وكذلك إظهار النار معهم بالشمع أو السرج أو المشاعل ، ولقد كان الخليفة المتوكل صارماً في ذلك كله فقد أصدر سنة 235 أوامره ألا يظهر النصارى في شعانينهم صليباً وألا يقرؤوا الصلوات في الشوارع [xxii] ونهاهم عن إشعال النار في الطرق [xxiii] وقد قال الأئمة الأربعة أنها ما دامت أعيادهم محرمة فعلى المسلمين عدم التجاوب معهم في الأعياد وعدم مشاركتهم لأنهم أي النصارى على منكر وزور وقال العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة : " والذين لا يشهدون الزور " أي لا يمالئون أهل الشرك في شركهم ولا يخالطونهم وكذلك قال ابن عمر قال : قال النبي " : لا تدخلوا على هؤلاء الملعونين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، وقال البخاري من حديث عمر بن الخطاب قال : " اجتنبوا النصارى في عيدهم " ومن وجهة أخرى قال ابن عمرو : " من مر ببلاد النصارى فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة " وقد حرم البخاري أن يقدم المسلم هدية للنصراني في عيده أو في أي مناسبة كهذه .

قال الخلال في الجامع باب كراهية خروج المسلمين في أعياد النصارى وذكر عن مهنأ قال سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل دير أيوب وأشباهه يشهده المسلمون يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الضحية والبقر والبر والدقيق وغير ذلك ،يكونون في الأسواق ولا يدخلون عليهم بيعهم ؟ قال هذا حرام وتلى قول القرآن " والذين لا يشهدون الزور "

لا يجاور النصارى المسلمين بالخنزير ولا ببيع الخمر

على النصارى ألا يظهروا الخنزير أمام المسلمين بل يدخلوه خفية دون أن يراهم أحد وكذلك الخمور لا يبيعونها بحضرة المسلم .

لا يجاوز النصارى المسلمين بموتاهم

المجاوزة هي التعدي أي يدفنون موتاهم في أرض تكون بعيدة عن قبور المسلمين ولا بيوتهم بل تنفرد عنهم لأنها محل عذاب وغضب فلا تكون هي ومحل الرحمة في موضع واحد لما يلحق المسلمين بذلك من ضرر . ( لا ندري ما هو الضرر الذي يمكن أن يقع على الميت المسلم من الميت المسيحي ؟ وكيف يمكن وقوع هذا ؟ وإذا علمنا أن الموتى لا يسمعون وأنهم أفضوا إلى ربهم ولا ينفعهم ولا يضرهم شيء حتى يوم القيامة ) وقال جماعة من الصحابة أنه ليس للنصارى أن يحملوا موتاهم في أسواق المسلمين ولا في الطريق الواسعة التي يمر منها المسلمون وإنما يقصدون المواضع الخالية التي لا يراهم فيها مسلم وفي سنن أبي داوود عن سعيد ابن المسيب أن النبي قال : " رب جنازة ملعونة ملعون من شهدها " قال : وقد روي عن النبي " أنا بريء من كل مسلم مع مشرك " قيل لم يا رسول الله ؟ قال : لا ترآى نارهما " [xxiv] .

على النصارى ألا يبيعوا الخمور

حرم على النصارى أن يبيعوا الخمور بالأسواق الخاصة بالمسلمين ولا ينقلونه من بلد إلى بلد في دار الإسلام وقد روي عن عمر وعلي خرق متاعهم وكسر أوانيهم " وروي عن عمر أيضاً أنه بلغه أن رجلاً من أهل السواد قد أثري في تجارة الخمر فكتب أن اكسروا كل شيء قدرتم عليه وشردوا كل ماشية له .

على النصارى ألا يرغبوا أحداً في دينهم ولا يدعون إليه أحد

هذا مت أهم وأولى الشروط لأنه فيه حرب لله ولرسوله باللسان وهي أقوى من الحرب باليد ، كما أن الدعوة لله ولرسوله هي جهاد بالقلب وباللسان وقد يكون أفضل من الجهاد باليد ولما كانت دعوتهم للباطل مستلزمة ولابد للطعن في الحق كان دعاؤهم إلى دينهم وترغيبهم فيه طعناً في دين الإسلام وقد قال القرآن " وإن نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم [xxv] " ولا ريب أن الطعن في الدين باللسان أعظم من الطعن بالرمح أو السيف ، ولذا كان لزاماً أن يبطل عهدهم الذي عاهدوا عليه ويقاتلوا لأنهم لا أيمان لهم .

لا يتخذ النصارى رقيقاً مما جرت عليه أحكام المسلمين

يعني ذلك أنهم لا يتملكون رقيقاً من سبي المسلمين وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فمذهب الإمام أحمد أنه إذا استرق الإمام السبي لم يجز بيعهم من نصراني كافر ، وقال أبو حنيفة يجوز بيعهم من أهل الذمة دون أهل الحرب ، وقال الشافعي يجوز بيعهم من الفريقين ، وأما مذهب مالك فقال في كتابه المعروف " الجواهر " إن اشترى النصراني أو الكافر بالغاً على دينه لم يمنع من شرائه إذا كان يسكن به في بلاد المسلمين ، ولا يباع لمن يخرج به عن بلاد الإسلام لما يخشى من إطلاعه أهل الحرب على عورة المسلمين وإن كان العبد صغيرا وعلى دينه يعي الكتابة وغيرها منع النصارى من شرائه لما يرجى من إسلامه وسرعة إجابته إذا دعي للإسلام لكونه لم يرسخ في الكفر فإن بيع من النصراني فسخ البيع وتحرج فيه أن يباع من مسلم .

لا يمنع النصارى أحداً من أقربائهم من الدخول في دين الإسلام

هذا شرط اشترطه عمر عليهم أنهم لا يمنعون أحد من النصارى يريد دخول الإسلام سواء كان طواعية بنفسه أو نتيجة تبشيره بالإسلام من أحد من المسلمين لأن ذلك يعد محاربة لله .

الفصـــل الثـالــث

في تغيير لباس النصارى وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه

صالح عمر بن الخطاب على أن يلزموا زيهم المحدد لهم أينما كانوا وألا يتشبهون بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا فرق شعر ولا في مراكبهم .

هذا أصل الغيار وهو سنة سنها من أمر رسول الله باتباع سنته وجرى عليها الأئمة بعده في كل عصر ومصر ، وقد قال أبو القاسم الطبري في سياق ما روى عن النبي مما يدل على وجوب استعمال الغيار للنصارى وأهل الملل الذين خالفوا شريعته صغاراً وذلاً وشهرة وعلما عليهم لكي يعرفوا من المسلمين وكتب عمر إلى الأمصار أن تجز نواصيهم ، وألا يلبسوا لبسة المسلمين حتى يعرفوا [xxvi] وقال عمر بن عبد العزيز نفس القول وروى الإمام أحمد في مسنده حديثاً عن النبي يقول : " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله لا يشرك به ،وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم "

تــعلــيق :

هنا في الحديث يمنع محمد صحابته وأتباعه من التشبه بالنصارى أو اليهود وجعل من يتشبه بهم مثلهم ،وفي الشروط العمرية نجد أن الأمر للنصارى بعدم التشبه بالمسلمين كيف يستقيم ذلك ؟

وفي سنن أبي داوود أن النبي قال عن النصارى : " يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير [xxvii] ونهى النبي عن السلام على النصارى والرد عليهم بكلمة وعليكم ولا يقوم المسلم للنصراني ولا يصدره في المجلس ولا يقبل يده ولا يقوم لدى رأسه ولا يخاطبه بأخي ولا يدعي له بما يدعي به للمسلم من النصر والعزة ونحو ذلك ولا يصرف إليه من أوقاف المسلمين ولا من زكواتهم ولا يستشهده تحملاً ولا أداء ولا يبيعه عبداً مسلما ولا يمكنه من المصحف ، هذا من حيث الإجمال وأما من التفصيل ففي شروط عمر " وألا نتشبه بالمسلمين في شيء من لباسهم في قلنسوة " فيمنعون من لبسها لما كان النبي يلبسها هو وصحابته .

منع النصارى من لبس العمامة

العمامة هي جزء من قماش لأبيض يصنع خصيصاً لذلك ، يلف حول الرأس بطريقة معينة ويترك في نهايته جزء يتدلى من الخلف يسمى الذوءبة ، وهو قديماً كان لبس العرب وحديثاً اتخذه المسلمون علامة لهم ولبسها محمد وحض صحابته أن يلبسوها ، وهي محرمة على أهل الكتاب حتى لو خالف لونها لون عمامة المسلمين ، وقد حدث أن وفداً من بني تغلب قدموا على محمد وقالوا له : ألحقنا بالعرب ، قال محمد : فمن أنتم ؟ قالوا : نحن بنو تغلب ، قال : أولستم من أواسط العرب ؟ قالوا : نحن نصارى وكانوا يلبسون العمائم فقال محمد : علي بجلم [xxviii] ومزق لهم العمائم و شق من رداء كل واحد منهم شبراً يحتزم به وقال لهم :لا تركبوا السرج واركبوا الأكف ، ودلوا أرجلكم من شق واحد .

وقد كتب عمر ابن عبد العزيز إلى أمصار الشام " : لا يمشي نصراني إلا مفروق الناصية ولا يلبس قباء ، ولا يمشي إلا بزنار من جلد ولا يلبس طيلسلناً ولا يلبس سراويل ذات خدمة [xxix] ولا يلبس نعلاً ذات عذبة ولا يركب على سرج ولا يوجد في بيته سلاح إلا نهب ولا يدخل الحمام يوم الجمعة حتى تُصلى الجمعة .

منع النصـارى من إطلاق اللحــية

قال بن منصور الطبري في شرح كتاب عمر بن الخطاب : أن النصارى عليهم ألا يتشبهوا بالمسلمين في إطلاق اللحية فهم ممنوعون من ذلك ، وقالوا أن اللحية كانت من سمات العرب وعندما جاء الإسلام أصبحت فرض على المسلم ممنوعة على النصراني .

عـلى النصــارى ألا يتشبهوا بالمسلمين في النعال ،وفرق الشعــر

نهى عمر ابن الخطاب النصارى بعد لبس النعال التي يلبسها المسلمين وعليهم ألا يفرقوا شعرهم مثل المسلمين لأنهم أهل كفر وزندقة . وأمر عمر أيضاً أن تجز نواصيهم والنواصي هي مقدار الربع من الرأس يحلق النصارى هكذا حتى لا يتشبهوا بالمسلمين .

حـلق شعــر الرأس

كان هدي محمد أن لا يحلق رأسه في غير نسك بل يحفظ عنه أنه لم يحلق رأسه إلا في حج أو عمرة ومن هنا حرم محمد على النصارى حلق الرأس ،وقد كان حلق الرأس من سمات الخوارج وحلق الرأس أربعة أقسام : شرعي وشركي وبدعي ورخصة ، فالشرعي الحلق في الحج والعمرة ، والشركي حلق الرأس للمريدين من الشيوخ الدجالين ، وحلق البدعة فهو ما يتم عند المصائب وما عليه النصارى لذا كان منعهم ضروري لاستئصال بدعة ، وحلق الرخصة هو ما يتم بسبب وجود وجع أو مرض بالرأس يستدعي الحلق .

لا يلبس النصارى أردية مثل المسلمين

رغم أن لبس الأردية غير وارد بالشروط العمرية إلا أن المسلمين قد منعوا النصارى من ارتداء الأردية لأنها لبس العرب وزيهم الموحد وهي كالعمائم فقال أبو القاسم الطبري لا يلبسون الأردية لأنها زي العرب قديماً ولبسها الرسول والصحابة لذا لا يمكن النصارى من لبسها .

لا يتشبه النصارى بالمسلمين فلا يركبون السروج ولا يتقلدون السيوف ولا يتخذوا شيئاً من السلاح ولا يحملوه معهم

أهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج وإنما يركبون الأكف وهي البراذع ( الحمير ) عرضاً وتكون أرجلهم جميعا إلى جانب واحد وأضاف الشافعي أنهم يمنعون من ركوب الفرسان .

يمنع أهل الكتاب أيضاً من تقلد السيوف فإن السيوف عز لأهلها وهم أذلة وقد قال محمد ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ،وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على النصارى مخالفي أمري ) فالسيف به ينصر الله المسلمين ويذل به النصارى الكافرين .

وكذلك يمنع النصارى من اتخاذ أي نوع من أنواع الأسلحة على اختلاف أجناسها كالقوس والنشاب والرمح .

وعلى النصارى أن يجزوا نواصيهم ويربطوا الكستيجات [xxx] في أوساطهم ليعرف زيهم من زي أهل الإسلام وذكر يحي بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الشام أن يأمروا النصارى بأن يختم على أعناقهم .

المــرأة النصرانية

إذا خرجت من بيتها فيكون أحد خفيها ( مثل النعال ) أحمر حتى تعرف أنها نصرانية ، وكتب عمر إلى أهل الشام أن يمنعوا النصرانيات من دخول الحمام مع نساء المسلمين وذلك لأن النصرانيات يوصفن عورات المسلمات إلى أزواجهن فكأنه ينظر إليها ، كذلك نهى محمد نساء المسلمين من تقبيل نساء النصارى [xxxi]

منع النصارى من التكلم بكلام المسلمين

على النصارى الذين من غير العرب مثل نصارى الشام والجزيرة العربية يمنعوا من التكلم بكلام العرب حتى لا يتشبهوا بهم وقال بذلك عمر في شروطه وإلزامهم بالتكلم بألسنتهم حتى يعرفوا أنهم كفار فيكون هذا من التمييز مع ما في ذلك من تعظيم كلام العرب وقد قال النبي أن : أن لغة العرب هي لغة أهل الجنة ، والنصارى ليسوا من أهل الجنة "

منــع النـصارى من نقش خواتيمهم بالعربية

إن هذا يحتمل عدة أمور منها منعهم من السبيل للكتابة بالعربية فلا يستعلون على المسلمين أو أنهم توسلوا بذلك إلى مفاسد يعود ضررها على المسلمين أو أن يكون ذلك تشبهاً بالمسلمين في نقش خواتيمهم.

منـع النصارى من الإكتناء بكنى المسلمين

هذا لأن الكنية وضعت تعظيماً لصاحبها وما كان العرب ليتركوا النصارى ليتعاظموا فمنعهم من الكنية مطلقاً كما قال الشاعر : أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوأة اللقبا

كذلك مسألة التسمي بأسماء المسلمين فالقول في ذلك على ثلاثة أقسام .

الأول : أسماء تختص بالمسلمين وأسماء تختص بالكفار وقسم مشترك فالأول مثل محمد وأحمد وعلي وحسين وغيرها ، فهذا النوع لا يمكنون من التسمي به والمنع منه أولى من المنع من التكني بكناية المسلمين فصيانة هذه الأسماء عن أخبث خلق الله جسيم والقسم الثاني من الأسماء كجرجس وبطرس وحنا ومتى ونحوها فلا يمنعون منه ولا يجوز للمسلمين أن يتسموا بها ، والنوع الثالث كيحيى وعيسى وأيوب وسليمان وزيد وعمر فهذا لا يمنع منه النصارى ولا المسلمون ، وكذلك يمنع المسلمون من مخاطبة النصارى بسيدنا ومولانا لأن ذلك حرام شرعاً وقد قال محمداً حديثا فيه : لاتقولوا للنصراني سيدنا فإن يكن سيدكم فقد أغضبتم ربكم ، وعند الكتابة إليهم يكون بالبداية : السلام على من اتبع الهدى " ولا يبدأون بالسلام عليكم لأنهم كفرة لا سلام لهم . ويمكن البدء بقوله من فلان إلى فلان ثم يتبع بالسلام على من اتبع الهدى .

يجب على النصارى توقير المسلم في مجالسهم ويقومون له عن المجالس ، ولا يطلعوا عليه في منزله ونرشده الطريق

هذه أربعة أمور : أحدها توقير المسلمين في مجالسهم والتوقير هو التعظيم والاحتشام لهم ولا يمكرون عليهم بمكر ولا يدخلون عليهم بغير استئذان ولا يفعلون بين أيديهم ما يخل بالوقار والأدب ويحيونهم بتحية أمثالهم ولا يمدون أرجلهم بحضرتهم ولا يرفعون أصواتهم بين أيديهم ونحو ذلك .

الأمر الثاني :

قولهم " ونقوم لهم عن المجالس " أي إذا دخل المسلم والنصراني جالس يقوم النصراني له عن مجلسه ويجلسه فيه فيكون للمسلم صدره وللنصراني أدناه .

الأمر الثالث :

لا يطلع النصراني على المسلم في بيته وذلك بألا يعلون عليه في المسكن سواء كان بنائهم أو بنيان غيرهم فلا يمكن النصارى من السكنى في دار علية على المسلمين لأن ذلك ذريعة إلى اطلاعهم على المسلم .

الفـصـل الــرابــع

في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة أو نحوها

أخذ النصارى على أنفسهم ألا يشارك أحد منهم مسلماً في تجارة إلا أن يكون الأمر للمسلم في التجارة قال ابن القيم أن هذا لأن النصراني لا يتوقى مما يتوقى منه المسلم من العقود المحرمة والباطلة ولا يرون شيئا في بيع الخمور . وقد قال إسحاق بن إبراهيم سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يشارك النصراني في التجارة قال : يشاركهم لكن هو يلي البيع والشراء وذلك لأنهم يأكلون الربا ويستحلون الأموال ثم قال أبو عبد الله " ذلك بأنهم قالوا ليس عاينا في الأميين سبيلاً " وقال إبراهيم بن هانيء سمعت أبا عبد الله يقول في شركة النصراني " أكرهه ، لا يعجبني إلا أن يكون المسلم الذي يلي البيع والشراء .

الفصــل الخـــامــس

أحكام ضيافتهم للمارة من المسلمين وما يتعلق بذلك

قال النصارى فيما أخذه عليهم عمر بن الخطاب :أن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد . وقال يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن أسلم : كتب عمر إلى أمراء الجزيرة أن يضيفوا من نزل بهم من المسلمين ثلاثا ، وعن الأحنف بن قيس أن عمر شرط على النصارى ضيافة ثلاثة أيام وأن يصلحوا القواطن ، وإن قتل في أرضهم مسلم فعليهم ديته .

وقال ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة أن إطعام أهل الكتاب للمسلم العابر لمدة ثلاثة أيام فيه مصلحة لأغنياء المسلمين وفقراءهم ، فأما الأغنياء فإنه إذا لم يكن على النصارى ضيافتهم فربما إذا دخلوا بلادهم لا يبيعونهم الطعام ويقصدون الإضرار بهم فإذا كانت عليهم ضيافتهم تسارعوا إلى منافعتهم خوفاً من أن ينزلوا عليهم للضيافة فيأكلون بلا عوض . وأما مصلحة الفقراء فهو ما يصلح لهم من الارتقاق .

عن الأحنف بن قيس أن عمر شرط على النصارى ضيافة ثلاثة أيام وأن يصلحوا القواطن ،وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته .

إن من ينزل من المسلمين ضيفاً على النصارى هو في إحدى ثلاثة حالات أولاً أن يكون مريض وقت نزوله ، ثانياً أن يكون صحيحاً ، ثالثاً أن يكون صحيحاً ومرض فإن نزل بهم وهو مريض فبريء فيما دون الثلاث أيام فهذا يجري مجرى الضيف ، وكما يجب عليهم إطعام الضيف وخدمته يجب عليهم القيام على المريض ومصالحه فإنه أحوج إلى الخدمة من الصحيح . إن زاد مرضه على ثلاثة أيام وله ما ينفق على نفسه – لم يلزمهم القيام بخدمته ولكن تلزمهم معونته وخدمته وشراء ما يحتاج إليه من ماله ، وإن لم يكن لديه ما ينفق على نفسه لزمهم القيام عليه إلى أن يبرأ أو يموت فإن أهملوه وضيعوه حتى مات فعليهم ديته .

الفصــــل الســـادس

باب ما يتعلق بالإضرار بالمسلمين أو الإسلام

أخذ النصارى على عاتقهم أمام عمر بن الخطاب أن من ضرب مسلماً فقد خلع عهده وحق قتله ، وذلك لأن عقد الذمة اقتضى أن يكون النصارى تحت الذل والقهر والصغار والمسلمون هم الغالبين عليهم فإن ضربوا المسلمين كان هذا الفعل مناقضاً لعهد الذمة الذي عوهدوا عليه وهذا يعد أحد الشرطين اللذين أضافهما عمر على شروطه المعروفة ،والشرط الثاني هو ألا يشتروا سبايا المسلمين ،وكذلك من زنى بمسلمة وجب قتله وإقامة الحد عليها ،وإن استكرهها فليس عليها شيء ويقتل النصراني حتى وإن كان عبداً ،كذلك إن أسلم،وقد صلب عمر رجلاً فحش بمسلمة [xxxii] فكان أو مصلوب في الإسلام .

ذكر ما أجبر عمر النصارى عليه :-

قالوا ضمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ، ومساكيننا . وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا عهد لنا وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق [xxxiii]

نواقــض عهـــد النصــارى

أولاً من يشتم النبي قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول : من شتم النبي من النصارى فعليه القتل وعن ابن عمر أنه مر براهب فقيل له هذا يسب النبي قال : لو سمعته لقتلته أنا .

من يعين أحد على قتل المسلمين وقطع الطريق عليهم أو يؤووا على المسلمين جاسوساً أو يعين عليهم بدلالة مثل مكاتبة المشركين بأخبار المسلمين ، أو يفتن مسلماً عن دينه .

وقال القاضي أبو الحسين في نواقض العهد أن الثمانية التي فيها ضرر على المسلمين وآحادهم في مال أو في نقس تنقض العهد كأن يذكر الله وكتابه ورسوله بما لا ينبغي ،وهؤلاء احتجوا في قولهم بما جاء في القرآن من أدلة منها

الدليل الأول :-

" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " وقال ابن تيمية أنه لا يجوز الإمساك عن قتلهم إذا كانوا صاغرين وقت إعطاء الجزية .

الدلــيل الثــاني

قوله " كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله " هنا ينفي الله أن يكون لنصراني عهد ممن كان النبي عاهدهم إلا قوماً ذكرهم فجعل لهم عهداً ما داموا مستقيمين لنا .

الدلــيل الثـالـث

قوله : " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر " وقد يقول قائل أن الآية تدل على أن من نقض عهده من النصارى وطعن في الدين فإنه يقاتل ، فمن أين لكم أن من طعن في الدين ولم ينقض العهد لم يقاتل ؟ ومن هنا نقول أن الحكم المعلق بوصفين لا يثبت إلا بوجود أحدهما فالجواب على هذا التساؤل من وجوه الجواب الأول :-

أن هذا من باب تعليق الحكم بالوصفين المتلازمين اللذين لا ينفك أحدهما عن الآخر فمتى تحقق أحدهما تحقق الآخر مثل قوله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى " وكقوله " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق " وقوله " ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها " ونظائره كثيرة جداً فلا يتصور بقاؤه على العهد مع الطعن في ديننا ، بل إمكان بقائه على العهد ديناً أقرب من بقائه على العهد مع المجاهرة بالطعن في الدين،بل إن أمكن بقاؤه عليه مع المحاربة باليد ومنع [xxxiv] إعطاء الجزية وهذا واضح لا خفاء به .

الجـواب الثـاني :-

أنه لابد لكل صفة من هاتين الصفتين ما يبين في الحكم ، وإلا فالوصف العديم التأثير لا يتعلق به الحكم ،فلا يصح أن يقال : من أكل وزنى حُدّ ثم قد تكون كل صفة مستقلة بالتأثير لو انفردت كما يقال : يقتل هذا لأنه زان مرتد ، وقد يكون مجموع الجزاء مرتباً على المجموع ولكل وصف تأثير في البعض كما قال " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق " وقد تكون تلك الصفات متلازمة . كل منه لو فرض تجرده لكان مؤثرا على سبيل الاستقلال فيذكر إيضاحاً وبياناً للموجب ، وقد يكون بعضها مستلزماً للبعض من غير عكس كما قال " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق " وهذه الآية من آيي الأقسام فرضت – كانت دليلاً لأن أقصى ما يقال : أن نقض العهد هو المبيح للقتال ، والطعن في الدين مؤكد له موجب له فنقول إذا كان الطعن يغلظ قتال من ليس بيننا وبينه عهد .

الجواب الثـالث :

أن مجرد نكث الأيمان مقتض للمقاتلة حتى لو تجرد من الطعن في الدين ، وضرره أشد من ضرر الطعن في الدين علينا فذا كان أيسر الأمرين مقتضياً للمقاتلة فكيف بأشدها ؟

الجــواب الــرابع :-

إن النصراني إذا سب الله والرسول ، أو عاب الإسلام علانية فقد نكث يمينه ،وطعن في ديننا ، ولا خلاف بين المسلمين على أنه يعاقب على ذلك بما يردعه وينكل به أشد التنكيل .

الجـــواب الخـامس :-

قول القرآن " ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول " فجعل همهم بإخراج الرسول موجباً لقتالهم لما فيه من الأذى ومعلوم قطعاً أن سب الرسول أعظم أذى من إخراجه من بلده ، ولهذا عفا النبي عن الذين هموا بإخراجه وذلك عام الفتح ولم يعف عمن سبه فالنصراني إذا أظهر سب النبي فقد نكث العهد وفعل ما يستوجب القتل .

الجـواب السـادس :

قال القرآن " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم " هنا أمر من الله لمقاتلة الناكثين عهودهم والطاعنين في الدين ورتب على ذلك ستة أشياء :تعذيبهم على أذى المسلمين ،خزيهم والنصرة عليهم ، شفاء صدور المؤمنين ،ذهاب غيظ قلوبهم .

الجواب السابع :-

قول القرآن " ألم يعلموا أن من يحاد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها ، ذلك الخزي العظيم " هذه الآية جاءت عقب الآية التي تقول " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن " وقال أيضاً على النصارى : " إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين والأذل أبلغ من الذليل ، ويضاف على ذلك قوله في وصف النصارى " ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس " وهنا يبين الله أن النصراني أينما وجدوا فعليهم الذلة .

الجــواب الثامن :-

قوله " إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم " والكبت هو الذل والخزي والصغار وقال قتيبة أن الكبت هو الغيظ والحزن وقال أهل التفسير مثل ابن كثير والقرطبي في تفسير هذه الآية " كبتوا أهلكوا وأحزنوا وأخزوا وحزنوا

الجواب التاسع :-

قوله " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " هذه الأفعال الواردة في النص القرآني تستوجب القتل للنصارى إنهم وقعوا في أي منها ، ويضيف رب القرآن عقاب آخر للنصارى فيقول " أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً "، ويجب أن يكون هذا النصراني الملعون في الدنيا والآخرة عادم النصير بالكلية وقد نصت الآية السابقة على أن لا نصير للنصراني .

الجــواب العـاشر :-

إن المؤذي لله ولرسوله لا عصمة له في نفسه وماله ووجب أن يقتل مثل ما حدث لكعب بن الأشرف الذي كان يسب محمد فقال النبي : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فندب إلى قتله رغم وجود عهد بين كعب ومحمد .

الجــواب الحادي عشر :-

قوله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله " وهنا يوضح القرآن أن قتال النصارى حق لأنهم ظالمين وقاتلهم يمتد حتى يقلعوا عن الظلم بقبول الإسلام ؛ والمجاهر بالسب والعدوان من النصارى على الإسلام غير منته فقتاله واجب إذا كان غير مقدور عليه وقتله مع القدرة حتم وهو ظالم فعليه العدوان الذي نفاه عمن انتهى وهو القتل والقتال للنصارى أعداء الله .

الجواب الثــاني عشــر :-

قوله " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "

هنا يحض الله المسلمين على فسخ ما قد عاهدوا عليه النصارى من قبل وإيجاب قتالهم واستباحة مالهم ودمائهم وذراريهم وجعل الله تبرأ المسلم من العهد تبرءاً منه أيضاً ويروي الشعبي أن امرأة يهودية سبت محمد فقابله رجل وخنقها فماتت فأبطل محمد دمها ، وفي رواية أخرى كان رجل من المسلمين أعمى يأوي إلى امرأة نصرانية فكانت تطعمه وتحسن إليه وكانت لا تزال تشتم النبي وتؤذيه ،فلما كان ليلة من الليالي خنقها فماتت فلما أصبح ذكر ذلك للنبي فنشد الناس في أمرها فقام الأعمى فذكر له أمرها فأبطل النبي دمها " أي جعل دمها هباء "

النهاية

ونحن في النهاية رأينا بحق أن الدين الإسلامي دين سماحة وحوار مع الآخر ومع الحضارات

ومع الجن الأزرق وهو خير دين يعطي الحقوق المدنية والعسكرية والفوقية والتحتية

لكل إنسان يقع بين يديه الرحيمتين الجميلتين الطاهرتين ..

وإليكم جزيل الشكر والعرفان

والله أعلم

[i] المائدة 51

[ii] تفسير ابن كثير ج2 ص 68

[iii] التوبة 28

[iv] الأحكام ج1 ص 22

[v] البخاري ومسلم ،الأحكام ج1 ص 175

[vi] الأحكام ج1 ص 201

[vii] الأحكام ج1 ص 210

[viii] تاريخ الطبري ج11 ص 37

[ix] أحكام أهل الذمة ج1 ص232

[x] طبقات الحنابلة ص 208

[xi] أحكام أهل الذمة ج2 ص 668

[xii] معجم البلدان للحموي ج1 ص637

[xiii] أحكام ج2 ص 674

[xiv] تاريخ الطبري ج2ص137

[xv] المغني لابن قدامة ج10 ص 610

[xvi] أحكام أهل الذمة ج2 ص 692

[xvii] أحكام أهل الذمة ج2 ص 694

[xviii] المغني لابن قدامة ج10ص 611

[xix] موتان الأرض يعني الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليها ملك لأحد 0لسان العرب)

[xx] الجامع ح9ص365

[xxi] تاريخ دمشق ج1 ص178

[xxii] الطبري ج3 ص 1389

[xxiii] المقريزي ج19ص494

[xxiv] أحكام أهل الذمة ج2 ص 726

[xxv] الآية 12 سورة التوبة

[xxvi] اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم ص122

[xxvii] سنن أبي داوود رقم 5198

[xxviii] الجلم بفتح الجيم وسكون اللام هو المقص

[xxix] تاريخ مدينة دمشق ج1 ص180

[xxx] الكستيج هو خيط غليظ يشده النصراني فوق ثيابه

[xxxi] أحكام أهل الذمة ج2 ص 764

[xxxii] ابن القيم "أحكام أهل الذمة ج2ص790

[xxxiii] الصارم المسلول ص208

[xxxiv] الأحكام ج2 ص 814

الفهرس