الخلاص وبدعة الحصول عليه في لحظة

مقدمة
الخلاص والصليب
الخلاص والإيمان
الخلاص والمعمودية
الخلاص وسر التوبة
الخلاص وسر المسحة
الخلاص وسر التناول
الخلاص والكنيسة والكهنوت
الخلاص والجهاد
الخلاص والأعمال
الخلاص واللحظة
الخلاص والمراحل
الخلاص والضمان الأبدي
الخاتمة
حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الخلاص والإيمان 


بعد أن تكلمنا عن إتمام الخلاص بموت السيد المسيح على الصليب، يأتي دور الحديث عن الإيمان كواسطة لنوال هذا الخلاص العظيم. وفي حديثنا عن الإيمان نتعرض للنقاط التالية:

· أهمية الإيمان لنيل الخلاص.
· دور الكنيسة في الدعوة للإيمان.
· موقف الأطفال من الإيمان. 


1– أهمية الإيمان لنيل الخلاص:

رغم أن الخلاص قد تم على خشبة الصليب غير أنه لن ينتفع به إلا من يقبله بالإيمان، ولهذا قال الرب يسوع المسيح: "من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدان" (مر16:16). وقد سبق فوضح هذه الحقيقة بقوله: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). 

ولذلك قال معلمنا بطرس الرسول: "له يشهد جميع الأنبياء أن كل مَن يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أع43:10).

كما أن معلمنا بولس الرسول يؤكد نفس الحقيقة: "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي يسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر مَن هو من الإيمان بيسوع" (رو24:3ـ26). 

من هذه الاقتباسات وغيرها الكثير تتضح لنا أهمية الإيمان لنيل الخلاص. وقد شهد لهذا الأمر آباء الكنيسة قديمة وحديثاً نكتفي منها بما يلي:


+ "الإيمان بالمسيح هو أن نؤمن به أنه يبرر الخاطى، تؤمن بالشفيع الذي بدون وساطته لا يمكن أن تصالح مع الله، تؤمن بالمخلص الذي جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (لو10:19) تؤمن بذاك القائل: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15)." 

[القديس أوغسطينوس] (In Joan tr.29:6)

+ "أما ترون أن عدم الإيمان هو هوة سحيقة، أما الإيمان فحصن حصين. لأن عدم الإيمان أهلك الآلاف، بينما الإيمان لم يؤد إلى خلاص الزانية وحدها بل جعلها أيضاً أماً لكثيرين".

+ "ما دامت عطية الله تفوق الإدراك كلية، فمن المنطق أننا نحتاج إلى إيمان". 

[القديس يوحنا ذهبي الفم] (In Rome Hom.2)



+ " كان الناموس يعمل ليجعل الناس أبراراً لكنه لم يستطع، فجاء المسيح وفتح طريق البر بالإيمان".

[القديس يوحنا ذهبي الفم] (In Matt. Hom.16) 


+ {لا يوجد أحد يجادل في أن الإيمان لازم للخلاص، فالذي لا يؤمن يهلك. والسيد المسيح يقول: "ومن لم يؤمن يدن" (مر16:16)}.

(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص157) 

ملحـوظة هـامة : 

ينبغي أن يكون واضحاً تماماً أنه مع أهمية الإيمان لنيل الخلاص إلا أنه ليس الوسيلة الوحيدة للخلاص، بل هناك عدة وسائط أخرى لازمة للخلاص منها: 

المعمودية: كقول الرب "من آمن واعتمد خلص" (مر16:16).

والتوبـة: كقول الرب أيضاً "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو3:13-5). 

وسوف يأتي الحديث عن هذه الوسائط فيما بعد، أما هنا فحديثنا منصب على الإيمان كإحدى وسائل الخلاص. لذلك دعنا ننتقل إلى النقطة الثانية وهي: 

2– دور الكنيسة في الدعوة إلى الإيمان:

يتحتم علينا أن نتكلم عن دور الكنيسة في الدعوة إلى الإيمان ونحن بصدد الحديث عن الخلاص والإيمان. معلمنا بولس الرسول يقول: "كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به، وكيف يسمعون بلا كارز، وكيف يكرزون إن لم يرسلوا " (رو14:10،15). 


فمن الثابت أن الخلاص قد تم على الصليب بموت الرب يسوع المسيح، وأن الإنسان ينال هذا الخلاص عن طريق الإيمان، ولكن كيف يؤمن الناس إن لم يكرز لهم بهذه الأخبار السارة أخبار إتمام الفداء والدعوة إلى الإيمان بذلك. 



من أجل هذا كلَف الرب يسوع المسيح تلاميذه قائلاً: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر15:16). لذلك فإن سفر أعمال الرسل هو السجل الحي لحركة كنيسة الرسل في الكرازة لشعوب آسيا وأوربا. وما تاريخ الكنيسة إلا امتداد طبيعي لحركة الكرازة في كل أقصاء المسكونة كقول المرنم: " في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم" (مز4:19). 

وإليك بعض ما كتبه آباء الكنيسة من دور الكنيسة الجوهري في الدعوة إلى الإيمان والكرازة بالخلاص :

+ "نعم انظروا، فإن النار المقدسة الإلهية قـد انتشرت في كل الأمم بواسطة كارزين قديسين". 

[القديس كيرلس الكبير] (In Luc. Ser. 94) 

+ "إذ وضع (السيد المسيح) على عاتقهم (أي عاتق الرسل) عملاً عظيماً هكذا ... قال لهم: ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. وكأنه يقول لهم: لا تقولوا أن العمل الملقى عليكم صعب، فأنني أنا الذي أستطيع كل شئ بسهولة معكم. لم يقل أنه يود أن يكون معهم وحدهم، بل ومع المؤمنين الذين يأتون بعدهم، لأن الرسل لا يعيشون حتى انقضاء الدهر، لكنه يكلم كل الذين سيؤمنون به كمَن هم جسد واحد (أي الكنيسة)".

[القديس يوحنا ذهبي الفم] (In Joan 50:4)

+ "كيف وصل الإيمان إلى العالم؟ 

أليس عن طريق الكنيسة. 

أليس عن طريق معلمي الكنيسة الذين نشروا الإيمان في المسكونة كلها، أولاً الآباء الرسل، ثم تلاميذهم الآباء الأساقفة والقسوس، إلى كل المعلمين في جيلنا".

(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث – ص159) 

من كل هذا يتضح رغم أن كون الخلاص يقبل بالإيمان إلا أن هذا يستلزم وجود الكنيسة التي تنادى به، فالإيمان لا يلغى دور الكنيسة بل يحتمه.


3– موقف الأطفال من الإيمان: 

رغم أهمية إيمان الإنسان لنيل البركات والنعم الإلهية من خلاص وتبرير وثبات في الرب وحياة أبدية، إلا أننا نجد في الكتاب المقدس بركات ونعم مجيدة قد أعطاها الرب للأولاد رغم عدم إدراكهم ووعيهم الكامل عقلياً، ولكن الرب يسوع المسيح قد أكد أن هؤلاء الصغار يؤمنون به إيمانناً يحتذي به. هذا ما سجله معلمنا متى البشير في إنجيله قائلاً: "فدعا يسوع إليه ولداً وأقامه في وسطهم وقال الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات ... ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البـحر" (مت2:18-6). 


أما عن البركات والنعم التي نالها الأطفال بل والأجنة في بطون أمهاتهم نذكر بعض الأمثلة منها: 

1– نيلهم بر الإيمان:

من الثابت أن الختان قد أخذه أبونا إبراهيم ختماً لبر الإيمان، كما يوضح الكتاب المقدس بقوله: " فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً ... وأخذ علامة الختان ختما لبر الإيمان" (رو3:4ـ11). ورغم ذلك فقد أمر الرب أن يختن الطفل وهو ابن ثمانية أيام ليأخذ ختم بر الإيمان. (تك12:17). 

2– نيلهم التقديس:

نال أرميا النبي وهو جنين في بطن أمه نعمة التقديس، إذ يقول الرب: "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك." (أر5:1).

3- نيلهم الملء بالروح القدس: 

يوضح لنا معلمنا لوقا البشير كيف نال القديس يوحنا المعمدان نعمة الملء بالروح القدس وهو بعد جنين في بطن أمه، فقد قال الملاك لأبيه زكريا الكاهن "ومن بطن أمه يمتلئ بالروح القدس" (لو15:1) وقد تمت هذه النبوة عملياً عندما زارت السيدة العذراء مريم أليصابات نسيبتها التي قالت لهم "فهوذا حين صار سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني" (لو44:1). 

4– نيلهم بركة الرب يسوع المسيح: 

عندما تقدم بعض الأولاد إلى السيد المسيح احتقرهم التلاميذ وانتهروهم، أما الرب يسوع المسيح فاغتاظ من تصرف التلاميذ وحذرهم من أن يمنعوا هؤلاء الأولاد عنه، ثم احتضنهم وباركهم. هذا ما سجله الكتاب المقدس قائلاً: "حينئذ قدم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصلى فانتهرهم التلاميذ " (مت13:19) ويكمل معلمنا مرقس البشير قائلاً: "فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم: دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله. الحق أقول لكم مَن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله. فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم." (مر14:10-16).
5– نيلهم امتيازات فائقة: 

لقد وضح السيد المسيح الامتياز الفائق الذي للأولاد بقوله: "إني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات ينظرون وجه أبى الذي في السموات" (مت10:18).
6– نيلهم كرامة سامية: 

رفع السيد المسيح كرامة الأولاد إلى مستوى كرامته الشخصية عندما قال: "من يقبل ولداً واحدا مثل هذا باسمي فقد قبلني" (مت15:18).


هذه بعض النِعَم والبركات التي يحصل عليها الأطفال الصغار الذين شهد الرب لهم بالإيمان به (مت6:18) رغم عدم اكتمال نضجهم العقلي. وعلى الوالدين والكنيسة أن تتابعهم وتلقنهم حقائق الإيمان لينموا وينضجوا في النعمة ومعرفة الرب. وإذا رفض الطفل عندما يكبر هذا الإيمان، فإنما يكون كالمرتد من المؤمنين البالغين.


وإليك بعض أقوال آباء الكنيسة قديماً وحديثاً عن الطفولة البريئة وموقفهم من الرب والنعم الإلهية:


+ "إن يسوع المسيح أتى لكي يخلص جميع البشر، أعنى الذين ولدوا ثانية لله، سواء كانوا أطفالاً أو شباباً أو شيوخاً."

[ القديس إيريناوس] (On He r e t 11:22)

+ "الطفل بريء من الحسد والكبرياء ... وهو يتحلى بأعظم الفضائل إلاَ وهي البساطة التواضع. نعم فإن الأمور المختصة بخلاصنا تتوقف عندما لا تتوفر فينا البساطة والتواضع."

[ القديس يوحنا ذهبي الفم] (On Math. In hom LV111) 



+ {نقول إن تعليم الطفل الإيمان هو مسئولية والديه، ومسئولية الكنيسة، فإن رفض الإيمان حينما يكبر يكون كأي مرتد} 

(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص160)



خـلاصـة :
من هذا العرض لموضوع "الخلاص والإيمان" نستخلص ما يلي: 

1– أن إيمان الإنسان لازم لكي يحصل على الخلاص الذي تم على الصليب بموت السيد المسيح الكفاري. 

2– وإن الكنيسة عروس المسيح هي المكلَفة من الرب بالدعوة بالإيمان في أقطار المسكونة إلى مدى الدهر.

3– وإن الأطفال الصغار لهم موقفهم الخاص من الإيمان بالرب كما يشهد السيد المسيح نفسه. وقد نالوا الكثير من البركات والنعم الإلهية كبرٌ الإيمان والملء بالروح القديس...الخ.

أما بخصوص إكمال إدراكهم فهذا ما ينبغي أن يتم مع تطور نموهم، وما يقوم به الوالدون والكنيسة. ولكن إن رفضوا ذلك عند نضوجهم اعتبروا كالمرتدين.