شعائر الحج عند العرب الوثنيين : العمرة / الحج الأصغر

العمرة "الحج الأصغر"
و "العمرة" هي بمثابة "الحج الأصغر" في الإسلام، وكان أهل الجاهلية يقومون بأدائها في شهر "رجب". وللعمرة في الإسلام شعائر ومناسك، وتكون بالطواف بالبيت وبالسعي بين الصفا والمروة. ولا بد أن يكون لها عند الجاهليين شعائر ومناسك. وهي في الإسلام فردية اختيارية، وهي تختلف بذلك عن الحج الذي هو فرض عين على كَل مسلم مستطيع، وجماعي، أي ان المشتركين فيه يؤدونه جماعة. أما بالنسبة إلى الجاهليين، فيظهر من ذكر العمرة في القرآن الكريم انهم كانوا يؤدونها كما كانوا يؤدون الحج، ولوقوعها في شهر رجب، وهو شهر كان الجاهليون يذبحون العتائر فيه، لعلنا لا نخطىء اذا قلنا إنهم كانوا يذبحون ذبائحهم في العمرة، حينما يأتون أصنامهم فيطوفون حولها، أما في الإسلام، فالعمرة دون الحج. وإذ كانت في شهر رجب في الجاهلية، كانت حجًاً خاصاً مستقلاً عن الحح الاخر الذي يقع في شهر ذي الحجة. حرص الجاهليون على ألا يوافق موعدها موعد مواسم الحج " لما كان لها من أهمية عظيمة عندهم قد تزبد على الطواف المألوف في شهر الحج.

متى كانت العمرة عند العرب الوثنيين ؟
وورد ان أهل الجاهلية كانوا يرون ان العمرة من أشهر الحج: شوال وذي القعدة وتسع من الحجة وليلهّ ألنحر، أو عشر أو ذي الحجة من الفجور في الأرض، أي من الذنوب، ولكن بعضا آخر كان يعتمر في كل شهر، ولا سيما في رجب، حيث كانوا يحلقون رؤوسهم ويجيئون إلى محجاتهم للعمرة.
وورد ان أهل الجاهلية "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر. ويقولون: اذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر ".
وذكر ان الأشهر الحرم ثلاثة سرداً وواحداً فرداً، وهو رجب. أما الثلاثة، فليأمن من الحجاج واردين إلى مكة وصادرين عنها، شهراً قبل شهر الحج، وشهراً بعده، قدر ما يصل الراكب من أقصى بلاد العرب، ثم يرجع. وأما رجب،فللعمّار يأمنون فيه مقبلين وراجعين نصف الشهر للاقبال ونصفه للاياب، إذ لا تكون العمرة من أقاصي بلاد العرب كما يكون الحج. وأقصى منازل المعتمرين بين مسيرة خمسة عشر يوماً.
ويلبس المعتمر "الاحرام " أيضاً. وقد كان الجاهليون يكتفون في عمرتهم بالطواف بالبيت، أما "السعي" بين الصفا والمروة.، فأغلب الظن ان العرب لم يكونوا يقومون به. بدليل ما ورد في القران الكريم من قوله: ) إن الصفا والمروة من شعائر الله،فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوّف بهما. ومن تطوًع خيراً فان الله شاكر عليم (. ففي هذا النص دلالة على ان الجاهليين من غير قريش لم يكونوا يدخلون السعي بينهما في شعائر الحج أو العمرة، وان الله امر بادخاله فيهما. أما موقف الجاهليين بالنسبة لطواف العمرة،فهو نفس موقفهم بالنسبة للطواف بالبيت في أثناء الحج، والفرق بين الحج والعمرة، ان الحج هو الاحرام ثم الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروه وقضاء مناسك عرفة والمزدلفة والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها، بينما العمرة الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، فلا يكون موقف عرفة من العمرة. وكان الجاهليون يحلقون رؤوسهم للعمرة، ويكون حلق الرأس علامة لها. فاذا وجدوا رجلاً وقد حلق رأسه علموا انه من "العمار"، فلا يمسونه بسوء، إلا اذا مس أحداً بسوء احتراماً للعمرة ولشعائر الدين.

الفرق بين العمرة والحج في الإسلام
والفرق بين العمرة والحج في الإسلام، ان العمرة تكون للانسان في السنة كلها، والحج في وقت واحد في السنة. و تمام العمرة انُ يطاف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، والحج لأ يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة واجراء بقية المناسك.
وتقبيل الأحجار والأصنام واستلامها في أثناء الطواف أو في غير الطواف من الشعائر الدينية عند الجاهليبن. كان في روعهم ان هذا التقبيل مما يقربهم إلى الآلهة، ويوصلهم اليها، فتقربوا اليها ونصبوها في مواضع ظاهرة، ومسحوا أجسامهم بها تبركاً. وكلمة "تمسَّحَّ" من الكَلمات التي لها معاني عند الجاهليين، وكذلك كلمة "استلم" و "استلام" عند أهل مكة خاصة حيث استعملت بالنسبة للحجر الأسود. وطريقتهم ان يمر الإنسان يده على الحجر المقدس أو ان يمسسه بها إن صعب استلامه كله. وقد يعوض عن ذلك بعصا يمدها الإنسان إلى الحجر حتى تلمسه، وإذا تعذر الوصول اليه بسبب ما، فيجوز أن يفعل ذلك راكبأ على جمل.


ومن هذا القبيل ايضاً طرق مطارق أبواب البيوت المقدسة طرقات خفيفة، وامرار بعض الأشياء مثل الملابس على الأصنام والصخور والمواضع المقدسة لاكتساب البركة،والتمسح بجدران البيت أو استلام أركانه أو التعلق بأطراف الكسوة. وتلطيخ الأحجار بدماء ألضحية التي تقدم للاوثان وذلك بسبب الدماء عليها، أو بتلطيخها وتلويثها كلها أو جزء منها بدم الضحية،. توكيدأَ بإراقة دم الضحية في نفس من ضحيت الضحية من اجله.

شعائر الوثنيين فى الحج
وقيل إن من شعائر الجاهليين في الحح ان الرجل منهم كان إذا أحرم، تقلد قلادة من شعر، فلا يتعرض له أحد. فإذا حج " وقضى حجّه، تقلد قلادة من "إذٌ خِر"، والإذخر نبات زكي الرائحة، وان الرجل منهم يقلد بعيره أو نفسه قلاعة من لحاء شجر الحرم، فلا يخاف من أحد، ولا يتعرض له احد بسوء. وتذكرنَا هذه العادة بما يلبسه بعض الحجاج عند اتمامهم حجّهم وعودتهم إلى بلادهم من لباس "كوفية" خاصة باًهل مكة ومن عقال حجازي وذلك بالنسبة للرجال، وخمار أبيض بالنسبة للنساء، وذلك طيلة الأيام السبعة الأولى من احتفالهم بالعودة من الحج.
ولم يكن الجاهليون القريبون من مكة أو البعيدون عنها يقصدونها في حج "عرفة" وعمرة "رجب" حسب، بل كانوا يقصدونها في اوقات مختلفة وفي المناسبات، للطواف حول الأصنام،.واستلام الحجر الأسود، والتقرب إلى الآلهة المحلية. وقد ساعد ذكاء سادة قريش الذي تجلى في جمعهم اكثر ما أمكنهم جمعه من أصنام القبائل في "البيت الحرام"، على اجتذاب القبائل اليها، وبذلك نشطوا في استغلال مواسم الحج والعمرة بالاستفادة من القادمين بالاتجار معهم، وببيع ما يحتاجون اليه من طعام وزاد، فحصلوا عل مال، حسدهم عليه الاخرون فكان الفضل في ذلك للبيت.. والى ذلك أشير في القرآن، في سورة"قريش": ")فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أظعمهم من جوع وآمنهم من خوف(.


هذا ما عرفنأه عن شعائر الحج إلى مكة وعن مناسكه في الجاهلية المتصلة بالإسلام. أما عن الحج إلى البيوت الأخرى وعن شعائره ومناسكه، فلا نكاد نعرف من أمرهما شيئاً يذكر. ولكننا نستطيع ان نقول إن من أهم أركان الحج عند جميع الجاهليين، وجوب مراعاة النظافة.، نظافة الجسم ونظافة الثياب. ولذلك، كانوا اذا حجوّا لبسوا ملابس خاصة بالحج هي "الاحرام" أو ملابس جديدة، أو ملابس مستعملة نظيفة مغسولة،وذلك لحرمة هذه المواضع وقدسيتها، فلا يجوز دخولها بملابس وسخة دنسة، واذا كانوا يلبسون أحسن ما عندهم عند ذهابهم إلى مقابلة عظيم أو سيد قبيلة أو رجل محترم، احتراماً له واجلالاً لشأنه، أفلا يجب اذن لبس خير ما عند الإنسان من ثياب لدخول بيوت الآلهة، ولا سيما في مواسم الحج ?. وكان منهم من يوجب على نفسه الغسل وتنظيف جسده حين دخوله المعبد أو اعتزامه الحج.


وتقبيل الأصنام والأحجار واستلامها في أثناء الطواف، والتمسح لها، من الشعائر الدينية اللازمة في الحج وفي غير مواسم الحج عند الزيارات. كان في روعهم ان هذا التقبيل مما يقربهم إلى الآلهة، ويوصلهم اليها، فتجعلها ترضى عنهم وتشفيهم مما هم فيه من سقم وأمراض، فتقربوا اليها ومسحوا أجسامهم بها تبركاً وتقرباً. و "التمسح" بالصنم أو الحجر المقدس، التبرك به لفضله وعبادته، كأنه يتقرب إلى الآلهة بالدنو منه ولمسه. وقد كان رجال الدين يمسحون بأيديهم أجسام المرضى وثيابهم، لازالة السوء عنهم. وقد ذكر أهل الأخبار ان الجاهليين كانوا يتمسحون بأصنامهم، ويمسحون ظهورهم بها، لاعتقادهم انها تشفيهم من كل ألم وسوء.

استلام الصنم أو الحجر المقدس
واستلام الصنم أو الحجر المقدس،هو نوع من أنواع التقدير والتعظيم والتقرب. ويراد بذلك تقبيل الحجر ولمسه وتناوله باليد ومسحه بالكف. واذا صعب الوصول اليه لشدة الازدحام، فقد يمدّ احدهم قصبة أو عوداً أو عصاً اليه لمسه، فيكون لمس هذه الأشياء له، كأنه لمس حقيقي، يجلب لصاحبه ما تمناه وطلبه ورجاه من ذلك الصنم أو الحجر.
وقد أشار بعض "الكلاسيكين" إلى وجود غابة من النخيل في ركن من البحر الأحمر، كان يؤمّها النبط للتبرك بها، إذ كانت في نظرهم أرضاً مقدسة، عليها معبد من الحجر عليه كتابة، وصفوها بأنها كتابة لا يستطيع اليوناني قراءتها، وبه كهّان وكاهنات يقضون عمرهم في خدمة ذلك المعبد.قالوا: وفي كل خمس سنين يحج الناس اليه، ويتجمعون عنده، ويحضر معهم من في جوار المعبد من ناس، فيذبحون، ويتقربون إلى ألهتهم. فإذا عادوا أخذوا معهم ماءً من ذلك المكان، للتبرك به، لاعتقادهم أنه يمنحهم الصحة والعافية. وذكر بعض آخر أن الحج إلى هذا البيت كان مرتين في السنة: الحج الأول في مطلع السنة، ويستغرق شهراً واحداً. اما الحج الثاني فيكون في نهاية الصيف،ويستغرق شهرين. وتكون هذه الأشهر الثلاثة أشهراً حرماً لا يحل فيها قتال، يعمّها سلم أوجبته الآلهة على الإنسان والحيوان.
ونرى في هذه الشعائر مشابهة كبيرة لشعائر الحج في مكة. ولولا تعيين هؤلاء الكتبة المكان، ونصهم على أنه على البحر الأحمر، وانه غابة نخيل، لأنصرف الذهن إلى مكة،0 إذ نجد أن شعائر الحج فيها تشبه هذه الشعائر، واستقاؤهم من ماء "زمزم" للتبرك به، يشبه استقاء هؤلاء من بئر معبدهم هذا، وقد أهمل أولئلك الكتبة أسماء الأشهر الحرم الثلاثة، فأضاعوا علينا فرصة ثمينة كانت تساعدنا كثيراً في الوقوف على تثبيت الأشهر عند الجاهليين.
ويلاحظ أن النبط كأنوا يعقدون في أثناء هذه الأشهر الحرم سوقاً، تذكرنا بسوق عكاظ التي كان يعقدها أهل الحجاز. ولا شك أن موسم الحج في المعبد المذكور، الذي يتحول إلى سوق للبيع والشراء، يشبه موسم الحج في مكة حيث ينقلب أيضاً إلى سوق.

ا لأعياد
والأعياد من جملة مظاهر الأديان وشعائرها. والحج في حد ذاته عيد من أعياد الجاهلين. وقد كانت للجاهليين أعياد لها صلة بأديانهم، غير اننا لا نستطيع ان نتحدث بالطبع عن وجود أعياد عامة يعيّد فيها جميع الجاهليين عبدة الأصنام، لأن الأعياد العامة تستدعي وجود ديانة واحدة وعبادة إلَه أو آلهة مشتركة يعبدها جميع القوم، واذ كانت العرب لا تعبد إلهاً واحداً أو آلهة مشتركة يقدسها أهل الوبر وأهل المدر منهم جميعاً، فلا يمكن ان نتصور وجود أعياد عامة لجميع العرب، في عهود ما قبل الإسلام.
ولفظة العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد على راي علماء اللغة. وهو بالمعنى المعروف الذي يخص الاحتفالات الدينية من الألفاظ المعربة المأخوذة عن لغة بني إرم على رأي المستشرقين. ف "عيدا" في الإرمية هي "العيد" في العربية.
 

*********************************************************************************************************

الجزء التالى للمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل الثاني والسبعون - الحج والعمرة - نقلنا هذه الصفحة بدون تغيير ولكننا وضعنا لكل فقرة عنوان
**********************************************************************************************************

الصفحة الرئيسية