شخصية المسيح

 

 خاتمة

العقيدة القرآنية في المسيح متشابهة

السيد المسيح هو (عيسى ابن مريم ) لا شك في ذلك . لكن التعريف بشخصيته الذاتية السامية يقول بانه (كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) تعالى .

والترادف بين كلمة الله وبين (روح منه) يجعل ذات المسيح (روحا من الأرواح الشريفة العالية القدسية) أي ملاك (من المقربين ) . فهو ملاك سام في إنسان .

تلك هي الثنائية الحتمية في وصف القران للمسيح ، من حيث كونه (عيسى ابن مريم ) ومن حيث انه (كلمته وروح منه) تعالى ألقاها إلى مريم .

والأمانة لحرف القران تجعل تفسير علماء المسيحية للقب الكريم على ضوء الإنجيل غير صحيح : فالمسيح ، مع انه (كلمته وروح منه)  (لن يستنكف ان يكون عبدا لله ، ولا الملائكة المقربين) النساء171 الذين هو منهم .

فالقران يفسر اللقب الكريم تفسير (النصرانية) : انه (ملاك كلمة الله) .

هذا هو الواقع القرآني الحق ما بين تفريط المسلمين وإفراط المسيحيين في تفسيره ، بحسب القران .

لكن التعبير الفريد في القران : ( روح منه) أي (ذو روح صدر منه تعالى) يجعل مدخلا لعلماء المسيحية بتفسير (كلمته وروح منه) على ضوء الإنجيل .

ويظل المشكل الكلامي قائما في كيفية صدور كلمة الله روحا منه تعالى . وتظل الثنائية في شخصية المسيح ( ابن مريم) و(كلمته وروج منه) تعالى قائمة تتحدى كل الكلام .

من الإبداعيات الكائنة بكن ، من غير مادة ، وتولد من اصل كأعضاء جسده ؛

او وُجد بأمره وحدث بتكوينه ، على ان السؤال عن قدمه وحدوثه؛

وقيل : ممل استأثر الله بعلمه وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة ؛

وقيل: الروح جبريل ؛ وقيل خلق اعظم من الملائكة ؛

وقيل : القران . و (من أمر ربي) معناه من وحيه . البيضاوي .

أما كون (الروح) جبريل او القران  فهذا غريب  لأنه يتعارض مع النص ( من أمر ربي) الذي استأثر  بعلمه .

وقول البيضاوي انه (من الإبداعيات ) أو ( وجد بأمره وحدث بتكوينه ) فيتعارض مع الإبهام الذي ( من أمر ربي ، معناه من وحيه ) كما يقول . بقي ان (الروح ) : ( خلق اعظم من الملاك) او انه (مما استأثر الله بعلمه ) ، والقولان متكاملان . ونلاحظ انه يستخدم العلمية في تسميته (الروح) : فهو كائن فوق الملاك اقرب إلى الخالق منه المخلوق .

والنتيجة الحاسمة  ان القران يجهل أمر (الروح )المطلق  ، ويعلن ذلك بصراحة ( وما وأتيتم من العلم إلا قليلا) .

وبما ان القران يصرح بجهله  في أمر (الروح) المطلق  ، فما علينا إلا العمل بالأمر الذي فيه : فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ) يونس 94.

فان الروح على العلمية والمطلق سر من ذات الله  نفسه ، سبحانه وتعالى .

قال الأستاذ دروزة  : (في الآية (85) حكاية لسؤال أورد على النبي عن الروح ، وأمر له بالإجابة بان الروح من أمر الله  تعالى واختصاصه وعلمه ؛ وليس من شأن البشر إدراكه ؛ وان ما أوتيه الناس  من العلم هو قليل بالنسبة إلى علم الله وآياته  في كونه ) .  التفسير الحديث ج 3 / 262. نقول : ليس فقط علم الناس قليلا في سر (الروح) المطلق ، وليس في الآية مقابلة مع علم الله وآياته في كونه ؛ إنما العلم المنزل في القران بشأن الروح هو القليل .  وقال أحدهم : مضى محمد ، ولما يدري ما الروح!!.

2) (روح منه ) هو سر المسيح (كلمة الله) تفاسيرهم له .

ان (الروح ) على العلمية والمطلق ذات غير ذات المسيح ، (كلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه) .

قال الجلالان : ( روح منه : (روح) أي ذي روح  ؛ (منه) أضيف إليه تعالى تشريفا له ) لكن التعبير (منه) لا يعني الإضافة ، بل الصدور .

قال الزمخشري : ( قيل له (روح الله ) أو (روح منه) تعالى لأنه ذو روح وجسد ، من غير جزء من ذي روح  . وانما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته الخالصة لكن التعبير لا يدل فقط على وجوده المعجز بقدرة الله ، إنما على ذاته ؛ وليس معنى المقابلة (كلمته وروح منه) انه ( ذو روح وجسد من غير جزء من ذي روح ) . والزمخشري يكون عادة اقرب من غيره لفهم بيان القران ؛ فكيف به هنا يقصر عن مدلوله ؟!!.

قال البيضاوي : ( روح منه : ذو روح صدر منه تعالى ، لا  بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له . وقيل : سني (روحا) لأنه كان يحيي الأموات والقلوب). وهذا هو التفسير الصحيح لحرف القران الوحيد فيه : (ذو روح صدر منه تعالى) . والمشكل الكلامي الذي اختلف عليه  النصارى والمسيحيون ، وانتقل إلى الإسلام  والمسيحية ، هو في كيفية هذا الصدور عنه تعالى . وقولهم (سمي روحا لأنه  كان يحيي الأموات والقلوب ) فيه إشارة إلى كيفية ذلك الصدور ، عن طريق الانبثاق من ذاته تعالى ، لا عن طريق الخلق والإبداع ؛ فمن يحيي الأموات والقلوب فيه قدرة من قدرة الله 

تدل عليه .

قال الرازي  مستجمعا تفاسيرهم : ( أما قوله (روح منه) ففيه وجوه :

- انه جرت عادة الناس انهم إذا وصفوا شيئا بغاية الطهارة والنظافة قالوا : انه روح ؛ فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب ، وانما تكون من نفخة جبريل  عليه السلام وصف بأنه روح ) لكن التعريف يفسر (كلمته ألقاها إلى مريم ) بأنه (روح منه ) تعالى ، على الترادف ، فهو وصف ذاته ، لا وصف تكوينه  ؛ فانه كلمة الله قبل إلقائه إلى مريم ، لذلك فهو (روح منه) تعالى .

 

انه كان سببا لحياة الخلق ، في أديانهم ؛ ومن كان كذلك وصف بأنه روح ) فالاسم الكريم يستوعب في ذاته معنى (السبب لحياة الخلق ) ، وفي ذلك إشارة إلى ان (روحا منه) اقرب إلى الخلق منه إلى المخلوق في صدوره (منه) تعالى .

والقول يشير إلى فاتحة الإنجيل بحسب حرف البشير يوحنا في تعريفه بكلمة الله : فيه كانت الحياة ، والحياة كانت نور الناس) 1 : 4.

 (روح منه أي رحمة منه : فلما كان عيسى رحمة من الله على الخلق من انه كان يرشدهم إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم لا جرم انه سمي روحا منه ) هذا القول يستند إلى قوله : ولنجعله آية للناس ورحمة منا) مريم 20 .

هذا مفعول كونه (روحا منه) تعالى ، لا برهان ذاته بحسب الترادف (كلمته وروحا منه) .

 

( قوله (روح ) ادخل التنكير  ليفيد التعظيم . فكان المعنى : روحا من الأرواح الشريفة العالية القدسية .

وقوله (منه) إضافة ذلك الروح إلى نفسه  تعالى من اجل التشريف والتعظيم ) نقول : ان تعريف المسيح بأنه(روح من الأرواح الشريفة العالية القدسية ) يتفق مع وصفه (من المقربين) ال عمران 45 أي (الملائكة المقربين ) النساء 171 .

وهذه هي صفة المسيح في القران : انه ( ملاك كلمة الله ) القي إلى مريم ، بحسب عقيدة النصارى - لا المسيحيين ولكن يبقى سر صدوره (منه) تعالى موضع حيرة وتساؤل .

فليس قوله : ( روح منه) فقط إضافة تشريف وتعظيم ، بل ( ذو روح صدره منه تعالى ) كما يقول البيضاوي .

وليس نسبة مصدرية كسائر المخلوقين ، عن طريق  الخلق والإبداع ، فإنه ( منه)  تعالى . فقوله الفريد في القران بان المسيح (روح منه) تعالى يعني نسبة مصدرية ذاتية . لذلك يظل التشابه قائما في معرفة سر المسيح ، ( كلمته وروحا منه ) .

Home عودة للصفحة الرئيسية