الأقليات الدينية في فكر الحركات الاسلامية

 

القدس في معاهدات السلام العربية الإسرائيلية

تحظى القدس بأهمية خاصة تميّزها عن سائر المدن لمكانتها في الديانات السماوية الثلاث ، وبسبب هذا المكانة والموقع الفريد في مسيرة التاريخ البشري فقد تنافست الحضارات البشرية المتعاقبة للسيادة عليها ؛ وبسبب ذلك جرت في ساحاتها ومن حولها ، ومنذ بدايات التسلل اليهودي إلى فلسطين منذ أواخر القرن الماضي نجح اليهود بدعم غربي في السيطرة على الجزء الغربي من المدينة المقدسة في حرب عام 1948 وما قبلها ، ثم تمكنوا من السيطرة على جزئها الشرقي في عدوان حزيران عام1967 .

ولما كانت القدس تحتل مكانة فريدة في الإسلام باعتبارها قبلة المسلمين الأولى وتشدّ إليها الرحال ويقدسها ما يزيد على مليار مسلم فإن ادعاء (إسرائيل) السيادة عليها يجعل هذه المدينة بؤرة للصراع المتفجر .

ومنذ بدايات ظهور النظام الجديد الذي بدأ يتشكل منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفييتي بدأ العالم الثالث يتحدث بلغة الحوار السياسي لحل الصراعات بالطرق السلمية ، ولما كان العالم العربي والإسلامي يتأثر ويؤثر في سير الأحداث والجهود الرامية لحل مشكلة القدس فقد استهدفت هذه الدراسة استعراض تصورات أطراف الصراع المختلفة عن قضية القدس ؛ بما يسهم في توضيح الرؤى السياسية المختلفة في معادلة السلام الدائرة حول القدس مع تباين موقع القدس في مشاريع التسوية السلمية منذ كامب ديفيد عام 1979 مروراً باتفاقيات أوسلو ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .

أولاً ‏ : القدس في التصور الإسرائيلي ‏ :

بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام1947 رحب به اليهود كإجراء تكتيكي إلا أن السياسة الإسرائيلية اللاحقة حالت دون تنفيذ قرار تدويل القدس الوارد في قرار التقسيم ، وفي حرب عام 1948 وحرب عام 1967 تمكنت (إسرائيل) من السيطرة على كامل القدس بشقيها الغربي والشرقي ، بما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية ، وقامت بتشريد عدد من سكان القدس فيما كان يُعرف بالحي اليهودي ، ثم بدأت باتخاذ مجموعة من الإجراءات الإدارية والتشريعية للتشديد منها على القدس الشرقية وضاعفت مساحة القدس لتصبح مائة كيلو متر بدلاً من أربعة كيلو مترات مربعة ، وقد حدد رئيس بلدية القدس (ميرون بنفيسي) حدود بلدية القدس حسب التصور الإسرائيلي ، فقال ‏ : (لقد رُسمت بعناية لنضمن غالبية يهودية كبيرة ضمن الحدود الجديدة ، فقد أخرجنا من المناطق الفلسطينية المأهولة بالسكان الفلسطينيين ، بينما أدخلنا فيها الأراضي المتاخمة للقرى العربية ؛ وهذا أدى إلى وجود 197 ألف يهودي ، و68 ألف عربي في مدينة القدس الموسعة ، وفي داخل حدود البلدية القديمة يوجد 60 ألف فلسطيني و100 ألف يهودي) .

وقد ترجمت الإجراءات السياسية الإسرائيلية مشروع (إيجال ألون) عام 1967 ، والذي يقترح بخصوص القدس إقامة ضواحٍ مأهولة بالمستوطنين اليهود في شرق القدس ، وإعادة تعمير الحي اليهودي ، أما برامج حزب (المابام) عام 1969 وعام 1971 فقد أكدت ما نصه (أن القدس الموحدة سوف تبقى عاصمة إسرائيل) . ومشروع جولدا مائير عام 1971 المشهور بلاءاته الخمس منها (لا إعادة للقدس الجديدة أو القديمة)…‏(1‏)‡ .

وينسجم قرار ضم القدس وجعْلها عاصمة (إسرائيل) مع برامج مختلف الأحزاب الإسرائيلية…‏(2‏) ‡ ‏ : فتجمع المعراخ الذي يضم أحزاب العمل ومابام والأحرار المستقلين يؤكد أن القدس الموحدة تحت سيادة (إسرائيل) هي عاصمة دولة (إسرائيل) ، حيث يتواجد فيها مقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا ، ولا يؤيد شمعون بيريز إقامة دولة فِلسطين ، وإنما يؤيد فيدرالية أردنية فِلسطينية لا تكون القدس جزءاً منها…‏(3‏)‡ .

وقد أعلن إسحاق رابين أمام الكنيست ‏ : (لقد أصررنا على أن القدس لن تُدرج في إطار التسوية المرحلية ، وستبقى القدس موجودة تحت سيادة (إسرائيل) ، وكذلك لن يحدث اقتلاع مستوطنات ، لن نكرر بعد ذلك في يهودا أو السامرة أو غزة)…‏(4‏)‡ ، وفعّل إسحاق رابين الموقف الإسرائيلي بشأن القدس بصورة جلية قائلاً ‏ : (القدس قلب الشعب اليهودي وروحه ؛ ومن ثم فإن حكومة (إسرائيل) هذه لا يمكنها التنازل في شأن القدس الموحدة ، والتي ستبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية وعاصمتنا) ، ويؤكد رابين ذلك في مقابلة مع صحيفة القـدس العـربية يوم 10/6/1993‏ : (لدينا اتفاق مع الأمريكيين على أن وضع القدس الموحدة لن يُبحث ضمن إطار المجلس التنفيذي للسلطة الانتقالية ، ولن يُناقش في الفترة الانتقالية) .

أما شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل الجديد فهو معتدل ، فيقول ‏ : (القدس ليست قبلة العرب ، القدس لها أولوية في سياستنا وديننا ، ستظل القدس موحدة ، وستظل عاصمة (إسرائيل) خاضعة للسيادة الإسرائيلية ، ومن مسئولياتنا أن نؤمّن الأماكن المقدسة اليهودية والمسيحية والإسلامية)…‏(5‏)‡ .

ويمكن القول بأن المشاريع الإسرائيلية جميعها المعلن عنها بموجب مشروع ألون 1967 أو خطة موشيه ديان أو خطة جولدا مائير أو خطة بيجن أو خطة شامير كانت جميع هذه المشاريع قد جمعت قاسماً مشتركاً خاصاً بشأن القدس وهو ‏ :

أن تبقى القدس موحدة تحت سيادة (إسرائيل) كعاصمة أبدية لها ، ولا تخضع للمساومة ، ورفض أي مشروع عربي أو غير عربي يدعو إلى عودة القدس تحت السيادة العربية ، وبدل ذلك احتفاظ (إسرائيل) بالقدس موحدة تحت سيادتها بعد كامب ديفيد .

ثانياً ‏ : القدس في التصور العربي والإسلامي ‏ :

تعتبر القدس الرمز الروحي والامتداد التاريخي لشعوب الأمة العربية والإسلامية منذ العهدة العمرية ، ولقد بقيت المدينة المقدسة في ظل السيادة العربية والإسلامية التي استمرت زُهاء ثلاثة عشر قرناً ، كانت القدس خلالها شاهداً حقاً على التسامح والتعاون بين أتباع الديانات السماوية…‏(6‏)‡ .

ومنذ وقوع القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي والعرب والمسلمون يعقدون المؤتمرات ، فقد عقد وزراء خارجية الدول الإسلامية ثلاثة وعشرين مؤتمراً ، واتّخِذت القرارات والتوصيات التي أكدت ضرورة عودة القدس إلى السيادة العربية ، وقد تلخص الموقف العربي والإسلامي في ‏ :

التأكيد على عودة القدس للسيادة العربية ، ورفض تدويل القدس ، ورفض جعْلها مدينة مفتوحة ، ومقاومة إجراءات التهويد الإسرائيلية .

ولكن هذه الثوابت في السياسات العربية والإسلامية جرى اختراقها في ‏(أوسلو‏) بين اليهود والفلسطينيين ، حيث تُركت القدس للمرحلة النهائية في ربيع عام1996 ، دون تحديد المدة الزمنية للوصول إلى اتفاق ، وتكون (إسرائيل) بذلك أكملت تهويد هذه المدينة ، وعملت على طمس معالمها العربية والإسلامية…‏(7‏)‡ .

إن ما وصلت إليه الأمة العربية الإسلامية من ضعف روح التعاون أدى إلى تمكين (إسرائيل) من تنفيذ استراتيجياتها للاستيلاء عليها ، وطمس معالمها الإسلامية من خلال مشاريعهم المعلنة وغير المعلنة لإقامة الهيكل اليهودي فيها .

ويتضح الخطر من أن ثمة مصالح إسرائيلية تكمن وراء عملية تأجيل البحث في قضية القدس حتى المرحلة الثانية من عملية السلام ؛ حيث تكسب الوقت الكافي لإنجاز أو استعمال عملية تهويد القدس ، وضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي العربية حسب مشروع القدس الكبرى…‏(8‏)‡ .

ثالثاً‏ : القدس في اتفاقيات السلام العربية ‏ :

أ القدس في اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 ‏ :

اعتبرت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 أساس عملية التسوية السلمية ، واعتبرت مصر القدس جزءاً من الضفة الغربية المحتلة ، ومما يلفت الانتباه أنه لم يرد في اتفاقيات كامب ديفيد أي إشارة لموضوع القدس مع الأخذ بعين الاعتبار أن قرار رقم 242 الذي اعتُبر أساساً ومرجعاً للمفاوضات كان على الدوام محل خلاف في التفسير ؛ فقد حاول الجانب الإسرائيلي تفسير القرار بما يخدم أغراضه في السيطرة على بعض الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس ، وحتى اتفاقيات الحكم الذاتي الواردة في اتفاقيات كامب ديفيد قد فسرها الجانب الإسرائيلي على أنها حكم ذاتي للسكان فقط دون الإقليم ، وقد أصر الجانب المصري في المفاوضات على أن تشمل انتخابات المجلس الإداري سكان القدس الشرقية ، وهذا الأمر هو الذي أصرت السلطات الإسرائيلية على رفضه على اعتبار أنه يحد من سيادتها على القدس الشرقية .

إن الحكم الذاتي في التفسير الإسرائيلي لا يعني أكثر من حكم الفلسطينيين لأنفسهم في أمور حياتهم اليومية كالصحة والتعليم مع بقاء الأرض تحت السيادة الإسرائيلية مع الانسحاب من المناطق ذات الكثافة السكانية ، وهو ما اصطُلح على تسميته بإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي ، وحتى القدس لن تكون من المناطق المشمولة لهذا الحل على اعتبار أنها العاصمة الأبدية لإسرائيل التي تشمل أكثر من 27% من مساحة الضفة الغربية …‏(9‏)‡ . لقد حدد مناحيم بيجن رئيس وزراء (إسرائيل) نهجه السياسي بعد زيارة السادات إلى القدس في عدم العودة إلى حدود عام1967 ، وفي أن الضفة الغربية ‏(يهودا والسامرة‏) وقطاع غزة يجب أن يكونا جزءاً من الكيان الإسرائيلي ، وهو يعتبر الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وغزة حقاً مشروعاً لليهود ، كما هو حقهم في الاستيطان في كل أرجاء القدس…‏(10‏)‡ .

وفي حفل توقيع اتفاقية السلام مع مصر أعلن بيجن أن أعظم إنجازات حياته هو اليوم الذي أصبحت فيه القدس مدينة موحدة ، حيث عانق الجنود الإسرائيليون الشجعان الأقوياء بالدمع الأحجار القديمة وقبّلوها…‏(11‏)‡ .

ومما تجدر الإشارة إليه أن موضوع القدس استُبعد من المباحثات المصرية الإسرائيلية ، واقتصر البحث في موضوع القدس على رسالة وجهها الرئيس السادات ومناحيم بيجن رئيس وزراء (إسرائيل) إلى الرئيس جيمي كارتر ، وتُظهر الرسالة مدى التعارُض في مواقف كل من الطرفين المصري والإسرائيلي…‏(12‏)‡ .

وقد أصبح الموقف المصري بعد أن كان يطالب في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بتحرير القدس وعودتها للسيادة العربية جزءاً من المواقف العربية بشكل عام منذ عام 1982 ، حيث طالبت مصر والدول العربية مجتمعة بإعادة القدس الشرقية إلى السيادة العربية ، وأن تكون جزءاً منالدولة الفلسطينية المستقلة ، إلى جانب ضمان حرية المرور لأتباع الديانات الثلاث للأماكن المقدسة في مدينة القدس…‏(13‏)‡ .

ب القدس في اتفاقية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ‏ :

لم يرد في الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية الموقعة في 13/9/1993 أي مرجعية للمفاوضات ، فلم تُشِرْ الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية إلى ميثاق الأمم المتحدة أو قرار الجمعية العامة أو مجلس الأمن…‏(14‏)‡ ، وعلى الرغم من استناد المرحلة الانتقالية من الحكم الذاتي لتسوية قضية القدس إلى قراري 242 ، 338 إلا أن مذكرة الدعوة ذكرت أن المفاوضات تستند إلى القرار رقم 242 للتفسير ، وليس للتنفيذ…‏(15‏)‡ ، وقد تجاهلت الاتفاقية مسألة السيادة الفلسطينية على القدس والضفة الغربية وغزة…‏(16‏)‡ .

وقد سمحت الاتفاقية لسكان القدس بالمشاركة في انتخابات الحكم الذاتي وتنكرت (إسرائيل) ، وقد نجحت (إسرائيل) في تأجيل الاهتمام الدولي والإقليمي بوضع القدس إلى المرحلة النهائية من عملية السلام ، وقد تُرك بحث موضوع القدس إلى المرحلة النهائية من عملية السلام…‏(17‏) ‡ .

لقد عمل اتفاق أوسلو على تقسيم فلسطين إلى أربع مناطق ‏ : وهي المنطقة المحتلة عام 1948 ، وتشكل 78% من مساحة فلسطين ، وقد أهملها الاتفاق ، ومنطقة القدس الكبرى ، وتُركت لمرحلة التفاوض حول الوضع النهائي ، وغزة وأريحا المتبقية من الضفة الغربية ، والتي يتم فيها إعادة الانتشار الجيش الإسرائيلي ، وإقامة حكم ذاتي جزئي…‏(18‏)‡ .

وفي معرض الحديث عن سلبيات الاتفاق يشير الدكتور وليد الخالدي إلى جملة من السلبيات أهمها ‏ : أن الاتفاقية لم تحدد أية قدس هي المعنية هل هي القدس الشرقية عام 1967 ؟ ، أم القدس القديمة التي تضم الأماكن المقدسة ؟ ، أم القدس الغربية على الطرف الآخر من خط الهدنة الأردني الإسرائيلي عام 1967 ؟ ، أم القدس الإسرائيلية الكبرى التي تمتد من كريات أربع في الخليل إلى بيت إيل شمال رام الله ومن الخان الأحمر شرقاً إلى عمواس غرباً ؟ .

ومن الملاحظ أن اتفاقية أوسلو لا تُلزم (إسرائيل) بتسوية وضع القدس مع أن القرار رقم 242 يشمل القدس باعتبارها جزءاً من الضفة الغربية ، ومن الملاحظ أيضاً أن الاتفاق يسمح للفلسطينيين بالانتخابات دون الترشيح…‏(19‏)‡ .

وقد استهدفت (إسرائيل) من إدراج موضوع القدس في التسوية النهائية تحقيق زيادة سكانية يهودية تبلغ 800 ألف نسمة ، بينما بلغ عدد العرب 180 ألف نسمة ، وحينما تُطرح القضية على مائدة المفاوضات لا يبقى للعرب سوى الأماكن الدينية ، فيُسمح لهم بإدارتها ، وتحل قضية القدس ضمن منظور ديني لا سياسي ، آخذين بعين الاعتبار أن مَن يملك السيادة السياسية يملك السيطرة الدينية أيضاً ، فالاتفاق يحقق لإسرائيل المزيد من الوقت لتهويد المدينة عن طريق المزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي ، حيث صادرت (إسرائيل) بتاريخ 27/4/1995 52 ألف هِكْتار من أراضي القدس العربية …‏(20‏)‡ .

وخلال الجولات التفاوضية الثنائية والمتعددة الأطراف كان من أهم نتائجها التوقيع على إعلان المبادئ في 13 من أيلول عام 1993 في واشنطن ، وقد أثمر هذا الاتفاق تنفيذ الحكم الذاتي في غزة وأريحا ، والذي أُبرم في 4 من أيار عام 1994 على أن يطبق الحكم الذاتي في غزة أريحا أولاً .

وبشكل مباشر انتهت الترتيبات بإجراء انتخابات فلسطينية عامة لاختيار مجلس فلسطيني قليل السلطة ، ثم توسيع رقعتها لتشمل باقي مناطق الضفة الغربية المحتلة باستثناء القدس ، التي تُرك موضوعها ليبحث في مفاوضات المرحلة النهائية ، على أن تبقى هذه الترتيبات قائمة وسارية المفعول لحين اختتام المفاوضات النهائية ، والتي من المفترض أن تبدأ بعد ثلاثة أعوام من تطبيق الاتفاق ، والذي ينتهي في موعد لا يتجاوز عامين …‏(21‏)‡ .

ج القدس في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ‏ :

كانت القدس قبل وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 في رعاية الحكم الأردني ، كما اهتم الهاشميون بإعمار وتطوير عمليات الصيانة في المسجد الأقصى ، وعلى نفقة الملك الراحل الحسين ومن حسابه الشخصي . وبعد مبادرة الرئيس محمد أنور السادات السلمية عام1977 وزيارته للقدس اتسم الرد الأردني بالحذر والاعتدال في محاولة من الملك الحسين للإبقاء على كل البدائل مفتوحة ، وكان الأردن الأكثر اعتدالاً من سائر الدول العربية الأخرى في إدانة على عدم (الاستجابة الكافية من قِبَل بيجن لعرض السادات السخي للسلام) وعلى انتقاد سياسة إقامة المستعمرات في الضفة الغربية ، وفي الوقت نفسه حرص الملك الحسين على ألا يربط نفسه بمبادرة السادات أو ما يشير إلى تأييدها ، وازدادت شكوك الملك الحسين في إمكانية إجراء تسوية مع (إسرائيل) في أعقاب وصول تكتل الليكود إلى السلطة في (إسرائيل) في انتخابات أيار عام1977 ، فقد أصرت حكومة الليكود على التأكيد على حقوق اليهود في الضفة الغربية على أساس ديني وأيديولوجي بغض النظر عن الأسس والادعاءات الأمنية ، بالإضافة إلى تأكيد بعض أعضاء الوزارة الإسرائيلية على اعتبار الأردن دولة فلسطينية…‏(22‏)‡ .

وبعد المقترحات التي تقدم بها بيجن في الإسماعيلية زادت مخاوف الأردن من تلك المقترحات ، والتي تعطي حكماً للسكان وليس للأرض ، واقتصر الدور الوحيد المناط بالأردن على مشاركة ممثليه مع ممثلي (إسرائيل) والمجلس الإداري المنتخب للحكم الذاتي في تقرير الإطار التشريعي لمنطقة الحكم الذاتي ومسائل أخرى…‏(23‏)‡ .

وقد لاقت مبادرة الرئيس الأمريكي ريجان قبولاً لدى الأردن ، وقد أكدت المبادرة فيما يتصل بالقدس عدم موافقتها على تجزئتها على أن يتقرر وضعها النهائي بالمفاوضات…‏(24‏)‡ ، كما رحب الأردن بمبادرة وزير الخارجية الأمريكي شولتز عام1988 ، واضطُر الأردن لرفضها بسبب المعارضة الفلسطينية والسورية .

وقد جاء الاتفاق الأردني الإسرائيلي بخصوص القدس ليسمح للأردن برعاية الأماكن المقدسة ، وثمة تنافس بين مَن كانت له السيادة على الضفة الغربية والقدس وبين مَن آلت إليه حقوق النيابة عن الشعب الفلسطيني بعد قرار الرباط عام1974 ، وتكون (إسرائيل) بذلك قد أغلقت ملف التعايش مع الفلسطينيين حول مستقبل القدس بإعطائها دوراً مميزاً للأردن برعاية المقدسات الإسلامية في القدس ، على الرغم من نقدها بالتعارُض مع الفلسطينيين حول مستقبل القدس في المرحلة النهائية من المفاوضات .

ويمكن الاستدلال من خلال المؤشرات المطروحة حول مسألة القدس بأن ثمة مبادرة عربية دولية (لتدويل) القدس الشرقية ، مع العلم أن قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا إلى تدويل كامل القدس الغربية والشرقية ، والقبول العربي بتدويل القدس الشرقية فقط يتعارض مع الشرعية الدولية ؛ حيث يسمح هذا التوجه العربي ببقاء القدس الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية ، والتي نص قرار الأمم المتحدة على تدويلها ، وقد أيدت السعودية دعم وحدة ترميم وصيانة مصرية للمقدسات الإسلامية عن طريق اليونسكو الدولية…‏(25‏)‡ .

وقد نشب نزاع بين مصر والسعودية من جهة والأردن من جهة أخرى حول إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، مما يوضح أن موقف مصر والسعودية يتجه نحو تدويل القدس بشرط السماح للمسلمين بإدارة المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وكان عدنان أبو عودة مندوب الأردن في الأمم المتحدة قد نشر مقالاً بعنوان (عاصمتان في القدس مجزأة) ، وميز بين المدينة المقدسة لكل الديانات وبين القدس كمدينة تتوسع باستمرار ، وهو تقسيم المدينة إلى ‏ :

1 العنصر الأول ‏ : جيروزاليم . . المدينة المقدسة داخل الأسوار .

2 العنصر الثاني ‏ : يتعلق بالمناطق خارج الأسوار باتجاه الشرق والشمال الشرقي والجنوب الشرقي والجزء الغربي حول المدينة ، وهو ما يعرفه العرب والمسلمون بالقدس .

3 العنصر الثالث ‏ : وهو القسم الممتد خارج الحائط القديم في اتجاه الغرب والشمال الغربي والجنوب الغربي ، ويطلق عليه اسم (أورشاليم) ، وهو الاسم الذي يستخدمه اليهود…‏(26‏)‡ .

لقد نص البند الثالث من إعلان واشنطن الموقع في 25/7/1994 على أن (تحترم (إسرائيل) الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس ، وبينما تأخذ المفاوضات المتعلقة بالوضع النهائي لمدينة القدس مجراها فإن (إسرائيل) ستُولي أولوية عالية لدور الأردن التاريخي في هذه المقدسات ، بالإضافة إلى ذلك فقد اتفق الطرفان على العمل معاً لتعزيز العلاقات بين الديانات التوحيدية الثلاث) .

أما المعاهدة الأردنية الإسرائيلية فقد نصت في المادة التاسعة على أنه (ولهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن تحترم (إسرائيل) الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس . وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي (إسرائيل) الأولوية الكبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن) .

وقد أكد الأردن أن القدس بجزئها الشرقي لابد أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية ، كما هي بجزئها الغربي عاصمة (إسرائيل) .

لقد نص البند رقم ‏(1‏) من المادة رقم ‏(9‏) من المعاهدة الأردنية الإسرائيلية على أن يمنح كل طرف الطرف الآخر حرية الوصول إلى الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية ، وقد تم تسوية الخلاف الفلسطيني الأردني حول الدور الأردني من أن رعاية الأردن للأماكن المقدسة يأتي من باب الحرص على عدم نشوء فراغ يؤدي إلى إخضاع القدس لوزارة الأديان الإسرائيلية ومن ثم إضاعتها ، وحتى لا تؤثر المعاهدة الأردنية الإسرائيلية في مستقبل الأراضي الفلسطينية فقد حرص الأردن على أن تتضمن المعاهدة ذلك صراحة ، فقد نص البند رقم ‏(2‏) على أن (تغيير الحدود كما هي محددة في الملحق ‏(2‏) الحدود الدولية الداعمة والأمنية والمعترف بها بين الأردن و(إسرائيل) دون المساس بوضع أراضٍ وُضعت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967)…‏(27‏)‡ .

المراجع ‏ :

1 بول فندلي ‏ : الخداع ، ترجمة محمد يوسف زايد ‏(بيروت ، شركة المطبوعات والنشر ، عام 1993‏) ، ص201 208 .

2 شاكر النابلسي ‏ : أقطاب التسوية ‏(بيروت ، المؤسسة العربية للطباعة والنشر عام 1986‏) ، ط1 ، ص71 72 .

3 غازي الربابعة ‏ : القدس في الصراع العربي الإسرائيلي ، ‏(بيروت ، عام 1995‏) .

4 سعيد تيم ‏ : النظام السياسي الإسرائيلي ، ‏(بيروت ، دار الجليل ، عام 1989‏) ، ص332 ، ص408 .

5 عبد الله السيد ‏ : التسوية في الشرق الأوسط ، ‏(المستقبل ، العدد رقم 192 ، عام 1995‏) .

6 برهان الدجاني ‏ : الاعتراف المتبادل بين حكومة (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ‏(المستقبل العربي ، العدد رقم 177 ، عام 1993‏) ، ص33 .

7 غازي الربابعة ‏ : الاستراتيجية الإسرائيلية للفترة 1967 1980 ، ‏(بيروت ، الشركة المتحدة للتوزيع ، عام 1984‏) ص 460 467 .

8 مذكرة الهيئة الإسلامية المسيحية إلى المؤتمر الإسلامي الثالث والعشرين لوزراء الخارجية ، كوناكري ، جمهورية غينيا 3 9 من ديسمبر عام 1995 ‏(عمّان عام 1995‏) ص1 .

9 فايز جابر ‏ : ملف القدس ، اللجنة الملكية لشؤون القدس ، ‏(عمان ، عام 1995‏) ، ص8 9 .

10 المرجع السابق ، ص3 .

11 سميع المعايطة ‏ : التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي ، ‏(عمان ، دار البشير ، عام 1993‏) ، ط1 ، 214 215 .

12 محمد خضر الرفاعي ‏ : اتفاقيات السلم المصرية الإسرائيلية في ظل القانون الدولي ، ‏(عمان ، دار الجليل ، عام 1984‏) ط1 ، ص18 .

13 المرجع السابق ، ص214 215 .

14 بشير مائير حبائي ‏ : حول الحكم الذاتي في كامب ديفيد . . السلام بين مصر و(إسرائيل) ‏(القاهرة ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ، عام 1980‏) ، ص117 118 .

15 أحمد سعيد نوفل‏ : القدس بين التهويد والأمم المتحدة ومشاريع السلام ، ‏(المستقبل العربي ، العدد رقم 74 ، نيسان/أبريل عام 1985م‏) ، ص 42 45 .

16 مجلة الدراسات الفلسطينية‏ : تقارير دولية لعملية السلام العربية الإسرائيلية ، العدد رقم ‏(62‏) ، عام 1992 ، ص144 .

17 رجاء شحادة ‏ : التفاوض بشأن ترتيبات الحكم الذاتي ، مجلة الدراسات الفلسطينية ، العدد رقم ‏(10‏) ، عام 1991، ص144 .

18 خلود الأسمر ‏ : قرارات الأمم المتحدة في مرجعية المفاوضات العربية الإسرائيلية ، رسالة ماجستير غير منشورة في الجامعة الأردنية ، عام1994 ، ص113 .

19 عماد يوسف وآخرون ‏ : الانعكاسات السياسية لاتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني ‏(غزة أريحا أولاً‏) ، ‏(عمان ، دار البشير ، عام 1995‏) ، ص30 32 .

20 جريدة (الدستور) الأردنية ، 14/9/1993 .

21 البيادر السياسي ‏ : القدس المنسية ، الفصل بين السكان والجغرافيا هدف رابين ، العدد رقم ‏(512‏) ، أيلول عام 1992 ، ص9 .

22 بول فندلي ‏ : عقبات على طريق تنفيذ الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي ، جريدة (الدستور) الأردنية 26/7/1994 ، ص22 .

23 علي الجرباوي ‏ : حول الانتخابات الفلسطينية العامة . . مراجعة نقدية للرؤى الفلسطينية المتباينة ، مجلة السياسة الدولية ، العدد رقم ‏(120‏) ، أبريل عام1995 ، ص8 .

24 لمعي شلبي‏ : القدس ، مجلة (العربي) ، سبتمبر عام 1994 ، ص5 .

25 . ADAM,D . Jordan And Arab Polarization . Current History . (january 1982) P24 .

26 . Clinron Baiely, Jordan's Palstinan Challenge 1948 1983 . P(30)

27 . Irbid p35 .

الصفحة الرئيسية