فخ الارهاب

مقدمة

إهداء

الجزء الأول - مقدمة

الفصل الأول - النفاق

موقف القرآن والسنة من الكذب

معنى التقية

التقية في اللغة

وأمّا في الاصطلاح

نماذج من التقية

جواز ترك الصلاة تقية

جوازها في الزنا

جواز الإفطار في شهر رمضان تقية

جوازها في اليمين الكاذبة

جواز التقية في حكم الأطعمة والأشربة المحرمة

جوازها في شهادة الزور

من بين تلك الحالات التي أبيح فيها للمسلم أن يكذب

من آذى الرسول

سب الرسول أعظم من الردة

من يرفض حكم الرسول يقتل

نماذج من أحكام الذين آذوا الرسول

الأعمى الذي قتل اليهودية

قتل اليهودي ابن أبي حقيق

النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط

الحويرث بن نقيذ

ابن الزبعري

مقتل ابن سنية اليهودي

قصة ابن خطل وقتله وهو متعلق بأستار الكعبة

قصة جماعة أمر النبي بقتلهم حيثما وجدو

العصماء بنت مروان

المهجر ابن أبي أمية

أبو عفك اليهودي

أم قرفة وغزوة زيد بن حارثة

مقتل كعب بن الأشرف

خالد بن سفيان الهُذلي

المثل الثاني: كيف يتم ترويج سلعة الإسلام

أمثلة توضيحية لكيفية عرض المسلمين للإسلام على غير المسلمين

الآيات المنسوخة

مراحل تشريع القتال

المرحلة الأولى

المرحلة الثانية

المرحلة الثالثة

الجهاد القتالي (القتال) هو أهم أنواع الجهاد في الإسلام

الفصل الثاني - الإرهاب والعنف في الإسلام ـ

وجوب الجهاد

موقف القرآن والسنة من الجهاد

ولقد استثنى من تلك الفريضة

الإرهاب

إنه رهبنة الإسلام

إنه وسيلة لمغفرة خطايا المسلم

الإسلام يتطلب الأرض كلها ولا يقتنع بجزء منها.!

الاستيلاء على البلاد وتفريغها هو حلم نبي الإسلام الأكبر

هذه كانت وصية النبي الأخيرة

معاهدات الصلح

أنواع المعاهدات

عهد الأمان

عهد الذمة

عهد الصلح

شروط المعاهدات

الفصل الثالث ـ العنصرية في الإسلام

مقدمة

أحكام أهل الذمة

الشروط العمرية

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

علاقة المسلم بغير المسلم

الموالاة في اللغة

الموالاة في الشرع

علاقة المسلم بغير المسلم من القرآن والسنة

خرافة مقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)

أحكام الديار

تقسيم العالم إلى دارين من القرآن والسنة

تعريف دار الإسلام ودار الكفر

الجزء الثاني

مقدمة

 الفصل الرابع ـ رحم الأصولية

مقدمة

ماذا نقصد بالحركة الإسلامية ؟

الحركة الاجتماعية في رأي علماء الاجتماع

الحركة الاجتماعية وفقاً لتحليل علماء الاجتماع العرب

مراحل الحركات الاجتماعية في رأي علماء الاجتماع العرب

الحركة الاجتماعية وفقاً للتحليل الماركسي

الشروط الأساسية التي تؤدي لقيام الحركات الثورية

هناك ستة أسباب تؤدي إلى ظهور الحركات الاجتماعية

مراحل نمو الحركة الاجتماعية

الحركة الإسلامية

خصائص الحركة الإسلامية

خصائص ثابتة

خصائص مكتسبة

خصائص حركات الرفض والإحياء الإسلامي

خصائص الرفض أو الإحياء الإسلامي كما عرفته المجتمعات الإسلاميةالقضية الوطنية

فشل العلماء المسلمين

التغريب الفكري كأحد الدوافع للإحياء التاريخي

رؤية أصحاب الاتجاه الأصلي الحركي في مصر لأسباب الإحياء الإسلامي

رؤيتنا لأسباب حركات الإحياء والرفض الإسلامي

 الفصل الخامس ـ جماعة الإخوان المسلمين

العلامات المميزة

علاقة الجماعة بالسياسة

نظرة الإخوان إلى المجتمع

موقف الإخوان من القضية الاجتماعية والطبقة العاملة

الأدلة على عنف الإخوان

التداعيات

تداعيات التداعيات

الفصل السادس - جماعة التكفير والهجرة

نشأة الجماعة وتطورها

حوار فلسفة التكفير كما أتى بها شكري مصطفى

الأساس الفكري لجماعة التكفير والهجرة

أعداء الحركة الإسلامية

الرؤية الإسلامية للعالم

الخطة الإسلامية

بعض من أقوال واعترافات شكري أحمد مصطفى "أمير جماعة المسلمين" (التكفير والهجرة) أمام محكمة أمن الدولة العسكرية العليا (1977 م)

الفصل السابع - الجماعة الإسلامية

سبيلنا وطريقنا

الواقع الأليم

حيرة لابد لها من نهاية ..

كتاب يهدي .. وسيف ينصر ..

الحتمية التاريخية

المواجهة حتمية شرعية

تبديل الحدود الشرعية

تبديل حد الزنا

تبديل حد القذف

تعطيل حد الردة

تبديل حد شرب الخمر

تعديل حدي السرقة والحرابة بالحبس والسجن

الحكم في مصر يعطل شرائع الإسلام

الحتمية الشرعية الأولى للمواجهة

الحتمية الشرعية الثانية للمواجهة

الحتمية الشرعية الثالثة للمواجهة

الحتمية الشرعية الرابعة للمواجهة

الفصل الثامن - جماعة الجهاد

مقدمة

جماعات الجهاد الإسلامي وركائز فكرها

أهم تنظيمات الجهاد خلال السبعينات والثمانينات وركائز فكرها

تنظيم الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية

تنظيم الجهاد بقيادة محمد عبد السلام فرج وركائز فكره

نشأة التنظيم وتطوره

ركائز فكر تنظيم عبد السلام فرج

رؤيته للدولة الإسلامية ولحكام اليوم

وثيقة رسالة الإيمان 1973 م

مقدمة تاريخية

الإيمان بالله

الإيمان بالملائكة

الإيمان بكتب الله

الإيمان بالرسل و الأنبياء

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان بالقدر

الحكم

الأحزاب والجمعيات والمبادئ العقائدية

موالاة الدولة والأحزاب الكافرة

القوانين

المعارضون لأحكام الإسلام

الاعتزاز بتراث الكفر

حصر الدين بالعبادة

من سب الله أو الدين أو النبي فهو كافر

من ترك أركان الإسلام

من أنكر إحدى العقائد

طقوس الشرك الجديدة

مقدمة

الأصوليون في كل مكان يرفضون مكتشفات علم البيولوجيا والفيزياء والتكنولوجيا بكل أنواعها .. ويرفضون الإبداع الحر .. والحوار الموضوعي .. والفن الجميل .. والأدب الراقي .. والنقد الجريء للتابوهات (المقدسات) .. يرفضون بثقة الجاهل .. وفي نفس اللحظة يستخدمون كل امتيازات ووسائل العلم الذي يكفرونه.

 يرفضون أعظم حقيقة في الوجود .. حقيقة الإنسان العاقل .. الإنسان الذي يسأل .. ويصغي .. ويفكر ويبحث .. ويبدع .. ويقلق .. ويسهر ويختلف .. ويتألم ..

 ويبكي .. لكي يصل إلى الإجابات على أسئلته العادية والمألوفة والغير مألوفة .. الكونية و الفوق كونية ..  أسئلته الوجودية والمصيرية

يرفضون أن الله كلي العقل .. خلق الإنسان عاقل وهذا ما يميزنا عن بقية الكائنات . 

الأصوليون هم الأصوليون في كل مكان وفي كل زمان .. رمز لمن لا يسمع .. لمن لا يتكلم .. لمن لا يرى    ( قردة الحكمة ) !!

وإليك .. جذور هذه الأصولية .. رحمها .. مرجعيتها .. شريعتها .. وفقهّها

هذا الكتاب الذي يتكون من جزء ين  .. وجهين لعملة واحدة .. عملة الأصولية العمياء  .. وهو محاولة لشق النقاب عن الحقيقة التي يحاولون سترها وإخفاءها وتنقيحها بكل الطرق والوسائل .. لكي لا يعرف السائل .. لكي لا يرى العارف .. لكي لا تصحو هذه الأمة التي يدّعوا أنها خير أمة !!

لأن الحقيقة العارية قبيحة جداً .. ومستفزة جداً  .. وواضحة وضوح الشمس .. فكتابهم وسنتهم .. وأمهات وآباء كتبهم .. نبع لا ينضب لمن يبحث عن سم يقتل به آخر .. ومخزن أسلحة منذ ألف وأربعمائة عام يبدأ بالسيف والرمح .. والآن بقنبلة

أولاد اسماعيل

إهداء

للباحثين عن الحقيقة !!

إذا كنت ممن هواه الخروج عن العادي والمألوف

إذا كنت من محترفي تعدي الخطوط الحمراء .. والرقص على الألغام ومداعبة الأشواك المتعصبة والمعصومة

إذا كنت لا تخاف التابوهات والهالات المزيفة والحقيقية

إذا كنت مخلوقاً حراً .. تعشق التحليق والجنات التي بلا أسوار وتجذبك الهاوية والمغامرة والأخطار

إذا كنت باحث عن الحقيقة الغير متوارثة .. بلا ترهيب وبلا أدنى ترغيب

إذا كنت تعرف قيمة الحوار الموضوعي .. والبحث المحايد

إذا كنت تعلم إن كل ما نجهله نحاربه .. ونخاف منه ولذلك ما أتعس الجهلاء

إذا كنت تؤمن بالأحلام الموقوتة التي تنفجر بين الحين والآخر

إذا كنت تعرف أنه لا فائدة لو ربح الإنسان العالم كله وخسر نفسه ..

إذا كنت تؤمن بالحرية والعدالة والمساواة .. ثالوث الحياة الحرة والشريفة والكريمة .. التي ينبغي أن تعاش

إذا كنت تؤمن إن الجهل في الوطن غربة .. وإن العلم في الغربة وطن .. و إن الانتهاك في الوطن غربة .. وأن حقوقك وكرامتك في الغربة وطن

إن القيود في الوطن غربة والحرية في الغربة وطن ..

الوطن شئ عظيم والإنسان عظيم جداً والله كلي العظمة

إذا كنت تؤمن إن الوطن الحقيقي لا يمكن أن يكون ضد مواطنيه وإن الله الحقيقي لا يمكن أن يكون  ضد خلائقه .. مؤمنين أو كفار طائعين أو متمردين ..

الوطن الحقيقي يساوي بين الجميع والله الحقيقي يحب الجميع إذا كنت تؤمن ببعض أو كل هذا .. أو تبحث عنه فتعال وانظر ……

الجزء الأول - مقدمة

 النفاق، الإرهاب، العنصرية. ثلاثة آفات ذميمة وخطيرة قام عليها وانتشر من خلالها الإسلام.

النفاق في الإسلام وسيلة , والإرهاب لغة حوار, والعنصرية نمط عيش.

 من المؤكد أن الذين لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا حقيقة علومه الشرعية المختلفة سيتهمونني بالافتراء والتهجم على الإسلام. لهؤلاء جميعاً أقول: ليس هدفي التقبيح والتجريح في الإسلام ولا الطعن والتشكيك في رموزه الدينية، بل هدفي هو إظهار الإسلام كما هو في حقيقته وجوهره دون زيادة ولا نقصان.

الذين لم يذوقوا مرارة الإسلام لا يعرفون الإسلام. الإسلام مر المذاق. مرارة الإسلام لا يعادلها إلا مرارة الموت. الموت والإسلام لهما نفس الطعم ونفس المذاق. لم تحمل البشرية بجميع ويلاتها ونكباتها حملاً أثقل من الإسلام. إنه حمل البشرية الأثقل. إنها الحقيقة؛ حقيقة أعلنها الإسلام بنفسه عن نفسه بشكل واضح وصريح وذلك من خلال قرآنه وعلى لسان نبيه. ولكي لا يتهمني أحد قليلي المعرفة بالافتراء والتهجم على الإسلام، دعوني أبين وأبرهن لكم حقيقة دعواي معتمداً في ذلك على القرآن وعلى السنة والسيرة النبوية وعلى آراء وأقوال أكبر وأشهر علماء المسلمين قديماً وحديثاً. فلأصحاب الفضيلة في هذا الخصوص المقام الأول بعد القرآن والسنة. فعليهم اعتمدنا وإليهم رجعنا وبهم استعنا.                                                    

الشيخ المقديسي

الفصل الأول ـ النفاق

 

 موقف القرآن والسنة من الكذب

اعلم هداك الله وحماك من شر المنافقين أن القرآن أباح للمسلمين الكذب والنفاق خصوصاً إذا كان في ذلك مصلحة ونصرة للإسلام وللمسلمين. وقد جاءت الرخصة القرآنية بالكذب والنفاق في أكثر من سورة منها:

}مَنْ كَفَرَ باللهِ مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئنٌ بالإيمانِْ{ سورة النحل 106.

أجمع علماء الإسلام أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين أعطى الكافرين ما أرادوا بلسانه مكرهاً.

قال ابن عباس: أخذه المشركون (عمار بن ياسر) وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيب وبلال وخباب وسالم فعذبوهم، وربطت سمية بين بعيرين، وقيل لها إنك أُسلمت من أجل الرجال. فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً، فشكا ذلك إلى رسول الله، فقال له رسول الله: (كيف تجد قلبك؟) قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول الله: (فإن عادوا فعد) - راجع تفسير آية سورة النحل للطبري.

وبالجملة، فإن جميع ما وقَفت عليه من كتب التفسير وغيرها متفق على نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين وافقوا المشركين على ما أرادوا. راجع: تفسير الواحدي 1: 466 مطبوع بهامش تفسير النووي - والمبسوط للسرخسي 24: 25 - والكشاف للزمخشري (باب حقائق التنزيل) 2: 432 -449 - 550 – والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي 10: 234 ـ 235  - وأحكام القرآن لابن العربي 2: 1177 ـ 1182 (وفيه كلام طويل عن التقية).

قالوا: "لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه، فإذا وقع الإكراه لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم، وبه جاء الأثر المشهور عن النبي: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)" متفق عليه - راجع تفسير الطبري في شرحه لآية النحل 106.

أجمع علماء المسلمين على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان.   إذن لقد أباح القرآن للمسلمين الكذب والنفاق في حالة وقوع الإكراه على المسلم. ودليلنا قوله:

} مَنْ كَفَرَ باللهِ مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئنٌ بالإيمانِ { النحل 106.

ونحن إذ نتعرض هنا للأدلة القرآنية الدالة على مشروعية الكذب والنفاق في الإسلام، نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال على صحة قضية يكفي لإثباتها، فكيف لو توفّرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة لم يُختَلَف في تفسيرها لأنها محكمة (أي واضحة المعنى والحكم) يُنبئ ظاهرها عن حقيقتها ولا مجال للتأويل فيها ؟!

 

   } لا يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرينَ أوليَاءَ مِنْ دُونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاَّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَيةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ …{  آل عمران: 288

إنها التقية بحسب المصطلح الإسلامي.

وهي الأهم لكونها القاعدة الأساسية والشرعية الذي ينطلق منها المسلمون في تعاملهم مع غير المسلمين.

لقد أخرج الطبري في تفسير هذه الآية من عدة طرق، عن ابن عباس، والحسن البصري، والسدي، وعكرمة مولى ابن عباس، ومجاهد ابن جبر، والضحاك بن مزاحم، جواز التقية في ارتكاب المعصية عند الإكراه عليها كاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين في حالة كون المتقي في سلطان الكافرين ويخافهم على نفسه، وكذلك جواز التلفظ بما هو لله معصية بشرط أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان، فهنا لا إثم عليه - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آيات القرآن) 6: 313 ـ 317 .

هذا مع اعتراف سائر المسلمين بأن الآية لم تُنسخ فهي على حكمها منذ نزولها وإلى يوم القيامة، ولهذا كان الحسن البصري يقول: (إنَّ التقية جائزة إلى يوم القيامة) - حكاه الفقيه السرخسي الحنفي، وقال معقباً: (وبه نأخذ، والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه) - المبسوط  للسرخسي 24 : 45 من كتاب الإكراه.

قبل أن أستكمل استعراضي لأقوال مفسري القرآن في شرحهم لآية (التقية) سورة آل عمران 28. دعوني أبين لكم المعنى اللغوي والشرعي للتقية (النفاق الشرعي). وبعض الحالات التي أُجيز فيها للمسلم استعمال التقية.

ـ تعريف التقية (النفاق الشرعي) ـ

  التقية في اللغة: الحيطة والحذر من الضرر والتوقي منه - راجع: تاج العروس 10 : 396.

·        قال ابن منظور: ويظهرون الصلح والاتفاق وباطنهم بخلاف ذلك - لسان العرب - راجع أيضاً المصباح المنير للفيومي 2: 669 - وأساس البلاغة للزمخشري 686.

وفي الاصطلاح فقد عرّفها جمع من علماء المسلمين بألفاظ متقاربة :

·        عرّفها الشيخ الأنصاري بـ (الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق)  – تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد: 66 – التقية للشيخ الأنصاري: 37.

·         وقال السرخسي الحنفي: (والتقية: أن يقي نفسه من العقوبة وإن كان يضمر خلافه) - المبسوط  للسرخسي 24: 45.  وبهذا النحو عرّفها آخرون - راجع تعريف التقية عند ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12: 136 - وعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي في قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1: 107 - والألوسي في روح المعاني 3: 121 - والمراغي في تفسيره 3: 137 - ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار 3: 280 وغيرهم. وأيضاً راجع التقية في إطارها الفقهي ص 17.

·        قال الرازي في تفسيره لآية سورة آل عمران 28: }إلا أن تتقوا منهم تقية{ اعلم أن للتقية أحكاماً كثيرة نذكر منها: أن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار، يخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان بأن لا يظهر العداوة باللسان بل يجوز أيضاً أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة، ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كل ما يقول، فإن للتقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب - راجع تفسير الرازي 8/13 .

كما وافقه في ذلك الزمخشري، راجع تفسير الكشاف 1/422 - وتفسير غريب القرآن للنيسابوري بهامش تفسير الطبري 1/277. وأيضاً النسفي - راجع تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن 1/27.

وقد ذهبت طائفة من علماء المسلمين إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول، وأما الفعل فلا رخصة فيه.

واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود: ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلماً به فقصر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل. قال أبو العالية: التقية باللسان وليس بالعمل. عن الحسن قال: سمعت أبا معاذ قال: إن التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو لله معصية فتكلم مخافة على نفسه }وقلبه مطمئن بالإيمان{ فلا إثم عليه - راجع: جامع البيان 3/153.

وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء. رُوي ذلك عن عمر بن الخطاب.

أصل الإكراه في اللغةً مأخوذ من الفعل (كَرَهَ)، والاسم: (الكَرهُ) ويُراد به كل ما أكرهك غيرك عليه، بمعنى: أقهرك عليه. وأما (الكُرْه) فهو المشقة، يُقال: قمت على كُرْهٍ، أي: على مشقة - راجع لسان العرب لابن منظور 12:80

 وأمّا في الاصطلاح: فقد عرّفه التفتازاني بأنه: (حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه) - التلويح على التوضيح  لسعد الدين التفتازاني 2 : 196 طبعة مصر، وأيضاً السرخسي الحنفي - راجع المبسوط للسرخسي 24: 38 من كتاب الإكراه. كما عرّفه عبد العزيز البخاري الحنفي بقوله: هو (حمل الغير على أمرٍ يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه، ويصير الغير خائفاً به) - كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 4/1503.

·        روى ابن القاسم عن مالك أن من أُكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان، يكون الإثم عنه مرفوع.

·        وقال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان 5/84 في تفسيره لآية }إلا من أكره{ أي من أُجبر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه، أو على عضو من أعضائه لأن الكفر اعتقاد والإكراه على القول دون الاعتقاد، والمعنى لكن المُكره على الكفر باللسان }وقلبه مطمئن بالإيمان{ لم تتغير عقيدته. وفيه دليل على أن الإيمان المنجي المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب - راجع المصدر المذكور.

·        والتقية: هي أيضاً الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد للغير. راجع: فتح الباري 12/ 136 راجع تفسير آيات الأحكام للصابوني 1/40.

·        قال المراغي في تفسيره لآية آل عمران 28: التقية هي أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد لتدفع الضرر عن نفسك أو مالك أو لتحتفظ  بكرامتك والتقية اسم مصدر من تقى يتقي، أو من اتقى يتقي - راجع: روح البيان 5/ 136 137. الموالاة) - أضواء البيان 2/ 111.

·        قال ابن حجر (التقيــة: الحــذر من إظهــار ما في النفــس من معتقــد وغيــره للغـير) - فتح الباري 12/ 314

·        وقال ابن القيم (ومعلــوم أن التقــية ليســت بمــوالاة ولكـن لما نهاهــم اللـه عن مـوالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية، وليست التقية بموالاة) - بدائع الفوائد لابن القيم، 3/ 69.

·        وقال الشيــخ عبد اللطيــف بن عبد الرحمــن آل الشــيخ: (ومسألــة إظهــار العــداوة غيـر مسألـة وجود العداوة، (فالأول) يعذر به مع الخوف والعجز لقوله تعالى }إلا أن تتقوا منهم تقاة{، (والثاني) لابد منه لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حب الله ورسوله تلازم كُليِّ لا ينفك عن المؤمن) - الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف، جمع سليمان بن سحمان صـ 284. يريد الشيخ أن وجود معاداة الكفار في قلب المؤمن (المسلم) وإظهار هذه المعاداة للكفار واجبان، والواجب الأول – وهو وجود العداوة – لابد منه في كل حال، أما الآخر – وهو إظهار العداوة - فيجوز تركه عند الخوف منهم للآية المذكورة. فعُلِمَ بذلك أن التقية تجيز إخفاء معاداة الكفار، وهو نفس كلام ابن القيم، وهو يرجع إلى ما ذكره ابن حجر من أن التقية هي الحذر من إظهار ما في النفس، وهو هنا معاداة الكفار، فالتقية إخفاء معاداة الكفار.

·        وقيل أيضاً: إن المؤمن إذا كان قائماً بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفاً على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان. والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم) - تفسير القرطبي 4/ 57.

·        وهكذا ذهب ابن كثير أيضاً، كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال "إنا لنُكْشِرُ في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم". وقال البخاري: قال الحسن: التقية إلى يوم القيامة) - تفسير ابن كثير 1/357.

·        ولقد اختلف المسلمون في مقدار الضرر (الإكراه) الذي يبيح للمسلم العمل بالتقية فقالوا: إن القتل وإتلاف الأعضاء والضرب الشديد والحبس الطويل مبيح للعمل بالتقية. لكنهم اختلفوا في الضرب اليسير والحبس كيوم أو يومين - راجع: فتح الباري 12/262.

·        لم تقف رخصة النفاق الشرعي (التقية) عند حد السماح للمسلم أن يكفر بالله وقلبه مطمئن بالإيمان عند الإكراه، بل شملت التقية حالات غير الكفر بالله، مثال على ذلك: تجويزهم السجود إلى الصنم في ما لو أُكره المسلم عليه - راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 : 180 - وتفسير ابن جزي الكلبي المالكي: 366 دار الكتاب العربي، بيروت.

نماذج من التقية

جواز ترك الصلاة تقية :  تفق المالكية والحنفية والشافعية على جواز ترك الصلاة المفروضة في ما لو أُكره المسلم على تركها - راجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المالكي 10: 180 وما بعدها - والمبسوط  للسرخسي الحنفي 24 : 4 - والأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي 207-208.

جوازها في الزنا : إذا أُكره الرجل على ارتكاب هذه الجريمة، واتقى على نفسه بارتكابها فهل يسقط الحد عليه أو لا؟

 اختلفوا على قولين: أحدهما سقوط الحد عنه، وهو قول القرطبي المالكي  راجع الجامع لأحكام القرآن 10: 180 وابن العربي المالكي، أحكام القرآن لابن العربي 3: 1177 و 1182  – والفرغاني الحنفي، بدائع الصنائع 7: 175 ـ 191 - وابن قدامة الحنبلي، المغني لابن قدامة 5: 412 مسألة: 3971 - وابن حزم، المحلّى 8: 331 مسألة 1405.

وقال أبو حنيفة: يسقط الحد إن كان الإكراه من السلطان، وإلاّ حُدّ استحساناً - راجع بدائع الصنائع 7: 175 191

وأما الآخر: إقامة الحد على الزاني تقية ويغرّم مهرها، وهو قول مالك بن أنس، والشافعي. وقال أبو حنيفة لا يجب المهر المغني لابن قدامة 155 مسألة 7167.

 

جواز الإفطار في شهر رمضان تقية : صرحت المالكية والحنفية والشافعية بعدم ترتب الإثم على من أفطر في شهر رمضان تقية بسبب ضغط الإكراه عليه - الجامع لأحكام القرآن 10:180 - والمبسوط للسرخسي24: 48 - وفتاوى قاضيخان الفرغاني الحنفي 5: 487 - والأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي 207 ـ 208

 

جوازها في اليمين الكاذبة : لو حلف إنسان بالله كاذباً فلا كفارة عليه إن كان مكرهاً على اليمين، وله ذلك تقية على نفسه، وتكون يمينه غير ملزمة عند مالك والشافعي وأبي ثور، وأكثر العلماء على حد تعبير النووي الشافعي. واستدل بحديث: (ليس على مقهور يمين) - راجع المجموع شرح المهذب للنووي الشافعي 18: 3، دار الفكر بيروت - وأحكام القرآن لمحمد بن إدريس الشافعي 2: 114 ـ 115.

ونقل القرطبي عن ابن الماجشون: إنّه لا فرق في ذلك بين أن تكون اليمين طاعة لله أو معصية، وإنه لا حنث عند الإكراه على اليمين الكاذبة - راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المالكي 10: 191.  وقد أفتى به غير واحد من فقهاء المالكية - راجع أحكام القرآن لابن العربي المالكي 3 : 1177 و 1182  وتفسير ابن جزي المالكي: 36.

وقد كان مالك بن أنس يقول لأهل المدينة في شأن بيعتهم المنصور العباسي: إنكم بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين - تقريرات الرافعي على حاشية ابن عابدين لمحمد رشيد الرافعي 2: 278، ط3، دار إحياء التراث العربي، بيروت - يحثهم بهذه الفتوة على الخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن للثورة على المنصور - راجع: رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 5: ، ط2، دار إحياء التراث العربي، بيروت - شرح فتح الغدير لابن همام  هذا هو محل اتفاق فقهاء الأحناف - بدائع الصنائع 7 : 175. راجع أيضاً تفصيل فتاوى الحنفية بشأن موارد التقية في اليمين الكاذبة وغيرها في مصادرهم التالية: البحر الرائق لابن نجيم 8: 70 - تحفة الفقهاء للسمرقندي 3: 273 ، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت.

 

جواز التقية في حكم الأطعمة والأشربة المحرمة :   أفتى القرطبي المالكي بجواز التقية في شرب الخمر - راجع الجامع لأحكام القرآن 10: 180.  وقالت الحنفية: تجوز التقية إذا كان الإقدام على الفعل أولى من الترك، وقد تجب إذا صار بالترك آثماً، كما لو أُكرِه على أكل لحم الميتة أو أكل لحم الخنزير، أو شرب الخمرة - فتاوى قاضيخان 5: 489 - وانظر أحكام القرآن للجصاص الحنفي 1: 127 - والمبسوط للسرخسي 24: 48 -  وبدائع الصنائع 7: 7: 175 - التفسير الكبير للفخر الرازي الشافعي 20: 12. , وقال ابن حزم الظاهري: فمن أُكره على شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة أو الدم أو بعض المحرمات، أو أكل مال مسلم أو ذمي، فمباح له أن يأكل ويشرب ولا شيء عليه لأحد ولا ضمان - المحلّى لابن حزم 8: 330 مسألة: 1404.

 

جوازها في شهادة الزور:  صرّح السيوطي الشافعي بجواز شهادة الزور عند الإكراه عليها، فيما لو كانت تلك الشهادة في إتلاف الأموال - الأشباه والنظائر للسيوطي 207 -208.

ملاحظة :  ولقد تركنا الكثير جداً من المسائل التي جوّز فيها فقهاء المسلمين التقية بغية للاختصار؛ كتجويزهم التقية مثلاً في الصدقة، والإقرار، والنكاح، والإجارة، والمباراة، والكفالة، والشفقة، والعهود، والتدبير، والرجعة بعد الطلاق، والظهار، والنذر، والإيلاء، والسرقة، وغيرها من الفروع الشرعية – راجع في ذلك بدائع الصنائع 7: 175 – 191 – والمحلّى 8: 331 – 335، مسألة: 1406 - وغيرهما مما ذكرناه من مصادر الفقه.

ولقد أجازت شريعة الإسلام للمسلمين الخداع  والكذب في أحوال وحالات كثيرة مختلفة عما ذكرنا. حالات وقع فيها الإكراه وأخرى لم يقع الإكراه فيها. من بين تلك الحالات: حالة الحرب.

قال رسول الله (الحرب خُدْعة) - متفق عليه.

·        قال النووي: اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل - صحيح مسلم بشرح النووي 12/45.

·        وقال ابن حجر: وأصل الخداع إظهار أمر وإضمار خلافه، وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار، وأن من لم يَتَيَقَّظ لذلك لم يأمن أن ينعكس عليه.

·        قال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصدها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظَّفَر مع المخادعة بغير خطر - فتح الباري 6/58.

·        قال النووي: صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء أحدها في الحرب. قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعارض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل، هذا كلامه، والظاهر، إباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل والله أعلم - صحيح مسلم  بشرح النووي 12/45.

·        عن أمّ كلثوم بنت عقبة قالت: "لم أسمع رسول الله  يرخّص في شيء من الكذب مما تقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها "- رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وروى الترمذي مثله عن أسماء بنت يزيد.

·                        وقال ابن حجر: قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى.

·        وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقاً بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالاً - فتح باري 6/159.

·        وأما الكذب على العدو في غير حالة الحرب فيجوز لأسباب منها ما فيه مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية للمؤمن أو تخلص من أذى الكافرين ودليله: قصة الحجاج بن عِلاَط حين استأذن النبي أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأَذِنَ له النبي - فتح الباري 6/159 - والبداية والنهاية لابن كثير 4/215

·        قال ابن حجر في شرحه: (وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعاً لأعظمهما، وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تُذم، فإن الكذب وإن كان قبيحاً مُخِلاَّ لكنّه قد يحسن في مواضع) - فتح الباري 6/392.

الخلاصة : يجوز للمسلم الكذب على الكافر لأجل مصلحة دينية أو دنيوية، عامة كانت أم خاصة، في حالة الحرب وفي غير حالة الحرب.

من بين تلك الحالات التي أبيح فيها للمسلم أن يكذب:

 إذا كان المسلمون أفراداً أو مجموعات في حالة ضعف ناتجة عن قلة في العدد والعتاد، أو ضعف في القوة والإمكانيات، أو ضعف ناتج عن غربة وابتعاد عن دار الإسلام، بحسب المصطلح الإسلامي رُخص لهم بالكذب.

·        قول ابن تيمية في الصارم والمسلول في شاتم الرسول ص 223: إن كان المؤمن بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فالعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب - راجع الصارم والمسلول في شاتم الرسول 223. وله مثله في مجموع الفتاوى 19/ 224 - 225،  ومنهاج السنة) 5/ 121 - 12.

لقد بنى ابن تيمية رأيه هذا على الواقع القرآني: } لا يَتخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَية{ آل عمران 28.

·        يقول الشيخ المراغي: "ويدخل في التقية مداراة الكفرة، والظلمة، والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم، وبذل المال لهم لكف أذاهم، وصيانة العرض منهم، ولا يُعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع" - تفسير المراغي 3 : 136 ـ 137.

إذن يتبين مما ذُكر أن شريعة الإسلام قد أباحت  للمسلمين الكذب في حالات كثيرة.

سؤال: هل إظهار الكلام الموهم للمحبة والموالاة، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء يعتبر صدق مع النفس أم تراه من مكارم الأخلاق والسلوك المثالي؟ أليس هذا هو النفاق بعينه؟!

لقد ربط فقهاء المسلمين بشكل أو بآخر ما بين التقية وبين الإكراه رغم أن الفرق ما بين آية الإكراه (سورة النحل 106) وبين آية التقية (آل عمران 28) واضح، كما أن المساحة الزمنية والمكانية للإكراه أضيق من المساحة التي يُعمل فيها بالتقية؛ فالإكراه تكون صورته حمل المرء بالقوة في موقف معين وساعة معينة على فعل أو قول شيء معين هو لا يرضاه .. فإذا انتهى هذا الموقف انتهت حالة الإكراه الذي أظهر المكره من خلالها والكفر أو ما فيه مخالفة شرعية. بينما التقية: فمساحتها الزمانية والمكانية أوسع فهي تشمل جميع المساحة الزمانية التي يقيمها المسلم مضطراً في دار الكفر والحرب بحسب المصطلح الإسلامي، وهو يلجأ إليها كلما اضطرته الظروف إلى ذلك حتى يدفع شر القوم عنه.

وقد تختلف التقية عن الإكراه كذلك أيضاً الإكراه يكون مباشراً ونتائجه فورية.  بينما التقية قد يكون عنصر الإكراه فيها غير مباشر - أو غير واقع أصلاً - وبالتالي قد تأتي نتائجه متأخرة عن الحدث إلى حين.

من هنا نقول أن التقية لم تُشرع فقط من أجل دفع الأذى عن المؤمنين  والحذر من الضرر والتوقي منه في حالات الإكراه الواقع عليهم كما يدعي علماء الإسلام ومفسرو القرآن، بل شُرعت التقية أيضاً في حالات كثيرة لم يقع فيها إكراه، بل كان الغرض منها خداع الآخرين من أجل تحقيق مصلحة قد تكون دينية وقد تكون شخصية لا علاقة لها بالدين.

 

لنأخذ مسألة (آذى الرسول) كمثال نبين من خلاله حقيقة ما نقول.

ـ من آذى الرسول ـ

اعلم هداك الله وكفاك شر المنافقين أن نصوص الكتاب والسنة وكذلك أقوال علماء الأمة قد دلت دلالة صريحة قطعية لا تحتمل صرفاً ولا تأويلاً على أن من آذى الرسول كافر مرتد، خارج عن الملة الإسلامية، تجري عليه جميع الأحكام المتعلقة بالردة ويُقتل ولا تُقبل توبة منه، مسلماً كان أم كافر. هذا ما أجمع عليه علماء الإسلام.

ملاحظة: المقصود بالأذى هنا هو كل من عاب الرسول أو انتقده أو انتقص من قدره بأي شكل من الأشكال، فجميع ما ذكرنا يندرج تحت باب (آذى للرسول) وإليكم الأدلة على ذلك:

جاء في سورة التوبة: } وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا إيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُون{ التوبة:12. فسُمي الطاعن في الدين إماماً في الكفر، وهو زائد عن الكفر المجرد .. فدل أن الطعن بالدين كفر مغلظ.

·                     قال القرطبي في التفسير: استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين إذ هو كافر.

·       قال ابن كثير في التفسير 2/352: ومن هنا أُخذ قتل من سب الرسول أو من طعن في دين الإسلام أو ذكره بنقص.

    ومن الطعن ما يكون خفياً وبالتلميح دون التصريح، لكن له نفس حكم الطعن الصريح.

·       وقال القرطبي في التفسير 8/206: قال القشيري: كلمة الكفر سب النبي والطعن في الإسلام، } وكفروا بعد إسلامهم { أي بعد الحكم بإسلامهم.

·                     قال ابن القاسم :(من سبه (سب النبي) أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل كالزنديق).

·       وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي يُقتل. ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماء الأمصار وأئمة الآمة - راجع: الشفاء للقاضي عياض 2/474.

·       من يعيب نبينا ... أو يلعنه أو يسبه أو يستخف أو يستهزئ به أو بشيء من أفعاله كلحس الأصابع، أو يلحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو فعله أو يعرض بذلك، أو يشبهه بشيء على طريق الإزراء أو التصغير لشأنه أو الغض منه، أو تمني له مضرة أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمزه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، فيكفر بواحد مما ذكر إجماعاً، فيقتل ولا تقبل توبته عند أكثر العلماء، وقد قتل خالد بن الوليد من قال له"عند صاحبكم" - المقصود بصاحبكم النبي - وعد هذه الكلمة تنقيصاً له  - راجع: الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن الهيتمي 1/29-30 - القاضي عياض، الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2/473-474 - وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين وأصحاب المذاهب الأربعة.

·       وقد روي أن رجلاً قال في مجلس علي: ما قتل كعب بن الأشرف إلا غدراً! فأمر علي بضرب عنقه. قال القرطبي في الجامع 8/84: قال علماؤنا هذا يُقتل ولا يُنتسب إن نسب الغدر للنبي لأن ذلك زندقة.

·       وفي "الشفا" للقاضي عياض: من أضاف إلى نبينا تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقة، أو سبه، أو قال: إنه لم يبلغ أو استخف به، فهو كافر بالإجماع - الشفا للقاضي عياض صفحة  582 و 608 و630 و633 و636.

·       وفي "المحلى" لابن حزم قال: أن كل من آذى رسول الله  فهو كافر مرتد يقتل ولا بد - المحلى لابن حزم 12/438.

·                     قال الخطابي: لا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله.

·       وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله ـ وهو الإمام أحمد بن حنبل ـ  يقول: من يشتم النبي أو ينتقصه ـ مسلماً كان أو كافراً ـ فعليه القتل وأرى أنه يُقتل ولا يستتاب.

وقد روي عن رجال من أهل العلم، منهم ابن عمر، ومحمد بن كعب، ويزيد بن أسلم، وقتادة أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء؛ يعني الرسول وأصحابه القراء. فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله. فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق! قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله: "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون"، ما يلتفت إليه ولا يزيد عليه - الصارم والمسلول في شاتم الرسول 31

·        قال القرطبي في التفسير: قيل كانوا ثلاثة نفر، هزأ اثنان وضحك واحد، فالمعفو عنه هو الذي ضحك ولم يتكلم. قال خليفة بن خياط في تاريخه:اسمه "مخاشن بن حمير"، وقيل أنه كان مسلماً - تفسير القرطبي 8/199.

·        قال ابن العربي في الأحكام 2/976: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة. فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخ والباطل والجهل.

·        وقال أبو بكر الجصاص في كتابه" أحكام القرآن" 4/348: فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعباً فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك.

·         وقال الكشميري في كتابه إكفار الملحدين ص59: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً، كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به في"الخيانة" و"رد المختار"

سب الرسول أعظم من الردة:

·        قاله ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول في شاتم الرسول: إن سب رسول الله مع كونه من جنس الكفر والحراب أعظم من مجرد الردة عن الإسلام - راجع المصدر السابق .

·        "لأن من آذى الرسول فقد آذى الله لأن حق الله وحق رسوله متلازمان"  وفي هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأئمة لا يصلون ما بينهم و بين ربهم إلا بواسطة الرسول، ليس لأحد منهم طريق غيره، ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يُفرق بين الله ورسوله في شيء  من هذه الأمور - الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيميه ص 40-41.

وقد اختلفوا في حكم من كذب على الرسول على قولين:

أحدهما: الأخذ بظاهره في قتل من تعمد الكذب على رسول الله، ومن هؤلاء من قال: يكفر بذلك، قال ذلك جماعة منهم أبو محمد الجويني، حتى قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني: مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين، قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل. فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له - الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيميه ص  169-175.

ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله، ولهذا قال: (إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحدكم) فإن ما أمر به الرسول فقد أمر الله به يجب اتباعه كوجوب اتباع أمر الله، وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما أخبر الله به. (ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه أو أخبر عن الله خبراً كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوها من المتنبئين فإنه كافر حلال الدم) فكذلك من تعمد الكذب على رسوله.

·        عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي  بلغه أن رجل قال لقوم: إن النبي أمرني أن أحكم فيكم برأيي وفي أموالكم كذا وكذا، وكان قد خطب امرأة منهم في الجاهلية فأبوا أن يزوجوه، ثم ذهب حتى نزل على المرأة، فبعث القوم إلى رسول الله، فقال: كذب عدو الله . ثم أرسل رجلاً فقال: إن وجدته حياً فاقتله، وإن أنت وجدته ميتاً فاحرقه بالنار. فانطلق فوجدوه  قد لدغ فمات فحرقه بالنار، فعند ذلك قال رسول الله:  من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

·        وقد روى أبو بكر بن مردويه من حديث الوازع عن أبي سلمة عن أسامة قال رسول الله: من تقول عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. وذلك لأنه بعث رجلاً فكذب عليه، فوجد ميتاً قد انشق بطنه ولم تقبله الأرض

·        وروى أن رجلاً كذب عليه، فبعث علياً والزبير إليه ليقتلاه - راجع: الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيميه ص  169-175.

من يرفض حكم الرسول يقتل:

عن ابن عباس أن منافقاً خاصم يهودياً فدعاه اليهودي إلى النبي ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف. ثم إنهما احتكما إلى رسول الله فحكم لليهودي فلم يرضَ المنافق وقال: نتحاكم إلى عمر. فقال اليهودي لعمر: قضى لي رسول الله فلم يرضَ بقضائه وخاصم إليك. فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ فقال: نعم. قال: ألزما مكانكما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ بسيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال: هكذا أقضي لمن لم يرضَ بقضاء الله ورسوله. فنزلت: وقال جبريل: إن عمر فرّق بين الحق والباطل فسمى الفاروق – الدر المنثور / ج: 2 ص : 179 - والصارم لابن تيمية 48.

ـ نماذج من روايات حكم من آذى الرسول ـ

 الأعمى الذي قتل اليهودية:  روى الشعبي عن أن اليهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأطل رسول الله دمها (أي أهدره). هكذا رواه أبو داود في سننه وابن بطة في سننه. وهو من جملة ما استدل به الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله - الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيميه ص61 - 66. وهذا ما جاء في رواية أخرى عن ابن عباس - أخرجه النسائي وأبو داود 3665.

·   قال ابن تيمية في الصارم، ص62: وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي، ودليل على قتل الرجل الذمي، وقتل المسلم والمسلمة إذا سبا بطريق الأولى.

وعن أبي بكر الصديق أنه كتب إلى المهاجر بن أبي ربيعة في المرأة التي غنت بهجاء النبي: "لولا ما سبقتني فيها لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد أو معاهد فهو محارب غادر" - الصارم المسلول في شتم الرسول 418.

 

قتل اليهودي ابن أبي حقيق:  عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله إلى أبي  رافع اليهودي رجالاً من الأنصار، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع  يؤذي رسول الله، وكان في حصن له بأرض الحجاز .. قال عبد الله لأصحابه:  أجلسوا مكانكم فإني منطلق .. فدخلت فكمنت .. وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علية له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه .. قلت: أبا رافع، قال من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف .. ثم وضعت ضبيب السيف  في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته .. - رواه البخاري في صحيحه 4039.

·   قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر، وقتل من أعان على رسول الله  بيده أو ماله أو لسانه وجواز التجسس على أهل الحرب وتَطَلُّب غرتهم، والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين" - فتح الباري 7/345.

وقد أخرجه البخاري في كتاب الجهاد "باب قتل النائم المشرك".

وفي هذه المسألة يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري عند ذكره لمراتب العبودية في تفسيره لقول الله تعالى: } إياك نعبد وإياك نستعين { .. فالعابد الصحيح لله لا يَعْتَوِرُه التسويف في هذا فضلاً عن تركه أو التساهل فيه، وأيضاً فالعابد لله المصمم على الجهاد في ذاته يكون منفذاً للغيلة في أئمة الكفر من دعاة الإلحاد والإباحية وكل طاعن في وحي الله أو مسخر قلمه أو دعايتَه ضد الدين الحنيف لأن هذا مؤذٍ لله ورسوله. لا يجوز للمسلمين في بقاع الأرض من خصوص وعموم أن يدعوه على قيد الحياة، لأنه أضرُّ من ابن أبي الحُقَيقْ وغيره ممن ندب رسول الله إلى اغتيالهم فتَرْكُ اغتيال ورثتهم في هذا الزمان تعطيل لوصية المصطفى وإخلال فظيع بعبودية الله وسماح صارخ شنيع للمعاول الهدامة في دين الله .. وذلك نقصٌ عظيم في حب الله ورسوله وتعظيمهما - من صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم 1/268. طبعة دار الأرقم 1404هـ

·         عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله في بعث فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاحرقوهما بالنار - صحيح البخاري 3016.

قال شيخ الإسلام (ابن تيمية) في الصارم المسلول في شاتم الرسول: أمر الله قتال الطاعنين في الدين، وضمن لنا إن فعلنا ذلك أن يعذبهم بأيدينا ويخزيهم وينصرنا عليهم، ويشفي صدور المؤمنين الذين تأذوا من نقضهم وطعنهم وأن يذهب غيظ قلوبهم، ..

 

النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط:  ومن ذلك أن النبي لما قفل من بدر راجعاً إلى المدينة قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، ولم يقتل من أساري بدر غيرهما، وقصتهما معروفة.

قال ابن إسحاق: وكان من الأساري عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث فلما كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب كما أخبرت، ثم مضى رسول الله فلما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط، قتله عاصم بن ثابت - وهكذا قال موسى بن عقبة  – والواقدي.

وقد روى البزار عن ابن عباس أن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم صبراً؟ فقال النبي: بكفرك وافترائك على رسول الله. قال رسول الله: النار، قدمه يا عاصم فأضرب عنق عقبة ابن أبي معيط فقدمه عاصم فضرب عنقه، فقال رسول الله: بئس الرجل كنت  – والله – ما علمت كافراً بالله وبكتابه وبرسوله، مؤذياً لنبيه، فأحمد الله الذي هو قتلك وأقر عيني منك – راجع: الصارم والمسلول في شاتم الرسول 143 -‏ الترمذي 2686.

الحويرث بن نقيذ:  ومن ذلك أنه أمر يوم الفتح بقتل الحويرث بن نقيذ، وهو معروف عند أهل السير، قال: وأمرهم رسول الله أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحداً إلا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر؛ منهم الحويرث بن نقيذ.

قال ابن إسحاق : وكان رسول الله عهد إلى المسلمين في قتل نفر ونسوة، وقال: إن وجدتموهم تحت أستار الكعبة فاقتلوهم، وسماهم بأسمائهم ستة، وهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن خطل، والحويرث بن نقيذ، ومقيس بن صبابة، ورجل من بني تيم بن غالب.

ابن الزبعري:  ومما لا خفاء فيه أن ابن الزبعرى إنما ذنبه أنه كان شديد العداوة لرسول الله  بلسانه، فإنه كان من أشعر الناس، وكان يهجي شعراء الإسلام مثل حسان وكعب ابن مالك، ثم إن ابن الزبعرى فر إلى نجران، ثم قدم على النبي تائباً مسلماً وله أشعار حسنة في التوبة والاعتذار، فأهدر دمه للسب.

ومن ذلك أن النبي كان يتوجه إلى قتل من يهجو،  ويقول: من يكفيني عدوي؟  قال الأموي سعيد بن يحيى بن سعيد في مغازية : حدثنا أبي قال: أخبرني عبد الملك بن جريح عن عكرمة عن عبد الله بن عباس أن رجلاً من المشركين شتم رسول الله، فقال رسول الله:  من يكفيني عدوي ؟  فقام الزبير بن العوام، فقال: أنا، فبارزه، فأعطاه رسول الله سلبه.

وروى أن رجلاً كان يسب النبي فقال: من يكفيني عدوي؟  فقال خالد: أنا، فبعثه النبي إليه، فقتله.

 

مقتل ابن سنية اليهودي:  روى بإسناده عن محيصة أن رسول الله قال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنية رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم، فقتله.

 

قصة ابن خطل وقتله وهو متعلق بأستار الكعبة:  في الصحيحين  من  حديث الزهري عن أنس أن النبي دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه. كما ذكره أيضاً الواقدي  

 

قصة جماعة أمر النبي بقتلهم حيثما وجدوا:  كان في السنة الثانية عشرة أن النبي أمر بقتل جماعة لأجل سبه،  وقتل جماعة لأجل ذلك مع كفه وإمساكه عمن هو بمنزلتهم في كونه كافراً حربياً، فمن ذلك ما قدمناه عن سعيد بن المسيب أن النبي أمر يوم الفتح بقتل ابن الزبعرى  وسعيد بن المسيب - الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيمية.

وأيضاً عن قتل أنس بن زنيم الديلى - راجع الصارم المسلول في شاتم الرسول ص 106

 

العصماء بنت مروان:  روى عن ابن عباس قال: هجت امرأة من خطمة النبي، فقال: من لي بها؟ فقال عمير بن عدي من

قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها.. فالتفت النبي إلى من حوله فقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي - راجع الصارم المسلول في شاتم الرسول ص 95 - 96

 

المهجر ابن أبي أمية:  ذكر سيف بن عمر التميمي في كتاب الردة والفتوح عن شيوخه، قال: ورُفع إلى المهاجر - يعني المهاجر بن أبي أمية، وكان أميراً على اليمامة ونواحيها - امرأتان مغنيتان غنت إحداهما بشتم النبي، فقطع يدها، ونزع ثنيتيها، وغنت الأخرى بهجاء المسلمين، فقطع يدها، ونزع ثنيتها، فكتب إليه أبو بكر:  بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت وزمزمت بشتم النبي، فلولا ما سبقتني لأمرتك بقتلها - راجع الصارم المسلول في شاتم الرسول ص 41

 

أبو عفك اليهودي:  ذكر أهل المغازي والسير قال الواقدي: أن شيخاً من بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك كان يحرض على عداوة النبي، فلما خرج رسول الله إلى بدر ظفره الله بما ظفره، ذكر قصيدة تتضمن هجاء النبي وذم من اتبعه، فقال سالم بن عمير: عليّ نذر أن أقتل أبا عفك أموت دونه .. فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش - راجع الصارم المسلول في شاتم الرسول ص 105 - 106

 

أم قرفة وغزوة زيد بن حارثة:  أمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة فقتلها قتلاً عنيفاً؛ ثم قدموا على رسول الله بابنة أم قرفة وبابن مسعدة. حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول: حدثنا أبي: حدثنا محمد بن عيسى عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن أبا بكر قتل أم قرفة الفزارية في ردتها قتلة مثلة شد رجليها بفرسين ثم صاح بهما فشقاها وأم ورقة الأنصارية كان رسول الله يسميها الشهيدة فلما كان في خلافة عمر قتلها غلامها وجاريتها فأتى بهما عمر بن الخطاب فقتلهما وصلبهما - راجع سيرة ابن هشام 4\ 1417

إذن يتضح لنا وبشكل جلي مما تقدم أن من شتم الرسول أو عابه أو انتقص من قدره أو كذَّبه يُقتل وإن استتاب. هذا ما أجمع عليه أكثرية علماء الإسلام.

رغم هذا الإجماع الإسلامي والمتشدد في حكم من آذى الرسول، نُفاجأ أن شريعة الإسلام قد أباحت للمسلمين تجويزهم سب النبي في حال التقية (الذي لم يقع فيها إكراه) - راجع: فتاوى قاضيخان للفرغاني الحنفي 5 : 489 وما بعدها، مطبوع بهامش الفتاوى الهندية، ط4، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

مثال ذلك أيضاً: سرية مقتل كعب بن الأشرف في السنة الثالثة من الهجرة:  عن جابر بن عبد الله قال رسول الله: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله (أنا يا رسول الله) أتحب أن أقتله؟ قال نعم. قال: فأأذن لي أن أقول شيئاً (وهو استئذان من النبي بأن يتكلم كلاماً وحتى لو كان منافياً للإيمان وذلك لإظهار الكفر أمام كعب بن الأشرف). قال النبي: قل (فأذن له النبي بأن يقول ما شاء) صحيح البخاري 5: 115، باب كعب بن الأشرف. وأيضاً انظر أحكام القرآن لابن العربي المالكي 2: 1257 – الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص70 –71 - البخاري 2327 , ولا يخفى أن ما طُلبه محمد بن مَسْلَمَةَ من الإذن إنما هو لأجل الحصول على ترخيص نبوي بالقول المخالف للشرع بغية الوصول إلى مصلحة إسلامية لا تتحقق إلاّ من هذا الطريق، فجاء الإذن النبوي بأن يقولوا ما يشاءون بهدف الوصول إلى تلك المصلحة. ومنه يعلم صحة ما مر سابقاً بأن التقية كما قد تكون بدافع الإكراه، قد تكون أيضاً بغيره، كما لو كان الدافع إليها غاية ومصلحة.

 

ومنها أيضاً سرية خالد بن سفيان الهُذلي:   وكانت في السنة الرابعة وسببها أن النبي بلغه أن خالد بن سفيان الهُذلي يقيم بِعُرنة وأنه يجمع الجموع لحرب المسلمين، فأمر رسول الله عبد الله بن أنيس بقتله. قال: واستأذنت رسول الله أن أقول (هو نفس ما فعله إذن محمد بن مسلمة) فأذن لي ثم قال لي: انتسب إلى خزاعة .. وهذا كذب ولكنه مباح .. فلما انتهيت إليه قال: ممن الرجل؟ قلت: من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك (ففي هذا القول إظهار الموالاة). قال: أجل إني لأجمع له. قال عبد الله: فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي .. قال أبي سفيان إنه لم يلقَ أحد يشبهني .. وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به، فقال: هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه .. فقال: اجلس .. قال عبد الله: فجلست معه حتى إذا مدَّ الناس وناموا اغتلته فقتلته وأخذت رأسه ثم خرجت ….  قدمت المدينة وجدت رسول الله فلما رآني قال: أفلح الوجه .. قلت أفلح وجهك يا رسول الله ثم وضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري. - راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية.

ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده، والطبري، وعبد الرزاق، وأبو يعلى، والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج بن علاط السلمي وقصته بعد فتح خيبر، إذ استأذن النبي أن يذهب إلى مكة لجمع أمواله من مشركي قريش على أن يسمح له النبي بأن يقول شيئاً يسرّ المشركين، فأذن له النبي.  انظر: مسند أحمد 3: 599 ـ 600 حديث  12001 - والمعجم الكبير للطبراني 3: 220 | 3196 - وتاريخ الطبري 2: 139 في حوادث سنة 7 هجرية - ومثله في الكامل لابن الأثير 2: 223 - والبداية والنهاية لابن كثير 4 : 215 - والإصابة لابن حجر 1: 327 - ومجمع الزوائد 6: 155.

إذن من الممكن للمسلم إظهار موالاته الكاملة لغير السلم ولو وصل الأمر به إلى إظهار الشرك والكفر وشتم النبي!

سؤال: أليس هذا هو النفاق والإرهاب بعينه؟ هل تراني صدقت عندما قلت في مقدمتي: إن النفاق في الإسلام وسيلة. والإرهاب لغة حوار وتفاهم ؟!  الغريب في الموضوع هو أن الشريعة التي أباحت للمسلم إظهار موالاته الكاملة لغير المسلم في حالة التقية هي نفس الشريعة التي منعت وبشدة المسلمين من موالاة غير المسلمين. هذا ما اتفق عليه علماء المسلمين كافة. وهذا ما سنبينه في الصفحات اللاحقة.

ـ التقية وترويج الإسلام ـ

يتخذ المسلمون من عدم معرفة الغربي العادي لحقيقة الإسلام ولحقيقة علومه الشرعية المختلفة ولجهله الكامل بلغة القرآن (العربية) استراتيجية إعلامية ينطلقون منها لترويج سلعة الإسلام التي تحمل في باطنها عكس ما تظهره.

فمن المتعارف عليه أن الغربي العادي الغير متخصص ضيق الآفاق على الكثير من السذاجة، ولكنه يسلم بسرعة إلى المنطق والواقع. من هنا عندما يرى ويسمع الغربي من خلال وسائل الخداع - الإعلان الإسلامي - أن في القرآن آيات صريحة أو شبه صريحة تأمر المسلمين بالإيمان بجميع أنبياء الله وكتبه دون تفرقة بينهم، وتأمرهم  بعدم الاعتداء والصفح والرحمة والصبر الجميل والعدل مع غير المسلمين، وعدم إكراههم  في الدين إلى آخر الآيات والأحاديث التي تظهر من وجهة نظر المسلمين سماحة ورحمة وإنسانية وعدل وصدق الإسلام. فمن المؤكد أن الغربي سيصدق ما يرى وما يسمع من آيات قرآنية دون أن يأخذها بعين الاعتبار. ولجهله باللغة العربية وبالإسلام وعلومه الشرعية المختلفة، فإنه يستحيل عليه فهم أو تفسير أي نص قرآني وإن كان واضحاً دون الرجوع إلى علوم القرآن المختلفة كأسباب النزول والعام والخاص منه وناسخه ومنسوخه والمحكم والمتشابه والمكي والمدني إلى ما لا آخر له من لائحة علوم القرآن التي يجهلها العامة من المسلمين، فكم بالأحرى الغربي الذي يجهل اللغة والدين أصلا؟!

أمثلة توضيحية لكيفية عرض المسلمين للإسلام على غير المسلمين :

يحاول المجاهدون كل جهدهم، من خلال وسائل إعلامهم وإعلانهم المختلفة، نفي وإبعاد صفة العنف والإرهاب عن الإسلام، وإظهاره على أنه دين سلام وسلم وسماحة لا كراهية فيه ولا عدوان منه.

"والتاريخ يشهد كيف أن المسلمين قد عاملوا وتعاملوا مع أهل الكتاب في كل زمان ومكان باحترام وعدل ورحمة وتسامح. لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. لكن أعداء الإسلام - من اليهود الحاقدين والنصارى المشركين - الذين يكيدون له ويتربصون بأهله يحاولون أقصى جهودهم لتشويه سمعة وصورة الإسلام والمسلمين. وذلك خوفاً من سرعة انتشار الإسلام العظيم، ومن الصحوة الإسلامية المباركة، وحسداً من عند أنفسهم كما أخبر بذلك العزيز الحكيم في كتابه الكريم: } ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد أيمانكم كفاراً حسداً من أنفسهم { البقرة 109.

لم يترك المغضوب عليهم ولا الضالين فرية إلا ونسبوها للإسلام الوديع والسمح، من تلك الافتراءات: أن (الإسلام دين شجع ومارس العنف والإرهاب مع غير المسلمين). (إنه ديناً قد اعتمد على السيف لنشر تعاليمه وكلغة للحوار). (إن المسلمين قد أجبروا الكثير من الناس على الدخول في الإسلام ونبذ معتقداتهم عملاً بتعاليم الإسلام). (شريعة الإسلام سلبت حقوق وحريات غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وتعاملت معهم وعاملتهم بطرق غير إنسانية لا تتمشى وروح الدين وأخلاقياته، ولا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان). إلى آخر الدسائس والافتراءات التي لا حصر لها والمنسوبة زوراً وبهتاناً للإسلام السمح والوديع."

بعد تلك الاسطوانة المشروخة من كثرة الإعادة، يبدأ المسلمون بالاستشهاد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والخطب العصماء الفصيحة كلسان قريش والتي ترمي بكامل المسؤولية على أعداء الإسلام الذين يحاولون أقصى جهودهم لتشويه صورة الإسلام السمح:

عباد الله الصالحين يا خير أمة أخرجت للناس؛ إن اليهود الحاقدين أحفاد القردة والخنازير والنصارى المشركين الذين يسعون في الأرض فساداً يحرفون الحقائق عن موضعها بافتراءات مفادها أن الإسلام دين قام على العنف والإرهاب، وأن الإسلام السمح والمسالم قد علم أتباعه العدوانية وكراهية الآخرين.

لقد فات المغضوب عليهم والضالون أن الإسلام قد نهى المسلمين وبشدة من الاعتداء على الآخرين بقوله تعالى } لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين{ البقرة 190.

لقد فات الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله أن الجهاد في الإسلام إنما شُرع لرد أذى المعتدين ولم يشرع الجهاد للاعتداء على الآخرين وإجبارهم على الدخول في الإسلام، وهذا واضح في قوله تعالى }وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين{ البقرة 190. }ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق{{ الأنعام 151. }ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{{ النحل 125

لكن أعداء الإسلام من يهود حاقدين ونصارى مشركين قد عبروا عن كلمة (الجهاد) بالحرب المقدسة التي تطول بسيفها الإلهي المسلول جميع الذين هم غير مسلمين. وقد فسروها تفسيراً منكراً وتفننوا فيها وألبسوها ثوباً فضفاضاً من المعاني المموهة والملفقة، وقد بلغ الأمر في ذلك أن أصبحت كلمة (الجهاد) عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء. وقد كان من لباقتهم وسحر بيانهم وتشويههم لوجوه الحقائق الناصعة أنه كلما سمع الناس كلمة (الجهاد) تمثلت أمام أعينهم صورة مواكب من الهمج المحتشدة، مصلية سيوفها، متقدة صدورها بنار التعصب والغضب، متطايراً من عيونها شرار الفتك والنهب، عالية أصواتها بهتاف "الله أكبر" زاحفة إلى الأمام، ما أن رأت كافراً حتى أمسكت بخناقه وجعلته بين أمرين: إما أن يقول كلمة (لا اله إلا الله) فينجو بنفسه وإما أن يُضرب عنقه فتشحب أوداجه دماً. وقد رسم الدهاة هذه الصورة بلباقة فائقة وتفننوا فيها بريشة المتفنن المبدع، وكتبوا تحتها: (هذه الصورة مرآة لما كان بسلف هذه الأمة من شره إلى سفك الدماء وجشع إلى الفتك بالأبرياء).

ولا يسعنا هنا إلا أن نقول لجميع الذين وقعوا تحت تأثير الخبث والدهاء الصهيوني والصليبي: لا تقلقوا أيها السادة نحن مجرد دعاة مبشرون ندعو إلى دين الله، دين الأمن والسلام. نبلغ كلام الله تبليغ الرهبان والدراويش والصوفية بالحكمة والموعظة الحسنة، ونجادل من يعارضنا بالتي هي أحسن بالخطب والرسائل والمقالات حتى يؤمن من يؤمن بدعوتنا عن بينة. أيها السادة لا تقلقوا فهذا ليس جهادنا. جهادنا هو الجهد الإنساني المتواصل في طاعة الله ورسوله، جهادنا هو جهاد باللسان والقلم والكلمة والموعظة الحسنة. هذه هي دعوتنا لا تزيد ولا تنقص. أما السيف والقتال به فمعاذ الله أن نمت إليه بصلة. اللهم إلا أن يُقال إننا ربما دافعنا عن أنفسنا حيثما اعتدى علينا أحد.

·   يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه الجهاد 1/9-10: "إن شريعة الإسلام ترفض القوة لإجبار الناس إلى اعتناقه، ونبيه صلعم لا يرضى بغير الإقناع العقلي بديلاً لدخول الأفراد في الإسلام! يقول الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم - عندما رغب في إيمان بعض أقاربه وألح عليه في ذلك - } أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين{. ويقول تعالى للبشرية كلها} لا إكراه في الدين{ والدعوة إلى الدين في شرع الإسلام يجب أن تكون بالكلمة الطيبة والإقناع السليم. يقول تعالى }ادع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{.

·   يقول الشيخ يوسف القرضاوي: "لم يشهد تاريخ الأديان تسامحاً نظير تسامح الإسلام والمسلمين مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي وخارجه قديماً وحديثاً.  إن تاريخ التسامح الإسلامي مع أهل الأديان الأخرى تاريخ ناصع البياض، وقد شهد التاريخ  كيف عاش هؤلاء في غاية الأمان والحرية والكرامة داخل المجتمع الإسلامي باعتراف المؤرخين المنصفين من الغربيين أنفسهم، ولكن قوماً لبسوا مسوح العلم يريدون أن يُقَوِّلوا هذا التاريخ ما لم يقله، ويحمِّلوه ما لم يحمله عنوة وافتعالاً يصطادون في الماء العكر. وفي سبيل هذه الغاية الشريرة جَهِدوا جَهْدهم أن يشوهوا تاريخ التسامح الإسلامي الذي لم تعرف له الإنسانية نظيراً، متذرعين بحوادث جزئية قام بها بعض العوام أو الرعاع في بعض البلاد وبعض الأزمان نتيجة لظروف وأسباب خاصة تحدث في كل بلاد الدنيا إلى يومنا هذا  – راجع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي للشيخ يوسف القرضاوي.

في جعبة الداعية المسلم كل شيء جاهز وكل شيء موجود تحت الطلب. ما على السائل إلا أن يحدد مطلبه؛ خطب عصماء، أحاديث وروايات، حجج وأعذار شرعية، أحاديث قدسية، وآيات قرآنية.

 

الآيات المنسوخة:

·        فإذا أراد المسلم إظهار الإسلام على أنه دين سلام تراه يخرج من جعبته آية سورة الأنفال: } وإن جنحوا  للسلم  فاجنح لها{ أنفال 61. وقد أجمع علماء المسلمين على أن آية الأنفال 61 مكية.

·   قال النيسابوري  في كتابه الناسخ والمنسوخ: سورة الأنفال مدنية إلا آيتان نزلتا في مكة. فيها من المنسوخ ستة آيات يهمنا منها الآية الثالثة: } وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{ أنفال 61 نسختها آية سورة التوبة 29: }وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ - راجع المصدر السابق ص 176-177.

 سؤال: كيف يجنح المسلمون للسلم والقرآن نفسه يأمرهم  بعدم الجنوح للسلم وذلك في قوله: }فلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ{محمد 35. 

كيف يجنحون للسلم ونص آية سورة محمد صريح وواضح }فلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ{؟

الجنوح إلى السلم يعني تعطيل فريضة الجهاد. فهل يجوز شرعاً تعطيل الفريضة؟ سؤالاً نوجهه للجانحين للسلم ..

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه دين لا اعتداء فيه ولا عدوان منه، تراه يخرج من جعبته آية سورة الأنعام: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ{ الأنعام 151.

وآية سورة البقرة: }وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين{ البقرة190.

·   فقد قال الإمام الطبري: (اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك، وقالوا أُمر فيها المسلمين بقتال من قاتلهم من المشركين والكف عمن كف عنهم ثم  نُسخت ببراءة) - تفسير الطبري3 /561.

·   ثم نقل ذلك القول بسنده عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ثم قال: وقال آخرون بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار لم يُنسخ، وإنما الاعتداء الذي نهاهم عنه هو نهيه عن قتل النساء والذراري- تفسير الطبري3 /562 - أحكام القرآن للجصاص 3/437و436.

فهذه أقوال السلف في هذه الآية، وهي لا تخرج عن أحد المعنيين اللذين أشار إليهما الطبري. ولا نعلم أحداً من السلف قال بمثل ما قال به الكاتب من دلالة الآية على أنه لا يُقاتل الكفار إلا إن ظهر منهم عدوان.

·   قال ابن كثير في تفسيره: (أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم) - تفسير القرآن العظيم 4/350. إذن المقصود بعدم الاعتداء هو: النهي عن قتل النساء والذراري ومن ليس من أهل القتال.

·   قال النيساوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) هذه هي الآية الرابعة عشر من الآيات الثلاثين المنسوخة في سورة البقرة: }وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدي إن الله لا يحب المعتدين{ بقرة 190. نسختها آية سورة التوبة 36 }وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة{ وبقوله }اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{.

-   ويقول النيسابوري في قوله }ولا تعتدوا{ هذا كان في الابتداء - عندما كان الإسلام ضعيفاً - راجع الناسخ والمنسوخ  للنيسابوري  ص 65-66.

 سؤال:  كيف يأمر القرآن بعدم قتل النفس في الوقت الذي جعل فيه القتال فريضة إلهية مقدسة مثلها مثل الصلاة والصيام: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ{ سورة البقرة 183.

 }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ{ سورة البقرة 216.  وما هي الحالات الذي يحق للمسلم فيها قتل النفس بالحق؟ وهل قتل غير المسلم يعتبر من حالات قتل الحق؟ أجيبونا جزاكم الله كل خير.

كيف يأمر القرآن بعدم القتل والله نفسه يحب القتال والمقاتلين: }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ{ سورة الصف 4.

كيف يطالب القرآن المسلمين بعدم الاعتداء في الوقت الذي يطالبهم وبشدة بالاعتداء على الآخرين وذلك في قوله: }قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{ التوبة 29 . لاحظوا كيف أن الآية تبدأ بأمر (قاتلوا).

وفي قوله }وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ{ البقرة 193.

}وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه{ سورة الأنفال 39.

وقوله: }فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ التوبة 5.

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه دين ضمن حرية العبادة للمخالفين، تراه يخرج من جعبته آية سورة البقرة: }لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغي{ البقرة 256. هذه الآية من الآيات المنسوخات.

·   قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ: أنها الآية السابعة والعشرون بحسب تسلسل المنسوخ في آيات سورة البقرة نسختها آية السيف (التوبة 5). راجع الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 96 -97.

سؤال: كيف لا يكون إكراه في الدين و}هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون{ الصف 9 والفتح 28. هل يناقض القرآن نفسه؟

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه دين تسامح وعفو، تراه يخرج من جعبته آية سورة المائدة: }فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين{ المائدة 13.

كيف يأمر بالعفو والصفح وهو الذي يأمر اتباعه بقتل المخالفين أينما وجودوا:  }وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ{ البقرة 191.

}فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ{ النساء 89.

 }فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ{ النساء 91

}فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ{ التوبة 5.

·   قال النيسابوري في كتابه الناسخ والمنسوخ عن آية السيف التوبة 5: هي آخر ما أُنزل من القرآن. هي الآية الناسخة، نسخت من القرآن مائة آية وأربعاً وعشرين آية - راجع المصدر السابق 284.

·        وإذا أراد المسلم أن يُظهر الإسلام على أنه دين تعامل بكل إنسانية مع أهل الكتاب، تراه يخرج من جعبته آية سورة العنكبوت: }ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ{ العنكبوت 46.

-   قال النسيابوري  في آية سورة العنكبوت 46 فيها من المنسوخ آية واحدة: }ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم{ العنكبوت 46. نسختها آية سورة التوبة 29: }وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ - راجع المصدر السابق ص 255.

·   وآية: }قُلْ يا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا{ آل عمران 64. وآية :}ادع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن{ النحل 125 منسوخة، نسختها آية السيف - راجع المصدر السابق  ص 210.

ـ ملاحظة: جميع آيات الصفح والعفو منسوخة ـ

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه دين ذو علاقة متميزة مع المسيحيين، تراه يخرج من جعبته آية سورة المائدة: }لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى{ المائدة 82.

كيف يكون النصارى أقرب مودة للمسلمين والقرآن يطالبهم بعدم التقرب لهم وعدم اتخاذهم أصدقاء وذلك في قوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ المائدة 51

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه دين يساوي بين المؤمنين كافة، تراه يخرج من جعبته آية سورة البقرة}إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون{ البقرة 62

سؤال: هل تتماشى آية سورة البقرة 62 مع قوله: }إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ{ آل عمران 19.

}وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{  آل عمران 85.

}فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا{ الأنعام 125.

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه قد آمن بالتوراة والإنجيل بعكس اليهود والمسيحيين الذي لا يؤمنون أن القرآن كتاب سماوي، تراه يخرج من جعبته آيات سورة المائدة:

}وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{ المائدة 43.

}إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ{ المائدة44

}وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ{ المائدة46

}وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ المائدة 47.

كيف يطلب القرآن من اليهود والنصارى أن يحكموا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ من التوراة والإنجيل في الوقت الذي نسب لهما القرآن تهمة التحريف، وذلك في قوله: }مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ{ النساء 46. }يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ{ المائدة 13. }يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ{ المائدة 41.

سؤال: هل يعني طلب القرآن من اليهود والنصارى أن يحكموا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ من التوراة والإنجيل أن المسلمين عامة بأحمرهم وأسودهم يؤمنون بصحة الكتاب المقدس الذي بين أيدينا؟!

·        وإذا أراد المسلم أن يظهر الإسلام على أنه دين لم يفرق بين أنبياء الله وبين كتبه، تراه يخرج من جعبته آية سورة النساء: }وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ النساء 152. وآية سورة البقرة: }آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ{ البقرة 285.

سؤال:  كيف لا تفرقون بين رسله وأنتم الذين جعلتم من يتيم أبي طالب أفضل الخلق وأفضل وأشرف الأنبياء، ومن أجله خلق جميع المخلوقات؟!

·   عن جابر بن عبد الله قال: قلت يا رسول الله اخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء. قال يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك (ملائكة) ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا أنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء؛ فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء؛ فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرض، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء؛ فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله - راجع حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين 1/35 .. إلى ما لا آخر له من الاستشهاد بمنسوخ القرآن. 

ولعل سؤالاً يجول في بعض الخواطر، أو يتردد على بعض الألسنة، وهو:

·   كيف يتحقق البر والمودة وحسن العشرة بين المسلمين وغير المسلمين، والقرآن نفسه ينهى عن مودة الكفار واتخاذهم أولياء وحلفاء في مثل قوله: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ سورة المائدة:51،52.

·   كيف يمكن أن يتحقق احترام المسلمين لليهود والمسيحيين والقرآن يخاطبهم بالنجسين: }إنما المشين نجس{ توبة 28. }الذين يضمرون الشر والحسد للمسلمين: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم{ البقرة 109.

·   كيف يمكن أن يتحقق احترام المسلمين لليهود والمسيحيين والقرآن يخاطبهم بأوصاف تحقيرية بشعة: }مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً{ الجمعة 5.   }أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً{ ‏‏الفرقان 44، الإسراء 4. وهم أيضاً:

·         الفاسقون: البقرة 59، المائدة 25

·         وهم الظالمون: الأعراف 148 و150

·         وهم المنافقون: الحشر 11.

·         وهم المفترون: آل عمران 24.

·         وهم الكافرون: النساء 155 والتوبة 30.

·         وهم المشركون: التوبة 31.

·         وهم الذين حرفوا الكتاب المقدس:البقرة 75، النساء 46، آل عمران 78.

·         وهم الذين اتخذوا أحبارهم أرباب من دون الله: التوبة 31

·         وهم القردة والخنازير: البقرة 65، المائدة 60، الأعراف 166

·         وهم الذين يسعون في الأرض خراباً: المائدة 33 و64

إن أوامر القرآن وتعاليمه واضحة وصريحة: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء{ نهي عام بعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ولا أصدقاء - راجع آل عمران 118.

سؤال : أليس هذا هو النفاق بعينه؟ أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟ والعنصرية بعينها؟ هل صدقت عندما قلت في مقدمتي: أن النفاق في الإسلام وسيلة والإرهاب لغة حوار؟

إن استشهاد المسلمين بآيات منسوخة لإظهار فضائل الإسلام لهو دليل على إفلاس الإسلام من كل ما هو صالح ومفيد .. الأمر الذي اضطرهم للجوء لاستعمال التقية (النفاق) لإظهار سماحة ورحمة ومسالمة الإسلام بآيات منسوخات، أي آيات لا حكم شرعي لها لأنها قد أُلغيت (نُسخت) أي أُزيلت وإن بقي حرفها ونصها موجود في القرآن.

هذا هو، باختصار شديد، ما يروجه المسلمون من خلال وسائل إعلامهم وإعلانهم الموجهة لغير المسلمين.

 

***

ـ مراحل تشريع القتال والتقتيل (الجهاد) ـ

لقد أجمع علماء المسلمين على أن الجهاد قد مر بثلاث مراحل مختلفة :

·                        المرحلة الأولى: مرحلة الجهاد الدعوي

وهي مقتصرة على العصر المكي. فلم يكن يوجد في العصر المكي إلا جهاد الدعوة والبيان.

فقد قال }فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً{ الفرقان 52.

·                        المرحلة الثانية: مرحلة الإذن في القتال لدفع أذى المعتدين

} أُذن للذين يُقاتَلُون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير { الحج 39.

وهـي أول آية نزلت في القتال كمـا قال ابن عباس. أُذن لهم في القتال ولم يفرضه عليهم.

·                        المرحلة الثالثة: مرحلة قتال المشركين كافة

في هذه المرحلة أصبح القتال فريضة إلهية مكتوبة على المسلمين. فكما } كتب عليكم الصيام{ بقرة 183. كذا أيضاً } كتب عليكم القتال{ بقرة 216. وهذه المرحلة ناسخة لما قبلها من المراحل، وهي التي استقر عندها حكم الجهاد ومات عليها نبي الإسلام.  لم تكن مرحلة الجهاد الدعوى في مكة ناتجة عن مسالمة ورحمة الإسلام، بل كانت ناتجة عن ضعف حالة المسلمين في بداية الدعوة في مكة.

 

·        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فكان النبي في أول الأمر مأموراً أن يجاهد الكفار بلسانه لا بيده … وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أُذن له في الجهاد، ثم لما قووا كُتب عليهم القتال، ولم يُكتب عليهم قتال من سالمهم لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار، فلما فتح الله مكـة وانقطع قتال قريش ملوك العرب ووفدت إليه وفود العرب بالإسـلام أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود المطلقة - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 1/74.

·        وقال ابن القيم: فلما استقر رسـول الله بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده المؤمنين وألف بين قلوبهم … رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن سـاق العداوة والمحاربة وصاحوا بهم من كل جانب، والله يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة واشتد الجناح فأذن لهم حينئذ في القتال … - زاد المعاد 2/58.

·        وقال ابن كثير: كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات النُصب، وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة؛ منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال، فلهذا لم يؤمر بالجهـاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار … - تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/526 – 4\150

·        وقال أيضاً: وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عدداً، فلو أُمر المسلمون وهم أقل من العشر بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلاً يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء - المصدر السابق 3/226.

·        وبهذا قال الإمام الشافعي في كتاب أحكام القرآن الذي جمعه البيهقي من أقواله فقد جاء فيه: (قال الشافعي: ولما مضت لرسول الله فترة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات بإتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله عز وجل قوة بالعدد لم يكن قبلها ففرض الله عز وجل عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً فقال تبارك: } كتب عليكم القتال{ - أحكام القرآن 2/18.

 

إن محاولة المسلمين تقسيم الجهاد إلى أصغر وهو الجهاد القتالي، وأكبر وهو جهاد النفس، وبالتالي إظهار الدعوة اللسانية أهم أنواع الجهاد هو افتراء وهراء واستخفاف بعقول الآخرين.

الجهاد القتالي (القتال) هو أهم أنواع الجهاد في الإسلام، ويدل على ذلك نصوص كثيرة منها:

} لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أُولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً{ النساء:95.  فهؤلاء القاعدون الذين فُضِل عليهم المجاهـدون قد يكونون قائمين بأمر جهاد الدعوة وجهـاد النفس لأن الله وعدهم الحسنى، ومع ذلك فضل عليهم المجاهدين بالنفس والمال فدل ذلك على أفضلية الجهاد القتالي على ما عداه من أنواع الجهاد.

·   ومن النصوص أيضاً: قول النبي (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد...) - أخرجه الترمذي 2616 - وابن ماجة 3973 - وأخرجه الحاكم 2/7.

·   ومنها قول النبي: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) - أخرجه مسلم 49 - وأبو داود1140 - والترمذي 2172 - وابن ماجة 4340 - والنسائي 4013 و1275 - وأحمد 3/54.   وقد بين الحديث السابق درجات التغيير، وأعلاها التغيير باليد الذي يشمل القتال، ولا شك أن قوله: (فإن لم يستطع) يدل على أن كل مرتبة تحتاج إلى جهد ومشقة أكبر من التي تليها، وإنما يكون الأجر على قدر المشقة، فمن لم يكن قادراً عليه فإنه ينتقل إلى ما هو أدنى منه حتى ينتهي إلى أضعف الإيمان وهو التغيير بالقلب. فدل ذلك على أن أقوى الإيمان التغيير باليد وأوسطه التغيير باللسان وأضعفه التغيير بالقلب.

كانت مرحلة الاقتصار على الجهاد الدعوى في العصر المكي ناتجة عن حالة ضعف المسلمين. ولهذا كان يصفح ويعفو (وهل بيد الضعيف إلا الصفح والعفو) ؟!. لقد كان النبي مأموراً طيلة العصر المكي بالعفو والصفح وكف اليد عن المشركين، كما قال في القرآن: }فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره{ البقرة: 109. و}قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله{ الجاثية 14.

·        وعن ابن عباس: (أن عبد الرحمن بن عـوف وأصحـاباً له أتوا النبي بمكة فقالوا: يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشـركون، فلما آمنا صرنا أذلة فقال: إني أمرت بالعـفو فلا تقاتلوا …) - أخرجه النسائي 3/6 - والحاكم 2/307.

وظل محمد على هذه الحال من الصبر والعفو إلى أن قويت شوكته، فنسخ الصفح والعفو وحل محله القتال والقتل وأصبح الحوار الإسلامي بالحديد الذي فيه بئس شديد.

·        قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير قوله: }فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره{ البقرة: 109، فنسخ الله جل ثناؤه العفو عنهم والصفح بفرض قتالهم حتى تكون كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدة أو يؤدوا الجزية عن يد صغاراً. ثم نقل الطبري القول بالنسخ عن ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس تفسير الطبري 2/503-504

·        وكذا نقل الحافظ ابن كثير في تفسير قوله: }فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره{البقرة: 109. نقل القول بالنسخ عن ابن عباس ثم قال: (وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى: }حتى يأتي الله بأمره{ ...) - تفسير القرآن العظيم 1/154.

·        وقال ابن عطية في تفسيره لآية السيف: (وهذه الآية نسخت كل موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك، وهي على ما ذكر مائة آية وأربع عشرة آية) - تفسير ابن عطية 6/412.

·        وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: }فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره{ البقرة: 109. هذه الآية منسوخة بقوله: }قاتلوا الذين لا يؤمنون{ إلى قوله }صاغرون{، عن ابن عباس، وقيل الناسخ لها: }فاقتلوا المشركين{ - الجامع لأحكام القرآن 2/71.

·        وقال في تفسير قوله: }يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم{التوبة: 73. وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصفح - الجامع لأحكام القرآن 8/20.

·                        وقال ابن حزم: (ونُسخ المنع من القتال بإيجابه) - الأحكام في أصول الأحكام 4/82.

·        وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( فأمره لهم بالقتال ناسخ لأمره لهم بكف أيديهم عنهم) - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/66.

·        وقال السيوطي: قوله تعالى : ( }فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{: هذه آية السيف الناسخة لآيات العفو والصفح والإعراض والمسالمة، واستدل بعمومها الجمهور على قتال الترك والحبشة) - الإكليل في استنباط التنزيل 138

·        وقال أيضاً: (كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف) - التحبير في علم التفسير ص 432.

 وقد نقل الإجماع على القول بالنسخ غير واحد من أهل العلم:

·        فقد قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام  الله{ الجاثية: 14، (وهذه الآية منسوخة بأمر الله بقتال المشركين، وإنما قلنا هي منسوخة لإجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك) - تفسير الطبري 25/144.

·        وقال الجصاص في قوله: }فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعلنا لكم عليهم سبيلاً{ النساء:90، ولا نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين، وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره. فقد حصل الاتفاق من الجميع على نسخ حظر القتال لمن كان وصفه ما ذكرنا - أحكام القرآن 2/222.

·        وقال الشوكاني: (أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية ... وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم) - السيل الجرار 4/518-519.

·        ونقل الإجماع أيضاً صديق حسن خان بنفس ألفاظ الشوكاني دون أن ينسب القول إليه) الروضة الندية 2/333.

·        فقد أقر الزركشي في برهانه بأن آية السيف ناسخة لآيات الصفح والعفو، وزاد على ذلك أن جعل آية السيف منسوخة بآية سيف أهل الكتاب - أحكام القرآن لابن العربي 1/110 - والبرهان للزركشي 2/3.

·        قال النيسابوري في كتابه (الناسخ والمنسوخ) في قوله: }فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَِحيمٌ{ توبة 5 هي الآية الناسخة، نسخت من القرآن مائة آية وأربعاً وعشرين آية - راجع المصدر السابق 284.

·        قال الحافظ بن كثير في تفسيره لآية التوبة 5، قال الضحاك بن مزاحم: إنها نسخت كل عهد بين النبي وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة. كما نقلها أبو جعفر الرازي عن الضحاك.

·        وقال ابن عباس في هذه الآية: لم يبق لأحد المشركين عهد ولا ذمة منذ أن نزلت (براءة) = أي سورة التوبة. ونقل عنه العوفي وعلي بن أبي طلحة  راجع تفسير القرطبي وابن كثير في شرحهم لآية التوبة 5.

·        وقال الكلبي صاحب تفسير (التسهيل في علوم التنزيل) ونقدم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والأعراض والصبر على آذاهم بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه، فإنه وقع منه في القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة، نسخ ذلك كله بقوله: }فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{.

·        قال الحسن بن فضل فيها: هي آية السيف نسخت هذه الآية كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء - راجع تفسير ابن كثير.

·        وقال ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ: في القرآن مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة نسخت الكل بقوله: }اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{ .

·        وقال الإمام أبو القاسم بن سلامة: }اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{ الآية الثالثة وهي ناسخة، ولكن نسخت من القرآن مائة وأربع عشرين آية ثم صار آخرها ناسخ لأولها، وهي قوله }فإن تابوا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم{ - راجع الناسخ والمنسوخ للنحاس والنيسابوري في شرحهم لآية التوبة 5.

·        وقد لخص الإمام ابن القيم تلك المراحل في قوله: (وكان محرماً ثم مأذوناً به ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال ثم مأموراً به لجميع المشركين ...) زاد المعاد 2/58.

بعد أن بينا القليل جداً من النفاق في الإسلام. دعونا ننتقل لمسألة العنف والإرهاب في الإسلام.

الفصل الثاني

ـ الإرهاب والعنف في الإسلام ـ

ـ وجوب الجهاد ـ

 

   نفتتح مسألتنا هذه بسؤال سنترك الإجابة عليه لمصادر التشريع الإسلامي (القرآن والسنة) ولواقع حال الشارع العربي والإسلامي الذي يتماشى مع ما سنبينه من حقائق شرعية. والسؤال هو: للمسلمين في العالم حصة الأسد في أعمال العنف والإرهاب؟  فهل هذه الظاهرة من قبيل الصدفة؟ أم أن للإسلام علاقة وثيقة بالإرهاب والعنف؟

لا شك أن الحرب بما تحمله من نتائج هي إرهاب وعنف حتى وإن كانت مقدسة. لهذا قيل (الحرب خسارة حتى على رابحها). لكن أمر القتال في الإسلام مختلف.

إنه فريضة إلهية مقدسة كتبها رب الكعبة على المسلمين كما كتب عليهم الصيام } كتب عليكم الصيام{ بقرة 183، }كتب عليكم القتال{ بقرة 216. فهل يجوز شرعاً على الأمة تعطيل صيام رمضان؟

الجواب طبعاً لا ومن هنا حددت شريعة الإسلام مدة قصوى (سنة) لتأدية هذه الفريضة المقدسة في الإسلام وفي حياة المسلمين. وأقل ما يُفعل مرة في كل عام.

·        يقول الشافعي: إن كان بالمسلم قوة لم أرى أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عانة وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين أحببت له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه، وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلاً في عاماً إلا من عذر - راجع: الإمام للشافعي 4/177، والمغنى لابن قدامه.

·        وجاء في الشرح الصغير (الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تعالى كل سنة فلا يجوز تركه سنة كإقامة الموسم بعرفة والبيت وبقية المشاهد كل سنة فرض كفاية) - الشرح الصغير2/267-272.

فتحديد الجهاد مرة في كل سنة لا يتماشى مع آية عدم العدوان }لا تعتدوا{ لو كان القتال في الإسلام لا يجوز إلا عند وقوع العدوان على المسلمين، لم يجز التحديد بأن يكون في كل سنة مرة، ولكان الواجب حينئذ أن يقول إنه يجب عند الحاجة إليه لدرء العدوان عن المسلمين.

ولهذا لقد بلغت غزوات محمد التي غزا فيها بنفسه تسعاً وعشرين غزوة. وهي غزوات ودان وبواط العشيرة سفوان (وتسمى غزوة بدر الأولى) وغزوة بدر الكبرى وغزوة بني سليم وغزوة بني قينقاع وغزوة السويق وغزوة قرقرة الكدر وغزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر، وغزوة بحران بالحجاز وغزوة أحد وغزوة حمراء الأسد وغزوة بني النضير وغزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة، وغزوة بدر الأخيرة وهي غزوة بدر الموعد وغزوة دومة الجندل وغزوة بني المصطلق (ويقال لها المريسع، وبعد العودة منها تأخرت عائشة وباتت ليلتها مع صفوان بن المعطل) وغزوة الخندق وغزوة بني قريظة وغزوة بني لحيان وغزوة الحديبية وغزوة ذي قُرُد وغزوة خيبر وغزوة وادي القرى وغزوة عمرة القضاء وغزوة فتح مكة وغزوة حنين والطائف وغزوة تبوك. وأما سراياه (أي الغزوات التي لم يقُدها بنفسه بل أرسل إليها بعض أصحابه) فعددها تسع وأربعون، أي بمعدل سبع سرايا في السنة الواحدة - راجع طبقات ابن سعد 3/43.

 

   أمر القتال في الإسلام أمر مطلق غير مقيد بأن يكون القتال رافعاً لعدوان أو في مقابلة قتال. وهذا الإطلاق واضح في قوله }فإذا انسلخ الأشهر الحرام فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد{التوبة 5.

فلقد أمر القرآن  المسلمين بأن يقاتلوا غير المسلمين حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهذا الأمر مطلق غير مقيد بأن يكون القتال رفعاً لعدوان أو في مقابلة قتال، فدل هذا الإطلاق في أمره بالقتال على أنه دعوة إلى الإسلام، وحمل المخالفين على نبذ دينهم واعتناق الإسلام. }وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ التوبة 29. هذا أمر عام ومطلق بقتال المسلمين لأهل الكتاب حتى يسلموا. فهذه الآية هي آية سيف أهل الكتاب القاضية بقتالهم لكونهم كفروا بالله ورسوله ولم يدينوا دين الحق وهو الإسـلام.

ونص الآية واضح وصريح }وقاتلوا{، ولم يقل القرآن وجادلوا بالحسنة بل قال }وقاتلوا الذين لا يدينون دين الحق{ أي قاتلوا الذين لا يؤمنون ويدينون بالإسلام حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية وهم أذلاء أو يقُتُلوا.

لقد وضعت آية التوبة 29 أهل الكتاب أمام أمرين أحلاهما مر: إما الإسلام، وإما الجزية.

كما أن الآية ذكرت الأوصاف التي لأجلها استحق هؤلاء أن يُقاتلوا وهي كونهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، فهذه الأوصاف هي الباعث على قتالهم. فإن انتهوا عنها ودخلوا في الإسلام انتهى القتال، وإن لم ينتهوا عنها ولكنهم قبلوا دفع الجزية فلا بأس بذلك أيضاً.

 

ـ موقف القرآن والسنة من الجهاد ـ

وقد جاءت أحاديث  صحيحة بذلك:

·        أمر الله بقتال أهل الكتاب ابتداءً حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية - أخرجه البخاري 3157 - وأبو داود 3043 - والترمذي 1586.

·        عن نبي الإسلام أنه قال: "إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم؛ ادعهم إلى الإسلام  فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم" - رواه أبو داود ومسلم.

·        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الجهاد1/11 "يقاتل فقط في شرع الإسلام من يرفض أن يستجيب لواحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية، وإما القتال "- راجع المصدر المذكور، الجهاد1/11.

·        أمر الله بقتال أهل الكتاب ومن في حكمهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولا شك أن الصغار هو الإذلال وبذلك فسره الإمام البخاري في صحيحه 6/257.

إذن من الواضح والثابت أن غاية القتال أحد أمرين إما الإسلام وإما دفع الجزية.

   والقتال - الجهاد - هو المحور الأساسي والأهم التي تدور حوله رسالة نبي الإسلام. وهذا واضح من الآيات الجهادية التي شغلت حيزاً كبيراً يكاد يبلغ أكثر من نصف القرآن المدني ولنا على ما نقول مثال:

·                        }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين{ البقرة 193.

·        }كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون{ البقرة 216.

·                        }أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين{ 

آل عمران 142.

·        }فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم{ محمد: 4، آل عمران: 195.

·                        }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير{ الأنفال 39.

·                        }يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون{ الأنفال 45.

·        }وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون{ الأنفال 60.

·                        }يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال{ الأنفال 65.

·        }فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم{ التوبة 5.

·        }وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون{ التوبة 12.

·                        }قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين{ التوبة 14.

·        }الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون{ التوبة20

·        }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{

 التوبة 29.

·        } إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم{ التوبة 111.

·                        }يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا{ النساء 84.

·        }لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما{ النساء 95.

·                        }تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون{ الصف 11.

·                        }يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير{ التحريم 9.

·        }يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم{ المائدة 54.

وانظر أيضاً  آل عمران 13 - 121 157  ,  الحج 39 - 40. , الفتح 16 - 19 20 ,  الأنفال 6 8 - 15 16 60 65- 67 - 72 – 74 , النساء 57 - 74 76 - 77 - 94 100 - 102  , البقرة 154 - 218 244 - 250 251 - 261 - 262 , التوبة 2 3 12 13 - 16 36 38 39 41 60 - 73 77 81 - 83 120 121 - 122 – 123 , الحديد 10 -  , محمد 20 -  المائدة 35

ولقد استثنى من تلك الفريضة:

}ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليماً{ الفتح 17. , }لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون{ التوبة 92 ,  }ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم{ التوبة 91

 

   بناءاً على ما بينا من آيات قرآنية تحرض وتشجع المسلمين على القتال والقتل، فإنه ليس من الغرابة أن يطالب القرآن المسلمين بأن يمارسوا الإرهاب مع عدوهم. 

 

***

ـ الإرهاب ـ

·        قال ابن منظور في كتابه "لسان العرب" في معنى كلمة الإرهاب ومشتقاتها: رَهِبَ بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم،  ورَهَباً بالتحريك؛ أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهْبَةً: خافه.

·                        وفي حديث الدعاء: "رغبة ورَهْبَةً إليك"، الرهبة: الخوف والفزع.

·                        وترَهَّبَ غيره: إذا توعَّده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه .

·        وفي "النهاية"لابن الأثير: الرَّهبَة: الخوف والفزع. وفي حديث بَهْز بن حكيم: "إني لأسمع الرَّاهبةَ " هي الحالة التي تُرهب: أي تُفْزِع وتُخوِّف. وفي روايةٍ: "أسمعك  راهِباً" أي خائفاً.

نستخلص مما تقدم أن الإرهاب يعني: الخوف .. والفزع، والإرهابي: هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين.

وعليه فكل من أحدث الخوف والفزع عند الآخرين ممن يريد إخافتهم فهو إرهابي، وقد مارس في حقهم الإرهاب، وهو يكون بذلك متلبساً بالإرهاب، ومتصفاً به .. سواء تسمى إرهابياً أم لم يتسمى .. وسواء اعترف  بذلك أم لم يعترف.

 

ولقد ذكر القرآن لفظة الإرهاب بمشتقاتها في أكثر من سورة منها: }قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ{ الأعراف: 116.

·        قال ابن الجوزي في زاد المسير: }واسترهبوهم{ أي: خوَّفوهم. وقال الزجاج:  استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس ا- هـ. أي خافهم الناس.

·        قال ابن كثير في التفسير: }لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون{ الحشر: 13 أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ا- هـ.

}هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ{ الحشر:2.

}وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً{ الأحزاب:26.

 

·        وقد أوصى القرآن المسلمين بضرورة إرهاب عدوهم أي المخالفين لهم: }وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ{ الأنفال:60.  قال ابن كثير في التفسير:  قوله }ترهبون{ أي تخوِّفون }به عدو الله وعدوكم{ أي من الكافرين ا- هـ.

·        وفي الحديث عن النبي كما في صحيح البخاري وغيره أنه قال: "نُصرت بالرعب شهراً، يُرعب مني العدو مسيرة شهر". أي نصرت بخوف العدو مني قبل أن أواجهه بمسيرة شهر .. حيث كان العدو يُصاب بالرعب  والخوف لمجرد علمه أن جيش النبي متوجه إليه وبمسيرة شهر كامل .. فهذا إرهاب للعدو ..

 

إذن  يتضح لنا من خلال استعراضنا لهذا الكم الهائل من الآيات الجهادية أن الدعوة الإسلامية هي في جوهرها دعوة إرهابية ذات طابع ديني أكثر من كونها دعوة دينية ذات طابع سلمي.

وهذا أيضاً ما تؤكده لنا السنة المحمدية التي فاقت أحاديث تحريضها وترغيبها على القتال والتقتيل أضعاف الآيات القرآنية التي بيناها.  لهذا اعتبر الإسلام القتال والتقتيل (الجهاد) درة العبادات وتاجها لا تعادله فريضة لا بالمكانة ولا بالأولوية.

-   إنه الأساس الذي قام عليه الإسلام.

·        عن معاذ بن جبل قال كنت مع النبي في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت يا نبي الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد – أحمد 21008 – أحمد 21036 – 21039.

·                        قال الإمام أحمد: لا نعلم شيئاً من أبواب البر أفضل من الجهاد في سبيل الله.

 

إنه رهبنة الإسلام:

·        عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل - أحمد 13306.  من هنا وبناءاً على ما ذكرنا، جعل الإسلام الجنة تحت ظلال السيوف.

·                        عن رسول الله قال واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف - البخارى 2607.

}ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون{ البقرة 154.

}أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين{ آل عمران 142

·        عن أبي أمامه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله: عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم - أحمد 21660.

}فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب{ آل عمران 195.

 

لهذا ترتفع درجة ومكانة المقاتلين في الإسلام عن القاعدين:

}فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ..وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً{ النساء 95

 

إنه وسيلة لمغفرة خطايا المسلم:

}ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون{ آل عمران 157

تبرز أهمية مكانة الجهاد في الإسلام من كون (الجهاد) يدخل في إطار نشر الدعوة (أي نشر الإسلام) هذا ما دل عليه القرآن، وهذا ما أيدته وبينته السنة المحمدية.

}هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ‏‏بِالْهُدَى ‏‏وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ التوبة 33.

}وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ الأنفال 39.

}قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ التوبة 29.

·        عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: فقال رسول الله: من قاتل لتكون كلمة الله عز وجل هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل - أحمد 18722.

·        عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فإذا شهدوا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم - أحمد 12583.

·        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الجهاد1/11 "يقاتل فقط في شرع الإسلام من يرفض أن يستجيب لواحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية، وإما القتال - راجع المصدر المذكور. الجهاد1/11 .

·        عن نبي الإسلام أنه قال: إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم؛ ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم - رواه أبو داود ومسلم

·        عن أبي موسى قال: سئل رسول الله عن رجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله. قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. قال أبو عيسى وفي الباب عن عمر وهذا حديث حسن

·        عن أبي موسى الأشعري قال جاء أعرابي إلى رسول الله يقاتل ليذكر ويقاتل ليغنم ويقاتل ليرى مكانه في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل - صحيح الترمذى 1570 - النسائي 3085 - أبو داود 2156 - البخارى 2599 - البخارى 6904.

إذن من الواضح أن القتال في الإسلام هو من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا أي من أجل نشر الإسلام: }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله{ الأنفال 39، البقرة 193.

·        عن ابن عمر أن رسول الله قال أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله - البخارى 24.

·        عن أنس بن مالك قال: قال رسول: الله أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله - البخارى 379.

·        عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله يقول: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله - مسلم 34.

·        عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قد حرم عليّ دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله عز وجل - أحمد 8188 مسلم 31 وأيضاً قالها جابر مسلم 32 – وعبد الله بن عمر – مسلم 33

·        عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي قال: اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله - أبو داود 2246.

·        عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر ونحن نرجو أن يحدثنا حديثاً حسناً، فبدرنا رجل منا يقال له الحكم فقال: يا أبا عبد الرحمن ما تقول في القتال في الفتنة؟ قال: ثكلتك أمك وهل تدري ما الفتنة إن محمداً كان يقاتل المشركين فكان الدخول فيهم أو في دينهم فتنة وليس كقتالكم على الملك – أحمد 5125 – أحمد 8377 – أحمد 18673 – أحمد 18905 – أحمد 18805 - أحمد .18771.

 

يقول صاحب كتاب الفريضة الغائبة "القتال في الإسلام هو لرفع كلمة الله في الأرض سواء هجوماً أو دفاعاً .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن في وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر، وبعد ذلك لا يكره أحد، فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف في وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل، وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس" - راجع الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام، تعليق جمال البنا ص 95.

 

ويقول حسان المقدسي في كتابه الجهاد وأوضاعنا المعاصرة في ضوء الأزمات الإسلامية المعاصرة: إن الجهاد أمر جاء به الإسلام لإخراج الناس من عبودية البشر إلى عبودية خالق البشر، ولن يكون ذلك بالكلمة إذا عجزت أن تخترق أذهان الكفرة أو السياج المحيط بهم. إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة الإسلام ذاته، ودوره في هذه الأرض، وأهدافه العليا التي قررها الله له.  إذن الإسلام ليس مجرد عقيدة، إنما الإسلام، وكما قلنا، إعلان عام لتحرير الإنسان من عبودية العباد، فهو يهدف ابتداءً إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان. إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده وذلك بتلقي الشرائع منه وحده.

إن محاولة أيجاد مبررات دفاعية للجهاد في الإسلام بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان المجاور على الوطن الإسلامي - وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض - راجع كتاب الجهاد وأوضاعنا المعاصرة في ضوء الأزمات الإسلامية المعاصرة ص 15-17.

 

مهما حاول مهندسو الترميم والترقيع الشرعي خلق الأعذار والأسباب الشرعية وغير الشرعية لشرعة العنف والإرهاب (الجهاد) في الإسلام فإن هدف الإسلام ظاهر وواضح للعيان وهو (إخضاع العباد والبلاد كافة لسيطرة وحكم الإسلام والمسلمين).

هذا ليس افتراءً على الإسلام كما يزعم المجاهدون، ولا هي محاولة منا لتشويه صورة الإسلام السمحة كما يزعم الذين اسودت وجوههم إذا بشرهم أحد بالحق! بل هذا ما أعلنه القرآن بوضوح، وبينت تفاصيله السنة النبوية المطهرة. وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين قديماً وحديثاً وأعلنوه بصراحة ووضوح في مصادرهم الشرعية. وهذا ما يحاول المسلمون أقصى جهدهم لتنفيذه وإن كره المشركون.

}هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون{ التوبة 33.

 

لم يقتصر هدف الجهاد في الإسلام على قهر غير المسلمين وإذلالهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبالتالي إجبارهم على نبذ دينهم والدخول في الإسلام كما بينا سابقاً من خلال القرآن والسنة، بل يهدف الإسلام من وراء تلك الفريضة العدوانية -الجهاد- إلى احتلال العالم أجمع - أي فتح العالم بحسب المصطلح الإسلامي.

وهذا ما أعلنه وصرح به الإسلام والمسلمون من خلال مصادر تشريعهم وتصريحات علمائهم.

يقول أبو الأعلى المودودي في كتابه الجهاد في سبيل الله:

"إن كان الإسلام نحلة كالنحل الأخرى والمسلمون أمة كغيرهم من أمم العالم؛ فلا جرم إن الجهاد الإسلامي يفقد بذلك جميع المزايا والخصائص التي جعلته رأس العبادات ودرة تاجها. لكن الحقيقة أن الإسلام ليس بنحلة كالنحل الرائجة وأن المسلمين ليسوا بأمة كأمم العالم، بل الأمر أن الإسلام فكرة انقلابية ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من القواعد ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العملي. 

ومن هنا نعرف أن لفظ المسلم وصف للحزب الانقلابي العالمي الذي يكونه الإسلام وينظم صفوفه ليكون أداة في إحداث ذلك البرنامج الانقلابي الذي يرمي إليه الإسلام ويطمح إليه ببصره، والجهاد عبارة عن الكفاح الانقلابي عن تلك الحركة الدائبة المستمرة التي يُقام بها للوصول إلى هذه الغاية وإدراك هذا المبتغى - راجع الجهاد في سبيل الله لأبي الأعلى المودودي ص 10-11.

 

إن الإسلام لا ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة ولا يقصد النهوض بمصلحة شعب دون شعب .. وله فكرة خاصة ومنهاج عملي مختار لسعادة المجتمع البشري والصعود به إلى معارج الفلاح. فكل حكومة مؤسسة على فكرة غير هذه الفكرة ومنهاج غير هذا المنهاج يقاومها الإسلام ويريد أن يقضي عليها قضاءً مبرماً، ولا يعنيه في شيء بهذا الصدد أمر البلاد التي قامت فيها تلك الحكومة غير المرضية أو الأمة التي ينتمي إليها القائمون بأمرها. فإن غايته استعلاء فكرته وتعميم منهاجه وإقامة الحكومات وتوطيد دعائمها على أساس هذه الفكرة وهذا المنهاج بصرف النظر عمن يحمل لواء الحق والعدل بيده ومن تنتكس بذلك راية عدوانه وفساده. والإسلام يتطلب الأرض ولا يقتنع بقطعة أو جزء منها .. ولا يتطلبها لتستولي عليها وتستبد بمنابع ثروتها أمة بعينها بعدما تُنتزع من أمة أو أمم شتى، بل يتطلبها الإسلام ويستدعيها ليتمتع الجنس البشري بأجمعه بفكرة السعادة البشرية ومنهاجها العملي اللذين أكرمه الله بهما وفضله بهما على سائر الأديان والشرائع. وتحقيقاً لهذه البغية السامية، يريد الإسلام أن يستخدم جميع القوى والوسائل التي يمكن استخدامها لإحداث انقلاب عام شامل، ويبذل الجهد المستطاع للوصول إلى هذه الغاية العظمى، ويسمى هذا الكفاح المستمر بانتشار القوى والبغي واستخدام شتى الوسائل المستطاعة (الجهاد) - راجع نفس المصدر 13

إن الإسلام ليس مجرد مجموعة من العقائد الكلامية وجملة من المناسك والشعائر كما يُفهم من معنى الدين في هذه الأيام. بل الحق إنه نظام كلي شامل يريد أن يقضي على سائر النظم الباطلة الجائرة الجارية في العالم ويقطع دابرها ويستبدل بها نظاماً صالحاً ومنهاجاً معتدلاً  يرى أنه خير للإنسانية من النظم الأخرى، وأن فيه نجاة الجنس البشري من أدواء الشر والطغيان وأنه سعادة له وفلاحاً في العاجلة والآجلة معاً. ودعوته في هذه السبيل، سبيل الإصلاح والتجديد والهدم والبناء، عامة للجنس البشري كافة، لا تختص بأمة دون أمة أو طائفة دون طائفة. فهو يدعو بني آدم جميعاً إلى كلمته؛ حتى أنه يهيب بالطبقات الجائرة نفسها ممن اعتدوا على حدود الله في أرضه واستأثروا بخيرات الأرض دون سائر الناس، يهيب بالملوك والأمراء أنفسهم ويناديهم قائلاً: لا تطغوا في الأرض، ادخلوا في كنف حدود  الله التي حددها لكم. فإن أسلمتم لأمر الله ودِنتم لنظام الحق – الإسلام – والعدل الذي أقامه للناس خير وبركة، فلكم الأمن والدعة والسلامة. فإن الحق لا يعادي أحد، وإنما يعادي الحق الجور والفساد والفحشاء. فكل من آمن بهذه الدعوة وتقبلها بقبول حسن، يصير عضواً في الجماعة الإسلامية أو الحزب الإسلامي، لا فرق في ذلك بين الأحمر منهم أو الأسود أو الغني منهم أو الفقير. كلهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأمة على أمة أو لطبقة على أخرى. وبذلك يتكون ذلك الحزب العالمي أو الأممي الذي سمي (حزب الله) بلسان الوحي.

وما أن يتكون هذا الحزب حتى يبدأ  بالجهاد في سبيل الغاية التي أنشئ من أجلها. فمن طبيعته ومما يستدعيه وجوده أن لا يألو جهداً في القضاء على نظم الحكم التي أسس بنيانها على غير قواعد الإسلام واستئصال شأفتها، وأن يستنفد مجهوده في أن يستبدل بها نظاماً للعمران والاجتماع معتدلاً، مؤسساً على قواعد ذلك القانون الوسط العدل الذي يسميه القرآن (كلمة الله). فإن لم يبذل هذا الحزب الجهد المستطاع ولم يسعَ سعيه وراء تغيير نظم الحكم وإقامة نظام الحق - الإسلام- ونظام الحكم المؤسس على قواعد الإسلام ولم يجاهد حق جهاده في سبيل هذا، فاتته غايته وقصر عن تحقيق البغية التي أنشئ لأجلها، فإنه ما أنشئ إلا لإدراك الغاية وتحقيق هذه البغية، بغية إقامة نظام الحق والعدل  – الإسلام - ولا غاية له ولا عمل إلا الجهاد في هذه السبيل. وهذه الغاية الوحيدة التي بينها الله تعالى في كتابه بقوله:}كنتم خير أمة أخرجت للناس{ آل عمران 110.

ولا يظن أحد أن هذا الحزب - حزب الله بلسان الوحي - مجرد جماعة من الوعاظ المبشرين يعظون الناس في المساجد ويدعونهم إلى مذاهبهم ومسالكهم بالخطب والمقالات. لا، ليس الأمر كذلك وإنما هو حزب أنشأه الله ليجعل الحق والعدل بيده ويكون شهيداً على الناس. ومهمته التي أُلقيت على كاهله من أول يوم أن يقضي على منابع الشر والعدوان ويقطع دابر الجور والفساد في الأرض والاستغلال الممقوت، وأن يكبح جماح الآلهة الكاذبة الذين تكبروا في أرض الله بغير حق وجعلوا أنفسهم أرباباً من دون الله، ويستأصل شافة ألوهيتهم ويقيم نظاماً للحكم والعمران يتفيأ ظلاله القاصي والداني والغني والفقير. وإلى هذا المعنى أشار الله تعالى في غير واحدة من آية الذكر الحكيم:   }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{  الأنفال 39.

}إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير{ الأنفال 73.

}هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون{   التوبة 33.

 

فتبين من كل ذلك أن الحزب - حزب الله- لا بد له من امتلاك ناصية الأمر ولا مندوحة له عن القبض على زمام الحكم، لأن نظام العمران الفاسد لا يقوم إلا على أسس حكومة مؤسسة على قواعد العدوان والفساد في الأرض، كذلك ليس من الممكن أن يقوم نظام للحكم الصالح ويؤتي أكُله إلا بعد ما يُنتزع زمام الأمر من أيدي الطغاة المفسدين ويأخذه بأيديهم رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر. أضف إلى ذلك أن هذا الحزب - حزب الله - بصرف النظر عما يرمي إليه من إصلاح العالم وبث الخير والفضيلة في أنحاء الأرض كافة، لا يقدر أن يبقى ثابتاً على خطته، متمسكاً بمنهاجه، عاملاً وفق مقتضياته، مادام نظام الحكم  قائماً على أساس آخر، سائراً على منهاج غير منهاجه. وذلك أن حزباً مؤمناً بمبدأ ونظام للحياة والحكم الخاص، لا يمكنه أن يعيش متمسكا بمبدئه عاملاً حسب مقتضاه في ظل نظام للحكم مؤسساً على مبادئ وغايات غير المبادئ والغايات التي يؤمن بها ويريد السير على منهاجها. وكذلك إن أراد مسلم أن يقضي حياته مستظلاً بنظام للحكم مناقض لمبادئ الإسلام الخالدة وبوده أن يبقى مستمسكاً بمبادئ الإسلام، سائراً وفق مقتضاه في أعماله اليومية، فلن يتسنى له ذلك ولا يمكنه أن ينجح في بغيته هذه أبداً، لأن القوانين التي يراها باطلة والضرائب التي يعتقدها غرماً ونهباً لأموال الناس والقضايا التي يحسبها جائرة عن الحق وافتئاتاً على العدل والنظم التي يعرف أنها مبعث الفساد في الأرض ومنهاج التعليم، التي يجزم بوخامة عاقبتها وسوء نتائجها ويرى فيها هلاكاً للأمة.   فالذي يؤمن بعقيدة ونظام، فرداً كان أو جماعة، مضطر بطبيعة عقيدته وإيمانه بها أن يسعى سعيه في القضاء على نظم الحكم القائمة على فكرة غير فكرته ويبذل الجهد المستطاع في إقامة نظام للحكم مستند إلى الفكرة التي يؤمن بها ويعتقد أن فيها سعادة البشر، لأنه لا يتسنى له العمل بموجب عقيدته والسير على منهاجه إلا بهذا الطريق.

.. ومن أجل ذلك وجب على الحزب المسلم، حفاظاً على كيانه، وابتغاءً للإصلاح المنشود أن لا يقتنع بإقامة نظام الحكم الإسلامي في قطر واحد بعينه، بل من واجبه الذي لا مناص له منه بحال من الأحوال أن يدخر جهداً في توسيع نطاق هذا النظام وبسط نفوذه في مختلف أرجاء الأرض. ذلك بأن يسعى الحزب الإسلامي في جانب وراء نشر الفكرة الإسلامية وتعميم نظرياتها الكاملة ونشرها في أقصى الأرض أدناها ويدعو سكان المعمورة على اختلاف بلادهم وأجناسهم وطبقاتهم. هذه هي الخطة التي سلكها وهذا هو المنهاج الذي انتهجه النبي ومن جاء بعده وسار بسيرته من الخلفاء الراشدين. فإنهم بدءوا ببلاد العرب التي أشرقت شمس الإسلام من آفاقها وأخضعوها أولاً لحكم الإسلام وادخلوها في كنف المملكة الإسلامية الجديدة، ثم دعا النبي الملوك والأمراء والرؤساء في مختلف بقاع الأرض إلى دين الحق – الإسلام - للإذعان لأمر الله. فالذين آمنوا بهذه الدعوة انضموا إلى هذه المملكة الإسلامية وأصبحوا من أهلها. والذين لم يلبوا دعوتها ولم يتقبلوها بقبول حسن، شرع في قتالهم وجهادهم. ولما استخلف أبو بكر بعد وفاة النبي، حمل على المملكتين المجاورتين للمملكة الإسلامية؛ مملكتي الروم والفرس - راجع كتاب (الجهاد في سبيل الله) لأبي الأعلى المودودي ص 28-39.

هل يستطيع أي مسلم إذن أن يشكك بأقوال المودودي المستمدة من القرآن والسنة؟

                        

 الإسلام يتطلب الأرض كلها ولا يقتنع بجزء منها.!!

·        عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله  يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر. وكان تميم الداري يقول قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية - أحمد 16344.

·        عن نبي الإسلام قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها لي منها - رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

·        وفي الحديث الصحيح يقول أبو قبيل: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلقة فأخرج منه كتاباً وقال: فقال عبد الله بينما نحن حول رسول الله، نكتب إذ سئل رسول الله أي المدينتين تفتح أولاً؟ يعني القسطنطينية أو رومية؟  فقال رسول الله: مدينة هرقل تفتح أولاً القسطنطينية - رواه احمد  - وراجع أيضاً الفريضة الغائبة ص 42-44.

 

***

ـ الاستيلاء على البلاد وتفريغها من أهلها كان حلم نبي الإسلام الأكبر ـ

·        عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله: لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلماً - أحمد 21 - أحمد 210 الترمذي 1531

·        أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح - الترمذى 1532 - أحمد 196.

·        عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها. وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله: نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا -  البخاري 2170 - البخارى 2919

·        عن أبي هريرة قال بينما نحن في المسجد خرج النبي، فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس، فقال: أسلموا تسلموا واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله - البخارى 293.

·        عن نافع عن ابن عمر قال حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي فأمنهم وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم؛ بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهود المدينة – البخارى 3724 – أبو داود 2634 – أحمد 9450

·        عن ابن عباس قال: قال رسول الله: لا تصلح قبلتان في أرض واحدة وليس على المسلمين جزية. والنصراني إذا أسلم وضعت عنه جزية رقبته - الترمذى 574 أبو داود 2636.

·        عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول كان من آخر ما تكلم به رسول الله أن قال: قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب - مالك 1387 مالك 1388.

 

هذه كانت وصية النبي الأخيرة :

عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصى عند موته بثلاث؛ أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة. وقال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب، فقال: مكة والمدينة واليمامة واليمن. وقال يعقوب والعرج أول تهامة - البخارى 2825.

سؤال:  إذا كانت وصية ورغبة نبي الإسلام هي إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب فهل يعقل بأن تكون رغبة العرب والمسلمين مختلفة أو مخالفة لوصية ورغبة نبيهم؟!

}من يطع الرسول فقد أطاع الله{ النساء 80

}وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ الحشر 7

إن إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب أصبح واجب ديني يجب على كل مسلم أن يسعى جاهداً لتنفيذه عملاً بوصية وسنة النبي الذي لا ينطق عن الهوى بل بوحي يوحى.

وتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين واليهود واجب ديني يجب على كل مسلم أن يبذل قصارى جهده لتحقيقه وإن كره المشركون. إنها وصية نبي الإسلام الأخيرة بأن لا يُترك في الجزيرة دينان.

عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب - مالك 1388.

في تصريح لأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، السيد حبيب الشطي في حديث خاص لجريدة الشرق الأوسط في 16 تموز 1984، أعلن فيه أن المنظمة رفعت دعوى ضد الجريدة الفرنسية Le Figaro . وأن المحاكم الفرنسية ستنظر هذه الدعوى بحلول شهر تشرين الأول، والدعوة تدور حول ما زعمته هذه الجريدة حول عقد مؤتمر للدول الإسلامية في لاهور عام 1980 لبحث القضاء على المسيحيين في الدول الإسلامية وإجبارهم على اعتناق الإسلام قبل نهاية القرن الحالي.

قال السيد الشطي (إن ذلك تلفيق لا يمت إلى الواقع والحقيقة بصلة بقدر ما هو إشهار غير مسؤول يستهدف النيل من الإسلام ومبادئه القويمة التي تدعو إلى التسامح الديني والتعايش السلمي والتعاون المثمر بين كل المجتمعات في العالم أيا كانت معتقداتها وألوانها ومشاربها الروحية والاجتماعية .. )

وختم تصريحه بقوله (أنه لا يعقل أن نتآمر ضد مواطنين مسيحيين يعيشون جنباً إلى جنب مع بني أوطانهم المسلمين في بلدان عديدة، وفي أمان مطلق تربطهم الآمال والآلام الوطنية وتشدهم ببعض التطلعات القومية والقضايا المصيرية الواحدة) - راجع حروب الآلهة 96-97.

 تقودنا هذه الحقائق والأحكام الشرعية، سواء كانت أحكام الجهاد أو أحكام التقية، إلى سؤال أعتقد أنه مهم خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة؛ مرحلة مواجهة الدول المتحضرة للإرهاب.

سؤالي هو: هل يُعد السلام في الإسلام استراتيجية أم تكتيك تقوي؟

ـ معاهدات الصلح ـ

 

   بدايةً ومن أجل الإفادة، دعوني أبين لكم موقف الإسلام من معاهدات الصلح بشكل عام

نقول: عقد المعاهدات هو أمر جائز في الإسلام نزولاً عند حكم الآية القرآنية: }براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين{ توبة 1.

وقد عرف العرب قبل الإسلام المعاهدات (العهود) بشكل عام وسموها (إيلافاً) أو (حلفاً) ومن ذلك إيلاف قريش وحلف الفضول .. الخ.  وكانت هذه العهود أو الأحلاف على نوعين: المساندة وهي تنصب على مساعدة كل قبيلة طرف في حلف للقبيلة الأخرى الطرف فيه عند الحاجة، مما يجعلها شبيهه بالأحلاف العسكرية في هذه الأيام.

أما النوع الثاني: فهو الموادعة: وهي وفاق صلح وسلام يتعهد فيه كل طرف بالكف عن أية أعمال ذات طابع عدواني تجاه الأطراف الأخرى. وهي تشبه اتفاقيات الهدنة المعاصرة إذا كانت مؤقتة. ومعاهدات الصلح إذا كانت دائمة، علماً بأن العرب نادراً ما كانوا يقبلون بعقد موادعات تزيد مدتها عن عشر سنوات - راجع: أحكام الحرب والسلام في دار الإسلام ص 73.

 

أما المعاهدات في الإسلام فيمكن ردها إلى ثلاثة أنواع وذلك لجملة العهود التي عقدها المسلمون مع غيرهم وهي:

عهد الأمان، وعهد الذمة، وعهد الصلح.

·        عهد الأمان:  هو عهد مؤقت لا تزيد مدته في العادة عن سنة يعقده المسلمون مع أحد الحربيين أي مواطني العدو أو عدد محدود منهم، ويسمى هؤلاء بعد حصولهم على الأمان باسم (المستأمنين)، حتى إذا انتهى مفعول العهد الممنوح لهم عادوا حربيين.

·        عهد الذمة:  هو نوع من العهود كان يتم عقده بين قادة جيوش الفتح (الغزو) وبين سكان البلاد المفتوحة الذين اختاروا البقاء على ديانتهم الأصلية مع دفع الجزية. وبمجرد توقيع هذا العهد، تُطبق على المعاهدين الذميين قواعد القانون الإسلامي (الشريعة).

·        عهد الصلح:  معاهدة تتم بين دار الإسلام من جهة وبين دار الحرب من جهة ثانية.  والصلح في الشرع الإسلامي عبارة عن عقد على ترك القتال مدة معلومة لازمة يقع بين طرفين في زمن محدد بشروط مخصوصة.

وعهود الصلح لا تزيد مدتها من الناحية الشرعية عن عشر سنوات تقليداً لصلح الحديبية الذي عقده محمد مع  القريشيين وكانت مدته كذلك.

 

وللمعاهدات  في الإسلام شروط وهي:

أولاً: ألا تخالف المعاهدة حكماً من الأحكام الشرعية؛ فلكي تنعقد المعاهدة بشكل صحيح يجب ألا تخالف أي حكم قطعي وارد في القرآن وذلك نزولاً عند حكم الحديث القائل (من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله  فهو باطل) -  فتاوى ابن تيمية 3/329.

ثانياً: أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين؛ فإن لم يكن للمسلمين مصلحة كتجاوز ضعف أو توفير مال أو توقع إسلام المعقود معهم الصلح، فلا يهادنون بل يقاتلون حتى يسلم الكفار أو يدفعون الجزية.

ثالثاً: أن لا يكون في العقد شروط يأباها الإسلام منها:

·   اعتراف أو إقرار الكفار على جزء ولو كان شبراً من أرض المسلمين لأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فيما لا يملك ولا يفاوض عليه.  يقول الإمام مالك: (إذا وقع الخليفة الصلح والمسلمون لا يرون إلا الجهاد فمهادنته منقوصة وفعله مردود) - راجع  فتح العالي لإمام مالك 1/289.

·   الاستنفار للجهاد: إذا تعين الجهاد بطل الصلح كما إذا دخل العدو أرض المسلمين أو كان طالباً لهم. وحيث تعين الجهاد في موضع لم يجز فيه الصلح.

رابعاً: أن لا تزيد مدة المصالحة عن أربعة اشهر عند قوة المسلمين وأمنهم ولا تجوز الزيادة عن عشر سنين ولا إطلاق المدة.

 

فلا بد أن تكون المصالحة معلومة محدودة لأن تركها من غير تقدير يؤدي إلى ترك فريضة الجهاد بالكلية هذا في حالة كون العدو في بلاده أو بأطراف البلاد الإسلامية على الحدود. أما إن أخذ العدو جزءاً من بلاد الإسلام وادعى ملكيته لهذا الجزء وأنكر حق المسلمين فيها وجار عليهم في العدوان، فإن المصالحة أو المهادنة أو المسالمة لا تتم بإجماع آراء الفقهاء في كافة العصور الإسلامية.

أما إذا كان المسلمون في حالة ضعف كمثل الذي هم عليها الآن، فلا بأس في أن يعقدوا صلح مؤقت مع أعدائهم إلى أن يزول سبب ضعفهم. فإن كان سبب ضعف المسلمين لأسباب خارجة عن إرادتهم وظهور قوة عدوهم عليهم، جاز لهم المهادنة والمصالحة لمدة محدودة ومعلومة حتى يزول سبب الضعف. فالصلح المطلق والمقود والمتضمن ترك الجهاد يجب نقضه لأنه بمقضي الشرع غير مبرم، وحكمه غير لازم عند كل من حقق في أصول الشريعة.

أما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك - راجع تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي في شرحهم لآية سورة محمد 35، والتوبة 5.

قال الطبري في تفسيره: إذا كان المسلمون في حالة ضعف رُخص لهم في موالاتهم - أي في موالاة الأعداء - إذا أخافوهم، والمراد بتلك الموالاة محالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع من قصر العصا وإظهار الطرية - راجع تفسير الطبري في شرحه لآية آل عمران 28.

أما إذا كان المسلمون في حالة ضعف والعياذ بالله، فلا باس إن جنحوا مع الأعداء إلى السلم، إن يجنح لهم المؤمنون. }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{ الأنفال 61.

أما إن كان المسلمون في حالة قوة تسمح لهم بالمقاومة فلا يجوز شرعاً عقد سلم أو مصالحة، وذلك لقوله: }فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأعلون{ محمد 35.

}فلا تهنوا{ أي لا تضعفوا عن الأعداء، }وتدعوا إلى السلم{ أي المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عددكم وعدتكم، ولهذا قال: }فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون{ أي في حال علوكم على عدوكم - راجع تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي والشوكاني والواحدي في شرحهم لآية سورة محمد 35.

 

يقول الشيخ الدكتور عبد القادر بن عبد العزيز في كتابه الجامع في طلب العلم الشريف: ولا يمنع المسلمين من الجهاد إلا العجز، وذلك لقوله تعالى: }فلا تهنوا وتدعوا إلى السَّلم وأنتم الأعلون{، فما دامت بالمسلمين قوة وكانوا أعلى من عدوهم فلا سِلْم ولا هدنة ولا صلح، بل القتال حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. وذلك لأن آخر ما نـزل في الجهاد هو قوله تعالى: }فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم{، فهذه الآية وآية الجزية بنفس السورة أمر بالقتال العام، وهو من أواخر ما أنزل من القرآن، فلا ناسخ له، وروى البخاري عن البراء قال: "آخر سورة نـزلت براءة" - صحيح البخاري حديث 4654.

وهكذا فعل النبي والخلفاء من بعده في قتال المشركين وأهل الكتاب، ولا يمنع من هذا إلا العجز.

 

ولم يسمح الله سبحانه وتعالى لأمة الإسلام أن تدعو إلى السلم مع الكفار إلا في إحدى حالتين:

أ- أن يذل الكفار ويضعفوا وتخور قواهم ويجنحوا إلى السلم، فعند ذلك يكون السلم في صالح المسلمين لأن عقيدتهم أقوى، وفعلهم أكبر، وبذلك يفتح المجال لدخول الناس في الدين كما كان الشأن بين الرسول وقريش.

ب- أن يكون الصلح من باب ارتكاب أخف الضررين، فيلجأ المسلمون إليه دفعاً لمصيبة أعظم كما هم الرسول أن يصالح غطفان على نصف ثمار المدينة حتى يفك تحالفهم مع قريش، وينفرد النبي بقتال قريش بعد ذلك..

أما في غير هاتين الحالتين، فإنه لا يجوز للمسلمين الدعوة إلى السلام كأن يكون ركوناً للدنيا وكراهة للجهاد أو خوفاً من كثرة الكفار، وذلك أن أهل الإيمان ينصرون مع قلتهم على الكفار على كثرتهم، وهذه سنة الله الجارية أبداً في عباده:  }كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين{ البقرة 249.

}ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً{ الفتح 22 23.

 

وأما الدعوة إلى السلم بمعنى ترك الحرب نهائياً، ومصالحة الكفار أبداً ونبذ الحرب والقتال مطلقاً، فهذا كفر بالله تعالى مخرج من ملة الإسلام، وإلغاء لفريضة الجهاد التي جعلها الله فرضاً على كل مسلم إلى يوم القيامة كما قال تعالى: }كتب عليكم القتال وهو كره لكم{ البقرة 216، وكتب بمعنى فرض ..... فالجهاد ماض بعد فتح مكة إلى يوم القيامة، وهو إما خروج بالنفس وهذا الفرض العيني، وإما نية دائمة لكل مسلم يجب أن يصحبها دائماً، ويموت عليها، فيكون مستعداً لمزاولة القتال في كل حال، قائماً به في حالة الوجوب العيني، وإلا أثِم.

 

مما سبق نرى أن الأصل في العلاقة بين المسلمين والكافرين هو القتال، وأن الاستثناء منه هو السلم في صورة هدنة أو صلح، وأنه لا يلجأ إلى هذا الاستثناء إلا لضرورة من عجز ونحوه، وذلك لقوله تعالى: }فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون{.

·       قال ابن قدامة: ومعني الهدنة أن يعقد لأهل الحرب عقداً على ترك القتال مدة بعِوَض وبغير عِوَض، وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة، وذلك جائز بدليل قول الله تعالى: }براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين{ وقال سبحانه:} وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{

·        وروي مروان ومِسْوَر بن مخرمة (أن النبي صالح سهيلاً بن عمرو بالحديبية على وضع القتال عشر سنين، ولأنه قد يكون بالمسلمين ضعف فيهادنهم حتى يقوي المسلمون، ولا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين. إما أن يكون بهم ضعف عن قتالهم وإما أن يطمع في إسلامهم بهدنتهم أو في أدائهم الجزية والتزامهم أحكام الملة أو غير ذلك من المصالح. إذا ثبت هذا فإنه لا تجوز المهادنة مطلقاً من غير تقدير مدة لأنه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية) - المغنى لابن قدامه 10/517.

وكما ترى فإن ابن قدامة قال عن الهدنة: "لا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين" أي لمصلحتهم كما فَصَّله.

·        وقال صاحب المجموع: "لا يجوز عقد الهدنة لإقليم أو صقيع إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام لأنه لو جُعِل ذلك إلى كل واحد لم يؤمن أن يهادن الرجل أهل إقليم، والمصلحة في قتالهم فيعظم الضرر فلم يجز إلا للإمام أو النائب عنه، فإن كان الإمام مستظهراً نُظِرَت فإن لم يكن في الهدنة مصلحة لم يجز عقدها لقوله عز وجل: }فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم{." - المجموع شرح المهذب 19/439.

·        وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: }فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم{. قال: "}فلا تهنوا{ أي لا تضعفوا عن الأعداء، }وتدعوا إلى السلم{ أي المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عَدَدِكم وعُدَدِكم، ولهذا قال }فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون{ أي في حال علوكم على عدوكم. فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأي الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك كما فَعَل رسول الله حين صده كفار قريش عن مكة ودَعَوْه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم إلى ذلك.

ويذهب البعض - خاصة من المُحْدَثِين - إلى أن الأصل في العلاقة بين المسلمين والكافرين هو السلم، وأن الاستثناء من هذا هو القتال إذا دعت إليه الضرورة. ويحتجون لذلك بقوله تعالى: }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله{.

وهذا رأي يفضي إلى تعطيل الجهاد بالكلية. وهذا لا يجوز شرعاً لأن الجهاد فريضة مثله مثل الصيام: }كتب عليكم الصيام{ بقرة 183. }كتب عليكم القتال{ بقرة 216 . فكما أنه لا يجوز شرعاً تعطيل صيام رمضان لأنه كُتب على المسلمين أي فرض عليهم. هكذا أيضاً لا يجوز شرعاً تعطيل فريضة القتال لأنها مكتوبة على المسلمين كصيام شهر رمضان.

أما الآية المحتج بها فلا حجة فيها، إذ إنها محمولة على جواز المسالمة بشرط حاجة المسلمين لذلك، وهذا الشرط تبينه الآية الأولى }فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون{. فآية الأنفال تختص بحال وهو كون المسالمة في مصلحة المسلمين ويحتاجون إليها، أما آية سورة محمد فهي تختص بحال آخر وهو كون المسالمة ليست في مصلحة المسلمين وذلك عندما تكون بهم قوة يقهرون بها عدوهم. فإنه لا تجوز المسالمة حينئذ لهذه الآية ولأن في هذا عدول عن الأصل المطلوب وهو إظهار دين الإسلام على ماعداه، لقوله: }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ الأنفال 39، وقوله: }ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون{ التوبة 32 والصف 9.

·        قال ابن كثير في تفسير آية الأنفال } وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{: قال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر{،  وفيه نظر أيضاً، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية، وكما فعل النبي يوم الحدييبية.

·   وقال ابن حجر في نفس الآية }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها{: "هذه الآية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين - إلى قوله - ومعنى الشرط في الآية أن الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهراً على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا".) - فتح الباري 6/275-276.

    فالآية المحتج بها دالة على مشروعية المسالمة عند الحاجة لا وجوب المسالمة.

الفصل الثالث

ـ العنصرية في الإسلام ـ

ـ مقدمة ـ

    "في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، عرف المسيحيون، رعايا الإمبراطورية العثمانية، فترات من الأمل بامتلاك الحرية بفضل المصالح التي كانت تربط الحكم العثماني وبعض الدول الغربية وبفضل الضغوط التي كانت تمارسها هذه الدول على تركيا الإسلامية لمنح رعاياها الحقوق الأساسية. على هذا الأساس، سنت الحكومة العثمانية قوانين إصلاحية غايتها تحديث نظام الحكم وتحقيق المساواة والعدل والحرية بين جميع المواطنين العثمانيين. وتعدل نظام الأقليات غير الإسلامية في عهد السلطان عبد المجيد  (1839- 1861) بموجب مشروع إصلاحي عرف بالخط الشريف  – غولخانه - الذي صدر بتاريخ 3 تشرين الأول 1839، ونص على ضمان أمن المواطنين المنتمين إلى أي دين أو طائفة. وبموجب هذا الالتزام وضعت قاعدة المساواة العلنية بين المسلمين وغير المسلمين لأول مرة منذ الفتح الإسلامي. لكن هذا الالتزام لم يتخذ في الواقع ترجمة عملية نظراً لمعارضة الرأي العام الإسلامي له. فبقى حبراً على ورق.

 

كانت السياسة العثمانية تمنح المسيحيين المساواة والعدل على الورق من ناحية، وتدبر لهم الدسائس من ناحية أخرى، كما حدث في أحداث 1841 و1860 - مذابح المسيحيين في لبنان وسوريا - ليس فقط في لبنان وسوريا بل في أوروبا الشرقية وأرمينيا خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وتزامنت الإصلاحات مع المجازر على مدى ثمانية عقود، وانتهت بوضع حد لقدر كبير من الوجود المسيحي في الإمبراطورية العثمانية وجوارها. وكان للمسؤولين السياسيين في تقرير وتنظيم المجازر نصيب واضح، أثبتتها الوقائع والوثائق - راجع حسر اللثام عن نكبات الشام ص 96 و 111.

 

قبل وقوع المجازر في دمشق عام 1860، انتشر بين الناس بيان موجه ضد سياسة الإصلاحات العثمانية التي تمنح المسيحيين حق المساواة بالمسلمين. اعتبر البيان هذه الإصلاحات تجاوزاً للقوانين الإسلامية المفروضة منذ عهد الإمام عمر بن الخطاب (غايتهم - أي النصارى - مساواة المسلمين لا بل إحراز السيادة عليهم وهم يجهلون أن المسلمين صمموا على إبادتهم عملاً بتعاليم الشريعة الغراء) على حد ما جاء في ترجمة البيان الذي أكد على نقاط اعتبرها أساسية: منها (أولاً: إن سفك دم المسيحيين وهتك حرمة عرضهم واغتصاب أموالهم وحرق كنائسهم وتدمير بيوتهم مباح لأنهم امتنعوا عن دفع مال الأعناق (الجزية). وثانياً: إن كثيراً من الفتاوى الهندية والبخارية تنهي بصراحة عن السماح للمسيحيين باشتداد ساعدهم وتوجب إضعافهم بإهلاك نسلهم وتخريب بيوتهم وعرقلة جميع أعمالهم، وقصارى القول منع نجاحهم). أضاف البيان: (استيقظي أيتها الأمة الإسلامية واستأصلي شأفة خدمة الصليب في هذه البلاد المقدسة).

 

ودعا البيان إلى انتهاز فرصة إنهاك قوة الدول الأوروبية في حرب القرم للتغلب على الأمة المسيحية.

(فقد آن وقت محو آثارها ودنا أجلها). وكشف البيان عن مؤامرة كانت تدبرها الجمعيات السرية المؤسسة في الآستانة بمعاونة (الوزراء والعلماء وأعيان الأمة السلامية) على خلع السلطان وإبادة المسيحيين:

(صممنا بالاتفاق مع الوزراء والعلماء على إبادة المسيحيين قاطني جبل لبنان ودمشق وحلب وحمص وحماة وسائر المدن السورية. وقد آثرنا الفتنة في لبنان فأهلكناهم وشتتنا الباقين. فإذا حدث عندكم مثل هذا، لا تغيثوا المسيحيين، إنما تصرفوا بحكمة وأفيدونا لنعلمكم كيف تتدبرون) - راجع حروب الآلهة. إصدار مركز الأعلام الكاثوليك ص 8-9 .

 

    لم تقف عند هذا الحد، الأوامر الصادرة عن أناس موجودين في موقع المسؤولية، للقضاء على الوجود المسيحي في منطقة الشرق الأوسط. ففي عام 1919، صدر أمر عن وزير الداخلية في الحكومة العثمانية، (طلعت باشا)، إلى والي حلب نوري بك، يقضي بإبادة الشعب الأرمني يقول فيه: بالرغم أن قراراً سابقاً اتخذ في سبيل القضاء على العنصر الأرمني فإن مقتضيات الزمن لم تكن توفر إمكانية تحقيق هذه النية المقدسة. والآن بعد القضاء على العقبات، ونظراً إلى أنه جاء وقت تخليص الوطن من هذا العنصر الخطر، نوصيكم بإلحاح أن لا تستسلموا لمشاعر الشفقة أمام وضعهم البائس. وأنه في سبيل وضع حد لوجودهم يجب أن تعملوا بكل ما لديكم من عزم على القضاء على الاسم الأرمني في تركيا - راجع: مجازر الأرمن، مذكرات نعيم بك ص 43.

نذكر هذه الأمور التاريخية في مقدمة فصلنا هذا لنبين أن مسألة مساواة المسلمين مع الذميين أمر خرافي ترفضه الشريعة الإسلامية بشدة لأنه يتنافى مع تعاليم القرآن والسنة.

 

نقول يُعتبر التنوع ظاهرة كونية من مظاهر الخلق الكبرى، إنها ظاهرة كونية شملت جميع الموجودات الروحية والمادية العاقلة والغير عاقلة دون استثناء. هذا التنوع ليس تنوعاً في الأشكال فقط، بل هو تنوع في المهمات وفي الوظائف، وفي الجوهر، وفي المظاهر الخارجية. إنه تنوع يستوعب كل شيء ويشمل كل شيء. 

 

أما شريعة الإسلام بتعاليمها وأحكامها تحاول تغيير هذه الظاهرة الكونية. بمعنى آخر: شريعة الإسلام ترفض التنوع.

فكل ما يخالف الإسلام في قليل أو كثير، في عقيدته أو شريعته، هو ليس حقاً، بل باطل. باطل يجب إزالته بشتى الطرق. }هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ الصف 9.

 

الإسلام يحاول أن يثبت نفسه عن طريق نفي الآخر، وتاريخ الإسلام حفل بالعديد والعديد من الحروب وأعمال العنف والإرهاب التي كان منشؤها محاولة نفي الآخر، وهذا ما يفسر كثرة الحروب الدينية التي احتلت مساحة كبيرة جداً من تاريخ الإسلام.

لم تشهد البشرية بتاريخ ويلاتها ونكباتها الأسود أمة نادت وأيدت ومارست العنصرية بجميع أنواعها وأشكالها مثل أمة الإسلام. فبرغم كثرة استشهاد المسلمين بآيات وأحاديث العدل والمساواة والمسامحة والعفو عند المقدرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رغم هذا كله يبقى الواقع القرآني والسنة والتاريخ الإسلامي وواقع حال المسلمين شهود عدل على عنصرية وتتارية وبربرية وظلم شريعة الإسلام.

نعم الإسلام عنصري في تعاليمه وتشريعاته وعنصري في أحكامه. والشيء المضحك والملفت للنظر هو أنهم يحاربون الصهيونية لأنها عنصرية الفكر والمنطلق والأساس!!!.

حاربوا الصهيونية العنصرية، وتغافلوا عن تعاليم شريعتهم التي فاقت بأضعاف المرات عنصرية ووحشية النازية. هتلر أراد أن يمحو عرق، أما شريعة خاتم الأنبياء الذي بعث رحمة للعالمين تريد أن تمحو كل الأعراق الغير مسلمة.

 

لا قيمة ولا كرامة ولا مكانة ولا حرمة ولا حقوق في الإسلام لغير المسلمين. إنها حقيقة أعلنها القرآن، وأيدتها وبينتها السنة، وشرحها وبين مدلولاتها وأحكامها الشرعية وبشكل دقيق ومفصل فقهاء وعلماء المسلمين قديماً وحديثاً.

الإسلام وضع أهل الأقليات الدينية داخل معسكر إبادة جماعي وأحاطوه بسياج القهر والظلم والقسوة وكتبوا على بوابته الكبرى (لا إكراه في الدين) 

ولا نبالغ إذا قلنا أن تاريخ القهر والظلم الإنساني لم يشهد بكل بشاعته وظلمه وقسوته عنصرية وقهر وظلم واستبداد وتكبر وسحق مثل التي جاءت به شريعة الإسلام من أحكام تتعلق بأهل الذمة في الإسلام: أحكام كنائسهم، وأحكام لباسهم وغيارهم، وأحكام معاملاتهم والتعامل معهم.

لقد قسمت الشريعة الإسلامية أبناء الوطن الواحد إلى قسمين؛ أصحاب مواطنة كاملة وهم المسلمين، وأصحاب مواطنة ناقصة وهم الذميين (أهل الكتاب اليهود والمسيحيين). فالذي يحق للمسلم لا يحق للذمي والذي يجوز للذمي لا يجوز على المسلم وبالعكس.

ولكي لا يتهمنا البعض بالافتراء على شريعة السماحة الذي أتى بها نبي الرحمة صلوات الله عليه وسلم، دعونا نستعرض وبشكل مختصر وسريع بعض (أحكام أهل الذمة في الإسلام) ليرى القارئ إلى أي حد أكرم الإسلام الإنسان.

***

ـ أحكام أهل الذمة في الإسلام ـ

في الشروط العمرية

لا بد لمن شاء دراسة تاريخ النصرانية في الإسلام، منذ الاحتلال الإسلامي - الفتح - إلى يومنا هذا، البحث في الأسباب والعوامل التي أدت إلى تقلص ظل المسيحية وانحطاطها في الشرق، بعد أن كانت شائعة في أعظم المعابد، سائدة في أكثر الأمصار. وأول ما يبدو له من هذه الأسباب، بعد تغلب الدين الإسلامي، هو الشروط العمرية التي أوجبها الشرع الإسلامي على أهل الذمة، ومعظمهم من أهل الكتاب. وهذه الشروط هي التي جرَّت عليهم في كل حين أصناف المحن والشدائد، وأرغمت الكثيرين منهم على الخروج من دين آبائهم، وانتحال الإسلام صيانة لدمائهم وأموالهم وأعراضهم، وهرباً من الذل والصغار. فأقفرت الديار والأديار، وعادت الكنائس مساجد، والبِيَع معابد، والصوامع جوامع لعبدة الشيطان - كما قال العماد الاصبهاني في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبى شامة 2/134.

نقول: الشروط العمرية هي مجموعة الشروط والأحكام التي بُنيت عليها مظالم النصارى مدة أربعة عشر قرناً، وهي التي شتت شملهم في الشرق والغرب وأخلت بيعهم وديارهم، واستنزفت أموالهم ودماءهم وأباحت حرماتهم العامة والخاصة. فما هي تلك الشروط؟

 

الشروط العمرية:

قال الخلال في كتابه (أحكام أهل الملل): أخبرنا عبد الله بن أحمد فذكره. وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى الشام وشرطهم عليهم فيه:

أن لا يحدِّثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاثة ليالي يطعمونهم، ولا يؤووا جاسوساً، ولا يكتموا غشاً للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركاً، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه، وأن يوقروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شئ من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم، ولا يركبوا سروجاً، ولا يتقلدوا سيفاً، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صليباً ولا شئ من كتبهم في شئ من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شئ من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يظهروا النيران – الشموع - معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين.

فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه، فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل لأهل الشقاق والمعاندة - أحكام أهل الذمة لابن القيم الجوزي 2/ 114 –115. راجع أيضا الجهاد لابن تيمية 2/223 والخراج لابو يوسف ص 140 -153 .

 

وقد تضمنت شروط عمر هذه جملاً من العلم تدور على ستة فصول:

الفصل الأول: في أحكام الكنائس والبيع والصوامع وما يتعلق بذلك  (البيعة هي الكنيس اليهودي)

الفصل الثاني: في أحكام ضيافتهم للمارين بهم وما يتعلق بها.

الفصل الثالث: فيما يتعلق بضرر المسلمين والإسلام.

الفصل الرابع: فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس وغيره.

الفصل الخامس: فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا عنها.

الفصل السادس: في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة ونحوها - أحكام أهل الذمة في الإسلام ابن قيم الجوزي ص 2/ 116

ملاحظة: لا نريد سرد جميع الأحكام لان هذا أمر يطول شرحه، لكننا سوف نعرض فقط ما يهمنا من أحكام اتفق عليه جمهور علماء المسلمين.

 

قال الماوردي في أحكامه: يجب على أهل الذمة، بالإضافة إلى ما ذُكر أن يقوموا بما اشترِط عليهم في عقد الذمة، وقد بينا في بحثنا لعقد الذمة أن هناك شروطاً تجب عليهم دون أن تذكر في عقد الذمة وقد ذكرتها هناك.

يقول الماوردي: ويشترط عليهم في عقد الذمة شرطان مستحق ومستحب. أما المستحب فستة أشياء:

الأولى: تغيير هيئاتهم بلبس الغيار وشد الزنار.

الثاني: أن لا يعلون على المسلمين في الأبنية.

الثالث: أن لا يسمعوهم أصوات نواقيسهم، وتلاوة كتبهم، ولا قولهم في المسيح.

الرابع: أن لا يجاهروهم بشرب خمورهم، ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم.

الخامس: أن يخفوا دفن موتاهم،ولا يجاهروا بندب عليهم ولا نياحة.

السادس: أن يمتنعوا عن ركوب الخيل - راجع أحكام الماوردي ص 14.

 

في أحكام الكنائس والبيع والصوامع وما يتعلق بذلك :

-        لا نظهر عليها صليباً

لما كان الصليب من شعائر الكفر الظاهرة، كانوا ممنوعين من إظهاره. قال أحمد في رواية حنبل: ولا يرفعوا صليباً ولا يظهروا خنزيراً ولا يرفعوا ناراً ولا يظهروا خمراً وعلى الإمام منعهم من ذلك.

وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن يمنع النصارى في الشام أن يضربوا ناقوساً ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم فإن قُدر على من فعل من ذلك شيئاً بعد التقدم إليه فإن سلبه لمن وجده. وإظهار الصليب بمنزلة إظهار الأصنام فإنه معبود النصارى كما أن الأصنام معبود أربابها ومن أجل هذا يسمون عباد الصليب. ولا يمكنون من التصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها ولا يتعرض لهم إذا نقشوا ذلك داخلها - كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1240. راجع الخراج  لأبي يوسف 176 - 178 .

-         ولا نضرب نواقيسنا إلا ضرباً خفيفاً في جوف كنائسنا

لما كان الضرب بالناقوس هو شعار الكفر وعلمه الظاهر اشترط عليهم  تركه.

وقال عمر بن الخطاب (إن أحق الأصوات أن  تخفض أصوات اليهود  والنصارى في كنائسهم) 

وقال أبو الشيخ في كتاب (شروط عمر) حدثنا طاهر بن عبد الله 000 عن أنس بن مالك قال (إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن عز وجل، فتنزل الملائكة، فتأخذ بأقطار الأرض فلا تزال تقول (قل الله أحد) حتى يسكن غضب الرب - راجع: أحكام أهل الذمة ص2/ 153 - راجع أيضاً: الخطط للمقريزي 1/263 و2/ 507 و2/ 492-494 وكتاب الروضتين لأبي شامة 2/11.

-    ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا في القراءة في كنائسنا مما يحضره المسلمون

لما كان ذلك من شعار الكفر منعوا من إظهاره. قال أبو الشيخ حدثنا عبد الله بن عبد الملك الطويل، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية عن ضمرة قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن امنعوا النصارى من رفع أصواتهم في كنائسهم فإنها أبغض الأصوات إلى الله عز وجل وأولاها أن تخفض. وقال أحمد في رواية أبي طالب ولا يرفعوا أصواتهم في دورهم.

وقال الشافعي واشترط عليهم ألا يسمعوا المسلمين شركهم ولا يسمعونهم ضرب ناقوس فإن فعلوا ذلك عزروا انتهى فرفع الأصوات التي منعوا منها ما كان راجعاً إلى دينهم وإظهار شعاره كأصواتهم في بحوثهم ومذاكرتهم ونحو ذلك - كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1241. و2/ 154.

 

في أحكام الكنائس

تنحصر مسألة بناء وترميم الكنائس في أربعة جوانب، تقسم البلاد إلى الأقسام التالية:

·         بلاد أسلم عليها أهلها.

·         وبلاد مصَّرها المسلمون كالبصرة والكوفة.

·         وبلاد فتحها المسلمون عنوة.

·         وبلاد صولح  أهلها عليها.

 

وبناء الكنائس والمعابد لأهل الذمة يختلف باختلاف هذه الأقسام :

·        فالبلاد التي أسلم عليها أهلها والبلاد التي مصرها المسلمون يُمنع أهل الذمة من أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة - راجع: أحكام أهل الذمة لابن الجوزي 2/116 - 118  والمغنى المحتاج 4/253 وبدائع الصنائع للكاساني 7/114والمغنى لابن قدامه 10/60.

·        أما ما مصرته العرب، فليس لهم أن يحدثوا فيه بناء بيعة ولا كنيسة، ولا يضربوا فيه بناقوس ولا يظهروا فيه خمراً، ولا يتخذوا فيه خنزيراً، وكل مصر كانت العجم مصرته ففتحه الله على العرب - المسلمين - فنزلوا على حكمه  فللعجم ما في عهدهم، وللعرب أن يوفوا لهم بذلك - راجع الخراج لأبي يوسف ص 149.

(يستدل أن هذا البلد ملكاً للمسلمين، وما دام كذلك فلا يجوز إظهار معابد الكفر فيه) - راجع المغنى لابن قدامه 10/ 610.

·        أما البلاد التي فتحت عنوة، فلا يجوز تمكينهم من إحداث بيعة ولا كنيسة؛ وذلك لأن المسلمين قد امتلكوها بالفتح وأصبحت في حكم ما مصره المسلمون - راجع: مغنى المحتاج 4/ 254 والمغنى لابن قدامه 10/610

·                        وأما الكنائس والبيع الموجودة قبل الفتح، فللفقهاء فيها أقوال:

·         قال ابن القاسم من المالكية: تبقى ولو بلا شرط.

·   والحنفية قالوا: يمنعون من الصلاة فيها، وتبقى كالمساكن ولا تهدم وتتخذ للسكن - راجع: بدائع الصنائع 7/ 114 

-   أما الحنابلة فلهم في هذا روايتان؛ الأولى: أن تهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين. فلا يجوز أن تكون فيها بيعة كالذي مصره المسلمون. والرواية الثانية للحنابلة: يجوز بقاؤها لأن الصحابة قد فتحوا كثيراً من البلاد فلم يهدموا شيئاً من الكنائس.

-        أما الشافعية فقالوا بوجوب هدمها في الأصح.

·        يقول ابن القيم الجوزي (هذه البلاد بحالاتها المختلفة صافية للإمام إن أراد أن يقر أهل الذمة فيها ببدل الجزية جاز، فلو أقرهم الإمام أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة، أو يظهروا فيها خمراً أو خنزيراً أو ناقوساً لم يجز. وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان الشرط والعقد فاسداً، وهو اتفاق الأمة لا يعلم بينهم فيه نزاع).

·        وقال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن خالد الخياط، أخبرنا الليث بن سعيد، عن توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر قال: قال رسول الله (لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة). الخصاء هنا كناية عن الرهبنة.

·                        عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا كنيسة ولا خصاء في الإسلام.

·        سئل عكرمة ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب فقال هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئاً؟ فقال: أيما مصر مصره العرب، فليس للعجم أن يبنوا فيه، ولا يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يتخذوا فيه خنزير.

·        وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: ليس لليهود والنصارى أن يحدثوا في مصر مصره المسلمون بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا بها ناقوساً إلا في مكان لهم الصلح، وليس لهم أن يظهروا الخمر في بلاد المسلمين.

·        قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر أنه سمع الحسن يقول: إن من السنة أن تُهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة. ذكره أحمد عن عبد الرزاق. وهذا الذي جاءت به النصوص والآثار وهو مقتضى أصول الشرع وقواعده.

·        يقول ابن تيمية: (أن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة: مذهب أبو حنيفة، ومالك والشافعي وأحمد، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري، والأوزاعي والليث بن سعد، وغيرهم من الصحابة والتابعين، متفقون: على أن الإمام إن هدم كل كنيسة بأرض العنوة؛  يجب طاعته ومساعدته في ذلك) - راجع: الجهاد 2/212 -214.

·                        عن الحسن البصري أنه قال: من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة.

·                        عن عمر بن الخطاب أنه قال (لا كنيسة في الإسلام).

·        وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار، ولا زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين يفعل ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز، روى الإمام أحمد عنه أنه كتب لنائبه في اليمن أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين فهدمها. وكذلك هارون الرشيد أمر بهدم الكنائس في سواد بغداد وكذلك المتوكل - راجع: أحكام أهل الذمة لابن الجوزي ص 2/ 119 -125. 

 

-    هذا أمر صريح في أنهم لا يملكون رقابها كما يملكون دورهم : إذ لو ملكوا رقابها لم يكن للمسلمين أن ينزلوها إلا برضاهم كدورهم، وإنما متعوها متاعاً، وإذا شاء المسلمون نزلوها، فإنها ملك المسلمين.  فإن المسلمين لما ملكوا الأرض لم يستبقوا الكنائس والبيع على ملك الكفار بل دخلت في ملكهم كسائر أجزاء الأرض، فإذا نزلها المارة - من المسلمين - بالليل أو النهار فقد نزلوا في ملكهم.

فإن قيل: فما فائدة الشرط إن كان الأمر كذلك؟ قيل: فائدته أنهم لا يتوهمون  بإقرارهم فيها كسائر دورهم ومنازلهم التي لا يجوز دخولها إلا بأذنهم.

 فما يدل على ذلك، أنها لو كانت ملكاً لهم لم يجز للمسلمين الصلاة فيها إلا بأذنهم، فإن الصلاة في ملك الغير بغير إذنه في المكان المغصوب هي حرام، وفي صحتها نزاع معروف، وقد صلى الصحابة في كنائسهم وبيعهم.

 

-  لكن المسلمين قد اختلفوا في كراهية الصلاة في البيع والكنائس :

واحتج الذين كرهوا الصلاة في البيع والكنائس: أنها من مواطن الكفر والشرك، فهي أولى بالكراهية من الحمام والمقبرة والمزبلة، وأنها من أماكن الغضب، وأن النبي قد أنهى عن الصلاة في بابل وقال أنها ملعونة فعلل منع الصلاة فيها باللعنة. وكنائسهم موضع اللعنة، والسخطة والغضب ينزل عليهم  فيها كما قال بعض الصحابة: (اجتنبوا اليهود والنصارى في أعيادهم فإن السخطة تنزل عليهم).

وهي من بيوت أعداء الله، والله لا يُعبد في بيوت أعدائه - أحكام أهل الذمة 2/148.

-         لا حرمة في شريعة الإسلام السمحة لكنائس الله :

شريعة الإسلام الكاملة والعادلة أباحت للمسلمين كنائس الله، لهم أن يدخلوها في أي وقت ومتى شاءوا دون أن يمنعهم أحد من ذلك، إنهم نزلاء بيوت الرحمن بالإكراه.  وفي فترة خلافة عمر بن الخطاب دمر الغزاة الفاتحون أربعة آلاف كنيسة ومعبد للكافرين - راجع الاستشراق، أدور السعيد  ص 102

  من هنا وبناءً على هذه الأحكام والتشريعات الإسلامية، أُغلقت كنائس الله، ونُهبت، وأُحرقت، ودُمرت وذلك عملاً بتعاليم شريعة الإسلام السمح والمسالم الذي لا إكراه فيه!

فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس :

·                        أن نلزم زينا حيثما كنا وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا فرق شعر ولا في مراكبهم.

قيل: الغيار مصدر غاير أي خالف. ويطلق في العرف على العلامات والقيود التي وضعت على أهل الذمة لتشهيرهم وتمييزهم. فيتناول كل ما خالف زي المسلمين من أزياء النصارى واليهود، كالزنار والعمامة ورقع  الدراريع، والخيوط الملونة الموضوعة على الكتف، وكل ما خيط على الثياب الظاهرة  مما يخالف لونه لونها، وما كان يعلق في الرقاب عند دخول الحمامات من الدراهم المكتوب عليها (ذمي)، والخواتم، والأطواق من الحديد أو الرصاص، ويُجعل أحياناً في الأعناق من الجلاجل، وما كان يمتاز الرجال به من النعال، والنساء من الأخفاف، وبالإجمال كل ما خالف العادات والألوان المختصة بالمسلمين وملابسهم. وقد قيل أن الغيار هو علامة الكفار. هذا أصل الغيار.

وربما شمل الغيار ما خالف بعض العادات والهيئات كجز النواصي وعدم إرسال الذوائب والركوب على الحمير بالأكف.

وهناك فوائد أكثر من ذلك منها: أنه لا يقوم له، ولا يصدره في المجالس، ولا يقبل يده، ولا يقوم لدى رأسه، ولا يخاطبه بأخي ولا سيدي وولي ونحو ذلك، ولا يدعى له بما يدعى به للمسلم من النصر والعز ونحو ذلك، ولا يصرف إليه من أوقاف المسلمين ولا من زكواتهم، ولا يستشهد تحملاً ولا أداء، ولا يبيعه عبداً  مسلماً، ولا يمكنه من المصحف، ولا تقبل شهادتهم وغير ذلك  من الأحكام والأفعال المتخصصة بإذلال الذميين - راجع: أحكام أهل الذمة ص2/ 177

والغيار - أي التفرقة - سنة سنها محمد وجرى عليها الصحابة والتابعين والأئمة وولاة أمور المسلمين في كل عصر وكل مصر.

قال أبو القاسم الطبري في سياق ما روى عن النبي: مما يدل وجوب استعمال  الغيار لأهل الملل الذين خالفوا شريعته صغاراً وذلاً، وشهرة وعلماً عليهم، ليعرفوا من المسلمين في زيهم ولباسهم، ولا يتشبهوا بهم. وكتب عمر بن الخطاب إلى الأمصار بأن تجز نواصيهم، ولا يلبسون لباس المسلمين حتى  يُعرفوا - راجع المصدر السابق ص 2/165 والجهاد لابن تيمية 2/223.

- الأوامر السلطانية بإلزام الغيار:

سنة 235- 849 أمر المتوكل أهل الذمة أن يتميزوا عن المسلمين في لباسهم وعمائمهم وثيابهم، وأن يتطليسوا بالمصبوغ بالقالى، وأن يكون على عمائمهم رقاع مخالفة للون ثيابهم من خلفهم ومن بين أياديهم، وأن يلزموا بالزنانير الخاصرة لثيابهم، وأن يحملوا في رقابهم كرات خشب كبيرة، وأن  لا يركبوا خيلاً ولتكن ركبهم من خشب إلى غير ذلك من الأمور المذلة لهم والمهينة لنفوسهم، وأن لا يستعملوا في شئ من الدواوين التي يكون لهم فيها حكم على مسلم. وأمر بتخريب كنائسهم المحدثة، وتضييق منازلهم المتسعة، فيؤخذ منها العشر، وأن يُعمل ما كان متسعاً من منازلهم مسجداً. وأمر بتسوية قبورهم بالأرض، وكتب بذلك إلى سائر الأقاليم والآفاق وإلى كل بلد - راجع: البداية والنهاية 10/313- 314.

 

  من جملة الشروط العمرية أن لا يتشبه الذميون بالمسلمين في شيء من لباسهم في قلنسوة… ولا نعل ذات عذبة… وعلق الفراء في ذلك التفسير الآتي: أما النعلان فقد قيل أنه تجعل شرك نعالهم مثنية وأن يحذوها حذو المسلمين لأن هذا كان عادة لهم في لباسهم فأمروا بالبقاء عليه ليقع الفرق والتمييز بينهم وبين المسلم، وإنما اعتبر ذلك في النعال لأن المتأمل منا ينظر إلى قدم الماشي والذاهب في الطرقات فإذا وجد هيئته على هيئة - راجعه للذمي - حكم له بحكمهم - راجع: بيان ما يلزم أهل الذمة فعله ص10 .

 

ولقد ذكر ابن القيم الجوزي في كتابه (أحكام أهل الذمة) مجمل تلك الأحكام، كما بين لنا المدلولات الشرعية لتلك الأحكام :

-         في قص النواصي:

جز النواصي شرط من الشروط العمرية التي أُخذت على أهل الذمة. والنواصي هي مقدمة الرأس أو شعر مقدمة الرأس إذا طال سميت بذلك لارتفاع منبتها. والناصية مقدار ربع الرأس فإذا كان ربع الرأس محلوقاً كان عالماً ظاهراً وأمراً مشهوراً أنه ذمي.

عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب أنه كان يكتب إلى عماله يأمرهم بجز نواصيهم، يعني أهل الكتاب - راجع أحكام أهل الذمة 2/ 173 راجع أيضاً صبح الأعشى 13، 265 وبيان ما يلزم أهل الذمة فعله11.

-        لا يتكنوا بكناهم

قالوا الأسماء ثلاثة أقسام: قسم للمسلمين، وقسم للكفار، وقسم يشترك فيه المسلمون مع الكفار.

فالأول هو: كمحمد وأحمد وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير، فهذا النوع لا يمكنهم التسمي به، والمنع منه أولى من المنع من التكني بكناية المسلمين، فصيانة هذه الأسماء عن أخبث خلق الله أمر جسيم.

والثاني: كجرجس وحنا ومتى ومرقص ونحوه لا يمنعون من التسمي بها.

والثالث: كيحيى وعيسى ويعقوب وداود وسليمان وأيوب، لا يمنعون من التسمي بها.

وأما أن يُخاطب الذمي بسيدي ومولانا ونحو ذلك فحرام قطعاً. أما تلقيبهم بمعز الدولة ونحو ذلك فلا يجوز كما أنه لا يجوز أن يسمى سديداً ولا رشيداً ولا مؤيداً ولا صالحاً ولا نحو ذلك، وإن تسمى بشيء من هذه الأسماء لا يجز للمسلم أن يدعوه به، بل إن كان نصرانياً يقول له يا مسيحي ويا صليبي، وإن كان يهودياً يقال له يا يهودي يا إسرائيلي - أحكام أهل الذمة للجوزي  2/188-189.

 

·         ولا نتشبه بالمسلمين في مراكبهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا.

في مراكبهم

قال: أهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج، وإما يركبون الأكف - وهي البرادع - عرضاً، وتكون أرجلهم جميعاً إلى جانب واحد، كما أمرهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان يكتب إلى عماله يأمرهم أن يركب أهل الذمة في شق. وقد قال الشافعي: ولا يركبون فرساً أصيلاً، وإنما يركبون البغال والحمير. و يمنع أهل الذمة من ركوب الفرس، إذ في ركوبها الفضيلة العظيمة والعز، وهى مراكب المجاهدين في سبيل الله الذين يحمون حوزة الإسلام قال تعالى: }واعدوا لهم ما استطعتم  من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم{. فجعل رباط الخيل لرهبة الكفار فلا يجوز أن يمكنوا من ركوبها.

 

-         لا يحملون السيوف

يمنع أهل الذمة من تقلد السيوف لما بيَّن كونهم أهل ذمة، فإن السيوف عز لأهلها وسلطان، وقد قال رسول الله بعثت بالسيف بين يدي الساعة. فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عز الإسلام وظهر في مشارق الأرض ومغاربها. فالسيف أعظم ما يعتمد في الحرب عليه ويرهب به العدو، وبه ينصر الدين ويذل الله الكافرين؛ والذمي ليس من أهل حمله والعز به.

  

فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا عنها :

-         ولا نخرج صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين

زيادة على عدم إظهارهم ذلك على كنائسهم وفي صلواتهم، فهم ممنوعون من إظهاره في أسواق المسلمين وإن لم يرفعوا أصواتهم به ولا يمنعون من إخراجه في كنائسهم وفي منازلهم بل الممنوع منه فيها رفع أصواتهم ووضع الصليب على أبواب الكنائس - كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1241. و2/ 154.

 

-         الأماكن التي يُمنع أهل الذمة من دخولها:

قال تعالى }يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا{ التوبة 28

عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً. رواه مسلم أحمد 196 - 210 

وعن عائشة قالت: آخر ما عهد رسول الله قال (لا يُترك في جزيرة العرب دينان. رواه احمد. وفي مسنده أيضاً عن على قال: قال رسول الله (يا على إن أنت وليت الأمر بعدي فاخرج أهل نجران من جزيرة العرب).

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون قبلتان في بلد واحد - أبو داود 2636.

 

-         لا نُرغِّب في ديننا ولا ندعو إليه أحداً

هذا من أولى ألا أن يُنقض العهد به: فإن حراب الله ورسوله باللسان، وقد يكون أعظم من الحراب باليد. ولما كانت الدعوة الباطلة مستلزمة - لابد - للطعن في الحق كان دعاؤهم إلى دينهم وترغيبهم فيه طعناً في دين الإسلام وقد قال تعالى }وان نقضوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر{. ولا ريب أن الطعن في الدين أعظم من الطعن بالرمح والسيف - أحكام أهل الذمة ص2/ 160.

 

في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة ونحوها :

-         المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم:

·        قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: أيستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج؟ قال: لا يستعان بهم في شئ. 

·        عن أنس بن مالك قال: أن رسول الله قال: لا تستضيئوا بنار المشركين، ولا تنقشوا على خواتيمكم عربياً. وفسر قوله (لا تستضيئوا بنار المشركين) يعني لا تستنصحوهم ولا تستضيئوا برأيهم . والصحيح أن معناه: مباعدتهم وعدم مساكنتهم كما جاء في حديث الرسول (لن استعين بمشرك) - رواه مسلم.

·        ومن أدلة منع استخدام الذميين ما ورد عن عمر بن الخطاب في منعه لأبي موسى الأشعري من استكتاب نصراني في الحيرة، وعندما قال أبو موسى لا يقوم أمر الحيرة إلا به، قال عمر: مات النصراني والسلام - راجع: أحكام أهل الذمة في الإسلام لابن القيم الجوزى  1/211 وتفسير الرازي 3/414

·        كان لعمر بن الخطاب عبد نصراني فقال له: اسلم حتى نستعين بك على  بعض أمور المسلمين، فإنه لا ينبغي أن نستعين على أمرهم بمن ليس منهم، فأبى، فاعتقه، وقال له اذهب حيث شئت - راجع أحكام أهل الذمة لابن الجوزي  1، 114

·        عن عمر بن الخطاب قال: لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله، ولا تأتمنوهم إذ خونهم الله - راجع: سنن البيهقي 10/، 127  و9/204 والمغني 1/ 453  و6/425 لا و8/ 532 .

 

       ولا يشارك أحد منا مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة :

وهذا لأن الذمي لا يتوقى مما يتوقى منه المسلم من العقود المحرمة والباطلة، ولا يرون بيع الخمر والخنزير حرام.

·        وقد قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يشارك اليهودي والنصراني؟ قال: يشاركهم ولكن هو يلي البيع والشراء وذلك أنهم يأكلون الربا ويستحلون الأموال.

·        ثم قال أبو عبد الله ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل. وقال إبراهيم بن هانىء: سمعت أبا عبد الله قال في شركة اليهودي - كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1330.

 

-         عقل الذمي نصف عقل المؤمن

عن رسول الله: إن عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين، ذكره النسائي. وعن الترمذي: عقل الكافر نصف عقل.

وعند أبي داود، كانت قيمة الدية - دية الذمي - على عهد رسول الله ثمانمائة دينار، وثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم، فلما كان عمر رفع دية المسلمين وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع - راجع: فتأوي رسول الله 307   

 

-         شهادة أهل الذمة

 قالوا: لا تقبل شهادة الكافر على المسلم لقوله تعالى }واستشهدوا شهيدين من رجالكم{. وقال عمر بن الخطاب: المسلمون عدول بعضهم على بعض - أي أن غير المسلم ليس عدلاً - فلا تُقبل شهادته على المسلم، قال عمر بن الخطاب: العبد والذمي إذا شهدا ردت شهادتهما - راجع: موسوعة فقه عمر بن الخطاب 402 وسنن البيهقي 10/ 197 والمحلى 9/ 293 وأخبار القضاة 1/ 70و 283 .

 

فيما يتعلق بضرر المسلمين والإسلام :

-         لا يُقتل مسلم بكافر

قال النبي: (ولا يُقتل مسلم بكافر). وأكثر أهل العلم لا يوجبون على مسلم قصاصاً بقتل كافر، أي كافر كان. رُوي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، ومعاوية، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وعطاء، والحسن، وعكرمة، والزهري، وابن شبرمة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، وقال النخعي، والشعبي، وأصحاب الرأي: يُقتل المسلم بالذمي خاصة ./50 قال أحمد: الشعبي والنخعي قالا: دية المجوسي واليهودي والنصراني، مثل دية المسلم، وإن قتله يُقتل به. هذا عجب، يصير المجوسي مثل المسلم، سبحان الله، ما هذا القول! واستبشعه. وقال: النبي يقول: "لا يقتل مسلم بكافر". وهو يقول: يُقتل بكافر." - رواه الإمام أحمد وأبو داود ./85، وفي لفظ: "لا يُقتل مسلم بكافر" - رواه البخاري، وأبو داود ./85 .

 

 

في أحكام ضيافتهم للمارين بهم وما يتعلق بها :

-         ونوقر المسلمين في مجالسهم ونقوم لهم

توقير المسلمين في مجالسهم، والتوقير: التعظيم والاحتشام لهم، ولا يمكرون عليهم بمكر، ولا يدخلون عليهم بغير استئذان ولا يفعلون بين أيديهم ما يخل بالوقار والآداب، ويحيونهم بتحية أمثالهم ولا يمدون أرجلهم بحضرتهم، ولا يرفعون أصواتهم بين أيديهم ونحو ذلك.

قولهم (أي إذا دخلوا ونحن في مجلس قمنا لهم عنه وأجلسناهم فيه، وهذا يعم المجالس المشتركة والمختصة بهم، فإذا دخلوا عليهم دورهم وكنائسهم قاموا لهم عن مجالسهم وأجلسوهم فيها - راجع أحكام أهل الذمة 2/191.

 

    هذه كانت بعض أحكام أهل الذمة في الإسلام. من أراد المزيد عليه مراجعة كتاب ابن القيم (أحكام أهل الذمة في إسلام) وكتب الفقه. وقد ذكر الشروط العمرية ابن كثير في تفسيره لآية سورة التوبة 29 - راجع أيضاً: العماد الأصبهاني في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبى شامة 2/134. والجهاد لابن تيمية 2/223 والخراج لأبي يوسف ص 140 -153. وأحكام الماوردي ص 14.

 

سؤال: لو افترضنا جدلاً أن الدول الغربية قررت العمل (تطبيق) أحكام أهل الذمة في الإسلام على رعياها المسلمين ولكن مع تعديل بسيط في التسمية وليس في الأحكام، فبدل أن يطلق عليها (أحكام أهل الذمة في الإسلام) يطلق عليها (أحكام أهل الإسلام في الغرب)، ماذا سيكون موقفكم من تلك الأحكام؟ هل ستتقبلونها؟

الغريب في أمة الإسلام هو: أنهم يصفون بعض اعتراض الغربيين على الحجاب بالعنصرية، لكن أحكام الغيار (أي أحكام لباس أهل الذمة) ليست عنصرية!!

والأغرب من هذا وذاك أنهم يتهمون الغرب بالكيل بمكيالين. حقاً إن لم تستحي افعل ما شئت وقل ما شئت. 

 

سؤال: هل تتماشى تلك الأحكام مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 1948؟ والتي نصت مواده على:

 

المادة 1   يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء. وهل من تساوي في الكرامة والحقوق في أحكام كهذه ؟ ألا تخالف تلك الأحكام هذا الإعلان؟.

المادة 2  لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.

المادة 3   لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

المادة 4   لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

المادة 5   لا يُعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.

المادة 6   لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية.

المادة 7   كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.

المادة 8   لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون.

المادة 9   لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.

المادة 10  لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.

المادة 11    ( 1 ) كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.

    ( 2 ) لا يدان أي شخص من جراء أداة عمل أو الامتناع عن أداة عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة.

المادة 12   لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.

المادة 13  ( 1 ) لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة.

  ( 2 ) يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه.

المادة 14  ( 1 ) لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد.

  ( 2 ) لا ينتفع بهذا الحق من قدم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

المادة 15  ( 1 ) لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

  ( 2 ) لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها.

المادة 16  ( 1 ) للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.

 ( 2 ) لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه.

 ( 3 ) الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

المادة 17  ( 1 ) لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.

  ( 2 ) لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.

المادة 18  لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.

المادة 19  لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

المادة 20  ( 1 ) لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.

         ( 2 ) لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما.

المادة21  ( 1 ) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً  حراً.

 ( 2 ) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

 ( 3 ) إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

المادة 22  لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته.

المادة 23  ( 1 ) لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة.

  ( 2 ) لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساوِ للعمل.

( 3 ) لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرضِ يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية.

( 4 ) لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.

المادة 24  لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر.

المادة 25   ( 1 ) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافِ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.

   ( 2 ) للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية.

المادة 26  ( 1 ) لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.

( 2 ) يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

( 3 ) للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم.

المادة 27  ( 1 ) لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.

 ( 2 ) لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني.

المادة 28 لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققاً تاماً.

المادة 29  ( 1 ) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراً كاملاً.

( 2 ) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.

( 3 ) لا يصح بحال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها

المادة 30  ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.

أسئلة ملحة:

هل تتماشى المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على: ( ( 1 ) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. ( 2 ) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد). مع المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم ؟!

 

·        هل تتماشى المسألة الثانية من المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على: (لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو للعمل) مع ما جاءت به تلك الأحكام من حكم: لا يشارك أحد منهم مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة؟!

·        هل تتماشى المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على: (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة)

 

مع ما جاءت به تلك الأحكام من:

               1.        لا نظهر عليها صليباً

              2.       ولا نضرب نواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا

     3.   ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا مما يحضره المسلمون.

              4.       ولا نخرج صليباً ولا كتاباَ في أسواق المسلمين ؟!

 

·        هل تتماشى المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود) مع ما جاءت به تلك الأحكام  فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه؟!

إنها العنصرية بأبشع أنواعها وأبشع أشكالها .

 

عنصرية الإسلام ألغت كل القيم الإنسانية وتجاوزت كل الحدود حين حرمت المسلم من أن يتخذ من اليهود والمسيحيين أصدقاء له.

 

***

ـ علاقة المسلم بغير المسلم (الموالاة)

 

 الموالاة في اللغــة:

أصـل المـوالاة من الوَلْى - بسكــون اللام - وهو القُرْب والدُّنُوْ، ومنه قول النبي للغــلام (كـُلْ مما يليك) أي مما يقاربك، ووالى بين شيئين: تابَعَ بينهما بلا تفرقة، ومنه الموالاة في أعمال الوضوء أي المتابعة بينها بلا تفرقة. فأصل الموالاة: القرب والمتابعة.

قال الزبيدي في تاج العروس: "هي المحبة بغض النظر عن درجة هذا الحب ومرتبته، فكل من أحببته وأعطيته ابتداءً من غير مكافأة فقد أوليته، وواليته، والمعنى أي أدنيته إلى نفسك" - تاج العروس 10/401

وتأتي أيضاً بمعنى النصرة، وتأتي كلمة (أولياء) بمعنى الخاصة والبطانة، وأيضاً بمعنى الاتحاد والتجانس.

وقال الفرّاء: الوَلِيّ والمَوْلى واحد في كـلام العـرب (لسـان العـرب) 15/408، وكلاهمـا يستعمـل فـي الفاعل (الموالِي، بكسر اللام) والمفعول (الموالَي، بفتح اللام) - المفردات للراغب الأصفهاني صـ 533.

وتـولّى فلانٌُ فلاناً: أي اتبعه وأطاعه وتقرَّب منه ونصره.

وتولّى عنه: أي أعرَضَ وذهب وانصرف، فمعناها عكس (تولّى) التي تعنى اقترب، ومنه قوله تعالى }فاعرض عن من تولى عن ذكرنا{ النجم 29، وقوله تعالى }فتولّ عنهم{ القمر 6، وإذا جاءت تولى بمعنى أعرض وانصرف كما في قوله تعالى }لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذّب وتولى{ الليل 15 ـ 16، فيُقَدَّر فيها (عن) محذوفة بعد (تولّى) - انظر: (لسـان العـرب) لابن منظور، ط دار صادر، 15/406 ـ 415، و(النهاية) لابن الأثير 5/ 227 ـ 230، و (المفردات) للراغب الأصفهاني 533 ـ 535، و (مختار الصحاح) للرازي صـ 736، و (المعجم الوسيط) لمجمع اللغة العربية بمصر 2/1057 ــ 1058، و (مجموع فتاوى ابن تيمية) 20/ 499.

 

أما التولي: قال الجوهري في (الصحاح) 6/2530 "هو تقديم كامل المحبة والنصرة للمتولى بحيث يكون المتولِي مع المتولَى كالظل مع الجسم". فالتولي بمعنى الاتخاذ والاتباع المطلق، وبمعنى الانقطاع الكامل في نصرة المتبع وتقريبه وتأييده، ويأتي بمعنى الاتباع، وبمعنى التفويض.

وكل تولي موالاة وليس العكس، والتولي أخص من الموالاة، فكل تولي كفر والموالاة منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك، على اختلاف بين العلماء في التفريق.

وضد الموالاة: المعاداة، وهى المباعدة والمخالفة. والوَليّ ضــد العــدو، والوَلِيّ هو: الناصــر والمعــين والحليف والمحـب والصديق والقريب في النسب، والمعِتق، والعَبْد، وكل من قام بأمر فهو وَلِيُّه: كولي الأمر، وولي المرأة في النكاح وولي اليتيم ونحوه.

قال بطرس البستاني في (محيط المحيط) 2/1353 "هي مصدر عادى يعادي وعداءً، والعداء مصدر عادى أي خاصمه، وصار له عدواً، والعداوة: اسم بمعنى الخصومة والمباعدة، والعدو والعداوة، أخص من البغضاء لأن كل عدو مبغض، وقد يبغض من ليس بعدو"

والعدو: ضد الولي، والجمع أعداء وجمع الجمع أعادي، وهو ضد الصديق أيضاً، والعدو، والعداوة، والأعداء، والعدوان، كلها ورد استعمالها في القرآن، وتأتي المعاداة في أغلب استعمالاتها، ويراد بها البغض والكراهية وحب الانتقام، عكس الموالاة تماماً، والتي تدل في أغلب استعمالاتها على المحبة والمودة والمتابعة والنصرة والقربة، وبذلك فالموالاة والمعاداة بهذا المعنى المتقدم ضدان لا يجتمعان، فوجود أحدهما ينفي الآخر لزوماً في حق ذات معينة.

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (الرسائل الشخصية) ص232 "أبلغوهم أن المعاداة ملة إبراهيم عليه السلام، ونحن مأمورون في متابعته"، قال تعالى }قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه{ إلى قوله }حتى تؤمنوا بالله وحده{. ثم قال "واذكروا لهم، أن الواجب على الرجل أن يعلّم عياله وأهل بيته الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، مثل تعليم الوضوء والصلاة، لأنه لا صحة لإسلام المرء إلا بصحة الصلاة ولا صحة لإسلامه أيضاً إلا بصحة الموالاة والمعاداة في الله".

 

المولاة في الشرع:

تُطلق الموالاة على عدد من المعاني، يُعرف المراد منها بحسب السياق، وجميع المعاني الشرعية للموالاة ترجع إلى أصلها اللغوي وهو القُرب والدُّنُوْ.

والمـوالاة المحـرمة شرعاً هي صـرف المسلـم شيـئاً من هـذه الخصـال إلى الكافرين، كما جاء في القرآن: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء{ الممتحنة 1. فإن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يعادوا الكفار ويبغضوهم ويقاتلوهم ما استطاعوا.

كما جاء في القرآن }قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده{ الممتحنة 4، وقال أيضاً: }يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير{ التوبة 73 والتحريم 9.

فمن قام بخلاف هذا فأطاع الكافرين أو أحبهــم أو نصــرهم، فقــد تولاّهم، ومن تولاهم فــقد كفــر لقوله - في الآيات موضع الاستدلال - }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ المائدة 51، ويتأكد كفره إذا ما أطاع الكافرين أو نصرهم فيما يضر الإسلام والمسلمين كما يفعل أنصار الحكام المرتدين لأن هذه مشايعة لهم فيما هم عليه من الكفر وإعانة على ظهور الكفر على الإسلام.

 

·        قال ابن جرير الطبري في تفسيره : 6/160 " }ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين{ من تولاهم ونصرهم على المؤمنين من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولِ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه كحكمه".

وبيَّن ابن جرير العموم الذي تدل عليه الآية بقوله (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى في ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفا وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان - إلى أن قال: }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{، ومن يتولَ اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه كحكمه) - تفسير الطبري 6/ 276 ــ 277.

·        وقال القرطبي في قوله: }ومن يتولهم منكم{ أي يعضدهم على المسلمين }فإنه منهم{ بيّن تعالى أن حُكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاّهم ابن أُبَيّ، ثم هذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة في قطع الموالاة، وقد قال تعالى }ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار{، وقال تعالى في آل عمران }لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين{، وقال تعالى }لا تتخذوا بطانة من دونكم{ وقد مضى القول فيه. وقيل: إن معنى }بعضهم أولياء بعض{ أي في النصرة. }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ شرط وجوابه، أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم أي من أصحابهم) - تفسير القرطبي 6/ 217.

·        ويقول ابن حزم في (المحلى) 13/35 " صح أن قوله تعالى }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا لا يختلف فيه اثنان من المسلمين".

·        يقول ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) 1/67 "إنه سبحانه قد حكم، ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم، }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم".

·        يقول البيضاوي نقلاً عن (الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك) ص56 وص39: "قال تعالى }لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء{، }ومن يفعل ذلك{ أي اتخاذهم أولياء، }فليس من الله في شيء{ أي من ولايته في شيء يصح أن يسمى ولاية، فإن موالاة المتعاديين لا يجتمعان".

·   يقول شمس الحق العظيم آبادي في (عون المعبود) 7/337 "عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله"، قال أصحاب اللغة جامعه على كذا اجتمع معه ووافقه انتهى المشرك بالله، والمراد الكفار ونص على المشرك لأنه الأغلب حينئذ، والمعنى من اجتمع مع المشرك ووافقه ورافقه ومشى معه وسكن معه أي في ديار الكفر فإنه مثله، أي من بعض الوجوه؛ لأن الإقبال على عدو الله وموالاته توجب إعراضه عن الله، ومن أعرض عنه تولاه الشيطان ونقله إلى الكفر.

·        قال الزمخشري: وهذا أمر معقول، فإن موالاة الولي وموالاة العدو متنافيان وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم }لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين{ والمؤمن أولى بموالاة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسماً لمادة الفساد }يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين{، وقوله }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين{، فنهى سبحانه وتعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى وذكر أن من والاهم فهو منهم أي من تولى اليهود فهو يهودي ومن تولى النصارى فهو نصراني.

·        وقد روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال، قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر، قال فظنناه يريد هذه الآية : }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء{ إلى قوله }فإنه منهم{..

·        وقال ابن تيميـة أيـضاً: يبـين ذلك أنـه ذكــر هـذا في ســياق النهي عن مــوالاة الكفــار، فـقال تعالى} يا أيها الذين آمنوا لا تتخــذوا اليهــود والنصــارى أوليـاء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنـه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين - إلى قوله - يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{. فالمخاطبون بالنهي عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة. ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون الأمة. وهو لما نهـي عن مــوالاة الكفار وبيَّن أن من تولاهم من المخاطبين فإنه منهم بيَّن أن من تولاهم وارتد عن دين الإسلام لا يضر الإسلام شيئاً -  مجموع الفتاوى 18/ 300، وله مثله في جـ 28/ 193.

·        وقال ابن تيمية أيضاً: قال تعالى }يا أيها الـذين آمــنوا لا تتخــذوا اليهـود والنصـارى أوليـاء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم{ فيوافقهم ويعينهم فإنه منهم أهـ   – مجموع الفتاوى 25/ 326.

وكذلك من تولى المشرك فهو مشرك ومن تولى الأعاجم فهو أعجمي، فلا فرق بين من تولى أهل الكتابين وغيرهم من الكفار، ثم أخبر تعالى أن الذين في قلوبهم مرض أي شك في الدين وشبهة يسارعون في الكفر قائلين }… نخشى أن تصيبنا دائرة…{ المائدة 52، أي إذا أنكرت عليهم موالاة الكافرين قالوا: نخشى أن تكون الدولة لهم في المستقبل، فيتسلطون علينا، فيأخذون أموالنا ويشردوننا من بلداننا، وهذا هو ظن السوء بالله الذي قال الله فيه }الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً{.

قد أفادت آيات سورة المائدة موضع الاستدلال بأن من تولى الكفار فقد كَفَر، وقد تأكد كفره بعدة مؤكدات من نفس الآيات ومن غيرها، ومن ذلك: }ومن يتولهم منكم فإنه منهم{ المائدة 51، وأكّد أنه منهم بحرف التوكيد (إنَّ). وقوله }حبطـت أعمالهـم فأصبحوا خاسرين{ المائدة 53، وحبوط العمل والخسران بسبب الكفر. وقوله }من يرتـد منكـم عن دينه{ المائدة 54 فإنها خطاب لنفس المخاطبين بالنهي عن موالاة الكافرين كما قال ابن تيمية والشوكاني فيما نقلته عنهما آنفاً: إن الموالاة نوع من الردة. وقوله }لا يتخــذ المؤمنــون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء{ آل عمران 28،  قال ابن جرير الطبري في تفسيرها: ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر - تفسير الطبري 6/ 313.

وقد أفـادت أيضاً آيات سـورة المائــدة موضع الاسـتــدلال أن هذا الحكـم بالكفر عام، يجري على كل مسلم تولى الكافرين، وذلك لأن الآية المشتملة على هذا الحكم هي من صيغ العموم، لأنها مُصدَّرة بـ (مَنْ) الشرطية، قال }ومَنْ يتولهم منكم فإنه منهم{، وقال ابن تيمية: ولفظ (مَنْ) أبلغ صيغ العموم، لاسيما إذا كانت شرطاً أو استفهاماً - مجموع الفتاوى جـ 15/ 82، وله مثله في جـ 24/ 346.

    إذن موقف القرآن من علاقة المسلمين بغير المسلمين بشكل عام ومن اليهود والمسيحيين بشكل خاص واضح وصريح: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين{ المائدة 51.

}يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً{ النساء 144.

وهذا نهي عام للمسلمين من أن يتخلقوا بأخلاق المنافقين الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فيكونوا مثلهم في دروب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه. يقول لهم: }يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ولا توالوا الكفار فتؤازروهم من دون أهل ملتكم ودينكم من المؤمنين، فتكونوا كمن أوجب له النار من المنافقين{.

}يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم !!{ آل عمران 118،119.

}يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة، وقد كفروا بما جاءكم من الحق، يخرجون الرسول وإياكم، أن تؤمنوا بالله ربكم{ الممتحنة 1.

}بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أيبتغون عندهم العزة؟ فإن العزة لله جميعاً{ النساء 138،139.

 

***

علاقة المسلم بغير المسلم من القرآن والسنة

   ولم تقف أوامر القرآن عند حد مطالبة المسلمين بعدم اتخاذ اليهود والمسيحيين أصدقاء، بل أخذ القرآن أبعاداً أكثر وأخطر من ذلك بكثير؛ أبعاداً وصلت لحد مطالبته بملاحقتهم والتضييق عليهم وقتالهم أينما وجدوهم حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية (الإتاوة).

}قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{ التوبة 29.

·         }قاتلوا{ القوم }الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر{ يقول: ولا يصدقون بجنة ولا نار.

·   }ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق{ يقول: ولا يطيعون الله طاعة الحق. يعني: أنهم لا يطيعون طاعة أهل الإسلام.

·         }من الذين أوتوا الكتاب{ وهم اليهود والنصارى.

·         }من الذين أوتوا الكتاب{ وهم أهل التوراة والإنجيل.

·         }حتى يعطوا الجزية{ ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم الذي يبذلونه للمسلمين دفعاً عنها.

·   وأما قوله: }عن يد وهم صاغرون{ أي يدفعوا الجزية بأيديهم للمسلمين دون إنابة وهم أذلاء مقهورون، يقال للذليل الحقير: صاغراً.

قال القرطبي في تفسيره للآية: }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر{ الخ. أمر سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار، وخص أهل الكتاب بالذكر. وسبب قتالهم يرجع  لنكرانهم نبوة محمد.

}فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ{ التوبة 5.

·   يعني بقوله: }فإذا انسلخ الأشهر الحرم{ فإذا انقضى ومضى أشهر الحرم، وهي بعض الأشهر العربية: ذي القعدة، وذي الحجة، ومحرم.

·         }فاقتلوا المشركين{ يقول: فاقتلوهم }حيث وجدتموهم{ حيث لقيتوهم من الأرض في الحرم وغير الحرم.

·         }وخذوهم{ يقول: وأسروهم }واحصروهم{ يقول: وامنعوهم من التصرف في بلاد الإسلام.

·   }واقعدوا لهم كل مرصد{ يقول: واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم كل مرصد، يعني: كل طريق ومرقب، وهو مفعل من قول القائل رصدت فلاناً أرصده رصداً، بمعنى: رقبته. {فإن تابوا} أي إن اسلموا وأقروا بنبوة محمد. }فخلوا سبيلهم{ - راجع: تفسير الطبري، شرح آية سورة التوبة 5. وتفسير القرطبي. وابن كثير. وصفوة التفاسير.

·   }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ البقرة 193. يقول للمؤمنين به فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له.

·   }ويكون الدين كله لله{ يقول: حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره. لكي لا يكون مع دينكم كفر وحتى يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل النبي، وإليها دعا.

·   ‏‏عن الربيع: }ويكون الدين لله{ يقول: حتى لا يعبد إلا الله، وذلك لا إله إلا الله؛ عليه قاتل النبي وإليه دعا. فقال النبي: (إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

·   }فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين{ يعني بقوله: }فإن انتهوا{ فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودخلوا في ملتكم، وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم، فإنه لا ينبغي أن يُعتدى إلا على الظالمين وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم.

·   عن قتادة قوله: }فلا عدوان إلا على الظالمين{ والظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله - راجع: تفسير الطبري في شرحه للآية سورة البقرة 193.

·   }وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل{ الأنفال 60. وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا بربهم، }ما استطعتم من قوة{ يقول: ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم من السلاح والخيل.

·         }ترهبون به عدو الله وعدوكم{ يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله وعدوكم من المشركين.

·   }سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق{ أنفال 12. يقول: سأرعب قلوب الذين كفروا بي أيها المؤمنون منكم، وأملأها فرقاً حتى ينهزموا عنكم، فاضربوا فوق الأعناق!! أي اضربوا الرقاب، رقاب الكفار أي الغير مسلمين. راجع جميع تفاسير القرآن في شرحهم للآية.

}إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض{ المائدة 33.

 

***

ـ خرافة مقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ـ

من أين جاءونا بقانون المعاملة بالمثل وبمقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)؟ هل لكم أن تدلونا على آية أو حديث يقرر هذا المبدأ؟   إن هذا المبدأ مبدأ باطل مخالف للقرآن وللسنة رغم شيوعه على ألسنة الكثيرين..

لقد نسوا أصحاب الفضيلة المنادين بمقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) قوله تعالى:  

 }أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون{ القلم35 – 36. 

فهذا النص يدل على أنه لا يمكن أن يساوى المسلم بالكافر لا في الدنيا ولا في الآخرة، فكيف يكون لغير المسلم ما للمسلم وعليه ما عليه؟

ثم إني أسـأل المسلم ومن قال بقوله: أنى للمسلم أن يتزوج بالكتابية فهل للكتابي أن يتزوج بالمسلمة؟ وإذا كانت الإجابة بلا وهي كذلك قطعاً فكيف يكون لهم ما لكم ؟!

وإن على المسلم أن يدفع زكاة ماله فهل على الذمي وإن كان من أغنى الأغنياء أن يدفع الزكاة؟ لا شك أنه ليس عليه زكاة فإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون عليهم ما على المسلمين؟!.

والعجيب أن الكثيرين ممن يذكرون هذا المبدأ ينسبونه إلى النبي، وهذا باطل. فإن هذا القول لا أصل له في كتب السنة إذا كان المقصود به أهل الذمة، وإلا فهو وارد في شأن من أسلم من الكفار والمشركين، كما في حديث أنس مرفوعاً: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا وأن يصلوا صلاتنا فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) - أخرجه أبو داود 2641 والترمذي 2608.

وقد بين الشـيخ الألباني في السـلسلة الضعيفة (1103) (2176) بطلان هذا الحـديث إذا قصد به أهـل الذمـة ثم قال: وإنَّ مما يؤكد بطلانه مـخالفته لنصوص أخرى قطعية؛ كقوله تعالى }أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون{، وقوله: }لا يقتل مسلم بكافر{، وقوله: }لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ...{، وكل هذه الأحاديث مما اتفق العلماء على صحتها.

     ومن مظاهر العنصرية في الإسلام أيضاً (أحكام الديار)، فكما قسمت شريعة الإسلام العباد إلى مؤمن وكافر. هكذا أيضاً قسمت شريعة الإسلام البلاد إلى قسمين بلاد الإسلام أو دار السلم. وبلاد الكفر أو دار الحرب. فما هو الأساس الشرعي لهذا التقسيم؟

 

***

ـ أحكــــام الديـــــار ـ

قال صاحب كتاب (الجامع في طلب العلم الشريف) الشيخ الدكتور عبد القادر بن عبد العزيز: اعلـم أن أسـاس تقسيـم العالـم إلى داريــن ـ دار الإسـلام ودار الكفـر ـ هو عمـوم بعثـة النـبي إلى الناس كافة: عموماً مكانياً لجميع أهل الأرض، وعموماً زمانياً من وقت بعثته وإلى يوم القيامة، ومع عموم بعثته وصَدْعِهِ بدعوته انقسم الخلق إلى مؤمن به وكافر، ثم فرض الله تعالى على المؤمنين الهجرة من بين الكافرين، وقيض الله لهم أنصاراً بالمدينة فكانت هي دار الهجرة ومجتمع المهاجرين وبها أنشأ رسول دولة الإسلام، وظل فرض الهجرة إلى المدينة قائماً حتى فتح مكة، ثم ظلت فريضة الهجرة على كل مسلم يقيم بين الكافرين، فتميزت الديار بذلك إلى دار الإسلام وهى مجتمع المسلمين وموضع سلطانهم وحكمهم، ودار الكفر وهى مجتمع الكافرين وموضع سلطانهم وحكمهم، ثم فرض الله على المؤمنين قتال الكفار إلى قيام الساعة فسميت دارهم أيضاً دار الحرب.

 

الأدلة على هذا التقسيم :

ذهب بعض المعاصرين - مثل د. وهبة الزحيلي في كتابه (آثار الحرب في الفقه الإسلامي) - إلى أن تقسيم العالم إلى دارين لا أساس له من الكتاب والسنة وإنما هو اجتهاد من الفقهاء بعد عصر النبوة وعصر الصحابة.

ويجب أن يكون معلومــاً أن هذا التقسيـم مجمع عليه بين علماء الأمة من السلف والخلف. وأن الإجماع لابد أن يستند إلى دليل من الكتاب أو السنة كما قال ابن تيمية - انظر (مجموع الفتاوى) 7/ 39

ونحن نذكر هنا بعض الأدلة على هذا التقسيم:

فمن القرآن  قوله: }وقال الذين كفـروا لرسلهـم لنخرجنكـم من أرضـنا أو لتعودن في ملتنا{ إبراهيم 13، وقوله }قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك  يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا{ الأعراف 88.

فالإضافة في كلمتي (أرضنا) و (قريتنا) - وهى إضافة الأرض والقرية إلى ضمير المتكلمين (نا) - هي إضافة تملك، فأرضنا وقريتنا تعني أرض الكافرين وقرية الكافرين التي يملكها الكفـار ويتحكمـون فيها بالأمر والنهي والسلطان ولهذا هدّدوا رسلهم، وهذه هي صفة دار الكفر.

وقوله }يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار{ الممتحنة 10

وقوله }والذين آمنـوا ولم يهاجـروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا{ الأنفال 72.

فهذه النصوص الخاصة بالهجرة تدل دلالة واضحة على الدارين دار الإسلام ودار الكفر، إذ الهجرة إذا أطلقت في نصوص الشرع تعني الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام.

ومن النصــوص في هــذا أيضــاً قولــه }سأوريكــم دار الفاسقـين{ الأعراف 145.

ومن السنــة:

·        الأحــاديث الــواردة في وجوب الهجرة وهى تدل على تقسيم العالم إلى دارين، ومنها الأحاديث المذكورة في المسألة الأولى ومنها أيضا قوله (كلُ  مسلمٍ على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مُشركٍ بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين) - رواه النسائي بإسناد حسن عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.

·   وبالإضافة إلى أحاديث وجوب الهجرة، فمن النصوص الدالة على هذا التقسيم: عن ابن عمر (أن رسـول الله نهــى أن يُسافــر بالقرآن إلى أرض العـدو)  متفق عليه.

·        ومنها حديث ابن عباس الطــويل في الرجم وفيه أن عبد الرحمن بن عوف قال لعمر بن الخطاب بمنى (فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة) - الحديث رواه البخاري (6830).

·        ومنها ما رواه النســائي بإســناد صحيــح عن ابن عباس قال (إن رسـول الله وأبا بكر وعمر كانوا من المهاجرين لأنهم هجروا المشركين وكان من الأنصار مهاجرون، لأن المدينة كانت دار شرك، فجاءوا إلى رسول الله ليلة العقبة).أهـ.

·                        قال ابن منظور (والدارة: لغة في الدار) (لسان العرب) 4/ 298، ط دار صادر.

·        وبلدة الكفر هي دار الكفر كما قال ابن حجر في شرحه (وفيه فضل الهجرة من دار الكفر) فتح الباري 1/ 535.

فهــذه النصــوص تدل على أن تقسيــم العــالم إلى دارين دار الإســلام ودار الكفــر ثابت بالكتاب والسنة ومنقول عن الصحابة. وأن الهجرة واجبة من الثانية إلى الأولى.

بل قد وردت المصطلحات الخاصة بهذه الديار في الكتاب والسنة - في النصوص السابقة - بألفاظ مختلفة مثل: دار الفاسقين - أرض العدو - دار الهجرة والسنة - دار شرك - دارة الكفر - بلدة الكفر. وهذا كله في الرد على من زعم إن تقسيم العالم إلى دارين أمر أحدثه الفقهاء باجتهادهم.

 

تعريف دار الإسلام ودار الكفر:

يظهر من الأدلــة المذكــورة في المسألتين السابقتين أن دار الإسلام هي البلاد الخاضعة لسلطان المسلمين وحكمهم، وأن دار الكفر هي البلاد الخاضعة لسلطان الكافرين وحكمهم، وإليك  أقوال العلماء في هذا:

·        قال ابن القيم (قال الجمهــور: دار الإسـلام هي التي نزلها المسلمــون وجــرت عليـها أحكــام الإسلام، وما لم تجرِ عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها، فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسلام بفتح مكة) - أحكام أهل الذمة لابن القيم، 1/ 366، ط دار العلم للملايين 1983.

·        وقال الإمــام السَّـرَخْسي الحنفي (عند أبي حنيفة إنما تصــير دارهــم دار الحرب بثلاث شرائط، أحدها: أن تكون متاخمة أرض الترك ليس بينها وبين أرض الحرب دار للمسلمين، والثاني: أن لا يبقى فيها مسلم آمن بإيمانه ولا ذمي آمن بأمانه، والثالث: أن يُظهروا أحكام الشرك فيها).

·        ولم يعتبــر العلمـاء الشـروط التي ذكـرها أبو حنيفة حتى خالفـه صاحبـاه: القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني كما ذكر السرخسي، وذكره أيضاً علاء الدين الكاساني وعلل قولهما بقوله (إن كل دار مضافة إما إلى الإسلام وإما إلى الكفر، وإنما تضاف الدار إلى الإسلام إذا طُبقت فيها أحكامه، وتضاف إلى الكفر إذا طبقت فيها أحكامه، كما تقول الجنة دار السلام والنار دار البوار لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار، ولأن ظهور الإسلام أو الكفر بظهور أحكامهما) - بدائع الصنائع للكاساني، 9/ 4375، ط زكريا علي يوسف.   فجعل الكاساني مناط الحكم على الدار هو نوع الأحكام المطبقة فيها.

·        وانتقــد ابن قدامة الحنبلي أيضاً شــروط أبي حنيفة فقال (ومتــى ارتد أهــل بلد وجــرت فيه أحكامـهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة، وعلى الإمام قتالهم فإن أبا بكر الصديق قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة، ولأن الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه وهؤلاء أحقهم بالقتال لأن تركهم ربما أغرى أمثالهم بالتشبه بهم والارتداد معهم فيكثر الضرر بهم، وإذا قاتلهم قتل من قدر عليه ويُتبع مدبرهم ويُجاز على جريحهم وتغنم أموالهم، وبهذا قال الشافعي).

·        وعن أبي يوسف ومحمد إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت دارهم دار حرب، لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة. فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين - المبسوط  للسرخسي،  جـ 10 صـ 114،  ط  دار المعرفة.

فجعل الصاحبان المناط: هو الغلبة والأحكام.

·                        قال ابن قدامة - ولنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب - المغني مع الشرح الكبير 10/ 95.

   ابن قدامة مناط الحكم على الدار نوع الأحكام الجارية فيها.

·        وقال السرخسي في شرحه لكتاب (السير الكبير) (والدار تصير دار المسلمين بإجراء أحكام الإسلام) - السير الكبير 5/ 2197.

·        وللقاضي أبي يعلى الحنبلي (كل دار كانـت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر) - المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى صـ 276، ط دار المشرق ببيروت 1974.

·                        ولعبد القاهر البغدادي مثله في (أصــول الــدين) له، صـ 270، ط دار الكتب العلمية ط 2

·        وقال الشيخ منصور البهوتي (وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهى ما يغلب فيها حكم الكفر) –   كشاف القناع، 3/ 43.

هذه هي شريعة الإسلام التي قسمت البلاد والعباد

 

هذا هو الإسلام دين الصدق والرحمة والتسامح والسلام!! وهذه هي حقيقته، دون زيادة  بل نقصان.

 

هذا هو رحم .. جُب .. هاوية الأصولية الإسلامية .. بأبعاده وجذوره المتباينة ..

أعمدة هذا الهيكل الأصولي المختبئ وراء أقنعة الزخارف المصطنعة والتقوى المزيفة والبياض المدنس ..

والقرابين البشرية الموضوعة على مذبحه منذ 1400 عام ..

مذبحه المقدس جداً .. والمعصوم جداً

لعله يرضي الآلهة .. لعلها تشم رائحة الدم .. فترحم !!

وتدخلهم جناتها التي تجري من تحتها الأنهار

حيث أنهار الخمر المعتقة .. واللبن الأبدي .. والذهب الثمين

والولدان المخلدون .. وحور العين

اشتياق اللاهثين

هذا الهيكل المقدر علينا .. والمكتوب بماء الذهب على بابه .. بابه المرصع بالأحجار الكريمة ..

 

}قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ التوبة 29

}فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهما واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم{ التوبة 5

 

***

 الجزء الثاني

 مقدمة

الوجه الثاني لعملة الأصولية العمياء .. الجنين الشرعي لمخاض الكتاب والسُنة

بالحق من شابه آباه فما ظلم  .. والجماعات الأصولية هي أكثر من ابن شرعي لرسول الإسلام وكتابه .. بل يكادوا يكونون توأمه .. نصفه الآخر الحي بيننا .. مرآته التي تعكسه .. وتجعله حاضراً معنا يومياً  .. صوت آذانه .. سيفه .. صهيل خيله.. غلظة قلبه .. لكي لا ننسى .

لكي لا ننسى الرعب .. لكي لا نجهل صراخ الدماء .. لكي تظل كوابيس أشلاء البشر تحاصرنا في كل مكان على وجه الأرض يفتحها .. يستعمرها كتابهم وسُنتهم وجماعتهم الأصولية  .. فيصبح خراباً .. وأطلالاً .. وكهوف تسكنها البوم وخفافيش الليل مصاصة الدماء.

ـ الفصل الرابع ـ

رحم الأصولية

ـ مقدمة ـ

 

 ماذا نقصد بالحركة الإسلامية ؟

هي نظام منفتح وغير مقيد وعالمي النطاق يقوم فيه الأفراد أو المجموعات من المسلمين بالعمل عن وعي في سبيل إعادة توحيد الأمة (لأن ليس من حق البشر الإتيان بقوانينهم أو التحكم في مقدراتهم لأن الله وحده هو المتحكم في أمور البشر وهو المشرع الأعظم)

أولاً: لكي نفهم الحركة الإسلامية ينبغي أن نفهم الرحم الذي تمخض بها وأخرج لنا هذا الكائن .. المارد العجيب .. هذا الزرع البدوي الذي يجول ملتمساً من يبتلعه .

 

الحركة الاجتماعية في رأي علماء الاجتماع :

يقول هربرت بلومر :

 أن الحركة الاجتماعية هي ذلك النشاط الاجتماعي الذي يأخذ غالباً شكل التصورات والمشاعر غير المنظمة، وهو النشاط الذي يصبح تدريجياً معبراً عن أشكال جديدة من الاعتقاد والسلوك الجمعي التي لا تجد منافذ للتعبير عن مطالبها، من خلالها، فتتحول إلى حركة منظمة تهدم الأنماط الاجتماعية الموجودة وتستبدلها بأخرى تتفق ومصالحها الفعلية

Herbert Blumer " Collective Behavior ", Principles of Sociology, (New York 1964 ) pp 171

يقول رودولف هيبرل :

هي تعد "نوعاً خاصاً من جماعات الفعل المتسق والتي تستمر مدة أطول وتكون أكثر تكاملاً أو تماسكاً من حركات الغوغاء والجمهرة وهي ليست منظمة مثل الأندية السياسية والجمعيات الأخرى"

الحركة الاجتماعية تعد سلوك جمعي تكون بدايته في ظرف من القلق ويشتق قوته الدافعة من السخط الجماهيري على النظام الاجتماعي القائم، ويبحث عن نسق جديد للعلاقات الاجتماعية وللحياة

 

يقول لورنز فون شتاين

   الحركة الاجتماعية هي ذلك الجهد الجماعي الذي يبذل من أجل إيجاد مجتمع جديد، والمصلحة هي مركز التفاعل في هذا الجهد،:  وبالتالي هي أساس الحركة الاجتماعية، والأوضاع الطبقية السيئة هي التي تشكل ملامح الحركة الاجتماعية

Herberle, Rudolf, Social Movements , An introduction to political sociology , (New York 1961) pp.6-7

الحسيني ، علم الاجتماع السياسي : المفاهيم والقضايا ، ص 300

الحركة الاجتماعية وفقاً لتحليل علماء الاجتماع العرب :

يرى البعض أن الحركة الاجتماعية هي جهد جماعي مقصود موجه لتغيير المجتمع في أي اتجاه وبأي وسيلة بما في ذلك العنف واللاشرعية والثورة والانسحاب من الواقع.

 وفي رأي آخر: هي ذلك السلوك الجمعي لأعضاء المجتمع الذين يرون أنهم لا يشغلون مكاناتهم التقليدية ولا يلعبون أدوارهم المنسوبة إليهم، ويرون أن الدور الذي يلعبونه في المجتمع لا يتناسب مع مركزهم وأنه على مدار فترة من الزمن ينمي كثير من هؤلاء نظرة جديدة عما يعتقدونه وعما يحلمون به من آمال ورغبات تمثل في النهاية ما يتعارف على تسميته بالحركة الاجتماعية.

 هي بمثابة سلوك جماهيري ثوري، ويتجه عادة لممارسة العنف السياسي باعتباره حالة من حالات الصراع السياسي، بهدف إيجاد مخرج للأزمات السياسية القائمة، وهي- أي الحركة الاجتماعية - عند هؤلاء، تدين عادة أنساق القيم السائدة باعتبارها مصدراً للشر ينبغي تقويضه.

 

مراحل الحركات الاجتماعية في رأي علماء الاجتماع العرب :

·         تجمع غير الراضين عن الوضع القائم والمطالبين بالتغيير لتتشكل منهم بداية الحركة

·         دور المثقفين في إثارة الشعب عن طريق الأدب الثوري

·         عدم الرضا في التركز حول نقط معينة عن طريق بعض الطلائع القيادية

·         الاعتراض والاحتجاج التي يترتب عليها احتواء الناس وجعلهم حاضرين للتجنيد في الحركة الاجتماعية

·   خلق روح جماعية عن طريق تنظيم الشعور ورفع شعار "نحن وهم" ويصاحب ذلك عملية تطوير معنويات للحركة وعقيدة سياسية لها

يكون أمام الحركة الثورية عملية تطوير تكتيك العمل والصدام مع الوضع القائم والاستيلاء على السلطة.

الحركة الاجتماعية وفقاً للتحليل الماركسي :

تنطوي الحركة الاجتماعية في التحليل الماركسي على التغير الذي يمس بنية المجتمع، وهي تظهر للمجتمع الحاصلة فيه روابط ووظائف من نوعية جديدة.

وفي تعريف ماركسي آخر يرى أصحابه أن الحركة الاجتماعية تعني التيار العام على النطاق العالمي الذي يدفع طبقة من الطبقات أو فئة من الفئات الاجتماعية إلى تنظيم صفوفها بهدف القيام بعمل موحد ومحدد لتحسين أحوالها الاقتصادية ولتحقيق التقدم الاجتماعي لجميع أفرادها والمساهمة الفعالة في السلطة السياسية .

ووفقاً لتحليل ماركس فإن الحركة الاجتماعية تعني ذلك التحرك الجماهيري الذي ينشأ كنتيجة للصراع الطبقي، ويستدل على ذلك من التاريخ حيث رأى أن الحركة التاريخية تنشأ كنتيجة لكون كل مرحلة تاريخية يسبقها ثورة جديدة في الأساليب والعلاقات الاجتماعية للإنتاج، والتي يمكن أن تفسر كاستجابة جدلية للتغيرات في الظروف المجتمعية والواقعية والصراعات الطبقية للمجتمع.

هذا النمط من رد الفعل يتخذ شكل الفكرة ونقيضها ثم التأليف بينهما. هكذا فإن ظهور البرجوازية وعملية التجمع الرأسمالي يمكن أن يعتبر حركة، وهذه كانت نقيضاً للحركة الثورية للبروليتاريا والتي تنبأ ماركس من خلالها بميلاد المجتمع الشيوعي اللاطبقي الجديد.  في رأي تلك المدرسة أيضاً: أن الحركة الاجتماعية تعني ذلك الجهد الجماعي الذي ينشأ نتيجة لصراع المصالح وأن تلك الحركة تكون قوية إذا ما ارتبطت في سلوكها بنظرية اجتماعية كالماركسية.

وعلى المعنى نفسه يذهب لينين إلى القول بأن الحركة الاجتماعية هي ذلك الفعل الثوري الذي يعني تحرك الجماهير تجاه تغيير الأوضاع القائمة وأن هذه الحركة لابد لها من طليعة مؤمنة بهذا التغيير.

وبناء على التعريفات السابقة: يعد الصراع الطبقي هو القاسم المشترك بينها في التفسير والتعريف بالحركة ولكن المدرسة الماركسية رغم ذلك لم تأخذ بعين الاعتبار أن الصراع الطبقي الذي تصوره ماركس بين البرجوازية والبروليتاريا هو صراع طبقة ضد أخرى، وهو في حد ذاته صراع سياسي حيث لم يفصل ماركس بين الحركة الاجتماعية والحركة السياسية إلا وهي في الوقت نفسه حركة اجتماعية.

الشروط الأساسية التي تؤدي لقيام الحركات الثورية :

·   وجود عناصر دافعة اغترابية قوية وواسعة الانتشار بين الناس، أي الحاجة للبرهنة على أن النظام الاجتماعي القائم في حاجة إلى التغيير وهذه الحاجة تؤدي إلى تجمع أعداد هائلة من الأفراد المغتربين بسبب بعض الأحداث مثل التضخم والبطالة ولكن هذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى الجريمة والتوتر النفسي ولكنها لا تؤدي إلى الثورة.

·   تنظيم جماعة فرعية مستقلة، وهذا يفترض قيام قادة الحركة بعملية تنظيم وتوفير التضامن بين أعضاء الحركة. ولكن تنظيم حركة معينة لا يكفي لإيجاد أو لإشعال ثورة.

·         وجود أيديولوجية أو مجموعة من المعتقدات الدينية التي يمكن أن تنجح في اكتساب الشرعية.

·         مدى استقرار جوانب النظام الاجتماعي الذي تصطدم به الحركة وعلاقته بالتوازن في المجتمع.

 

هناك ستة أسباب تؤدي إلى ظهور الحركات الاجتماعية :

·         عدم الملاءمة الاجتماعية: ويتمثل هذا العامل في عدم ملاءمة القيم السائدة للظروف الفعلية للحياة الاجتماعية.

·         الوعي الجماعي بالاستياء من الأوضاع الاجتماعية القائمة.

·    القلق الاجتماعي: حيث يسبب انتشار بعض المشاعر مثل الشك والارتباك والتخبط وعدم الاستقرار واليأس، حالة من القلق الاجتماعي والذي يتولد نتيجة للاتصال أو الانتقال الجماعي السريع الذي يؤدي إلى حدوث الحركات الاجتماعية.

·         عدم الرضا الشخصي: والذي يرجع إلى حدوث فجوة بين الأماني والرغبات المتوقعة وبين ما هو قائم.

·   الفوضى الثقافية: وتمثل مناخاً ملائماً للحركات الاجتماعية وغالباً ما يكون هذا نتيجة للتغيرات السريعة مما يظهر العديد من التناقضات في العرف والمعتقدات والقيم التي تظهر نتيجة لعدم التجانس الاجتماعي.

·         الحرمان النسبي: وقد اعتبره علماء الاجتماع سبب أساسي لحدوث الحركات الاجتماعية ولتكوين أيديولوجيتها.

 

مراحل نمو الحركة الاجتماعية :

وفقاً ل " ركس هوبر " - أحد علماء الاجتماع الغربيين - فإن الحركات الاجتماعية تمر بأربع مراحل للنمو هي:

·   المرحلة الأساسية التحضيرية التي يتحتم على الجماعات فيها مواجهة مشاكل متعددة ولكنها لا تستطيع التعامل معها، وتظل جهودها مشتتة والقيادة غير مبلورة.

·   المرحلة الشعبية: والتي تصبح عندها تلك الجماعات على وعي بأن غيرهم يشاركهم عدم قناعتهم بالوضع القائم. وتتميز القيادة في هذه المرحلة بطابعها الإصلاحي، وتباشر مسئوليتها من خلال القدرة على قيادة الجماعة وتبصيرها بالمشكلات وبالحلول النوعية لها.

·   المرحلة الرسمية: في تلك المرحلة تتم إثارة الجماهير وتتبلور أيديولوجية الحركة والتي تضفي عليها تماسكاً وكذلك تتضح القيم والأهداف، وفي نفس الوقت تظهر الحركة داخل هذه المرحلة تسلسلاً هرمياً للقيادات وأدوار الأعضاء وتتحدد أيضاً السياسات وبرامج العمل.

·   المرحلة الشرعية: حيث تصبح الحركة في هذه المرحلة مقبولة من المجتمع وتضيع مثالية الحركة وحماس أعضائها ويصبح الإداري المنفذ هو أكثر القادة تأثيراً وقد لا تصل كل الحركات إلى هذه المرحلة ومع ذلك فإن كثيراً منها يصبح ذا تأثير.

 

 ***

الحركة الإسلامية

نحن ننقل فقط ما قالوه دون تأويل ولا تحريف

 

خصائص الحركة الإسلامية :

خصائص ثابتة :

·        حركة ربانية: أي أنها ليست حركة وضعية، بل أن الحقيقة تُستمد في هذه الحركة من الوحي والنظم وما فيها من مفاهيم أيضاً ترتبط بالوحي وتصدر عنه، وعن الوحي أيضاً يصدر نظام القيم الإسلامي في كل ميادينه.

·                        حركة إيجابية: تؤكد أهمية هذه الحياة وتنظر إليها باعتبارها جسراً إلى الآخرة.

·        حركة واقعية: أي أنها حركة تؤمن بالواقع وتسعى إلى معرفته وتتعامل معه سواء في نظرتها إلى الإنسان أو في نظرتها إلى المجتمع وكذلك في نظرتها إلى التاريخ والسياسة.

·        حركة أخلاقية: ذلك أن الأخلاق هي جوهر الإسلام سواء في دعوته أو تفكيره أو ما ينبثق عنه من نظم قيمية أو نظم سياسية واقتصادية.

·                        حركة عالمية: ذلك أن الإسلام هو دين الإنسانية الشامل يستوعب الماضي والحاضر والمستقبل.

·        حركة أيديولوجية: الأيديولوجيا هي استعمال العقيدة كوسيلة للتغيير الاجتماعي، ولم تكن العقيدة الإسلامية يوماً ما ثقافة نظرية بل ثقافة حية، أي أن الإسلام كان دائماً يؤدي وظيفته الاجتماعية.

 

خصائص مكتسبة :

هي التي تكتسبها الحركة الإسلامية بحكم الحقبة الزمنية التي تعاصرها أو الرقعة الجغرافية التي تنتشر فيها أو الظروف الاجتماعية التي تحيط بها في المجتمع الذي تمارس فيه نشاطها.

خصائص حركات الرفض أو الإحياء الإسلامي :

ظاهرة الإحياء الديني تمتاز بعدد من الخصائص تصنف في ثلاث:

1.  سرعة الانتشار  فظاهرة الإحياء الإسلامي تتخطى "القومية" وتحدث بنفس القدر في كل مجتمع إسلامي بغض النظر عن البيئة السياسية والاقتصادية والثقافية.

كما أنها لا تتجسد فقط في البلاد التي تضم أغلبية إسلامية بل انتشرت بين الأقليات الإسلامية.

والأهم مما سبق أن الإحياء الإسلامي لا يقتصر فقط على طبقات اجتماعية واقتصادية دون غيرها. فبينما نجد أن ظاهرة الإحياء قد اعتمدت في تأسيسها على الطبقات الدنيا، والدنيا المتوسطة، فإن هناك من الدلائل المتزايدة على انتشار محاكاة نمط الحياة الإسلامية السليمة بين الطبقة الوسطى، والوسطى - العليا في البلدان المتقدمة نسبياً.

2.  تعدد المراكز  هي خاصية فريدة لحركة البعث الإسلامي، حيث أن الأمة المندمجة لا تحتوي على أي مركز ثوري أو تنظيمي، والمركزان المحتملان اللذان يمكنهما قيادة الحركة هما السعودية ومصر.

3.  الاستمرار والمثابرة   يمكن ملاحظة عملية مد وجزر دائمة بين التيارات العلمانية والإسلامية، فقد كان من نتيجة الاستعمار الأوروبي وحركة التغريب القوية وجود رد فعل الإسلام بدءاً بالإسلام الشامل عند الأفغاني ثم محاولات محمد عبده لجعل الإسلام قابلاً للتطبيق في  المجتمعات الحديثة. هذا الجدل المستمر بين العلمانية والإسلام هو خير دليل على صمود الإسلام كقوة اجتماعية وهو دليل أيضاً على فشل الدول الإسلامية في صياغة حلول لتلك الأسس المتصارعة للمجتمعات الإسلامية المعاصرة.

 إن حركات الإحياء الإسلامي القديمة قد اتخذت شكل جماعات اقتصرت جهودها على أن تنادي بالقضاء على البدع، أو أن تسيطر على دولة لتنشر مذهبها. وبذلك اتسمت في الأغلب الأعم بالنظرة الجزئية والتوجه للداخل وسيادة النزعة الإصلاحية.

غير أن حركات الإحياء في القرن العشرين اتخذت شكل جماعات تتبنى نظرة شاملة للإسلام.

 

خصائص الرفض أو الإحياء الإسلامي كما عرفته المجتمعات الإسلامية - بالأخص في مصر الشمول

يرى راشد الغنوش قائد حركة الاتجاه الإسلامي بتونس أن فكرة الشمول توجد بالإسلام ثلاث اتجاهات مترابطة هي العقيدة والشريعة والعبادة .  فالإسلام يؤخذ على أنه كلٌ مترابط، فالعقيدة والشريعة والعبادة كل متكامل ومن ثم لا مجال للتفريق بين الدين والسياسة والدين والدولة.

·                        القضية الوطنية

من وجهة نظر الغنوش والترابي، أنه لا تناقض في نظر الحركة الإسلامية بين العالمية والوطنية إذ الوطنية هي منطلق العالمية، وإن عناية المسلم بإصلاح وطنه واجب ديني، إذ كلما تقدم هذا الوطن أصبح أقدر على إعانة الأوطان الإسلامية الأخرى. ويستشهد بقول المودودي: "الجماعة الإسلامية ليست بجماعة تستهدف القومية الوطنية ولا تقتصر دعوتها على أمة بعينها ووطن بعينه بل الدعوة التي ترفعها عالمية الأهداف، غير أن الجماعة تؤمن أننا معشر المسلمين ما دمنا لا نجعل بلادنا مثلاً حياً للنظام الإسلامي فإننا لا نقدر على إقناع الناس بسلامة هذه العقيدة، فالمسلم إذاً وطني وليس أولى منه بهذه الصفة لأنه الامتداد الحقيقي لثقافة الوطن وأمجاده وغيره ممن لا يحملون دعوة الإسلام هم غرباء عن هذا الوطن بل هم بقايا تركها المستعمر بعد انسحابه".

·                        السلفية

تعني استعادة الإسلام من أصوله دون تعصب لما وجد في تاريخ الإسلام من نظريات واجتهادات. ويلحق بالمعنى السلفي تجميع المسلمين حول ما هو معلوم من الدين بالضرورة إبعاداً للخلاف وتوحيداً للصفوف حسب القاعدة: "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".

·                        البعد الإيماني

أن الحركة الإسلامية تؤكد في تربيتها على ضرورة الأخذ بالأسباب ولكن مع الاعتقاد بأن هذه الأسباب لن تؤدي إلى نتائجها إلا بإذن الله.

·                        الشعبية

أن الحركة الإسلامية ليست حركة فئة معينة أو طريقة صوفية تحصر عملها في مجموعة مريدين. إنها ضمير الأمة المتحرك وأعماقها الثائرة. ومن ثم فهي ترفض مقولة الصراع الطبقي وتعتبر أن الإسلام وحده قادر على إزالة كل ألوان الظلم والاستغلال داخل المجتمع الإسلامي.

إن الحركة الإسلامية في مصر ترتبط بطبيعة الشعب ارتباطاً وثيقاً، وهذا الارتباط إنما يمليه الواقع التاريخي لهذا الشعب. وهو الذي يجعل كفتها راجحة شعبياً في مواجهة التيارات السياسية الأخرى، لكن الحركة الإسلامية حتى الآن لم تستطع استثمار التعاطف الجماهيري معها نظراً لافتقادها الكوادر الواعية التي يمكن أن يقوم على كاهلها هذا الدور.

* ولعلنا هنا نوجز أهم ملامح الشعب المصري التي تبرز طبيعته، نلخصها في النقاط التالية:

1 ـ التدين الأجوف

2 ـ العاطفة الشديدة التي تذبذب مواقفه تجاه الحركة الإسلامية

3 ـ سهولة الاحتواء من قبل السلطة

4 ـ انعدام الوعي و الاهتمامات السياسية

5 ـ الاعتدال السلبي

   ومن الواضح أن تلك الملامح لها انعكاساتها السلبية على واقع الحركة الإسلامية وهي تعد مدخلاً أساسياً لفهم التناقضات القائمة على ساحتها

 وكان رد الفعل الإسلامي على سلسلة الإخفاقات متمثلاً من الناحية التنظيمية في تنظيمين:

 الإخوان المسلمين في مصر والجماعة الإسلامية في الهند البريطانية (ثم في باكستان) 

حيث مثلتا أولى المحاولات لإنقاذ الأمة من قاع الهزيمة والخنوع.

لقد ظهرت هاتان الحركتان في بلدين يكثر فيهما تعداد المسلمين كما أنهما استقطبا عدداً كبيراً من الناس، وليس من باب المبالغة أن نقول إن الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية ملأتا الفراغ - الذي نتج عن إلغاء الخلافة سنة 1924 - بالنسبة للملايين من مسلمي العالم. فقد ظهرت هاتان الحركتان في أحلك فترات التاريخ الإسلامي عندما لم تكن تدين بالإسلام دولة من الدول، ولقد مثلتا وقتها روح الإسلام الباحثة عن جسدها المتمثل في الدولة الإسلامية. ورغم أنهما لم تتمكنا من إنشاء دولة إسلامية في بقعة ما، إلا أن ذلك لا ينتقص من الدين الذي ظلت هاتان الحركتان تمثلانه في النصف الأول من هذا القرن.

  الحركة الإسلامية في مصر - صلاح المواردي

فشل العلماء المسلمين :

بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين أكملوا رسم صورة الانحطاط السياسي الذي لازم أمة الإسلام في بداية هذا القرن، والذي كان أحد الدوافع الأساسية لحركة الإحياء الإسلامي في السبعينات وحتى اليوم.

يضفي بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين على العلماء صفة (الأئمة) وبأنهم الذين فشلوا في قيادة الجماهير المسلمة، وأن ذلك يعد وجهاً جديداً ميز حركة الإحياء الإسلامي في السبعينات حين قادها نوعية جديدة ومتميزة من (العلماء) و(الأئمة)، وذلك لأن فشل العلماء في قيادة الجماهير المسلمة لمواجهة الأسر الحاكمة المتسلطة في أيامهم جعل الجماهير تنظر لهم كجزء من النظام الحاكم لأن أغلبية العلماء لم يقودوا الجماهير المسلمة بل فضلوا أن يخدموا السلاطين والأمراء. 

وفي مقابل هذا نجد أن هؤلاء الحكام ينفقون الأموال الطائلة على المؤسسات اللادينية وعلى "جامعات إسلامية" هم ينشئونها بأنفسهم، وخريجو هذه المؤسسات والجامعات يلتحقون في خدمة مؤسسات وأنشطة "إسلامية" وديعة، موالية تحت رعاية هؤلاء الحكام.

والنتيجة أن كثيرين من علماء السنة، على الأقل، أصبحوا إما موالين للأنظمة اللادينية أو هم جد فقراء عاجزين عن القيام بشيء يذكر. وفي كل الأحوال نجد أن هؤلاء العلماء كان ينقصهم الإبداع الفكري والاقتناع بالدور السياسي الذي يقومون به ولذلك فشلوا في إلهاب ثقة الجماهير فيهم.

إلا أن السبعينات والثمانينات شهدت تحولاً كيفياً في قيادة العلماء والفقهاء لحركة الإسلام الثوري. وكانت إيران أبرز تلك النماذج التي أبرزت أن الصراع مع الغرب سواء بشكل مباشر أو من خلال وسطاء لابد منه، ولكي تستجيب الجماهير مع قيادة هذا الصراع عليها أن تلتزم برفض كل نفوذ للحضارة الغربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وترفض نظام (الدولة القومية) وتلتزم بالدولة الإسلامية والوحدة الإسلامية وأن تكون تلك القيادة من العلماء الملتزمين لأن الصراع مع الغرب هو صراع مع قوى الكفر.

 

التغريب الفكري كأحد الدوافع للإحياء التاريخي :

إن الاستعمار الغربي نفسه خلال القرنين الماضيين كان أحد أسباب حركة الإحياء الإسلامي المعاصرة لأن هذا الاستعمار جاء حاملاً معه أهم دوافع الاستفزاز للأمة الإسلامية؛ وهو دافع التغريب الفكري، ففي رأي "منير شفيق" أن جوهر التغريب الفكري يقوم على الركائز التالية:

·   اعتبار النموذج الحضاري الإسلامي يمثل زمناً ماضياً، فهو نظام العصور الوسطى ولم يعد صالحاً للانطلاق من على أرضه لتحقيق أهداف الأمة.

·   اعتبار النموذج الحضاري - الثقافي الأوروبي المعاصر - يشكل أرقى ما وصلت إليه الإنسانية من تطور، وهو النموذج الذي يجب أن يعمم في العالم كله.

   إذا اختلف أهل التغريب فهم لا يختلفون على جوهر النقطتين المذكورتين آنفاً، وإنما يختلفون حول النموذج الرأسمالي أو النموذج الاشتراكي أو النموذج الشيوعي من النماذج التي قامت على أرض الحضارة الأوروبية المعاصرة.

انطلاقاً مما تقدم، يجد التغريب نفسه مضطراً إلى الإقرار ضمناً بأعمال الغزو والقهر التي قام بها الرجل الأبيض وهو يحطم النموذج الحضاري الإسلامي ويفرض نموذج المدنية المعاصرة باعتباره يحطم نظام العصور الوسطى ومعناها لدى الكثيرين "عصور الظلام والانحطاط والاستبداد الشرقي" ويحل مكانه نظام القرن العشرين.

يؤدي اعتبار النموذج الحضاري الأوروبي (الفكري- الثقافي - الاقتصادي - الاجتماعي - الحقوقي - السياسي) الأرض التي يجب على الأمة أن تقف عليها وتسعى إليها. ومن ثم يؤدي اعتبار معاييره ومقاييسه هي المرجع في الصراعات والخلافات إلى أن توضع جانباً أو تستبعد أوسع الجماهير الشعبية التي لا تستطيع أن تشارك في خلاف مرجعه ( كاونسكي أو تروتسكي أو لاسكي أو ماركس أو هيجل ) وبهذا تتحول الجماهير إلى قوة مشلولة تاركة الملعب للذين درسوا وتعلموا في الجامعات التي تدرس هذه المراجع أو تثقفوا عليها بجهدهم  الخاص.

تزكية الغرب لعدم الاستقرار السياسي بالدول الإسلامية كأحد أسباب الإحياء والرفض الإسلامي :

يلخص البعض جدلية الصراع بين الإسلام والاستعمار الغربي، الذي يمثل عنده (قوى الكفر)، في كونه صراعاً بين (الإسلام) و(الكفر)، وأنهما الاتجاهان الرئيسيان في التاريخ العالمي، وأن النهاية المنطقية للإسلام هي الثورة  كما حدثت في النموذج الإيراني. أما الكفر فإن نهايته (سيطرة من القوى الكبرى). وإن الصراع المستمر بين الغرب الاستعماري وقوى الحركة الإسلامية على امتداد عالم الإسلام مثل دائماً وطيلة القرنين الماضيين أحد الأسباب التاريخية لتعاظم الأداء الحركي لقوى الإحياء الإسلامي، أيضاً كما كان من قبل مع أوائل هذا القرن عندما ربطت القيادات الفكرية الأوروبية بين دراستها للإسلام وعمليات صحوته وبين المركز الاستعماري الذي اكتسبته بلاده حديثاً.

رؤية أصحاب الاتجاه الأصلي الحركي في مصر لأسباب الإحياء الإسلامي:

من واقع مخطوط لم يقدر له النشر بعد . وهو يرجع عملية الإحياء الإسلامي إلى أربعة عوامل نلخصها في الآتي:

العامل الأول :

 قدر الله الذي لا يتغير ولا يتبدل: }يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم{،

 وقوله تعالى: }هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم{،  وقوله ص: "ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله"، وقوله ص: "لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"

العامل الثاني:

يتمثل في أن حركة الإحياء الإسلامي تبدأ في أعماق الضمير ثم تحقق نفسها في عالم الواقع ولا يتم مقامها إلا حين تتحقق في عالم الواقع.

وحين تستقر العقيدة الإسلامية في الضمير البشري استقراراً حقيقياً فإنه يستحيل عليها أن تبقى ساكنة أو أن تظل مجرد شعور وجداني في أعماق الضمير بل لابد وأن تندفع لتحقيق ذاتها في عالم الواقع. فالإسلام بطبيعته منهج حي تتفاعل معه النفوس تفاعلاً إيجابياً وجاداً، وفي تفاعلها هذا لا يمكن أن تبقى ساكنة كما لا يمكن أن تبقى كما كانت من قبل انفعالها بهذا المنهج الرباني.

وفقاً للرؤية السابقة تُرصد حركة الإحياء على إنها تغيير سلوكي يتمثل في مظاهر شتى أبرزها المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية والحكم بما أنزل الله، ثم التمسك بالمظهر الإسلامي الخارجي كإطلاق اللحى وارتداء القميص مروراً بالتطبيق الاجتماعي للإسلام.

وهكذا فطبيعة الإسلام كمنهج شامل أولاً ثم كمنهج معبر عن الفطرة الإنسانية ثانياً كان العامل الثاني من عوامل حركة الإحياء الإسلامي.

العامل الثالث:

يعود إلى طبيعة الأمة ذاتها. فالأمة الإسلامية هي الجماعة التي تربطها علاقة أساسها الاستجابة للمنهج القرآني الذي أرسله الله للناس عن طريق رسوله والجهاد في سبيل تحقيق هذا المنهج في واقع الناس بما يجعلها تستحق الخيرية على بقية الأمم.

          إن هذا التعريف للأمة الإسلامية يثير المعاني الآتية:

أولاً : الوحدة بين أعضاء هذه الجماعة

ثانياً : الوحدة بين أعضائها على أساس ديني (الاستجابة للمنهج)

ثالثاً : الأساس الذي تقوم عليه هذه الوحدة يفرض التمييز الذي يعني الاستغلال أو الخيرية من منطلق النشاط في سبيل هذه الرابطة التي تؤلف بين هذه الجماعة كقوله تعالى: }كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله{

 

الأمة الإسلامية بهذا المعنى تصبح مفهوماً معنوياً يتجاوز الزمان والمكان فهو قائم رغم غياب الدولة. فالمسلم يجد نفسه مشدوداً لأخيه المسلم في أي بقعة من العالم حتى لو لم تكن الأرض التي ينتمي إليها.

هذا الأمر: أما الأمر الثاني وهو الأهم أن الأمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، إن شئنا الدقة فتفسير ابن تيمية رحمه الله هو أن الأمة المسلمة آمرة بكل معروف ناهية عن كل منكر، وهكذا علاقتها بالمنهج على المستوى الجماعي وبعيداً حتى عن الحكومة ذاتها - نجد أن المجتمع يلفظ كل ما هو جاهلي؛ ومن ثم فالمسلم لا يمثل نفسه بل يمثل حضارة ودنياً. وبهذا الاعتبار لا يحق لأي أحد بدعوى الفردية أو الحياة الخاصة أو الحرية أن يمارس سلوكاً من شأنه أن يناقض من منهج القرآن ومنهج المجتمع الإسلامي.

 

الحرية الشخصية تبخرت وأصبحنا جميعاً كما ترون كالبنيان المرصوص !! رغم وجود افتراض بديهي ووجودي أن الله قد خلقنا أفراداً متميزين ومتفردين .. وأحراراً

منير شفيق ، الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر ( لندن : دار طه للنشر والتوزيع )

يود الباحث الاشارة إلى أن الحصول على هذا المخطوط مثل صعوبة كبيرة له نظراً للحصار الأمني المفروض على قادة وأعضاء تنظيمات الجهاد منذ أكتوبر 1981 ، سواء من كان منهم خارج السجن أم بداخله . وكاتب هذه المخطوطة لا يزال بداخل السجن ، يقضي عقوبة مقدارها عشر سنوات وكان قائداً لتنظيم الجهاد خلفاً لقائده الأردني المبعد سالم الرحال والمؤلف هو : كمال السعيد حبيب

  القرآن الكريم - سورة المائدة الآية 54

  القرآن الكريم - سورة محمد الآية 38

العامل الرابع:

يرجع إلى حقيقة موضع الإنسان في التصور الإسلامي؛ ففي أكثر من موضع واحد أعلن الله سبحانه تكريم الإنسان فقد قال تعالى: }لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلاً{

ومن علامات تكريمه أن أمر الله الملائكة بالسجود له كما جعله خليفة له في الأرض، وأيضاً ابتلاه بالقدرة على الاختيار من خلال أداة التكليف وهي العقل. كما قال تعالى: }إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوماً جهولاً{

 

يمكن أن نضيف إلى الأسباب الأصلية لحركة الإحياء والتي تنبع من طبيعة الدين الإسلامي أسباباً فرعية ترجع إلى طبيعة الواقع وتتمثل في:

·         الإفلاس الأيديولوجي الذي تعيشه البشرية اليوم والذي لم يحقق للإنسان استقراره النفسي.

·         فشل الحضارة الغربية على المستوى القيمي.

·   عجز الأنظمة السياسية التي تنتمي إلى العالم الإسلامي على المستوى الاقتصادي؛ حيث تفاقمت المشاكل إلى حد أهلك حتى المرافق الحيوية الحياتية والتي لا يمكن الحياة بدونها. وعلى المستوى السياسي فقد عجزت هذه الأنظمة عن حماية أراضيها أمام موجات الغزو الخارجية والرضوخ للحلول الاستسلامية والانهزامية.

 

رؤيتنا لأسباب حركات الإحياء والرفض الإسلامي :

السبب الأول

أن اكتشاف أسباب الإحياء الإسلامي - كما عرفته السبعينات - يكمن في تلك الكتابات التي تشكل مجتمعة إطاراً مرجعياً وفكرياً محكماً وصلباً لدى القائمين بالإحياء الإسلامي في السبعينات. وعليه فالإشارة بشيء من التفصيل إلى هذا الإطار باتت ضرورية:

·                        فتاوي ابن تيمية بشأن التتار :

في بداية فتواه يقول مخاطباً العلماء الذين لا يدعون للعنف الديني وللجهاد (ما تقول السادة العلماء … في هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة) .. " أي يغزون الشام غزوة بعد غزوة ". وقد تكلموا بالشهادتين وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذي كانوا عليه في أول الأمر. فهل يجب قتالهم أم لا ؟؟      نعم، يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبني على أصلين: أحدهما المعرفة بحالهم، والثاني معرفة حكم الله فيهم .

سورة الأحزاب الآية 72

 

·                        كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب :

كان لرؤية المفكر الإسلامي أبي الأعلى المودودي تأثيرها الفعال في بلورة فكر الجهاد و"التمايز" الفلسفي والسياسي الذي ميز الحركة الإسلامية في أغلب بلدان العالم الإسلامي. أتى تأثير المودودي في طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذي احتذاه وقالت به تنظيمات الإحياء الإسلامي في السبعينات.

هذه المستويات هي :

·         حاكمية الله في مواجهة حاكمية البشر

·         ألوهية الله في مواجهة ألوهية البشر

·         ربانية الله في مقابل العبودية لغيره من البشر

·         وحدانية الله في مقابل الاعتماد على أي آخر في تيسير أمور الحياة

·         التأثير الفكري لآية الله الخميني على فكر تنظيمات الإحياء الإسلامي:

يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام آية الله الخميني في كتاباته العديدة، وبالأخص تلك التي قال فيها بضرورة الثورة السياسية وبالمقاومة على المدى الطويل، وبحتمية تدمير الحكومات الجائرة.

إن أعضاء تنظيمات الإحياء الإسلامي، وبالأخص التنظيمات التي عرفت على امتداد الساحة الإسلامية في السبعينات "بالجهاد"، قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو مناقشات مذهبية وفكرية.

السبب الثاني:

أن الإحياء يعود بالأساس إلى الإسلام ذاته كدين وكمنهج شامل للحياة وسط علم معاصر تتقاسمه أيديولوجيات عديدة بشرية محققة في أغلبها حيث الإسلام تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة وهي لم تمت على الإطلاق.

أما السبب الثالث:

فيرجعه الباحث إلى استشراء عوامل الفساد الاجتماعي والسياسي داخل القيادة الحاكمة والنخبة السياسية والاقتصادية المسيطرة في بلدان العالم الإسلامي مما يؤدي بالضرورة إلى تخلف مجمل جوانب عملية التنمية في تلك البلاد وإخفاق برامجها.

  

- الفصل الخامس -

جماعة الإخوان المسلمين

  

·                     الاسم : قال حسن البنا لأتباعه "نحن أخوة في الإسلام ومن ثم فنحن الإخوان المسلمون"

·                     تاريخ الميلاد : شهر ذي القعدة عام 1347 هجريه – مارس 1928

·       الهيكل القيادي : مكتب الإرشاد ويعمل تحت إمرة المرشد العام – وهو بمثابة مجلس الشورى. لكن صالح عشماوي أحد قادة الجماعة يقول وهو يمتدح المرشد "عند أول عهدي بعضوية مكتب الإرشاد ثار البحث هل الشورى في الإسلام ملزمة أم غير ملزمة؟ أي هل يتقيد فضيلة المرشد العام برأي مكتب الإرشاد، أم أن المكتب هيئة استشارية له أن يأخذ برأيها أو يخالفه إن شاء .. وكان رأي المرشد أن الشورى غير ملزمة، وأن من حقه مخالفة رأي المكتب" ..

·                     محل الميلاد : الإسماعيلية

·       طبيعة الجماعة : حرص حسن البنا على أن يضفي صبغة ضبابية على الجماعة وألا يقدم تفسيراً واضحاً لأهدافها أو طبيعتها حتى يوائم بينها وبين تقلبات الأحوال.

قال حسن البنا : "أيها الإخوان : أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزباً سياسياً، ولا هيئة موضوعية الأهداف محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب الأمة"

 .. عبارة مطاطة لا يمكن الإمساك بأي من أطرافها.

·                     البرنامج : لا يوجد

سئل حسن البنا عن البرنامج فقال "ولم البرنامج ؟ إنه يفرقنا" .. واكتفى بعبارة عامة "القرآن دستورنا والرسول زعيمنا".

     ولقد ظل البنا في بداية الأمر ينكر أن لجماعته علاقة بالسياسة، لكنه ما أن قوي عود جماعته حتى أعلن على صفحات مجلة النذير أن الجماعة سوف "تنتقل من دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال" وتوجه إلى أتباعه متحدثاً عن السياسيين جميعاً قائلاً "ستخاصمون هؤلاء جميعاً في الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة إن لم يستجيبوا لكم".   ولم يلبث البنا أن صارح الجميع بهدفه الأساسي، وهو أنه يطمح إلى الحكم ليقيم دولة دينية، وقال "الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد .. والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول .. فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء"  

 

   وأيضاً .. "الذين يقولون أن تعاليم الإسلام إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون .. فالإسلام عبادة وقيادة، دين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، ومصحف وسيف، لا ينفك أحدها عن الآخر".

وبغير ذلك لم يقل البنا .. لم يقل ما موقف جماعته من مشكلات الحياة اليومية .. ولا من الجديد فيها .. فقط عموميات لا يمكن الإمساك بشيء منها ..

·                     العلامات المميزة :

تميزت جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها من القوى السياسية المعاصرة بعلامتين مميزتين أساسيتين .. البيعة والجهاز السري.

أما عن البيعة فقد استند فيها حسن البنا إلى حديثين شريفين الأول يقول "من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية" والثاني يقول "من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ونازعه فاضربوا عنق الآخر"

واستند أيضاً إلى أقوال أبو الأعلى المودودي "لا ينتخب للإمارة إلا من كان المسلمون يثقون به، وبسيرته، وبطباعه، وبخلقه، فإذا انتخبوه فهو ولي الأمر المطاع في حكمه ولا يعصى له أمر ولا نهي". ويقول أن الإمام أو الأمير من حقه أن يملي رأيه حتى على الأغلبية "فالإسلام لا يجعل من كثرة الأصوات ميزاناً للحق والباطل، فإنه من الممكن في نظر الإسلام أن يكون الرجل الفرد أصوب رأياً وأحد بصراً من سائر أعضاء المجلس"

وقد بايع الأتباع إمامهم بيعة كاملة في المنشط والمكره، وعاهدوه على السمع والطاعة.

ولم يكن حسن البنا يخفي ذلك على الناس، فهو لم يكن يقبل منهم بأقل من السمع والطاعة، دون نقاش.

أما العلامة المميزة الثانية فهي الجهاز السري الذي مارس عمليات إرهاب وقتل  كانت البداية والنموذج والقدوة للإرهاب المتأسلم. وقد تدرج الفكر التنظيمي لحسن البنا في سلاسة ويسر ليصل إلى هذا الهدف غير المعلن، فبدأ "بالجوالة" بهدف تعويد الإخوان على النظام شبه العسكري، وتدريبهم على الطاعة التامة والتفاني المطلق.

ثم كانت "كتائب أنصار الله" وهي مجموعات تضم كل منها أربعين عضواً من الأعضاء النشطين في الجماعة يلتقون معاً ليلة كل أسبوع حيث يقضون الليل في العبادة والتلاوة.

.. والعيون اليقظة تتابع ذلك لتفرز منه من يصلحون للجهاز الخاص ..

   ولقد أنكر البنا طويلاً أنه يوجد ثمة جهاز خاص، ونفى ذلك نفياً قاطعاً، بل لقد وصف القائمين بأعمال النسف والتفجير والقتل عام 1948 – 1949 بأنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"

.. وظلت الجماعة على إنكارها لوجود الجهاز الخاص حتى برغم اعترافات عشرات بل مئات من أعضائه أمام محكمة الشعب، وقيل ساعتها أنها أكاذيب أمليت وترددت تحت وطأة التعذيب .. ثم لا تلبث الحقيقة أن تظهر عندما يتنافس رجال الإرهاب الإخواني القدامى في كتابة مذكرات يحاول كل منهم أن ينسب إلى نفسه أكبر قدر من القتل والإرهاب ..

·                     علاقة الجماعة بالسياسة

وقد ظل حسن البنا طوال عشر سنوات كاملة ينكر أية صفة سياسية لجماعته ويؤكد في إلحاح أنه لا علاقة له بالسياسة، ولكنه ما أن شعر بالقوة وبضعف الآخرين حتى جاهر بدوره السياسي:

الدين شيء والسياسة غيره    دعوى نحاربها بكل سلاح , ثم ما لبث أن قال بصراحة "أستطيع أن أجهر بصراحة بأن المسلم لا يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر في شئون أمته مهتماً بها غيوراً عليها"    

لكن الأمر لا يكون مستقيماً أبداً مع الشيخ البنا. فهو يعود ليغمض القول "هل نحن طريقة صوفية، مؤسسة اجتماعية، حزب سياسي"؟ ويجيب على هذه الأسئلة بالنفي مؤكداً "نحن دعوة القرآن الحق الشامل .."

لكنه لا يلبث أن يعود ليؤكد "إن الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية"

وحتى في المبادئ الجوهرية كان الإخوان يتلاعبون تلاعب السياسيين غير المبدئيين. فبعد أن يوجه البنا نقداً شديداً للدستور قائلاً "إن فيه ما يراه الإخوان مبهماً غامضاً يدع مجالاً واسعاً للتأويل والتفسير الذي تمليه الغايات والأهواء"، لكنه يعود فيتراجع تحت ضغط قيل أنه قد أتى من القصر الملكي ليعلن "إن الدستور بروحه وأهدافه العامة لا يتناقض مع القرآن .. وإن ما نحتاج إلى تعديل منه يمكن أن يعدل بالطريقة التي رسمها الدستور ذاته".

ويؤكد "وما كان لجماعة الإخوان المسلمين أن تنكر الاحترام الواجب للدستور باعتباره نظام الحكم المقرر في مصر، ولا أن تحاول الطعن فيه .. ما كان لها أن تفعل ذلك وهي جماعة مؤمنة مخلصة تعلم أن إهاجة العامة ثورة، وأن الثورة فتنة، وأن الفتنة في النار".

ولكن لعبة السياسة عند الشيخ استمرت على هذا المنوال قول ونقيضه في آن واحد .. وإن كان الخط الثابت هو المناورة بين الجميع، والتلاعب بالجميع، غير أن الشيخ أدرك وإن متأخراً أن الجميع كانوا يتلاعبون به، بينما يتخيل هو أنه تلاعب بهم.

ولعبة السياسة عند الشيخ بلا مبادئ ولن نطيل وسنكتفي بإشارات :

·                     شركة قناة السويس الاستعمارية قدمت عوناً مالياً وقبله.

·                     الطاغية إسماعيل صدقي قدم له عوناً مادياً ومعنوياً كبيراً في بداية نشأة الجماعة ..

·                     علي ماهر داهية القصر والموصوم بعلاقات مريبة خارجية كان الصديق الحميم للجماعة ..

·       عقد الإخوان المسلمون مؤتمرهم الرابع خصيصاً للاحتفال باعتلاء "جلالة الملك العرش". وقام الجوالة بدور المنظم في الاحتفالات الصاخبة بهذه المناسبة

·       عندما اختلف النحاس باشا مع الملك وخرج الوفديون في مظاهرات تهتف "الشعب مع النحاس" في مقابلها خرجت مظاهرات الإخوان إلى قصر عابدين تهتف "الله مع الملك".

·       كتب أحد قادة البوليس تقريراً يقترح "أن تشجع الحكومة الجماعة وتعمل على تعميم فروعها في البلاد حتى يكون في ذلك أكبر خدمة للأمن والإصلاح" ويتباهى حسن البنا بذلك ويورده في مذكراته

·       وتؤكد جريدة الإخوان إن اتصالاً قد تم مع الإنجليز، وأن الطرف الإنجليزي قد أبدى استعداده لتقديم عون مالي للجماعة، وتقول أن البنا قد رفض ذلك"  , ولكن باحثاً آخر يؤكد استناداً إلى ما أسماه مصدر إخواني كان على علاقة بالسفارة البريطانية "إن عوناً مالياً كبيراً قد قدم بالفعل وخاصة في غضون 1947"

ومرة أخرى نقف أمام ظاهرة محيرة: يعترف البنا أن الطاغية إسماعيل صدقي قدم عرضاً بمعاونة مالية، وأن الإنجليز قدموا ذات العرض، ويقول أنه رفض، حسناً، ولكن لم لا نسأل أنفسنا لماذا هؤلاء بالذات يعرضون مساعدة الجماعة؟

·       وهل ننسى أحداث 1946، وخروج الإخوان يهتفون للطاغية إسماعيل صدقي صائحين  "واذكر في الكتاب إسماعيلاً" ؟

·                     وهل ننسى تأييد معاهدة صدقي  بيفن؟

.. وبهذا نكتفي في مجال السياسة .. فكل الخطى متشابهة ..

·                     عنف الإخوان

والعنف هو النتيجة المفترضة للخلط المتعمد بين الدين والفكر الديني .. وبذرته الخبيثة موجودة منذ البدايات الأولى للجماعة

.. فعندما أصدرت جماعة الإخوان مجلتها النذير، تعجل الشيخ عبد الرحمن الساعاتي (والد المرشد العام حسن البنا) في أن يجعلها نذيراً للجميع فكتب في عددها الأول مقالاً عنوانه "استعدوا يا جنود" يقول فيه: "استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون"، ثم يقول: "خذوا هذه الأمة في رفق فما أحوجها إلى العناية والتدليل، وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل، اعكفوا على إعداده في صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه، أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه .. استعدوا يا جنود – فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر، وفي عيونهم عمى".

والعنف هنا مقصود لذاته بل هو السبيل الوحيد، فحسن البنا يقول: "وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملاً ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، هكذا كانت نظرية السيف في الإسلام. لم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط في يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي"

وما من مجال لسرد كل الدعاوى الإخوانية التي تقرر أن العنف والإرهاب هو أساس الدعوة .. وجوهرها، فلقد يحتاج الأمر إلى مجلدات .. فقط أدعو القارئ إلى قراءة الكتب الآتية التي أصدرها قادة بارزون من الجماعة، بل لعلهم كانوا أبرز القادة الفعليين، فهم قادة الجهاز السري الذي كرس الإرهاب المتأسلم في مصر.

·                     أحمد عادل كمال  النقط فوق الحروف. ويقول فيه: جماعة دون عنف يحميها .. تهريج.

·                     صلاح شادي  حصاد العمر [ويورد مئات الوقائع عن ارتكاب أعمال إرهابية].

·       عبد المنعم عبد الرؤوف  أرغمت فاروق على التنازل عن العرش [وفيه يؤكد أن الإخوان هم الذين حاولوا اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية ويورد تفاصيل الترتيبات].

·       محمود عبد الحليم  الإخوان المسلمون، أحداث صنعت التاريخ [وفيه يؤكد أن رئيس الجهاز السري للإخوان عبد الرحمن السندي هو الذي دبر قتل نائبه سيد فايز ويقول: "وقد ثبت ثبوتاً قاطعاً أن هذه الجريمة الأثيمة كانت بتدبير السندي"

 وإذ يطالع القارئ هذه الكتب أو حتى واحداً منها سيجد فيضاً من المعلومات والأدلة والاعترافات والاتهامات المتبادلة .. تكفي وتزيد لإقناعه بأن جماعة الإخوان كانت المصدر الأساسي للإرهاب المتأسلم في العصر الحديث. ولكن ليأذن لي القارئ أن نتوقف أمام كاتب إخواني من قادة الجهاز السري، نتوقف أمامه لأنه الأصرح والأوضح .. وربما الأفدح، إنه الأستاذ محمود الصباغ، ونقرأ:

يبدأ عضو الجهاز الخاص بالبيعة "يدخل إلى حجرة مطفأة الأنوار، ويجلس على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى جسده تماماً من قمة رأسه إلى أخمص قدمه برداء أبيض، ثم يخرج من جانبه مسدساً ويطلب من المبايع أن يتحسسه، وأن يتحسس المصحف الشريف ثم يقول له: فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير"

ما معنى "إخلاء سبيل الجماعة منك؟" تأتي الإجابة في صفحة أخرى عندما يورد الأخ الصباغ نصوص لائحة الجهاز الخاص (الجهاز السري لجماعة الإخوان) م13 : إن أية خيانة، أو إفشاء سر بحسن قصد، أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل، واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة"

بل أنه يعطي لنفسه ولزملائه الحق في القتل المباشر دون إذن من القيادة "إن أعضاء الجهاز يمتلكون - دون إذن أحد - الحق في اغتيال من يشاءون من خصومهم السياسيين، فكلهم قارئ لسنة رسول الله في إباحة اغتيال أعداء الله". فقط نلاحظ أن "خصومهم السياسيين" هم أعداء الله ويباح اغتيالهم.

بل إن الأستاذ الصباغ يغالي فيقول "إن قتل أعداء الله (أي الخصوم السياسيين للجماعة) هو من شرائع الإسلام، ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد المسلمين وأن يضلل عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله"

ومادمنا في إطار الحديث عن لائحة الجهاز الخاص وعن أساليبه، فلنطالع بعضاً من أوراقه التي تم ضبطها في القضية الشهيرة المسماة "قضية سيارة الجيب". فورقة تعليمات صادرة من قيادة الجهاز لأعضائه تقول "إن كل من يحاول مناوأتهم أو الوقوف في سبيلهم مهدر دمه، وإن قاتله مثاب على فعله" و"إن من سياساتنا أن الإسلام يتجاوز عن قتل المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة". 

.. ومن أشكال العنف .. "الفتوى"، فالمفتي من أعضاء الجماعة يضع السم في الشراب ويترك الآخرين ليتجرعوه، وكمثال نورد الفتوى التالية التي كانت سبباً في موجة للاعتداء على الكنائس وإحراقها.

في مجلة الدعوة (لسان حال الجماعة) وردت الفتوى التالية حول حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام.

حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام:

الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة.

والثاني: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا فهذه أيضاً لا يجوز بناء هذه الأشياء [لاحظ كلمة هذه الأشياء] فيها، وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين.

والثالث: ما فتح صلحاً بين المسلمين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع على ما هي عليه في وقت الفتح، ومنع بناء وإعادة ما هدم منها، وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام.

 نظرة الإخوان إلى المجتمع

.. ومنذ البدايات الأولى حاول الأستاذ حسن البنا وإن بحذر أن يضع اللبنات الأولى للمفارقة بين عضو الجماعة والمجتمع حكاماً ومحكومين .. وللمفاصلة التامة بينهما بل ولتكفير المجتمع .. حكاماً ومحكومين. وإنكار ما يقوم عليه المجتمع من أسس دستورية وقانونية.

وفي رسالة التعاليم يحدد حسن البنا واجبات "الأخ المجاهد" وعددها 38 واجباً، الواجب رقم 25 منها يأمر العضو "أن تقاطع المحاكم والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة"..

والبند رقم 37 يأمره "أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك"

ويقول مفكر إخواني آخر هو الأستاذ علي جريشه "ولا خلاف في جهاد من منع بعض شريعة الله، وأولى به من منع كل الشريعة، والقعود عن الجهاد تهلكة نهى الله عنها"

وغني عن القول أن القول بتكفير كل من يقبل بالقانون الوضعي، وهو تكفير للحكم والمجتمع والمحكومين، أما القعود عن الجهاد ضد هذا المجتمع فهو "تهلكة نهى الله عنها".

دون صعوبة نكتشف أن جوهر فكرة التكفير ومن ثم "المفاصلة" مع المجتمع، والعنف ضده، قديمة قدم الدعوة ذاتها، وأن الذي أرسى أساسها هو مؤسس الجماعة ذاته .. الأستاذ حسن البنا.

والذين يتصورون أن الأستاذ سيد قطب أستاذ "التكفير" والذي انبثق من فكره كل دعاة الإرهاب المحدثون (إلى درجة أنهم يسمون بالقطبيين) كان شارداً عن خط الجماعة واهمون .. هو فقط وضع كلمات في موضعها الواضح، ولم يتلاعب بالألفاظ كما فعل سابقوه.

وسيد قطب رجل لا يعرف المساومة .. فيقول: "إن الإسلام لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات: مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي"؛ والمجتمعات الجاهلية عند سيد قطب هي كل المجتمعات "الشيوعية والوثنية واليهودية والمسيحية، والمجتمعات التي تزعم أنها مسلمة",  وبشكل أوضح يقول: "يدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة على الأرض".

وهو لا يعترف بإسلام المسلمين "إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية، ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين. والدعوة إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد".

تأملوا "لتجعل منهم مسلمين من جديد". وهو لا يعتبر أن الإسلام قائم إلا في حدود جماعته ومن ثم فهو يدعو إلى إعادة "إنشائه" قائلاً: "و ينبغي أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس إلى إعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة، حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون، فإذا دخل في هذا الدين عصبة من الناس، فهذه العصبة هي التي يطلق عليها اسم المجتمع المسلم".

وسيد قطب ينكر أية رابطة سوى رابطة الإسلام فهو لا يعترف بالوطن ولا بالوطنية "لا رابطة سوى العقيدة، ولا قبول لرابطة الجنس والأرض واللون والوطن والمصالح الأرضية والحدود الإقليمية" "إن هي إلا أصنام تعبد من دون الله".

مرة أخرى أنه رجل لا يعرف المساومة "لا حل وسط، ولا منهج بين بين .. إنما هناك حق وباطل، هدى وضلال، إسلام وجاهلية".

ومرة أخرى هو يرفض كل المجتمعات "سواء كان اسمها حكم الفرد أو حكم الشعب، شيوعية أو رأسمالية، ديموقراطية أو ديكتاتورية، أو أتوقراطية أو ثيوقراطية" .... ما معنى ذلك كله؟ ما معنى تكفير المسلمين جميعاً .. حكاماً ومحكومين .. معناه ببساطة أنهم جميعاً مرتدون. ثم ..  الإرهاب ..

وهكذا فإن الإرهاب يأتي منقاداً وبشكل طبيعي للفكرة الأولى الذي وضع بذرتها الأستاذ حسن البنا ومدها على استقامتها الأستاذ سيد قطب ..

موقف الإخوان من القضية الاجتماعية والطبقة العاملة

ولأن القرآن حمال أوجه. ولأنه لا ينطق وهو مكتوب وإنما ينطق به البشر كما قال الإمام علي بن أبي طالب.

فإن تلك الجماعة، التي أكدت وتؤكد أنها تتخذ من الإسلام منهجاً متكاملاً، والتي كسبت تأييداً لا بأس به لأنها تقدم تصوراً يقول أنه يستهدف تغيير النظام السياسي التقليدي في مصر تغييراً شاملاً، قد استخدمت الدين بما يحقق لها مصالحها السياسية.

ولأن الإسلام شأنه شأن أي معتقد سماوي أو فكري يمكن الدخول إليه من أكثر من مدخل. وبرغم أننا تعلمنا على أيدي مفكرين إسلاميين المدخل الصحيح نحو البعد الاجتماعي للإسلام .. مفكرين مثل رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني الذي قال "إن أول من عمل بالاشتراكية هم الصحابة" , وإلى منح كلمة الاشتراكية تعريفاً موجزاً ودقيقاً إذ قال "الاشتراكية هي التي تعطي حقاً مسلوباً للشعب العامل".

وأمثال الأستاذ الإمام محمد عبده الذي كان يرى كما يؤكد تلميذه رشيد رضا "إن تراكم الثروة لدى البعض يخلق مشاكل اجتماعية، وأن الإضرابات العمالية والمشكلات في علاقات العمل هي مجرد ثمرة لهذا الوضع".

فإن آخرين اختاروا مدخل اتخاذ الدين كسلاح في يد الرجعية وكبار الملاك والرأسماليين.

أما حسن البنا فقد وجد نفسه في مأزق حقيقي. فهو يريد أن يكسب لجماعته جماهيرية وسط جموع الفقراء. لكنه لا يريد أن يفقد مساندة القصر وكبار الملاك فاتخذ موقفاً يمكن القول بأنه "وسط" وبأنه "مرن" وبأنه يفصل بين القول والممارسة الفعلية.

واكتسب هذا الموقف مزيداً من المرونة أو بالدقة الغموض إذ رفض في الواقع إعلان أي برنامج سياسي أو اقتصادي محدد وواضح واكتفى بالعموميات مثل "القرآن دستورنا".

لكن واقع الحياة كان يفرض على الجماعة أن تحدد موقفاً من مجمل البنية الاجتماعية والاقتصادية. فاضطرت إلى ذلك واتخذت من الوسطية والمرونة سبيلاً لتلافي أي اختيار واضح وصريح بين العمال وبين مستغليهم.

يقول أحد مفكري الجماعة هو سيد قطب "أن النظام الإسلامي ليس هو الرق .. وليس هو الإقطاع وليس هو الشيوعية، أن النظام الإسلامي هو فقط النظام الإسلامي".

إن عبارة سيد قطب هذه نموج دقيق لأسلوب عرض جماعة الإخوان لأفكارها خاصة في المجال الاجتماعي فهي تكتفي بنفي صفات محددة دون أن توضح تحديداً ماذا تريد .. لكننا نلاحظ أن قطب لم ينف صفة "الرأسمالية" عن النظام الإسلامي، ربما لأنهم كعادتهم لم يريدوا تصادماً مع الرأسمالية .. فالعبارة قيلت عام 1953 حيث كان حكام يوليو ضد الإقطاع وضد الشيوعية لكنهم لم يتخذوا أي موقف ضد الرأسمالية.

ويحدد البنا قواعد للنظام الاقتصادي في الإسلام من بينها:

·                     اعتبار المال الصالح قوام الحياة ووجوب الحرص عليه.

·                     تقرير حرمة المال واحترام الملكية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة.

ويستند البنا في تأكيد تحريم مصادرة المال إلى الحديث النبوي "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله".

ويشير أحد مؤرخي الجماعة إلى تعمدها الحديث الغامض عن مشاكل العمال وعن حلول هذه المشاكل فيقول:

"التزمت الجماعة بالفكر والمصطلحات الشمولية ولم تلجأ إلى التحليل الطبقي.

لذلك فقد اقتصر اهتمامها بالقضايا العمالية على إظهار شعور الاستياء مما يعانيه العمال من الفقر والمرض وما يلاقونه من اضطهاد من جانب أصحاب الأعمال واكتفت بالمطالبة بتحسين أحوالهم وتشغيل العاطلين منهم"

وبعد أسبوع واحد من ثورة يوليو نشرت الجماعة ما يمكن اعتباره "برنامجاً" سياسياً واقتصادياً، ولعلها فعلت ذلك بهدف احتواء القيادة الجديدة أو تحت ضغطها. وكذلك لمحاولة كسب جماهيرية وسط الشارع المصري الذي كان ثوار يوليو ومؤيدوهم من الشيوعيين يكسبون مواقع هامة فيه.

أما "الإضراب" فهو عند الجماعة وبشكل حاسم أمر مخل بروابط الإخاء بين المسلمين ومثير للجفاء بين فرقهم.

وإذا كان البعض يرى في الإضراب سلاحاً عالمياً فإن الإخوان يقدمون أسلحة أخرى: "لابد للعامل من سلاحين هما قوة الإيمان وحسن الخلق. فتقوم الصلة بين العامل وصاحب العمل على الاحترام والعطف المتبادلين وهذه هي أنجح الوسائل"

وقد كانت معاداة الشيوعية كانت أحد هدفين أساسيين استهدفتهما الجماعة من عملها المنظم في صفوف الطبقة العاملة أما الهدف الآخر فهو السعي لنشر دعوة الإسلام في الأوساط العمالية.  ولا شك أن نشاطاً من هذا القبيل قد لقي ترحيباً شديداً من جانب الحكومات والرأسماليين على السواء .. والحقيقة أن تركيز الإخوان في نشاطهم على مقاومة الشيوعية قد أوقعهم في محاذير شديدة الخطر، فدفعوا عضويتهم إلى التجسس على العمال النشطين، وعلى الشيوعيين عموماً وإبلاغ السلطات عنهم ..

وقد حاول الإخوان أيضاً "إقامة نقابات عمالية تستوحي أفكارهم وقد حققوا في ذلك نجاحاً ما ..

كذلك فقد استخدمت الجماعة مختلف أشكال الضغط لضم العمال لصفوفها، وتنشر إحدى الصحف الوفدية "أن أحد رؤساء العمال في شركة النيل بشبرا الخيمة وكان من الإخوان المسلمين حاول أن يضم أحد قادة العمال للجماعة فلما رفض فصله من العمل. وهنا قام العمال بالاعتصام في المصنع مطالبين بعودة زميلهم إلى العمل"..

.. ولعل أحد الأدلة الهامة على ضعف النشاط العمالي للجماعة أن المذكرة التفسيرية للأمر العسكري الصادر بحل الجماعة في عام 1948  تتحدث عن نشاط الجماعة تفصيلاً فتشير إلى نشاطها وسط الطلبة والموظفين والفلاحين ولا إشارة واحدة للنشاط وسط العمال .. إن ثلاثة عشر بنداً تتضمنها المذكرة تفصيلاً أنشطة الجماعة في مختلف مناحي الحياة ولا إشارة واحدة للعمال

ويفسر البعض ذلك بأن نشاط الجماعة وسط العمال كان دوماً في خدمة أجهزة الأمن وبالتنسيق معها.

الأدلة على عنف الإخوان

في يناير 1948 أعلن البوليس أنه اكتشف بمحض الصدفة مجموعة من الشبان تتدرب سراً على السلاح في منطقة جبل المقطم، وأنه بمداهمة المجموعة   التي قاومت لبعض الوقت ضبط البوليس 165 قنبلة ومجموعات من الأسلحة .. وقال زعيم المجموعة سيد فايز (وكان اسمه جديداً تماماً على البوليس برغم أنه كان أحد القادة الأساسيين للجهاز السري) "إن السلاح يجري تجميعه من أجل فلسطين وأن الشباب يتدرب من أجل فلسطين"، وقال "أنهم اشتروا السلاح من العرب (البدو) من أجل العرب (الفلسطينيين)" وتحت ضغوط ووساطات من الجماعة أُفرج عن سيد فايز وزملائه ..

لكن أنظار البوليس بدأت تتجه ناحية شباب الجماعة.

   ولم يكن هذا الحادث سوى مقدمة.

ولسنا بحاجة إلى القول بأن الضحايا كانوا كثيرين وأنهم جميعاً من الأبرياء ..

وكانت أعين البوليس التي استيقظت مؤخراً قد اكتشفت أحد أطراف الخيط، إذ ضبطت ترسانة سلاح ضخمة في عزبة بالإسماعيلية يمتلكها الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان في فلسطين ..

وكان البنا قد أمضى معظم شهر أكتوبر وبضعة أيام من نوفمبر مؤدياً فريضة الحج، فما أن عاد حتى تعرض للقبض عليه بمقولة وجود دليل ضده في سيارة الجيب المضبوطة، وبمقولة مسئوليته المباشرة عن حادث نسف شركة الإعلانات , وخرج البنا من السجن ليبذل جهوداً لإيقاف عجلة الأحداث محاولاً إنقاذ الجماعة من الوقوع فريسة لنظام أصبح غير راض عنها، بل وراغب في الخلاص منها ..

لكن سرعة الأحداث كانت تفوق قدرة الشيخ على الحركة ..

والشيخ الذي اعتاد المناورة بالسياسة والسياسيين وجد نفسه محاصراً تماماً عاجزاً عن الفعل، فالقصر والسعديون خلفاء الأمس القريب، والذين شجعوا الإخوان ونظروا لتحركهم باتجاه قضية فلسطين بعين الرضا بغية صرف الأنظار عن معركة الجلاء عن مصر، وعن قضايا الداخل المختلفة، بدءوا يخونون قضية فلسطين كما خانوا من قبل قضية مصر ..

والبنا الذي شحن نفوس أتباعه وإلى أقصى مدى بالمشاعر الإسلامية المتوترة تجاه قضية فلسطين يجد نفسه مطالباً إما بأن يواجه القصر والحكومة وإما أن يواجه أتباعه .. وحاول أن يتخذ موقفاً وسطاً، ولعله راح ضحية هذه المحاولة.

 

وقد اشتملت مذكرة عبد الرحمن عمار (وكيل وزارة الداخلية) المرفوعة إلى مجلس الوزراء بشأن طلب حل جماعة الإخوان المسلمين على قرار اتهام طويل يعيد إلى الأذهان كل أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة، حتى تلك التي ارتكبتها بإيعاز من السلطات ولخدمة مصالحها.   فمن بين التهم الثلاث عشرة التي ساقتها المذكرة نجد:

·       أن الجماعة كانت تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم وذلك عن طريق الإرهاب مستخدمة تشكيلات مدربة عسكرياً هي فرق الجوالة.

·                     مسئولية الجماعة عن مقتل أحد خصومها السياسيين (وفدي) في بورسعيد.

·        مسئولية الجماعة بحيازة أسلحة ومفرقعات ومتفجرات (حادث المقطم  مستودع السلاح بعزبة الشيخ محمد فرغلي ضبط مصنع للمتفجرات بالإسماعيلية)

·                     نسف فندق الملك جورج بالإسماعيلية

·                     نسف العديد من المنشآت التجارية المملوكة لليهود.

·                     الاعتداء على رجال الأمن أثناء تأدية وظيفتهم.

·       إرهاب أصحاب المنشآت التجارية وتهديدهم بهدف الحصول على "تبرعات" و"اشتراكات" مدفوعة مقدماً لصحيفة الجماعة.

وبناء على هذه المذكرة أصدر الحاكم العسكري العام محمود فهمي النقراشي باشا قراراً عسكرياً من تسعة مواد ينص على حل وتصفية جماعة الإخوان. دارت ماكينة العنف البوليسي ضد الإخوان .. هؤلاء الذين باركوا دورانها ضد خصومهم من الوفديين والتقدميين والشيوعيين فإذا بغول الديكتاتورية يبتلعهم هم أيضاً.   

والمعتقلات التي افتتحت في ظل مباركة الإخوان وتهليلهم يوم 15 مايو (أيار) 1948 (بمناسبة حرب فلسطين) والتي استقبلت خصومهم السياسيين، أخذت تتوسع كي تستقبل الألوف من أعضاء الإخوان.

وشيع أنصار الحكومة جثمان رئيس وزرائهم هاتفين في صراحة "الموت لحسن البنا"

وأُديرت ماكينة العنف الرسمي إلى أقصى مداها، ولتتسع دائرة الاعتقالات في صفوف الإخوان فتشمل 4000 معتقل، وتعرض بعض المعتقلين لأقصى درجات التعذيب الوحشي الذي لم تعرف له مصر مثيلاً من قبل.

ولعل شكوكاً كثيرة قد ساورت هؤلاء الشبان من أعضاء الجهاز السري وهم يعانون من التعذيب الوحشي في جدوى عملية الإرهاب ضد خصومهم، وربما في مدى مشروعيتها، وفي مدى انطباق "فكرة الجهاد" على ما ارتكبوه من أعمال. ولعل فتاوي مفتي الديار المصرية، وبيانات شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء التي تدين أعمالهم قد أثرت فيهم كثيراً.

لكن الطامة الكبرى جاءت عندما استنكر الشيخ البنا نفسه هذه الأعمال واتهم القائمين بها بأنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، وهنا انهار المتهمون جميعاً، فقد كان صمودهم واحتمالهم للتعذيب يستمد كل صلابته من "البيعة" التي أقسموا بها بين يدي الشيخ أو من يمثله في حجرة مظلمة .. فإذا تخلى الشيخ عنهم وعن فكرة "الجهاد" كما لقنها لهم .. فماذا يبقى؟

ومع ماكينة التعذيب كانت ماكينة الدعاية تدور لتجرم الجماعة وشيخها ومنهجها وجهازها السري.

·                     فتوى مفتي الديار المصرية تدين أفعال الجماعة وتتهم القائمين بها بالكفر.

·                     وبيان من هيئة كبار العلماء.

·                     وبيان ثالث من الأزهر.

·       وساهم في حملة الإدانة لأعمال العنف والإرهاب الإخوانية مفكرون وكتاب يتمتعون باحترام جمهور مصر العريض.

وتحرك الشيخ المهيض الجناح في اتجاهين .. أن يسجل دفاعه عن نفسه وعن جماعته كتابة، وأن يحاول لعبة الوساطة والتنازل لعله ينقذ شيئاً من تحت أنقاض الجماعة.

وكتب الشيخ آخر رسائله "القول الفصل" وشتان بينها وبين رسائله الأولى.

يبدأ البنا "القول الفصل" قائلاً: "لقد سمع الرأي العام المصري والعربي والإسلامي قضية الإخوان المسلمين من جانب واحد، جانب الحكومة التي اعتدت على الهيئة بإصدار أمر عسكري بحلها وهو الجانب الذي يملك كل وسائل الدعاية من الصحف الخاضعة للرقابة كل الخضوع، ومن الإذاعة التي تديرها وتهيمن عليها القلة، ومن الخطباء في المساجد الذين هم موظفون حكوميون. لكن الرأي العام لم يسمع من الطرف الآخر، لم يسمع من الإخوان الذين حرموا كل وسائل الدفاع عن أنفسهم فصودرت صحفهم وعطلت أقلامهم وكممت أفواههم .. واعتقل كل خطيب لهم واعتبر اجتماع كل خمسة منهم في أي مكان جريمة أقل عقوبة لها السجن ستة أشهر. ولهذا كان من الواجب أن نتقدم بهذا البيان للرأي العام المصري والعربي والإسلامي وللضمير الإنساني العالمي حتى لا يقع في خطأ ما، ويظلم في الحكم، ويحكم بسماع خصم واحد، وقد قيل، إذا جاءك خصم وعينه مقلوعة فلا تحكم له حتى ترى خصمه فقد تكون عيناه الاثنتان مقلوعتين"

أما الأسلحة فقد كرر الشيخ مقولة أنها "للمجاهدين من الإخوان المسلمين والفلسطينيين والهيئة العربية العليا الفلسطينية، والحكومة نفسها تعرف ذلك".

واتهم البنا الحكومة أنها أصدرت قرار حل الجماعة تحت ضغط مذكرة ثلاثية تقدمت بها كل من بريطانيا وفرنسا وأمريكا وبعد اجتماع لممثليها الدبلوماسيين بفايد في 6 ديسمبر (كانون الأول) 1948. وطالبت المذكرة بحل الجماعة.

وبعد أن سرد البنا أسباباً عديدة أخرى منها ستر الفشل في فلسطين والإعداد لمفاوضات جديدة مع الإنجليز عاد ليركز على ما أسماه بالأصابع الخفية والدسائس "من ذوي الغايات الذين خاصموا الدعوة من أول يوم وتربصوا بها كاليهودية العالمية والشيوعية الدولية والاستعمار وأنصار الإلحاد والإباحية". وفي ختام "القول الفصل" قال البنا:

"وسنجاهد في سبيل حقنا ما وسعنا الجهاد، فإن أعوزتنا الحياة الشريفة العزيزة فلن يعوزنا الموت الكريم المجيد".

لكن "القول الفصل" بقى مخطوطاً .. ولم ير النور إلا بعد وفاة الشيخ.

قلنا أن الشيخ قد لجأ إلى الوساطة .. والصحيح أنه قد وقع في مصيدة الوساطة .. لقد استدرجوه خطوة خطوة، ليقدم تنازلاً إثر تنازل وفي النهاية اغتالوه.

ولا يبقى للشيخ ما يقوله .. سوى أنه سيطلب تجريده من جنسيته المصرية "التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء"؟

وقرر القتلة أن يطلقوا الرصاص على جثته.

سحبوا منه سيارته ثم مسدسه المرخص ثم سحبوا الحراسة المحيطة به، واستدرجوه إلى جلسة مفاوضات أخرى أو أخيرة .. وأطلقوا عليه الرصاص.

ويبقى معلقاً للبحث الدقيق .. التاريخ الحقيقي لوفاة الإمام الشهيد المرشد العام حسن أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي.

هل هو يوم 12 فبراير (شباط) 1949 كما هو مثبت في شهادة الوفاة ..

أم هو يوم أصدر الشيخ بيانه "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" ..

أم هو يوم أصدر "بيان للناس" .. أم قبل ذلك بكثير ..

 يوم سمح لنفسه أن يدخل ميدان السياسة من باب الموالاة للقصر .. ومخاصمة الشعب .. ؟

وقد أثبت التحقيق أن المدبر الأساسي لمقتل الشيخ حسن البنا كان الملك فاروق.                               

وأكد الإخوان أنفسهم أكثر من مرة أن الشيخ "قد اغتيل في يوم 12 فبراير 1949 الموافق 14 ربيع ثاني سنة 1368 هجرية .. يوم عيد ميلاد الملك السابق فاروق أحمد فؤاد فكان اغتياله هدية عيد ميلاد ملك جلب الدمار لشعبه". بل لقد وصل الأمر بالجماعة إلى أنها طلبت رسمياً من المحكمة التي عقدت في أعقاب ثورة يوليو لمحاكمة قتلة الشيخ حسن البنا، تقديم متهمين جدد على رأسهم الملك السابق فاروق وذلك باعتباره محرضاً وفاعلاً أصلياً.

ولأن القاتل الحقيقي كان فاروق على الأقل في نظر الجماعة .. فإن الباحث لا يستطيع أن يكتم دهشته بل ما هو أكثر من الدهشة إذ يجد في سجل تشريفات قصر عابدين يوم 14 نوفمبر 1951 .. أسماء عديد من قادة الإخوان، أتوا إلى أبواب قصر الملك، ليعربوا – مرة أخرى – لقاتل شيخهم، ربما عن ولائهم، وربما عن نسيانهم لدم شهيدهم. والتوقيعات ذات دلالة ..

خليفة الشيخ البنا .. المرشد الجديد حسن إسماعيل الهضيبي., أقارب الشيخ البنا .. شقيقه عبد الرحمن البنا وعضو مكتب الإرشاد العام., وصهره عبد الحكيم عابدين وسكرتير عام الجماعة.

وأقرب المقربين من رجاله:

·                     صالح عشماوي.

·                     عبد القادر عودة.

·                     حسين كمال الدين.

·                     محمد الغزالي.

·                     عبد العزيز كامل.

وكلهم أعضاء في مكتب الإرشاد العام. , وحتى السكرتير الخاص للإمام الشهيد وكاتم أسراره ورفيق رحلته الطويلة سعد الدين الوليلي أتوا به ليوقع هو أيضاً معرباً عن ولائه للملك فاروق.

وطوال رحلتنا مع هذه الدراسة، تراكمت علامات استفهام وعلامات تعجب كثيرة، وتكون علامة التعجب الأخيرة مثاراً لما هو أكثر من الدهشة .. وتساؤلاً حول مدى وفاء هؤلاء الموقعين لذكرى شيخهم وإمامهم ومرشدهم .. وحول مدى صدق ما يصيغون من تراتيل الوفاء لشيخ نسوا ذكراه على عتبات قصر قاتله!

التداعيات

وإذا كان حسن البنا هو البذرة الصالحة فإن سيد قطب هو الثمرة الناضجة .. ولم يحدث أبداً أن وجه إخواني أيا كان مرتبته أي نقد، أو شبه نقد لممارسات أو كتابات الأستاذ سيد قطب.

وسيد قطب وهو شخصية مثيرة لجدل شديد هو سيد عصر الإرهاب الحالي. فكل الإرهابيين المتأسلمين الذين ملئوا الدنيا قتلاً وسفكاً للدماء هم "قطبيون" أي أنهم من أتباعه.

وفي سجن طره بدأ سيد قطب في استقطاب أكثر عناصر شباب الجماعة تشدداً ليكون منهم تياراً ينتقد اعتدال البعض من رموز الجماعة، ويدعو إلى تكفير المجتمع [الحاكم والمحكوم على السواء. وكان من أبرز تلاميذه في السجن "شكري مصطفى" الذي سرعان ما كون بعد خروجه من السجن "الجماعة المسلمة" التي أسميت إعلامياً بجماعة التكفير والهجرة، ومن هذه الجماعة الشديدة التشدد والتي تعرضت لضربات قاصمة في أعقاب اختطافها للشيخ الذهبي واغتياله .. تولدت جماعات عدة لعل كل منها كان أكثر تطرفاً مما سبقه.

لكن الأستاذ سيد قطب هو صاحب نواة كرة الثلج التي تضخمت لتفرز لنا كل الإرهابيين المتأسلمين من أعضاء "جماعة الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" وما أفرزتاه من تكوينات تالية.

ولقد يتململ بعض الإخوان من نسبتهم إلى هذه التداعيات، لكن الشيء المؤكد أن أحداً لم يجرؤ أو يتجاسر أن ينطق بكلمة نقد واحدة لفكرة أو كلمة أو فعل من أقوال أو أفعال الأستاذ سيد قطب.    بل أن أحداً من الإخوان لم يوجه أي نقد أو إدانة لكل ما ارتكبه الإرهابيون من مجازر. يتنصلون منها نعم. أما إدانتها وإدانة القائمين بها أو القائلين بضرورتها فلا.

ويبقى معلقاً في عنق الجماعة كل فعل أو قول، وكل قطرة دم أريقت بأيدي المتأسلمين حتى يعلنوا براءتهم منها، ويعلنوا إدانتهم لها. والغريب أن هؤلاء المتأسلمين يسارعون من قبيل التفقه، وسد منافذ الحياة أمام الناس بتحريم عشرات الأفعال والأقوال والكتابات، لكن أحداً منهم لم يحرم حرفاً مما كتبه هؤلاء الإرهابيون الجدد ابتداءً من سيد قطب وحتى عمر عبد الرحمن وعبود الزمر وأسامة بن لادن وأمثالهم. ولم يحرم فعلاً مما فعلوا. هو فقط يقول لم أفعل.

تداعيات التداعيات:

ومع وجود قيادة للجماعة منغلقة على نفسها، ولا تمتلك لا الكفاءة الفكرية ولا التنظيمية التي اعتاد عليها الإخوانيون.

ومع بروز قيادات من الكوادر الوسطى اكتسبت في ظل ظروف محددة بعضاً من وجود جماهيري. وهي قيادات قدمت إلى الجماعة من صفوف "كرة الثلج" التي ولدها سيد قطب. أي من صفوف الجامعات الجهادية كما يسمونها. دخلوا الجماعة شباناً (طلاباً أو خريجين جدداً) صعدوا خطوة أو خطوتين ثم .. كفى.

فالحصون العليا في قيادة الجماعة محصنة لا يمسها إلا "المقربون": ابن المرشد المؤسس وابن المرشد التالي. أما هؤلاء الغرباء فلا مكان لهم في قمم القيادة الإخوانية. , ثم بدأت القيادة تلعب لعبة غريبة. تورط قواعدها ولا تتورط هي. هم يسجنون وهي تنجو. الأمن يقبض على الكوادر الوسطى، يحاكمها، ويسجنها، بينما "القيادة" تعيش في مأمن. ويبدو غريباً. وربما مريباً أن يقبض على مئات من أعضاء القيادات الوسطى الإخوانية بتهمة الانضمام إلى الجماعة وهي تنظيم محظور، وتكون الأدلة كتابات ومطبوعات إخوانية كتابها ومؤلفوها من أعضاء مكتب الإرشاد الذي يعيش حراً طليقاً، بل ويعلن أعضاؤه عن مواقعهم في الجماعة.  فالعضو يسجن لأنه يشتبه في أنه منضم للجماعة، بينما الأستاذ مصطفى مشهور يعلن في كل يوم أنه المرشد العام .. والمستشار مأمون الهضيبي يعلن وعلناً أنه نائبه. هذا المنطق المفتقد أثار حفيظة الكوادر الوسطى، خاصة وأن المواقع القيادية قد حجبت عنها قصراً.

   والجماعة تفتقد أي شكل من أشكال الديموقراطية، فأية ديموقراطية مع من بايعته "أميراً" أو "مرشداً". بايعته "على السمع والطاعة في المنشط والمكره" ومن تلقنت دوماً أنه يتحتم عليك أن "تطيعه وإن ضربك على ظهرك وبطنك"؟ وأية ديموقراطية فيما أسمي ببيعة المقابر؟ حيث وبشكل مفاجئ بويع الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة خلال مراسم دفن المرشد السابق .. بايعه المشيعون دون ترتيب، ودون احتراز من أن يكون المبايعون لا يمثلون الجماعة تمثيلاً حقيقياً. أو حتى لا يكونون أعضاء فيها. وأية ديموقراطية مع مرشد عام هو واحد من الرعيل الأول لمؤسسي الجهاز السري الذي يفرض طاعة مضاعفة، وخضوعاً لا نقص فيه. وهكذا بدأ التململ في صفوف الكوادر الوسطى، وظهرت تداعيات جديدة. انشقاقات من الجماعة بعضها أسمى نفسه "حزب الوسط" (تحت التأسيس) والآخر حزب الشريعة (أيضاً تحت التأسيس) وآخرون كثيرون .. متمردون صامتون، أو منسحبون دون ضجيج، أو يستعدون لذات الشيء.

لكن التداعيات ومهما حاولت أن تتزين تبقى مفعمة بثوابت الأصل. مثله، مثقلة بكل نوازعه وكل مقولاته المتأسلمة. وإن تزينت أو تجملت أو حاولت ..

الفصل السادس

جماعة التكفير والهجرة

نشأة الجماعة وتطورها :

تعود نشأة جماعة التكفير والهجرة إلى عام 1969، بقيادة الشاب شكري أحمد مصطفى مع 13 شاباً كانوا النواة الأولى لجماعته. تعتبر الجماعة أبرز انشقاق في صفوف الإسلاميين في مصر خلال السبعينات حيث تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الاعتزال والهجرة ثم استخدام العنف كما تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وطالبت بتغيرها وأيضاً تمايزت بقولها إن من لا يدخل جماعة المسلمين فهو كافر.

إن فترة الاعتقال التي عاشها شكري من عام 65 حتى عام 71 أتاحت له فرصة التفرغ لتأسيس مذهبه ووضع خطوطه العريضة

وقد انتشر تيار التكفير في بداية ظهوره بالواقع المصري في أوائل السبعينات انتشاراً ساحقاً وذلك للأسباب التالية :

·         حالة الفراغ التي كانت تسود الساحة آنذاك

·         استخدامه سلاح النص الذي يمثل جاذبية كبيرة شديدة أمام الطبيعة المصرية ذات الرؤية التراثية

النشاط الفائق لأفراد الجماعة وتوافر العناصر المؤهلة للدعوة

حوار فلسفة التكفير كما أتى بها شكري مصطفى :

·         رفض التراث الإسلامي السابق له

·         العزلة عن العبادات المعاصرة وعن المساجد

·         العزلة عن الفكر المعاصر ونتاجاته المادية

·         التوسمات

 إن السمة الغالبة بالنسبة لأعضاء جماعة المسلمين، خلال السبعينات، هي رفض التراث رفضاً قاطعاً. وتيار التكفير يرفض بناء على ما سبق مسألة الاجتهاد ويفسرها تفسيراً مختلفاً عن التفسير المتعارف عليه لها، فالاجتهاد عنده إنما يكون مع النص ولا يجوز في حالة انعدامه، لأنه يعتبر في هذه الحالة محاولة قياس بالرأي أو بمثابة تشريع للأمة لا يوجب اتباعه وباطل من أساسه.

وعليه فإن تيار التكفير لا يعترف بالإجماع أو القياس أو المصالح المرسلة أو غير ذلك من الأصول والقواعد الفقهية اللازمة كأدوات يعتمد عليها المجتهد لاستنباط الحكم الشرعي. يقول أحد دعاة التكفير: "إن الكتاب والسنة هما الحجة ولا حجة غيرهما ولهذا فإننا نضرب بالإجماع وبالقياس وبعمل أهل المدينة وحجة رأي الصحابة وبرأي الفقهاء عرض الحائط … ولا نستدل إلا بالكتاب والسنة"

والغريب أنه رغم تبني تيار التكفير هذه الرؤية تجاه التراث عامة والاجتهاد خاصة فإنه يلتزم بعدة قواعد اجتهادية من استنباط شكري في مقدمتها قاعدة "المُصر على المعصية كافر" وقاعدة "المعصية شرك" و"عدم التفريط"، ولا يعترف أعضاءها بأي نتاج فقهي أو فكري سابق وفي الوقت نفسه لا يعتبرون إنتاجاته محض اجتهاد بل يعتبرونها الحق الذي لا مراء فيه ..

وعلى هذا الأساس يرفض تيار التكفير اتباع الفقهاء والاقتداء بهم ويعتقد أنه يمكن فهم الكتاب والسنة مباشرة دون الاستعانة بأهل العلم. وهو يستمد هذا الموقف من خلال قوله تعالى: }ولقد يسرنا الذكر{ ولأجل هذا ابتدع شكري قاعدة تنص على أن (من قلد كفر) أي من اتبع أحداً من الفقهاء يخرج عن ملة الإسلام وقد استدل على رأيه هذا بقوله تعالى: }اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله{.

وتعد قضية التوسمات النظرية والحركية بالنسبة لشكري مصطفى من الدلالات الهامة على قضية العزلة. والمقصود بالتوسمات استلهام خطة التحريك من خلال النصوص الواردة بالنسبة لعلامات آخر الزمان التي تنبأت بها الأحاديث الشريفة وفي مقدمتها نبوءة نزول عيسى ابن مريم وحدوث الملحمة القتالية الكبرى بين المسلمين والمسيحيين والتي يعدها شكري صورة الصراع الوحيدة بين الحق والباطل التي يجب أن ينتظرها المسلمون.

القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 31

الأساس الفكري لجماعة التكفير والهجرة

بقلم أمير الجماعة / شكري أحمد مصطفي  سنة الإصدار 1977

قال رسول الله : " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ " .

وقال تعالى: }وقد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين{

وبعد .. فهل بعد أن كان الرب تعالى واحداً .. والكتاب واحداً .. والرسول واحداً والحق غاية وسنة واحداً .. هل يمكن أن نتصور أن لإقامة الإسلام أكثر من طريق وهل يمكن أن نتصور أن الله تعالى ترك أمر إقامة دينه لاجتهادات بشرية ؟ }ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار{

إن العقل الراشد ليثبت ثبات سنة الله تعالى في نصر نفسه وأنه هو سبحانه القاهر فوق عباده وأنه هو شديد المحال وأنه عزيز ذو انتقام وأنه غالب على أمره .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وإن التاريخ الثابت والقصص الحق ليثبت كيف كانت أيام الله وأخذته ونصره نفسه وجنده

وأنه ما ترك قرية ظالمة إلا حاسبها ولا أمة باغية إلا عاقبها

}وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً{

}وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً{

وأيضاً فإن الواقع بما فيه الآن ليثبت أن الأرض ببغيها وفجرها وكفرها بربها .. قد أوشكت على النهاية .

إن هذا الكيان الاجتماعي المنحل المنخرق - الذي تعيشه البشرية اليوم والأخلاق السافلة التي تردت إليها والجوع والضيق الذي يعتصر أكثر من فيها والزلازل والأعاصير والكسوف والحروب التي تطحنها … وأدوات الفتك والدمار التي ليس في مقدور العقل البشري أن يقدر مداها وأهوالها ..

أقول إن ذلك لم يخلق عبثاً .. ولم يوجد سدي ..

وأن هذا الحطام البائس من هذه المدنية الكافرة المتحللة لابد أن يبلغ غايته التاريخية القدرية ونهايته الأليمة المحتومة ولابد أن يسوى بالأرض.

لقد أسفر هذا الفساد العريض والمكر الشيطاني الكبير والجهاد الممتد الراسخ لصرف الناس عن عبادة الله .. أسفر عن صنم عال معبود دون الله في الأرض مسمى بالمدنية الحديثة .. لقد لففت الناس جميعاً وبهرتهم بأضوائها ووسائلها وفلسفاتها وشعاراتها وشهواتها وأرغمتهم على السجود إليها.

نعم لقد }ظهر الفساد في البر والبحر .. بما كسبت أيدي الناس{

إن الفساد في الأرض والعلو فيها بغير الحق قرينان وأخوان توأمان. قال الله تعالى لبني إسرائيل:

}لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً{.

وقال تعالى: }تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين{

أقول .. من كان يظن أن تكاليف بناء المدنية الحديثة لا تتعارض مع تكاليف العبادة وأنه كان يمكن لعلماء الغرب وبناة المدنية أن يكونوا عباد الله في الوقت نفسه. من كان يظن ذلك - فليشهد على نفسه أولاً بقلة الحياء وصفاقة الوجه ثم ليقل بعد ذلك ما شاء .. إنهم هم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم وإنهم هم الذين قيل لهم: }أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون{

ولكن اقرءوا قول الله لرسوله: }قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً .. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً{

وقوله: }وإذا قرء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون، واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ودون الجهر عن القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين{

وقوله في هذه القضية الصارمة لرسول الله:

}إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً، واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً، إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً{

 فهل يمكن التوفيق حقاً بين هذا المنهاج الطويل المستغرق الليل والنهار في عبادة الله وبين إفناء العمر في تكاليف بناء هذه المدنية الهائلة.

وهل كان يمكن حقاً لمحمد وأصحابه .. رهبان الليل فرسان النهار في سبيل الله تعالى - أن يكونوا أيضاً علماء الطبيعيات والرياضيات ورواد الفضاء وصناع المدنية الحديثة ؟!

أم تريدون أن تتهمونا بعقوق المدنية والكفر بما يسمونه بالحضارة والجهل بمعنى العبادة حسب ما فهموه ألا فلتفعلوا .. فقد أعددنا لقولكم صفحاً وأدرنا له ظهراً … إن العبادة عندنا هي الصلاة والزكاة والنسك والتزلف لله رب العالمين ثم كل عمل من شأنه أن يمهد لعبادة الله ويمكن لها ويزيح الطواغيت من طريقها .. أما أن تكون العبادة هي إشباع البطون وتعمير الدنيا للدنيا .. وتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين .. ثم تسمونها عبادة وتجعلونها ديناً. فليس ذلك عبادة عندنا .. ونحن به كافرون.

وإن الحضارة عندنا .. إذا جاز استخدام هذا الاصطلاح .. هي عبادة الله وحده لا شريك له .. وكفى.

نعم إن أعيننا لا ترتقي إلى رقي أعظم. وإن قلوبنا لا تعرف قمة أبعد ولا من ترك الأنداد وعبادة رب العباد. إن حضارتنا هي عبادة الله .. ورزقنا كفافنا .. وإننا قانعون بما قنع به محمد وأصحابه من متاع الدنيا وزينتها - بل وعالمون أن هذا القدر في الرزق هو مراد الله سبحانه لمحمد ومن معه. وأنه بهذا القدر أقيم الإسلام.

إن محمداً الذي يقول "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً وكفافاً" هو أول مكلف بخلافة الله في الأرض .. والمؤتمن عليها ..

ألا فلتقرأ قول الله تعالى: }للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله . أولئك هم الصادقون{

نعم لقد بني هذا الدين على أكتاف الفقراء .. وأولهم محمد الفقير اليتيم، وعلى نظرية غير النظرية التي بنى عليها الكفار دولتهم وسلطانهم حين قالوا: }وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم{

نعم قلنا بني هذا الدين على أكتاف الفقراء … ولكنهم الفقراء الرجال - حقاً رجال - يحملون الفكرة العظيمة من عند الله. ونعم .. قلنا إن القوة هي الرجال والمال أو الرجال والأرض .. ولكننا قدمنا الرجال على العتاد وهذه هي النظرية الإسلامية .. أنه يوجد الرجال الذين يستطيعون حمل السيف في سبيل الله، قبل أن يعطوا السيف ..

إن جند الله الذين سيدخلهم الله الجنة هم الرجال وليس السيوف والخيول .. فهم المعنيون أولاً لإيجاد التمحيص وأن يكونوا عباد الله .. هذي الحمال ولا حمال خيبر - هذه أبرر بنا وأطهر –

قال تعالى: }إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن{

ومن أوفى بعهده من الله .. فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به. وذلك هو الفوز العظيم.

}التائبون العابدون الحامدون السانحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين{

فأين التوجيه ببناء العمارات وزخرفة الحيطان وتزجيح الحواجب باسم الإسلام ؟!

لقد ظل رسول الله ثلاثة عشر عاماً في مكة يعلم المسلمين الإسلام .. لا يعلمهم شيئاً إلا الإسلام لا فلكاً ولا رياضة ولا فلسفة ولا فيزياء، فأين من هذا الدجالون اليوم الذين يزعمون أن الإسلام لا يقوم حتى يتتلمذ على علوم الأوروبيين ويتطفل على آداب الكافرين. ذلك مبلغهم من العلم ..

إن القرآن يكذبهم .. وسيرة رسول الله تكذبهم ..

قال تعالى: }هو الذي بعث من الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين{

إن هذه الأمة الأمية والتي إمامها النبي الأمي هي خير أمة أخرجت للناس كما ينص القرآن الكريم .. وعلى الذين يريدون أن يؤولوا لفظة الأمية لغير المعنى الظاهر منها . إنا أمة أمية .. لا نكتب ولا نحسب. فشرح لفظة الأمية .. بعدم الكتابة والحساب وهي كذلك في معاجم اللغة أيضاً ..

وكما جاء في القاموس المحيط: - الأمي والأمات من لا يكتب أو من على خلقه الأمة لم يتعلم الكتاب وهو باق على جبلته. إن لفظة الأمية تحمل معنى الإرجاع إلى الفطرة الأم وهكذا أمة محمد أمة على الفطرة .. ومن هذه الفطرة ألا نكتب ولا نحسب كما بينها رسول الله ومعاجم اللغة.

إن خير أمة أخرجت للناس ينبغي أن تكون ألزم أمة بالفطرة وأشدها رجوعاً إليها .. إذ الخير كل الخير في نظرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله. ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. }يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون{

نعم .. إن رسالة محمد هي أن يعلمهم .. فقال : "إنما بعثت معلماً" فماذا علمهم ؟ علمهم الكتاب والحكمة بنص القرآن الكريم: }وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين{

نعم إن البشرية من قبل أن تعلم الكتاب والحكمة لفي ضلال مبين وإن تعلمت الكتابة والحساب والعلوم الأخرى ..

وإنهم لهم المهتدون الراشدون من بعد تعلم الكتاب والحكمة، بل خير أمة أخرجت للناس - وإن كانوا أمة أمية لا يكتبون ولا يحسبون. ولا تعجب فإنها إرادة الله .. إنها المنهاج الرباني والجماعة الربانية أقامها على أسس غير الأسس التي كانت تعهد .. وإن إمامها - إمام خير أمة أخرجت للناس - كان أمياً لا يكتب ولا يحسب - فيقول: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" .. ويعد الشهر العربي بيديه .. ويقول هكذا .. وهكذا .. وهكذا .. حتى يعد تسعة وعشرين. ولكن انظر إلى أمة اليهود .. أساطير علوم الدنيا كتابة وحساباً، يصفهم الله بقوله: }مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً{. وذلك في سورة الجمعة نفسها التي تكلم فيها عن الأمة الأمية ورسولها الأمي قال تعالى: }ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون{ فهذه هي أمية أهل الكتاب .. أمية في الكتاب نفسه .. لا يعلمون الكتاب إلا أماني .. مما يسر إلى شياطينهم إضلالهم، يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ..

وهكذا فرضت عليهم أميتهم بالكتاب التقليد والاتباع بغير علم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله .. أما أمة محمد - أمته الحق فقد جاء يعلمهم الكتاب والحكمة .. وكانت أميتهم غير ذلك، في الكتابة والحساب ورجعوا إلى الفطرة ..

لقد استطاع اليهود اليوم أن يصرفوا الناس عن تعلم كتاب الله والحكمة إلى تعلم علوم أخرى .. هم .. يعني اليهود - الذين أرسوها وصاغوها وتخصصوا فيها.

وهكذا فقد ضمنوا لأنفسهم أن يكونوا هم القادة .. وأن يكون الناس حميرهم التي يركبونها .. إن اليهود يعرفون جيداً كيف يقبلون الناس حميراً فإنها غاياتهم وبغيتهم في الوقت نفسه. وأنهم أعلم الناس بأمراض القلوب وشهوات العمر ومركبات النقص في النفس البشرية وأيضاً رغبات التأليه فيها .. فقادوهم بذلك ..

إن أول ما تطغي به البشرية عن قصدها وتستغني به عن ربها هو هذه العلوم التي ندرسها، والسنن التي نتعلمها .. إنها فتنة .. ولقد بين الله في أول سورة نزلت من القرآن على محمد حيث وجهه فيها إلى تعلم ما يقوده إلى عبادة ربه باسم الله وفي سبيل الله ثم بين كيف ينصرف الناس عن ذلك بهذه الفتنة التي خلقها لهم - فتنة العلم: قال تعالى: }اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم .. كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغنى .. إن إلى ربك الرجعى .. أرأيت الذي ينهي عبداً إذا صلى{

نريد أن نقول أن المسلمين هم عباد الله في المقام الأول وقبل كل شئ وبعد كل شئ. وأن العلم والتعلم عندهم ليس لذات العلم والتعلم وأنهم للآخرة يمهدون وليس للدنيا .. وأنهم بقدر الضرورة والحاجة لذلك يتعلمون، وأن الزيادة فوق ذلك إنما هي لغير الله ولغير عبادته يقيناً ..

وأن محمد كان في مقدوره بعد أن قام الدليل على نبوته ودخل الناس في دين الله أفواجاً - أن يتعلم الكتابة والحساب ويستغني عن ختم منقوش عليه محمد رسول الله وأن يفتح المدارس والزوايا لتعليم عموم المسلمين الكتابة والحساب وسائر العلوم والآداب، بل وأهم من ذلك أن يأمر أمراً بتدوين السنة لو كان التدوين هو الأسلوب الذي بعث به إلى خير أمة أخرجت للناس، بل الثابت أنه نهي عن كتابتها نهياً عاماً ثم أذن بها من بعد إذناً خاصاً، وأنه أمر بعض أسرى بدر أن يعلموا بعضاً من المسلمين بقدر الحاجة ليس إلا ولم يزد، وأنه لما خاف من مكر اليهود ولم يأتمنهم على المكاتبات فيما بينه وبينهم أذن لرجل واحد أن يتعلم السريانية وهو زيد بن ثابت قال: فحذقتها في خمسة عشر يوماً.

نعم ولم يفتح المدارس والمعاهد لأبناء المسلمين فارضاً عليهم تعلم السريانية جميعاً والفارسية جميعاً واللاتينية جميعاً. والفلسفات والنظريات .. والفلكيات والرياضيات والطب والمنطق والكيمياء .. كما يفرضه الآن اليهود على حميرهم وأبناء حميرهم باسم محو الأمية في تلك البلاد المسماة بالإسلامية مشرفة على ذلك ومنظمة له ومنفقة عليه هيئات اليونسكو وسائر الهيئات اليهودية العالمية .. لصرف الناس عن دين الله من أول يوم وإلى الأبد .. أيها الناس .. إن كنتم في ريب مما نقول فنحن بما نقول مؤمنون .. وننتظر اليوم الذي يسوي الله فيه الأرض بمعاهد ومدارس وجامعات ومؤسسات الكافرين شرقاً وغرباً .. حين يغضب غضبته ويضرب ضربته فإنه قد آلى على نفسه ألا يرفع شيئاً من أمر الدنيا إلا وضعه.

إن الحركة الإسلامية حين تنشأ تكون قطرة - ليس إلا - في بحر الكفر العالمي قوة وخطة - وأن قصارى هذه القطرة أن تستغل قوة هذا البحر وتياره وترقب عن كثب المتناقضات التي فيه لتجمع نفسها المتفرقة وقوتها المتناهية ثم تقفز القفزة الأولى والأخيرة خارجة - وفي الوقت نفسه - لتنمو ..

}قل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون. وانتظروا إنا منتظرون ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله. فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعلمون{

القرآن الكريم ، سورة آل عمران الآية 137

القرآن الكريم ، سورة ص الآية 27

القرآن الكريم ، سورة الطلاق الآية 8-9

القرآن الكريم ، سورة الإسراء الآية 58

القرآن الكريم ، سورة الروم الآية 41

  القرآن الكريم ، سورة الإسراء الآية 4

  القرآن الكريم ، سورة القصص الآية 83

  القرآن الكريم ، سورة الأحقاف الآية 20

  القرآن الكريم ، سورة المزمل الآية 2-4

  القرآن الكريم ، سورة الأعراف الآية 204

  القرآن الكريم ، سورة الإنسان الآية 22 - 27

القرآن الكريم ، سورة الحشر الآية 8

  القرآن الكريم ، سورة الزخرف الآية 31

  القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 111

  القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 112

  القرآن الكريم ، سورة الجمعة الآية 2

  القرآن الكريم ، سورة الروم الآية 7 

  القرآن الكريم ، سورة آل عمران الآية 164

  القرآن الكريم ، سورة الجمعة الآية 2

  القرآن الكريم ، سورة البقرة الآية 78

  القرآن الكريم ، سورة العلق الآية 1- 10

القرآن الكريم ، سورة هود ، الآية 121- 123

 

الحكماء يزخرون معرفة أما فم الغبي فهلاك قريب

شفاه الحكماء تذر معرفة . أما قلب الجهال فليس كذلك

اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه

المساير الحكماء يصير حكيماً ورفيق الجهال يضر

سفر الأمثال 10 : 14

سفر الأمثال 15 : 7

أمثال 8 : 32

أمثال 13 : 20

أعداء الحركة الإسلامية :

العدو الأول :

إن العدو بداهة هم الكافرون أئمة وأتباعاً، أمماً وأفراداً. فإن أعداء الله هم أعداؤنا حقاً.

لقد تراكمت خبرات الكافرين وأعداء الله في حرب الله ورسوله منذ أن هبط الشيطان في الأرض إلى اليوم. ولم تعد الخطة عند أعداء الله في حرب الله بدعاً عندهم أو خافية عليهم .. لا من حيث الفكر البشري ولا من حيث السنن الأرضية ولا من حيث التاريخ والخبرات .. إنه التشكيك في الحق ببث الشبه فيه والجدال لدحضه وأنه الصرف عنه بشتى أنواع الصوارف واللغو والاستهزاء به ولبسه بالباطل. إنه تشويه لصورة رجاله وافتراء المفتريات عليهم وتكبير الصغير من هفواتهم والتشكيك في قدراتهم. وإنه رشوة الناس على تركه وتخويف الأتباع من اتباعه وحربهم في أمنهم ورزقهم. وأنه محاولات القتل أو النفي أو السجن وشتى العقوبات الأخرى والفتن الأخرى التي يصبونها صباً على المؤمنين وأئمتهم.

قال تعالى: }هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله{

}وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا الشيء عجاب وانطلق الملأ منهم  أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاف أأنزل عليه الذكر من بيننا{

}وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون{

}قالوا يا أيها الذي أنزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين{

}يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون{

}فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادئ الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين{

وقال تعالى }لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين{

}سنقتل أبناءهم ونستحيي نسائهم وإنا فوقهم قاهرون{. وقال: }لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى{

}إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين{

إنها السنة في حرب أعداء الله للإسلام وأهله بتشويه الحق وأهل الحق وبتتبع رجاله تعذيباً وتشريداً وقتلاً ..

لقد لاقى محمد وأصحابه من ذلك ما هو معلوم مستغنى بشهرته عن تفصيله سواء من سبه وسب عرضه وقولهم إنه ساحر وشاعر وكذاب ومجنون ويخالفنا إلى ما ينهانا عنه وأذن وأبتر ولا عقب له.

إن العدل .. أن يكون جزاء سيئة سيئة مثلها .. وأن من يفعل مثقال ذرة خيراً يره أو مثال ذرة شراً يره .. إن من يفعل سوءاً يجز به .. وإن الذين يحاولون أن يغمدوا في قلب الحركة الإسلامية خناجرهم وغدراتهم لابد من ردعهم وسحقهم أقول: إن هذا هو العدل والميزان الذي قامت عليه السماوات والأرض وإن العفو والصفح والإعراض لم يفرضها الله سبحانه وتعالى - على مستوى الجماعة - إلا في خدمة المعركة الإسلامية العامة - والغاية الإسلامية الكبرى.

وإلا فإن العفو والصفح بعد ذلك إنما هما نافلتان فرديتان يتقرب بهما الأفراد إلى الله تعالى داخل المجتمع المسلم زيادة في ترابطه وابتغاء ثواب الآخرة.

أما أن يكون العفو والصفح على حساب دماء المسلمين ومستقبل الإسلام فلا

}إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم{

ينبغي ألا ننسى ربط ذلك بقدرة الجماعة المسلمة على تحمل تبعات القصاص والتأليب هذه .. لبيان أنه ليس في كل حين تستطيع الجماعة المسلمة أن تنتصف وتؤدب وتردع .. وأنه على ضوء الواقع والإمكانيات المتاحة وبالنظر للغاية الأبعد والحق الأكبر يمكن للجماعة أن تقدم وتؤخر وأن تثأر وتصبر حتى حين. وأن الإسلام قد أطلق يدها في ذلك .. ووضع لها كل الاحتمالات وكافة الحلول. ولكني أعظكم بواحدة .. أنه ليس الرؤساء والقادة وحدهم الذين يحاربونكم .. وإنما المجتمع أيضاً.

القرآن الكريم ، سورة آل عمران الآية 7

  القرآن الكريم ، سورة ص الآية 4- 8

  القرآن الكريم ، سورة فصلت الآية 29

القرآن الكريم ، سورة يس الآية 30

القرآن الكريم ، سورة هود ، الآية 27

  القرآن الكريم ، سورة الشعراء الآية 29

  القرآن الكريم ، سورة الأعراف الآية 127

  القرآن الكريم ، سورة طه الآية  71

  القرآن الكريم ، سورة الأنفال الآية 30

  القرآن الكريم ، سورة المائدة  الآية 33

 

العدو الثاني :

النفاق والمنافقون

قال تعالى: }ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون{

وقال تعالى: }ألم ترى إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون{

وقال تعالى: }بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً. وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم. إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً الذين يتربصون بكم. فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً. إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً{

وقال رسول الله: "آية المنافق ثلاث .. إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".

إن المنافقين بطبيعة الحال هم أول المرتدين .. وأول الراجعين على أعقابهم القهقرى وأول الضاربين والطاعنين في الإسلام وأهله .. عند أول فرصة يظنون فيها أن الإسلام سيقهر.

القرآن الكريم ، سورة البقرة الآية 108

  القرآن الكريم ، سورة الحشر الآية 11

  القرآن الكريم ، سورة النساء الآية 138 - 143

 

العدو الثالث :

العدو الذي نعنيه الآن هو الأمم أو الدول في صورة حروب كاملة منظمة

العدو الذي يحمل السيف ويجيش الجيش .. ويهاجم الجماعة المسلمة بأسرها بخيله ورجله .. يريد أن يستأصلها ويقضي عليها رجالاً وأرضاً ..

وجلي أن هذه المرحلة مرحلة خطيرة في تاريخ الجماعة المسلمة .. ولكنها على كل حال لا تأتي ولا يأذن الله لها أن تأتي إلا في فترة يكون للجماعة فيها أرض وجند .. وتكون قد أذن لها في حمل

السيف. أو بعبارة أخرى أذن لها أن تنتصر:

}أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير{

}لو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً . سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً{

وقبل أن أخوض في أمر هذا العدو الذي قاتل الجماعة المسلمة بالأمس والذي سيقاتلها غداً .. أريد أن أسأل فأقول: هل هناك يا ترى جماعة في الأرض الآن يمكن أن تنتصر على الكافرين إذا قاتلوهم .. وتكون هي التي قال الله فيها: }ولو قاتلوكم الذين كفروا لولوا الأدبار{ مبيناً سبحانه أن ذلك سنته التي لا تتبدل ؟ أم العكس هو الصحيح يعني لولت هي الأدبار أمام جحافل الكفر وجنوده ؟

المستيقن عندنا أن جنود الكفر لن تولي الأدبار في لقاء أي جماعة من الجماعات المنتسبة إلى الإسلام اليوم - ولا أظن أن أحداً يخالفنا في ذلك .. ولا حتى الجماعة التي أنا فيها والتي أقول إنها جماعة الحق. وبقى أن أسأل ما السبب ؟!

هل سنة الله هي التي تختلف - ومعاذ الله - أم هناك سبب آخر ونحن نشهد أن هناك سبباً آخر ..

وأن الله لا يخلف الميعاد ولكن أياً كان هذا السبب قد اكتفينا الآن بإيراد السؤال عنه ونرجئ الإجابة عليه إلى حينه بعد إن شاء الله .. حين نثبت أنه أصلاً .. لا إذن في حمل السيف حتى تتمكن الجماعة المسلمة في أرض .. وتثبت فيها القدم ..

لقد كانت خطة رسول الله في القتال خطة متأنية متدرجة محكمة مرعية برعاية الله مهدية بهداه .. ناظرة إلى الهدف البعيد ..

فلقد بدأ في مواجهة قريش مواجهة لطيفة متمثلة في التصدي لغيرها الذي كان يقودها أبو سفيان ولاشك أن الاستيلاء على الأموال أقل من قتل الرجال .. وأن مواجهة الغير والتي أسماها الله "غير ذات الشوكة" أهون من مواجهة الجيش .. والقتال قريباً من المدينة أحسن من مهاجمة قريش في مكة والقتال فيها.

}يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين . ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون{

فكان من نجاة الغير ما كان .. ومن خروج قريش بأمر أبي جهل ومن لقائهم مع المسلمين على غير ميعاد. ثم قتله سبعين، وأسر سبعين ثم مفاداتهم بعد ..

فلما انكسرت شوكتهم شيئاً وقويت شوكة المسلمين شيئاً أجلى رسول الله بني النضير ببغيهم وغدرهم.

ثم كانت أحد .. وقد رغب رسول الله في التحصن بالمدينة فرأى حماس المسلمين ملاقاة العدو خارجها .. والقرشيون هم المهاجمون والمسلمون هم المدافعون. وانتهى الأمر إلى انتصار هزيل للقرشيين حيث قتل منهم سبعين أيضاً في المعركة وقتل حملة اللواء منهم بل تجهزوا للفرار وتولية الدبر .. لولا مخالفة الرماة لأمر رسول الله .. ثم قناعة أبي سفيان بما كان ورجوعهم إلى بلادهم .. مع استعداد رسول الله ومن معه للدفاع عن المدينة لو عادوا إليها }الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم .. الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل{

ثم ما كان من أمر بني قينقاع .. وعفو رسول الله عنهم من أجل عبد الله بن أبي - حليفهم قبل الإسلام وشدة دفاعه عنهم.

ثم كانت الأحزاب .. والجماعة المسلمة أيضاً مدافعة وليست مهاجمة فتحصن رسول الله بجبال المدينة .. وبالخندق .. وبمعاهدة كانت بينه وبين اليهود لم يلبث اليهود أن نقضوها.

}ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً . وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديراً{

وهكذا ، فقد ذهب الكفار عن المدينة إلى غير رجعة حيث قال رسول الله بعدها: "اليوم نغزوهم ولا يغزونا"

ومنذ ذلك اليوم فالخطة الإسلامية بقيادة رسول الله كانت خطة هجومية ..

وهكذا توجه رسول الله ومن معه بعد الأحزاب وفي اليوم نفسه إلى بني قريظة وحاصروهم ونزلوا على حكم سعد بن معاذ، وألحقنا به - فحكم بقتل المقاتلة - قرابة ألف - وسبي الذرية وتقسيم الأموال .. وقال له رسول الله: لقد حكمت بحكم الملك من فوق سبع سماوات.

أخرجت كتب السيرة والحديث .. أن رسول الله في الأحزاب بعد جلاء المشركين ورجوعهم بقيادة أبي سفيان بن حرب. رجع رسول الله إلى بيته يبغي الراحة وقد وضع سلاحه - فجاءه جبريل شاك السلاح وعليه غبار القتال فقال لرسول الله: عزيرك من مقاتل وضعت سلاحك والملائكة لم تضع سلاحها بعد ؟! قال فأين توجهني .. فأشار إلى جهة بني قريظة .. فقال رسول الله حينئذ: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة .. ولقد استتبت الأحوال بعدها في المدينة ورسول الله لا يألو إعداداً وجهاداً بإرساله السرايا وبعث البعوث هنا وهناك. واستعد المسلمون للاعتمار بمكة .. وكانت الحديبية .. وكانت المصالحة العظيمة التي صالحها رسول الله لقريش .. وكان أعظم ما فيها المدة التي مددها بينهم عشر سنوات لا يكون فيها قتال .. وإفساح الطريق لمن شاء أن يدخل في حلف محمد أن يدخل في غير تثريب أو اعتداء عليه وما استتبع ذلك من إفساح باب الدعوة الإسلامية .. وتخفيض العداء لمن يدخل في دين الإسلام .. وإعطاء الفرصة للجماعة المسلمة لتنمو وتزدهر وتقوى .. ثم لتتفرغ لسائر الأعداء وصغار المناوئين في المدينة وسائر أجزاء الجزيرة وعلى رأسهم يهود خيبر .. لقد كانت الحديبية فتحاً

}إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً{

ورجع رسول الله .. إلى المدينة .. ليحاصر حصون خيبر وينزل أهلها على حكمه .. وليبدأ في إعداد العدد الأكبر .. للغاية المثلى .. ووفى رسول الله بما كان في الحديبية من شروط .. وغدرت قريش ليكون ما أراد الله تعالى من فتح مكة. وهو لعمري زاوية "التحول الكبرى" في حياة جماعة المسلمين بعد الهجرة إذ بعدها وبيسير من الجهد دانت الجزيرة العربية لسلطان الله، وهكذا فقد فتح الإسلام عاصمة الجزيرة وأم القرى فيها وجاءت القبائل قبيلة قبيلة. وجاءت الوفود تلو الوفود مبايعة خاضعة. ولم يبق إلا التطهير الكامل للجزيرة العربية أو القاعدة الإسلامية .. من كل دين غير دين الإسلام .. ومن كل حزب غير حزب الله في الأرض.

فقال رسول الله: "لا يبقى في جزيرة العرب دينان" .. وعن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً"

وعن أبي هريرة أن رسول الله قال لبني قريظة: "اعلموا إنما الأرض لله ورسوله"

وقال الله تعالى: }براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله . وأن الله مخزي الكافرين .. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله{

أعطى الله المشركين أربعة أشهر - من يوم عرفة - لا يجد المسلمون بعدها رجلاً مشركاً في الجزيرة إلا قتلوه. إلا أن يسلم.

}فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم .. إن الله غفور رحيم{

  القرآن الكريم ، سورة الحج الآية 39

  القرآن الكريم ، سورة الفتح الآية 22 - 23

  القرآن الكريم ، سورة الفتح الآية 22

القرآن الكريم ، سورة الأنفال الآية 7 8

القرآن الكريم ، سورة آل عمران 172 - 173

القرآن الكريم ، سورة الأحزاب الآية 25 - 27

  القرآن الكريم ، سورة الفتح الآية 1 - 3

القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 1-3

  القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 5

 

الرؤية الإسلامية للعالم:

}يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين .. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم{

إن في هاتين الآيتين العظيمتين خلاصة الموضوع كله حيث قد بينت أن طاعة أهل الكتاب تؤدي إلى الكفر وترك الإسلام - وأن العصمة من ذلك هو كتاب الله وسنة رسوله.

ولكي لا نعيش في الخيال .. أو لكي لا ندور في حلقة مفرغة علينا أن نبادر فنقول وبمنتهى الحسم: إن طاعة أهل الكتاب لا يمكن اليوم تجنبها عملياً بأي صورة من الصور ما دمنا تحت سلطانهم وسلطان صنائعهم وسلطان تشريعاتهم. 

هذا بالإضافة إلى نقطة هامة وهي أن المنهاج البشري وأسلوب الحياة البشرية ليس شراً كله. إذ كانت ولا تزال بقايا من إنصاف وبقايا من رحمة وقدر من قيم وقوانين مبعثرة هنا وهناك في المجتمع الأرضي الكافر تحميه من نفسه بعض الشيء وإلى حين وتمكن الحياة أن تستمر استمراراً ما .. وإلى حين .. فإنه يجب ألا ينسى أن كثيراً من الكافرين اليوم هم المؤمنون غداً. بل والمجاهدون في سبيل الله حقاً حينما يأذن الله لهم في رحمته ويدخلهم في عباده سواء من المنتسبين إلى الإسلام اليوم أو من غيرهم من أهل الكتاب أو حتى من دونهم حتى قال رسول الله: "لو كان الإيمان في الثريا لناله رجال من فارس"

والحاصل الذي لا يُنكر أن البشرية ليست شراً كلها .. وأنه في أحط المجتمعات الكافرة توجد بقايا من خير وفي الكافرين أنفسهم. ولسنا في حاجة إلى برهان كي ندلل على هذا الأمر، فلقد كان في أم القرى وأول من حارب رسول الله وكان فيها بقايا من ملة إبراهيم سواء في المسائل العبادية كالحج وتعظيم البيت والغسل من الجنابة أو في المسائل الاجتماعية كالنكاح الشرعي بشهادة الشهود والصداق والمقاسم وقتل القاتل .. أو في الجوانب الأخلاقية كإغاثة اللهفان وإكرام الضيف .. وصلة الأرحام ..

نريد أن نقول إن الله تعالى لا ولن يترك الجماعة المسلمة في غابة من الوحوش .. ألا فاطمئنوا، لقد أوجدها لتحيا، وأنه في كل جماعة كافرة توجد بقية من ضوابط وخير .. فضلاً عن المتناقضات  في خطتهم التي يمكن من خلالها العمل رويداً رويداً وحسب قدر الله وإرادته لبلوغ الغايات الإسلامية الأولية المطلوبة ..

}يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فأبلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين{

إن العدو الآن - وكما تدل الحسابات القاطعة عندنا - على وشك سيادته على العالم وتربعه على عرشه بصفته سيد الآدميين جميعاً وحاكمهم ووالي أمرهم، وفي نظرنا أنه لن ينقضي هذا القرن الذي يسمونه بالقرن العشرين حتى يكون الأمر قد تم ونحن نوقن والأمر كذلك - كما يوقن العدو نفسه أن أي قوة على ظهر الأرض لن تستطيع أن تقف في وجه الخطة اليهودية ولا حتى تأخيرها ساعة من الزمان.

ترى هل يضر الحركة اليهودية أن تنشأ في هذه الآونة حركة إسلامية هي مهما بلغت فلن تعرقل حركتها شيئاً حتى ولا ذرة واحدة لا من الناحية البشرية المادية ولا من الناحية القدرية المستيقنة.

إنه فوق الدلائل المادية المستيقنة الدالة على أن علو اليهود أمر حتمي فإن النص القرآني أيضاً يثبت ذلك بقول تعالى:

}وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً .. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً{

إن اليهود على كل حال يمكن أن يسموا بالعدو العاقل. أريد أن أقول أن اليهود لا يمانعون اليوم في ظهور حركة إسلامية صحيحة ذكية واضحة تناوئهم - بل وفي صورة تجمع له أرض وكيان ودولة يتعاملون معه بل إنهم يرحبون به بل إنهم قد يخططون لاستثماره والانتفاع به". وصدق الله العظيم: }إن الكافرون إلا في غرور{. أياً كان الأمر سواء رضي اليهود بظهور طائفة الحق أو لم يرضوا وسواء دبروا لذلك أو جاءت رغماً عنهم فإن قدر الله مفعول وأن جماعة الحق في الطريق.

 

لا تعليق !!

  القرآن الكريم ، سورة آل عمران الآية 100- 101

القرآن الكريم ، سورة المائدة الآية 41

القرآن الكريم ، سورة الإسراء الآية 4 - 8

القرآن الكريم ، سورة الملك الآية 20

الخطة الإسلامية :

والآن ماذا عن الخطة الإسلامية .. ماذا عن مراحلها .. وماذا عن سيرة رسول الله فيها؟

تنشأ الحركة الإسلامية كما يجب أن تنشأ الحركات الناشئة في عاصمة من العواصم.

قال تعالى: }وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا{

ومنها تنبثق إلى من حولها بعد .. فقال سبحانه:

}وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها{

وأم القرى بالنسبة للحركة الإسلامية - أقصد عموم دين الله يجب أن يكون في عاصمة القرى التي أرسل الرسول بلسانهم.

قال الله تعالى: }وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم{

فلكل مجموعة قرى أم ولكل حركة عاصمة ولكل عهد دولة ورجال. والشرط الجامع المطلوب في القرية التي تنشأ الحركة الإسلامية فيها أن تكون ملتقى الأنظار وقبلة الوافد وموضعاً للإمامة والرياسة .. يتغير ذلك من زمان لزمان .. فضلاً على الشرط البديهي وهي أن تكون بلسان الرسول المرسل والكتاب المنزل.

وإن من "أم القرى" بهذا المعنى المتسع الرحب والميدان الواسع الذي يمكن فيه للحركة الإسلامية - بسننها الربانية - أن تنشأ.

وإن من أم القرى لتتجمع رؤوس الكفر وأئمته جدالاً .. ومعارضة ومصالح. وهكذا أراد الله تعالى أن يعترك الحق الناصع المجرد من السلاح مع الباطل في أشد صوره المحمي بالوسائل وأن يصطرع أئمة الحق مع أئمة الضلال وحينئذ يمحص المؤمنون على أرقى ما يكون التمحيص .. فكراً .. وتعلماً .. وخبرة .. وثباتاً وحينئذ - حين ينهزم الباطل ولو بعد حين - نكون قد ضربناه في أم رأسه وليس في رجله أو ذنبه .. إذ أن الإسلام يفضل دائماً أن يواجه الحقيقة كاملة وأن يضرب حين يضرب في أم الرأس.

إننا لا نجد لأم القرى نظيراً ولا مثيلاً في بلاد العرب الآن إلا مصر ولأسباب كثيرة ..

وهكذا نعلم الذين يظنون أنه سيكون للحركة الإسلامية مائة أمام أو أنها يمكن أن تنشأ في مائة قرية. أو أن تلتف الحركة الإسلامية حول مائة نواة أو سرة .. أو تنشأ في بلاد تتكلم اللاتينية أو التركية وعلى هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم .. وينتبهوا ..

إن الحركة الإسلامية - يعني الربانية لا تعرف العجلة في إنضاج الأمور. ولا تعرف "التساهل" في تأسيس الأساس. ولا تبغي توسعات "أفقية" و"عمليات لم" على حساب الضمانات الأولية الشرطية التي يضعها الإسلام بالنسبة للرواد الأول ومن سيكون دعامة الحركة بعد.

إن للإسلام شروطاً للحق .. اشترطها لنفسه من أول يوم .. ليكون رجاله الذين سيقبلهم على مستواه .. يعني مسلمين .. ولذا فإنه يقذف على الناس بالكلمة العظيمة ويكلفهم بالقولة الثقيلة من أول يوم .. ويعري لهم الحق الصُراح - لا زينة له إلا نفسه - هكذا وبغير مواربة. ويدعوهم للسلم كافة وللإذعان كله .. ونسكاً ومحياً ومماتاً وسمعاً وطاعة منذ اللحظة الأولى والبيعة الأولى ..

}واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر{

وعن رسول الله: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله .. كل شرط ليس في كتاب الله فليس بشرط وإن كان مائة شرط"

بل نشهد أن رسول الله إنما كان يبايع الناس على شرائع الإسلام وأنه لو جاز أن من يبايع على ترك فريضة أو فعل محرم .. لما جاز أن تسمى بعد فريضة ولا محرماً أصلاً .. ولجاز للأمة بأسرها أن تبايع على ما بايع عليه بعضها .. يعني لما جاز أن يكون في الشريعة الإسلامية كلها ولا في الأمة الإسلامية كلها شئ يسمى فرضاً أو حراماً .. فسبحان الله .

نريد أن نقول إن التسليم لله تعالى لا يتجزأ .. وأننا لا نقبل من الناس في دخولهم جماعة الحق - وإن تأخر دخولهم - إلا الاعتراف الكامل بألوهية الله والسمع والطاعة والبيعة الكاملة والتمادي في طاعة الله في كل جديد يعلمون أنه من أمر الله ومن خلال الجماعة المسلمة وتحت إمامها .. وإن مهمة الجماعة المسلمة بالنسبة للكافرين ليست توزيع شهادات الحكم بإسلامهم أو معاناة تربيتهم قبل دخولهم في السلم كافة إنما التربية تكون للمسلمين وللكافرين الدعوة إلى الإسلام حتى يسلموا ففرق بين التربية والدعوة  كما رأيت - أو بين الهداية والترقيع، وبين اشتراط الشرط الصحيح بما شرط الله - وقبول الإسلام مع الشرط الفاسد!

لقد آن لرجال الحق أن يستعلوا بالحق .. وأن يعودوا إلى سيرة رسول الحق .. وأن يعلموا أن الله إنما أرسل هداة لا مضللين وأن دخول الناس في الإسلام "بجمال" رجالات الإسلام ليس هو ما أراد الله من تعبيدهم له .. وإنما هو تعبيدهم للرجال - وأن انحراف الجماعات - وأقول انحرافها - إلى اكتساب المراكز الكبيرة في بلاد الكفر - باسم خدمة الإسلام - أو إلى ضم ذوي المراكز الكبيرة على حساب الإسلام - إنما هو أول تخلِ عن الدعوة وأنهم كلما علوا في مراكز الكافرين .. كلما زادوا في خدمتهم اضطراراً أو رضاً أو غواية - وقصروا في خدمة دعوتهم اضطراراً أو رضاً أو غواية وعندنا قوائم الأسماء في مصر وغيرها تشهد بما نقول .. وأنه آن للحركة الإسلامية ألا تعتز بشيء إلا بالإسلام وأن تتجرد له ..

وإن سيرة محمد - الذي لم يكن }واحداً من القريتين عظيم{ تشهد بما نقول .. لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً.

قال تعالى: }فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنما يتبعون أهواءهم .. ومن أضل ممن تبع هواه بغير هدى من الله. إن الله لا يهدي القوم الظالمين{

إن البلاغ يجب أن يكون مبيناً، وإن الدعوة إلى الله يجب أن تكون كاملة شاملة، وعلى بصيرة. إذ لا تصلح التجزئة في التعريف بالدين فإنه يؤخذ كله أو يترك كله وكما لا تصلح التوريات والكنايات فيه وإنما هو: }هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب{

كما لا يصلح أن يدعو الناس إلى الفرع تاركاً الأصل وينهاهم عن السفاسف تاركاً الكفر أو الشرك. قال تعالى: }يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين .. قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم{

وعلى الذين يجتنبون قول الحق والصدع به شاملاً تاماً .. عليهم أن يدخروا جهدهم وخطبهم المنبرية ووعائظهم البتراء .. خيراً لهم في دنياهم وأنفة .. وما لهم في الآخرة من خلاق.

}إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم{

وقال تعالى: }وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لنبينه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون{

القرآن الكريم ، سورة القصص الآية 59

  القرآن الكريم ، سورة الأنعام الآية 92

القرآن الكريم ، سورة إبراهيم الآية 4

  القرآن الكريم ، سورة الكهف الآية 27 - 29

  القرآن الكريم ، سورة القصص الآية 50

القرآن الكريم ، سورة إبراهيم الآية 52

القرآن الكريم ، سورة المائدة الآية 67-68

القرآن الكريم ، سورة البقرة الآية 159-160

  القرآن الكريم ، سورة آل عمران الآية 187

 

·بعض من أقوال واعترافات شكري أحمد مصطفى "أمير جماعة المسلمين" (التكفير والهجرة) أمام محكمة أمن الدولة العسكرية العليا (1977 م)

"بسم الله الرحمن الرحيم"

إدارة المحاكم العسكرية

"المحكمة العسكرية العليا"

 

·   أقوال شكري أحمد مصطفى المتهم الأول في القضية رقم 6 لسنة 1977 م أمن دولة عسكرية عليا بمحضر جلسات بالمحاكم بتاريخ 6/1/1977 م.

وجهت المحكمة السؤال التالي:

س: وضح فكرك وفكر جماعتك بشأن اعتزال المجتمع ؟

في تحريم الاتباع بغير دليل نجتزئ بقوله تعالى: }وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا. أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون{، }ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء. صم بكم عمي فهم لا يعقلون{ وفي هاتين الآيتين يبدو الكافرين كمن يرد شيئاً لا يسمعه. وحجتهم }إن نتبع إلا ما ألفينا عليه آبائنا{

إن منهاج الإسلام يعتمد على المطالبة بالدليل والحجة، وليس على إغلاق باب النقاش باللغو والسخرية والادعاءات. 

فيقول تبارك وتعالى: }قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين{ ويقول: }هل عندكم من علم فتخرجوه لنا{. وهذا، وقد قرر الإسلام أن ليس للإنسان إلا ما سعي وقرر أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه، وهي أدلة قاطعة على تحريم أخذ رأي بدون بذل مجهود.

ومما لا شك فيه أن المقلد بغير سؤال عن دليل لم يجتهد أي اجتهاد ولم يسع.

ثم قال: والآن نتكلم عن تعريف ما يسمونه بالتقليد، وخلاصته في كتبهم أنه اتباع للمقلد من غير سؤال عن دليل. وإلا فلو كان إنسان يتبع إنساناً بعد سؤاله عن دليله فهذا ليس هو التقليد المذموم، وبه نأخذ.

ونحن وبمنتهى الصراحة ندين ونسقط كل فقه لم يستمد من الأدلة الشرعية حسب ما ذكر ونحذف كل ما نسب إلى الإسلام وليس منه ونعتبر نسبته إلى الفقه الإسلامي تسمية غير صحيحة. ثم قال: والآن ننتقل إلى مناقشة المقلدين مناقشة منطقية، ووجه سؤالاً: هل هؤلاء الأئمة الذين قلدتموهم واتبعتموهم بغير دليل معصومون من الخطأ سواء في النية أو العلم؟ ونبادر بالإجابة بأنهم ليسوا معصومين.

السؤال الثاني: هل أحاطوا بما كان وبما سيكون بحثاً بحيث لا يحتاج إلى مزيد ؟

وثالثاً نسألهم: هل الذي كتبه هؤلاء الأئمة يعتبر من الذكر المحفوظ الذي وعد الله بحفظه ؟

ورابعاً: نسألهم فنقول أخيراً: هل كلامهم يـُتم شيئاً ناقصاً من كلام الله وسنة رسوله ؟

وخامساً نسألهم: هل كلامهم أوضح وأبين من كلام الله ؟

ثم نسألهم أخيراً: فنقول هل كلام الأئمة هؤلاء باللغة العربية ؟ هل يحتاج إلى شارح لنا ؟

ثم قال: والآن نسوق بعض آيات مختصرة تدل على تحريم الأخذ من غير كتاب الله وسنة رسوله، قال سبحانه وتعالى: }قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ؟ قل الله يهدي للحق. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي. فما لكم كيف تحكمون{

وقال تعالى: }أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها{ وهذا دليل قاطع على أن الذي يزعم لا يستطيع أن يتدبر في القرآن فإن على قلبه قفلاً.

ويقول تعالى: }فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون{ وقال تعالى: }كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء. قليلاً ما تذكرون{، وقال: }وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله{،

وقال: }فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً{.

شبهات حول الاجتهاد :

ثم قال: والآن نتعرض لما أثاروه من شبهات، ولما اشترطوه من شروط زائدة في الاجتهاد، بقصد صرف الناس عما أنزل الله

أعني أنهم أرادوا مصادر للهدى غير كتاب الله وسنة رسوله، سموها مرة بالإجماع ومرة بقول الجمهور ومرة بقول الصحابى ومرة بقول الفقيه ومرة بعمل أهل المدينة وهو مذهب مالك. ويقدم عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح. واستشهدوا لنصر هذا الباطل  – أعني إحلال هذه المصادر محل القرآن والسنة - بأحاديث موضوعة وضعيفة كحديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وكحديث رواه ابن ماجة وضعفه (لا تجتمع أمتي على ضلالة. وعليكم بالسواد الأعظم)، وكذا حديث معاذ بن جبل وذكره الترمذي عن مجهول يروي عن مجاهيل من أهل الشام وهو مضعف عند علماء الحديث، ولكن نحن نثبت ضعفه من حيث المتن، ويقول الحديث: "إن النبي حين وجه معاذاً إلى اليمن قال له: بم تحكم ؟ قال بكتاب الله، قال: فإن لم تجد ؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد ؟ قال اجتهد برأيي ولا آلو"، وهم بذلك يريدون أن يثبتوا حجية القياس كمصدر من مصادر التشريع عندهم بعد الإجماع، مع أنه لو صح فلا حجة فيه على القياس، ومن ناحية ضعف سنده فلا نعرف رجلاً من رجال الحديث صحح هذا الحديث أو أنكره في كتب الأحاديث المعتمدة إلا في كتاب الترمذي الذي ضعفه، ولا نعرف أحداً من الفقهاء المعتبرين صحح هذا الحديث من حيث السند إلا ما ورد عن ابن القيم في أحد كتبه، قال ما معناه: (إن هذا قد اشتهر عند الفقهاء). ولا نجد هذا الحديث إلا في كتب الفقه لنصر موضوع القياس أو الاستشهاد لتقديم القرآن على السنة في الاحتجاج، وأنه سيرد على هذه النقطة بالذات وهي: "تقديم القرآن على السنة في الحجة". ونذكر أولاً دليله وخلاصته هو الفارق بين ثبوت القرآن على السنة في الحجة حيث قالوا: "إن القرآن ثابت بالتواتر، والسنة أكثرها بالآحاد، فيقوم ما هو أثبت على ما هو ثابت". ونرد على ذلك ونبطله من وجوه أولها: استحالة أن يحددوا لنا حداً للتواتر، وقد صرح بذلك كل الأصوليين في علم الحديث، نذكر منهم على سبيل المثال: ابن الأثير في مقدمة كتاب جامع الأصول وابن تيمية حيث صرح أنه لا حد للتواتر، وأيضاً فإن القرآن فيه آيات صرح فيها زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بأنها ليست متواترة على الحد الذي ذكروه، فحدد آية في سورة الأحزاب وآيتين في آخر سورة التوبة حيث قال: لم أجدهما إلا عند أبي خزيمة الإنصاري الذي جعل الرسول شهادته شهادتين برجلين، وأيضاً فإنه يفرق تفريقاً قاطعاً بين الثبوت والدلالة في استنباط الأحكام حيث يجب الأخذ بكل ما هو ثابت قطعي الدلالة، ويجب الجمع بين ما هو ثابت وما هو أثبت منه مادام كلاهما صحيحاً ولم يتعارضا تعارضاً يستحيل الجمع بينهما فيه، فإن تعارضا تعارضاً يستحيل الجمع بينهما فيه نظرنا إلى الناسخ والمنسوخ، يعني إلى التاريخ قدمنا الأخير مطلقاً بغض النظر عن درجة الثبوت.

  سورة البقرة الآية 170

  سورة البقرة الآية 171

  سورة البقرة الآية 111

  سورة الأنعام الآية 148

  سورة يونس الآية 35

  سورة محمد الآية 24

  سورة الجاثية الآية 6

  سورة الأعراف الآية 2-3

  سورة الشورى الآية 10

  سورة النساء الآية 59

      

س: هل تقول بأن السنة تنسخ القرآن ؟

ج: نعم، وكل من عند الله حيث إن ما جاء به رسول الله هو من عند الله تبارك وتعالى. بقول الله: }وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله{

وقال تعالى: }ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين{ والنصوص في ذلك فوق الحصر وكلها تثبت قطعاً أن رسول الله لا ينطق إلا بوحي من ربه. وكذا، فإنه لو أخطأ لوجب أن يواليه الوحي بالتصحيح وهذا ثابت بما لا يحتاج إلى أمثلة. وبالتالي، فأنا أقرر أن السنة تشرح القرآن وتبينه وتضيف إليه وتخصص عامه وتقيد مطلقه وتنسخ على لسان رسول الله ما شاء الله أن ينسخه، وبعد هذه البديهة الثابتة المقررة لا أحتاج إلى ضرب أمثلة، فقد ثبتت القاعدة.

  

س: كيف أحل علماء السلطة الحاكمة الذين يفتون بمذهب الحاكم الزنا والربا والخمر باسم الإسلام … ؟

ج: الفائدة التي في البنوك؛ أفتى الشيخ شلتوت في كتابه الفتاوي بحلها، ولا شك أن الشيخ شلتوت وهو شيخ الأزهر وقتذاك يفتي فتوى يعلم الناس أنها إسلامية. أيضاً ما قاله متولي الشعراوي في جامع الأزهر في هذه النقطة بالذات وهي تحليل الربا باسم الإسلام؛ قال: إن الفوائد التي تتعامل بها الدولة جائزة، أما ما يتصل بالخمر فقد طالعنا الشيخ سعاد جلال بإباحة البيرة، وقد سبق لرسول الله أن قال: "إن أناساً من أمتي يستحلون الخمر باسم يسمونه إياه". أما عن الزنا فضلاً عن أن القانون الوضعي قد أحله، فقد انطلق كثير من المتكلمين ومن المنادين باسم الإسلام بالاختلاط، وأعتبر هذه مقدمة صحيحة وحتمية من مقدمات الزنا، حيث قال الله تعالى: }ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً{. وقد أثبت الرسول أن العين تزني واليد تزني والأذن تزني، ولا زلنا نرى أئمة المساجد ينادون باسم الإسلام بما حرمه الإسلام، بمساواة المرأة بالرجل والكتابي بالمسلم وبتحديد النسل وبغيره مما هو ثابت بطلانه في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام.

 

·         تابع أقوال شكري أحمد مصطفى في جلسة 7 تشرين الثاني / نوفمبر 1977

قالت المحكمة للمتهم شكري أحمد مصطفى: أكمل ما بدأت بالأمس .. فقال: نريد أن نضبط مدلولاً صحيحاً لكلمة "مساجد الله " هذا مما علمه آدم عليه السلام. فقد توضع يافطة على مسجد لا تنطبق عليه الصفة الشرعية لمساجد الله، وسمي مسجد الله، ولكن لكي يحاجني أحد فيقول: لماذا لم تصلِ في مسجد الله هذا؟ عليه أن يثبت أن حقيقة هذا المسجد أنه مسجد لله بالصفة الشرعية التي بينها الله كالآتي، فيقول الله تبارك وتعالى عن مسجده }وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً{، وهذا يدل على أن المسجد يجب أن يكون خالصاً لله يرفع فيه اسم الله وحده وليس اسمه واسم عدوه، ويمجد فيه دينه وأديان أخرى.

 

وسألته المحكمة بشأن المساجد :

س :  وهل ترى أن كل المساجد القائمة الآن أسماء على غير مسميات بحيث لا يحل للمسلم أن يصلي فيها ؟

ج : لا… بل أعتقد بوجود مساجد أسست على التقوى من أول يوم، هي في نظري أربعة مساجد:  بيت الله الحرام في مكة – والمسجد الأقصى – ومسجد الرسول – ومسجد قباء بالمدينة. وأيضاً هناك مساجد لا أستطيع أن أعرف على أي شئ أسست، هل على التقوى أم على غير ذلك من ظاهر الحال، وليس فيها صفات مساجد الضرار من الناحية الظاهرة ولا تتوافر فيها صفات مساجد الله بالمدلول الشرعي الذي بيناه، بل تستخدم كوسيلة من وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة لترويج ما يراه الحاكم - أي حاكم - وهي بالتالي تابعة - من الناحية السياسية والتوجيهية - إلى غير مراد الله، بل هي حرب عليه.

 

س : ما الذي تفهمه بكون المسجد  أسس على التقوى من أول يوم ؟  ما رأيك بشأن المساجد التي أسست على التقوى من أول يوم ثم طرأ على استخدامها طارئ قد لا يتفق مع التقوى ؟

ج :  جزمت الآية الكريمة بالرد على هذا السؤال، حيث قررت الأحقية المطلقة لهذه المساجد في أن يصلى فيها على أي مكان آخر، قال تعالى: }لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه{ .

ولم يقل أحق من ماذا، وبالتالي لم يحدد شئ بعينه، بل أطلق، وعليه ستظل هذه المساجد أحق بأن تقوم فيها إلى أن تقوم الساعة، وقد رأينا رسول الله يصلي في جوف الكعبة وفيها ثلاثمائة وستون صنماً لا يمنعه ذلك من الصلاة فيها، والمشكلة هي إثبات أن المسجد أسس على التقوى يقيناً، والمساجد الأربعة التي ذكرناها قد أسسها الأنبياء، وهي بالتالي أسست على التقوى من أول يوم، وبالتالي فلفظة "أحق" لم تفرض الصلاة في هذه المساجد، وإنما ندبت إليها وأبيحت لنا جميعاً لنصلي فيها، إلا ما ثبت أنه مسجد ضرار، قال تعالى: }والذين اتخذوا مسجدا ضرارا{ - أي يضر بالمسلمين - وكفراً - يعني النية - وتفريقاً بين المؤمنين وإرضاء لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا. إلا الحسنى، والله يشهد أنهم لكاذبون، لا تقم فيه أبداً، لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه …

س : إخوانك (أعضاء جماعة المسلمين) لا يصلون الجمعة مع غيرهم حتى يمكنوا؟

 وهل تصلون الجمعة مع بعضكم البعض جماعة وتقيمون فرائضها الشرعية ؟

ج : الصلاة مع غيرنا ليست واردة، إنما أقصد أن صلاة الجمعة فيما بيننا هي المشترطة بتمكين الجماعة المسلمة، لأننا نتكلم عن شروط صلاة الجمعة المطلقة، أي أنها لا تقام إلا بهذا الشرط، إن كان النبي بنفسه إمام الجماعة المسلمة.

  

س : قلت أن الصلاة مع غيرنا غير واردة، تقصد أنها حرام ؟

ج : أقصد الآتي على التحديد: أننا نعتبر أنفسنا هيئة مستقلة لا صلة لها من الناحية الإسلامية بغيرها مطلقاً، وبالتالي فعبادتنا لله لا نهتم فيها بغيرنا، ولا ندعو غيرنا أن يشاركنا فيها، إنما  ندعوه إلى الإسلام أولاً وإلى جماعة المسلمين، ولكن إذا صلى غيرنا بصلاتنا فلا نمنعه.

 

·         أقوال المتهم شكري أحمد مصطفى - بمحضر جلسة يوم الثلاثاء الموافق 8 تشرين الثاني / نوفمبر 1977

س : تقول إن كل كافر يجوز قتله شرعاً ؟

ج : الكافر أصل الحكم فيه أنه حلال الدم والمال، ولكن لا تنفذ القاعدة النظرية هذه إلا بشروطها ومن شروطها البلاغ، وشروط أخرى.

 

س : وما فهمك للآية الكريمة في القرآن العظيم: }وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين{ فدلت على بدء الكافرين بقتال المسلمين شرط لقتال المسلمين لهم؟

ج : هذه الآية مرحلية، وقد علم أن القتال في الإسلام كان على مراحل، فقد أمر المسلمون أول الأمر بكف اليد مطلقاً وبالصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره، قال تعالى: }كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة{، وقال تعالى: }فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره{، وقد أذن لهم في قتال عبدة الأوثان أول الأمر ولم يؤذن لهم في قتال اليهود والنصارى في قوله: }ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً …{ إلى أن قال: }فاعفوا واصفحوا{، ثم أذن للمسلمين في قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ثم أمر المسلمين بقتال الناس كافة حتى يدخلوا في دين الله – الإسلام – ولا يقبل منهم وغيره، ولسبب الكفر قال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار{ وهي مطلقة، وقال تعالى: }وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة{ وقال في موضع آخر: }ولا يزالون يقاتلونكم{ وهذا تقرير للواقع والآية عامة، قال تعالى: }ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه{ وقد يظن أنه لا يقبل منه في الآخرة، كلا … بل في الدنيا لأن الله ختم الآية بقوله: }وهو في الآخرة من الخاسرين{ فدل على أن الجزء الأول خاص بالدنيا، وقال تعالى: }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ والدين هو دين الإسلام. وقال رسول الله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله" … الحديث ، وهذه كلها نصوص قاطعة على وجوب إرجاع الناس إلى دين الله وهو الإسلام.

سورة النساء الآية 64

سورة الحاقة الآية 44

سورة الإسراء الآية 32

سورة الجن الآية 18

  سورة التوبة الآية 108

سورة البقرة الآية 190

سورة النساء الآية 77

سورة البقرة الآية 109

سورة اليقرة الآية 109

سورة التوبة الآية 123

سورة التوبة الآية 36

  سورة البقرة ألاية 217

سورة آل عمران الآية 85

المصدر نفسه

سورة الأنفال الآية 39

 

س : وما الذي تقصده بقولك إن الآية التي حكوناها إنما كانت مرحلية، هل تقصد أن حكمها نسخ أم ماذا ؟

ج : أقصد بقولي إنها مرحلية، إنها مرتهنة بحالة معينة تتصل بحالة الحركة الإسلامية، وهي بصدد بلوغها غايتها النهائية يمر المسلمون بحالة استضعاف وكف يد وصفح وعفو ودفاع وقتال على الجزية ومعاهدات، ثم قتال على الإسلام لذات الإسلام، وهذه كلها مراحل تقدر بقدرها، ولا أقول أن الآية نسخت مطلقاً، وإنما هي موقوفة بحالتها، ومن الأمثلة على القتال على الإسلام لذات الإسلام: ما جاء في كتاب الله تعالى: }ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون{

 

س : قال تعالى: }قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كان يكسبون من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون{ ثم قال عز من قائل: }لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي{ كما قال سبحانه وتعالى: }ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً . أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين{ وآيات أخرى تدل على أن الكفر في ذاته يؤدي إلى عقاب المولى سبحانه وتعالى في الآخرة، وأنه بظاهرها لا يفهم أن المسلمين أمروا أن يقاتلوا الكفار الذين لم يقاتلوهم أو يفتنوهم في دينهم. فما فهمك وما اعتقادك بهذا الشأن ؟

ج : هذه الآيات فعلاً لو أخذت بمفردها لكان لها ذات الدلالة التي ذكرتموها، وهي ترك الناس كل الناس لا نقاتلهم حتى يقاتلونا، ولكن لما كان مقرر شرعاً وبداهة الجمع بين النصوص كلها، وقد تلوت عليكم وذكرت لكم في الأوراق آيات ونصوصاً قد أوجبت قتال الناس – كل الناس – حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدينوا بدين الله، ونصوص أخرى كثيرة لم أذكرها تدل نفس الدلالة. فقد وجب على كل مؤمن بالله أن يجمع الجمع المنطقي الصحيح بين دلالات هذه النصوص جميعاً، فإذا ما جمع، فلن يخرج إلا بنتيجة واحدة، ما أتقى الله وأنصف، ألا وهي: أن المسلمين إنما أمروا بقتال الناس على ظاهر الإسلام وما يمكن أن يستوفي منه حقوقه، وحجبهم الله في ذات الوقت عما وراء ذلك: بما في الصدور وبما يخفي في البيوت … ونرد بالتفصيل على النصوص الثلاثة التي ذكرتها المحكمة: فالآية الأولى: سورة الجاثية وهي سورة مكية وعلى الذين يريدون إثبات أنها مدنية أن يأتوا بالدليل على صحة كونها مدنية من حيث الخبر، فاستوقفته المحكمة عند هذه النقطة وسألته:

 

س : وكيف إذاً إعمال قوله تعالى: }لا إكراه في الدين{ وإعمال التمييز الذي ورد في قوله تعالى: }وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر{

ج : يعني بعد إقامة الحجة على الناس، وبعد أن تكون قد أديت مهمتك في البلاغ فلست عليهم بمسيطر ولا أنت مكره أحداً على إدخال الإيمان في قلبه، ولا أنت تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وهم بعد ذلك مخيرون في أن يختاروا الإيمان أو الكفر حيث لم يتركوا سدى بل سيحاسبون على ذلك، حيث ختم الله الآية بقوله: }إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها{. وهذا كله يتكلم عن حقيقة الإسلام والإيمان وهو ما سيحاسب الله عليه الناس، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أما ما يتصل بالظاهر فقد كلف محمد والمؤمنون من ورائه بإعلاء كلمات الله فيه وإظهار دينه على الدين كله ولو كره المشركون. ويحضرني حديث عظيم في صحيح مسلم وهو أنه بعد أن قال النبي: "أمرت أن أقاتل الناس  " - كما بينا - وختمه بقوله: "وحسابهم على الله" تلا الآية الكريمة:

}فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر{ فعلمنا أن قوله تعالى }فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر{ لا تتعارض مع صدر الحديث الشريف أنه أمر أن يقاتلهم على الإسلام.

 

س : هل تقول باستحقاق الكافرين للقتل شرعاً جماعات وأفراداً ؟

ج : نعم، ولا فرق من ناحية الحكم النظري المطلق.

 

س : ماذا تعني ؟

ج : أعني أن هذا مرتبط بشروط كما سبق أن أشرت، وأنه لا يجوز القتل ويحرم إلى حين تحقق شروطه

 

س : وما هي هذه الشروط ؟

ج : لا يجوز قتل أحد أصلاً من الناس على جرم لم يبين له أنه جرم، فيجب كشرط لقتله أن يبلغ بلاغاً مبيناً، وكلمة البلاغ لغة تعني: أن يبلغ الأمر من نفس المبلغ النهائي الصحيح، وأن تقام عليه الحجة الدامغة البالغة المبينة هذا الشرط، وإقامة هذه الحجة مرتبط بسنة الله في ما خلق، وعلمه بطبيعة الناس ومرتبط بحلمه سبحانه وأنه لا يعجل كعجلة أحدكم، وإنه يعمر الإنسان مدة تكفي أن يقال له يوم القيامة: }أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير{.

إنما تبنى الخطة الإسلامية الربانية، وإنما تبنى الخطة الإسلامية الربانية على إعطاء الناس المهلة ليتبينوا ويتفكروا، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيا على بينة، وتعطى المهلة إلى المسلمين في الوقت ذاته ليتفقهوا من ناحية، وليعبدوا الله بالصالحات من ناحية أخرى.

 

س : هل من الممكن أن نعرف ما إذا كنت قد وجدت أي نص في الدستور يخالف الشريعة؟

ج : سبق وأن قلت: لا يهمني على الإطلاق النظر في ما هو داخل هذا الدستور، والذي يكفيني وفي المقام الأول هو مصادر استشراع هذا الدستور. 

 

س : وهل قرأته ؟

ج : لا وأرجو ألا أقرأه                 

 

س : وكيف إذن تحكم عليه بمخالفته للشريعة وأنت لم تقرأه ؟

ج : ليست القراءة هي المصدر الوحيد للتعرف على الأشياء والذي لم أقرأه ولا تهمني قراءته ولم يدخل في استدلالي هو ما يحتويه هذا الدستور، أما ما سبق أن قررته أني أعلمه بخصوص هذا الدستور، والذي بنيت عليه تحريمي له وعدم شرعيته أنه قائم ومستنبط من غير الشريعة الإسلامية، ويعلن ذلك صراحة في كافة وسائل الإعلام وفي مقدمة هذا الدستور نفسه حيث عبر في مادته السادسة أن الشعب هو مصدر السلطات.

س : وهل تتعارض هذه القيلة مع الشريعة الإسلامية ؟ وضح.

ج : نعم ولا ريب، حيث إن الأمر كله لله وأن له الخلق والأمر وأنه هو الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى وأنه لا سلطان لأحد مخلوق أو أمة أو شعب – من حيث المبدأ ولا ينتهي إليه أمر التشريع، ولا يكون مصدر التلقي والهداية والحكم إلا الله العلي الكبير.

 

س : ولكن هذه العبارة: "إن الشعب مصدر السلطات" إنما لها مفهوم ومعنى محدد ومصطلح عليه في فقه القانون الدستوري، وهو غسل يد الحاكم من الإستبداد بالشعب وظلمه وحمله على ما يكره … وتأكيد لمبدأ الشورى وعدم الانفراد بالقرار ومنع التسلط والظلم، هذا هو المعنى المستقر لهذه العبارة الاصطلاحية لا يختلف عليه أحد في علم القانون ، فهل ذلك يخالف الشريعة الإسلامية؟

ج : لا أعتقد أن ما ذكرته المحكمة هو التفسير الصحيح لمدلول هذه العبارة، وإنما أعتقد أن ما قالته نتيجة من نتائجها، وهو كف يد الحاكم عن التسلط حسب الدعوة، ولكن على فرض ما قالته المحكمة هو التعريف الصحيح لهذه العبارة، فأنا أقرر أنها كلها مخالفة لحكم الشريعة الإسلامية، وقلب للميزان الذي وضعه الله للعلاقة بين الأمة وإمامها، حيث لم يجعل للأمة مطلق السلطة على الحكم إذا حكمها بكتاب الله وسنة رسوله، وما ذكر عن الشورى فهو أمر مخالف تماما هذا المعنى، حيث إن الحاكم في الأمة الإسلامية هو الذي يختار موضوع الشورى ويختار من يستشير والشورى بعد ذلك، معلمة له وليست ملزمة له، وله أن ينفرد برأيه بعد الشورى، وإن اجتمعت الأمة كلها على خلاف رأيه، والنص القرآني يقول للرسول "وشاورهم في الأمر"، فكلفه هو أن يبدأ بالمشاورة على الصورة التي يراها صالحة، ولم يكلفهم بفرض الشورى عليه، وقال في "الأمر" وإضافة الألف واللام إليها يعني:  في ما جل من الأمر، وليس أي أمر وباختياره وحسب وجهة نظره، ثم قال "فإذا عزمت" وجعل العزيمة له خالصة من دون الناس:  "فتوكل على الله" فأين سلطة الشعب؟

س : أتقول أن مثلك ومثل جماعتك كمثل نشأة الإسلام في مبتدأ الأمر؟

ج : نعم، وبذلك أوقن، قال رسول الله في الحديث الصحيح في مسلم وغيره: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبا كما بدأ" وقال النبي: "تكون النبوة ثم الخلاقة على منهاج النبوة ثم ملك عضوض ثم ملك جبري ثم خلافه على منهاج النبوة ثم سكت"، صححه الألباني في كتاب الأحاديث الصحيحة وعزاه إلى بعض الكتب لا أذكرها وله شواهد في الصحيحين.

 

س :  تريد المحكمة أن تعرف كيف جعلت على رأس جماعتك ؟

ج :  ملخص ذلك، أن الله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم، فهداني برحمة منه إلى ما أعتقد أنه دين الله، ثم هدى بي من شاء من عباده، فاتبعوني ائتماراً بأمر الله واعتصاما بحبله، واستمر الأمر على ما ترون.

 

·                         أقوال المتهم شكري أحمد مصطفى بمحضر جلسة 9 تشرين الثاني -  نوفمبر 1977.

 

س : وهل نجد في نظام الزواج المعمول به في بلادنا الآن ما يخالف الشريعة الإسلامية؟

ج : مثلاً تقييد سن الشباب والفتاة بسن معين مخالف لما في الشريعة، وكذا ما يكتبونه في العقد أنه على مذهب فلان فهو مخالف أيضاً، هذا من ناحية الشكليات، أما من الناحية الواقعية فإن نظام الزواج في المجتمع نظام معقد لا يمكن الشاب حقاً من الزواج في الوقت المناسب من حيث تكاليف السكن أو العثور عليه، ومن حيث تقاليد الأسرة في الفراش وغيره.

  

س : وما الحكم عندكم إذا دعيت الزوجة للدخول في جماعتكم فدخلتها ولم يدخلها زوجها، وهل عرضت هذه الحالة بالفعل من عدمه؟

ج : هذه الحالة عرضت لنا كثيراً، من الناحية النظرية، فإنها عندنا لا تحل له، ومن الناحية العملية فإنها تهجره باقتناعها وتستضيفها الجماعة ثم تطلب الطلاق رسمياً إلى أن تحصل عليه.

 

س :  وكيف تطلب الطلاق ؟ ولأي سبب يكون ذلك ؟

ج : لاختلاف العقيدة.

 

س : وإذا رفض الزوج، ماذا تفعلون ؟

ج : هي في النهاية لن تذهب إليه، وتقرفه أو نقرفه.

 

س : إذا تمكنت المرأة من مغادرة مصر وقد حكمتم بكفر زوجها دون أن يطلقها، هل لها الحق   بالرغم من قيام الزوجية وإصرار الزوج على عدم الطلاق – أن تتزوج من غيره ؟

ج : إننا لا نفرق مطلقاً بين ما نعتقده وبين ما نفعله حين التمكن على شرط عدم الإضرار بمصلحة المسلمين، لإجابة مباشرة على هذا السؤال نقول: إنني لا أمانع مطلقاً إذا رغبت في الزواج أم تتزوج بهذه الشروط التي ذكرتها في هذه الحالة.

 

س :  وهل حدث ذلك بالفعل؟

ج :  لا

 

س :  جاء في رسالتك إلى رئيس الجمهورية أنك تطلب إعفاء جماعتك من الخدمة  في القوات المسلحة، فما مبررات ذلك ؟

ج : أولاً: أنا أعتقد أن هذا الجيش لا يقاتل في سبيل الله، وهذه وحدها تكفي.

ثانياً: الجماعة محتاجة إلى هؤلاء الأفراد في مجالات خاصة بالجماعة مثل الدعوة والإدارة وغيرها. هذا وأنني أرى أن وجود أفراد منا داخل الجيش لا فائدة منه لنا وللدولة، حيث أنه في حالة وجودهم فيه قد أكلفهم بالدعوة إلى أفكارنا فيه، وقد حدث هذا بالفعل في البحرية بالإسكندرية مما ترتب عليه مشاكل كثيرة في البحرية، وأقول: أنا لا أرى في خروجهم كبير عبء على الدولة الآن حيث أن الدولة تدعو الآن إلى السلام وتقف على أبوابه، مما  يصحبه في العادة بعد ذلك تخفيض طبيعي للقوات المسلحة.

 

س : إنما أسألك عن الحجة الشرعية، والمحكمة تحدد السؤال الآتي ؟

ألا ترى أن قتال اليهود اليوم  وقد فعلوا بالمسلمين ما تعلم واحتلوا من أرضهم ما تعرف  فريضة إسلامية على كل مسلم، عليك أنت بالذات نسألك كمسلم ؟

ج : أنا أعتقد أن الأرض التي احتلها اليهود ليست إلا جزءاً من أرض الإسلام التي يحتلها سائر الكافرين في الأرض قبل احتلال اليهود، حيث إني أعتقد أن أرض الإسلام هي الأرض جميعاً، كل الأرض، والخطة الإسلامية في إعادة هذه الأرض كلها لله تحت السلطان المباشر للجماعة المسلمة ليست بالضرورة أن تبدأ بقتال اليهود، ولم تكن كذلك أيام محمد، بل هو قد أمر بقتال غيرهم قبلهم، هذا إضافة إلى أن قتال العرب الآن اليهود لا يمكن بحال أن يسمي قتالاً إسلامياً، حيث إن القتال الإسلامي كما نعرفه هو القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، يعني لغرض الحكم بما أنزل الله وليس من الممكن أن يقاتل قوم لا يحكمون أنفسهم بكتاب الله، يقاتلون ليحكموا غيرهم بكتاب الله، وإنما ذلك قتال كسائر القتال الدائر الآن في الأرض بين البشر جميعاً لدوافع أرضية بشرية بعيدة عن عبادة الله وإعلاء كلمته، ومع ذلك فإن القتال الذي يقاتل عليه الناس الآن بعضهم بعضاً في أي منطقة وعند العرب، لو كان يستدعي من جماعة المسلمين أن تبدي فيه رأياً، حيث أنها في حقيقة الأمر لا تملك أن يكون لرأيها أثر في الحرب أو السلام، ولا حتى بمشاركتها أو عدم مشاركتها المادية الضئيلة، ولو كان لنا أن نبدي رأي فإننا نفضل أن نعيش في بلادنا فيها فرصة سلام تؤهل لنا أن نؤدي دورنا في الدعوة والهجرة.

 

س : تعلم أن اليهود إن لم يصدوا عن ثغور المسلمين أو ثغورنا  إن لم نكن مسلمين عندك فإنهم يدخلون إلينا وعندهم ما تعلم من الطائرات والدبابات وسائر الأسلحة الثقال التي لا صد لها إلا بالجيوش النظامية، فكيف تدفع شرهم عن نفسك وجماعتك إن لم يدفعهم الجيش المصري؟ وهل فعلهم بك وجماعتك من قتل وغير ذلك من الشرور العظام يساوي ما تشكو منه بالنسبة لمباحث أمن الدولة ؟

ج : بالنسبة لآخر السؤال فأنا قلت إن المشابهة (مشابهة) عامة في الحكم العام أعني في الكراهية العامة وليست في الدرجة، ومن المعلوم أن الجيش الغازي ضرره أشد من الهيئات الملتزمة مهما كان ببعض الالتزامات داخل البلاد، غير أنه من الناحية الواقعية الآن فإنه ليس لليهودي أي أثر على الجماعة الآن من الناحية العملية، وفي ذات الوقت فإن الجماعة قد لقيت من مباحث أمن الدولة ما يجعلها في نظر الجماعة العدو الأول الذي تجب مواجتهه من الناحية العملية الواقعية فليس بالضرورة أن يكون سلوكي هو تقديم شباب جماعة المسلمين للموت في هذه المعارك، إنما قد يكون سلوكي ترك مصر وينتهي الأمر، غير أني لا قتال الآن بين اليهود ومصر يقضي من الناحية العملية الواقعية المتصلة بسياسة اليهود أنفسهم إلى دخول مصر. في هذه السنين القليلة المقبلة التي قررت فيها جماعة المسلمين أن يبقى بعضها بقصد الدعوة في مصر.

 

س : ألا تدعو للجيش المصري بالنصر إذا نشب القتال بينه وبين اليهود الآن؟

ج : هذا يتوقف على نوعية  معاملة الجيش المصري لنا ومعاملة الحكومة لنا، فإن كانت لصالح الجماعة المسلمة رجونا لها النصر على حسب ما ذكرنا من قبل، على فرض وجود قتال حقاً.

 

س : وإذا أساءت الحكومة معاملتها، أتحب لجيشها الهزيمة، ولو أدى إلى دخول اليهود إلى حيث يوجد بيتك؟

ج : يقدر ذلك حسب الضرر الواقع على الجماعة المسلمة من كلا الطرفين، وأنا قلت أنه إذا اقتضى الأمر دخول اليهود أو غيرهم بما يؤدى إلى قتل المسلمين  – أعني جماعة المسلمين – فإن الحركة الإسلامية حينئذ ينبغي ألا تبني على القتال في صفوف الجيش المصري، والمساعدة على الهرب قبل ذلك إلى مكان آمن يعرف ذلك بما تقوم به الجماعة المسلمة من دراسة للسياسة المحلية والمحيطة وتوقعاتها عما سيكون.

 

س : فإذا اتضح أن اليهود يرفضون السلام وأصبح لا مناص من قتالهم وهو وارد في الاحتمال   نقول افتراضاً فما تفعلون، هل تفرون؟

ج : الأصل أن الحركة الإسلامية تـُبني في أول أمرها على قضية الفرار، والأصل الآخر أن الحركة الإسلامية لا تعمل في فراغ، فهي تدرس الظروف المحيطة بها سواء المحلية أو الخارجية ذات الصلة بها أو التأثير عليها. وعليه فإن الاحتمال النظري الذي طرح في السؤال وقد سبق الرد عليه أكثر من مرة. وخلاصة الرد: أننا بدراستنا السياسية المسبقة تكون خطتنا هي الفرار من العدو الوافد تماماً كالفرار من العدو المحلي وليس مواجهته. أما من الناحية الواقعية الآن وحسب دراسة جماعة المسلمين لظروف المنطقة نوقن بتحليلاتها السياسية، أن ثمة سلاما سيسود المنطقة من الآن حتى حين، ولبضع سنوات، وقد رحبت الجماعة بذلك وبنت خطتها عليه.

 

س : هل تقول باحتمال وجود مسلمين حقا خارج جماعتك قد أسلموا وجههم لله ورغبوا في دينه ويرجون الهداية منه؟ فإنني أجزم بوجود أناس من هؤلاء وسيكونون يوماً ما.

ج : إن كان المقصود هو وجود ناس ممن ينصر الله ورسوله إن شاء الله، وأنهم لو ماتوا قبل ذلك ما داموا لم يقصروا في البحث عن الحق، حتى وإن اخطأوا فإنهم يبعثون على نياتهم، أما إن كان مقصود وجود جماعة أخرى على ما نحن عليه من ناحية الهدى والقول لما نقول تماماً، فإني أجزم بانتفاء ذلك، حيث إن السنة هي أن ينشئ الله نواة واحدة للأمة الواحدة التي يريدها: }إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون{.

 

س : فإن دعوت إنسانا بعينه إلى فكرك ومذهبك ولم يدخل في ما دخلت فيه، هل تعطيه الحق في أن يستقل برأيه ليحاسبه الله على نيته واجتهاده أم تحكم عليه بالكفر لهذا السبب وحده ؟

ج : بل أحكم عليه بالكفر لهذا السبب وحده، بل لا يوجد عندنا سبب للكفر غيره، وهو تكذيبه بآيات الله وسنة رسوله القاطعة، والتي سقناها له آية تلو آيه ودليلاً بعد دليل، والتي في مضمونها حجة الله على عباده، هذا وقد جعلنا الله شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً، وقال الرسول الله في البخاري ومسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض"، وأنه لو لم تحدد الجماعة المسلمة حكمها القاطع على من لا يقبل الإسلام من وجهة نظرها تكون فتنة في الأرض وفساد كبير، وإلا فعلى أي أساس تبني معاملاتها وقرارها وهجرتها؟ ولقد سبق أن بينا اشتراطنا على أنفسنا أن تكون أدلتنا كلها قطعية الدلالة، وطالبنا المخالف بدليل واحد متصل السند بالله تعالى يدل دلالة قاطعة على خلاف ما تقول في موضوعين بعينهما: أولهما أن الفرائض شرط في الإسلام، وثانيهما أن الإصرار وليس مجرد المعصية كفر.

 

س : طلب محاميك د . عبد الله رشوان دعوة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع (الأزهر) لتسأله المحكمة حول بعض المسائل الشرعية التي تتصل بمصلحة الدفاع حسبما فهم هذا المحامي، فهل ترى فضيلته يصلح لإبداء الآراء الشرعية الصحيحة في نظرك بحيث يصح رأيه في مجال الدفاع عنك شرعا أو لا يصح ذلك فيكون استغناء منك عن طلب سماعه في الجلسة؟

ج : أنا غير موافق أصلا على لفظة خبير في ما يتصل بكل منتسب إلى هيئة غير جماعة المسلمين في موضوع الإسلام والأسئلة المطروحة أيا كان نوعها وأيا كانت الإجابة عليها لنا أو علينا، فأنا لا أقبلها مبدئياً ولا أطلبها وإنما أطلب هذه الهيئات المتصدية للإسلام لأدعوهم إليه وأحاجهم عليه.

 

س : تسألك المحكمة: هل تحتاج إلى رأي شرعي من أي جهة للدفاع عنك ؟

ج : لا واستشهد بالله وبكتابه وبسنة رسوله: }قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم{.

 

س : وهل تسمح لنفسك وبحسب اعتقادك من الناحية الشرعية بأن ترمي إنساناً بعينه بالكفر الآن وقبل التمكن؟

ج : نعم ..  وبالشروط التي ذكرتها وبعد البلاغ وإقامة الحجة وفي حدود الحاجة للعبادة العملية.

س : والذي تحكم عليه بالكفر هل تتخذه عدواً لك؟ يعني يحل أن تقتله وتستبيح ماله لنفسك أم ماذا ؟ ونسألك عن الوقت الذي نحن فيه وليس بعد التمكين؟

ج : لا يحل لنا من الناحية العملية قتل من نحكم عليهم بالكفر الآن، حتى يعطوا الفرصة الكافية في البلاغ والتي سبق أن أوضحنا بالأمس والتي لا تكون إلا بعد هجرة المسلمين أصلاً، أما ما يتصل بالقتل وغيره دفاعاً عن النفس فهو بداهة ليس متصل بالكفر، ونحن نؤمن أن حق الدفاع عن النفس مكفول للجماعة المسلمة من أول يوم يستخدم، في ما لا يتعارض مع غاياتها ومع إمكانياتها الواقعية.

 

س : وما رأيك في المرحوم الشيخ الذهبي، أمسلم هو أم كافر؟

ج : هو عندي كافر .

 

س : وما دليلك؟

ج : دليلي أنه يعمل في هيئة الأوقاف وكان وزيراً لها ومديراً للإشراف على مساجد الضرار، وقد أقسم اليمين على الحكم بغير ما أنزل الله في قسم الوزراء، وهذا لا يمكن أن يعتبر جهلاً منه وجوب الحكم بما أنزل الله، ولبعد الدولة والمجتمع عن الإسلام.

 

س : وهل هو مستحق للقتل بسبب ذلك؟

ج : من الناحية النظرية نعم ومن الناحية العملية الآن لا

  

س : وإن قتله واحد من جماعتك هل يستحق القودة (أي قتل النفس بالنفس) أم ماذا..؟

ج : لا يستحق القودة، قال الرسول "ولا يقتل مؤمن بكافر" (في الحديث  الصحيح).

 

س : هل تحب أن تضيف شيئاً آخر إلى ما أبديته من رأي وفكر؟

ج : نعم لاحظت احتمال انتهاء كلامي وعدم السماح لي بتكملته ولذلك أقرر الآتي:

-        إنني لم أتكلم عن فكري كله وخاصة الموضوع الثالث وهو أمر الهجرة والاعتزال.

-   إن كلامي عن فكري ليس إلا مجرد كلام عن الفكر، وليس من باب الدفاع عن نفسي حيث إنني لا زلت عند قولي بأني لم أمكن الدفاع عن نفسي من قبل أو الآن.

-   إنه لا يهمني أن يرد أحد على ما قلت حيث إني أجزم أنه لا رد، ولكن في حالة وجود رد اشترط على الذي يرد أن يكون الرد على عين ما قلت وليس على غيره وأطلب منه أدلة قاطعة، كما أطلب  – وهو حقي – أن تتاح لي فرص التعقيب على ما قاله الآخرين.

-   كذا فإني أثبت اعتراضي على عدم تمكيني من بلاغ الإسلام في قاعة المحكمة وعلى عدم حضوري الجلسات، وأختتم قولي بأن:

أنذركم جميعا من الله إن لم تعودوا إلى دين الله. ويا قوم أنني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. وأن الله لا يرد ظلماً بالعباد فستذكرون ما أقول لكم .. وأفوض أمري إلى الله… إن الله بصير بالعباد.

***

سورة الفتح الآية 16

سورة الجاثية الآية 14-15

سورة البقرة الآية 256

  سورة يونس الآية 99

سورة البقرة الآية 256

سورة الكهف الآية 29

  المصدر نفسه

سورة الغاشية الآية 21-22

سورة فاطر الآية 37

سورة الأنبياء الآية 92

سورة الأنعام الآية 19

في مقدمة قصيدته من قبل الطوفان، و التي يتحدث فيها عن الهجرة يقول شكري: " لقد كان في داخلي ـ و أنا لا أدري ـ تحديد لأرض الهجرة بل حدس غالب في أن هذه الأرض وهذه الهجرة هي نجاة لي و لكل من هاجر إليها و أن دماراً وهلاكاً سيصيب ما عداها من الأرض، و ما عداهم من الناس ولكني كنت مقيداً لا أستطيع حتى أن أهاجر .. كانت الهجرة وهماً .. و أملاً .. وأيضاً إحساساً صادقاً".

تقول القصيدة :

من قبل الطـوفان اسمعـني .. يا عـبد الـله            و اخرج من أرضك و اتبعني أرض فلاه

أرضي فـي قلبي لـم يعـبد فيـها الشـيطان           أرضـي في فكــري أحمـله في كل مـكان

في قلــب المؤمن ـ طهرها ـ فيض الإيمان            فاحــمل أزوادك و اتبـعني يا عبــد اللـه

يكــفينا زاد فـي الـدنيا .. هـذا القــرآن          في أرض الهجرة يا صـاحبي  طهر وسـلام

وعبــادة صــدق وخشـوع .. بين الآكـام         وفــرار من سخـف الدنيا .. ومن الآثــام

صـدقـني فـي الأرض الواسـعة أمــان                  فتعــالى لله تعــالى ... يــا عــبــد الله

ماذا يعنــيـك من الدنيا بـعـد الإســلام         أنا لــن أستــسلم سأحارب جيش الأصنام

سأكر على عرش الطاغي أهدمه في غير كلام            سأمــوت شهيداً منصـوراً ديني الإســلام

وأموت على ظهر جوادي بطعان ليس من الخلف     ويكفي سيفـي أدفعه فالجنة في ظــل السـيف

لن أشكو , لن أقذف دمعات الثكلى خلف القضبان

من كتاب الحركة الإسلامية في مصر ، صالح الورداني

الفصل السابع

الجماعة الإسلامية

 

}إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم{

 

" سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن  أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر ...

أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلى مبغضيكم

وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم…

فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين

لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم ".

 

يقول د. عمر عبد الرحمن في كتابه (كلمة حق) :

(.. فالناس ليس لهم حق التشريع ابتداء، وكل ما لهم هو مزاولة التطبيق لما شرعه الله، أو الاستنباط والقياس على أحكام الله فيما لم يرد فيه نص  .. فحق التشريع غير ممنوح لأحد من الخلق، غير ممنوح لهيئة ولا لحزب من الأحزاب، ولا لبرلمان، ولا لمجموع الأمة، ولا لمجموع البشرية)

الكتاب المقدس ، متى 5 : 28- 47

 

سبيلنا وطريقنا

(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)

أيها الأخ المسلم الكريم:

طريقنا الذي نسير عليه وندعو إليه هو طريق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

سبيلنا هو سبيل النبي الخاتم إمام المرسلين محمد بن عبد الله رسول الله المبعوث رحمة للعالمين.

هو ذات الطريق الذي سار عليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين. فنحن على آثارهم مهتدون امتثالاً لأمر نبينا "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"

طريقنا الذي نمضي فيه بخطى ثابتة واثقة يضيئه لنا علماء أمتنا وأئمتها أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وابن تيمية وابن القيم وأمثالهم من مصابيح الهدى.

 

طريقنا الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، من خلال جماعة منضبطة حركتها بالشرع الحنيف تأبى المداهنة أو الركون وتستوعب ما سبقها من تجارب.

فطريقنا فيه الجهاد، ذروة سنام هذا الدين .. فيه الشهادة في سبيل الله

طريقنا طريق بذل وتضحية وفداء .. يرخص فيه المتاع، متاع الحياة الدنيا. ويضحى فيه بالنفس والمال وبكل نفيس وغالي لنتلو كلمة الحق وترتفع راية القرآن لتشرق - من جديد - شمس الإسلام.

هذه الطريق سبقتنا إليه الألوف المؤلفة من الرجال الأبرار الكرام الذين كانت شهادتهم سرجاً مضيئة وعلامات هادية لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .. }من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً{

الواقع الأليم

أمة الإسلام - خير أمة أخرجت للناس - غدت اليوم تدعو إلى الرثاء، خلافة ضائعة .. ودويلات ممزقة ضعيفة هزيلة متأخرة .. شعوب مستذلة تجهل دينها وتهمل أمر دنياها .. احتلال أجنبي لديارها .. واستغلال وسيطرة على خيراتها .. استعلاء وطغيان من أعدائها - اليهود والنصارى والملاحدة - الذين استباحوا الأرض والمال والعرض.

ويرنو البصر إلى الشرق ثم يرتد إلى الغرب، يبحث عن أثر للخلافة التي كان ينقب عنها في بلد واحد يحكم بكتاب الله فينقلب البصر خاسئاً وهو حسير. حتى تلك البلدان التي تخلصت من ربقة الاحتلال منذ عشرات السنين لم يكن حظ الإسلام فيها أفضل من حظه في تلك التي مازالت ترزح تحت الاستعمار.

نعم، حكامها وقادتها من أبنائها، ولكنهم علمانيون لا دينيون، تنكروا لشرعة الرحمن، واستبدلوا بها شرعة الشيطان .. وولوا أدبارهم للقرآن .. وذاق المسلمون على أيديهم أشد أصناف التنكيل والتعذيب .. نُحي الإسلام عن الحكم والسياسة، عن التشريع والقضاء .. عن التعليم والإعلام والثقافة .. عن الأسرة والمجتمع .. وعاد الإسلام غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء ، قال ابن تيمية في شرح هذا الحديث: ".. أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه، وقد قال تعالى: }من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم{ فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عند أولئك 

}وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا{ ؟!

رواه مسلم من حديث أبي هريرة

حيرة لابد لها من نهاية ..

يقف المسلم يتلمس سبيل النجاة، يجتهد في بحثه عن الجماعة التي تحفظ له دينه .. وتقيم شريعته. فإذاً هناك العشرات من الجماعات ترفع رايات إسلامية، وتتحدث باسم الإسلام .. وتعلن أنها تعمل لخدمته ونصرة دينه.

وكل جماعة تطرح مناهج وسبلاً تتشابه أحياناً .. وتتباين أحياناً أخرى. وتزداد الفجوة .. أي هذه الجماعات على الحق ؟

وحين يدقق النظر .. ويطيل الفكر .. تظهر الحقائق المستورة .. ويتميز الأصيل عن الدخيل ..

ففي هذه الجماعات .. من يحملون عقائد فاسدة ضالة، الإسلام برئ منها تماماً، وقد كشف علماء الأمة منذ قرون ضلالها ومروقها من الدين، كخوارج هذا العصر - جماعة التكفير والهجرة وجماعات التوقف والتبين، ومن يحملون شطحات الصوفية الضالة .. , وجماعات أخرى حسبت الإسلام شعائر نسكاً لا يزيد عنها .. فلا يخرج الدين من المحراب ولا علاقة له بنظم الحياة، ومن هؤلاء من ظن أن خدمة الدين تكون في قراءة الكتب ومذكراتها والغوص في فروع المسائل الخلافية، وليس وراء هذه الدراسة عمل أو نفع للمسلمين.

إن هذه الجماعات لا تأمر بمعروف ولا تنهي عن منكر .. ولا تنصر حقاً ولا تمنع باطلاً .. ولا يهتم أتباعها بما يقع في البلاد من فساد أو طغيان بعد أن آثروا حب السلامة والانعزال!

فأين هذا من الدين ؟

وآخرون يرتدون زي العلماء، يملأون البلاد ضجيجاً وصخباً، يصدرون الفتاوي والأحكام التي تحلل وتحرم وفق هوى الحكام .. وما يرضي الطغاة، علماء السلطة والفتنة .. يحرفون الكلام .. ويسخرون الدين لتبرير ضلالات الحكام وسيئاتهم وتأييدهم على كفرهم وفسقهم، ومنع المسلمين من محاربتهم وإسقاطهم. فهؤلاء وأمثالهم .. اشتروا الضلالة بالهدى وباعوا دينهم بعرض زائل من الدنيا، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين وعليهم وزرهم ووزر من فتنوهم وأضلوهم إلى يوم الدين

(.. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)

 وجماعة أخرى .. تبغض الإسلام وتجزئه .. ترضى ببعضه وتنكر بعضه .. تقبل من الدين ما لا نصب فيه ولا مشقة .. وما لا يعرضها لغضب حاكم أو سطوة حكومة، لهذا .. تجد أتباع هذه الجماعة يغضون الطرف .. ويضربون الذكر صفحاً عن أمر الله بالصدع وإنكار المنكر .. ويتقاعدون عن الجهاد في سبيل الله، ومحاربة الطغاة المفسدين في الأرض .. وهؤلاء تجدهم يقتاتون بما يلقيه إليهم الحاكم .. أي حاكم كافراً كان أو فاجراً، فيعملون من خلال (قنواته الشرعية) .. ويلتزمون بأمره وحكمه .. تماماً كالأحزاب السياسية التي لا تؤمن بعقيدة ولا تثبت على مبدأ !!

 هذه الجماعات الإسلامية، التي تملأ الساحة .. ابتعدت عن الحق الذي أُمرنا به، فضلت السبيل .. وحادت عن الجادة .. ووقعت في التحذير الذي حذرنا منه المولى سبحانه وتعالى في قوله }أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب{

إن أياً من هذه الجماعات لم تستطع الوقوف أمام التحديات الشديدة التي يواجهها المسلمون اليوم .. ولم يحالفها التوفيق في إزالة واقع الهزيمة الأليمة .. وما ذلك إلا لأنها تجاهلت .. وتنكرت لآيات الله ..

}يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين{    

أي اتبعوا الإسلام كله بأحكامه وشرائعه وأوامره ونواهيه .. وقوله تعالى: }كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله{، وقوله تعالى }كتب عليكم القتال وهو كره لكم{.

وقوله تعالى  كتاب يهدي .. وسيف ينصر ..

يقول تعالى: }لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب وإن الله قوي عزيز{

·        قال ابن تيمية: (فمن عدل عن الكتاب قوِم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، كتاب يهدي وسيف ينصر)

·        وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله - أن نضرب بهذا - السيف - من عدل عن هذا - المصحف -.

·                        وقال أيضاً - رحمه الله  (إذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعاً لذلك كان أمر الإسلام قائماً)

إن قيام أمر الدين لا يتحقق إلا بقوة تحميه وتدفع عنه المعتدين ومن لا قوة له .. فلا بقاء له.

ومخطئ أشد الخطأ من ظن أن إقامة دولة الإسلام .. وإحراز النصر للمسلمين قد يتحقق دون بذل وتضحية .. وجهاد ومواجهة.

مواجهة شاملة صادقة .. تشمل الإسلام كله دون انتقاص أو تجزئة .. تواجه الكفر والطغيان .. وتزيل الفساد والضلال .. تكفر بالطاغوت وتؤمن بالله وتستمسك بالعروة الوثقى ..

مواجهة قوية واعية .. تدرك حقيقة المعركة ومتطلبات الثورة الجاهلية .. ترفع السيف والسنان .. وتحمل المدفع والبندقية وتعلي راية الجهاد سبيلاً لإقامة دولة الإسلام.

وهذه الصفحات التالية تتناول: المواجهة كحقيقة شرعية .. يقرها الشرع ويأمر بها ويفرضها من وجوه أربعة ..

 

الأول : خلع الحاكم الكافر المبدل لشرع الله

الثاني : قتل الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام

الثالث : إقامة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين

الرابع : تحرير البلاد واستنقاذ الأسرى ونشر الدين

رواه مسلم

  القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية 85

القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية 208

القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، الآية 10

القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية 208

القرآن الكريم ، سورة الحديد الآية 25

ابن تيمية ، السياسة الشرعية

مجموع الفتاوي ، ج 10 ، ص 13 ، وج 20 ، ص 393

 

 

الحتمية التاريخية 

الحتمية التاريخية التي يؤكدها الصراع الأبدي بين الحق والباطل. وطبيعة الدين والحتمية الأخرى للمواجهة، إذ لا تعايش مطلقاً بين الإسلام والكفر، ولا لقاء بينهما أبداً، وطبيعة الأعداء الذين }ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا{ ثم الواقع المهزوم للجماعات التي تركت سبيل الجهاد المسلح وكلها أمور تؤكد حتمية المواجهة.

}وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{

لا تعليق !!

المواجهة حتمية شرعية

إن المواجهة ليست فكرة عابرة .. أو بدعة حادثة كما أنها ليست موضوعاً للتجربة والجدال .. وليست كلمات إثارة الحماس والعاطفة .. إن الأمر دين .. وإنها لأمانة نلقى بها الله عز وجل.

إن القتال من شرعة الإسلام .. بل أنه يمثل المعركة الحقيقية بين الحق والباطل وبين جند الطاغوت.

}الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً{

يقول ابن تيمية: (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين)

لا تعليق !!

 

أولاً : خلع الحاكم المبدل للشريعة لكفره بهذا التبديل :

إن حتمية المواجهة اليوم يقتضيها وجود حاكم مبدل لشرع الله يحكم بلاد المسلمين - كما في بلدنا مصر - وبيده مقاليد السلطة كلها والأمر والنهي وسن التشريعات والقوانين وقد رضى بما حدث ويحدث من تنحية الإسلام عن الحكم  والتشريع، وأقر بما هو قائم من تغيير وتبديل وتحريف يخالف تماماً شريعة الإسلام فعدل وزاغ عن الحكم بالقرآن وحكم المسلمين بقوانين الكفار الفجار من الإنجليز والفرنسيين ولم يرتدع أو ينتصح لدعوة العلماء والأئمة وعموم المسلمين أو زاد في طغيانه وعتوه فنصب نفسه مشرعاً من دون الله !!

}أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم{

إن هؤلاء الطواغيت .. الذين يحكمون بلاد المسلمين بغير شرعة الإسلام يجب القيام عليهم وقتالهم، ولا يصح ولا يجوز للمسلمين بحال أن يتركوهم على عروشهم في سلطانهم وطغيانهم .. أو يقروهم على ضلالهم وكفرهم مهما ادعى الواحد منهم أو زعم أنه سيطبق الشريعة يوماً ما، فإن تركه للحكم بالإسلام، وعدوله عنه وتبديله لأحكام الشريعة يوجب الكفر البواح ويخرجه عن ملة الإسلام .. والواجب على المسلمين مواجهته بالقوة .. وخلعه وتولية إمام مسلم يقوم على الأمر حاكماً بالشرع الحنيف، يسوس الدنيا بالدين .. هذه القضية رغم وضوحها وبيانها وحكم الشرع الجلي فيها، نجد الكثير ممن ينكرها ويتعامى عنها ويجادل فيها بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير !!

ومن أجل ذلك .. ولخطورة هذا الأمر وما ينتج من تأخيره أو تحريفه نسوق بعضاً من الأدلة والحجج الدامغة فيه.

بلادنا تحكم بالقوانين الوضعية .. ولا تحكم بشرعة الإسلام

يقول تعالى: }إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً{

وهذه آيات بينات محكمات في وجود الحكم بما أنزل الله ..

فهل تحكم بلادنا بشرعة الإسلام ؟

تبديل الحدود الشرعية

·                        تبديل حد الزنا :

يقول تعالى: }الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين{

وفي الصحيح أن رسول الله - أمر برجم ماعز لما أقر بالزنا فقال - "اذهبوا به فارجموه ، فرُجم" وكذلك فعل بالمرأة الغامدية التي زنت. وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن حد الزنا للبكر هو الجلد مائة جلدة، واختلف الفقهاء في أمر التغريب مع الجلد.

وأجمع جمهور الفقهاء على أن عقوبة الزاني المحصن ذكراً كان أو أنثى هو الرجم - أي قتل الزاني رمياً بالحجارة.

والإسلام يعد جريمة الزنا من أكبر الفواحش وأشدها ..

قال تعالى: }ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا{

وقال الرسول لما سئل عن أعظم الذنوب "أن تزني بحليلة جارك" وقال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"

فهذا هو حكم الإسلام في هذه الجريمة النكراء.

أما القوانين الوضعية التي تقضي بها المحاكم فهي تبيح الزنا .. بل وتشجع عليه .. وهي في ذلك تصادم الشريعة الغراء مصادمة صريحة لا لبس فيها مطلقاً.

يقول المستشار عبد القادر عودة - رحمه الله "تختلف جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية عنها في القوانين الوضعية؛ فالشريعة الإسلامية تعتبر كل وطء محرم بين رجل وامرأة لا يربطهما عقد زواج هو زنا، تعاقب عليه، سواء حدث من متزوج أو غير متزوج، بينما القوانين الوضعية لا تعاقب على الزنا إلا إذا وقع من أحد الزوجين، فإذا كان الزاني أو الزانية بكراً - غير متزوج - فلا عقوبة عليه.

وفي المادة / 273 من قانون العقوبات المصري:

"لا يجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها - فلا عقوبة على الزوجة إذا زنت بإذن زوجها ورضاه - كما يفعل القوادون والبغايا .. ولا عقوبة عليها إذا عفا عنها زوجها.

وفي المادة / 274:  "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين ولزوجها إيقاف العقوبة"

المادة / 277:  "الزوج الزاني، إذا زنى في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر"

وهكذا يتضح - جلياً - أن القانون المصري لا يحرم ما حرمه الله .. ولا يقر ما شرع الله، فجريمة الزنا لا عقوبة عليها إذا قام بها بكر - رجلاً أو امرأة - مادام ذلك بالتراضي .. والزاني المحصن لا عقوبة عليه إذا زنى خارج بيت الزوجية .. والزوجة الزانية لا تتم محاكمتها إلا برضا زوجها.

وشريعة الله في إقامة الحد - بالجلد والرجم - قد ألغيت تماماً، واستبدلت بالحبس ستة اشهر أو سنتين.

فأي محاداة لله ورسوله أشد من ذلك !!

ويكفي تبديل حد الزنا قرينة لإهدار شرعية الحكم كله.

}ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{

السياسة الشرعية ص 62

  القرآن الكريم ، سورة النساء الآية 105

القرآن الكريم ، سورة المائدة الآية 49

القرآن الكريم ، سورة النور الآية 22

الإمام الشافعي وأحمد يرون عقوبة البكر هي الجلد والتغريب . والإمام مالك يرى التغريب على الرجال دون النساء بينما الأحناف يرونه غير واجب

القرآن الكريم ، سورة الإسراء الآية 32

  متفق عليه

القرآن الكريم ، سورة المائدة الآية 44

 

تبديل حد القذف :

يقول تعالى: }والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا وأصلحوا فإن الله غفور رحيم{

والقذف هو الرمي بالزنا أو نفي النسب  وهو جريمة يعاقب عليها الإسلام بالجلد ثمانين جلدة وذلك بنص الكتاب والسنة ولا تقبل إنقاصاً أو استبدالاً من القاضي، كما أن له عقوبة تبعية وهي عدم قبول شهادة القاذف حتى تتحقق توبته.

أما القانون المصري فنجد فيه ما يلي:

المادة / 23:   يعاقب على القذف بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين، أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تزيد عن مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين !!

ولنا أن نسأل بعد ذلك ..

هل تتفق هذه العقوبة في القوانين الوضعية مع ما شرعه الله ؟

}ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون{

 

تعطيل حد الردة :

يقول تعالى: }ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{

وروى البخاري أن النبي قال: "من بدل دينه فاقتلوه" وقد أجمع الأئمة على أن عقوبة الردة هي القتل حداً: ولم يخالف في ذلك أحد من علماء الأمة ..  ولكن أين هذا الحد في القوانين الوضعية ؟

إن التشريعات الكافرة التي تطور منها القانون المصري لا تجعل تبديل الدين أو تغييره جريمة توجب العقاب !! فهذه القوانين في الأصل لا تحترم ديناً ولا تقر شرعاً .. فضلاً على أن تحترم الإسلام أو تقر شريعته .

ولذا .. لا نجد غرابة في أن يخلو الدستور المصري وقوانينه من فرض أي عقوبة للردة رغم أن المادة الثانية منه تنص على أن الإسلام دين الدولة !! فكل ما ورد في قانون العقوبات في الباب الحادي عشر من الكتاب الثاني، تحت عنوان (الجنح المتعلقة بالأديان) نص في المادة / 160 على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز الخمسين جنيهاً على كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها، أو عطلها بالعنف أو التهديد.

والمادة /116:  تعاقب بنفس العقوبات (الحبس أقل من سنة أو خمسين جنيهاً) على كل من اعتدى على أهل الأديان التي تؤدي شعائرها علناً.

ويلاحظ أن الدين المنصوص عليه في المادتين 160، 161 المشار إليهما لا يقتصر على الدين الإسلامي وإنما يشمل غيره من الأديان. ولا شك أن أقباط مصر وأتباعهم حريصون كل الحرص على إبطال حد الردة الذي يقف أمام عمليات التنصير ويحول دونها، وهذا ما يدفع حكام مصر ووزراءها إلى طمأنة النصارى دوماً والتأكيد على حرية المواطن المصري في تغيير دينه كيفما شاء !! حتى أن كبيرهم قال يوماً: إن حد الردة لن يطبق أبداً في البلاد.

تبديل حد شرب الخمر :

}يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون{

ويقول الرسول: "من شرب الخمر فاجلدوه" - وذهب جمهور فقهاء الأمة إلى أن حد شارب الخمر ثابت بالسنة والإجماع وهو الجلد، وقد تم ذلك بفضل النبي وأقواله وفعل الخلفاء الراشدين من بعده.

أما في القانون الوضعي:

يقول المستشار محمد عتيبه (لم تنهج القوانين الوضعية التي تطبق في مصر حتى الآن نهج الشريعة الإسلامية في تحريم شرب الخمر بإقامة الحد على شاربها)

ومما يسترعى النظر أن القانون لا يحظر بيع الخمور وتداولها، ولا يحظر شربها إلا في الأماكن العامة، واستثنى من ذلك الفنادق والمنشآت السياحية والأندية السياحية !! ولا يعاقب شارب الخمر إذا شربها ووجد بعد ذلك في مكان عام إلا إذا كان في حالة سكر بيَن، ويعاقب في هذه الحالة بالحبس أو الغرامة.

وقد اقترح لدى مناقشة الاقتراح بمشروع هذا القانون أمام مجلس الشعب بعرض عقوبة الجلد 80 جلدة لمن يخالف أحكام المادة الثانية من المشروع ولم يوافق على هذا الاقتراح. 

والمفهوم مما دار لدى مناقشة مشروع هذا القانون بمجلس الشعب أنه قصد به أن يكون بداية على الطريق نحو تطبيق الحدود الإسلامية.

ونقف لحظات عند هذه الحقيقية .. ننبه بها الغافلين .. فقد قدمت مشروعات القوانين الإسلامية لمجلس الشعب منذ أكثر من عشر سنوات .. ولكن المجلس لم يوافق على قوانين الشريعة الإسلامية !!

فهذه شريعة الله تقدم كي ينظر فيها أعضاء مجلس الشعب !! أيوافقون عليها .. أم يرفضونها !!

وهذا شرع الله يستفتى عليه هل يطبق أم لا !!

ثم تكون النهاية - رفض الحدود والقوانين الإسلامية.

هذه الحقيقة - رغم ألمها وقسوتها - تظهر طبيعة الحكم في مصر، وطبيعة الطغاة المتجبرين الذين يهزئون بشرع الله ويضربون به عرض الحائط.

لقد أصبحت تمثيلية مجلس الشعب هي أسخف وأحقر التمثيليات التي تمارسها الدولة ولم يعد يخدع بها سوى السذج والبلهاء.

القرآن الكريم " سورة النور ، الآية 4-5

القرآن الكريم ، سورة المائدة ، الآية 47

القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية 217

صرح حسني مبارك في إحدى خطبه سنة 1984 ، أنه لا فارق مطلقاً بين المصريين بسبب الدين فليس هنا ما يميز المسلم عن المسيحي ، فكلاهما مصري ، وسخر من مقالة أن الذمي لا ولاية له على المسلم !! وكانت وعود السادات وتصريحات زوجته وما نشرته مجلة مصر (1976 ) على لسان وزير الإعلام الأسبق عبد المنعم الصاوي في رحلاتهم بأوروبا وأمريكا ، كلها تحمل تأكيداً للبابا شنودة بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية أبداً في البلاد .

القرآن الكريم ، سورة المائدة ، الآية 90

  رواه أبو داود وغيره

محمد عتيبة ، محاضرات في الفقه الجنائي الإسلامي - 1984

 

تعديل حدي السرقة والحرابة بالحبس والسجن :

يقول الله تعالى }والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم{ 

وثبت في السنة أن النبي - أمر بقطع يد السارق والسارقة (حديث المرأة المخزومية التي سرقت فأمر رسول الله بقطع يدها) رواه البخاري.

 

·                        وفي حد الحرابة :

يقول تعالى: }إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم{

وحد السرقة في الإسلام هو قطع اليد .. وحد الحرابة هو القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي من خلاف أو النفي من الأرض - على تفصيل في كتب الفقه الإسلامي.

أما القوانين المصرية فما بينها وبين الشريعة، كما بين السماء والأرض.

فالمادة / 317 من قانون العقوبات على جنح السرقة ذات الظروف المشددة - فإن فاعلها يعاقب بالحبس مع الشغل لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

وفي المادة / 318 .. إذا كانت السرقة في ظروف غير مشددة فعقوبتها الحبس مع الشغل مدة لا تتجاوز سنتين.

أما الحرابة .. فالقانون الوضعي يقصرها على عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة!!

 

يقول المستشار محمود غراب: (إنه ليست معضلة ولا طلسماً ولا لغزاً أو معجزة أن تكون حدود الله قوانين في الأرض معمولاً بها. وإنه ظلم لأنفسنا أن لا نقول كلمة في أحكامنا مرضاة لله، وأولى بالقضاة أن يؤكدوا قول الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه: (إن الله ليذع بالسلطان ما لا يذع بالقرآن)

إننا على شفا حفرة من نار بسبب عدم الحكم بما أمر به الله، وبسبب هجر القرآن وسنة النبي - ثم قال: يا خلفاء الأرض .. يا من توقعون عن الله .. عليكم بدين الله فثبتوه، وليس هناك ما يضطركم على تطبيق ما يخالف حكم الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليكم بالقرآن، واتبعوا ما فيه }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{

وعليكم بكل حد من حدود الله فأقيموه ثم طبقوه }إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل{ .. ثم قال : إن عملية تقنين الشريعة الإسلامية استهوت الدولة فأصبحت تستقطب الجماهير الملهوفة على العيش في ظل شريعة الله بالتلويح بها، فراحت ترفع شعارات الإعزاز لشرع الله داخل مصر دون تطبيق أو تطويع لواقع مصر على شرع الله عملاً وجوهراً وفعلاً وتنفيذاً ..

 

ونسأل الدولة .. من إذاً بيده إخراج قانون منع الربا والخمور ومشروع قانون المجاهرة بفطر رمضان ومشروع قانون ترشيد ظواهر الحياة على الشواطئ والمصايف وغيرها من أحكام الإسلام المعطلة .. فمن يملك السلطة - إذاً - إذا منعتها الدولة وسلطتها الشرعية ؟!

ثم كانت هذه الكلمات الصادقة القوية ..

 أنه لا تقبل مشورة بالتمهل أو التدرج أو التأجيل في تطبيق الشريعة الإسلامية بل أن التسويف فيها معصية لله واتباع لطريق الغي والهوى ونطالب الجميع بعدم السكون أو طأطأة الرؤوس لأي وضع فيه معصية لله.

 إن القضاة لن يكونوا أبداً كعلماء الأزهر، الإسلام بينهم ينزوي وهم هاربون متهربون من أداء رسالتهم أو الإفصاح عنها بإنزال حكم الله في كل ما يعرض عليهم أو على الدولة من أمور. فلا هم أدوا الرسالة، وأعلوا كلمة الحق .. ولا هم تركوا مراكزهم شاغرة، يتولاها من هم أقدر منهم على أدائها بلا خوف .. إلا من الله.

القرآن الكريم ، سورة المائدة ، الآية 44

القرآن الكريم ، سورة النساء ، الآية 58

الحكم في مصر يعطل شرائع الإسلام :

إن قضية الإسلام المغيب لا تقتصر على الحدود المبدلة فحسب .. فالحرب على الإسلام تعدت وتخطت هذه الجريمة .. فشملت مختلف جوانب الدين .. من الحدود والمعاملات والنظم إلى الشعائر والمعتقدات والسلوكيات.

فالحكومات العلمانية المتعاقبة على حكم البلاد تبذل قصارى جهدها لتحريف هذا الدين .. وتعطيله وتبديله، وتضييق الخناق عليه حتى يظل حبيس المساجد .. فيخفت صوته .. وتشتد غربته .. ويضيع أثره وحكمه .. فلا دين في المعاهد والجامعات .. ونظم التعليم والثقافة .. ولا دين في الإعلام والسياحة .. والتجارة والصناعة .. ولا دين في نظام الحكم والتشريع .. والسلوك والقيم .. ولا دين في السياسة .. ولا سياسة في الدين.

}كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً{

ترك الحكم بشرعة الإسلام والحكم بالقوانين الوضعية كفر بواح ..والحاكم الذي يحكم بالقوانين الوضعية كافر مرتد

}فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً{

 

يقول د. محمد نعيم ياسين .. تحت عنوان "نواقض الإيمان" لذا كان توحيد الله في عبادته موضوع الامتحان للعباد في هذه الحياة. قال تعالى: }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{

ومن هنا يتضح أن شهادة أن لا إله إلا الله يناقضها أمران:

الأول: نفي استحقاق الخالق لأن يعبد بأي نوع من أنواع العبادة

الثاني: إثبات هذا الاستحقاق لأي مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فكل قول أو تصرف أو اعتقاد يتضمن أحد هذين الأمرين يدخل صاحبه في الكفر والردة .. ويكفر من ادعى أن له الحق في تشريع ما لم يأذن به الله بسبب ما أوتي من السلطان والحكم، فيدعي أن له الحق في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، ومن ذلك وضع القوانين والأحكام التي تبيح الزنا والربا وكشف العورات أو تغيير ما جعل الله لها من العقوبات المحددة في كتاب الله أو في سنة رسوله، أو تغيير المقادير الشرعية في الزكاة والمواريث والكفارات والعبادات وغيرها مما قدره الشارع في الكتاب والسنة.

ويدخل في الكفر من يؤمن بهذه الطواغيت - ويعترف لها بما ادعته من حقوق الألوهية .. قال تعالى: }فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم{

فإذا قام حاكم ينتحل الحق في إصدار تشريعات مناقضة لما هو ثابت في الكتاب والسنة، يحلل ما حرم الله أو يحرم ما أحله سبحانه كفر وارتد عن دين الله القويم لأنه يعتقد بذلك أنه يسعه الخروج عن شريعة الإسلام بما يشرع للناس ومن اعتقد ذلك كان من الكافرين

القرآن الكريم ، سورة الكهف ، الآية 5

القرآن الكريم ، سورة النساء ، الآية 65

القرآن الكريم ، سورة الذاريات ، الآية 56

القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية 256

  محمد نعيم ياسين ، كتاب الإيمان : اركانه - حقيقته - نواقضه ، نقلاً عن : محمد بن عبد الوهاب ، نواقض الإسلام

 

يقول تعالى: }أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{

قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (ينكر الله على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم "الياسق" - وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، ومنها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه لا في قليل ولا كثير)

  القرآن الكريم ، سورة النساء الآية 80

تفسير ابن كثير ، ج2 ، ص 67

 

وأورد الإمام ابن كثير نصوصاً من هذا القانون الوضعي - الياسق - الذي ابتدعه جنكيز خان في القرن السابع الهجري وحكم به المسلمين ثم حكم به أبناءه الذين أسلموا من بعده وأوضح ابن كثير المخالفات الكثيرة في أحكام الياسق في الحدود والأموال والمعاملات التي تخالف حكم الله ثم عقب على ذلك بقوله .. (فمن ترك الشرع المحكم، المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين)

 

 يقول الشيخ "أحمد شاكر" في تعليقه على تفسير ابن كثير لآية: }أفحكم الجاهلية يبغون{

(أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس من تشريعات أوروبا الوثنية الملحدة لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها ؟ إن المسلمين لم يبلوا بهذا قط فيما نعلم من تاريخهم إلا في ذلك العهد عهد التتار – ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً وظلاماً منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شئ بذلك الياسق) .. ثم يقول:

(إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينسب للإسلام كائناً من كان في العمل أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر كل امرؤ نفسه وكل امرئ حسيب نفسه)

  ابن كثير ، البداية والنهاية ، ص 218 الفكر العربي

القرآن الكريم ، سورة المائدة العدد 50

أحمد شاكر ، عمدة التفاسير ، سورة المائدة ج4 ص 171 ، توفي سنة 1958

 

ونفس المعنى يؤكده الشيخ يوسف العلم في تعليقه على تفسير ابن كثير فيقول: (ألا يصور هذا واقع ديار الإسلام اليوم فكم من ياسق فيها وكم من جنكيز خان حيث وضع كل قائد شرعة واتخذ كل بلد ميثاقاً يحكم إليه بدل القرآن أليس هذا هو الضلال بعينه الذي أشار إليه ابن كثير رحمه الله)

وقال الشيخ حامد الفقي - رحمه الله - في تعليقه على قول ابن كثير السابق: (ومثل هذا وشر منه من اتخذ من كلام الفرنجة يتحاكمون إليها في الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها)

اسماعيل الكيلاني ، فصل الدين عن الدولة ، ص 234

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 396

وقد نقل الإجماع أيضاً الإمام اسحق بن راهوية فقال رحمه الله: (أجمع المسلمون أن من سب الله ورسوله أو دفع شيئاً مما أنزل الله أنه كافر مرتد بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله)

 يقول المستشار عبد القادر عودة - رحمه الله (ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر في عصرنا الحاضر الامتناع عن الحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً منها، والأصل في الإسلام أن الحكم بما أنزل الله واجب، وأن الحكم بغير ما أنزل الله محرم)

ابن تيمية ، الصارم المسلول على شاتم الرسول

عبد القادر عودة ، التشريع الجنائي ، ج 2 ص 709 ، وحكم عليه بالإعدام سنة 1954

ونختم هذه الأدلة القاطعة بمسك الختام:

قول فضيلة الشيخ الأستاذ عمر عبد الرحمن أستاذ التفسير بكلية أصول الدين - جامعة الأزهر - في كلمته التاريخية أمام محكمة أمن الدولة العليا سنة 1983 حيث حوكم (كأمير لتنظيم الجهاد والمتهم الأول في القضية) يقول فضيلته:

"… وبعد فإن الحكم بالقوانين المستوردة من دول الكفر والتي وضعها بعض رجال القانون في البلاد الإسلامية، ولا سيما في المواد التي هي صريحة في مخالفة الكتاب والسنة، كفر لا ريب .. وضلال لا يرقى إليه شك، فإباحة الربا وممارسة الزنا، وإلغاء الحد على شارب الخمر والزاني والسارق والمحارب ونحو ذلك، وكذا يكفر من يتحاكم إلى ذلك القانون راضياً به .. فلينتبه المسلمون ويراجعوا أنفسهم ويحاسبوها على هذه المخالفات الصريحة وإعلانهم لفصل الشريعة عن الحكم والسياسة وأنها تختص بالأحوال الشخصية فقط !! فإن هذا كفر لا ريب فيه، بل يجتمع في هذا الكلام كفر، إن فصل الدين عن السياسة كفر، وتشريع ما لم ينزل به الله سلطاناً كفر آخر .."

قضية الجهاد - حيث حوكم 302 متهماً على رأسهم عمر عبد الرحمن بتهمة تأسيس تنظيم سري مسلح لقلب نظام الحكم في البلاد والقيام بثورة إسلامية مسلحة بغرض إقامة دولة إسلامية .. وعقدت المحاكمة بتاريخ 4/12/1982 حتى 30/9/1984

 

الحاكم المستبد الكافر يجب على المسلمين القيام عليه وقتاله .. وخلعه:

يقول تعالى: }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{

عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه قال: (دعانا رسول الله  فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله. قال: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" .. وفي رواية "كفر بواحاً"

 قال النووي في شرح هذا الحديث: (قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه كفر وانعزل وقال كذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها).

قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج من حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر)

 يقول الشيخ أحمد بن عتيق النجدي (قال تعالى: }أفحكم الجاهلية يبغون{ قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها "شرح الرفاقة" يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله - ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله)

 يقول د. صلاح دبوس .. باب أحكام عزل الخليفة:

(وكذلك استبعاد ولي الأمر أو الخليفة من توطين الحياة العامة والخاصة للجماعة وكل صورة تشابهها ويمكن أن ينتهي منها المسلم العادل إلى الحكم بكفر الخليفة، لأن الرسول أمر المسلمين بطاعة ولاة أمورهم ما لم يروا منهم كفر بواحاً لقوله في حديث عبادة بن الصامت "إلا إذا تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان" ولا تثار هنا فكرة الفتنة إذ لا فتنة أكبر من ظهور كفر الخليفة "أو ولي الأمر أو استبعاد الإسلام من حياة الجماعة" )

 

 وتتجه كلمات د . على جريشه بوضوح تام نحو الهدف فيقول تحت عنوان (نحو نظرية محكمة للخروج إزاء نظام غير شرعي):

أما إذا بلغ الأمر حد الكفر البواح فلا محل للصبر ولا مناص من الخروج ويتحقق الكفر البواح في رأينا في نظام إذا تحقق فيه أحد أمرين:

·         أن يعدل عن شرع الله فيمتنع عن إقامته، ويجعل من دون الله آلهة أخرى يطيعها من دون الله بتنفيذ نظامها وشرعها.

·         أن يعدل بشرع الله شرعاً آخر، فيجعل له نفس مرتبته ونفس قوته فلا يجعل الشرع ابتداء لله وحده بل يجعل معه آلهة أخرى يطيعها مع الله بإقامة شريعتها.

وفي قضية العصر .. قضية الإسلام في مصر .. وقف فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل يدلي بشهادته أمام محكمة أمن الدولة العليا في قضية الجهاد في مايو 1983 .. قال: "قد أجمع الفقهاء سلفاً وخلفاً على أن الإمامة - أي رئاسة الدولة - لا تنعقد لكافر وأجمعوا كذلك على أنه لو طرأ على رئيس الدولة وجب عزله وأصبح الناس في حل من بيعته"

وثيقة ملخصة لكتاب (أصناف الحكم وأحكامهم)

القرآن الكريم ، سورة الأنفال الآية 39

متفق عليه

صحيح مسلم شرح النووي ج 12 ص 229

مجموعة التوحيد ص 306

كتابة الخليفة ( توليته وعزله ) د. صلاح دبوس - الأستاذ بكلية حقوق إسكندرية ص 373

بحث أحوال الحكام ، وفيه تفصيل هام لحكم الشرع في الحاكم الكافر المبدل

للشيخ عمر عبد الرحمن، سنة الإصدار 1982

أولاً : الحاكم الظالم أو الفاسق

يرى د. عبد الرحمن في مؤلفه (أصناف الحكام وأحكامهم) أن خلاصة القول في الحاكم الظالم أو الفاسق ما يلي:

·         لا يجوز عقد الولاية لفاسق

·         إذا انصب الوالي عدلاً ثم جار أو فسق

فمن العلماء من قال: تستدام ولايته ولا يعزل

ومنهم من قال: تتفسخ ولايته ولا يعزل

أما الخروج عليه، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:

منهم من منع ذلك مخافة الفتنة المترتبة على الخروج، وهذا هو رأي الجمهور، وقد ادعى أبو بكر ابن مجاهد الإجماع على ذلك.

 ومنهم من قال بقياس المفسدتين؛ المفسدة الحاصلة ببقائه على جوره وفسقه أو المفسدة المتوقعة من جراء الخروج عليه وعزله. وندفع الأعظم منهما بتحمل الأدنى.

إذا خرج على الوالي الجائر من هو أعدل منه، فلا يعد الخارج باغياً بحال.

اجمع العلماء على أن الوالي أو الخليفة تستوفى منه حقوق العباد كالقصاص.

كما أجمع الجمهور على أنه تقام عليه الحدود إذا أتى ما يوجب الحد، ومنع أبو حنيفة من إقامة الحد لتعذر ذلك.

 

ثانياً : الحاكم المبتدع

·         يرى د. عمر عبد الرحمن في أن خلاصة القول في الحاكم المبتدع ما يلي:

 ذهب الجمهور إلى أنه لا تنعقد الإمامة لمبتدع، فلو طرأت عليه بدعة انعزل، ووجب القيام عليه عند القدرة على ذلك.

·         بينما لا يرى الإمام أحمد نزع اليد من طاعته ولا يقول بالخروج

·         ويذهب كثير من علماء البصرة إلى أن البدعة لا تمنع من انعقاد الإمامة، ولا من استدامتها.

·         أما البدعة المؤدية إلى صريح الكفر، فالحكم الداعي إليها حكمه حكم الكافر. انعقد الإجماع على عدم انعقاد الولاية له، وإذا طرأت عليه وجب الخروج عليه كما سيأتي إن شاء الله.

 

ثالثاً : الحاكم الكافر

يرى د. عمر عبد الرحمن أن خلاصة القول في الحاكم الكافر أنه قد أجمعت الأمة على أن الإمامة لا تنعقد لكافر .. فلو طرأ على الوالي أو الخليفة كفر سقطت طاعته وخرج عن حكم الولاية ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل …

 

رابعاً : الحاكم المستبدل

يرى د. عمر عبد الرحمن أن خلاصة القول في الحاكم المستبدل ما يلي:

استبدال الشرع كفر في أي مجال من المجالات .. وبأي صورة من الصور .. وتحت أي دعوى من الدعاوي .. قليلاً كان أو كثيراً . بتحليل الحرام .. أو تحريم الحلال .. أو تعطيل بعض الشرع .. أو تغيير العقوبة. وأشنع صورة: استبدال مصدر استخراج الأحكام كأن يجعل مرد الأمر إلى الدستور بدلاً من القرآن والسنة.

القوانين الوضعية كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة.

الحاكم المستبدل إذن لدى عمر عبد الرحمن "كافر يجب قتاله .. حتى يرجع إلى حكم الله … فلا يحكم سواء في قليل ولا كثير .. أو يخلع"

خامساً : الحاكم الذي يترك الحكم بما أنزل الله

يرى د. عمر عبد الرحمن أن خلاصة القول في الحاكم الذي يترك الحكم بما أنزل الله في واقعة عصياناً الآتي: "ترك الحاكم المسلم الحكم بما أنزل الله في واقعة أو أمر على سبيل الجحود والنكران أو على سبيل الاستبدال فهو مسلم عاص ليس بكافر. أما أقوال العلماء في الخروج عليه فهي أقوالهم في الخروج على حكم الحاكم الجائر .. فحكمه حكم الحاكم الجائر" 

ونختم المقال بهذه الكلمات الجامعة لفضيلة الشيخ عمر عبد الرحمن: في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر برئ، ومن أنكر مسلم، لكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم، قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإقامة الصلاة كناية عن الدين واتباع منهج رسوله والحكم بما أنزل الله والتحاكم إلى شريعة الله، وقد أجمع المفسرون والمحدثون على عدم طاعة أولي الأمر في المعصية، كما أجمعوا على وجوب الخروج عليهم.

وفي فتح الباري لابن حجر: وينعزل الأمير بالكفر إجمالاً ويجب على كل مسلم القيام بذلك. وقال القرطبي: قال أبو حنيفة إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وبطل كل حُكم حَكم به.

وكذا قال ابن قدامة في الرشوة: قلت - أي الشيخ عمر - إذا كان الحاكم بسبب الرشوة يفسق ويعزل ويبطل كل حُكم حَكم به، فما بالك بحاكم ارتكب جميع الموبقات وعطل كل شرائع الله.

حاكم ارتكب الموبقات، وعطل شرائع الله ..

حاكم يحكم بغير كتاب الله .. وقد كفر بذلك وارتد .. وحكم الشرع والدين واضح جلي .. وجوب الخروج عليه وقتاله وخلعه ..

فهي إذن .. دعوة للقتال ..

قتال كل حاكم كافر مبدل للشريعة .. قتال يقوم بأمر الله وأمر رسوله }انفروا خفاقاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله{

وهذه هي الحتمية الشرعية الأولى للمواجهة .. نعلنها بكل صدق وقوة ويقين .. وندرك تبعاتها ومشتقاتها ..

إن قيام دولة الإسلام لا يتحقق إلا بزوال دولة الباطل كما أن إسقاط نظام الحكم القائم واجب لا يسع المسلمين تركه وما قام به خالد الاسلامبولي وإخوانه هو خطوة على هذا الطريق .. ولابد أن تتبعها خطوات وخطوات ..

وسنظل على الدرب سائرين .. حتى يتحقق وعد الله بالنصر والتمكين .. أو نلقى الله شهداء غير مبدلين.

}من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً{

 

الحتمية الشرعية الثانية للمواجهة .. وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام وإن أقرت بوجوب ما امتنعت عنه ونطقت بالشهادتين.

·        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أجمع علماء الأمة على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضة أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر والزنا والميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها والتي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء" وقال: "فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن شريعة من شرائع الإسلام وإن تكلم بالشهادتين" قال تعالى: }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله{ قال ابن تيمية: "والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله"

·        قال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله{ قال القاضي ابن العربي المالكي معلقاً على الآية: "فإن قيل ذلك فيمن يستعمل الربا، قلنا نعم وفيمن فعله فقد اتفقت الأمة على أن من يفعل المعصية يحارب كما لو اتفق أهل بلد على العمل بالربا وعلى ترك الجمعة والجماعة"

·        وفي هذه الآية يقول ابن تيمية: "هذه الآية نزلت في أهل الطائف وكانوا قد اسلموا وصلوا وصاموا، ولكن كانوا يتعاملون بالربا فأنزل الله هذه الآية وأمر المؤمنين فيها بترك ما بقي من الربا وقال: }فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله{ .. والربا آخر المحرمات التي هي أسبق تحريماً وأعظم تحريماً.

قال ابن تيمية: "أية طائفة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله" وتستعمل الكلمات لها لتعلن هذا الحكم الشرعي في بحث (حكم الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام) والمقدم لقضية محكمة أمن الدولة العليا تحدياً لهم .. وتنطلق الكلمات الصريحة قوية مدوية لتزيح ستار الكتمان عن هذا الحكم الشرعي - أيما طائفة ذات شوكة تمتنع عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة الواجبة فإنها تقاتل عليها وإن كانت مقرة بوجوب ما امتنعت عنه، وإن كانت مسلمة تنطق بالشهادتين.  ومن أعان هذه الطائفة قوتل كقتالها، ومن خرج في صف هذه الطائفة مكرهاً قوتل أيضاً .. ويبعث يوم القيامة على نيته. وقتالها واجب ابتداء وإن لم تبدأ هي بالقتال. ولا يكف المسلمون عن قتالها حتى تلتزم شرائع الإسلام التي تركتها ويستوثقون من ذلك. والمسلمون مأمورون بقتال هذه الطائفة وإن لم يكن لهم - أي للمسلمين - إمام ممكن يقاتلون تحت رايته، بل هم مأمورون بقتالهم، وإن كان حكام بلادهم رؤساء هذه الطائفة الممتنعة

وقتال هذه الطائفة ليس من جنس قتال البغاة.

 فالبغاة خارجون من طاعة الإمام أو خارجون عليه بتأويل. أما هذه الطائفة فإنها خارجة عن الإسلام، أي عن شرائعه بمنزلة مانعي الزكاة والخوارج.

القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 41

ابن تيمية ، مجموع الفتاوي

ابن تيمية ، السياسة الشرعية ص 14

  القرآن الكريم ، سورة الأنفال الآية 39

ابن تيمية ، مجموع الفتاوي

القرآن الكريم ، سورة البقرة الآيتان 278-279

ابن العربي ، أحكام القرآن ، سورة البقرة ج 2 ص 596

ابن تيمية ، مجموع الفتاوي

وهذه الطائفة لا تكفر طالما أنها لم تجحد وجوب ما امتنعت عنه، أما إذا جحدوا فقد صاروا بالجحود مرتدين يقاتلون كقتال المرتدين ولا يكف المسلمون عن قتالهم حتى يعودوا إلى دينهم أو يقتلوا عن آخرهم.

إن الشرع الحنيف يأمر بقتال أي طائفة تمتنع عن أي شريعة من شرائع الإسلام: عن الصلاة أو الزكاة أو الحج أو عن التزام تحريم الخمر أو الربا أو الميسر أو التي تعطل حدود الله وأحكامه.

 

إن اتفاق العلماء على قتال من ضيع شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، ولا ندري ما كانوا يقولون لو عرض عليهم من يمتنعون عن شرائع الإسلام كلها أو أكثرها.

إن المقصود عن هذا الجهاد هو التهلكة التي حذر منها القرآن، ولا خلاف في جهاد من منع بعض شريعة الله وأولي به من منع كل شريعة الله.

إن امتناع الطوائف الحاكمة لبلادنا عن شرائع الإسلام أظهر من أن يذكر ويسهب فيه.

سئل ابن تيمية عن بلدة اسمها (ماردين) عامة أهلها مسلمون وحكامها خارجون عن شرائع الإسلام؟

فأفتى بأنها "دار مركبة" يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. لعمر الله فكأنه يفتي في بلادنا.

إن هذه الطائفة التي تعاون الحاكم على كفره وتعطل شرع الله وتمتنع عن الحكم بكتابة وإقامة حدوده .. وتقف لديه بالمرصاد .. وتمنع المسلمين من إقامة الدين في الأرض.

هي، وكل من وقف في صفها يحميها ويذود عنها، كلهم جميعاً قد حكم الإسلام بوجوب قتالهم وإن أقروا ما امتنعوا عنه .. وإن صلوا وصاموا وادعوا أنهم سيقومون بتطبيق شريعة الإسلام يوماً ما

فإما أن يعودوا ويلتزموا شريعة الإسلام كاملة، ويتحول إقرارهم إلى التزام حقيقي .. وإما أن نعزلهم عن القيادة، ونقصيهم عن السيادة .. حتى يتواروا .. ويتولى المسلمون قيادة البلاد والعباد والحكم بكتاب الله.

 

وقديماً .. أفتى ابن تيمية في التتار أنهم يقاتلون لامتناعهم عن بعض شرائع الإسلام، وقد كان عامة جند التتار مسلمين، وكان حكامهم قد أعلنوا إسلامهم، ولكنهم حكموا بالياسق .. وعطلوا الحكم بشرائع الإسلام. فأفتى ابن تيمية بوجوب قتالهم قال: ".. وعندهم من الإسلام بعضه، هم متفاوتون فيه لكن الذي عليه عامتهم والذي يقاتلون عليه متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام أو أكثرها"

 

إن الحديث عن الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام هو حديث دماء وقتال .. ومواجهة لا محيد عنها. فبعد أن أقيمت الحجة والبرهان .. وعجزت الدعوة والموعظة والبيان .. واستأسد الطغيان .. لم يعد هناك جدوى لأي صوت سوى صوت طلقات الرصاص .. ودمدمة المدافع .. ودوي القنابل نعم إنه القتال .. القتال الذي أُمرنا به .. والجهاد الذي لا بديل عنه .. إنها المواجهة المسلحة التي قادها .. ويقودها رجال }رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. فمنهم من قضى نحبه .. ومنهم من ينتظر .. وما بدلوا تبديلاً{

 "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا تحبون انتم أيضاً بعضكم بعضاً بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض"

   "  لا تدينوا لكي لا تدانوا  لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم

ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يامرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك. وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك."

تفاصيل هذه الأحكام في بحث ( الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام ) الذي أعدته الجماعة الإسلامية

أي اجتمعت فيها معاني الإسلام لكون أصلها مسلمين ، والكفر لكونها تحكم بغير شرع الله

ابن تيمية ، مجموع الفتاوي  ج 28

القرآن الكريم سورة الأحزاب الآية 23

الكتاب المقدس ، إنجيل يوحنا 13 : 34 - 35

الكتاب المقدس ، إنجيل متى 7 : 1 - 5

الحتمية الشرعية الثالثة للمواجهة:

وجوب تنصيب خليفة للمسلمين .. وإقامة الخلافة الإسلامية.

إن شمولية الإسلام تعني بداهة تنظيم شؤون الحياة كلها على أساس من الدين، ولا شك أن نظام الدولة أو الحكم هو ما يسمى في الإسلام بالخلافة وهو ركن أساسي لم تغفل عنه الشريعة الغراء.

قال تعالى: }وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة{

·        وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر - قال رسول الله: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"

·        قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام لدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس .. فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة إلى الله، فإن التقرب إليه بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرئاسة أو المال بها"

·        قال ابن حزم: "اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة والخوارج والشيعة على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانتباه إلى إمام عادل يقيم فيها أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول الله"

وقد حدد العلماء شروط الإمامة:

ذكراً .. حراً .. بالغاَ .. عاقلاً .. مسلماً .. مجتهداً .. بصيراً .. سليم الأعضاء .. خبيراً بالحروب .. قرشياً - على الصحيح.

وفي ذلك تفصيل ليس في محله.

ركز الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام اتفاق العلماء على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع.

والخلافة - نظام الحكم الإسلامي - يقوم على دعامتين .. العدل والشورى.

وهو يختلف عن أي نظام حكم في العالم، قد يتشابه في بعض فروعه .. أو جزئياته .. ولكنه ككل يختلف عن غيره اختلافاً جوهرياً.

فالإمامة في الإسلام موضوعة لخلافة النبوة، في حراسة الدين وسياسة الدنيا. كما عرفها الفقهاء وكما أوضح ذلك أبو بكر الصديق لمن ناداه يا خليفة الله، فقال لست خليفة الله، ولكن خليفة رسول الله.

والخليفة في الإسلام مهمته وراثة النبوة، بإقامة أحكامها ويجمع في ذلك أمرين:

الأول : إقامة أحكام الدين .

الثاني : سياسة الدنيا بالدين .

لكننا لم ننس

إذا كان المسلمون قد نسوا الخلافة .. وأصبحت لديهم تاريخاً يحكى .. وقصصاً تروى .. فإننا لم ننس .. وإذا كان الأعداء قد أسقطوها .. وحفروا لحدها .. فإننا لم ننس ..

وإذا كان الطريق إليها طويلاً وشاقاً .. تواجه فيه الصعاب والأهوال

فإننا لم ننس .. ولن ننسى ..

وسنمضي .. ولن يتزعزع إيماننا قط

إن خلافتنا ستعود ..

ستعود على منهاج النبوة ..

ستعود لتقود العالم من جديد ..

بعز عزيز أو بذل ذليل .. عزاً يعز الله به الإسلام

وأهله .. وذلاً يذل به الشرك وأهله.

القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية 30

  رواه مسلم

  ابن تيمية ، السياسة الشرعية ص 161

  الفصل في الملل والنحل ج 4 ص 106

الحتمية الشرعية الرابعة للمواجهة

وجوب تحرير بلاد المسلمين المغتصبة.

وجوب استنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الأعداء.

وجوب الجهاد لنشر الدين.

}فليقاتل في سبيل الله الذين يشترون الحياة بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً. وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً{

 

·        قال القاضي ابن العربي: "وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل إذا تعين الجهاد على الأعيان بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فيجب على كافة الخلق الجهاد والخروج إليه، فإن قصروا عصوا"

·        قال الإمام ابن قدامة: "إذا نزل الكفار ببلد المسلمين تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم، ولم يجز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل والمكان والمال، ومن يمنعه الأمير من الخروج .. لقوله تعالى: }نفروا خفافاً وثقالاً{ ولأنهم في معنى حاضر الصف فتعين عليهم كما تعين عليه"

 

قال تعالى: }وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين{

إن المسلم لا ينفك عن الجهاد في سبيل الله، في جميع أحواله، والأمر بالجهاد وذكر فضائله وثوابه في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر، بل لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها - كما يقول ابن تيمية رحمه الله - مثل ما ورد فيه، إذ أن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا ويشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة مثل محبة الله والإخلاص له والصبر والزهد، والقائم به بين إحدى الحسنيين دائماً إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة"

وفي الصحيحين: "سئل رسول الله أي العمل أفضل ؟

 قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيله. قيل: ثم ماذا ؟

قال: حج مبرور"

إن ما أصاب المسلمين من ذل وهوان .. وضياع الديار .. وتسلط الكفرة الفجار لم يكن إلا بسبب تركهم الجهاد والقعود على القتال، وهذا من العذاب الذي يوعد به الله تعالى تاركي الجهاد }ألا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً{

قال الإمام ابن العربي المالكي في تفسيره: "في هذه الآية تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفير والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا، أما العذاب في الدنيا فهو باستيلاء العدو على الديار والبلاد .. وفي الآخرة عذاب النار وبئس المصير"

يقول تعالى: }وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم{

 

هذه الفروض الشرعية الواجبة على المسلمين؛ تحرير البلاد الإسلامية المغتصبة، وإنقاذ الأسرى والجهاد لنشر الدين - ما الذي يمنع المسلمين عنها ؟ هل يمكن أن يقوم بها نظام الحكم في مصر ؟

وبشيء من التفاصيل ..

 

·   هل يمكن أن تعد مصر جيشاً يخرج لاسترداد البلاد الإسلامية المغتصبة التي لوثها الكفار المحتلون بدءاً بفلسطين ولبنان ومروراً بالهند وأفغانستان حتى جزر الفلبين؟

·         هل يمكن للحكومة المصرية أن تتقدم لإنقاذ أسرى المسلمين وتبذل في سبيل ذلك الأموال والأنفس؟

·   هل يمكن في ظل الحكم الحالي أن تجيش جيوش ترفع راية التوحيد، تغزو العالم باسم الله وفي سبيل الله تنشر الحق والعدل وتقيم فرض الجهاد؟

إن أي عاقل لن يجد سوى النفي إجابة لما سبق. والأمر واضح لا يحتاج لمزيد من الإسهاب.

إن الحكم العلماني في مصر لا يحترم الإسلام وشرعه، ولا يقيم اعتباراً لفرائضه وأوامره - مهما ادعى المنافقون والجهلاء وغير ذلك.

 

كيف يقاتل جيش مصر في سبيل الله وقادته وحكومته تبارز الله بالمعية !!

كيف ننقذ أسرى المسلمين وسجون مصر ممتلئة بهم .. تزخر بالمؤمنين المتقين والمجاهدين المخلصين !!

كيف تحارب مصر أعداء الله - اليهود .. وقد أقامت معهم معاهدات الصلح، وفتحت لهم البلاد .. وتمت الخيانة البشعة لمسلمي فلسطين المعذبين ؟! شتان بين ما يفرضه الإسلام وبين واقع الحكم في بلدنا !

ثم لنكن صرحاء ..

إن الحديث عن فلسطين وأفغانستان وغيرهما لا يزيد عن أن يكون حديث الضعفاء والعاجزين والواهمين

إنه حديث يثير الأسى والشجون ولا يتعدى ذلك بحال ..

إنه حديث من لا يملك يعزي نفسه ويصبرها ..

وتلك الكلمات حين تصدق لا تزيد عن شعارات وحماس .. سرعان ما تنطفئ أمام واقعنا الأليم.

فلنكن صرحاء .. ولنصدق القول مع أنفسنا ..

إن الطريق يبدأ بمصر

ولابد أن تتحرر مصر من سيطرة العلمانيين الفجار   ولابد أن تتحرر مصر من تبعية اليهود والنصارى

ولابد أن تعود مصر إلى حكم المسلمين   وتعود حاضنة عمرو بن العاص  وقلعة صلاح الدين الأيوبي

وحينئذ ..لن يقف أمامنا يهود أو نصارى أو ملاحدة

}ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .. ينصر من يشاء .. وهو العزيز الرحيم{

  القرآن الكريم ، سورة النساء الآيتان 73-74

  ابن العربي ، أحكام القرآن

  ابن قدامة ، الكافي

  القرآن الكريم ، سورة التوبة الآية 39

  القرآن الكريم ، سورة الأنفال الآية 60

سورة الروم ، الآية 1 و الآية 5

الفصل الثامن

جماعة الجهاد

 مقدمة

جماعات الجهاد الإسلامي: كيف .. ولماذا ؟

 

لا جدال أن ساحة العمل الإسلامي في مصر قد شهدت طيلة الفترة (1970-1987) العديد من الظواهر الاجتماعية والسياسية والفكرية الجديدة والهامة، ولقد توافر على خلق هذه الظواهر العديد من القوى والتنظيمات الإسلامية ذات التوجهات المختلفة .. والمتباينة أحياناً في نطاق التعامل السياسي سواء مع المجتمع أو سلطاته الحاكمة.

وتأتي (جماعات الجهاد الإسلامي) في مقدمة هذه التنظيمات، وهي جماعات بدأت في الظهور منذ عام 1958 على أيدي قيادة إسلامية غير معروفة آنذاك هي: "نبيل البرعي" الذي رفض أطروحات الإخوان المسلمين وقتها، بل وتجاوز أطروحات الشيخ سيد قطب، الذي مثل الأب الروحي الحقيقي لقوى الرفض الإسلامي بعد عام 1965 وحتى يومنا هذا.

إن (نبيل البرعي) الذي تعود إليه البدايات الحقيقية لحلقات أو لجماعات الجهاد الإسلامي، تجاوز ما وضعه الشيخ "سيد قطب" وانطلق عدواً تجاه التراث الاحتجاجي في الإسلام، وأخذ من ابن تيمية نقطة انطلاق ومنارة تنظير. واستمر معه الحال حتى وصل حلقات جهادية أخرى كان من أبرز قيادتها (حسن الهلاوي، إسماعيل الطنطاوي، علوي مصطفى، يحيي هاشم) وغيرهم من الأسماء.

إلى أن جاءت أخطر وأبرز وأهم بداية موسعة لتكوين (تنظيم) أو (جماعة) للجهاد في مصر خلال القرن الحالي وهي جماعة الفنية العسكرية بقيادة د/ صالح سرية الفلسطيني الأصل وذلك عام 1974، وظل د/ سرية، رمزاً ثابتاً وقدوة متقدة ظلت تلقى بإشعاعاتها العقائدية والسياسية على كافة جماعات الجهاد الإسلامي التي ظهرت بعد عام 1974، إلى أن جاءت ثاني أكبر جماعة للجهاد الإسلامي بمصر،  والتي فاقت جماعة د/ سرية تنظيمياً وعدداً، بل وتطوراً فكرياً؛ وهي جماعة محمد عبد السلام فرج (1979 – 1981) والتي تشكلت من عدة آلاف من شباب الجماعات الإسلامية بالجامعات المصرية وخارجها، وامتدت فروعها في غالبية محافظات مصر. وكان من أبرز قادتها: عبود الزمر، المقدم بالقوات المسلحة المصرية، وناجح إبراهيم، وعصام الدين دربالة، وعاصم عبد الماجد وكان من نصيب هذه الحلقة من حلقات الجهاد اغتيال السادات ظهر الثلاثاء 6/10/1981.

 

وجاءت أعوام ما بعد 1981 فشهدت اتساعاً هائلاً لخريطة الانتشار الجغرافي والسياسي (لجماعة الجهاد الإسلامي) الأم، والتي تشرذمت إلى عدة جماعات، وتنظيمات صغيرة بعد أن ضُرب بناؤها المركزي عام 1981 بعد اغتيال السادات مباشرة وكنتيجة منطقية أيضاً للتعذيب البدني المركز الذي مارسته أجهزة الأمن بعد عام 1981 ولسيادة فلسفة التخطيط المباحثي القائم على الإجهاض المبكر لتنظيمات الجهاد وهي الفلسفة التي أرسى دعائمها اللواء حسن أبو باشا منذ أن كان مساعداً لوزير الداخلية لمباحث أمن الدولة وحتى أضحى وزيراً للداخلية، فوزيراً للحكم المحلي، ولذا كان طبيعياً أن تطاله أيدي إحدى هذه الحلقات التي تشرذمت، فجاء تشرذمها وبالاً على من خطط ونفذ لهذا النمط من التشرذم التنظيمي المكلف والمستنزف لأجهزة الأمن (وهي جماعة "الناجون من النار")

هذا هو واقع اليوم بالنسبة "لجماعات الجهاد الإسلامي" إذ أنها لا تقع داخل إطار تنظيمي واحد، بل تفرقت بها السبل إلى عدة تنظيمات صغيرة لا يجمعها إلا (عقيدة الجهاد) وقتال الحاكم وتكفير مؤسساته المختلفة، ولم يعد لقيادة بعينها داخل تنظيم "الجهاد" الأم سلطان مطلق على كافة جماعات الجهاد الإسلامي، وإن كان (فرع الصعيد: الوجه القبلي لتنظيم الجهاد) لا يزال أقوى جماعات الجهاد حتى اليوم.

 

والوثائق المرفقة تمتد زمنياً بين العام 1981 (عام حادث المنصة) وبين العام 1987 عام محاولات الاغتيال الثلاث الشهيرة (حسن أبو باشا - مكرم محمد أحمد - النبوي إسماعيل) والتي ارتكبها تنظيم يطلق عليه اسم (الناجون من النار)، وينطلق من مقولات جهادية تماماً ويعد أقرب إلى فكر جماعات الجهاد منه إلى فكر أي من القوى الإسلامية السرية في المجتمع المصري.

د. رفعت سيد أحمد

 

جماعات الجهاد الإسلامي وركائز فكرها

·                        الخريطة التاريخية لتطور جماعات الجهاد في مصر:

باستثناء انشقاق "شباب محمد" عن جماعة الإخوان المسلمين في الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف وحادث المنشية الخاص بمحاولة اغتيال عبد الناصر، لم يرد استخدام العنف المقصود مع السلطة لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريباً.

 في عام 1958 ظهر الشاب المسلم "نبيل البرعي" الذي خرج من جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجاً للحركة وفيما بعد انضم إليه كل من: إسماعيل الطنطاوي، محمد عبد العزيز الشرقاوي، أيمن الظواهري، حسن الهلاوي، علوي مصطفى وأصبح إسماعيل الطنطاوي قائداً لهذه المجموعة لإمكاناته الفكرية الفذة.

 في عام 1973 انشق علوي مصطفى ومعه بعض أعضاء التنظيم وأقاموا تنظيماً جديداً سمي (بتنظيم الجهاد) وقرر الدخول في حرب مع اليهود على حدود القناة وانضم إليه الملازم عصام القمري (الذي أصبح فيما بعد من أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامي الذي قاد عملية اغتيال السادات عام 1981)

 وفي عام 1979 تكونت جماعة الجهاد الإسلامي من ثلاث مجموعات بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر، والثانية بالوجه القبلي بقيادة ناجح إبراهيم وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي، والمجموعة الثالثة بقيادة سالم الرحال، الأردني الجنسية. وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات عام 1981. ثم توزعت التنظيمات بعد ذلك وتفرقت بها السبل وإن ظل لفرع الوجه القبلي داخل تنظيم الجهاد السطوة والفاعلية، هذا فضلاً عن الجماعات الصغيرة التي تقع تحت سطوة عبود الزمر، إلا أن الحقيقة الواضحة خلال الفترة التالية لحادث المنصة حتى اليوم هو تشرذم تنظيم الجهاد إلى جماعات عديدة لا يربطها رابط تنظيمي واحد وإن كان ما يربطها هو الرابط العقيدي الذي هو هنا عقيدة الجهاد الإسلامي.

أهم تنظيمات  الجهاد خلال السبعينات والثمانينات وركائز فكرها :

·                        تنظيم الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية :

يعد هذا التنظيم أول محاولة غير فردية لأفراد يعتنقون فكرة الجهاد، تهدف إلى قلب نظام الحكم القائم في مصر خلال السبعينات.

وإذا ما نظرنا إلى الجانب الفكري لحركة الفنية فسوف نرى - رغم وجود شخصية مثقفة وصاحبة تجربة كصالح سرية على رأسها - افتقادها الواضح لرؤية واعية للواقع ونظرية متكاملة للعمل.

ركائز فكر الدكتور صالح سرية :

خلف د. صالح سرية وثيقة فكرية هامة بعنوان (رسالة الإيمان) قام فيها بتلخيص أهم الأفكار المتعلقة بالجوانب السياسية على النحو التالي:

·         الجهاد هو الطريق لإقامة الدول الإسلامية

·         لا يجوز موالاة الكفار والأنظمة الكافرة ومن فعل ذلك فهو كافر

·         من مات دفاعاً عن حكومة كافرة ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهو كافر إلا إذا كان مكرهاً فإنه يبعث على نيته

·         من اشترك في حزب عقائدي غير إسلامي فهو كافر، كذلك من اشترك في جمعية عالمية كالماسونية أو اعتنق فلسفة مخالفة كالوجودية أو البرجماتية

·         الحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره دار حرب

·         جواز العمل الحزبي الإسلامي والمساهمة من خلاله في الانتخابات ودخول البرلمان والمشاركة في الوزارات إذا كان صريحاً بأنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية

·         يجوز للمسلم أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها في حالة المحنة أو إفادتها بأي طريق ولا مانع أن يصبح وزيراً حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية

·         كل من ينفذ أوامر الدولة الكافرة ضد الإسلام والحركة الإنسانية فهو كافر

·         في حالة وجود مرشح إسلامي وأمامه مرشح اشتراكي أو قومي أو شيوعي وانتخب الفرد غير الإسلامي فإنه يكون كافراً بهذا الموقف

·         الذين يحاربون دعاة الإسلام لأنهم يمزجون الدين بالسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا بالجوانب الأخرى

·         المعارضون لأحكام الإسلام الذين يتهمون الدين بالتخلف والرجعية كفار، كذلك الذين يعترضون على حكم من أحكام الله ولا يرضون عنها مثل الذين يعترضون على الإسلام ويتهمونه بالتخلف فإن هؤلاء غير راضين عن الإسلام أصلاً

·         التفريق بين الامتناع الجماعي والامتناع الفردي بمعنى أن الترك الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام كفر

·         كل القوانين المخالفة للإسلام في الدولة هي قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم في إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة فهو كافر كذلك من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكار لها

·         تحية العلم والجندي المجهول والسلام الجمهوري من طقوس الجاهلية وهي صورة من صور الشرك

 

·                        تنظيم الجهاد بقيادة محمد عبد السلام فرج وركائز فكره :

لقد مثل تنظيم عبد السلام فرج نقطة التقاء ثلاث تنظيمات كانت تعمل متباعدة قبل عام 1980. وهي فضلاً عن تنظيمه، تنظيم كرم زهدي بوجه قبلي وتنظيم سالم الرحال.

نشأة التنظيم وتطوره :

بعد تخرج محمد عبد السلام فرج من كلية الهندسة وفي أوائل عام 1978 تعرف على شخص أقنعه بالانضمام إلى تنظيم ديني سري يناسب أفكاره الإسلامية يسمى تنظيم "الجهاد" وقبل أن يتحول هذا التنظيم إلى قوة يعتد بها قبض على قيادته خلال حوادث الفتنة الطائفية في عام 1979 وعلى ما يبدو لم يكن رجال الأمن يعرفون الكثير عنه فلم يقبض على محمد عبد السلام فرج، ولم يقبض على أعضاء المستوى الثاني تقريباً

عاد محمد عبد السلام فرج إلى القاهرة بلا وظيفة، لكنه سرعان ما عين في إدارة جامعة القاهرة وأصبح قريباً من الشباب الذي كان من السهل تجنيده .. وهنا قرر أن يكون تنظيماً جديداً "للجهاد" وهناك أيضاً وضع كتيب "الفريضة الغائبة" وراح يتردد في صيف 1980 على المساجد القريبة من مسكنه ببولاق الدكرور لكي يجند أعضاء شباب لتنظيمه حيث كان يرى أن العضو يجب أن يتراوح عمره بين العشرين والثلاثين. ففي هذا السن يكون الشاب نظيفاً، صافي القلب، قوي الإيمان. وكان إذا ما نجح في تجنيد شاب ما يبدأ على الفور في تثقيفه ثم تدريبه عسكرياً واختياره. أيضاً  يشترط توافر صفات معينة هي الشجاعة والإقدام والمحافظة على السرية والحذر ثم الارتباط تنظيمياً بزملائه في الجماعة نفسها.

 

وأثناء تردد عبد السلام على مسجد الفتح ببلده ناهيا القريبة من إمبابة تعرف على طارق الزمر ونجح في ضمه للتنظيم وفي إحدى زياراته لطارق الزمر تصادف وجود عبود الزمر الذي انضم إليه هو الآخر بعد مناقشات لم تستغرق الكثير. وفي نفس صيف 1980 عرف عبد السلام أن كرم زهدي، أمير الجماعة الإسلامية بالمنيا، هارب من القبض عليه بعد حوادث الفتنة الطائفية بالمنيا ومختبئ بالمدينة الجامعية بالقاهرة. سعى إليه ووافق كرم زهدي على الانضمام إليه وبعد أن سافر إلى الصعيد عاد بموافقة باقي أمراء الجماعات الإسلامية في أسيوط وسوهاج ونجع حمادي في دخول التنظيم وتحول غضب تلك الجماعات من غضب معنوي إلى غضب منظم.

 

ووضع التنظيم هيكله :

على رأسه "مجلس الشورى" الذي يعد بمثابة المجلس الأعلى للتنظيم وهو يتكون من 11 عضواً هم: محمد عبد السلام، عبود الزمر، كرم زهدي، ناجح عبد الله، وفؤاد حنفي، علي الشريف، عصام دربالة، عاصم عبد الماجد، حمدي عبد الرحمن، أسامة حافظ، طلعت قاسم.

ومن مجلس الشورى ثلاث لجان:

الأولى: لجنة العدة

والثانية: اللجنة الاقتصادية

والثالثة لجنة الدعاية.

 ركائز فكر تنظيم عبد السلام فرج :

من واقع كتاب "الفريضة الغائبة" ينتقد محمد عبد السلام فرج كافة الدعاوى التي تقول بها الحركات السياسية العاملة في الساحة إبان فترة السبعينات (والتي يعتقد الباحث أنه يقصد بها الأخوان المسلمين وبعض فصائل الجماعات الإسلامية بالجامعة ومن تبقى من تنظيم التكفير والهجرة) وتتلخص وجهة نظره في النقاط التالية:

بالنسبة للحركات الإسلامية التي تدعو المسلمين إلى أن يتفرغوا في هذه المرحلة لتحصيل العلم فقط فإن محمد عبد السلام يرى بشأنهم أن العلم ليس هو السلاح الحاد والقاطع الذي سوف يقطع دابر الكافرين وهذا السلاح هو الذي ذكره لنا المولى عز وجل في قوله: }قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم{

 والذين يقولون: إن علينا أن نقيم حزباً إسلامياً في قائمة الأحزاب الموجودة، لن يؤدي سعيهم هذا إلا إلى زيادة الجمعيات الخيرية. ولن يستطيع حزبهم بلوغ الهدف الذي قام من أجله، وهو تحطيم دولة الكفر. وفقاً لرأي فرج إنه على العكس، سوف يكون ذلك إسهاماً في بناء الكفر، فهم يشاركونهم في الآراء ويشاركونهم في عضوية المجالس التي تشرع دون الله.

 أما الذين يضعفون عن الجهاد، ويزعمون أنهم في مرحلة الاستضعاف ويدعون إلى اعتزال المجتمع والهجرة منه على أمل الحصول على القوة ثم العودة إلى المجتمع غازين ومقيمين لدولة الإسلام … آراؤهم هذه يراها فرج شطحات أناس تنكبوا الطريق لإقامة دولة الإسلام.

 والذين يقولون: إن الطريق لإقامة دولة الإسلام هو الهجرة إلى بلد آخر وإقامة دولة الإسلام ببلدهم، ثم يخرجون منها فاتحين، والذين يقفون بالإسلام عند حدود الصلاح والتقوى والعبادة والنسك. ويقولون: إن السياسة تورث القلوب قسوة تلهيها عن ذكر الله، فإن (جماعة الجهاد) تسخر من كل هذا. وفي رأي فرج أن الجهاد - وهو عمل سياسي - هو قمة العبادة في الإسلام. إن هؤلاء إنما يتجاهلون قول النبي: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

أما الذين يقعدون عن الجهاد، ولا يسعون في إقامة الدولة الإسلامية - خوفاً من الفصل فإنهم يقعون في خطأين من وجهة نظر عبد السلام فرج:

·         النكوص عن تنفيذ أمر الله بإقامة الدولة الإسلامية - علماً بأن المسلم مطالب بذلك - بصرف النظر عن النتائج.

·         عدم إدراك جاذبية الإسلام.

إن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبين بالنتائج، أما الذين يدعون إلى توجيه الطاقات الإسلامية نحو تحرير مقدسات المسلمين وأوطانهم المحتلة من الصهيونية والاستعمار؛ فإن جماعة الجهاد تقول لهم ليست هذه هي المعركة المباشرة، وليس هذا هو الطريق الصحيح لتحرير هذه المقدسات بل إن عبد السلام يرى أن الطريق لتحرير القدس يمر عبر تحرير بلدنا من الحكم الكافر لأن هؤلاء الحكام هم أساس وجود الاستعمار في بلاد الإسلام.

لابد من إزالة هؤلاء أولاً، ثم الانطلاق تحت قيادة إسلامية لتحرير المقدسات.

إن الاستعمار هو العدو البعيد، وإن الحكام الكفرة هم العدو القريب. وإن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد وإن أساس وجود الاستعمار في بلادنا هم هؤلاء الحكام.

 رؤيته للدولة الإسلامية ولحكام اليوم :

يرى عبد السلام فرج أن البديل الذي ينشده هو قيام الدولة الإسلامية والخلافة وأن الفكر المعاصر - داخل مصر بالتحديد - يمثل فكر طواغيت الأرض التي لن تزول إلا بقوة السيف. وأن حكام هذا العصر في ردهم عن الإسلام - تربوا على موائد الاستعمار سواء الصليبية أو الصهيونية أو الشيوعية - فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلوا وصاموا وادعوا أنهم مسلمون.

 

أما عن مبررات اغتيال السادات - كما استقرت لدى محمد عبد السلام فرج وباقي الذين شاركوا في عملية الاغتيال - فيمكن حصرها من واقع آرائه السابقة :

·         القوانين التي تحكم بها البلاد قوانين غير إسلامية

·         الصلح المنفرد مع اليهود أعداء الله (اتفاقات كامب ديفيد - وما ترتب عليها من نتائج قطيعة وتشرذم عربي)

·         إهانة علماء المسلمين والتقليل من شأنهم (نموذج الشيخ المحلاوي وعبارة السادات الشهيرة عنه "مرمي زي الكلب في السجن")

·         وضع الآلاف من أبناء الجماعات الإسلامية ومن علماء المسلمين داخل السجون من دون جريرة تذكر وإهانتهم في خطبه

·         الظلم الاقتصادي المستشري بالبلاد

·         الزعم المستمر من قبل الحاكم بأنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين في حين أن الإسلام "دين ودولة" (مصحف وسيف)

·         التقرب المشبوه من المسيحيين ومن القيادات التي تكن عداء دفيناً للإسلام وللمسلمين في مصر وأمريكا

·         انتشار مظاهر الفساد الخلقي بالمجتمع ومساعدة الحاكم لانتشارها بأشكال مختلفة (من خلال زوجته السيدة جيهان السادات)

·         الاستهزاء من المرأة المسلمة ومن الزي الإسلامي "الحجاب" و"الجلباب" وقيام الرئيس بتسفيه هذا الزي وبتسفيه العلاقات التي تربط أعضاء هذه الجماعات ببعضها البعض (مثل تسفيهه لطريقة زواج الجماعات الإسلامية دون رغبة الأب وكان ذلك في خطاب مذاع عام 1980)

·         قيام رئيس الدولة بتكريس عزلة مصر عن عالمها الإسلامي وتأكيده على علمانيتها وفرعونيتها.

إذا جاز أن نختصر هذه الأسباب فإن الباحث حصرها في مثلث فكري كالتالي :

·         أسباب سياسية : كامب ديفيد - عزلة مصر - الديكتاتورية والقهر السياسي

·         أسباب اقتصادية : التفاوت الطبقي والظلم الاقتصادي - الانفتاح بكل مآسيه 

·   أسباب دينية - اجتماعية :  الحكم بغير ما أنزل الله - سب العلماء وسجنهم - وضع الجماعات الإسلامية في السجن - الخروج عن الشرع.

 

وكانت أجهزة الأمن قد كشفت عن وجود تنظيم داخل الجيش يرتبط بتيار الجهاد، فيما عرف بعدها بقضية الضباط والتي حملت رقم 431 لعام86 كما كشفت عن وجود ما يسمى بحركة إعادة تشكيل تنظيم الجهاد، فيما عرف بالقضية رقم401 لعام 87.

وبحكم الضوابط التنظيمية التي يلتزم بها تيار الجهاد فقد اختفى من الساحة بعد حادث الهروب عام 88 ثم عاد إلي الظهور بصورة صدامية بالغة الشدة، حيث نفذ ثلاث عمليات كبيرة في قلب القاهرة هزت الحكومة بشدة، وإن كان لم يكتب لها النجاح وهذه العمليات هي:

·         محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي

·         محاولة اغتيال وزير الإعلام صفوت الشريف

·         محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي

ومثل هذه العمليات إن دلت على شيء فإنما تدل على أن تيار الجهاد هو التيار الأكثر فاعلية وخطورة على الحكم من تيار الجماعة الإسلامية العلني، والتي تعد العمليات التي يقوم بها مجرد عمليات فردية ذات طابع ثأري تنحصر في محيط رجال الشرطة. ومكمن الخطورة في تيار الجهاد هو أنه تحول إلي مجموعات غير معروفة ولا تتبع أي من القيادات القديمة كعبود الزمر. ومن الممكن أن تكون هذه المجموعات تتبع قيادات خارج مصر تتمثل في العناصر الجهادية القديمة التي شاركت في الثورة الأفغانية.

نظرة نقدية لتنظيمات الرفض الإسلامي :

·   غياب أفق الاجتهاد الديني والسياسي والحضاري لدى هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على أطروحتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم في هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية.

·   تغلب نزعة الجهاد وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الاجتماعي أو العقائدي أو السياسي بحيث تصير هذه النزعة هي الهدف الرئيسي وهي كل الغاية لهذه التيارات. ولعل هذا كفيل بإجهاض عملها السياسي وعدم مصداقيته جماهيرياً وارتكازه على عشوائية الجماهير ومحاولات تغييبها التي أتقنتها السلطة الحاكمة في أغلب المجتمعات الإسلامية وهو ارتكان لابد وأن يصيب الذي يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعي ومضمون حضاري متكامل.

·   غياب مقولات أساسية من قبيل: التنمية، العدالة، الحرية، عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقومات غريبة لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها. ولكنها في الواقع غير واردة في أغلب ما طرح من قبل هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التي لا تأخذ من العنف "أداة وغاية" في الوقت نفسه مثل الإخوان المسلمين.

·   الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى التنظيمات الغاضبة. بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتي في مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الإجهاز، وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولي القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذي قارب اليهود على هدمه كاملاً - وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه. وفي الوقت نفسه يعلن الصهاينة أن لهم حقاً تاريخياً في يثرب (الرياض حالياً) وأنهم سوف يفتحون مكة مقدماً

·         سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع في السلوك والاعتقاد.

على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الرفض الإسلامي واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهواً أو لنقص في العلم بأمور الدين والاجتهاد في بعض القضايا التي لم تحسم بعد، ويشترك معهم في هذا قطاعات عريضة من التيارات الإسلامية غير الرافضة، وتضع على شكل تساؤلات هذه القضايا التي أخفقت تنظيمات الرفض الإسلامي في الإجابة عليها من خلال وثائقها والتي بإمكان رجالها الحاليين أن يجيبوا عليها، ومن هذه التساؤلات :

 

·   بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع المادية الملموسة، التي عاشتها تنظيمات الرفض الإسلامي طيلة السبعينات والثمانينات، خطأ مقولة "تكفير المجتمع" نسأل مع السائلين: ما هي الآن نقطة البدء في التعامل مع المجتمع الذي تخاطبه تلك التنظيمات ؟ هل يخاطب باعتباره مجتمعاً يراد لإسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لإسلامه أن يكتمل ؟

·   ما هي الوسائل المثلى في التعبير لدى هذه التنظيمات، وأي منها يتفق وطبيعة المجتمع الذي تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث في النموذج الإسلامي بإيران – مثلاً- مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هي الوسيلة المثلى، أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكري ؟ وما هي حدود التغيير باليد واللسان والقلب وما المنوط به كل منها ؟

·   ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على إنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ وما هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها في مصر اليوم بوجه خاص وما هي حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هي حدود حرية الرأي والاعتقاد والاجتهاد السياسي ؟

·   ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط، وما هي رؤيتهم لوضع المرأة في المجتمع، وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولي، وما هو موقف هذه التنظيمات الرافضة من تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسي الاقتصادي بالتأميم والقطاع العام وهل هم مع تقييد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والاستثماري، وإلى أي من أصحاب المدارس الاقتصادية ينحازون إلى أصحاب التدخل في كافة الأنشطة أم إلى أصحاب تقييد التدخل ؟

وأخيراً كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى – وهل يقبلون بالعمل معها ؟

من كتاب الحركة الإسلامية في مصر ، صالح الورداني

 

وثيقة رسالة الإيمان 1973 م

  للدكتور صالح سرية

قائد تنظيم الفنية العسكرية

 

مقدمة تاريخية

في بداية الإسلام و خلال العهد المكي كان الناس في نظر الإسلام ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما، إما مسلمون و إما كافرون. و قد يكون الكافر ملحدا أو مشركا أو من أهل الكتاب، و يبدو أن الملحدين في ذلك الوقت كانوا من القلة بحيث لم يعرهم الإسلام اهتماماً. ومع بداية العهد المدني، أضيف قسم ثالث وهم المنافقون. وعلى هذا كان الناس في حياة الرسول ص ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :

1 ـ  المسلمون وهم الذين يؤمنون بالشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله " ظاهراً وباطناً، و يطبقون أوامر الله و رسوله وينتهون عن نواهيه. ولم يكن في ذلك العهد مسلم لا يطبق الأوامر ولا ينتهي عن النواهي.

2 ـ  كافرون لا يؤمنون بالشهادتين في آن معاً ظاهراً وباطناً.

3 ـ  منافقون وهم مسلمون ظاهراً وكافرون باطناً.

 

وبعد وفاة الرسول قل اهتمام المسلم أو انعدم بدراسة أحكام المنافقين في الإسلام. ذلك أن الأحكام إنما تدور على ظاهر الإنسان ولا تفتش عن باطنه، و لذلك أجروا على المنافقين حكم الإسلام لأننا لا نعرف الباطن. وكانت العقيدة الإسلامية في عهد رسول الله والخلفاء الراشدين وفي الدولة الإسلامية بصفة عامة بسيطة جدا لا تتعدى الإيمان بالشهادتين، وينبثق عنها الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله دون تعقيد ولا فلسفة ولا تعمق ولا تقطع. وقد بدأت بعض القضايا الجديدة منذ وفاة الرسول (تحتاج إلى تحديد موقف العقيدة منها) بدأت أول ما بدأت بحكم من ترك ركن الزكاة مع اعتقاده بكل أمور الإسلام، فأجمع الصحابة بعد تردد على أنه كافر مرتد حلال الدم يجب قتاله.

 

ثم نشأت مع قضية قبول الإمام علي للتحكيم في ظهور الخوارج الذين بدءوا يكفرون الصحابة بالجملة ويناقشون في مسائل العقيدة، ولا يسلمون ببساطة لقول الصحابة. كما بدأت بدايات الشيعة وعقائدهم. لكن كل هذه الأمور لم تتبلور إلا في الدولة العباسية، حيث أدت العوامل الثلاثة الآتية إلى التعمق في مسائل العقيدة وهذه العوامل هي :

 

أولاً : الترف العقلي : الذي بدأ يتوسع و يتعمق في فهم الكتاب و السنة مع دخول الفلسفات المختلفة من يونانية و هندية وفارسية إلى اللغة العربية، والتوسع في دراسة الأديان المقارنة مما فتح كثيراً من القضايا التي كان يمر عليها الصحابة مرور الإيمان والتسليم دون تعمق ولا تقطع.

ثانياً : دخول الزنادقة في المعركة : وهم من المجوس وغيرهم ممن لم يستطيعوا محاربة الإسلام علناً فأظهروا الإسلام و أرادوا هدمه من الداخل عن طريق تشكيك المسلمين بدينهم بإثارة الشبهات حول العقيدة الإسلامية.

ثالثاً : تبلور المذاهب السياسية : التي نشأت في نهاية الخلافة الراشدة وتمت أثناء الدولة الأموية، وهي مذاهب: السنة ـ  الشيعة ـ الخوارج، بحيث تميزت هذه المذاهب و أصبح لكل منها قواعده الخاصة ورجاله وطرق نقله … مما أوجد بالضرورة خلافات في مسألة العقيدة على أن هذه الخلافات كانت خلافات نظرية لا ينبني عليها عمل إذ كانت تتركز على صفات الله و تأويلها أو عدم تأويلها وعلى عقيدة القضاء والقدر وعلى مرتكب الكبيرة وهل هو كافر أم لا وقضايا مثل قضية خلق القرآن. ونشأت في هذه الفترة أنواع كثيرة من الفرق وبادت كلها تقريباً ولم يبق منها إلا ما نقرأه في الكتب.

 

ولقد كان الخلاف على أشده في العصور العباسية الأولى بسبب انتشار الثقافة يوم ذاك فلما سادت عصور الجهل تقلصت الخلافات، لكن نشأت قضايا جديدة في العقيدة تتناسب مع هذه الفترة إذ عمت الطرق الصوفية العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، وانتشر التوسل بالأولياء والصالحين وما شابه ذلك. فنشأت طائفة من العلماء و السلفيين تصف هذه الأعمال بالشرك، وزادت الأبحاث في هذه الموضوعات بين من يدافع ومن يهاجم. وكان من أبرز المهاجمين "ابن تيميه" وتلميذه ابن قيم الجوزية من السابقين ومحمد بن عبد الوهاب من المتأخرين، وبقيت كل كتب العقيدة إذن محصورة إما بما استقر عليه الأمر من محاولات في زمن الدولة العباسية أو ما استقر عليه الأمر من كتب بن تيميه وأتباعه إلى نهاية الدولة العثمانية.

و بزوال الدولة العثمانية نشأت حالة جديدة لم يسبق أن تعرض لها طريق الإسلام، ونشأت قضايا جديدة ثبتت على هذه الحالة لم يتطرق إليها أحد فيما مضى لأنها لم تكن موجودة، وعلماء اليوم لم يتحدثون عنها. إما لأنهم جمدوا على التقليد فليست عندهم القدرة على مواجهة ما استجد من أمور الحياة، وإما لأنهم من وعاظ السلاطين ممن لا يجرؤن على قول الحق مخافة قطع أرزاقهم ومرتباتهم وإما لأسباب أخرى لم يقصد إلى استقصائها.

وهذه الرسالة ـ حسب علمي ـ هي أول رسالة من نوعها في تشخيص الكفر الذي وقع فيه المسلمون عن علم أو عن جهل بسبب الظروف الجديدة التي وقعوا فيها، ودراستها في نظري أهم ألف مرة من دراسة قضايا العقيدة التي كتبت في الماضي لأن تلك القضايا لا وجود لها اليوم ولا تشكل خطراً كبيراً على المسلمين فإنما الخطر ينبع من هذه الردة الجماعية التي لا عاصم منها إلا الله ووقوف المؤمنين لصد تياراتها بكل الأساليب الشرعية.

 

وقبل أن أبدأ بسرد المقومات الأساسية لهذه الردة أود أن أبين الأسس الرئيسية للعقيدة الإسلامية وأبادر إلى القول بأنني لا أميل إلى استخدام مصطلح العقيدة وأفضل عليه مصطلح الإيمان ذلك لأن المصطلحات التي استجدت في الإسلام كانت لها مساوئ أكثر من الحسنات، إذ أن آيات القرآن وأحاديث الرسول قد فسرت فيما بعد وفق هذه المصطلحات وليس العكس مما أدى إلي الضلال والعياذ بالله.

 وعلى سبيل المثال فإن كلمات الشرك والكفر والظلم والفسق والضلال والنفاق وغيرها كانت في كثير من الأحيان تأتي مترادفة، كقوله تعالى }إن الشرك لظلم عظيم{ أو قوله }والكافرون هم الظالمون{ وقوله }إن المنافقين هم الفاسقون{. ثم جاءت كتب العقيدة لتضع لكل من هذه الكلمات معنى محدوداً، ثم بدأت تفسير ما ورد في القرآن الكريم أو السنة فيها وفق هذه المعاني مما أدى إلى الضلال. وذلك مثلاً حينما فسروا قوله تعالى }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ ـ الظالمون ـ الفاسقون.

وإذا كنت استخدم هذه المصطلحات فليس إيماناً بها وإنما لأنها استقرت في الأذهان مع طلبي التقليل منها تمهيداً لإلغائها نهائياً. وعلى كل إن الإيمان كما صوره رسول الله هو :

                     

الإيمان بالله

 ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك من البديهيات التي لا تحتاج إلى نقاش في نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس والقمر، كما نؤمن بوجود أعدائنا إيماناً لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان،

إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلي:

1 ـ إنه وحده الذي خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه، ولا أناقش هذه النقطة كثيراً لأن أكثر المؤمنين بوجود الله في منطقتنا يؤمن بذلك. أما المشركون به آلهة أخرى في الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم في بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعي للإطالة إذن.

2 ـ  إنه وحده صاحب التشريع في هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه، فمن أعطى لنفسه الحق في إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساساً واتخذ له رباً سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله. وفي ذلك أمثلة كثيرة نقتصر منها على ما يلي:

( ا )  ذكر الله عن مشركي قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله ص لقوله: }فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون{

ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملياً وفق هذا التصديق، ومن قرأ السيرة وجد أن عدداً كبيراً من اليهود كانوا مقتنعين أن محمد رسول الله وهو الذي بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين.

( ب ) إن فرعون حين قال لقومه: "ما علمت لكم من إله غيري" لم يقصد أنه هو الذي خلق الكون أو أنه هو المتصرف بشئونه، ولم يقل بذلك أحد لأن الكل يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ..

ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بما له عليهم من سلطان، فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقف فقد نصب نفسه إلهاً عليهم ومن أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله.

إن حديث عدي بن حاتم الطائي حينما سمع رسول الله ص يتلو الآية: }اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم{ واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه، فقد عزا رسول الله عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الحرام و حرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم. وليس ذلك مقصوراً على الأحبار والرهبان. فكل من فعل ذلك فقد نصب نفسه رباً وكل من أطاعه على ذلك اتخذ له رباً غير الله.

وعليه فإن كل الأنظمة وكذلك كل البلاد الإسلامية التي اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة، فقد كفرت بالله و اتخذت من نفسها آلهة وأرباباً. فكل من أطاعها مقتنعاً بها فهو كافر لأنه اتخذ له رباً سوى الله، وهذا الكفر الجديد أشد كفراً من مشركي الجاهلية. إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا: }ليقربونا إلى الله زلفى{ في حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساساً واتخذوا آلهة أخرى بدلاً عنه، وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين في الماضي لأنها لم تكن موجودة في أزمانهم، و أصبح جلاؤها في هذا العصر فرضاً على كل العاملين في الحقل الإسلامي، بل هو الفرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك في هذا العصر.

3 ـ  والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هي أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك. والمسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة، فلا يدركون معنى كلمة (الله أكبر) التي يقولونها يومياً عشرات المرات بل يدعون الله في مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو العامل أو الضابط أو أقل من الشرطي ومن المباحث ولو عارض عليه أمر الله مع أي واحد من هؤلاء فكثيراً ما ينفذ أمر هؤلاء تاركاً أمر الله. ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخواني هذا المثل: (ولو أن رجلاً ضخماً يمسك مسدساً هم عليك ليقتلك وفي نفس الوقت رأيت طفلاً صغيراً يحمل قشة فهل تحسب في هذه الحالة حساباً للطفل … الجواب قطعاً لا … إنما الحساب كله يكون للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حساباً للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أنني غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس)، فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر (والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط والله المثل الأعلى) فإن الإيمان بالله يقصد حتماً ألا تحسب حساباً للبشر بجانب الله سبحانه، فإن حسبنا حساباً للبشر كائناً من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان. فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود في الأفراد و المجتمع و الدولة خوفاً من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب حساباً لعذاب الله على تقصيري فهذا يعني أنني حسبت حساباً للقشة في يدي الطفل، ولم أحسب حساباً للمسدس في يد الرجل، والله المثل الأعلى، و معنى ذلك بداهة أنني في هذه الحالة لا أؤمن بأن الله أكبر، هذه إذن هي القضايا التي نريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله.

أما قضايا الصفات مثل يد الله، عين الله، أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكة الله أو محبته أو كراهته الخ، مما ورد في الكتاب والسنة فإننا نقرها كما وردت و نعتبرها من الآيات المتشابهة التي لا يعلمها إلا الله ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا في عصر الترف الفكري. والخوض فيها لا يؤدي إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبني عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهانا الله عنه شرعاً وكل المسلمين مقتنعين على أنه }تعالى وليس كمثله شيء{ وأن هذه الآيات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمور الغيب كالجنة والنار وما في الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان … ، وما في النار من أفاعي وكلاليب وعقارب .. الخ

لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب، لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم. ونرفض الخوض في هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التي مرت في تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك.

سورة الأنعام الآية 33

سورة التوبة الآية 31

سورة الزمر الآية 3

الإيمان بالملائكة

والملائكة خلق من خلق الله }لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون{ ، ولكل واحد من الملائكة وظيفة محددة يؤديها: منهم رسل الله إلى الأنبياء، ومنهم خزنة فهم، ومنهم من يقبض الأرواح، ومنهم الموكلون بكتابة الحسنات والسيئات، ومنهم الذين يسألون الناس في القبر … الخ

 

والملائكة من عالم الغيب لا نعرف عنهم إلا ما ورد في الكتاب والسنة ولا نتعدى ذلك، و البحث خارج نطاق الكتاب والسنة عبث لا طائل تحته وبدعة نحاربها. ومن عالم الغيب أيضاً الشياطين

(إبليس و ذريته) ولا نعلم عنهم إلا ما ورد في الكتاب والسنة ولا نزيد على ذلك. من عالم الغيب أيضاً الجن، وهؤلاء منهم المؤمنون ومنهم دون ذلك ولا نعلم عنهم إلا ما ورد في الكتاب والسنة. وما نسميه من بحوث الجن أو تقصي خارج نطاق الكتاب والسنة لا علاقة له بالدين و إنما نطاقه أمور الدنيا مثله في ذلك مثل بحوث علم النفس والتدخل في نطاق الخزعبلات. ولا يسأل الذين في هذا المجال إلا عما ورد في الكتاب والسنة فقط. وقد ورد في القرآن الكريم إشارات إلى وجود مخلوقات في السماء لا نعلم عنها شيئا مثل قوله تعالى: }ولله يسجد ما في السماء والأرض من دابة والملائكة{ ، وقوله }وما بث فيها من دابة{

          

الإيمان بكتب الله

أنزل الله عدداً من الكتب على أنبيائه منها: التوراة والإنجيل والزبور، و عدد من الصحف وقد حرفت هذه الكتب فلا نعلم اليوم ما بين أيدينا منها ما هو الصحيح ولا ما هو المحرف، وقد أنزل الله القرآن على محمد فنسخ كل الكتب السابقة وأصبح بذلك الكتاب الواجب الإتباع. ولقد أنزل ذلك الكتاب أساساً ليكون المنهاج الذي تسير عليه البشرية في حياتها. فهو إذن للتطبيق والتنفيذ. ولقد كان الصحابة يخشون حفظه حتى لا يكون حجة عليهم، لأنهم كانوا لا يحفظون آية إلا إذا طبقوها ولهذا حفظوا العلم والعمل معاً في آن واحد، وكان حافظ القرآن في زمن الصحابة المقدم منهم لأنه أعلم و أكثرهم تطبيقاً. ولم يكن بين المسلمين والقرآن حاجز وإنما كانوا يستمدون منه التعليمات مباشرة، فلما شاع الترف الفكري بين المسلمين وانقسموا شيعاً وأحزاباً ومذاهب ترك المسلمون الأخذ من كتاب الله مباشرة وأصبح الأخذ كله من المذهب، وفقد القرآن قيمته عند المسلمين ككتاب هداية وتوحيد، اقتصر المسلمون على تلاوته للبركة أو الطرب على صوت قارئه، أو تقديسه بأن يكتب على أفخر الورق وبماء الذهب و يحفظ في أحسن الأماكن ويقبل ويوضع على الرأس  … الخ 

ومُنع المسلمون من الأخذ من الكتاب مباشرة لأن من يسمونهم (رجال الدين) قد اقتدوا بالنصارى الذين حصروا الكتاب المقدس على طبقة رجال الدين التي منعت أيا كان من فهمه وتفسيره. وعادة التقديس لم تكن موجودة عند الصدر الأول للإسلام لا لرسول الله ولا للقرآن، فلم يكن أحد يقوم للرسول ولا كانت عادة تقبيل يديه معروفة ولا كان يقبل أن يقف أحد وهو جالس، أو أن يسير خلفه أحد ولا كان ينحني له أحد. كان الناس يعاملونه كأي رجل منهم لكن أوامره وتعليماته كانت تنفذ فوراً عن طواعية وحب دون أدنى تردد أو جدل أو شك، والأمر نفسه كان للقرآن فقد كان يكتب على العظم والحجارة أو سعف النخيل، وكانت هذه الكتابات توضع على الأرض وتحت السرير الذي ينام عليه الصحابي. وحين طبعت الآيات القرآنية على النقود كان المسلمون يدخلون بها المراحيض ولم يكونوا يعرفون هذا التقديس الشكلي، لكن إذا قرأ أحدهم قول الله تعالى تغير لونه وبادر إلى تنفيذه، ولا يجرؤ أحد أن يخالف أمر الله حيث كانت الكفة لصالح التنفيذ العملي، ولم تكن هناك شكليات التقديس النظري. فلما أهمل المسلمون التنفيذ عوضوا عنه بهذه الشكليات من التقديس وهذا هزر وسخرية بكتاب الله ورسوله.

و نحن نريد للفئة المؤمنة :

 أولاً : أن تقرأ القرآن للتنفيذ لا للتقديس ولا للطرب

ثانياً : ألا يكون بينها وبين القرآن أي حاجز. يكفينا من القرآن هذه البساطة الرائعة التي يبعده عنها وجمالها أي تفسير.

إن آية }الحمد لله{ لا تحتاج إلى تفسير وأن أي تفسير يفقدها تفسيرها في نفس المؤمن.

وآية }تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً{ وآية }ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق{

وأمثال هذه الآيات لا تحتاج إلى واسطة حتى يفهمها المؤمن ويتأثر بها ثم يقوم بتنفيذها.

وأنا لا أقصد بهذا إلغاء كل التراث الإسلامي في التفسير وعلوم القرآن وأن يقوم كل جاهل بتفسير القرآن على هواه، أبداً كل الذي أريده ألا توضع الحواجز بيننا وبين القرآن، وما أمكن فهمه والتأثر به وبتنفيذه فلنفعل ذلك مباشرة، وما لم نستطع رجعنا إلى كتب التفسير متجنبين في ذلك ما يلي:

1 ـ  تفسير أهل الأهواء بالنسبة لآيات العقائد مثل كتاب الكشاف للزمخشري.

2 ـ  تفسيرات الفقهاء لآيات الأحكام لأن كل فقيه يطوع الآية لمذهبه.

3 ـ تفسيرات الصوفية الذين يحولون الآيات إلى رموز للقرآن يجعلونها بواطناً خلاف الظاهر.

4 ـ تفسيرات الآيات التي تتعرض للسنن الكونية من قبل علم الله.

5 ـ  الإسرائيليات التي ما خلا منها كتاب من كتب التفسير تقريباً مع الأسف الشديد.

6 ـ الأحاديث الموضوعة التي دست على كثير من كتب التفسير.

 

والتفسير الحق للقرآن الذي يعتمد على ما يلي:

1 ـ اللغة العربية دون تعقيد أو تحريف وحسب بساطة اللغة العربية

2 ـ تفسير القرآن بالقرآن بأن تجمع الآيات ذات الموضوع الواحد أو الكلمات المتشابهة

3 ـ الحديث النبوي الشريف وهو المبين للسنة

4 ـ تطبيقات العهد الأول وفهمهم على أن يكون ذلك بالنقل الصحيح ولعل خير التفاسير التي يمكن الرجوع إليها كتاب ابن كثير أو كتاب الظلال في طبعاته الأخيرة على أن يكون واضحاً أن الله أبى العصمة لكتاب غير كتابه.

 

الإيمان بالرسل و الأنبياء

لقد بعث الله سبحانه في كل أمة نبياً أو رسولاً : }وإن من أمة إلا خلا فيها نذير{ ولم يقص علينا القرآن إلا عدداً قليلاً منهم :

 }ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك{ ومحمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء فرض عليه وعلى أمته الإقتداء بهديهم وجاء تشريعه فنسخت شرائعهم،  وهؤلاء الأنبياء وأتباعهم قبل بعثة محمد مسلمون، والنبي والمسلمون أولى بهم من أقوامهم الذين لم يتبعوهم. وقد وقع كثير من المسلمين في هذا القرن في الكفر بسبب عقيدتهم بأنبياء بني إسرائيل أو اتباعهم في أزمانهم، ومن هؤلاء المسلمون قوم متدينين والسبب في ذلك أنهم نظروا إلى التاريخ نظرة وطنية أو نظرة قومية، وليست نظرة إسلامية فضلوا أو أضلوا. ومن ذلك من يفخرون بفرعون لأنه طرد اليهود من مصر وهذا كفر صريح فهؤلاء اليهود المؤمنون بموسى مسلمون وفرعون كافر. ومنهم من يعتز بالكنعانيين باعتبارهم عرباً ويقف موقف العداء من داود وسليمان لأنهما حاربا الكنعانيين وأقاما دولة لليهود بفلسطين وهذا كفر أيضاً لأن داود وسليمان أنبياء، ولأن أتباعهم من اليهود مسلمون والكنعانيون كفار ونحن أولى بموسى وأتباعه من يهود اليوم لأن أولئك كانوا مسلمين ومثلنا في ذلك المسلمون الحقيقيون الباكستانيون والهنود فهم أولى بمحمد وأتباعه العرب المسلمين من ميشيل عفلق وجورج حبش، وغيرهم من العرب غير المسلمين سواء كانوا نصارى أو شيوعيين أو ملحدين.

 

الإيمان بمحمد خاتم النبيين ليس المقصود به تقديسه أو التغزل بجماله والاعتقاد بعبقريته أو الاعتزاز به كبطل من أبطال التاريخ، وإنما المقصود اتباعه: }قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم{

والتأسي: }لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة{.

لا إيمان بغير هاتين النقطتين مهما كان إقباله والاعتزاز به والتقديس له. ولا تتم هاتين النقطتين إلا بمعرفة الحديث النبوي الشريف، ومن أكبر المصائب التي وقع فيها المسلمون منذ القرن الثالث حتى الآن هو جهل الغالبية العظمى من علماء المسلمين بحديث رسول الله، ونحن لا نعتبر الرجل عالماً بالإسلام إلا إذا كان عالماً بالحديث. إن كبار فقهاء المسلمين ملئت كتبهم بالأحاديث الموضوعة والساقطة، وكبار علماء الأصول وكبار علماء التفسير وكبار علماء الصوفية قد ملئوا كتبهم بأمثال هذه الأحاديث.

 

الإيمان باليوم الآخر

ولا يقصد بالإيمان هنا الاقتناع المنطقي كما هو الحال بالنسبة للإيمان بالشهادتين كما شرحنا سابقاً. فالاقتناع المنطقي لا يسمى إيماناً ولا يخرج صاحبه من دائرة الكفر إلى دائرة الإيمان، وإنما نقصد بالإيمان أن نقدر الجنة والنار حق قدرها كما هو الأمر بالنسبة للإيمان بالله. وبعدم وضوح هذه النقطة عند المسلمين المتأخرين لم يكن للإيمان باليوم الآخر بصورته الموجودة أي أثر على سلوك الناس، لأن الموجود ليس إيماناً وإنما هو اقتناع، ولو استشعرت حقيقة إننا مبعوثون بعد الموت وهو حق لا يشك فيه إنسان فيكون المصير إما جنة أبداً وإما ناراً أبداً، وأيقنا بحقيقة النار وحقيقة الجنة فإن من المستحيل أن نسلك الطريق الذي يؤدي إلى النار. ولقد كنت أضرب لإخواني مثلاً يقرب الأمر إليهم: لو أن شخصاً حكم عليه بالأشغال الشاقة وعلم أن السجن به أنواع من التعذيب الرهيب من الضرب المبرح وتشريح اللحم بأمشاط الحديد والكي بالنار في الأماكن الحساسة ويأكل السجين جزء من لحمه كما يضطر إلى شرب البول أو أكل الغائط وغير ذلك من وسائل التعذيب، ثم عرض عليه أن يخرج من السجن وأن يصبح ملكا يتمتع بكل طيب في الدنيا مقابل شيء يؤديه فما موقف هذا الرجل ؟ لاشك أنه مستعد أن يدفع ملك الدنيا كلها ليس من أجل أن يصبح ملكاً. وإنما من أجل أن يخلص نفسه من العذاب فقط. فإذا وقف هذا الرجل موقف اللامبالاة تجاه تخليص نفسه فمعنى ذلك أنه غير مؤمن بحقيقة التعذيب في السجن أو غير مؤمن بحكم المحكمة أصلاً. وهذا هو واقع غالب المتدينين اليوم إذ أنهم في موقف اللامبالاة أنه لا يوجد في الحياة أي عمل يضمن به صاحبه الجنة والخلاص من النار إلا عمل واحد وهو الشهادة في سبيل الله، وهذا واضح من قول رسول الله (والله لا يدخل الجنة أحد بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

 

أما الشهادة ففيها من الآيات والأحاديث ما لا يحصى. فإذا أيقن المسلم ذلك فإن من البديهيات أن الشهادة تصبح أهم أمنية يسعى إليها بل هي الأمل الوحيد في الحياة لأنها الوسيلة المضمونة الوحيدة التي تخلصه من النار وتدخله أعلى مراتب الجنة. والذي يهرب من الشهادة لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مؤمناً بالمعنى الذي أشرت إليه حين ضربت المثل بالسجن والتعذيب فيه، والفرق بين جيل الصحابة والأجيال المتدينة الحالية يظهر واضحاً في هذه القضية ولا يحتاج لضرب الأمثلة من حرص الصحابة على الشهادة (ركضاً إلى الله بغير زاد)، وتوضيح هذه النقطة من الإيمان باليوم الآخر هي التي يجب أن تتركز عليها التربية الإسلامية، لأن مدار تعاليم الإسلام هو عن الترهيب والترغيب و"خوفاً وطمعاً". ولكن حين ننجح في غرس عقيدة الإيمان باليوم الآخر يومها ننجح في حرص كل فرد على تنفيذ الأوامر واجتناب النواهي دون حاجة إلى إرهاق أنفسنا في الحث على التفاصيل.

سورة التحريم الآية 6

  سورة النحل الآية 49

  سورة الشورى الآية 29

سورة السجدة الآية 16

  سورة الحديد الآية 16

سورة فاطر الآية 24

سورة النساء الآية 164

ميشيل عفلق هو نصراني ومؤسس حزب البعث العربي

جورج حبش نصراني الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو ماركسي . (هذه التوصيفات من أقوال د. صالح سرية نفسه-معد الوثائق)

الإيمان بالقدر

لقد كان الإيمان بالقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى سبباً في عز المسلمين في الصدر الأول ثم أصبحت هذه العقيدة سبباً في ذلهم وتأخرهم، وانحطاطهم في العصور المتأخرة. كان الصدر الأول من المسلمين يعتقدون أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، كانوا يؤمنون بقوله تعالى: }قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا{ كانوا يؤمنون بأن الإنسان يموت في لحظة معينة }لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون{، وفقاً لهذه العقيدة كانوا يتصرفون بشجاعة نادرة لا تعرف الخوف، ومما يخاف ولا أحد يستطيع أن يضره، ولماذا يرهب الموت وهو لن يموت إلا في ساعته ؟

ولهذا كان الخوف من العمل لإعلاء كلمة الله دليل عدم الإيمان: }فلا تخشوا الناس واخشون{

}فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين{. ثم تحول هذا الفهم بعد العصور الثلاثة الأولى إلى جدل فلسفي حول الجبر والاختيار وهل الإنسان مسير أم مخير، ونحن نرفض هذا الجدل البيزنطي الذي قسم المسلمين إلى فرق و شيع، لأن هذا الكلام لا ينبني عليه عمل فنحن في كلتا الحالتين مأمورون بتنفيذ أوامر الله، }كل ميسر لما خلق له{، بعد أن انتهى الجدل في عصور الظلمات تحولت العقيدة إلى التواكل الذميم والانسحاب من الحياة وبدأ كل معقد يضع اللوم على الله: }تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً{ فإذا شرحت للناس حالة الفساد قالوا هذه إرادة ربنا وإذا طلبت منهم العمل للتغيير قالوا إذا أراد ربنا يغير الحال. وتحولت عزيمة العمل إلي أدعية لا أكثر وأن معظم المتدينين اليوم كافرون عملياً بالقدر، إذ لو كانوا يؤمنون به حقاً لشمروا عن ساعد الجد لتغيير المنكر غير مبالين بالسجن وقطع الأرزاق لأنه لا أحد يستطيع أن يضرهم بما لم يكتب عليهم بل ولم يبالوا بالإعدام لأنه: }لن تموت نفس إلا بإذن الله كتابا مؤجلا{ ، والذي يتردد في ذلك كافر بالقدر مهما فلسف القضية، وحاول بالحجج المنطقية الفارغة، ولا دعوة للإسلام إلا بغرس هذه العقيدة في قلوب الفئة التي ستغير.

 

هذه هي إذن أصول العقيدة الإسلامية 000 إذن  فأصول الإيمان هي :

·         الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذي يجب أن تسير عليه البشرية.

·   الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه، وكان آخر هؤلاء الأنبياء محمد فهو خاتم الأنبياء الذي نسخت شريعته جميع الشرائع، وفي الركن الثاني إذن الإيمان بمحمد وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما في الشهادتين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذاً للكتاب والسنة.

·         الإيمان بالقدر : وهو الذي يعطينا الشحنة الدافقة التي تدفعنا إلى التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر.

 

وهكذا يظهر أن مدار العقيدة الإسلامية إذاً على الشهادتين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقد ضل كثير من المسلمين في مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين في ذلك على ظواهر بعض الأحاديث الصحيحة مثل: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وأمثالها، وبذلك أهملوا شأن العمل نهائياً ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم، إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول، وهذه بديهية لا يختلف عليها اثنين. وإلا فلو أن ملحداً قرأ كتاباً فيه لفظ الشهادتين وقرأها لأُعتبر مؤمناً، وهذا ما لا يقوله مسلم، إذ ليس المقصود مجرد القول، ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمناً لأنه قال هذه الكلمة، كما أنه ليس المقصود مجرد الاعتقاد، فإن "هرقل " كما بينت سابقاً كان معتقداً أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وكذلك يهود الحجاز في زمن الرسول، بل إن من أهل مكة من كان مؤمناً بأن محمد رسول الله: }فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون{

 

الحكم

 إن الحكم القائم اليوم في جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك في ذلك، والمجتمعات في هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية. أما الحكم فأدلتنا على كفره لا حصر لها في الكتاب والسنة منها: }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً{ ، ومنها: }وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً{ 

و منها }وإن اُحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{ وغيرها الكثير من الآيات. والنص القاطع في ذلك قوله تعالى: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{

}ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون{

}ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون{

 وقد سبق أن قلنا أن الظلم والفسق في لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق. والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت في اليهود وهي بذلك لا تنطبق على المسلمين. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، كأنهم يتهمون رسول الله بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل الله فأنتم كافرون، أما أنا فلا أكون كافراً إذا لم أحكم بما أنزل الله، أليس معنى ذلك أنه ص تنطبق في حقه الآية: }أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون{.

وحين يقول الله تعالى عن اليهود: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود. وأيضاً فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة (من) بعموم اللفظ، على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد في الإثبات لهذه البديهية، أن يكون إنساناً مؤمناً بالله ومقدراً لله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره، كائناً من كان هذا الغير إلا إذا كان مفضلاً هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى، وفي هذه الحالة واضح أنه كافر، فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذي في كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحي، أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالي ويقول إنه شيوعي، أو يطبق إنسان النازية ثم يقول إنه صهيوني مما لا يخطر على عقل عاقل. ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين، فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر. فهل يعقل هذا ؟ 

ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهم إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل، وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك. فليس المهم مثلاً تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول، و ليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح. وهكذا أصبح الفكر العربي المعاصر كله منصباً على الكلام دون العمل. لذلك من قال (مجرد القول) إنه مسلم، فهو مسلم في نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى، وقد يقال إن هذه الحكومات قضت في دساتيرها إنها دول إسلامية وإن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبني المساجد وتدرس الدين في المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية .. الخ ألا يدل ذلك على أنها دول إسلامية؟

الجواب قطعاً لا، والسبب في ذلك أنها في الوقت الذي تنص بعضها وليس كلها على أنها دول اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية الخ ـ وهذه الكلمات كفر صحيح عميت على المسلمين ـ إذاً الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف لمنهاج الإسلام، ففي الديمقراطية الشعب هو صاحب السلطة في التشريع، يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلاً كما حدث في إنجلترا أو الزواج الجماعي كما حدث في السويد، في حين أن الشعب في الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك. فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلاً، فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً ويهودياً في الوقت نفسه لا يمكن أن يكون مسلماً وديموقراطياً. و قل مثل ذلك على كل المناهج الأرضية الأخرى، والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعني بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد في الكتاب والسنة، وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليداً لدولة النصارى وليتها فعلت ذلك أيضاً، فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضاً أهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده.

 

ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصرانية وأن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصراني، والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه، فلما قامت الثورات في أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعي عندهم لأن دينهم بالأصل كذلك. وكلمة: RELIGION هناك لا تعني كلمة الدين في الإسلام إذ أنها تعني الشعائر التعبدية فقط، وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة، فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس، والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة (هي مصدر الإسلام الأصلي) لم تقتصر على العبادة بهذا المعنى وإنما نجد إضافة إلى ذلك (التشريع والحكم) و(التصرفات والشعور والأخلاق) و(الاعتقاد)، والإسلام جسد واحد، من كفر بآية واحدة كفر به كله: } أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون{ فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف في ذلك، ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر، ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر. ولقد غفل معظم المتدينين في هذا الزمان عن هذه البديهية فنجد الواحد منهم في غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكي في الصلاة خشوعاً ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلاً، فهو كافر لاشك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله ص (يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). وكثير من الحكام استغلوا هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب، أو مؤمنون بذلك حقاً لكنهم في الوقت نفسه يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم، بل ويحاربون من يدعو إلى استئناف الحكم الإسلامي ويسجنونهم ويضربونهم، فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام، وأما النص على أن التشريع الإسلامي مصدر من مصادر التشريع فهو ذاته مجرد كفر صريح إذ جعلوا الإسلام متساوياً في ذلك مع التشريع الروماني، أو مع العادات والتقاليد أو مع تشريع حمورابي ـ ويا ليته كان كذلك ـ بل لا يكون هذا الإسلام مصدراً للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس في تحقير الإسلام بعد ذلك مطمع. إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفي ذلك أن تدفعهم بالكفر، أما ما يتفضلون به على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك، إنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهي وبيوت العشق والدعارة، أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويذيعون الفاحشة في الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حساباً للإسلام في أي جانب من جوانب الحياة وفي جميع إدارات الدولة. 

 

إذا ثبت أن هذه الحكومات كافرة وأن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟

الإجابة قطعاً لا. إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل، أو ينبغي أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مبالياً سواء جاء الإسلام أو لم يأت، أو كان ناقماً على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح بطريقة أخرى غير طريقة الإسلام، ويكون مؤمناً من هؤلاء مَن آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سراً أو علناً. من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن، يستوي في ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفاً أو ضابطاً أو وزيراً أو حتى رئيساً للدولة في هذه الدولة الكافرة، ومع ذلك يكون مؤمناً كامل الإيمان إذا كان واحداً من ثلاثة أشخاص:

1.  إذا كان واضحاً في عقيدته مصرحاً بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية. وفي الدولة التي تسير على النظام الديمقراطي، إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامي، جاز له المساهمة صراحة بالانتخابات ودخول البرلمان والمشاركة في الوزارات إذا كان صريحاً بأنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية.

2.  إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية، ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو للتخفيف عنها في حالة المحنة، أو لقيادتها بأي طريق. ولا مانع أن يصبح وزيراً حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية.

3.  إذا لم يكن في أي جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأي جماعة من الجماعات التي اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادئ التي ذكرناها، وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه في إفادة الإسلام والمسلمين.

 

والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة لأن الجهاد ماضِ إلى يوم القيامة، وإن كان الجهاد واجباً لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافراً كما فعل الحسين رضى الله عنه، وكما قال رسول الله (خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه فرض الفرائض وذروة سنام الإسلام: (من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية) ومن ماتوا دفاعاً عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم يبعثون عن نياتهم. وهذه قضية خطيرة أغفلها المسلمون اليوم وتحتاج إلى إفرادها برسالة مستقلة، إذ أن الحركات الإسلامية كثيراً ما تتلكأ عن القيام ضد هذه الدولة خوفاً من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهي كفر هذه الدولة.

 

 ( 1 ) الأحزاب والجمعيات والمبادئ العقائدية :

كل من اشترك في حزب عقائدي فهو كافر لاشك في كفره، وهذه الأحزاب مثل الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربي الاشتراكي أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومي السوري أو الاتحاد الاشتراكي العربي وأمثالها، ذلك أن هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج مخالفة لعقائد ومناهج الإسلام، فمن آمن بها دل على أنه يفضلها على عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر، والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذراً. ومثل الأحزاب، الجمعيات العقائدية، مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتاري أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية، لأن هذه الجمعيات أيضاً لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام، حكمها في ذلك كحكم الأحزاب كما سبق. وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة للإسلام مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها. وكذلك من اعتقد مبدأ سياسياً مخالفاً للإسلام كالديمقراطية أو الرأسمالية والاشتراكية والوطنية والقومية الأممية وغيرها. فكل من اعتقد هذه الفلسفات أو المبادئ أو مثيلا لها فهو كافر، ذلك أن الإسلام، كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحي وليس هو صلة العبد بربه فقط، وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أي أنه يشمل (الدين والدنيا معاً بالمعنى الغربي). وهذه المناهج والفلسفات والمبادئ أو العقائد التي ذكرناها سابقاً إما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له، فإذا كانت مخالفة له ـ وكلها كذلك ـ فالكفر فيها واضح، أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهي ليست كذلك ـ وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك ـ فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء ؟ اللهم إلا إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتسابنا إلى مبادئ الكفر وكفى بذلك كفراً.

سورة التوبة الآية 51

سورة النحل الآية 61

سورة المائدة الآية 44

سورة آل عمران الآية 175

( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) جزء من حديث صحيح

سورة الإسراء الآية 43

سورة أل عمران الآية 145

سورة الأنعام الآية 33

سورة النساء الآية 65

سورة الأحزاب الآية 36

سورة المائدة الآية 49 - 50

سورة المائدة الآية 44

سورة المائدة الآية 45

سورة المائدة الآية 47

سورة البقرة الآية 44

سورة البقرة الآية 85

( 2 ) موالاة الدولة والأحزاب الكافرة :

لقد أصبح واضحاً الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية، هناك إذن حزب الشيطان وحزب الله، فكل من والى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر، لأنه ناصر الكفر على الإيمان، وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الآيات التي اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها في القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضح أن الحكومة التي تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لاشك كافرة، لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله، وكل من ينفذ أوامرها في ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر، سواء كان مخبراً أو شرطياً أو ضابطاً أو محققاً أو قاضياً أو صحفياً يؤيد إجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين، أو غير هؤلاء مما يؤيدها في إجراءاتها بأي نوع من أنواع التأييد. كذلك إذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة، أو من أعضاء أو مرشحي الأحزاب أو الجماعات الكافرة، ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادئ غير الإسلامية على مبادئ الإسلام، كذلك إذا انتخب مرشحاً كافراً ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامي فهو كافر ومقياس المسلم يجب أن يكون دائماً هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الاستعمار أو غيرها. فالولاء أولاً وأخيراً للإسلام وأهله : }ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين توله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً{

وأقول هنا إن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدي يصومون ويصلون ويقرءون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقي أجزاءه.

 

 ( 3 )  القوانين :

كل القوانين المخالفة للإسلام في الدولة فهي قوانين كفر، وكل من أعدها أو ساهم في إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة، وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر، وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات، وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذي قدمها والرئيس الذي وقع عليها، والقضاة والنيابة ومحققو الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها، إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا في عملهم بموجبها فهم كفار، وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها، أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر، لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة البشر على شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله.

 

( 4 ) المعارضون لأحكام الإسلام :

كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر، وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشرعية بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزاني بالتخلف والتحجر أو ما شابه ذلك من الأوصاف، أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر، أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح، مباح دم صاحبه وتطلق منه زوجته ولا يصلى عليه ولا يقبر في مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث.

 

( 5 )  الاعتزاز بتراث الكفر :

ولقد جاء الإسلام للقضاء على الكفر والجاهلية، فمن اعتز بأي مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر، وحين اعتنق الناس مبادئ الوطنية والقومية بدءوا يحبون هذا التراث الجاهلي الكافر ويعترفون به. فالوطنيون في مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذا كفر، والقوميون أحيوا تراث الجاهلية العربية، واعتزوا به، بل منهم من سمى ابنه لهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله، وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضاً ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة، ولا يفرقون بين الاعتزاز بمحمد مثلاً وبين عنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كل منهم عربي. وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الاعتزاز بتراثهم الكافر. ومن هذا التراث ما حارب الإسلام فالكروية وإيران مثلاً وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الاعتزاز بالكفر كفر (دعوها فإنها منتنة) جزء من حديث صحيح.

 

( 6 ) حصر الدين بالعبادة :

وكلمة العبادة من المصطلحات التي حرفت عن معناها الأصلي الإسلامي واستبدلت بمعناها النصراني في نظر الناس، وأصبحت مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع، ولا صلة الإنسان بالإنسان، أو صلة الإنسان بالدولة، أو صلة الدولة بالدولة الأخرى. وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية، إذ أن معناها يشمل تنفيذ كل أوامر الله في الكتاب والسنة. ولهذا فإن معنى قوله تعالى: }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{ يكون معناها وما خلقت الجن و الإنس إلا ليطيعوا أوامري ويعيشوا وفقاً للمنهج والتشريع الذي وضعته، وإلا فلو كان معنى العبادة مقصوراً على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أي شيء خلاف العبادة، ويعتبر أي عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة و سياسة بل ومن أكل ومشي مخالفاً لحكمة الله في خلق الإنسان. ولأصبح محرماً وهذا مالا يقول به مسلم، فالإسلام إذن هو كل ما أمر به الله من الكتاب والسنة سواء كان عبادة بالمعنى المتداول أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد 000 ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة في إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر. وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب، والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالي .. الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك، لكنهم يعترفون بأن هذه القطاعات ليست مسلمة وأن المسلمين وحدهم هم ممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة. أليس معنى السياسة هو الاهتمام بأمور الناس (ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) في الغرب الآن توجد دعوة لفصل الاقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول، فالغرب عادة يريد فصل كل شيء يؤثر على السياسة. ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للاقتصاد تأثير طلبوا فصله حتى تبقى لهم الغلبة، وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصرونه داخل المسجد فقط، كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة، بذلك فهم يحجرون على الإسلام التدخل في شئون الاقتصاد أو الاجتماع وباقي أمور الحياة.

 الذين يرفعون شعار (الدين لله والوطن للجميع) وهذا الشعار من رفعه فهو كافر لأن الدين والوطن وما على الوطن لله رب العالمين (و لله ملك السموات والأرض) والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين، إنما الدين هو الذي يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام في المسجد كما حجزوا النصرانية في الكنيسة ويخلو لهم الجو في الحياة. والإسلام يرفض ذلك.

 

( 7 ) من سب الله أو الدين أو النبي فهو كافر :

وقد فصل ذلك العلماء في الماضي فلا ينقض فيه ولكن يجب التنبيه على ذلك يغشؤه في هذه الأيام وعدم انتباه الناس إلى كفر قائله.

 

( 8 ) من ترك أركان الإسلام :

لقد قُتلت مسألة تارك الصلاة بحثـاً بين الحنابلة من جهة، الذين يكفرون تارك الصلاة، وبين بقية المذاهب التي لا تكفره وإنما تحكم بقبله حداً لا كفراً، لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه. وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد للصلاة أما الترك الجماعي لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول إن الترك الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام كفر جماعي وردة.

ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر مانعي الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها. ولو أن شخص واحد امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافراً إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ماله عقوبة له عن البعض، نفرق هنا إذن بين الامتناع الجماعي والامتناع الفردي، وفي الصلاة كان الرسول إذا بعث سرية يأمر قائدها بأن ينتظر فإن سمع الآذان امتنع عن الإغارة وإلا أمره بالقتال، وترك الصلاة اليوم ترك جماعي لا فردي بل إن التاركين لها في المدن أكثر من المقيمين لها وعلى هذا فإني أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعة. والقول نفسه ينطبق على المجاهرين بالإفطار في رمضان بدون عذر.

 

( 9 ) من أنكر إحدى العقائد :

فمن أنكر وجود الله أو نبوة محمد أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر. وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها في هذه الأيام، حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم، أو تنكر فيها الجن وتكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صحيح.

 

 طقوس الشرك الجديدة :

في كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام، ومن هذه الطقوس :

( ا ) تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة، ويصبح العلم في هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية.

( ب ) السلام الجمهوري : أو الملكي أو الأميري حيث يكون لكل دولة فرقة موسيقية معينة، إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص. 

( ج ) تحية قبر الجندي المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى في أوقات معلومة، ومن هذا القبيل حيث يزور رئيس دولة دولة أخرى، فإنه قد يزور قبر مؤسس هذه الدولة أو قبر أحد زعمائها، وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدي أمام القبر أيضاً طقوساً معينة. وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى في كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك.

 

تخيلوا قد انتهى الكتاب وأغلق ولكن انهار الدم لم تقف بعد

وفقه الإرهاب يسري كالسم في كل مكان في الأرض ..

فهل من يصغي ؟

فهل من يعقل ؟

فهل من يثور ؟

سورة النساء الآية 115

سورة الذاريات الآية 56

الصفحة الرئيسية