(الجزء الأول)
" لا يوجد نص فى القرآن الكريم أو نص متواتر من السنة يقول :
إن هذا الحكم ناسخ لحكم كذا ، ... "
الشيخ محمد محمود ندا
(- النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – تأليف الشيخ محمد محمود ندا – مدير عام بحوث الدعوى بوزارة الأوقاف – ص 67 – الطبعة الأولى – أغسطس 1996م – رقم الإيداع بدار الكتب : 8002 / 1996- الترقيم الدولى: 0 977-5366-86- ISBN:)
معنى النسخ :
أ- المعنى اللغوى :
" جاء فى مختار الصحاح – مادة " نسخ " . ونسخت الشمس الظل : أزالته ،...
وجاء فى المعجم الوسيط : نسخ الشىء أزاله ، يقال نسخت الريح آثار الديار ، ونسخ الشيب الشباب ، ويقال نسخ الحاكم الحكم والقانون : ابطله ، والكتاب نقله وكتبه حرفا حرفا " . (المصدر السابق – ص 17)
ب- المعنى الإصطلاحى أو الدينى للنسخ :
- رفع الشارع حكما شرعيا بدليل شرعى آخر .
( الناسخ والمنسوخ فى القرآن الكريم – تأليف القاضى أبو بكر المعروف بـ " ابن العربى " المتوفى سنة 543 هـ - ص 3 وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات – منشورات محمد على بيضون – دار الكتب العلمية – ص.ب. 9424 – 11 بيروت - لبنان – الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م )
- وفى تفسير ابن عباس* لـ ( الرعد : 39 ) : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قال : يبدل الله ما يشاء من القرآن ويثبت ما يشاء .
(نواسخ القرآن – للحافظ جمال الدين أنى الفرج – المعروف بـ ( ابن الجوزى ) – المتوفى – سنة 597 هـ - ص 18 – دار الكتب العلمية – ص.ب. 9424/11 – بيروت – لبنان )
وقال الإمام أبو جعفر النحاس : النسخ تحويل العباد من شىء كان حلالا فحرم أو كان حراما فيحلل أو كان مطلقا فيحظر أو كان محظورا فيطلق أو كان مباحاً فيمنع أوممنوعاً فيباح إرادة لإصلاح العباد.
( كتاب الناسخ والمنسوخ فى القرآن الكريم – تأليف الأمام الأجل أبى جعفر محمد بن أحمد بن اسماعيل المعروف بـ " أبو جعفر النحاس " المتوفى فى 338 هـ - ص 11 ، 12 – مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت – لبنان – الطبعة الثانية 1417 هـ - 1996م. ص.ب. 5115 / 114 )
ويقول ابن العربى : يأمر بما شاء ، فله أن يحرم الشىء اليوم ويحلله غدا حسب ما سبق فى علمه الأزلى من المصالح الناتجة عن النسخ وتبدل الأحكام.
( الناسخ والمنسوخ فى القرآن الكريم – ابن العربى – مصدر سابق – ص 4 )
وعليه يكون معنى النسخ فى القرآن بإختصار .. ازالة أو إبطال مفعول أو تبديل آية أو أكثر ..
الغرض من النسخ فى القرآن**..
ويقول ابن العربى : على أن تبدل الأحكام بالنسخ اختبارا للمؤمنين وامتحانا لهم كى يمتثلوا أمر الله فى جميع الأحوال والظروف. ( الناسخ والمنسوخ .... – ابن العربى – مصدر سابق – ص 4 )
يقول الشيخ محمد محمود ندا* ( يكاد يجمع جمهرة العلماء على جواز وقوع النسخ فى القرآن الكريم ، بل يقرون بنسخ بعضه واستدلوا على ذلك بما يأتى :
أولا : " ما ننسخ من آية أو نٌنسها نأت بخير منها أو مثلها " ( البقرة : 106)
ثانيا : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " ( الرعد : 39 )
ثالثا : " واذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا انما أنت مفتر بل أكثرهم لا
يعلمون " ( النحل : 101 )
رابعا : إن سلف الأمة أجمعوا على أن النسخ وقع فىالشريعة الإسلامية .
خامسا : إن فى القرآن آيات كثيرة نٌسخت أحكامها كما قال الزرقانى )
(النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – الشيخ ندا – مصدر سابق – ص 33 ، 34)
والإمام أبو جعفر النحاس ذكر الآيات السابقة ، ثم قال :
" فتكلم العلماء من الصحابة والتابعين فى الناسخ والمنسوخ ، ثم اختلف المتأخرون فيه فمنهم من جرى على سنن المتقدمين فوفق .. ومنهم من خالف ذلك فإجتنب . فمن المتأخرين من قال ليس فى كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ وكابر العيان واتبع غير سبيل المؤمنين ..** "
( كتاب الناسخ والمنسوخ ... – الإمام أبو جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 5 ، 6 )
ويقول هبة الله بن سلامة ( المتوفى فى 410 هـ ) عنهم ( رافضى النسخ ) :
" هؤلاء قوم عن الحق صٌدوا ويإفكهم عن الله رٌدوا "
( الناسخ والمنسوخ – هبة الله بن سلامة – المتوفى 410هـ - ص 70 – دراسة وتحقيق موسى بناى علوان العليلى – الدار العربية للموسوعات – ص.ب: 5348 / 13 بيروت – لبنان )
ويقول القاضى أبو بكر ( ابن العربى ) :
" لقد أجمع المسلمون على جواز النسخ ووقوعه فعلا خلافا لليهود الذين انكروه وقالوا أنه بداء*** . والآيات القرآنية فى جواز النسخ عديدة ، ... "
( الناسخ والمنسوخ ...- ابن العربى – مصدر سابق – ص 3 )
ويقول ابن الجوزى باسناد عن الضحاك عن ابن عباس ( رضى الله عنه ) فى قوله تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قال فى الناسخ والمنسوخ .. يبدل الله ما يشاء ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، ....
(نواسخ القرآن – ابن الجوزى – مصدر سابق – ص 17 ، 18)
كذلك فإن علماء الشيعة يقولون: " ان إنكار النسخ مكابرة محضة ومحاولة لإخفاء ما هو بديهى "
(آراء حول القرآن – سماحة آية الله العظمى السيد على القانى الأصفهانى – ص 174 – دار الهادى – غبيرى – بيروت – لبنان – ص.ب.286 / 25 – الطبعة الأولى 1991م - 1411هـ)
ويقولون أيضا : " لا خلاف بين المسلمين فى وقوع النسخ .. "
( النسخ والبداء فى الكتاب والسنة – محمد حسين الحاج العاملى – ص 11 – دار الهادى – غبيرى – بيروت – طبعة 1997م )
محاولات حصر السور والآيات التى وقع فيها النسخ ..
يقول هبة الله بن سلامة ( المتوفى 410 هـ ) :
" السور التى ليس فيها ناسخ وليس فيها منسوخ 6 سور..
والسور التى دخل فيها المنسوخ ولم يدخلها ناسخ 40 سورة ..
والسور التى دخلها الناسخ والمنسوخ هى 25 سورة .. "
( الناسخ والمنسوخ – هبة الله بن سلامة – مصدر سابق – ص 67 ، 68)
وسورة البقرة مثلاً تحتوى على 30 آية منسوخة. ( المصدر السابق – ص 76)
أما الإمام أبو جعفر النحاس ( المتوفى 338 هـ ) فيقول :
" السور التى لم يدخلها الناسخ ولا المنسوخ 43 سورة ..
والسـور التى فيـها المنسـوخ دون النـاسـخ 6 سور ..
والسـور التى فيـها النـاسـخ دون المنسـوخ 33 سورة ..
والســور التـى فيــها النـاســخ والمـنســوخ 32 سورة .. "
(الناسخ والمنسوخ .... – أبو جعفر النحاسى – مصدر سابق – ص 264 ، 265 )
" ويقول الزركشى إن ما نُسخَ حكمه ( رغم وجود تلاوته ) هو فى 63 سورة.
ويقول النحاس إن ما نُسخَ حكمه ( رغم وجود تلاوته ) 134 آية.
وابن حزم وصل بها الى 214 آية . ووصل بها ابن الجوزى الى 147 آية . بينما هبط بها السيوطى الى 20 حالة فقط ." ( النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – مصدر سابق – ص 74)
ويذكر د . عبد الله شحاتة* أن من العلماء من عد فى القرآن 212 موضعا حدث فيها النسخ .
(علوم القرآن – ص 378 – الناشر : دار الإعتصام – الطبعة الثالثة 1985م – مكتبة نهضة الشرق – جامعة القاهرة – رقم الإيداع : 5219 / 1985)
إذن هناك اختلاف بين العلماء فى حصر السور والآيات التى وقع فيها النسخ !
من ناحية أخرى ..
يقول الزرقانى : " إن فى القرآن آيات كثيرة نُسخت أحكامها " .
( النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – مصدر سابق – ص 34)
ويقول هبة الله بن سلامة : ونزول المنسوخ بمكة كثير ونزول الناسخ فى المدينة كثير. ( الناسخ والمنسوخ – هبة الله بن سلامة – مصدر سابق – ص 50)
ونفس الكلام قاله الشيخ أبو القاسم . ( المصدر السابق – ص 75 )
ويقول المستشار محمد سعيد العشماوى : الآيات التى تتضمن النسخ كثيرة.
( حصاد العقل – ص 47 – دار سينا للنشر – الطبعة الثانية 1992 رقم الإيداع 3466 / 92 - الترقيم الدولى :I.S.B.N. 977 – 5140 – 23 – 4 )
وبالرغم من إجماع علماء الصحابة والتابعين على وجود النسخ فى القرآن ورغم النصوص الصريحة الدالة عليه إلا أن بعض العلماء فى القديم والحديث رفضوا القول بوجوده فى القرآن .. مثل " أبو مسلم الأصفهانى " وكانت حجته قول القرآن : " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " . ( فصلت : 42 )
فلو نٌسخ بعض القرآن لتطرق اليه البطلان وهذا محال لإخبار الله تعالى أنه لا يأتيه الباطل "
( علوم القرآن – د.عبد الله شحاتة – مصدر سابق ص 369 – انظر أيضاً مباحث فى علوم القرآن – ص 227 – تأليف مناع القطان – مكتبة وهبة للنشر – عابدين – الطبعة الثانية عشر 1423هـ – 2002م – رقم الإيداع: 2784 / 1995- الترقيم الدولى : I.S.B.N. 997 - 225 - 069 – 1)
كذلك رفض الإمام الرازى النسخ فى القرآن بإعتباره يمس العصمة الإلهية واحتج بقول القرآن " لا تبديل لكلمات الله " ( يونس : 64 )
( سلطة النص – د . عبد الهادى عبد الرحمن ص 222 – دار الإنتشار العربى ببيروت – دار سينا للنشر بالقاهرة – الطبعة الأولى 1998 - الترقيم الدولى : I.S.B.N. 1 84110178)
وقد نقل د. عبد المتعال الجبرى عن البيضاوى قوله : " .. لأن الناسخ والمنسوخ مظهر للتعارض أو التضاد فى نصوص الوحى .. والتعارض مظهر يدل على عدم صحة دعوى أن القرآن مصدره واحـد وهو اللــه " ولو كــان من عند غير اللـه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً " ( النساء : 82 )
( شطحات مصطفى محمود فى تفسيراته العصرية للقرآن – د . عبد المتعال الجبرى – دار الإعتصام – ص 140 – رقم الإيداع : 5580 / 1976- الترقيم الدولى : I.S.B.N. 7065 – 59 – 0)
ونذكر من العلماء المُحدَثين الشيخ محمد الغزالى* الذى يرى أنه لا نسخ وانما هناك تدرج فى التشريع** ( علوم القرآن – مصدر سابق – ص 378)
لذلك يقول صالح الوردانى : " ويٌذكر أن هناك إتجاهاً داخل أهل السنة ينكر فكرة النسخ فى القرآن " .
( زواج المتعة حلال عند أهل السنة – صالح الوردانى – ص 40 – الناشر مكتبة مدبولى الصغير- ميدان سفنكس – الجيزة – - الطبعة الأولى : 1417 هـ – 1997م-رقم الإيداع : 5687 / 96 - الترقيم الدولى: I.S.B.N. 977 – 285 – 600 – 6 )
مشاكل النسخ :
1- إذا كان هناك ناسخ ومنسوخ فلابد من معرفة الناسخ ومعرفة المنسوخ :
قال الأئمة لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله تعالى ، إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ ، .... ( الناسخ والمنسوخ .... – ابن العربى – مصدر سابق – ص 3)
لذلك يقول القطان*** : ولمعرفة الناسخ والمنسوخ أهمية كبيرة عند أهل العلم من الفقهاء والأصوليين والمفسرين حتى لا تختلط الأحكام ، ولذلك وردت أثار كثيرة فى الحث على معرفته ، فقد روى أن عليا رضى الله عنه مر على قاص فقال له : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا ، فقال : هَلكت وأهلكت ، ....
(مباحث فى علوم القرآن – مصدر سابق – ص 226 – انظر أيضاً المصدر السابق
وعن ابن عباس : انه قال فى قوله تعالى " ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيراَ " ( البقرة : 269 ) قال : " ناسخه ومنسوخه ، ....، وحرامه وحلاله "
( المصدر السابق – ص 226)
ويقول الإمام أبو جعفر النحاس : إعلم أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ منه والمنسوخ لأنه إن جهل ذلك أحل الحرام وحرم الحلال وأباح المحظور وحظر المباح وهو معنى قول على بن أبى طالب كرم الله وجهه لعبد الرحمن بن داب* " هَلكتَ وأهلكتَ "
( كتاب الناسخ والمنسوخ ... – أبو جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 262)
لذلك يقول د . محمد إسماعيل** : " معرفة الناسخ والمنسوخ ركن عظيم فى الإسلام وفى الإهتداء الى صحيح الأحكام "
( الأسطورة والتراث – د. سيد محمود القمنى – ص 251 – دار سينا للنشر بالقاهرة الطبعة الثانية 1993 – رقم الإيداع 9299 / 091 الترقيم الدولى : I.S.B.N. : 977 – 5140 –12– 8،وقد نقلها عن مقدمة د.شعبان اسماعيل لكتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس)
ولكن معرفة الناسخ والمنسوخ لدرجة اليقين أو حتى لدرجة الإطمئنان أمر شبه مستحيل بسبب الإختلاف بين العلماء وبعضهم فى الترتيب الزمنى للسور والآيات .. فـَ هبة الله بن سلامة مثلا يذكر أن هناك 17 سورة اختلف العلماء فى تنزيلها .. نزلت فى مكة أم فى المدينة ! ( الناسخ والمنسوخ – هبة الله بن سلامة – ص 177 ، 189)
وقد أعترف د . عبد الله شحاتة بذلك الإختلاف ولكنه ذكر عدد أقل من السور ( 11 سورة ) . ( علوم القرآن – مصدر سابق – ص 49)
ويقول القاضى أبو بكر ( ابن العربى ) :
" ومعرفة المدنى من المكى أمر عسير لم تبلغ اليه معرفة العلماء على التحقيق ولا ثبت فيه النقل على الصحيح ...
وليتنا علمنا ما نزل بالمدينة فكيف بنا أن نعلم ترتيب النزول واحدة بعد أخرى ؟ هذا ما لا سبيل لمعرفته الى أحد !".
( الناسخ والمنسوخ ... – ابن العربى – مصدر سابق – ص 16 ، 17)
ورغم قول كثير من العلماء .. أن آية الوصية نُسخت بآية المواريث يقول ابن العربى فى الآيتين :
" ولا عنـدنا من معــرفة المتقـدمة من المتـأخرة أصـل ولا سيما والوصية مشروعة لبعض الأقربين " ( المصدر السابق – ص 20)
من ناحية أخرى يقول د . محمد حسين الصغير*** :
" إن الضوابط التى وضعها العلماء لمعرفة المدنى من المكى ليست حتمية ، ولكنها أمارات غالبة لتوافر استثناءات فى بعضها " .
( تاريخ القرآن – د . محمد حسين على الصغير – ص 50 – دار المؤرخ العربى – بيروت – لبنان – ص.ب. 124 / 24 – الطبعة الأولى 1420 – 1999م)
وعالم شيعى آخر وهو الشيخ سالم الصفار البغدادى يقول :
" منهج التفسير التاريخى يدل على التكلف والدعوى بغير دليل ، .....
وهنا تجرٌأ بالتخرص بالقرآن وآياته المباركة ، وذلك لعدة وجوه – ذكر منها :
اشكال حصر الترتيب الزمنى لانقطاع الرواية فى ذلك لا سيما وقد عرفت ما أصاب الحديث وبطلان دعواهم فى صحاحهم ، وقد رأيت مدى الاختلاف ومنها ضبط العلماء بين المكى والمدنى على اختلاف فى جملة من الآيات ! "
( نقد منهج التفسير والمفسرين المقارن- للشيخ سالم الصفار – دار الهادى للنشر – الطبعة الأولى : 1420 هـ - 2000م – غبيرى – بيروت – لبنان – ص.ب. 286 / 25)
وإذا أردنا مثالا آخر لهذا الإختلاف .. فنجد عند مجاهد سورة الفاتحة " مدنية ".. لكن الواحدى يعلق قائلا ً : ومعنى ذلك أن رسول الله ( صلعم ) قام بمكة بضع عشرة سنة يصلى بلا فاتحة الكتاب ، وهذا مما لا تقبله العقول ! .
( أسباب النزول للإمام الواحدى النيسابورى - ص 24 – تحقيق أيمن صالح شعبان – دار الحديث – القاهرة – الطبعة الرابعة 1419هـ - 1998م- رقم الإيداع : 5095 / 98- الترقيم الدولى : I.S.B.N. 977 – 300 – 002 – 8)
إذن فـ غياب الترتيب الزمنى للسور والآيات كان من أهم الأسباب فى عدم إمكانية الضبط و الحسم وإختلاف العلماء فى الناسخ والمنسوخ ..
حتى أول ما نزل أو آخر ما نزل لم يحسم !! ..
فيقول الباقلانى : " اختلفوا فى أول ما نزل من القرآن فمنهم من قال : إقرأ باسم ربك ، ومنهم من قال ياأيها المدثر ، ومنهم من قال فاتحة الكتاب . واختلفوا أيضا فى آخر ما نزل ، فقال ابن عباس :
إذا جاء نصر الله ، وقالت عائشة سورة المائدة. وقال البراء بن العازب :
آخر ما نزل سورة براءة ( التوبة ) ، وقال سعيد بن جبير : آخر ما نزل قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله. وقال السدى : آخر ما نزل : فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت " .
( جدل التنزيل – د . رشيد الخيَون – ص 19 – منشورات الجمل – كولونيا – المانيا 2000 - Email : kalmaaly@aol.com)
ويقول د . يوسف خليف* : " أول سورة نزلت بإتفاق العلماء وبنص الحديث الشريف هى سورة العلق ، ثم إختلف العلماء ، فمنهم من يرى أن المزمل نزلت بعد ذلك ثم نزلت المدثر ، ومنهم من يرى أن المدثر نزلت أولا ثم نزلت المزمل . وفى مصحف على بن أبى طالب – وهو مرتب ترتيبا تاريخيا – إن أول سورة (إقرأ) ، ثم (ن) ، ثم (المدثر) ، ثم (المزمل). وفى مصحف بن عباس – وهو مرتب أيضا ترتيبا تاريخيا – أن الأولى (أقرأ)، ثم (ن)، ثم (المزمل) ، ثم (المدثر) ".
( دراسات فى القرآن والحديث – د. يوسف خليف – ص 7 – مكتبة غريب – الفجالة)
يقول د . خليف : " ويختلف العلماء حول آخر آية نزلت اختلافا يرجع الى ما رواه الصحابة عن ذلك ، فبعض الصحابة يقولون إن آخر ما نزل من القرآن آية الكلالة ، وهى آخر آية فى سورة النساء ... وبعض الصحابة يقولون إن آخر ما نزل آية الربا ... ( البقرة : 278 ) وبعض الصحابة يقولون إن آخر ما نزل الآيتان الأخيرتان من سورة التوبة . وبعض الصحابة يقولون إن آخر ما نزل ... ( البقرة : 281 ) وبعض الصحابة يقولون إن آخر ما نزل ... (المائدة : 3) . وبعض الصحابة يقولون إن آخر ما نزل " سورة الفتح " .
( المصدر السابق – ص 21 ، 22 – أنظر أيضاً أسباب النزول للواحدى – مصدر سابق)
ويقــول د. محمد أركون* : " وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار كل هذه التحليلات ، فإننا نجد أنه من الصعب تحديد مضمون القرآن أو محتواه . ذلك أننا نجد أنفسنا مهددين بالسقوط مبـاشرة فى أحضـان الأسـلوب التفسيرى الموروث والمتخـيل الدينى التقليـدى . علاوةعلى ذلك نحن نعلم أن نظام ترتيب السور والآيات فى " المصحف " لا يخضع لأى ترتيب زمنى حقيقى ، ولا لأى معيار عقلانى منطقى . وبالنسبة لعقولنا الحديثة المعتادة على منهجية معينةفى التأليف والإنشاء والعرض القائم على "المحاجَة " المنطقية ، فإن نصَ المصحف وطريقة ترتيبه تدهشنا " بفوضاها ".
( الفكر الإســلامى – نقد وإجتهاد – ترجمة وتعليق هاشم صالح – دار الساقى – بيروت ص 90 – الطبعة الثالثة 1998م - الترقيم الدولى : I.S.B.N.1 85516- 095 1)
والإختلاف فى ترتيب السور والآيات ترتيبا زمنيا لم يكن فقط بين علماء المسلمين وبعضهم بل أيضا بين علماء المسلمين والمستشرقين بل وبين المستشرقين وبعضهم.
وقد أورد هذا الخلاف باسهاب د . عبد الرحمن بدوى** تحت عنوان :
فشل أى محاولة لترتيب القرآن ترتيبا زمنياً
ويقول : لماذا كرس المسلمون كل هذا الوقت والجهد منذ وفاة النبى لترتيب السور القرآنية ترتيبا زمنيا ؟
السبب هو طبعا مسألة " الناسخ والمنسوخ " لأن التشريع الإسلامى الذى نزل على محمد جاء على مراحل . مما جعل بعض القواعد تٌلغى لحساب أخرى وفقا للتطور فى الوحى .
وأصبحت قضية الناسخ والمنسوخ علماً قائماً بذاته أكتسى أهمية كبرى .فإعتمادا على هذا العلم كانت تصدر القرارات العملية التى تنظم حياة المسلمين .
وشرع العلماء المسلمون فى كتابة مؤلفات لا حصر لها فى هذا الصدد منذ القرن الثالث الهجرى . خاصة أنه جاء ذكر مسألة الناسخ والمنسوخ فى مواضع مختلفة من القرآن ...
( الدفاع عن القرآن ضد منتقديه – د. عبد الرحمن بدوى – ص 107 ، 112 -الناشر : مكتبة مدبولى الصغير – ميدان سفنكس – الجيزة – رقم الإيداع : 3113 / 98-الترقيم الدولى : I.S.B.N. 977 – 286 – 052 0- X)
من ناحية أخرى .. نذكر أن الإختلاف فى ترتيب نزول الآيات ليس فقط بين علماء السنة أو بين العلماء والمستشرقين .. بل أيضا بين أهل السنة والشيعة .
( كشف الجانى .... بقلم عثمان بن محمد آل خميس الناصرى أبو محمد التميمى – ص 87 – مكتبة ابن تيمية – القاهرة – الطبعة الأولى : 1417 هـ - 1997م )
فى هذا الصدد أيضا يقول صالح الوردانى :
" والسؤال الذى يطرح نفسه هنا : ما هو الميزان الشرعى لقضية الناسخ والمنسوخ ؟
والإجابة ببساطة إنها قضية وضعية من إبتكار عقول الفقهاء تعتمد على أساس تتبع الفترات الزمنية لحركة النصوص القرآنية وتحديد السابق واللاحق منها . ونفس الرؤية تم تطبيقها على الروايات المتناقضة مع بعضها..
ولما كانت مسألة حسم فترات النزول أى نزول النص القرآنى بين الفقهاء غير واقعة أى أن هناك خلافا حول الناسخ والمنسوخ من القرآن بين الفقهاء فكيف يكون حال الخلاف بينهم فى محيط الروايات. وكيف يمكن تحديد السابق واللاحق من بينها .. ؟ "
( زواج المتعة حلال ... – مصدر سابق – ص 37)
ويقول طيب تيزيني* :
" إن ( الترتيب التاريخى ) لظهور السور والآيات وكذلك وحدة مواضيعها غائبان " عما سمى بـ ( النص الأم ) المُلزم ، الذى هو ( مصحف عثمان ).
أما السبب المحتمل ، الذى كمن وراء ذلك فلعله تأخر الوقت أمام جُمّاعة لإثبات ذلك الترتيب . وهذا هو المرجح ، بخلاف ما يراه البعض من أن ( توقيفية ) القرآن أتت بأمر محمد النبى ومن أنه – من ثم – لا مجال للإجتهاد فيها ". (- النص القرآنى ... – ج5 – ص 368 – دار الينابيع – دمشق – ص.ب : 6348 – طبعة 1997م.- 50- المصدر السابق – ص 253)
وفى موضع آخر يقول د . تيزيني :
" كيف نعرف الناسخ والمنسوخ مع غياب الترتيب التاريخى والموضوعى للسور والآيات لذلك فهو** مخترق من هذه الناحية . (المصدر السابق – ص 253 )
ويقول خليل عبد الكريم***
" ونظرا لأنه لا يوجد ترتيب تاريخى لـ النصوص إذ أن المستوى المعرفى الذى كان سائدا وقت إنبثاق النصوص لم يكن يسمح بذلك فإنهم وجدوا فى القول بالنسخ ميدانا رحيبا لتبرير وتسويغ التناقض الذى ركب عديداً من النصوص ، ... "
( دولة يثرب – بصائر فى عام الوفود – خليل عبد الكريم – ص 48 – دار الإنتشار العربى – بيروت – لبنان – دار سينا للنشر – القاهرة .طبعة أولى 1999م- الترقيم الدولى : I.S.B.N. : 1 841170 410 )
عموما .. " لا يوجد نص فى القرآن الكريم أو نص متواتر من السنة يقول :
إن هذا الحكم ناسخ لحكم كذا ... " كما قال الشيخ محمد ندا .
( النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – مصدر سابق – ص 67)
وكما ظهر الخلاف بين الصحابة مبكرا حول أول ما نزل وآخر ما نزل وبالتالى الخلاف على ما نزل بينهما .. كان من الطبيعى أن يظهر عدم معرفة الناسخ من المنسوخ مبكرا أيضا...
فهذا عثمان بن عفان الصحابى الكبير المبشر بالجنة ويلقب فى الإسلام بـ " ذى النورين " لزواجه من بنتين من بنات النبى .. وهو الخليفة الراشد الثالث والذى جمع القرآن بعد أبو بكر وعمر انقاذاً للأمة من الإختلاف حول القرآن – هذه الشخصية عندما سئل عن الجمع بين الأختين فى ملك اليمين – أجاب : أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك ...
( تفسير ابن كثير – المجلد الثانى ص 222 – مصدر سابق)
وحتى لا نقول تناقض فبالتأكيد - واحدة منهما ناسخة للأخرى – لكن الصحابى الجليل لم يعرف أيهما الناسخة وأيهما المنسوخة !!
إذن كان من الطبيعى أن يحصل تضارب بين علماء ما بعد الصحابة !!
فيقول ابن الخطيب :
" اختلف المتقدمون اختلافاً كبيرا فى الناسخ والمنسوخ ولهم فى ذلك مؤلفات شتى".
(الفرقان – لأبن الخطيب – ص 155 – توزيع دار الباز للنشر والتوزيع – عباس أحمد الباز – مكـة المكرمـة – دار الكتب العلمية ببيروت – لبنــان – دار طيبة للنشر والتوزيع – الرياض . ( ت : 425377 ).
والشيخ محمد ندا يضرب لنا مثالا لهذا التضارب ويقول :
] آية " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ماملكت يمينك .. " ( الأحزاب : 52)
قال البعض أنها منسوخة بقوله تعالى : تٌرجى من تشاء منهن وتؤى اليك من تشاء ..".(الأحزاب:51 )
ويؤكد كلامهم الحديث الصحيح عن عائشة والذى أخرجه أبو داود والترمذى وصححه والنسائى والحاكم وصححه وابن المنذر .. قالت :
" لم يمت رسول الله ( صلعم ) حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات مَحرَم لقوله سبحانه وتعالى " " تُرجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء "
وهذا الحديث جاء أيضا عن أم سَلمة ورواه القرطبى.
وكذلك ذهب هبة الله بن سلامة فى الناسخ والمنسوخ.
كذلك ذكر القرطبى قول بعض العلماء : لما خَير رسول الله ( صلعم ) نساءه فأخترنه حرم عليه التزويج بغيرهن والإستبدال بهن مكافأة لهن على فعلهن والدليل على ذلك قوله تعالى : " لا يحل لك النساء من بعد ... ". ( الأحزاب : 52 )
ثم نسخ هذا التحريم فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء والدليل قوله تعالى : " ياأيها النبى انا أحللنا لك أزواجك .. " ( الأحزاب : 50 )
قال : وهذه الآية وان كانت متقدمة فى التلاوة فهى متأخرة النزول على الآية المنسوخة بها.
ويعلق الشيخ محمد محمود ندا بقوله : ولم يأت بدليل على تأخر نزولها .
ويستطرد الشيخ ندا ... ومن السخف بمكان أن يقال أنها منسوخة بالسنة والناسخ لها حديث عائشة " مامات رسول الله حتى أحل الله له النساء ".
على أن هناك من المفسـرين من عكسـوا الوضـع فرأوا أن الآية : " لا يحل لك النساء " ( الأحزاب : 52 ) نَسـخت الآيــة السـابقة " ياأيـها النـبى أنــا أحللنـا لك أزواجــــك " . ( الأحزاب : 50 ) .
حيث جاء فى الجامع لأحكام القرآن للقرطبى : أن النبى ( صلعم ) كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نٌسخ ذلك .
يقول ابن العربى : ويقــولون أن الترتيب فى التلاوة ليس دليل على الترتيب فى النزول.
وهذا عجيب من قائليه : فإن النسخ فى الحقيقة يعتمد ثبوت تأخر الناسخ عن المنسوخ وأن يكون بينهما تعارض ، وأين هذا مما يقولون ؟
هــل مجــرد إحتمــال أن تكون الآيــة التى معنـا متقـدمة فى النزول كاف لإثبات النسخ فيها ؟.. [ ( النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – مصدر سابق – ص 150 – 153)
ويعطينا الشيخ محمد محمود ندا* مثالاً آخر للتضارب فيقول : " وآية الوصية التى قال جمهور العلماء بنسخها تضاربت أقوالهم باى شىء نٌسخت فقيل أنها نسخت بآية المواريث وقيل أنها منسوخة بالسنة ( حديث لا وصية لوارث ) وقيل أنها منسوخة بإجماع الأمة ". ( المصدر السابق ص 86)
ومثال ثالث للتضارب : آية " الطلاق مرتان " ( البقرة : 229 )
يقول الإمام أبو جعفر النحاس : فمن العلماء من جعلها منسوخة ومنهم من جعلها ناسخة ومنهم من جعلها محكمة ( غير منسوخة )
( كتاب الناسخ والمنسوخ ... للإمام أبو جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 64)
ويضرب لنا المستشار محمد سعيد العشماوى مثلاً رابعاً للتضارب فيقول :
" آية المتعة ( النساء 4 : 24 ) اختلف الرأى بشأنها حيث يرى البعض أنها نسخت بالآية ( 6 ) من سورة المؤمنون ، ويرى آخرون أن هذه الآية ( المؤمنون : 6 ) مكية ( نزلت فى مكة ) وآية المتعة ( النساء : 24 ) مدنية ( نزلت فى المدينة ) فلا يمكن أن تنسخها خاصة إنها نزلت بعدها بكثير ، ولا ينسخ السابق اللاحق بل العكس."
( الإسلام السياسى – المستشار محمد سعيد العشماوى ص 226 – دار سينا للنشر-رقم الإيداع 8701 / 1987 - الترقيم الدولى: .S.B.N : 977 – 103 – 385 – 9 )
لذلك يقول : " النسخ فى القرآن مبدأ هام وخطير الشأن والأثر – فهذا المبدأ ظل – وما زال عاطلاً من أية نظرية تضع له ضوابط محددة ، بعيد عن أية قاعدة ترسم له معايير ثابتة ، ومن ثم فهو متروك الى الرأى – أى رأى ، والى القول - أى قول ، حتى لو كان لمصلحة سياسية أو لغرض حربى أو لدافع كسبى ". ( المصدر السابق – نفس الصفحة)
2- المشكلة الثانية .. لابد من التيقن من كون الآية .. منسوخة أم محكمة .. فالنسخ ليس أمراً سهلاً فهو انهاء لتكليف أو حكم إلهى إشتملت عليه آية قرآنية..
فابن الجوزى سرد ما حصره جماعة من المفسرين من الناسخ والمنسوخ ثم قال :
" واضح بأن التحقيق فى الناسخ والمنسوخ يظهر أن هذا الحصر تخريف من الذين حصروه ، والله الموفق " ( نواسخ القرآن – مصدر سابق – ص 40)
وكثيراً ما قال فى كتابه " نواسخ القرآن " وأختلف المفسرون فى هذه الآية ..هل هى محكمة أم منسوخة ؟؟ "
كذلك تكررت هذه العبارة فى كتب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس وابن العربى وهبة الله بن سلامة ( أرجع للمصادر )
وكمثال للإختلاف أو التضارب فى هذه النقطة ... الآية (93) من سورة النساء :
" ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وَغَضبَ الله عليه ولَعَنهُ وأعد له عذاباً أليماً " .
يقول الإمام أبو جعفر النحاس نسختها الآية ( 48 ، 116 ) من سورة النساء.
" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". والله أعلم.
وعند ابن عباس وابن عمر أنها محكمة.
( كتاب الناسخ والمنسوخ – للإمام أبو جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 281)
وقد وصل الخلاف فيها حتى بين الإمام على ابن أبى طالب وأبن عمه عبد الله بن عباس حبر الأمة .. وهما أولاد عم النبى (ص) !!
فيقول ابن العربى:
( فقد ناظر " عليا " " ابن عباس " رضى الله عنهما فيها فقال له" على " من أين لك إنها محكمة ؟ قال : لتكاثف الوعيد فيها ( فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنهُ ) . وقال " على " نسختها آية قبلها وهى قوله تعالى :
" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .. " ( النساء : 48 )
وآية بعدها " إن الله لا يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .."(النساء: 116).
والثانى إن ناسخها آية الفرقان وذلك قوله تعالى :" إلا من تاب " . ( الفرقان : 70 ) ......
وكلما ذكروا لإبن عباس التوبة .. يتلو الآية " ومن يقتل مؤمنا متعمداً ... " ويقول :
ما نٌسخت هذه الآية ولا بدلت وأنَّى له التوبة ؟ ..)
( الناسخ والمنسوخ ... – لأبن العربى – مصدر سابق ص 107 ، 108)
فهنا الإمام " على " بن أبى طالب يرى أن النساء : 93 منسوخة بأخرى و " ابن عباس " يرى أنها محكمة لتكاثف الوعيد فيها ويقول ما نسخت هذه الآية ولابدلت وأنّى له التوبة؟..
وبين القائلين بالنسخ والقائلين بعدم النسخ يقول الزرقانى :
فبأى الرأيين نأخذ ؟
أنقول ( مثلاُ ) : أن هذه الآية الكريمة ( فاعفوا واصفحوا ) منسوخة ببدل* ؟ أم نقول أنها ليست منسوخةلأن الأمر بالعفو والصفح باق لم ينسخ مع ضعف المسلمين وقلتهم ؟
لقد وضح الصبح لذى عينين !!
( النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – مصدر سابق – ص 79)
كذلك الإمام الحجة أبو جعفر النحاس يعطينا مثالاً آخر للإختلاف فى الآية : " ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فأكتبوه " قال وأفترق العلماء فيها على ثلاثة أقوال ....
يقول محمد عبد المنعم مراد : وأكتفى بهذا القدر من كلام أبى جعفر ، وأقول أنه واضح من هذه الأقوال أن العلماء إختلفوا ، هل هذه الآية واجبة أم على سبيل الندب والإرشاد لا على الحتم ؟ أم هى منسوخة ؟.
( تأويل ما أٌشكل على المفسرين – محمد عبد المنعم مراد – ص 14 ، 16 – مركز الكتاب للنشر . رقم الأيداع : 18478 / 2000 الترقيم الدولى : I.S.B.N. : 977 - 294 – 213 – 5)
ولا يفوتنا أن نأخذ مثالا آخر من كتب الشيعة .. ففى الآية : 24 من سورة النساء ( واذا حضر القسمة أولو القربى ).
قال أبو على الطبرسى : "إختلف الناس فى هذه الآية على قولين أحدهما : أنها محكمة غير منسوخة وهو المروى عن الباقر(ع) .
قال محمد الشيبانى فى نهج البيان : وقال قوم أنها ليست منسوخة يعطى من ذكرهم الله على سبيل الندب والطعمة ، .... ورواية النسخ ناسخة وجوب إعطائهم بآية الميراث ، انتهى ". ( آراء حول القرآن – مصدر سابق – ص 191)
وقد سبق أن ذكرنا فى بداية البحث اختلاف العلماء فى حصر السور والآيات التى وقع فيها النسخ.
3- المشكلة الثالثة .. نسخ الخبر
يقول الإمام أبو جعفر النحاس (متوفي 338 هـ) : ] نسخ الخبر قول عظيم جداً يؤول إلى الكفر، لأن قائلاً لو قال : قام فلان ثم قال: لم يقم ، فقال نسخته لكان كاذباً.
وقال ابن عقيل (شيخ الحنابلة - متوفي 513 هـ) : الأخبار لا يدخلها النسخ، لأن نسخ الأخبار كذب وحوشي القرآن من ذلك.
ويقول الإمام الحافظ ابن الجوزي (متوفي 597 هـ) : الخبر الخالص لا يجوز عليه النسخ، لأنه يؤدي إلى الكذب وذلك مٌحال[ (نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص22)
فهل في القرآن نسخ أخبار؟
جاء في أسباب النزول: نزلت في عشرة آمنوا ثم ارتدوا فندم منهم الحارث بن سويد وعاد إلى الإسلام فنزلت "إلا الذين تابوا من بعد ذلك" (آل عمران: 89)
قال بعض العلماء ومنهم السدي* : هذه الآيات (آل عمران: 86-88) منسوخة بـ (آل عمران: 89) وكذلك اعتبرها هبة الله بن سلامة، والطبري في تفسيره والطبرسي في تفسيره.
(المصدر السابق – ص106. انظر أيضاً الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق - ص99 – وتفسير ابن كثير للآيات (2/58) – مصدر سابق. انظر أيضاً كتب أسباب النزول للواحدي والسيوطي)
وللرد على مَن قال إن الآية (89) من آل عمران استثناء والاستثناء ليس بنسخ نقول: لو أن الآيات من 86 إلى 89 متصلة كان من الممكن هذا القول، أما أن الاستثناء نزل متأخراً (كما في أسباب النزول) فهذا موضوع آخر.
قال بعض العلماء منهم سعيد ابن جبير: إن هذه الآية منسوخة بقوله : "وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفَر بها ويُستَهزأ بها فلا تقعدوا معهم.."(النساء: 140) (نواسخ القرآن – مصدر سابق – ص154)
وقال هبة الله بن سلامة: نُسخ ذلك بقوله: "فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره" (النساء: 140) (الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سبق – ص120)
وقال الإمام أبو جعفر النّحاس بإسناد عن الضحاك عن ابن عباس: هذه الآية مكية نُسخَت بالمدينة بقوله : "فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره" (النساء: 140) (كتاب الناسخ والمنسوخ – أبو جعفر النحاس – مصدر سابق – ص132)
وقال ابن العربي: وذُكر عن ابن عباس (رض) أنها منسوخة بقوله تعالى : "فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره" (النساء: 140)
(الناسخ والمنسوخ لابن العربي – مصدر سابق – ص123)
قال بعض العلماء: نُسخَت بالسنّة من تحريم الحُمُر الأهلية وكل ذي ناب من السّباع ومَخلَب من الطير. (نواسخ القرآن – مصدر سابق – ص160)
وقال ابن العربي : هذا الحديث خَرَّجه الأئمة كلهم. منهم مَن خرجه (نهى) ومنهم مَن خرجه (حرم) كل ذي ناب من السباع على القول بذلك وهو الصحيح
(الناسخ والمنسوخ لابن العربي – مصدر سابق – ص127)
قال الجوزي بإسناد عن عكرمة عن ابن عباس(رض): نسختها الآية التي بعدها "وما لهم ألا يعذبهم الله". وقد رُويَ مثله عن الحسن وعكرمة.
(نواسخ القرآن – مصدر سابق – ص166)
وقال هبة الله ابن سلامة: "وما كان الله ليعذبهم.." الآية ثم نزلت بعدها آية ناسخة لها فقال تعالى: "وما لهم ألا يعذبهم الله"
(الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق - ص125)
وقال ابن العربي: قال الحسن: نزلت بعدها آية نسختها وهي قوله تعالى: "وما لهم ألا يعذبهم الله" (الأنفال: 34)
جاء في أسباب النزول للسيوطي: قوله تعالى: "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتَين"، أخرج اسحق ابن راهويه في مسنده عن ابن عباس قال: لما افترض الله عليهم أن يقاتل الواحد عشرة ثَقُل ذلك عليهم وشُق، فوضع الله عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلَين، فأنزل الله "إن يكُن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتَين" إلى آخر الآية (الأنفال: 66)
(أسباب نزول (الأنفال : 66) للسيوطي. انظر أيضاً تفسير بن كثير (4/31) – مصدر سابق – والناسخ والمنسوخ لابن العربي – مصدر سابق – ص132 – وكتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص149. وانظر أيضاً صحيح البخاري حديث رقم 4653 – حيث جاء لما نزلت ( الأنفال : 65) شق ذلك على المسلمين حين فُرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف)
وقد قال المفسرون: لفظ هذا الكلام لفظ الخبر ومعناه الأمر والمراد: يقاتلوا مائتين، وكان هذا فرضاً في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى: "الآن خفف الله عنكم" (الأنفال: 66) ، ففرض على الرجل أن يثبت لرَجُلَين، فإن زاد جاز له الفرار..
(نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص168)
وقال هبة الله ابن سلامة: قوله تعالى "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" هذا مُحكَم، والمنسوخ قوله تعالى: "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين" إلى آخر الآية، فكان فُرض على الرجل أن يقاتل عشرة، فمتى ما فر من دونها، كان مولياً للدبر، فعلم الله تعالى عجزه عن ذلك فنزلت الآية التي بعدها فصارت ناسخة لها، فقال تعالى: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً" (الأنفال: 66)
(الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص126)
وذكر الإمام أبو جعفر النحاس بإسناد عن عطاء عن ابن عباس قال: نسختها "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً" (الأنفال: 66)
(كتاب الناسخ والمنسوخ – أبو جعفر النحاس – مصدر سابق – ص149)
قال بعض العلماء : نسخها قوله : "مَن كان يريد العاجلة عَجَّلنا له فيها ما نشاء لمَن نُريد" (الإسراء 18)
(نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص182. انظر أيضاً الناسخ والمنسوخ لابن العربي – مصدر سابق – ص154)
وقال الإمام النّحاس بإسناد عن الضحاك عن ابن عباس نسختها (الإسراء: 18)
(كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 171)
قال قوم من العلماء منهم ابن مُنبه والسدي ومقاتل ابن سليمان أنها منسوخة بقوله تعالى: "ويستغفرون للذين آمنوا" (غافر: 6)
(نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص218. و الناسخ والمنسوخ لابن العربي – مصدر سابق – ص 195. و كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 215)
روَى الضّحاك عن ابن عباس قال: نُسخت بقوله: "قل ما سألتكم من أجر فهو لكم" وإلى هذا ذهب مقاتل.
(نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص220. و الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص165. و الناسخ والمنسوخ لابن العربي – مصدر سابق – ص 197. و كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 217)
قال المُحَقّقون: لما نزلت هذه الآية قال المسلمون: يا رسول الله لا نطيق، ... فنزل قوله تعالى : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (البقرة: 286)، ثم علم الله تعالى ذكره أن الوسع لا يُطاق فخفف الوُسع بقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" (الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص97)
قال مقاتل ابن سليمان: نسختها "ثلة من الأولين وثلة من الآخرين" (الواقعة:39،40) (المصدر السابق – ص177، 178)
ويؤيد قول مقاتل ما جاء في أسباب النزول للواحدي النيسابوري – قال: قال عروة بن رويم : لما أنزل الله تعالى "ثلة من الأولين وقليل من الآخرين" بكَى عُمر وقال : يا رسول الله آمنّا بك وصدقناك، ومع هذا كله مَن ينجونا قليل ، فأنزل الله تعالى : "ثلة من الأولين وثلة من الآخرين" فدعا رسول الله عمر فقال: يا عمر بن الخطاب قد أنزل الله فيما قلت، فجعل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فقال عمر: رضينا عن ربنا نصدق نبينا، فقال رسول الله (ص): من آدم إلينا ثُلّة، ومنّي إلى يوم القيامة ثُلّة ، ...
(أسباب النزول للواحدي النيسابوري – مصدر سابق – ص343)
قال هبة الله بن سلامة: فنسخها الله تعالى بقوله: "ومن الأعراب مَن يؤمن بالله واليوم الآخر" (التوبة 99)
(الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص130)
(المصدر السابق – ص131)
(أسباب النزول للواحدي النيسابوري – مصدر سابق – ص323. و الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص170. وتفسير ابن كثير للآيات)
في (الرعد: 6) " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم" نُسخَت بقوله تعالى:" إن الله لا يغفر أن يُشرَك به"(النساء : 48) (الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص135)
(آراء حول القرآن – سماحة آية الله العُظمَى الإمام العلامة الأصفهاني – ص188- دار الهادي للنشر – بيروت – لبنان- ص.ب: 286/25 – طبعة أولى 1991م – 1411هـ)
ويعلق سامر إسلامبولي قائلاً: المُلاحَظ من دراسة النص أن الآية نزلت وانتهت وقد كتبها الكاتب في اللوح كما في روايات أخرى. فتدخل بن أم مكتوم وكان جالساً خلف النبي وقال معترضاً: يا رسول الله أنا ضرير؟ فسرعان ما تم التعديل والاستدراك ونزلت جملة (غير أولي الضرر) ليتم تلافي القصور في النّص. وأمر رسول الله بوضعها بعد جملة (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) وفعلاً قام الكاتب بحك النص المكتوب ليوسع للجملة الجديدة مكاناً، والحك ما زال موجوداً في اللوح كما في روايات أخرى.
(تحرير العقل من النقل – سامر إسلامبولي – حديث رقم (45) – ص256 – الأوائل للنشر – سوريا – دمشق – ص.ب: 3397 – الطبعة الأولى 2000م. موافقة وزارة الإعلام رقم 42586/1999 . انظر أيضاً تفسير ابن كثير (2/339) عن البخاري)
وقال بن أبي طلحة عن بن عباس: كان أول ما نُسخ من القرآن القبلة ...
وقد شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين.[
(تفسير ابن كثير (1/227) و (1/296) مصدر سابق)
نكتفي بهذه الأمثلة من نسخ الخبر وهي (75) آية قال بعض العلماء بنسخها.
(النسخ في القرآن .. – الشيخ محمد محمود ندا – مصدر سابق – ص76)
لذلك من العلماء مَن قال: قد دخل النسخ على الأمر والنهي وجميع الأخبار ومنهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي**وقد تابعهما على هذا القول جماعة من العلماء.
(كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 6. و الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص70، 51)
4- المشكلة الرابعة .. نسخ الحكم قبل العمل به ..
أمثلة:
لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة رضي الله عنهم ، وخافوا منها ، ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها ، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم. وعندما اشتكوا إلى النبي (ص) قال لهم: قولوا سمعنا وأطعنا. فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.." الآية.
والرواية رواها ابن كثير من أكثر من طريق عن البخاري ومسلم والإمام أحمد وغيرهم.
(ابن كثير (1/501) وما بعدها. و الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – عن ابن مسعود - مصدر سابق – ص97)
(الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص100، 101)
] قال معمر عن قتادة: (إذا ناجيتم الرسول) : إنها منسوخة، ما كانت إلا ساعة من نهار.
وعن مجاهد قال "عَليّ": ما عمل بها أحد غيري حتّى نُسخَت، وأحسبه قال: ما كانت إلا ساعة. [
(تفسير ابن كثير (8/75-77). و الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص179)
وروى ابن علقمة عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت "يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول.." الآية . قلت يا رسول الله : كَم؟ قال دينار قلت لا يطيقونه، قال : فكَم؟ قلت: حبة شعير قال : إنك لزهيد قال ونزلت "أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات" (المجادلة: 13). (كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 233)
وعندما قال أبو مسلم بن بحر الأصفهاني بأنها نزلت لامتحان المسلمين وتمييز المؤمنين من المنافقين منهم، فلما حصل ذلك الامتياز ارتفع ذلك الحكم لارتفاع سببه (حيث أنه ينكر النسخ في القرآن لأسباب أوضحناها من قبل) أجابوه بأن لازم ذلك أن يكون أغلب الصحابة من المنافقين ! (آراء حول القرآن –مصدر سابق – ص190)
لذلك كان المؤمنون ينتظرون النسخ .. فعندما أمرهم النبي (ص) أن يحلقوا رؤوسهم ويتحللوا لم يفعلوا انتظاراً للنسخ حتّى خرج فحلق رأسه ففعل الناس.
(تفسير ابن كثير (1/335) ، (6/89) – مصدر سابق)
وقال ابن عباس: ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن ... (المصدر السابق – (6/89))
] لكن العلماء اختلفوا هل يجوز نسخ الحكم قبل العمل به، فظاهر كلام أحمد: جواز ذلك وهو اختيار عامة أصحابنا* ، وكان أبو الحسن التميمي يقول : لا يجوز ذلك وهو قول أصحاب أبي حنيفة. واحتج الأولون بأن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ، ثم نسخ ذلك بالفداء قبل فعله، وأن النبي (ص) فُرض عليه وعلى أمته خمسون صلاة ثم نُسخ ذلك بخمس صلوات ...
واحتج مَن منع ذلك ، بأن الله تعالى إنما يأمر عباده بالعبادة ، لكونها حسنة فإذا أسقطها قبل فعلها، خرجت عن كونها حسنة وخروجها قبل الفعل يؤدي إلى البداء** (نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص27، 28)
ويقول الإمام "السيد عبد الحسين شرف الدين" : النسخ قبل حضور وقت العمل مُحال على الله ورسوله .
(أبو هريرة – تأليف سماحة الإمام آية الله الشريف السيد عبد الحسين شرف الدين – ص149، 150 – منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف – الطبعة الثالثة 1384هـ - 1964م)
5- المشكلة الخامسة .. آية السيف تنسخ عشرات الآيات ..
ومن هذه الآيات ما هو خبر أيضاً .
وحسب حصر الإمام أبو جعفر النّحّاس فإن عدد الآيات المنسوخة بآية السيف وآية القتال (التوية : 5، 29) – مئة واثنان وعشرون آية***.
(كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس – مصدر سابق – ص 267-274)
ومن أمثلة هذه الآيات المنسوخة:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة: 62) ومكررة في (المائدة: 69) أي مؤكَّدة.
وهي منسوخة بـ (آل عمران : 85) "ومَن يبتَغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" وذلك حسب قول اكثر العلماء.
(المصدر السابق – ص277. و الناسخ والمنسوخ – هبة الله ابن سلامة – مصدر سابق – ص77)
"لا إكراه في الدين " (البقرة : 69)
"فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر" (الكهف: 29)
"لكم دينكم ولي دين" (الكافرون : 6)
"أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس: 99)
"فمَن اهتدَى فإنما يهتدي لنفسه" (يونس: 108، النمل : 92)
"فاعبدوا ما شئتم من دونه " ( الزمر : 15)
"فمَن أبصر فلنفسه ومَن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ" (الأنعام : 104)
"ومَن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً" (النساء : 80، الشورى: 48)
" وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل" (الأنعام : 107)
" قل لست عليكم بوكيل" (الأنعام: 66)
" وما أنت عليهم بوكيل" (الشورى : 6)
" وما أرسلناك عليهم وكيلاً" (بني إسرائيل : 54)
"لست عليهم بمسيطر" (الغاشية: 22)
" وما أنت عليهم بجبار" (ق : 45)
"وما على الرسول إلا البلاغ المبين" (النور: 54 ، العنكبوت : 18)
"وما على الرسول إلا البلاغ" (المائدة : 99)
"فإنما عليك البلاغ" (النحل: 82، الرعد : 40، آل عمران : 20)
"وما علينا إلا البلاغ المبين" (يس : 17)
" إنما على رسولنا البلاغ المبين" (المائدة : 92)
"فهل على الرسل إلا البلاغ المبين" (النحل : 35)
لذلك ..
"إن أنت إلا نذير" (فاطر : 23)
فـ " قل إن أنا إلا نذير وبشير" (الأعراف : 188)
و " قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين" (ص : 38)
فـ " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" (الرعد : 7)
" إنما أنا لكم نذير مبين " (الحج : 49)
"إنما أنت نذير" (هود : 12)
".. إلا أنما أنا نذير مبين" ( ص: 70)
"إنما أنا نذير مبين" (العنكبوت : 50)
لذلك ..
" .. ومَن ضل فقُل إنما أنا من المنذرين" (النمل : 92)
و "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل : 125)
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" (العنكبوت : 46).
" .. تبَرُّوهم وتُقسطوا إليهم" (الممتحنة : 8)
"ادفع بالتي هي أحسن" (المؤمنون : 96، فصلت : 34).
و "قل لا تُسألون عمّا أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون" (سبأ : 25)
" إنّا أو إياكم لعَلَى هُدًى أو في ضلال مبين" (سبأ : 24)
"فاصفح الصفح الجميل" (الحجر: 85)
و " قل للذين آمنوا أن يغفروا للذين لا يرجون أيام الله" (الجاثية : 14)
" فاصفح عنهم وقل سلام" (الزخرف : 89)
" ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة : 190)
" وقولوا للناس حُسناً" (البقرة : 83)
" لنا أعمالنا ولكم أعمالكم" ( البقرة : 139)
"فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" (الدخان : 10)
"إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد" (الحج : 17)
" إن ربك يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" (السجدة : 23)
"ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون" (آل عمران : 55)
لذلك ..
" ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه" (النحل : 64)
"فذرهم حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه يُصعقون" (الطور : 45)
"وذر الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً" (الأنعام : 70، الأعراف : 51)
إذن ..
"لستَ منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله" (الأنعام : 159)
" فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (الرعد : 40)
" فاعبدوا ما شئتم من دونه" (الزمر : 15)
فهذه كلها آيات متضافرة تقول بحرية الإنسان وحقه في اختيار مصيره الأبدي وتقر مبدأ عدم الإكراه في الدين وأن الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة في الدين بالتي هي أحسن، وأن الرسل ما جاءت إلا للبلاغ، أما الحساب فسيكون من قبل الله تعالى، فهو وحده الوكيل وصاحب الأمر، وأن الحساب في اليوم الآخر وليس الآن وكذلك الفصل بين المختلفين من أهل الأديان .. لذلك قال القرآن للنبي: "لستَ منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله" ( الأنعام : 159)
لكن حسب قول علماء النسخ يأتي القرآن بآية السيف وآية القتال لينسخ كل ما سبق ..
ففي (التوبة : 5) "فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة فَخَلُّوا سبيلَهم إن الله غفور رحيم"
وفي (التوبة : 29) : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
لذلك قال النبي : (أُمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله. فإن قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)* رواه البخاري ومسلم.
(تفسير ابن كثير (1/329))
وعن بريدة أن رسول الله (ص) كان يقول: ( اغزوا في سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، ...) رواه أحمد ومسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
(وقفات مع الدكتور البوطي في كتابه عن الجهاد – تأليف عبد الآخر حمّاد الغنيمي – ص43 – دار البيارق للنشر- الأردن – ص.ب: 864- الرمز: 11592 – لبنان – بيروت – ص.ب: 5974/113 – الطبعة الأولى – 1420هـ - 1999م)
وقال أيضاً : ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتّى يُعبد الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعلت الذلة والصغار على مَن خالف أمري ... ) رواه الإمام أحمد وأبو داود. (تفسير ابن كثير (1/213))
وقال: ( مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليه ورواه البخاري ومسلم.
(رياض الصالحين للنووي- حديث رقم (1342) – ص463 – حققه وخَرّج أحاديثه / أحمد عبد الله باجور – الطبعة الأولى – 1413هـ - 1993م – الدار المصرية اللبنانية للنشر – رقم الإيداع: 7017/1992 –الترقيم الدولي: : 977-270-007-7 I.S.B.N)
وعندما سُئل (ص) وما الجهاد؟ قال : (أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم.. ) أخرجه الإمام أحمد . (وقفات مع الدكتور البوطي – مصدر سابق – ص14)
(مَن مات ولم يغزُ ، ولم يُحَدّث به نفسه، مات على شعبة من نفاق).
(رياض الصالحين للنووي – حديث رقم (1340) – ص462 – مصدر سابق)
ومعلوم أن التفسير المأثور عن النبي قليل جداً ، ومن الآيات القليلة التي فسرها النبي "كنتم خير أمة أُخرجَت للناس" (آل عمران : 110)
جاء في صحيح البخاري ( كتاب التفسير – باب خير أمة أُخرجَت للناس ) قول النبي : (خير الناس للناس تأتون بهم بالسلاسل في أعناقهم حتّى يدخلوا في الإسلام). (تفسير ابن كثير (آل عمران) (2/77) – مصدر سابق)
بذلك تأكد نسخ آيات حرية الاعتقاد وما ترتب عليها من صفح ومودة وقول حسن ومجادلة بالتي هي أحسن إلى آخره.
قال المنافقون: عجباً لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ، وقد قبل من مجوس هجر ، وأهل الكتاب الجزية. (نواسخ القرآن لابن الجوزي – مصدر سابق – ص151)
وقد علق الأستاذ أحمد حسين قائلاً: تُرى ما الذي يبقى من أخلاق القرآن..
(النسخ في القرآن بين المؤيدين والمُعارضين – الشيخ ندا – مصدر سابق – ص76)
]يقول المفكر والمؤرخ د. محمد أركون* :
إن التركيز على أولوية أو أسبقية المعيار الذي يحدد نوعية السلوك العملي الذي ينبغي اتّباعه في مجتمع المؤمنين ، هو من القوة بحيث أنه يؤدي حتّى إلى إلغاء (114) آية . هذا ، على الرغم من أن هذه الآيات تمثل تعاليم الله المنتشرة على مدى سنوات عديدة من الدعوة ، وقد تعبّد بها الناس مدى هذه السنوات.
وهذا يعني أن : القانوني يتغلب في نهاية المطاف على اللاهوتي.
ويعلق على هذا الكلام د. هاشم صالح قائلاً : (إذ كيف يمكن إلغاء أو نسخ 114 آية من القرآن من قِبَل آية واحدة أو آيتين ؟![ (الفكر الإسلامي – نقد واجتهاد – تأليف الدكتور محمد آركون – ترجمة وتعليق / د.هاشم صالح – ص186، 224 – الساقي للنشر – ص.ب: 5342/113 – بيروت – لبنان – الطبعة الثالثة 1998م – ISBN: 1 85516 095 1)
تنبيـــه : بقية مشاكل النسخ ورأى اليهود والعرب فى ذلك الوقت ورأى المفكرين المتأخرين سنبينه فى الجزء الثانى إن شاء الله.
.. انـتـهـي ..
* هو حبر الأمة وإمام المفسرين ، ....... ،....... الخ ( ياجماع المسلمين)
** وفيه بعض الرد على من يقول أنه تدرج أو مراحل تربوية .
* مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف – انظر المصدر .
** هذه العبارة تعنى كفر من أنكر النسخ فى القرآن.
*** من تعريف البداء : الجهل بعواقب الأمور – وحاشا لله ذلك !
* أستاذ ورئيس قسم الشريعة – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة – انظر المصدر
* وهو الذى أفتى بان د . فرج فودة مرتد – مما أدى الى مقتله!
** سوف يتم الرد على من يقول أن النسخ تدرج تشريع فى الجزء الثانى – إن شاء الله
*** الأسـتاذ والمشـرف على الدراسـات العليـا – جـامعة الإمـام محمد بن سعود الإسلامية – انظر المصدر.
* القاص
** وكيل الأزهر – انظر المصدر
*** استاذ الدراسات القرآنية – جامعة الكوفة – انظر المصدر.
* رئيس قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة القاهرة – انظر المصدر.
* أستاذ ومؤرخ – جامعة السوربون – فرنسا – انظر المصدر.
** يلقب بـعميد الفلسفة العربية.
* مفكر سورى .
** يقصد القرآن.
*** كان عضوا فى جماعة الأخوان المسلمين ثم تركها.
* مدير عام بحوث الدعوة – وزارة الأوقاف – أنظر المصدر.
* يقصد آية السيف.
* يُعد السدي من كبار علماء التفسير- شهد بذلك ابن كثير (انظر ابن كثير – المجلد الأول – ص14- مصدر سابق)
* كيف ترك البيت العتيق وهو أول بيت وضع للناس منذ آدم (بحسب القرآن والسُّنّة) ؟
** يضعه ابن كثير مع كبار المفسرين الذين يؤخذ عنهم (تفسير ابن كثير 1/14 – مصدر سابق).
* لذلك يقول كل من الشيخ محمد النشرتي و أ.د حمزة النشرتي : " وأما نسخ الحكم قبل وقته فهو جائز عند جميع المسلمين لأن النسخ هو رفع الحكم على وجه مخصوص. (انظر السراج الوهاج في الإسراء والمعراج – ص47 – مكتبة النشرتي بمدينة نصر – رقم الإيداع بدار الكتب: 14687/2002
** من تعريف البداء: هو الجهل بعواقب الأمور أو ظهور الأمر بعد الخفاء وحاشا لله ذلك.
*** وعند هبة الله ابن سلامة فهي أكثر من (124) آية.
* هو من الأحاديث المتواترة، وهي قليلة.
* الأستاذ بجامعة السربون - فرنسا