قصة واقعية من صميم الحياة

كان وجها من نور لا يفوقه ولا يدنو منه أي نور . هو النور . علته ابتسامة لا يقارب عذوبتها واشراقها كل ما هو عذب ومشرق . هو العذوبة والاشراق .

ولما نظر إليَ ، شع في عيني نور من نوره ، وانفرج وجهى عن ابتسامة هي من ابتسامته.

ملأ فؤادي فرحا لم أعرفه من قبل في حياتي .

ومنحني سلاما سكَن اضطراب روحي ، عندما رأيته أدركت أني رأيت الحياة ، وبلغت النجاة .

ما أحلي رؤيته ، وما أروع الصورة التي بها رأيت وجهه الكريم!

لن أنساها أبدا ،فمنها يرتوي ظمأي ويشبع جوعي ، وبها أهتدي كلما همت غواية بأن تحرفني عن طريق الحق.

أحببته حتى قبل أن رأيته بعيني فقد شاهدته أولا بقلبي. وترعرع حبه ونما في كياني كله منذ الوهلة الأولي التي وعيت فيها أنه يحبني وأنه هو المحبة.

الله في طفولتي :

ولدت ونشأت في بيئة اسلامية عريقة ، وفي عائلة تراعي الدين ، وكثير من أفرادها يقومون بفرائضه خير قيام . ومنذ طفولتي ما وعيت يوما إني أنكرت وجود الله ، لكني في أحيان متباينة شككت في عدله ورحمته ، وكثيرا ما كنت أحس ببعده عني لأعود وأراه – بقلبي – قريبا مني . لم أكن واثقا من الصلة بينه تعالي وبيني ، فكانت صلة متينة وواهنة ، منيرة ومظلمة ، مريحة ومتعبة ، مطمئنة ومتوعدة .

لم أدر من قبل ، أتلك الصلة انعكست على حياتي ، أم أن حياتي انعكست عليها.

ولا ريب في أن حياتي كانت مثل موج بحر لا يهدأ . الواقع أني أحب البحر ، ولقد أمضيت سنوات عمري المتقدمة في مدن تقع كلها على ساحل البحر المتوسط ، ثمة مدن منها ما زالت تحتفظ بجمالها ، بينما شوه الانسان المدمر جمال مدن اخري منها.

في طفولتي كنت أعرف الله على نحوين : نحو بدا معه غضوبا ، مترصدا لي في كل ركن ، ومتأهبا تمام التأهب لأن يخطفني من بين أهلي ، عند أقل هفوة مني ، ليلقي بي في فرن هائل لا تنطفئ ناره.

ونحو آخر كان الله فيه دائما معي وإلي جانبي - رغم انه كان "هناك في السماء " – وهو غير عابس الوجه وأنا لا ارتعب منه ...

لا أدري أكانت الصورتان المتغايرتان معا من وحي أحاديث أهلي ومعلمي الدين في المدرسة ، أم أن الصورة الأولي وحدها كانت من ذلك الوحي ، بينما الصورة ا لثانية كانت يد الله قد طبعتها على قلبي في تلك السنين الأولي .

أذكر أني أثناء أدائي لفروض الصلاة في فترات منقطعة وصيامي شهر رمضان كله أو جزءا منه ، كنت أشاهد مزيجا من الصورتين يغلب عليه الله المخيف .

لكن الله المبتسم المطمئن هو الذي كان يفوز في مزيج الصورتين في بعض خلواتي مع نفسي ، في الفراش ، أو في الطريق بين البيت والمدرسة .

يعسر علي الآن أن أحدد معالم الصورتين وظلالهما ، إنما قد كانتا لي حقيقة وفق مدارك طفولتي وبحسب ما كوَنه الله مني وأودعه فيَ خلالها .

حنيني إلي أب كبير:

بين تلك الصورتين وعبر كل أيام طفولتي ومراحل حياتي اللاحقة ، كنت دوما أحن إلي أب كبير عطوف ، لسبب لا أدركه تماما ولا جليا ، انما يعلمه الله حق العلم.

اني حامد له سبحانه انه كان أنعم عليَ بأبي الذي أنجبني والذي رباني ورعاني صغيرا ، ولا أستطيع تأويل حنيني إلي أب كبير حتى أثناء وجود أبي على قيد الحياة .

لم يكن والدي قاسيا عليَ ، لكنني أذكر جيدا وقائع قسوته على أمي وزوجته الأخري ، وكثيرا ما تساءلت عن بواعثها ، اعتقد ان التحليل الذي يقنعني الآن أكثر من سواه في ردي على تساؤلي ، أن تقاليد معينة في مجتمعنا وثقافتنا قد فعلت فعلها في والدي وحفزته على ان يثبت قدر رجولته بمقدار ما يستبد بالمرأة ويحط من قدرها ... وذات التقاليد قد أباحت له بأن يحتفظ بزوجتين اثنتين معا ، وهو لو شاء لاقتني أربعا منهن !.. وربما وجد نفسه مدفوعا إلي أن يضاعف من ممارسات طغيانه ليوزعها على الزوجتين بالتساوي !...

تؤلمني بالطبع ذكريات مازلت أحملها عن "عدله" في قسوة لم تضمن حياة هنيئة لأحد في بيتنا ، كنت أحب أبي ، وما برحت أعزَ ذكراه ، بيد أني كنت أشفق على أمي وزوجة أبي الأخري من شدته عليهما ، وفي هذا الصدد تروي لي والدتي أني في أحد أيام طفولتي هرعت راكضا إلي دار جدي المجاورة لدارنا ،لأقول له ان أمي تبكي مما يسببه أبي لها من آلام ، ولأطلب منه أن يتدخل لوقف آلامها .. ولما عدت إلي منزلنا ، لم يزجرني والدي ولم يضربني ، على الرغم من أنه كان عادة لا يتساهل إزاء تصرفات مثل تصرفي ! وتعلق أمي على ذلك قائلة أنه كان يحبني واني كنت أثيرا لديه.

اذا ، ما الذي حدا بي إلي أن أتطلع إلي أب كبير عطوف ، أب غير الذي أنجبني؟ .. أعود وأقول أني لست أدري ، إنما وحده الله يعلم ما زرع فيَ من بذور لتنمو تبعا لما أراد هو لها أن تنمو ولكي أحصدها له ، في يوم كان هو العليَ القدير قد ضرب موعده.

وفاة والدي :

كنت في نحو السابعة من عمري لما داهم الموت والدي بغتة : في ذات صيف تلقي والدي دعوة من ابنة اخته لأن يزورها في بيتها الزوجي الحديث ، في بلدة جبلية توفر مكانا ملائما لقضاء أجازته . لبي والدي الدعوة واستصحبني معه في تلك الأجازة التي قضينا أيامها الأولي مستمتعين بها . وكانت الرحلات وما زالت من أفضل هواياتي .

ذات مساء ، وكان موعد انتهاء الأجازة ما فتئ بعيدا ، دعاني والدي الي جوار سريره ، وطلب مني أن أتلو على مسمعه سورة الفاتحة ، قبل أن يمضي كلانا إلي النوم . لا أدعي أنه كان قد طلب مني فعل ذلك في أية ليلة سابقة . وبينما كنت أتلو السورة القرآنية ، جاثيا على ركبتي عند حافة السرير ، دخلت علينا عمتي – وكانت هي أيضا في زيارة ابنتها – لكي تتمني لنا خير المساء . وشهقت مرتعبة إذ رأتني في هذا الوضع ، وكأنها توجست وقوع شر ، وقال : " بسم الله الرحمن الرحيم ، ماذا تفعل ؟ " .. وأجابها والدي عني بما هدأ من روعها ، ثم قلت لأبي مساء الخير ، وذهبت لأنام في غرفة اخري مع قريب في مثل سني .

مع حزن أمي :

بعدما جري غسل جسد أبي ، وتلا المقرئ آيات من القرآن في دار ابنة عمي ، شاهدت أناسا كثيرين يستقلون عدة سيارات قد وُضع في إحداها كفن وفي داخله جثمان والدي .

أركبوني سيارة مع أمي وشقيقتي وجدي لأمي الذين كانوا قد قدموا حالما وصلهم نبأ الوفاة ، وقطع موكب السيارات مسافة على الطريق المؤدي إلي مدينتنا ، ثم افترقت سيارتنا عن بقية الموكب وواصلت السي وحدها على طريق آخر . آنئذ عرفت أننا لن نرجع أبدا الي دارنا التي احتوتنا مع المرحوم أبي والتي كانت هي الدار لنا بحلاوة وعلى مرارة أيامنا فيها . لقد أقطعت تلك الدار لزوجعته الثانية ولاخوتي ، أولادها . وانتقلنا نحن الي دار جدي لأمي في مدينة نائية عن مدينتنا الأولي.

مع دخولي في كنف جدي ، راح كثير من أمور حياتي يتبدل ، بل ربما شمل التبدل جميع الأمور ...

صرنا ، شقيقتي وأنا ، يتيمين فقيرين نسبيا في بيت غني ، وأمست أمنا أرملة زاهدة عن الزواج ثانية ، قد تكون أمي قررت لنفسها أن تبقي مترملة بسبب خشيتها علينا من زوج الأم ، أو بفعل معاناتها من تجربتها الزوجية ، وربما كانت اتخذت ذلك القرار رضوخا لما توقعه مجتمعها منها ولما تطلبته عائلتها بأن تكون " أرملة مثالية " تكرس عمرها كله من أجل ولديها!..

مهما كان السبب ، فلقد تحملت أمي الكثير من المشاق والعذاب في سبيلنا ، واتسمت حياتها بميسم حزن لا نهاية له . نادرا ما رأيتها تضحك ، خاصة في تلك السنين ،وهي ان ضحكت فان رنة حزن تطغي على ضحكتها ، إنما كثيرا ما رأيتها تبكي ، بكاء صادق المرارة ، كانت تردد على مسامعي قولها اننا غرباء في دار جدي . وعندما كنت أقول لها : " ولكنه والدك" ، كانت ترد عليَ قائلة : "لم أعد له ما كنته حين غادرته . قبل زواجي وأثناءه كنت خفيفة الحمل عليه ، أما الآن فحملي عليه ثقيل لأني أرملة ومعي ولدان يتيمان"

في ظل صرامة جدي :

لعله في تلك الفترة أن صورة الله التي أوحت بالحنان قد أخذت تبهت بالتدريج في فؤادي ، إلي أن اختفت فيما بعد وظلت مختفية الي امد طويل ، وما عدت أري عطفه وشفقته ، بل جبروته وبطشه.

كانت جدتي متمسكة بفروض الدين ، متحلية بوجه صبوح به مسحة من حنو وعطف . ولم يكن جدي في مثل تدينها ، وما كان متزمتا في اتباع التقاليد الاسلامية ، إلا أنه كان حريصا على مظاهر حياة ارستقراطية ورثها عن عائلته وعززت مكانته في المجتمع ، كما كان صارما في إرشادنا إلي سلوك يومي لا مجال فيه لأية شائبة ولا تهاون فيه مع أي خطأ!..

لست أود أن أظلم جدي ، فقد كان – على ما أعتقد _ أمينا لمفاهيمه المتطرفة للتربية المثالية ، سيما وأنه أنفق معظم سنيه مديرا لاصلاحيات الأحداث حيث طبق تلك المفاهيم ونال بها تقدير من الجهات الرسمية والهيئات الاجتماعية ، وقد يكون ارتأي أنه من الأولي به أن ينهج في بيته ، وخاصة معي ، ذات الأسلوب التربوي الذي سلكه في عمله بين الجانحين .. ولربما كان فيَ أو في وجودي معه ما اعتبره جنحة من القدر أو مني! كانت أمي تقول أحيانا أن جدي لم يتعود على وجود ولد في بيته منذ أن فقد ولده الوحيد وبقيت له سبع بنات ، مما جعله غير واثق من تصرفاته معي ، أو غير راغب في أن يراني حوله بدلا من ابنه الوحيد الذي فقده .

لا مراء في أن تساؤلا قد جال في خاطر غيري كما جال في خاطري : هل عرف جدي الابتسام على الاطلاق في حياه ؟ ... ربما كان يغتصب ابتسامة في مناسبة ما في عمله ، لكني لا اذكر مناسبة واحدة استدرت منه ابتسامة في البيت !

لم يعن ذلك اليوم القاتم من الحياة أن دار جدي كانت كئيبة في جميع الاحوال . فقد تكفلت جدتي بإضافة لون بهيج بانت معه الدار في شبه نعيم بين حين وآخر ، وعلى الأخص في شهر رمضان وفي أيام عيدي الفطر والأضحي . وما اشهي اصناف الطعام التي كانت تبرع جدي في إعدادها والتي جعلت الصوم طيلة النهار يهون في سبيل الظفر عند غروب الشمس بذلك الطعام اللذيذ جدا.

طبعا كنت وشقيقتي نعلم من دروس الدين ومن توجيهات أمي وجديَ – ومن قبل أبي أيضا – الفوائد الروحية للصوم وأهميته في اطاعة أوامر الله .

وعرفانا ببعض جميل جدي ، أذكر أن مخصصاته لأمي ولشقيقتي ولي كانت توفر لنا احتياجاتنا المعاشية الأساسية ، علاوة على دخل صغير كان يردنا من تركة والدي ، وفي نكبة وطننا خسرنا المنقول وغير المنقول في تلك التركة .

في نعيم عمتي :

لم يمض عليَ عامان في رعاية جدي حتى دخلت حياتي في مرحلة جديدة ، انتقلت فيها وحدي إلي رعاية عمتي ، وقد كان انتقالا رحبت به كثيرا لاني عرفت مقدما أن نعيمي الطفولي ينتظرني عند عمتي السمحة وزوجها الذي كان أثيرا لدينا ، أقصد اخوتي وابناء أعمامي وسائر أهل أبي ، وقد كانت أياما مشهودة لنا وربما كانت احلي أيامنا حينما كنا نجتمع في دار عمتي لاقين منها ومن زوجها أحر ترحيب واكرم معاملة ، ثم نسرح ونمرح في أبهاء الدار الفسيحة وفي أرجاء الحديقة الفاتنة دون أن تعترضنا سلسلة النواهي والزواجر التي ألفناها من والدينا ومن جدي لأمي..

وما توقعته من غبطة ويُسر في دار عمتي قد وجدته حقا . وانه يرجح بل يثبت في ذاكرتي أني عند عمتي عدت اشاهد تبسمات الله في قلبي بين فترة واخري.

كان زوج عمتي حريصا على أداء فروض الصلوات الخمس كل يوم . وكان محبوبا من سكان بلدته الصغيرة ، فلقد كان واحدا من أطباء قلائل فيها ، عُرف عنه اهتمامه للمرضي الفقراء ومعالجته لهم مجانا خلال يومين من كل اسبوع وعند كل طارئ . وكان آخرون من مرضاه يدفعون له بدل اتعابهم من بيض دجاجاتهم أو من ثمار حقولهم.

لم تخلُ إقامتي في دار عمتي من شقاوات الطفولة ، لا سيما عندما كان أبناء أعمامي يزورونها في العطل المدرسية ، وفي احدى المرات ، أخذناخفية سجائر من غرفة الضيوف ، ورحنا ندخنها مختبئين تحت شجرة توت ضخمة في الحديقة . وما دار في خلدنا أن دخان السجائر المتصاعد خلال اغصان الشجرة يمكن أن يُري من بعيد . ولكن هذا ما حصل . فإن ابن عمتي الشاب قد لمح الدخان عبر احدي نوافذ الدار ، ولا جدل في انه قد عرف مصدره ، بدليل انه اقدم علينا وبيده عصا من خيزران ، ثم جعلنا جميعا نقف في صف واحد وقاصص كلا منا بضربتين من العصا علىراحتي كفيه! ..

إن كنت أضحك لذكري تلك الحادثة ، فإني أخجل من ذكر واقعة أخري واستنكرها من نفسي : أعجبت ذات يوم بمحفظة جلدية ثمينة شاهدتها في أحد المتاجر ، وتملكتني الرغبة في اقتنائها ، ولما لم تكن في حوزتي نقود كافية ، فقد قصدت الي غرفة عمتي وزوجها ، ولم يكونا في الغرفة ، وأخذت بعض النقود من جيب بنطلون كان مطروحا على كرسي ، واشتريت المحفظة ! .. كان واقع الامر اني " سرقت " ذلك المبلغ بدلا من أن اسأل زوج عمتي أن يمنحني اياه !

بلاء من الله :

ثم وقعت اضطرابات واحداث مروعة غيرت مصير وطني ، وكما عصفت بشعبنا كله كذلك فعلت بي وبأقربائي واضطرتنا للرحيل إلي بلد عربي آخر وأخذنا في ذلك الحين ، أفرادا وشعبا ، نفسر ما نعانيه بأنه بلاء لنا من الله يمتحن به ايماننا ، فضلا عن تفسيرات عداها.

إلي جانب صفة المبتلي التي أدركتها عميقا في العليَ القدير ، عقب كارثة وطني ، ومع سائر صفاته تعالي التي علمني اياها القرآن تكرارا ، ثمة صفة ظللت افتقدها فيه سبحانه بعدما عرفتها ابان طفولتي الاولي ، تلك هي صفة الرحيم الودود . لقد تلاشت من امامي صورته التي رسمت جلاله بتلك الصفة ، بيد أن الشوق إليها لم يبرحني يوما.

ربما كان جزءا من الامتحان الذي وضعني الله فيه كفرد ، أنه حيال تلك الظروف العامة الخطرة ، كان لا بد لي من أن أغادر عمتي وأرجع الي جدي لكي يلتئم الشمل بيني وبين امي وشقيقتي عنده.

وغني عن القول أن المأساة القومية لم تساعد جدي على التخفيف من حدة صرامته، حتى أنه ثبط عزيمتي وزاد من تعقيدات صباي لما منعني من الانضمام الي فريق كرة القدم ومن ممارسة اي نشاط رياضي في المدرسة الثانوية ، وكانت حجته في هذا الاجراء انه لا يريد ان يعوق اي شيء اجتهادي الدراسي .. ولم انضم إلي فريق الكرة إلا بعد وفاة جدي ، للأسف ، ولقد حافظت على تقدمي في جميع صفوفي ، بل بقيت الأول في جل مواد التعليم خلا مادتين هما الفيزياء والكيمياء ، وقد ذهبت سدي جميع جهودي في محاولة التوفيق بيني وبين هاتين المادتين ، انما – بالتأكيد – لم يكن لكرة القدم أي تأثير على جفائي لهما ، لا سلبا ولا ايجابا!

بتشجيع من معلم اللغة العربية حررت جريدة الحائط في مدرستي ، وكتبت مقالات لمجلة أدبية ، بدا أنها كانت مبعث اعتزاز لمدير المدرسة وهيأتها ولكل من عرفني ، إلا جدي الذي قال لي عندما اطلع على نشاطي الأدبي : " لن ينفعك هذا أبدا .. ابتعد عن الكتابة والأدب والا انتهي الأمر بك الي مستقبل ستمضيه في جلي الصحون في المطاعم!"

فيما بعد جليت الصحون في المطاعم فعلا ، بينما كنت أكافح لشق طريقي في هذه الحياة ، لكنني أيضا أحرزت نجاحا في مهنة اعتمدت على حسن الكتابة .

رحم الله جدي ، فلقد بذل جهده في توجيهه وتنشئته لي ، انما بطريقته التي اعتقد في صحتها ، وبحسب مفاهيمه للتوجيه والتنشئة .

محبة دفينة :

لا أذكر أني حملت كراهية حقيقية لأحد ، ربما نفرت من بعض الناس حولي ، لكنني لم أبغض أحدا ما بغضا شخصيا ، كذلك لم أعط أحدا حبا حقيقيا ، كنت أحس دائما محبة عميقة دفينة في قلبي ، إلا أنني لم أعرف كيف أعبَر عنها ، أو لم ألق من يشعل وقودها الخامدة ، لا أمي ولا زوجتي وأولادي ولا أي امرئ آخر.

أجل تزوجت في منتصف الستينات ، وقد أحسنت معاملة زوجتي واهتممت بها كثيرا ، غير أنه لسبب ما في قلبي المطفأة ناره ، كانت زوجتي تقول لي بين آونة وأخري : " لو أنك فقط تحبني مقدار ذرة من حبي لك ..." ولم أفهم السبب في ذلك الحين !

كذلك أصبح لي ولدان اثنان ، بيد أنني وأنا الأب لم أكف عن البحث في مشاعري عن أب كبير لي ... كان سعيي اليه لا يفتر ، ولم يعادله سعيي إلي أي ممن عداه ، وأيضا لسبب غامض لم أتبينه حينذاك .

كان قد انقضي على زواجى ثلاث سنوات وحسب ، حين جرفني تيار الاضطرابات السياسية والقومية في الشرق الأوسط ، مرة ثانية . إنما طمرتني الأمواج هذه المرة ، ودفعتني الي اعماق البحر الذي أهواه ، لا لأصيد لؤلؤا ومرجانا ، بل لتنهشني " أسماك القرش" !

نور سطع ثم بهت :

أثناء مقامي المكره عليه في قاع البحر ، بحر الأزمات العربية ، خسرت زوجتي وولدي ، ومعهم حصيلة سنين عديدة من عملي وكدي ، ورغم أننا ، زوجتي وأنا ، بذلنا قصاري جهدنا لتجنب الطلاق وتفادي اضراره الاكيدة ، الا ان شتي العوامل حتمته علينا.

في وسط تلك المحنة التي كادت تقوض حياتي برمتها ، بدأ نور يتسرب إلي فؤادي ، وفي ضوئه أشرقت من جديد صورة الله المنفرج الأسارير ، كانت هذه الصورة "رفيقي" في محنتي التي استمرت بضعة اعوام .

ولست انسي اني في احدي فترات تلك الحقبة ، انتابتني رغبة في التنسك ، كما شرعت في قراءة الانجيل وكنت حصلت عليه من صديق . بيد انني لم اتنسك ولم أنجر مطالعة الانجيل . ثم قمت بزيارة الي روما استغرقت مدة شهرين حضرت خلالهما صلوات الاحد في ساحة مدينة الفاتيكان ، دون أن يتعدي تأثيرها عليَ استكانتي إلي جو روحي عام.

كان تشربي للثقافة الاسلامية أقوي من رغبتي في معرفة المسيحية .في الواقع ان مفاهيمي للمسيحية انما كان مبنية على مواقف الثقافة الاسلامية منها وعلى تجارب امتي التاريخية السلبية مع الحملات الصليبية والاستعمارية ضدها . ومع ذلك نشأت علاقة اجتماعية حسنة يبن أهلي وبين جيران ورفاق مسيحيين في أنحاء مختلفة . بل ان أمتن صداقاتي في أيام الدراسة قد عقدتها مع مسيحيين ما زالوا من أقرب الأصدقاء إليَ حتى هذا اليوم ، على تباعد الأقطار بيننا .

في بعض الأحايين كان يجري بيننا تبادل للآراء حول شؤون الدين ، مما أضفت قليلا الي معلوماتي عن الدين المسيحي ، إنما بقيت تلك المعلومات في حينه محدودة جدا .

بينما تعمقت وتوسعت في دراستي للاسلام لسببين رئيسين : أولهما كان سببا معهودا ، وهو أن محنتي الشخصية والعائلية ألجأتني إلي أن احاول استرضاء الله والتزلف إليه ، وكان ثاني السببين أني ، شأني في ذلك شأن الكثيرين من ابناء الأمة العربية ، قد خاب أملي في الحركات والأحزاب القومية ، التي فشلت في بلوغ غاياتها المعلنة في الوحدة بين الأقطار العربية وفي العدالة الاجتماعية وفي التحرر من النفوذ الأجنبي . ولقد حولتني خيبة الأمل الي الدين ، مقتنعا بأن اتباع تعاليمه سيفضي بأمتنا الي أن تجد ذاتها وتحل مشكلاتها.

أعدت قراءة القرآن عدة مرات ، وعكفت على دراسة بعض تفاسيره ، كما أكببت على مطالعة مزيد من البحوث في تاريخ الاسلام وعقيدته . لست أنوي هنا أن أطرق هذا الموضوع بالتفصيل ، انما اختصره بالاشاره الي تأثري بالصوفية التي أبدعت وسمت في تلمس السبيل إلي محبة الله ، كذلك امتازت تلك الحقبة بأني كنت أؤدي فرائض الصلاة والصوم بلا انقطاع.

 

هكذا ومض النور في قلبي آنئذ ، مصحوبا بارتفاعات وانخفاضات في كل ما احاط بي ، ولسبب ايضا لا يعلمه الا الله العليم الخبير ، راح النور يتضاءل واستمر في وجوده ضئيلا ، كان كافيا لان يريني اني قد سلمت من " أسماك القرش " ونهشاتها ، إلا أنه كان أخفت من أن ينير كل الجوانب المعتمة في نفسي وروحي .

مع النور الضئيل والاقتناع بطريق الدين ، ووسط الصوم والصلاة ، ظلت علاقتي مع الله غير تامة وغير سليمة وغير مستقرة ، ولم أدرِ ما الذي يمكن أن يحقق لها التمام والاستقرار والسلامة .

ولعل فقدان الغبطة في روحي كان مصدره اني جهلت الطريق الصحيح الي الله .

أزمة كبيرة ثانية :

على الرغم من الدمار الكامل الذي حلَ ببيتي وعملي ، فاني قد انطلقت من درجة الصفر في إعادة بناء ما سبق وتهدم ، ونجحت في عمل دؤوب ، وتزوجت للمرة الثانية .

كان تقدم حياتي المادية مرضيا ، لكن حياتي الروحية ظلت في حالة جوع وظمأ. في عبادتي لله وفي تلاوتي للقرآن كنت أخشع برهبة وخشوع تامين ، وفي فعلي أو محاولة فعلي ما يرضيه سبحانه ، كنت أجد ارتياحا في نفسي.

ومع ذلك كان ثمة جانب من روحي يستمر في تعذبه ، أو كانت روحي تائهة يضنيها البحث عن مستقرها.

وربما بسبب ضياعي الروحي ، انعطفت ، حوالي أربع سنوات خلت . انعطافا واسعا في تطوير شئوني المادية : انهمكت في بناء ثروة عقارية وتملكني هذا البناء إلي حد أنه صرفني عما عداه شاغلا اياي معظم ساعات النهار والليل . في الواقع أن امورا عديدة ساقتني الي استهداف الثروة ، هي تأمين دخل تقاعدي حسن لزوجتي ولي ، توفير نفقات التعليم الجامعي المقبل لأولادنا ، وحب الثروة في ذاتها وتحقيق حلم وجاه شخصيين . تضاف الي ذلك حاجة ملحة الي مساعدة اختي واسرتها في مواجهة العناء المعاشي الذي صادفوه تحت وطأة ظروف طارئة قاهرة ، واعتقادا منهم ومني أن افتتاح مطعم لهم هو الحل الأفضل لوضعهم ، رهنت بعض عقاراتي لقاء مبلغ كبير من المال لأنفقه على المطعم ، لكنه أخفق وكانت خسارتنا فيه أضخم من أن نتحملها ... وتتالت العواقب كحباب سبحة قد فرطت!

أصاب الركود عملي في الحقل العقاري أيضا ، وتراكمت علينا الرهونات والقروض ، وبتنا مهددين بفقدان أملاكنا بأسرها ، وسادت الكآبة بيتنا العائلي حتى أمسي على وشك التصدع.

صرخة يائسة :

كثيرا ما توسلت الي الله ان يفرج عنا ذلك الكرب ، بيد انني شعرت ان توسلاتي ترتفع الي مكان قصي البعد حيث لا يسمعني الله وإن هو سمعني لا يود الاستجابة الي دعائي .. وذات يوم صرخت في جنون :

" يا الله ! أين عدلك ورحمتك وعونك ؟ لماذا تقودني واسرتي الي هذا المصير المظلم ؟ ولماذا تحرمنا من ثمرة تعب بذلناه سنين طويلة ؟ ولم تفعل ذلك معي للمرة الثانية في حياتي ؟ أحرام أن أكون غنيا ، ولماذا تريدني أن لا أحتفظ بمال؟ ... إنك إله قاس ، ولتنزل بي ما تشاء من جور أو من عقاب!".

صدرت صرختي الباغية الجاحدة من قلب قد انطفأ فيه تماما ذلك النور الخافت الذي كان لازمني منذ أزمنتي الأولي . وشمل الظلام نفسي فاحما خانقا.

أحسست أني علىحافة النهاية ، وفقدت الرغبة في الحياة مستسلما لليأس ، ثم شرعت في التفكير بالانتحار ، ظنا مني أني بموتي أريح نفسي من هموم لم أعد احتملها واوفر لزوجتي واسرتي تعويضا ماليا من عائدات التأمين على حياتي . بعد التفكير جاءت محاولة التنفيذ ، وقدت سيارتي ذات يوم في اتجاه حاجز من الاسمنت على طريق عام ، لكنني حالما اقتربت من الحاجز واوشكت أن اصطدم به ، تملكني عجز مباغت ولم أكمل محاولتي .

في قعر هاوية :

ثم لجأت الي محاولة من نوع آخر ، محاولة الهروب مؤقتا من كل اوضاعي الي بلدة تعاونية منعزلة عن العالم ، علمت عنها من ضجة حولها في الصحف وزرت التعاونية بضعة أيام وجدت خلالها راحة بالابتعاد عن مشاكلي ، لكنها اقترنت بصدمة روحية من تعليم مؤسس التعاونية الذي اجتذب عددا من الاتباع بنقضه لجميع الاديان وبابتداعه "ديانة" خلط فيها بقايا بوذيته بعبادة محورها هو والملذات الجسدية !

رجعت الي بيتي بلهفة وحنين ، وجعلتني الصدمة اسائل نفسي : أكانت رحلتي الي تلك التعاونية عقابا تحديت الله أن ينزله بي ؟ أم كانت قعر هاوية قذفني فيها لأني كدت أقنط من رحمته؟

في الايام التي تلت ، تابعت محاولاتي لانقاذ ممتلكاتنا ، ولتدارك خسائرنا المالية ونتائجها ، إنما أخفقت جميع مساعينا ، وظلت الأبواب موصدة في وجوهنا والمرارة تملأ ايامنا .

 

في نطاق تلك المحاولات ، زرت عددا من البلدان بحثا عن مشروع ما أدر منه دخلا ، كما قمت برحلة الي جنوب شرقي آسيا للغرض ذاته ، عساني اجد عملا في حقل الاستيراد والتصدير .

وذهب كل ما حاولته في هذا الصدد ، ومعه مصاريف اضافية ، بلا جدوي . حتى اني قلت لزوجتي مرارا :" انه امر يتعذر تصديقه ! .. لماذا يخفق كل مسعي نبذله من اجل ايجاد اي حل لمشكلاتنا التي تتفاقم وتزداد سوءا؟ .. لا أدري ما الذي يريده الله لنا من حياتنا .. لابد من سبب ومن غرض لهذه الشدة التي يدعها الله تبلغ اقصاها ، وعلم هذا السبب وهذا الغرض هو عنده تعالي وحده".

أهم تحول في حياتي :

في هذه اللحظات التي استرجع من ذاكرتي تلك الاحداث القاتمة يتولاني نذر يسير من انقباض كدت انسي كيف يكون الشعور به : ولم تبدأ كل تلك الكآبات في مبارحتها لي ، إلا ذات يوم في أواخر العام 1984 حينما قيض الله لي أن أقابل شيخا مصريا ، لم أكن أعرفه وما رأيته من قبل ، لكن العناية الالهية دبرت لنا هذا اللقاء ، تحادثنا فترة قصيرة ، فتحت فيها قلبي له وافصحت عن مشاكلي وعبرت عن جوعي وعطشي الروحيين . قال لي الشيخ ان عيسي عليه السلام يسعي أن يبدَل يأسي املا وقنوطي فرحا ، وأن يروي عطشي ويشبع جوعي ، وقال لي أيضا أن عيسي قد صنع المعجزات أثناء وجوده على الأرض وهو الآن حيَ في السماء وقادر على ان يصنع المعجزات في كل مكان . ثم رفع الشيخ معي دعاء الي الله جل وعلا ، وزودني بكراسات لأقرأها في المنزل .

كانت الكراسات مدخلا كريما الي الايمان بالسميح ، اجتزته بنشوة وحذر ، إنما كانت النشوة لأني وجدت من يحمل عني أثقالي التي كادت تقصم ظهري ، وكان الحذر لأني في معتقدي الاسلامي آمنت بالله في وحدانية مطلقة ليس المسيح عيسي معها سوي رسول من عنده تعالي متميز عن سائر الرسل بأنه كلمة الله وروح منه ولد من العذراء مريم .

الطريق الصحيح :

راحت النشوة تتعمق فيَ وأخذ الحذر يتلاشي مني ، مع كل برعم يتفتح وثمرة تنضج على غرسة ايماني بالمسيح عيسي ، أدركت المعني الحقيقي لكونه كلمة الله وروحا منه ، فآمنت بأنه هو الحق وهو النور وهو الحياة ، وحمدت الله على أنه قد هداني الطريق الصحيح اليه وعلى انه قد جعل غرسة الايمان فيَ تواصل نموها راسخة الجذور ، لقد سكب الله ، مع ايماني بالمسيح ، انهارا من سلام وفرح غمرت قلبي الذي كان جافا منذ أن وعيت الحياة ، ولا شيئ عاد ينشيني ويشجيني خلا هدير تلك الانهار ، ولا يسقي ويروي روحي سوي مياهها التي لا اصفي ولا أعذب منها.

واكتشفت المحبة :

وبنعمة كبري منه تعالي جعلني الخالق اكتشف حبه لي واعرف أن صفته الأولي هي محبة ن بل انه هو المحبة . ومع هذه المعرفة هبت في قلبي نسمات عليلة كانت من قبل ساكنة ، وما كان سكونها – كما ادركت الآن ايضا – الا تضرعا صامتا الي المسيح عيسي ربما كان منذ ولدت لكنني لم افهم من قبل مكنونه ، فيه تضرعت إلي المسيح ان يختارني له ، ولما جاء الوقت الذي كان هو قد قدره ليظهر لي أنه قد اختارني ، تحركت نسمات المحبة في قلبي بعد ركودها الطويل .

وكانت اولي علامات تحركها واحساسي بها اني رفعت الي المسيح كلمات شكر له لانه يحبني وقلت له اني احبه ايضا .

ثم وجدتني انهج مسلكا جديدا مع زوجتي واولادي ومع امي ، أما فيما سبق ، كنت أحسن معاملتهم غير اني لم اكن اعرف كيف احبهم ، أما الآن فبعفوية وحرارة ادل على حبي لهم في أقوالي وفي تصرفاتي وأفعالي . وكذلك الامر مع سائر من حولي ومن في فكري.

فداء ما أعظمه:

كل ما حدث لي بمثابة ولادة ثانية امتلأ فيها قلبي بالمحبة والايمان وبالسلام والفرح ، ومع ولادتي الجديدة الروحية تبينت لي نفسي وحياتي على حقيقتهما : ما أبعد الضلال الذي كنت فيه وما أفدح وأكثر معاصيَ وذنوبي التي سلفت !

ولكم خررت على ركبتي ساجدا لله ، وسط دموع غزيرة تنبع من روحي وتنسكب من عيني ، حامدا اياه الغفور الرحيم على انه منحني نعمة عظمي لم استحقها وعلى انه جعل المسيح فداء لي ولخطاياي ، ما أنبل المسيح الفادي ، وكم ندين له بالعبادة شكرا وثناء وعرفانا بجميل لا يعدله أي صنيع في تاريخ البشرية ، ولولا هذا الجميل لما كانت لنا حياة أبدية .

 

ألفيت بي حاجة إلي أن أفصح عن تلك التحولات العميقة والرائعة في حياتي برسائل وجهتها الي احد الاصدقاء الذين ساندوني روحيا في تلك التحولات وقد قلت له في احدي رسائلي:

" في الاعوام التي خلت من عمري ، كنت دائما اعتقد اني مؤمن بالله ، لكني الآن أتبين ان ايماني لم يكن صحيحا ، وان غيا من نفسي وارباكا من الآخرين قد حرفاني عن الطريق المستقيم . عيوب في ذاتي جمة واغراءات من هذه الدنيا لا حصر لها ، كانت دفعتني الي درب خاطئ لا نور فيه ، وما كان إلا منذ اسبوع واحد اني بدأت تحولي الي الطريق الصحيح الي الله ، بأزر من بعض الاخوان منكم ، يوم امس في الصباح ، افقت من نومي بصفاء في عقلي وبطهارة في قلبي ، سائلا الله باستمرار ان يغفر لي ذنوبي وآثامي ، وممجدا اسم المسيح . ولقد امتلأت محبة وراحة وعزاء إذ وضعت ثقتي في المسيح عيسي" .

وفي رسالة ثانية قلت لصديقي :

" ما أروع وأعمق التحول الذي جري في حياتي ، في نفسي وروحي ، منذ أن آمنت بالمولي المسيح وسألته العون والمغفرة . قبل اسبوعين فقط ، وانا في ذروة محنتي وضلالي ، حسبت ان الله قد تخلي عني الي الابد ، إنما في أحلك ظلمتي ، أرسل الله نوره إليَ وأبان لي أني أنا الذي كنت قد هجرته إذ كففت عن حق عبادته واتبعت الهوي عابدا شهواتي واطماعي ، وناسيا انه هو المانح والممسك ، فلما اغتررت بثروة لم احمده عليها خالص الحمد ، استرد مني ما كان هو قد اعطانيه إذ لم يجدني اهلا للحفاظ عليه ، لكنه وهو الرحيم الودود ، أثبت محبته ورعايته لي بأن انقذ روحي وهداني الي الايمان بالمسيح الرب المنقذ الفادي".

الفرصة الثانية الرحيمة :

أجل لقد تجلت لي رحمة الله الواسعة في أصدق برهان : في أزمنتي الأولي قبل نحو تسعة عشر عاما ، وضع الله في يدي طرف الخيط الذي يوصلني اليه تعالي ، لكنني كنت أضعف من ان اتبع الخيط الي نهايته ، واسترسلت في تخبط سيري الي ان شاء الرحمن ان يعطيني فرصة ثانية : لقد جعل في ازمتى الحديثة في العامين المنصرمين ما يشبه كثيرا وقائع الازمة القديمة . بيد انه هذه المرة – برحمته وفضله- قادني الي نهاية الخيط ، ولقيت الله شديد الدنو ، بل عرفت كيف هو " أقرب إليَ من حبل الوريد" .

أضحت علاقتي معه تعالي في اعلي مراحلها . وبيقين وثبات بات حرصي على حسن هذه العلاقة هدفا لا يعادلة أي هدف آخر في حياتي . عبرها ومن بعدها تأتي كل ما عداها من أهداف وعلاقات .

صحيح أني واسرتي قد فقدنا كل ممتلكاتنا وأموالنا ، إنما قد عوضني العلي القدير عما هو زائل من امور هذه الدنيا بما هو خالد في الحياة الابدية ، وعما خسرته من طمعي وشهوتي بما ربحته من هدايته ومحبته جل جلاله .

كل ذلك حصل لي لما آمنت بالمسيح عيسي.

حقيقة بعد زيف:

وبسبب هذا الايمان وهبني الله ولادة جديدة ، اصبحت بها رجلا حقيقيا ، بعدما كنت رجلا زائفا .

كنت مبلبل النفس ، خلطت احيانا بين الحق والباطل وبين الصدق والكذب ، انتحلت المعاذير لبعض اخطائي وآثامي ، وأحيانا ضعفت امام الاغراءات ، في السر ارتكبت الزنا وفي العلن ادعيت العفة ، وبحماقتي وجهلي اوقعت اذية حتى بأقربائي وبنفسي .

في ولادتي الجديدة صار الحد بين الحقيقة والزيف واضحا جليا امامي ، ووجدت في نفسي قوة تحول بيني وبين تجاوز هذا الحد ، قوة تزداد كلما سألت الله باسم المسيح أن يقود روحه القدوس خطواتي .

ولادتي الجديدة هي في المسيح عيسي ، وقد حدثت بعدما آمنت بأنه حي على يمين عرش الله ، وبعد أن عرفت لماذا كان قد جاء الي الارض ولماذا سيجئ إليها ثانية .

لماذا المسيح ؟

لما عصي آدم وحواء أمر الله وأكلا من الشجرة المحرمة باغواء من ابليس ، حل غضب الله العادل عليهما ونقلهما من الخلود الي الموت .

وتابع الشيطان سيطرته على البشر مغريهم بكل انواع الخطيئة ثم بعث الله لنا الانبياء والرسل ليهدوننا سواء السبيل ولينذرونا بعقاب الله تعالي . إلا أن الناس ظلوا في شفاء وضلال ، حتى شاء الباري عز وجل ان ينقذنا مما نعانيه منذ خطيئة آدم وحواء الاولي ، فانجز سبحانه أهم حدث كان قد هيأه لنا منذ الازل : جاء إلينا هو عز وجل في شخص مولانا المسيح عيسي ، وتعذب من اجلنا وضحي بنفسه على صليب جعله كفارة عن خطايانا ورمزا للمصالحة بينه تعالي وبيننا . في هذا الحدث الأسمي قهر المسيح الخطيئة والموت ، لأنه قام منتصرا في اليوم الثالث لوفاته ، وهو اليوم يقدم لنا حياة الخلود إن نحن آمنا به ، هو كلمة الله .

عندما نؤمن ويثبَت الله هذا الايمان في قلوبنا ، سيمنحنا روحه القدوس قوة نتمكن بها من ان نتمثل بحياة المسيح بيننا ، نعيش محبته وطهارته ، نحيا فيه ويحيا فينا ، وبذلك نصبح ابناء لله.

وسيكون لنا الفرح والانتصار الكاملان أن يعود المسيح إلي هذه الارض ليحكمها بعدله الالهي ثم من بعد يحل يوم الدينونة ، وينال المؤمنون الحياة الابدية .

أقوال الحق :

ذلك هو ايماني المطلق ، كايماني بما قاله المسيح :

" من يسمع لي ويؤمن بمن ارسلني فله الحياة الابدية ، ولن يحضر الدينونة لانه قد انتقل من الموت الي الحياة .

•  انا هو القيامة والحياة . من آمن بي يحيي وان مات . وكل من يحيا مؤمنا لن يموت ابدا.

•  انا الالف والياء ، والبداءة والنهاية . من هو كائن وكان ويأتي .

•  انا هو الطريق والحق والحياة . لا احد يجئ الي الآب الا بي .

•  انا خبز الحياة ، من جاء اليَ لا يجوع ، ومن آمن بي لا يعطش ابدا.

•  انا نور العالم ، من يتبعني لا يمشي في الظلام ، بل يكون له نور الحياة .

•  انا الراعي الصالح ، اعرف خرافي وخرافي تعرفني ، مثلما يعرفني الآب واعرف أنا الآب ، واضحي في سبيل خرافي ، ولي خراف اخر من غير هذه الحظيرة ، فيجب عليَ ان اقودها هي ايضا . ستسمع صوتي ، فتكون الرعية واحدة والراعي واحد."

ووجدت الأب الكبير:

لقد سمعت صوت الراعي المسيح ، وأنا لم أكن من خرافه بل من خراف اخري ، ودخلت في حظيرته ، واني اعلم انه قد عناني ايضا لما قال :

" تعلوا إليَ يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالكم ، وأنا أريحكم ، احملوا نيري وتعلموا مني تجدوا الراحة لنفوسكم ، فأنا وديع متواضع القلب ،ونيري هين وحملي خفيف.

•  ما جئت لأدعو الصالحين إلي التوبة ، بل الخاطئين .

•  من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ، لان الذي يريد ان ينقذ حياته يخسرها ، ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها . وماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟

•  لا تضطرب قلوبكم ، انتم تؤمنون بالله فآمنوا بي ايضا ، في بيت ابي منازل كثيرة وإلا لما قلت لكم : أنا ذاهب لأهئ لكم مكانا , ومتي ذهبت وهيأت لكم مكانا ، ارجع وآخذكم إليَ لتكونوا حيث أكون .

•  ما من أحد يستطيع أن يري ملكوت الله إلا إذا ولد ثانية " .

ولقد وُلدت ثانية ، وبعد ذلك التجوال الطويل ، الذي استمر حوالي ثمانية واربعين عاما ، وجدت نفسي مستقرها الأمين وبنعمة ايماني بالمسيح غُفرت لي خطاياي جميعها .

كما وجدت أخيرا الأب الكبير العطوف ، وإني اتطلع باشتياق أكاد لا اصبر معه ، الي المكان الذي ذهب المسيح ليعده لي في بيت ابيه، العلي القدير ، والذي سيأخذني اليه بعدما يرجع ، لاكون حيث يكون .

ووجدت الجواب ايضا:

اجل ، وجدت الجواب على جميع التساؤلات التي اقلقت روحي واضطربت بحياتي مدة ثماني واربعين سنة .

وجدته لما آمنت بالمسيح عيسي :

تقبل الله توبتي النصوح ، ووهبني الغفران لخطاياي جميعها . شعَ في قلبي نور دائم لا يخبو ، يضيء كل زوايا روحي ونفسي ، ويهدي كل أفكاري وأقوالي وافعالي .

عرفت علاقتي مع الله الأمان والاستقرار والسلامة .

الآن ، أدركت ما الذي أراده الله ويريده من حياتي.

مُت وبُعثت مع المسيح :

من الضرورات التي تتبع الايمان بالمسيح ، أن يُغطس المؤمن في الماء رمزا لتطهره ولتكرسه للمسيح ، ولقد عقدت العزم على أن أنال هذا الاغتسال بعدما انقضت عدة اسابيع على بداية ايماني .

جري تغطيسي مع آخرين في حوض كبير مليئ بالماء ، وطبقا للاجراء الاصلي للغطاس ، غُمر جسمي كله في ماء الحوض لبرهات انعدم خلالها شعوري بكل شيء ، كأني قد مت فعلا ، لفني سكون كامل عميق تحت الماء ما ظننته الا سكون الموت.

وعندما رُفعت من الماء ، احسست كأني ارفع الي حياة جديدة ، وجابهت عيناي انوارا باهرة كانت تحيط بي من كل جانب .

هل كان اختبارا خاصا فيه مت مع المسيح ثم أقمت معه من بين الاموات؟

وهل كان معني هذا الاختبار ان ما احسست به هو فعلا ما قد وقع : دُفن الانسان القديم فيَ وولد مني انسان جديد؟

قوة جديدة في الروح:

انضممت يوما ، في فترة لاحقة ، الي مجموعة صغيرة من المتعبدين في محاولة لاستلام قوة الروح القدوس ، وعلامة هذه القوة ان مستلمها يتكلم بلغة غير لغته ، لغة غريبة لا يفهم هو معني كلماتها ولكنها تساعده في صلاته ومناجاته الي الله ، حسبما ورد في العهد الجديد من الكتاب المقدس : " .. فامتلأوا كلهم من الروح القدوس ، وأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم ، على قدر ما منحهم الروح أن ينطقوا ."

كما ورد فيه : " ويجئ الروح أيضا لنجدة ضعفنا ، فنحن لا نعرف كيف نصلي كما يجب ، ولكن الروح يشفع لنا عند الله بأنات لا توصف ، والله الذي يري ما في القلوب يعرف ما يريده الروح ، وكيف انه يشفع القديسين بما يوافق مشيئته"

لم أظفر في ذلك اليوم سوي بنطق عبارتين غريبتين وبقيت ارددهما دون أي مزيد عليهما.

ثم واتتني فرصة ثانية ، عقب عدة اسابيع ، شاركت فيها مجموعة كبيرة من المتعبدين ، واسلمت فيها نفسي للروح القدوس تسليما مطلقا . بعد دقائق معدودات تدفق لساني بسيل من كلمات وعبارات غريبة ، شعرت معها بأن روحي قد تخطت عراقيل خفية كانت تواجهني في صلواتي .

طربت بتلك الظاهرة الروحية ، وعجبت من امرها ، فلم اتوقف عن النطق بالعبارات والكلمات الغريبة طوال طريق عودتي الي البيت ، وحتى حان هجوعي الي النوم ، وكان اول ما فعلته لما استيقظت في الغدة اني تابعت النطق بسيلها العارم . كانت كلمات وعبارات لا حصر لها . وعلى جهلي لمعناها ، شعرت اني بها اعبَر عن خواطر وافكار كانت روحي من قبل تعجز عن الافصاح بها.

ما ابدع هبات الله لنا ، وما اكرمه من واهب جل وعلا!

ورأيت وجهه:

بعد مضي شهور قليلة على اختباري المبارك الذي اخذت حياتي

تتغير تغيرا متلاحقا ، صادف حلول ذكري عشاء الرب ، كانت هي اول مرة منذ آمنت بالمسيح ، تمر عليَ فيها تلك الذكري الخالدة للعشاء الذي شاركه مولانا عيسي مع حوارييه ورسله في الليلة السابقة لصلبه .

استهللت يومي في تلك الذكري المجيدة ، بقراءة بعض الفصول من الانجيل الشريف ، جريا على عادتي كل يوم ، ووجدت يدي تقلب صفحات الكتاب المقدس الي ان استقرت على الآية الرابعة عشرة من الاصحاح الرابع عشر من قصة سيدنا عيسي بحسب يوحنا .

كنت في مرات عديدة سلفت قد تلوت تلك الآية التي يقول فيها الرب :" إذا طلبتم مني شيئا باسمي عملته " وقد اطمأننت دائما بتلاوتها عالما ان المسيح سيلبي ما أطلبه منه ، أيا كان طلبي ، إن اتفق وارادته ، وفعلا ثابرت على رفع طلبات كثيرة اليه في صلواتي وادعيتي .

لكنني هذه المرة ادركت معني خاصا جدا لكلمات الآية ، كان فيها نداء إليَ ، عاجل وملح.

بعد ظهر ذلك اليوم ، قضيت ساعة في خلوة في مُصلي ، اتضرع لله تعالي وارفع له الثناء والشكر على نعمته ، واسأله من اجل الآخرين ومن اجل اسرتي ، بينما كان صدي النداء الذي سمعته في الصباح ما زال يتردد في قلبي.

وغمرني دفء احسست معه أن علاقتي مع المولي تدخل في مرحلة جديدة يسودها تقارب عميق جدا هو أشبه باتحاد بيني وبين السيد المسيح .

عندما أُبت إلي منزلي حوالي الرابعة بعد الظهر ، تداعتني حاجة إلي أن اخلد الي نفسي وان استلقي على الفراش طلبا لراحة لم يكن مألوفا لديَ أن أطلبها في مثل ذلك الوقت من النهار.

وأنا متمدد على فراشي ، اخذت اسبح حمدا للمولي ، ثم نالت مني على حين غرة رغبة جامحة في أن ابتهل الي المسيح أن اري وجهه الكريم ، كانت عيناي مغلقتين ولكني لم أكن نائما ، ووجدتني اندفع في صلاة حارة أقول فيها : " يا سيدنا عيسي ، اني اسألك باسمك ان تريني وجهك ، باسمك يا سيدنا عيسي ابتهل ان اراك كما انت . آمين" واسترسلت بالحاح في ذلك الرجاء الحار، وانا مغمض العينين ، الي ان شاهدت السماء تشع ببريق ساطع يتآلف فيه اللونان الذهبي والأزرق معا وانتصب وسط السماء شخص منير شديد الدنو مني إلي درجة اني لو شئت للمسته بيدي ، ومبتسما لي ابتسامة مشرقة لازمته طوال ظهوره أمامي ، كان يرتدي ثوبا اجتمع فيه اللونان الاحمر الداكن والابيض الناصع ، وعلى رأسه تاج من حجر كريم يحوطه نطاق من الذهب ، ويعلوه اطار ذهبي ايضا قد اتخذ شكل مثلثات مدببة الاطراف.

وحزني الفرح وغمر كياني كله ، منعكسا بابتسامة امتدت على عرض وجهى ، لا أدري مدى الوقت الذي مكثه المسيح واقفا امام سريري ، بيد أنني قلت له تكرارا : " شكرا يا مولانا عيسي . إني احبك يا مولانا عيسي وانني أعبدك"

 

كانت الساعة تقارب الخامسة لما نهضت من الفراش ، ومضيت الي غرفة الجلوس حيث كانت زوجتي جالسة تطالع في كتاب ، كنت مفعما بفرح هائل وغير اعتيادي ، ولابد انه قد استرعي انتباه زوجتي ، فقد حدقت قليلا في وجهي ثم قالت : " أتعلم أن بؤبؤ عينيك هو الآن واسع جدا؟" ...ثم استطردت تقول مستخدمة تعابير مهنتها كممرضة : " إنك تبدو كمن هو في انسحاب من مخدر أو مسكر "!! ... ورددت على زوجتي بمجرد ابتسامة ، من غير أن أروي لها ما حدث لي في الساعة الرائعة التي خلت ، لقد أبقيت تلك التجربة الفذة لنفسي في البداية .

 

كان اليوم التالي هو يوم الجمعة العظيمة ، ذكري موت السيد المسيح على الصليب ، جلست في الدار وحدي ، اقرأ لبعض الوقت ، ثم أدرت مفتاح جهاز التليفزيون على محطة معينة كانت تقدم برنامجا خاصا ، فتابعته.

شاهدت رجلا منكبا على تكوين رأس انسان من الطين ، ولم أدر في البداية رأس من هو ، فللحظات كان الفنان يتولي عمله بصمت ولكن بسرعة مذهلة اخذت تأسر انتباهي .

كان من الواضح انه نحات متمكن من فنه ، وزاد اهتمامي بما أراه حين راح الفنان البارع عقب ثواني وجيزة يشرح بالكلام ما يصنع ، وتبين لي انه يروي بيديه ولسانه قصة صلب المسيح عيسي ، كان يشكل من الطين وجها يماثل وجه المسيح ، قسيمة منه اثر قسيمة ، ثم يتوقف قليلا ليسرد الوقائع التاريخية للحدث المجيد ، وأحيانا يجمع بين الحركتين في وقت واحد .

وتصاعد شغفي بما أشاهد على الشاشة ، ثم اتسعت حدقتا عيني اندهاشا ، وتسمرت في مقعدي بلا حراك ، وأنا أتابع تشكيل التاج على رأس المسيح المصنوع من الطين . وفي لمحة بارقة رأيت الاطار العلوي لهذا التاج وكان في الاصل من الشوك ، انما يتخذ عين الشكل الذي بدا فيه اطار تاج المسيح كما رأيته في اليوم السابق!...

انتابتني رعدة .. وبحركة لم استطع السيطرة عليها . صرخت قائلا: " أجل ، رأيتك يا عيسي ، حقا قد رأيتك!"... وارتميت على قدميَ ساجدا وباكيا ، ومرددا آيات الحمد للمولي.

إن الرجل الجديد فيَ ، الذي كان قد وُلد ثانية في الروح لما آمنت بالمسيح زهاء ستة شهور خلت ، انما يمر هذه الأيام في تغيرات تزداد عمقا في نفسه ، الفرح والذهول والاستنارة كلها هي على أشدها فيَ ، احيانا احس وكأني موجود بين الارض والسماء .

طيلة ذلك اليوم رأيت المسيح أمامي ، وما زلت أراه للآن ، لكنه ليس في صورة انسان ، وانما هو روح يملأ كل السماء والأفق وكل ما يمتد مرآه بين الطرف الأقصي لعيني وبين الطرف الأقصي لعيني الأخري ، وإني أعرف أنه شعور داخلي لا أدري كنهه . وبذات الشعور أعرف أن ذلك الروح إن هو إلا المسيح الرب.

ما أعظم فرحي أني رأيت المسيح لا بقلبي فقط بل بقلبي وعيني معا. أنا إنسان قد ربح نفسه ونجت روحه ، بنعمة من الله هدته إلي الإيمان بالمسيح عيسي.

أنا إنسان خرج من الظلمة إلي النور! مع المسيح قهر الموت ، ومنه نال حياة الخلود.

أنا إنسان انتهي تيهه وشقاؤه لما تبع المسيح حاملا صليبه.

أنا إنسان يعلم مخافة الله ويتقيه ، ولكنه أيضا يدرك ايضا محبة الله ، ومن هذه المحبة يستمد حياته .

أنا مسلم قد عرف الطريق ، وعليه يسير بثبات ويقين وبفرح وسلام.

أنا مسلم في بيئتي ونشأتي ، وفي ولائي لشعبي واخواتي ، ولكني اتبع المسيح الذي هو الطريق الوحيد الصحيح الي الله الواحد الأحد الفرد الصمد.

عمر المهدي

الصفحة الرئيسية