شبهات حول صحة الكتاب المقدس

 

1 ـ التناقض بخصوص عمر أخزيا الملك

سؤال: ذكر في (2مل8: 26) أن أخزيا الملك كان ابن 22 سنة حين ملك.

بينما ذكر في (2أخ 22: 2) أنه كان ابن 42 سنة حين ملك

أليس في ذلك تناقض؟

الرد:

الواقع أن هذا الاعتراض قد أثاره الشيخ أحمد ديدات الداعية الإسلامي، نقلا عن الاعتراضات التي وجهها الملحدون إلى الكتاب المقدس في القرن 19 في أوربا، وقد تم الرد عليها في حينها، من رجال الدين المسيحي بما لا يدع مجالا للشك.

ومن الأمانة العلمية، كان لزاما على الشيخ أحمد ديدات، كرجل دين يفترض فيه النزاهة والأمانة، أن يورد لقرائه الردود المفحمة على هذه الاعتراضات الواهية. ولكن دعنا نوضح للسائل وللجميع الحقيقة الجوهرية، رغم هذا التناقض الظاهرى، إذ أنه لا خلاف بين رواية سفر الملوك وسفر أخبار الأيام، بعكس ما يبدو للمعترض.

 

أولاً: توضيح الحقيقة:

(1) ذكر في سفر الملوك أن عمر أخزيا 22 سنة، وهذا هو عمره الحقيقي وليس 42 سنة. لأن أباه يهورام كان عمره حين ملك 32 سنة، وملك 8 سنوات (الملوك الثاني 8: 17) فيكون مجمل عمر أبيه 40 سنة. فليس من المعقول أن يكون عمر ابنه أخزيا 42 سنة عند موت أبيه.

(2) وأما عن ذكر سفر أخبار الأيام أنه كان ابن 42 سنة حين ملك [لاحظ أنه لم يقل كان عمره، بل قال أنه ابن 42 سنة]، ورغم أنه مكتوب في حاشية الكتاب المقدس عبارة [ق عشرون، التي تعني أنها قُرِأَت عشرون بدلا من أربعين] إلا أن المفسرين يقولون عن ذكر الكتاب المقدس أنه كان ابن 42 سنة، هو إشارة إلى عمر أمه البالغة من العمر 42 سنة، التي كانت تحكم البلاد فعليا، لصغر سنه. ويفهم هذا من القرينة المذكورة مباشرة "... لأن أمه كانت تشير عليه... وكانت مالكة على الأرض" (2أخ 22: 2ـ12)

  

نقطة ثانية: هذا الاختلاف في التعبير هو دليل أكيد على عدم تحريف الكتاب المقدس:

 لأنه لو كان الكتاب المقدس قد لعبت به يد التحريف، لقاموا بتغيير هذه الاختلافات اللفظية. إذن فوجود هذه الاختلافات الظاهرية، وبقاؤها على ما هي عليه، لهو أكبر دليل على أن الكتاب المقدس لم يحرف، وإلا كان من باب أولى أن تُغيَّر مثل هذه الاختلافات، أو تحرق تلك النسخ التي تحمل الاختلافات، كما حرق عثمان ابن عفان القرآنات الستة المختلفة مع نسخة "القرآن" الذي أقره!!!

 

نقطة ثالثة: خلفية الشيخ أحمد ديدات:

ربما ظن الشيخ ديدات بحسب خلفيته الإسلامية، أن في الكتاب المقدس اختلافات، كالإختلافات التي في القرآن الكريم، التي قيل عنها أن الإمام عبد الله ابن مسعود [وهو من كبار الصحابة، ومن المفسرين والفقهاء الأول، المتشدد في الرواية والضبط، والذي كتب بيده مصحفا يسمى "مصحف ابن مسعود"]  قد أحصى أكثر من 1700 اختلافاً في القراءات المختلفة للقرآن: منها على سبيل المثال:

1ـ بخصوص مدة يوم القيامة:

+ سورة (السجدة 5) "... يُعرج إليه في يوم كان مقدارُه ألف سنة مما تعدون".

+ ويفسر الإمام النسفي ذلك اليوم في (الجزء الثالث ص 417) بأنه يوم القيامة.

+ وفي (سورة المعارج 4) "... في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"

+ ويفسر الإمام النسفي هذا اليوم أيضا في (الجزء الرابع ص 426): بأنه يوم القيامة.

والاختلاف واضح هنا في طول يوم القيامة، أهو 1000 سنة أم 50,000 سنة؟؟

مثال آخر للاختلافات:

2ـ بخصوص أيام الخلقة:

حيث يُذُْكِرفي سبع آيات قرآنية أن الأرض والسماء خلقت في ستة أيام كما في:

+ (سورة يونس3) "إن ربكم ... خلق السموات والأرض في ستة أيام ..."

+ وقد ورد ذلك أيضا في كل من (سورة الأعراف 54) (سورة هود 7) و(سورة الفرقان 59) و(سورة السجدة4) و(سورة ق 38) و(سورة الحديد 4)

+ ولكن جاء في (سورة فُصِّلَتْ 9ـ12) أن الأرض والسموات خلقت في ثمانية أيام:

"قل أئنكم لَتَكْفُرون بالذي خلق الأرض في يومين ... وقدر فيها أوقاتها في أربعة أيام ... ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائـتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين..." فيكون مجمل أيام الخلقة 8 أيام.

+ ويعلق على ذلك الإمام النسفي في (الجزء 4 ص 130) بقوله: "خلق الله الأرض في يومين، ثم قال: وقدر فيها أوقاتها في أربعة أيام، ثم قال: فقضاهن سبع سماوات في يومين، فيكون خلاف قوله: في ستة أيام في موضع آخر (الأعراف، يونس ....)"

وغير ذلك من الاختلافات التي أراد الشيخ ديدات أن يداريها ويدافع عنها بأسلوب مباريات كرة القدم: أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم!!!.

ونحن نقول للشيخ ديدات، مع احترامنا لشخصه في مثواه، لا يا شيخ الإسلام، إن الكتاب المقدس لا تشوبه تلك الشبهات الوهمية، والحقيقة أنه كان ينقص فضيلته وأمثاله، الدراية بأسلوب الكتاب المقدس، هذا ما وضحه بطرس الرسول بخصوص رسائل بولس الرسول وبقية اسفار الكتاب المقدس بقوله: "... فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضا لهلاك أنفسهم" (2بط3: 15و16).

    وأعجب أن فضيلة الشيخ ديدات لم يعمل بأمر القرآن الكريم الذي أوصى المسلمين قائلا: "... اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" (سورة النحل 43 وسورة الأنبياء 7).

وها المسيحية مستعدة لمجاوبة كل من يسألها، حتى لا يهلك أحد، بل تكون له الحياة الأبدية، من خلال معرفته بكتاب الحياة، أي الكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله الحي، المحفوظ من أي خطأ أو تحريف. كما قال السيد المسيح نفسُه: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (مت24: 35). وقد شهد القرآن الكريم، لحفظ الكتاب المقدس، توراةً وإنجيلا، من التغيير أو التبديل أو التحريف، كذكرٍ منزلٍ من عند الله بقوله: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (سورة الحِجْر 9).

ختاما أقول: لعل السائل قد اطمأن قلبه على صحة الكتاب المقدس، وأرجو أن يُقْبِل على قراءته، طالبا من الرب أن يشرق بنور معرفته في قلبه، لينال نعمة من الرب، الذي يحبه ويحب خلاص نفسه.

وإن أردت يا عزيزي نسخة من الكتاب المقدس، فإليك هذا الموقع على الانترنيت [أرجو أن أحد الأحباء يكتبه على الشاشة] ( www.arabicbible.com )  . وإن أردت أن نرسله لك بالبريد الاكتروني فارسل لنا في بريدنا الاكتروني الموضح على الشاشة servant_13@hotmail.co.uk  ، ويسعدنا أن نلبي كل طلب لكل أحد، من أجل خلاص نفسه. والرب يبارك حياة الجميع. آمين.

 

 

2 ـ هل الإنجيل وحى الله

    س : هل كان الإنجيل من وحي الله؟ أم من كتابات البشر؟ وكيف يحتوي على كلمات نطق بها الشيطان في حديثه مع المسيح؟

الإجابة: شكراً لسؤالك يا عزيزي، وطبعا أنا سوف لا أجيب عليك بكلام العاجزين عن الرد الذين يوجهون اللوم للسائلين. مدعين أن الكتب السماوية مقدسات لا تمس، ومسلمات لا تناقش. بل الكتاب المقدس نفسه يتيح لكل إنسان أن يسأل ويوصينا أن نكون "مستعدين لمجاوبة كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا"

وهذا السؤال يحتوي على جزءين:

1ـ هل كان الإنجيل من وحي الله؟ أم من كتابات البشر؟

2ـ وكيف يحتوي على كلمات نطق بها الشيطان؟ فهل يعتبر ذلك وحيا؟

 

الإجابة على الجزء الأول:

    لكي نفهم الإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نوضح الفرق بين الوحي في المفهوم الإسلامي وفي المفهوم المسيحي.

+ تعريف الوحي في المفهوم الإسلامي كما جاء في (الموسوعة العربية الميسرة ص 1946) [الوحي: هو ما أنزله الله على أنبيائه عن طريق الرؤيا الصادقة، أو الإلهام، أو أصوات تنبعث من أمكنة مختلفة، أو جبريل الذي كان يتمثل لمحمد (ص) على صورة رجل: "ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا" (سورة الشورى42: 51)

   وقد قال الإمام النسفي كلما هبط جبريل بالوحي، وكان ينزل في صورة دحية (وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة  توفي نحو 45هـ)"   (تفسير الإمام النسفي جز4 ص 286)

     ويسمى القرآن وحيا أو تنزيلاً. وكان ينتاب محمدا ما ينتابه عند نزول الوحي عليه، فيزبد وجهه ويتصبب عرقاً]

+ أما الوحي في المفهوم المسيحي، كما وضح (قاموس الكتاب المقدس ص  1020و1021) الوحي: هو إبلاغ الحق الإلهي للبشر بواسطة بشر. فالروح القدس يعمل في أفكار الأنبياء وفي قلوبهم، ... مستخدما في ذلك اختباراتهم وطاقاتهم العقلية، ... فهو يرشدهم إلى الكتابة دون أن يمحو شخصياتهم فكَتَبَ كل واحد منهم بأسلوبه.

  

 وبناء على هذا التعريف المسيحي نقول أن الكتاب المقدس هو وحي من الله، مستخدما أسلوب وكلمات الأنبياء.

الإجابة عن الجزء الثاني وهو:

كيف يحتوي الكتاب المقدس على كلمات نطق بها الشيطان؟

    لقد دون الكتاب المقدس أحاديث للشيطان في أكثر من موضع: وأكتفي هنا بمثال واحد في قصة آدم وحواء ففي إغرائه لحواء قال لها: "أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ ..." (تكوين 3: 1ـ5)

    فرغم وجود هذه العبارات التي نطق بها الشيطان، فهذا لا يضير الوحي الإلهي، فالوحي يوضح أنها عبارات الشيطان. وفي القرآن الكريم أيضاً نجد نفس الشئ، ففي (سورة الحِجْر 33) جواب الشيطان على كلمات الله "قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حَمَأٍ مسنون"

فليس في ذكر ما قاله الشيطان مشكلة، لأن ذلك واضح أنه كلام الشيطان. وهذا بخلاف ما يعرف بحديث الغرانيق في سورة النجم، فقد دس الشيطان عبارات على لسان محمد وهو لايعلم أنها كلمات من الشيطان، والمشكلة أنها كانت عبارات تمجد أصنام قريش: اللات والعزى ومناة، قائلا أنها غرانيق علا أي ذات كرامة عظيمة وأن شفاعتهن لترتجى. فذلك حديث آخر.

 

3 - الاعتراضات على  سفر نشيد الأناشيد

مقدمة

    الواقع إن الاقتراب من سفر نشيد الأناشيد، يشبه الاقتراب من الشجرة المشتعلة بالنار المقدسة، التي رآها موسى النبي، حيث قال له الرب: "يا موسى! اخلع نعل رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (أع7: 33)

وهذا ما ذُكِر في القرآن أيضا: "أن ياموسى اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى" (سورة طه20: 12)

والواقع أن الإنسان يلبس نعلاً في قدميه للحماية من شوك الأرض الملعونة، التي قال الرب عنها لآدم "ملعونةٌ الأرضُ بسببك ... وشوكا وحسكا تنبت لك" (تك3: 17و18)

ولكن إذا ما ترك الإنسان الأرض الملعونة بشوكها، وبدأ يقف على الأرض المقدسة بطهرها، وجب عليه أن يخلع ذلك النعل، من أجل قداسة المكان، من جهة، تماما مثلما يحدث في الدخول إلى أماكن العبادة. وأيضا ليترك لحواسه أن تستشعر قداسة هذه الأرض المباركة، دون ما عائق. فخلع النعلين يشير إلى التحرر من العوامل المادية التي تقيد انطلاقة الروح في هذا الطريق الروحي. ومن هنا نستطيع أن نفهم ما قصده السيد المسيح بقوله: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6: )، وكذلك ما قاله بولس الرسول: "الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، أما الروحي فيحكم في كل شيء .." (1كورنثوس 2: 14)  ولعل هذا هو ما دعى السيد المسيح أن يحذر قائلا: "لا ترموا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأقدامها، وتلتفت فتمزقكم" (متى7: 6)

لهذا فعندما نقترب من سفر نشيد الأناشيد، بسمو معانيه ورموزه، علينا أن نخلع نعل المادية، والأفكار الشهوانية، ونتقدم في قداسة الفكر ونقاوة القلب، لأن: "كلَّ شيء طاهر للطاهرين، أما للنجسين وغير المؤمنين، فليس شيء طاهر، بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم" (تيطس1: 15)

وأحب أن أطمئن إخوانَنا المسلمين أن علماء الكتاب المقدس سواء في اليهودية أو في المسيحية منذ أقدم العصور، لم تكن تنقصهم الفطنة التي يدَّعيها المتطرفون من المسلمين، بخصوص ما يقولونه عن سفر نشيد الأناشيد، فلو كانوا قد وجدوا أن في هذا السفر شُبْهَةَ خزي، كما يدعي المتطرفون، لما كانوا قد وضعوه ضمن الأسفار المقدسة، في مجامع ضمت صفوة العلماء والفهماء والروحانيين!! أم أن علماء الديانتين كانوا أغبياء إلى هذا الحد، فلم ينتبهوا إلى ما اكتشفه متطرفو الدين الإسلامي!!! وكيف يدَّعى هؤلاء المتطرفون ذلك؟ بينما نبي الإسلام ذاته، لم يعترض على هذا السفر أو على غيره من الأسفار المقدسة، بل على العكس شهد للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قائلا: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه" (القصص28: 49)

ومهما ادعى المتفلسفون بأكذوبة تحريف الإنجيل والتوراة، فليس من المعقول أن يأتي المحرِّفون بكتاب معيب كما يظن المدعون، بل كان من الأولى بهم أن يغيروا ما يثير الشبهات التي ينتقدها غير الفاهمين. ولكن إصرارَ رجال الديانتين، دون ما اتفاق بينهما، على الاحتفاظ بهذا السفر النفيس ضمن الكتب المقدسة الموحى بها، يجعلنا نقف موقف طالبي العلم والمعرفة، لندرك المعاني السامية المتضمنة فيه. وسوف يشمل حديثنا في هذه الحلقة والحلقات القادمة الأمور التالية:

1ـ سفر النشيد والشعر الصوفي الروحي.

2ـ الألفاظ المعترض عليها في سفر النشيد.

3ـ سفر النشيد وجنة الخلد، مقارنة موضوعية.

هذه مقدمة موجزة ونفتح المجال لأسئلة أحبائنا المستمعين، وخاصة إخواننا المسلمين إن كانوا يريدون أن يستفسروا عن شيء.

الأسئلة

س (1) ماذا تقول عن أسلوب العشق الفاضح واللغة المبتذلة التي كُتِبَ بها نشيد الأناشيد؟

س (2) ما هو المقصود من التصوف الذي تتكلم عنه؟

س (3) وما علاقة هذا الطرح بنشيد الأناشيد؟

س (4) أليس نشيد الأناشيد رسالة من الملك سليمان موجه إلى عشيقة له؟

س (5) تقول أن نشيد الأناشيد هو علاقة عشق، فهل ممكن أن توضح لنا من هو العاشق ومن هي العشيقة؟

س (6) ألست معي أن ما يقال عن الحب الإلهي أو العشق الإلهي إنما هو بدعة في الدين؟

 

س (1) ماذا تقول عن أسلوب العشق الفاضح واللغة المبتذلة التي كتب بها نشيد الأناشيد؟

الإجابة:

الواقع أن أسلوب نشيد الأناشيد ليس هو عشقا فاضحا كما تقول، ولكنه عشق مقدس. وربما تندهش من هذا التعبير: (العشق المقدس)! ولكن لكي يزول اندهاشك يا عزيزي دعني أذكرك بشخصية لها مقامها المكرم بين النساء المسلمات وهي رابعة العدوية. هل تعرف لقبها الذي تشتهر به؟ اقرأ ما كتبه عنها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد دَعَى كتابه عنها بإسم "شهيدة العشق الإلهي" وعندها ستفهم لقب عروس النشيد المتيمة بالعشق الإلهي.

وإن أردت أن تعرف المزيد عن [العشق الإلهي أو الحب الإلهي] في الإسلام اقرأ عن المذاهب الصوفية أو مدراس الحب الإلهي، وإليك بعض تلك الكتب:

1ـ كتاب "المذاهب الصوفية ومدارسها" تأليف الأستاذ عبد الحكيم عبد الغني قاسم، مكتبة مدبولي بالقاهرة.

2ـ كتاب "التصوف الإسلامي" للدكتور عبد الله الشرقاوي كلية دار العلوم بالقاهرة.

3ـ كتاب "الأدب الصوفي في مصر [ابن الصباغ]" للدكتور على صافي حسين نشر دار المعارف بالقاهرة.

4ـ كتاب " الكنز في المسائل الصوفية" للأستاذ صلاح الدين التجاني، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب.

5ـ كتاب "الحلاج ـ الأعمال الكاملة" تأليف قاسم محمد عباس، نشر مؤسسة رياض الريس للكتب والنشر بلبنان.

6ـ كتاب "شهيدة العشق الإلهي" للأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي، نشر مكتبة النهضة المصرية.

7ـ كتاب "رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي" تأليف الأستاذ مأمون غريب، نشر دار غريب للطباعة والنشر بالقاهرة.

8ـ "الموسوعة العربية الميسرة" إشراف الأستاذ محمد شفيق غربال [تحت كلمة: التصوف، تحت اسم كل رائد من رواد التصوف]

وتذخر هذه الكتب بالحديث عن الحب الإلهي أو العشق الإلهي، الذي يماثل كلمات نشيد الأناشيد، وليس في ذلك ابتذال، أو كما تقول عشق فاضح. واسمع كعينة بسيطة مما قالته رابعة العدوية:

أُحِبُّكَ حبين، حبُّ الهـوى         وحـبٌّ لأنـك أهـلٌ لـذاكا

فأما الذي هو حب الهوى          فشغـلي بذكرك عمن سواكا

وأما الذي أنت أهـل لـه         فكشفك للحجـب حتى أراكا

قارن هذا بما أنشدت به عروس نشيد الأناشيد قائلة:

اسمـك دهن مُهـراق            لذلك أحبتـك العـذارى

اجذبني وراءك فنجري            أدخلني الملك إلى حجاله

نبتهـج ونفـرح بك              ... بـالحـق يحبـونك

تلاحظ في كلا النصين نغمة الحب الراقي المعبرة عن العشق الإلهي المقدس، وليس العشق الفاضح المنجَّس، كما تدعي.

س(2) ما هو المقصود من التصوف الذي تتكلم عنه؟

الإجابة:

كلمة تصوف مأخوذة من الصوف، والمقصود بذلك هو اللباس المصنوع من الصوف، الذي كان يلبسه المتقشفون الناسكون: وهم الرهبان في المسيحية، والزاهدون الصوفيون في الإسلام.

وبخصوص هؤلاء الصوفيين في المسيحية والإسلام فقد جاء عنهم في الموسوعة العربية الميسرة (ص525) الآتي:

[التصوف مسيحيا كان أو إسلاميا هو مراتب، يبدأ المتصوف فيه بتطهير نفسه من الدنس والأقذار والأهواء والنزعات المنحرفة، بحيث يصبح أهلا للتجلي. وما التجلي إلا شعور يزيد من محبة الله والقرب منه، وكلما قوي هذا الشعور اطَّرَد رقيُّ النفسِ حتى تحس بوجود الله في قرارها، بل باتحادها به اتحادا كليا ...] (الموسوعة ص527)

هذا هو كلام الموسوعة العربية الميسرة عن التصوف الروحي، وهو العبادة المبنية على الحب المقدس أو العشق الإلهي. ويتضح هذا الاتجاه في كتابات الصوفيين ودواوينهم الشعرية التي تتشابه كثيرا مع ما كتب في سفر نشيد الأناشيد، بل أستطيع أن أقول أن ما كتبه الصوفيون المسلمون في العشق الإلهي، ما هو إلا انعكاس لما تأثروا به من سفر نشيد الأناشيد.

ومما يثبت لك أن التصوف الإسلامي قد أخذ عن التصوف المسيحي، أسوق إليك هذه الأدلة:

1ـ الدليل الأول: ما قاله الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب "شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية" (ص 10و11) قال:

[عندما نبحث عن مصدر التأثير الواعي أو اللاواعي في التصوف الإسلامي، يجب أن يتجه البحث إلى التأثير المسيحي إذ تغلُب عليه هذه الفكرة، فكرة المحبة الإلهية]

2ـ دليل آخر: يقول أيضا الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب "شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية" (ص 6) إذ ذَكَر أنه في كوخها المتواضع كان يوجد مشجب "أي شماعة" تضع عليه أكفانها، فكانت تستخدم هذا المشجب بما عليه من أكفان، لتضع أمام عيونها موضوعا للتأمل أثناء الذكر العقلي، مثل القديسة تريزا والصوفية المسيحيين عامة في استخدامها نموذج الصليب، فكان صليبها هو مشجبها المجلل بأكفانها. وما أقوى الشبه كما سنرى بين هذه الصوفية المسلمة وبين تلك الصوفية المسيحية!" (ص6)

4ـ ودليل ثالث: ما قاله الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب "شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية"  (ص 12) نقلا عن كتاب "تَذْكِرَةِ الأولياء" لكاتبه فريد الدين العطار، الذي قال:  "... لقد هبطت عليها رسالتها الروحية، عندما كانت تسير ذات يوم، فشاهدت رجلا غريبا يرمقها بنظره مضمرا لها الشر، فهربت وسارت في طريق دمشقها هي الأخرى (أي مثل بولس الرسول الذي رأى نفس الرؤية وهو في الطريق إلى دمشق). ثم ارتمت على التراب وظلت تناجي ربها قائلة: "إلهي أنا غريبة يتيمة،مكبلة بقيود الرق والعبودية، ولكن همي الكبير هو أن أعرف: أراض أنت عني أم غير راض؟ فسمعت صوتا يقول: "لا تحزني! ففي يوم الحساب يتطلع المقربون إلى  السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه" فلما سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيدها، وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلي لربها طوال الليل". ويكمل حديثه قائلا:

    "إن رابعة العدوية لم تجد خلاصا أو بالأحرى عزاءً لها إلا في الإيمان والثقة بالله والتعزي بالآخرة، وهي ظاهرة طالما حدثت في النفوس النبيلة ... ونراها في الجيل الأول للمسيحية ... ومن هنا تنصرف هذه النفوس النبيلة إلى طلب الملكوت الأعلى" (ص12)

3ـ ودليل رابع:عندما اتُّهِم الحسين ابن منصور الحلاج بالكفر، وهو أحد رواد التصوف الإسلامي بالعراق في القرن التاسع الميلادي، [هل تدري ماذا فعلوا به؟] جاء في (الموسوعة العربية الميسرة ص 732) أنهم صلبوه، ثم قطعوا رأسه، ثم أحرقوه!! ونسأل لماذا صلبوه؟ نجد الإجابة في أحد أبيات شعره التي عبر بها عن تأثره بالمسيحية إذ قال:

ألا أَبـْلِـغْ أحبـائي بـأنـي          ركبت البحر وانكسر السفينة

على دين الصليب يكون موتي          ولا البطحا أريد ولا المديـنة

هذه يا عزيزي فكرة مبسطة عن التصوف الروحي في المسيحية والإسلام، والتصوف موجود في كل أديان العالم: الديانة الفارسية، والهندية، واليهودية، وطبعا المسيحية والإسلام، وتوجد في الإسلام مدارس متعددة للتصوف منها: المدارس الحجازية، والعراقية، والشامية، والمصرية، والمغربية، والسودانية، وغيرها ولكل مدرسة روادها. وتتفق هذه المدارس فيما بينها في أمور، وتختلف في أمور أخرى.  وعن هذا يحسن أن تقرأ كتاب "المذاهب الصوفية ومدارسها للإستاذ عبد الحكيم عبد الغني قاسم".

 

س (3) وما علاقة هذا الطرح بنشيد الأناشيد؟

الإجابة:

   الواقع إن العلاقة وطيدة بين ما وضحته عن التصوف الروحي وسفر نشيد الأناشيد، وسر هذه العلاقة يكمن في أن جميع الاتجاهات الصوفية الروحانية لها قاعدة واحدة وهي الحب الإلهي أو كما يفضلون أن يسموه العشق الإلهي. وإذ لم يسعفهم النثر للتعبير عن التجربة الوجدانية العميقة، فعبروا عن شعورهم الجارف بما يعرف بشعر الغزل المقدس. وهذه هي التهمة الموجهة إلى سفر نشيد الأناشيد، فإذا ما عرف المعترض أساس شعر العشق الإلهي بطل استعجابه.

    فسفر نشيد الأناشيد في الكتاب المقدس هو قصيدة شعر باللغة العبرية ، شعر صوفي روحاني، تماما مثل ما في التصوف الإسلامي من قصائد الشعر الصوفي، أمثال قصائد رابعه العدوية، وابن عربي، وابن الفارض، وذي النون المصري، وغيرهم.

وقصائد الشعر الصوفي كما قلت تتحدث عن العلاقة الحبيَّة والعشق الإلهي بين الإنسان وبين الله.

 ولا يخفى على السامعين أن الشعر عموما، والشعر الصوفي خصوصا، يتميز بالصور البلاغية، والتعبيرات الرمزية المجازية، أي أنه مملوء بالتشبيهات والاستعارات والكناية والتورية، وهي كلها أساليب أدبية بلاغية راقية، للتعبير عن المحبة الإلهية السامية. ولا تؤخذ كلمات الشعر بالمعنى الحرفي المادي، وإلا ما كان شعراً.

فإذا ماوضعنا هذا الاعتبار في قراءتنا لسفر نشيد الأناشيد، بطل الادعاء بأنه شعر غزل فاضح، فلا يقول هذا القول سوى متخلف عن ركب الثقافة والمعرفة.

 

س (4) أليس نشيد الأناشيد رسالة من الملك سليمان موجه إلى عشيقة له؟

الإجابة:

هذا كلام غير صحيح. ولا يقول به إلا إنسان ساذج، لا يعرف معنى العشق. فالعشق تشوق واشتياق، والاشتياق رجاء، والرجاء رغبات بعيدة المنال يسعى الوَلْهان جاداً ليحققها، أما الملوك فلا ينطبق عليهم ذلك، فليس شيء بعيد المنال بالنسبة لهم، إذ هم قادرون أن يحققوا كل ما يرغبون، وأن يبلغوا بالقوة إلى كل ما يرجون، وشعارهم: "وما ملكت أيمانكم". فأيمانهم طائلة، بل متطاولة حتى إلى زوجاتِ أبنائهم، فليس لديهم مشكلة، لتُدْخلَهم في دائرة العشق والتلهف والوَلَه. فالواقع  هو أن الملوك لا يعشقون، ولكنهم عندما يشتهون يملكون. ومن هنا جاء تعدد زوجاتهم وسراريهم وما ملكت أيمانُهم.

وعندما نرى ملكا عاشقا كسليمان، فمن المؤكد أن عشقه ليس موجها إلى إمرأة يستطيع أن ينالها، فلابد أن عشقه موجه إلى محبوب بعيد المنال: إلى الله ذاتِه. فأشواقه البعيدة المنال التي يصبوا إليها، ويسعى متلهفا حتى تتحقق، هي اللقاء الحبي مع من تحبه نفسه. اسمعه يقول في هذا السفر الروحي: "أنا لحبيبي وإليَّ اشتياقه ... اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك، لأن المحبة قوية كالموت، الغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرب، مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها، إن أعطى الإنسان كلَّ ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقارا" (نشيد 7: 10، نشيد8: 6و7)

هذه النغمة العاشقة الولهانه نراها تلون أيضا شعر العشق الإلهي الصوفي بكل وضوح، فاسمع هذه الأبيات لشاعر صوفي مسلم عن شوقه للقاء الله، وهو يقول:

أنت سؤلي وبغيتي وسروري         قد أبى القلبُ أن يَحِبَّ سـواكا

يا حبيبَ القلبِ من لي سواكا         فارحـمَ اليومَ مذنبـا  قد أتاكا

يا مناي وسيدي واعتمـادي         طال شوقي ـ متى يكون لُقاكا

ليس سؤلي من الجِنان  نعيمٌ         غيـرَ أنـي أريـدُهـا لأراكا

 

هذا هو العشق المقدس للمحبوب بعيدِ المنال، وهذه هي الأشواق المشبوبة المتوقدة لرؤيته.

ويقول في ذلك أيضا الدكتور عبد الرحمن بدوي: يُحكى عن رابعة العدوية أنها كانت تنوح باستمرار، فسئلت: لماذا تنوحين وأنت لا تشكين ألما؟ فأجابت: وا حسرتاه! الْعلَِّةُ التي أشكوها ليس مما يستطيعُ الطبيبُ علاجَه. إنما دواؤها الوحيد رؤية الله. وما يعينني على احتمال هذه العلة إلا رجائي أن أحقق غايتي هذه في العالم الآخر." (ص76)

أفبعد هذا يجرؤ من يقول أن سفر نشيد الأناشيد رسالة من الملك سليمان إلى عشيقة له؟  حاشا، فسفر نشيد الأناشيد كما قلنا هو قصيدة شعر صوفي روحاني كتبها بالوحي سليمان الحكيم المتيم بالعشق الإلهي، يصف خلجاتِ نفسه في علاقتها بحبيب الروح وخالقِها، وهو رغم جبروته وحكمته وغناه، لكنه يقف عاجزا وفقيرا أمام أشواقه المتعطشة إلى حب الله والتمتع برؤياه.

+++

س (5) تقول أن نشيد الأناشيد هو علاقة عشق، فهل ممكن أن توضح لنا من هو العاشق ومن هي العشيقة؟

الإجابة:

سفر النشيد يمثل العلاقة الحبية المقدسة بين الله والنفس البشرية المتيمة بعشقه، فهذه العلاقة الحبية هي موضوع الشعر الصوفي عموما، وموضوع سفر نشيد الأناشيد على وجه الخصوص.

هذه العلاقة الحبية قد وُضِعَت في قالب مجازي بليغ، قالب العلاقة الشرعية التي توحد وتؤلف بين العريس وعروسه. فشبهت النفس البشرية بعروس وشبه الله بالعريس. وهذا ما قال يوحنا المعمدان: "من له العروس فهو العريس" (يوحنا 3: 29) وبولس الرسول قال: "خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو11: 2).

وبنفس الصورة البليغة كانت علاقة رابعة العدوية المتصوفة المسلمة بالله، إذ يقول الدكتور بدوي عنها في كتابه [شهيدة العشق الإلهي: رابعة العدوية ص 26] "لقد بدأت رابعة تستشعر الحب لله، وإنه لينمو، وتواكبه مشاعر مختلفة، لعل من بينها، ومن أقواها الشعور بأنها نذرت نفسها لهذا المحب الأسمى" ويواصل حديثه قائلا: "وعما قليل ستعلن خطبتها إليه، ولعل ذلك أن يفضي في النهاية إلى الزواج الروحي بينها وبين الله"  ـ الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب "شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية" (ص26)

ألا ترى معي أن هذا تعبير غريب وصعب أن يقبله أي إنسان؟

بالتأكيد هو في غاية الصعوبة، وهذا ما دعى الدكتور بدوي أن يعلق قائلا: "هذا نص على أكبر درجة من الخطورة لأنه يتحدث عن وجود فكرة الزواج من الله والاقتران به لدى الصوفيات المسلمات حتى منذ القرن الثاني الهجري أو الثامن الميلادي، وهي الفكرة التي لعبت دورا خطيرا في التصوف المسيحي" ـ الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب "شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية" (ص 27) وتصديقا لكلام الدكتور بدوي نقول أن آباء الكنيسة كانوا يسمون العلاقة الحبية مع الله بالزيجة الروحانية.

هل فطنت الآن لتعرف من هو العاشق ومن هي العشيقة؟ إنها النفس البشرية في عشقها المقدس لله السامي غير المحدود. وهذا ما كتبه الأستاذ مأمون غريب عن رابعة العدوية بهذا الشأن فقال "فإذا مستها هذه الشرارة المقدسة شرارة الإغاثة لتتجه إلى نور الهداية فإذا بها تنقاد نحو هذا النور .. وتغرق فيه .. وتشدو بحبيبها الذي لا يعادله حبيب .. إنه الخالق العظيم .. (كتاب رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي ص5)

 

س (6) ألست معي أن ما يقال عن الحب الإلهي أو العشق الإلهي إنما هو بدعة في الدين؟

الإجابة:

    لا ياعزيزي أنا لست معك في ذلك، وأسوق إليك كلمات رجل مسلم متمسك بدينه هو الأستاذ مأمون غريب في (كتاب رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي ص 19) حيث يقول: "لم يكن الصوفية مبتدعين وهم يريدون من تعبدهم لله أن تشرق عليهم الأنوار الإلهية". ويعود ليؤكد هذه الحقيقة في (نفس الكتاب ص80) بقوله "الحب الإلهي إذن هو غاية الصالحين، وليس بدعة أو اختراع"

واسمع الدكتور علي صافي حسين في كتابه الأدب الصوفي في مصر  221) يقول: "وكان ذو النون المصري أول شاعر صوفي تحدث في شعره عن العشق الإلهي أو المحبة الربانية ... ولم يكن يختلف في شيء ذي بال عما كان عليه شعر الغزل بمعناه العام". (ص221)

    وأسوق إليك شعر محمد الكيزاني أحد الصوفيين الكبار، من (كتاب الأدب الصوفي في مصر ص (20)

ولقد أودعَ الغـرامُ  بقلـبي            زفراتٍ أضحى بها مصـدوعا

وإذا أطنـب العـزول فـقد            عاهدت سمعي ألا أكون سميعا

وحرامٌ علَىَ التلهفِ ألا يريـ           حَ أويحرقَ الحشا والضـلوعا

 

ومن الشعر الحديث في العشق الإلهي أنشد قداسة البابا شنودة الثالث قصيدته العصماء التي بعنوان "همسة حب" أقتطف لك بعض أبياتها:

قلبي الخفاق أضحى مضجـعك         في حنايا الصدر أخفي موضـعك

ليـس لي  فكـر ولا رأي ولا         شهـوة أخرى سوى  أن أتبـعك

قد نسيت الأهل والأصحاب  بل         قد نسيت النـفس أيضا في هواك

قد نسـيت الكل  في حبـك يا         متـعة القـلب فلا تنـسى فتـاك

في سـماء أنت  حـقا إنـما          كل قلب  عاش في الحب  سـماك

عرشك  الأقدس قلب قد خـلا          من هوى الكل فلا  يحوي سـواك

 

هذه عينات من قصائد العشق الإلهي. ونشيدُ الأناشيد في الواقع هو الينبوع الذي نهل منه كل هذا الكمِّ من عشاق الحب الإلهي. إنه المشعل الوقاد الذي ألهب مشاعرهم، وأنار دروبهم، وسبى قلوبهم، وأسكر عقولهم، فانطلقت أرواحهم معبرة عن مذاقة الملكوت الحلوة، لتعزف سيمفونية العشق الإلهي الخالدة، والمتجددة على مدى الأزمان.

العشق الإلهي ياعزيزي درجة سامية في العلاقة مع الله، لا ينكرها إلا من لم يتذوقها. وهل يستطيع الأعمى أن ينكر ضياء الشمس لأنه لا يراها؟؟؟!!!

 

لعلي بهذا قد أجبت تساؤلك يا عزيزي السائل عن هوية العاشق والعشيقة في سفر نشيد الأناشيد، السفر المعبر عن الحب الإلهي الخاص لوجه الله، الذي ينبغي أن يكون ركيزة العبادة لله، فالعبادة في مفهومها هي أسمى درجات الحب كما نقول في لغتنا أن فلان يحب فلانا لدرجة العبادة، أي أنه لا يستطيع مفارقته.

والواقع أن المشكلة الأساسية في قصور الإنسان عن إدراك أبعاد العلاقة مع الله تكمن في أن الدين أصبح عند العامة هو مجرد فروض وواجبات، دون علاقة حبية بين القلب بينه وبين الله. فكتابنا المقدس يقول: ""الله محبة" و "نحن نحبه (نحب الله) لأنه هو أحبنا أولا" (1يو4: 8و19)

هل تريد يا عزيزي أن تراجع علاقتك بالله هل هي مجرد عبادة الفرض وعلى رأي المثل: يعمل الفرض وينقب الأرض"؟ أم تريد أن تكون علاقة حبية من الآن مع الله. قل له يارب علمني أن أحبك، واسكب حبك في قلبي.

والواقع أنني أعرف كثيرين من أحبائنا المسلمين يعجبون بفكرة المسيحية في الحب الإلهي، وأعلم أيضا أن كثيرين لهم موقف من الإسلام، ويعلنون عدم اقتناعهم به، وفي نفس الوقت يخشون الانضمام إلى المسيحية، حتى لا يتعرضوا للعذاب أو السجن أو حتى القتل، ولهذا يكتفون بإعلان إلحادهم أهون لهم من انضمامهم للمسيحية.

وأحب أن أؤكد أنني لا أدعو أحباءنا المسلمين المستنيرين والمعترضين على الإسلام، إلى ترك الإسلام، ولا أن يلجأوا إلى الاحتماء بالإلحاد، بل أدعوهم أن يظلوا في موقعهم، وبأسمائهم كما هي: محمد ومحمدين، وحسن وحسين. وأن يتجهوا بقلوبهم إتجاها روحيا حبيا في علاقتهم مع الله، تماما مثلما فعل الصوفيون المسلمون أمثال: رابعة العدوية، ومحيي الدين ابن عربي، وابن الفارض، وغيرهم.

وبالمناسبة أقول أن الصوفية المسلمة مع إتجاهها الروحي، تسمح بالزواج، فلا تظن أنك بالاتجاه الروحي إلى الله يلزم أن تكون راهبا أو متبتلا! فلا تعارض بين حب الله وممارسة جوانب الحياة المختلفة. ومن خلال الاتجاه الروحي والعلاقة الحبية مع الله سيعلن الرب لكل واحد الطريق السليم الكامل، لأن الكتاب المقدس يقول: "المقوم طريقه أريه خلاص الرب" (مز50: 23). فقط كن طائعا لله واقرأ من بين ما تقرأ الكتاب المقدس، لتعرف الطريق الحقيقي، وتدخل الحياة المرضية والمقبولة لدى الله. وستجد الكتاب المقدس على الانترنيت

www.arabicbible.com

لقاؤنا في الأسبوع القادم بمشيئة الله، لنناقش معاني كلمات نشيد الأناشيد التي يحسبها المغرضون أنها ألفاظ هابطة. فإلى اللقاء.

عودة الى  الصفحة الرئيسية