مراجعة في الاسلام

أسئلة يسألها المسلمين والرد المسيحي عليها

   فيما يلي بعض الإجابات المختصرة لأسئلة تكرر ذكرها من المسلمين.وسوف نضيف بصفة دورية أسئلة وإجابات أخرى عن بعض القضايا التي تهم المشاهدين . برجاء إرسال أي أسئلة على البريد الإلكتروني.

 لماذا ينتقد المسيحيون العنف في القرآن، في حين أن الكتاب المقدس ملئ بالعنف أيضا ؟

1.  يذكر العهد القديم بعض أعمال العنف التي ارتكبها الإنسان ضد أخيه  الإنسان أو الملوك ضد الملوك الآخرين. ولكن كان هذا ضد إرادة الله وبالإضافة إلى أن الله قد عاقب المعتدي.

2.  هناك نوع آخر من العنف في العهد القديم وكان بمثابة عقاب من الله ضد الأمم الشريرة. هذه الشعوب قررت عصيان الله، وغواية شعب الله لارتكاب الإثم ليفسدوا الأرض و ينجسوها.والسبب في أن الله أراد أن يتخلص منهم هو لأجل احتواء الشر حتى لا يتلوث المجتمع  وإيقاف الشر من الانتشار في نسلهم.  أحيانا كان الله يتعامل مباشرة مع الشر كما كان الحال في الطوفان في أيام نوح وحرق سدوم وعامورة. وفي بعض حالات أخرى كان الله يأمر شعبه أن يتخلصوا من الشعوب الشريرة. والجدير بالذكر أن حكم الله جاء بعد فترة أربعمائة عام من الانتظار (تكوين 15). وفي خلال هذا الوقت أعطاهم الله الفرصة تلو الأخرى حتى يتوبوا ولكنهم فضلوا أن يستمروا في شرهم حتى امتلأ كأس شرورهم.

3.  ومن ناحية أخرى ،يأتي العهد الجديد بمفهوم جديد يبني على النعمة. لقد كانت تعاليم المسيح مبنية على أساس التسامح. ومثالا على ذلك عندما أحضر اليهود له المرأة الخاطئة طالبين بأنها يجب أن ترجم ولكن يسوع أعطى المرأة فرصة ثانية قائلا لمتهميها "من منكم بلا خطية فليرمها بحجر أولا"( يوحنا 8: 7) .وقد علمنا السيد المسيح أن لا نقاوم الشر بل ندير الخد الآخر ( متى 5 : 39). وفي موقف آخر انتهر يسوع بطرس  عندما استخدم السيف (متى 26 :52).

أيضا عندما طلب تلاميذ المسيح يوحنا ويعقوب أن ينزل نارا من السماء حتى تهلك القرية التي لم تستقبله، فألتفت إليهم يسوع و انتهرهما قائلا"لستما تعلمان من أي روح أنتما لان ابن الإنسان لم يأت ليهلك انفس الناس بل ليخلص" ( لوقا 9 : 55 ، 56).

4.   فإذا حدث أن جاء  أي رسول بعد السيد المسيح يطلب استخدام السيف فيبدو هذا بمثابة نكسة وتراجع وليس تقدماً.

أول الصفحة

وماذا عن العنف الذي يرتكب باسم المسيحية،مثل الحروب الصليبية والحروب في البلقان الخ؟

1. على الرغم من أن هذا العنف قد تم تحت اسم المسيحية، إلا أن المسيحية لا توافق عليه. ولأن احتلال الصليبيين للقدس لم يكن من الله، لذلك انتهى بالهزيمة ،  فهذه الأرض ليست لهم. المسيحية ديانة روحية مسالمة لا تشجع على احتلال الأراضي ولا على السيادة السياسية على أي شعب.

2. هذا بالإضافة إلى أن أي  شخص  إذا ادعى أنه مسيحي ثم ارتكب أعمال وحشية فإنه  ليس بمسيحي.إن ثمار أي شجرة تعلن عن نوعها. إن ثمار الروح المسيحية  هي " محبة، فرح، سلام، طول أناة،لطف، صلاح، إيمان،وداعة،تعفف" (غلاطيه5 :22 ،23).

3. كانت حرب البلقان هي حرب عرقية وليست دينية،لأنها قامت بين مجموعات عرقية  حدث أنها  تنتمي إلى المسيحية والإسلام.إنه صراع قديم وكل من الطرفين قد ارتكبوا أعمال وحشية ضد الآخر على مر عصور التاريخ. أن المسيحية لا تعترف بالأعمال الوحشية التي ارتكبت بمن يدعون  أنفسهم انهم مسيحيين. وقد شجب المسيحيون في مختلف أنحاء العالم العنف ضد المسلمين . كما أن غالبية الدول المسيحية لعبت دوراً فعالاً في وقف العنف وحماية المسلمين.

4. وعلى العكس من ذلك فإن حكومة السودان تشن حرب إبادة ضد المسيحيين في جنوب السودان . هناك أكثر من 2 مليون قد قتلوا،والآلاف النساء والأطفال بيعوا كعبيد. وعلى الرغم من هذا لم نر دولة إسلامية تقدمت لمساعدة هؤلاء الضحايا.

أول الصفحة

إذا كان تعدد الزوجات محرم، إذن لماذا نرى أن هذا يمارس  في الكتاب المقدس؟

1.  إن تعدد الزوجات يعتبر شيئاً ضد الطبيعة البشرية. لا توجد امرأة سواء كانت مسيحية ، مسلمة أو يهودية أو حتى ملحدة تسعد برؤية زوجها في أحضان امرأة أخرى.عندما خلق الله آدم ، خلق له حواء  واحدة وليس أربعة .

2 .  في العهد القديم لم يدع الله إلى تعدد الزوجات ، كان هو اختيار بشري والذي به فسد الإنسان.  لقد أفسدت  زوجات  سليمان  حياته وانتهى به الأمر إلى انه عصى إله إسرائيل وقام بعبادة الأوثان.

3.   أما في العهد الجديد  فقد أوضح المسيح شريعة المرأة الواحدة  لرجل واحد. قال السيد المسيح "ولكن من بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله. من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته  ويكون الاثنان جسدا واحدا إذا ليس بعد اثنين بل جسد واحد " (مرقس 10:6-8)

 

أول الصفحة

إذا كان الإسلام ليس من الله لماذا هو اكثر الأديان انتشارا في العالم؟

 1.       أولا علينا أن نفترض أن الإسلام هو اكثر الأديان انتشارا.لأنه ليس هناك أي دليل علمي لإثبات وجهة النظر هذه. فمن المحتمل مثلاً أن يكون الإلحاد هو الأكثر الممارسات شيوعا في العالم.

2.       أن انتشار الإسلام في السنوات الأخيرة قد تزامن مع اكتشاف البترول في الدول الإسلامية.فقد استخدمت ملايين الدولارات  من عائد البترول في نشر الإسلام.واستخدمت  هذه الأموال في بناء الجوامع، وطباعة الكتب والمنشورات وشراء  البرامج التلفزيونية والإذاعية. بالإضافة إلى أن هذه الأموال قد استخدمت للمساعدات المادية لكل من يقبل الإسلام أو يساند المجموعات الإسلامية المتطرفة الذين يشنون حرب الجهاد ضد من يسمونهم كفار.

3.     إن كثرة عدد الذين يتبعون الإسلام ليس بمؤشر على مصداقية الديانة. وعلى سبيل المثال الحركات التي تنتمي إلى لذة الجسد هي عادة الاكثر شيوعاً من التي تنتمي للروح. على سبيل المثال ، إن أي حفلة تشاهد فيها رقص شرقي خليع سيكون عليها إقبال أكثر من اجتماع للصلاة.

4.     لم تدعى المسيحية يوماً أنها ديانة الجماهير ، ولكنها كانت دائما للأقلية من الجادين في البحث عن الحقيقة. قال يسوع "  لأنه واسع هو الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه"(متى 7 :13، 14).لاحظ هنا أن الطريق المؤدى إلى الهلاك متوفر للكثيرين للسير فيه. وعلى النقيض  أن الطريق الضيق لا يمكن أن تجده بسهولة ولابد أن يقرر الشخص البحث  حتى يجده. إن الناس ينتفعون من الطريق الواسع  في حين أن الطريق الضيق يضحي الناس من اجل الوصول إليه.

 أول الصفحة

إذا كانت المسيحية عظيمة بهذا المقدار هكذا فلماذا نسمع عن ارتفاع نسبة الطلاق عند المسيحيين، وعن الإدمان في المخدرات  وعن كهنة يغتصبون الأطفال،وزواج الأشخاص ذوي الشذوذ الجنسي بالكنيسة؟

1.  إن المسيحية لا تسمح بالطلاق إلا لعلة الزنا( متى19 :3-9).أما الإدمان فىالمخدرات أو أي نوع من التدمير للجسد فهو محرم تماماً في المسيحية ( 1 كورونثوس 6 : 19، 02).  كما إن المسيحية تدين اغتصاب الأطفال ( 1 كورونثوس 7 : 18). أما الشذوذ الجنسي فهو محرم في المسيحية ( روميه 1 :26، 27)، وتعتبر في الإنجيل جريمة بشعة. وبسبب الشذوذ حرق الله سادوم وعاموره ( تكوين 19:25).

2.  وانه من الواضح أن الذين يرتكبون الخطية، وحتى إذا كان يطلق عليهم أسم مسيحيين" لكنهم ليسوا حقيقة كذلك، لانهم لا يتبعون تعاليم المسيحية. إن  الكتاب مقدس لأي ديانة هو القاعدة الأساسية للحكم عليه، وليس المخالفون لتعاليمه.

3.  نفس هذا المبدأ ينطبق  على الإسلام. لا نستطيع الحكم على الإسلام من أخلاق المسلمين ولكن من تعاليم القرآن والأحاديث.

 

أول الصفحة

كيف يعبد المسيحيين ثلاث ألهة؟ وهل من المعقول أن الله يلد له إبناً؟

1 .  لا تعترف المسيحية بان هناك ثلاث آلهة ، ولكن اله واحد ( يعقوب 2 : 19).

2.  واضح من العهد القديم والجديد أن الله له ثلاث أقانيم. أن مفهوم الثلاث اقانيم هو منطقي لانه يكشف أن الله مكتفي في ذاته. ونحن كمسيحيين نؤمن أن الله واحد : الأب والابن والروح القدس. أنها ليست مسألة 1 +1 +1=3، ولكنها  1 ×1 ×1=1.

3 .   إن الإيمان بأن يسوع هو ابن الله ليس له علاقة بالمفهوم الجسدي بالمعنى الحرفي للكلمة. إن هذا ليس معناه أن الله في وقت ما كان له علاقة جنسية وانجب له ابناً ،  إنما يسوع هو ابن الله منذ الأزل.

4  . وعندما نقول أن يسوع ابن الله نعني انه روحيا كان مع الله منذ البداية ( يوحنا 1 :1). بينما ، في حقبة من الزمن في التاريخ، ولد المسيح بطريقة إعجازية من بشر من خلال السيدة العذراء (متى 2 :1)، ليفدي البشرية الساقطة.

 

أول الصفحة

 كيف تثبت أن الإنجيل ليس محرفا،وخاصة في ظل وجود طبعات مختلفة له؟

1. أن الطبعات المختلفة هي مجرد ترجمات مختلفة استخدمت فيها لغات ولهجات مختلفة. كل هذه الترجمات مأخوذة من النسخة الأصلية وكان قد ترجمها خبراء  بكل دقة ممكنة.إذا كان هناك اختلاف في كتابة النص فهذا لان هناك معان مختلفة التي لم تستطع الكلمات أن تعبر عنها. ولكن المغزى ثابت. وهذا المثال ينطبق على القرآن، هناك ترجمات كثيرة للقرآن التي تختلف بعضها عن البعض و يعتمد عليه ممن لا يتكلمون اللغة العربية.

2. إن الإدعاء بتحريف الإنجيل هي فكرة إبتدعها المسلمون لتبرير الاختلافات الكثيرة بالقرآن عندما يقارن بالإنجيل. وحتى يتثنى لأي شخص أن يثبت عدم صحة الإنجيل لابد أن يقدم النسخة الصحيحة كبرهان. إن المخطوطات  التي اكتشفت عن بعض نسخ للإنجيل التي كتبت في القرن الرابع والخامس، وهذا قبل مجيء الإسلام قد وجدت أنها تنطبق تماماً مع النسخة الموجودة حاليا.

3.  أن القرآن يشهد بمصداقية الإنجيل في أماكن كثيرة ( سورة  4:  47؛2 : 41 ، 91 ؛ 0 2 :133 ، 29 :46). وبناء على ذلك لا يستطيع المسلمون أن يقولوا أن  المسيحيين أو اليهود قد حرفوا الإنجيل قبل مجيء الإسلام.

4.ومن ناحية أخرى ،ليس من الممكن أن يكون الإنجيل قد حرف بعد الإسلام أيضا. لا يمكن أن يكون قد حدث هذا  بعد سبعة  قرون من ميلاد المسيحية وبعد انتشار المسيحية في كل أنحاء العالم.  في هذا الوقت كانت المسيحية قد انقسمت إلى طوائف مختلفة حتى انهم لم يكن لهم اتصال  مع بعضهم البعض، فكيف يمكنهم أن يتفقوا على مؤامرة لتحريف الكتاب؟ وأيضا كيف تكون هذه المؤامرة سرية بدون علم أحد؟ بالإضافة إلى أن الإنجيل قد تم  ترجمته إلى عدة لغات ولذلك فتحريف الإنجيل يستلزم  جمع كل الأناجيل الموجودة في العالم وتدميرها الأمر الذي من الصعب تنفيذه.

 

أول الصفحة

 يقول القرآن أن الله أظهر الإنجيل إلى يسوع، بينما المسيحيين لديهم أربعة أناجيل كتبها أربعة رجال مختلفين. بماذا تفسر هذا؟

1. على عكس ما يقوله القرآن لا يوجد شيء يطلق عليه"الإنجيل" الذي أوحى به أو علمه يسوع. لا يوجد كتاب مثل هذا قد وجد أو أشير إليه في المراجع التاريخية. عندما جاء محمد بعد 7 قرون من مجيء المسيح ، كانت الأربعة أناجيل قد كرز بهم في العالم كله حتى في الجزيرة العربية. ولم يذكر القرآن أن هناك خطأ في الكتاب المقدس، كما لم يكشف عن النسخة الصحيحة إن كان هناك خطأ.

2. إن كلمة "إنجيل" مأخوذة من اللغة اليونانية و تعني" أخبار سارة". لقد أعطى القديس بولس تعريف لكلمة إنجيل في( 1 كورونثوس 15 :1-4) "وأعرفكم أيها الاخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به،إلا إذا آمنتم عبثا. فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب". على الرغم من أن هناك أربعة أناجيل ، لكن كل من الأربع شهادة لأنجيل واحد ، أن المسيح مات ودفن وقام . كل الأناجيل اتفقت على هذه الحقيقة.

3.  لم يأمر يسوع تلاميذه أن يسجلوا كلماته. ولكنه وعدهم انه سيرسل الروح القدس ليسكن فيهم، ويعلمهم كل الأشياء ويذكرهم بكل ما صنعه  وقاله يسوع ( يوحنا 14 : 26). وفي يوم الخمسين تمم يسوع  وعده لتلاميذه عندما  حل عليهم الروح القدس.( أعمال 2 :1-4 ،15-22) .
أن الأربعة أناجيل قد كتبها أربعة رجال مختلفين ولكن بوحي من الروح القدس. الإنجيل يروي من وجهات نظر مختلفة ، ما صنعه وقاله يسوع خلال كرازته. ولكنهم جميعا لا يناقضون بعضهم البعض بل على العكس يكملون بعضهم بعضاً.

 

أول الصفحة

 ما هو الدليل على أن الصلب قد حدث؟ كيف يموت الله العظيم بيد بشرية؟ولماذا  يحتاج الله آن يموت لينقذ البشرية؟ أليس لديه كل القدرة والسلطان أن يغفر لمن يشاء وحسبما يشاء دون أن يحتاج  ليموت؟


1.
  أن قصة الصلب هي حقيقة وليست خيال، لأنها سجلت عن طريق مصادر موثوق بها . وهذه بعض أمثلة على ذلك:

2. لم يكن صلب المسيح مجرد صدفة حدثت في فترة من التاريخ بل كان ترتيباً إلهيا  . منذ البدء وقبل سقوط الإنسان في الخطية، علم الله ما سيحدث للإنسان وأعد طريقاً لخلاصه ( بطرس 1 :18-21، أعمال 2 :23-24).

3. عندما أكل آدم من الشجرة المحرمة وخالف الله، ارتكب اكبر خطية ضد الله. وهذه الخطية عقابها الموت الأبدي. وصار هذا الحكم على أدم وذريته بعد ذلك، الذين ورثوا الطبيعة الساقطة( روميه 6 :23، حزقيال 18 :20)

4. إن الله يتصرف حسب صفاته ولأنه صادق فهو لا يكذب. وبما انه عادل لا يمكنه أن يترك الخطية بلا عقاب. أن تريب الله للخلاص لابد أن يوفي محبته ورحمته معا( مزمور 85 :10)

5. وكان لا يمكن تحقيق هذا إلا عن طريق أن  يأخذ الله له شكل بشري ويقبل الموت من أجلنا على الصليب، ليدفع ثمن خطايانا. ( يوحنا 3 :16، روميه 5 :8، 1يوحنا 4 :10)

 

أول الصفحة

لماذا لا يؤمن المسيحيون واليهود بمحمد بينما تنبأ الإنجيل  والتوراة عن مجيئه؟

يقول المسلمون أن هناك إشارات كثيرة في العهد القديم والجديد تشير إلى أن محمد قد تنبأ به الإنجيل.  ولكن عندما ندقق جيدا في هذه الإشارات نجد أنها لا تتفق مع صفات محمد. هذه الإشارات تشير إلى المسيح أو إلى الروح القدس وفيما يلي بعض الآيات كمثال:

1.  في العهد القديم:" ويقيم الرب إلهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي له تسمعون. أقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به"( تثنية 18 : 15، 18).

لا يمكن أن يكون هذا إشارة إلى محمد. لان محمد هو من نسل إسماعيل ، ولم يعتبر اليهود أن نسل إسماعيل هم اخوة. ومن الجانب الآخر تنطبق هذه الصفات على السيد المسيح . كان المسيح يهودياً وأيضا  كذلك موسى النبي في حين محمد لم يكن يهودي. ولم يترك الرسول بطرس مجالاً للشك في حقيقة أن هذه النبؤة تنطبق على المسيح.( أعمال 3 : 20- 26).

2.     في العهد الجديد: " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الاب روح الحق الذي من عند الاب    ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضا"(يوحنا 15 : 26).

يقول المسلمون أن ترجمة كلمة " المعزي"  في اليونانية تعني " المحمود" ، وهذا إشارة إلى محمد. وفي الحقيقة هناك كلمة مشابهة في النطق التي تعني " المحمود". ولكن الكلمة المستعملة في الإنجيل تختلف وهى  تشير إلى الروح القدس، وترجمت  إلى كلمة " المعزي". الروح القدس هو روح، أما محمد فهو جسد. أرسل الروح القدس إلى الرسل ولكن محمد جاء بعد ستة قرون من موت الرسل. كما قيل أن الروح القدس سيسكن في الرسل ( يوحنا 14 : 17) . بينما أن محمد لم ير الرسل أبدا . و قيل أن العالم لن ير الروح القدس وعلى العكس من ذلك أن الناس قد رأوا محمد.

أول الصفحة

http://www.islamreview.com/arabicsection/articles/ar_article1.htm

 

تساؤلات مسلم

- الأبناء لا يتحملون ذنب الآباء
- عقيدة الفداء والخلاص من الذنوب الشخصية
- كيف يموت الله أو المسيح
- الجنة في المسيحية
- هل هو إنجيل واحد
- إله واحد أم ثلاثة
- المسيحية والعقائد الوثنية
- لماذا لا يؤمن المسيحيون بأنبياء بعد المسيح
- نبؤة موسى عن محمد
- نبؤة المسيح عن محمد






1- :هل الكتاب المقدس هو كتاب الله الذى انزلة على سيدنا المسيح عيسى بن مريم؟ومارأيكم فيما ينسب إلية من وقوع التحريف فية ؟ومالذى يميز الكتاب المقدس عن غيرة من الكتب ؟

الرد:
إن افضل طريقة للتأكد من أن الكتاب المقدس هو كلام الله هي قراءته ،ولكنى مع ذلك سأقدم لك بعض الأدلة التي تثبت ذلك ،فالكتاب المقدس:-

1-فريد في قوة تأثيرة:

فقد قرأه الكثيرون من الناس الأشرار والتعساء فتبدلت حياتهم وهم يعيشون الآن حياة البر والسعادة

2-فريد في ترابطه:

فقد كتيه أكثر من أربعين كاتبا عاشوا في فترة بلغت 1600سنة وهى فترة ليست قليلة وكان هؤلاء الكتاب يختلفون عن بعضهم البعض فمنهم الطبيب مثل لوقا والفلاح البسيط مثل عاموس والملك مثل سليمان وقائد الجيش مثل يشوع والشاعر مثل داود والفيلسوف والصياد والعالم والحاكم 0000 ومع ذلك فعندما تقراه لا يمكنك أن تشعر بأنة كتب من قبل كُتاب كثيرين عاشوا في أزمنة وبيئات وثقافات مختلفة ،بل تجدة كتابا واحدا .

3-فريد في صدق نبواته:

لم يكن هناك كتاب غيرة في كل الكون استطاع أن يخبرنا عما سيحدث بعد مئات وآلاف السنين والغريب أن ما أخبرنا به قد تحقق فعلا وبدقة عجيبة ومازالت نبوات العهد القديم تتحقق حتى الآن (الكتاب المقدس الذي بين أيدي اليهود الذين يكرهون المسيح) الذي فيه حوالي 333نبوة تمت بكل دقة عن المسيح . أضف إلى ذلك النبوات التي ستتم في المستقبل :- أهم نبوة ستتم قريبا جدا هي مجيء المسيح مرة ثانية فلقد جاء في المرة الأولى قبل حوالي ألفى سنة مثل حمل وديع ليرفع خطية العالم بموته ، لكن في مجيئه الثاني سيأتي كالأسد الزائر الخارج من سبط يهوذا ليدين العالم وستجثو له كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب المجد 0وسيحنى كل إنسان تطاول علية رأسة ، نعم وسيخزى أمام ذاك الذي ستهرب الأرض والسماء من وجهة ولن يكون لهما موضع بعد0

هل حدث تغيير في الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم؟

أستطيع ان أقول لا لسببين :- 1-عندما يعطى الله الإنسان كتابا من عنده فهل تظن أنة لا يستطيع المحافظة علية من عبث البشر ؟ وآلا فأنك تشك في درة اله القدير وتؤمن بان الإنسان أقوى منة ويستطيع أن يعبث بكتابة0 2-من زور الكتاب المقدس وأين ولماذا ؟ أنت تعرف أن الكتاب المقدس تُرجم من البداية إلي لغات عديدة وأنة انتشر في القرن الثاني الميلادي في كل ربوع الأرض فمن الذي كان بمدورة أن يصل ألي كل النسخ بلغاتها المختلفة التي بلغت حوالي 15 لغة قبل القرن السادس عشر الميلادي.وتذكر أن العهد القديم الذي لدى المسيحيين هو نفسه توراة اليهود وأنت وتعرف العداء القائم بينهما فكيف اتفقوا على تزويره وماهى الأسباب التي دفعتهم للاتفاق على تزويره. وهل يزور الإنسان لكي يصبح غنيا أم فقيراً ؟ فلقد كان كل العالم ضد المسيحيين الأوائل أضف إلى ذلك انهم كانوا أقلية قليلة لا تُذكر. وقد استشهد الكثيرون منهم وهم يدافعون عن التمسك بكتابهم المقدس.فهل يدافعون عن كتاب كاذب قاموا هم بتزويره.وهل تعرف أن يوجد الآن أكثر من 24000مخطوطة أثرية للكتاب المقدس ترجع تواريخ كتابتها إلى القرون الأولى للمسيحية وأنة لا يوجد اختلاف واحدة منها وبين الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم؟ إن أسهل شئ أن يتهم الإنسان أخية الإنسان لكن من الصعب إن يثبت بالأدلة والبراهين إدعائة (فالبينة على من أدعي) أخيراً…أقول لك ياصديقى إن رسالة الإنجيل هي رسالة الفرح والسلام والتحرير من قيود الشيطان فقد قال سيدنا المسيح "وتعرفون الحق والحق يحرركم" فكل من يقبل عن اقتناع وبدون ضغط أو فرض علية من أحد يتغير قلبه وسلوكه وحياته بالكامل ويصبح إنسانً جديداً.

فما رأيك ياصديقى في هذا الكلام إن أثار لديك تساؤل أو تعليق فلا تتردد في الاستفسار والكتابة على بريدي الإلكتروني لأن اتحادنا في هدف عبادة الخالق الواحد والثبات في حقه هو غرضي وغرضك الذي يحتم علينا أن نعمل معاً داعين أن ينير الله لنا الطريق بإذنه تعالى.

2- ما هو مفهوم الصلاة فى المسيحية وأساليب ممارستها،وهل لها توقيتٌ معين تجوز فيه الصلاة أو لا تجوز ، وهل من كلمات معينة لابد أن يُردِّدها المصلي في صلاته ؟ جديد
الرد

إن الصلاة هي صلةُ الانسان الروحية بالله خالقه . وهي كما سمَّاها بعض المفسرين بأنها التنفس الروحي للمؤمن الذي بدونه لا يقدر أن يحيا روحياً . والصلاة المسيحية هي التعبير الصادر من قلب المؤمن يخاطب به أباه السماوي ليحمده ويشكره ويطلب منه ما يحتاج إليه . فالصلاة إذاً هي اللغة التي يعبر فيها المؤمن عن حبه لله وشكره له وعن ولائه لشخصه الكريم . ومن خلال صلاته يقدم المصلّي طلباته وتوسلاته لسدِّ إحتياجاتٍ معينة سواء كانت تخصّه هو أو تخصُّ غيره . فاحتياجات الانسان كثيرة يمكنه أن يعرضها على الله في صلاته ، ويرجوا الاستجابة لها بحسب مراحم الله وإحساناته . إنَّ نظرة المسيحية لله عدا عن كونه الخالق العظيم القادر على كل شيء فهو أيضاً إلهٌ محبٌ حنانٌ،وهو أبٌ عطوفٌ رحيمٌ بأبنائه المؤمنين ، وهو صديقٌ أمينٌ حافظٌ للعهد مع كل من دخل معه في عهد ولاءٍ صادق . لذلك فكلمات الصلاة التي يرفعها المؤمن لله تأتي عَفَويَّه من منطلق هذه المفاهيم فيعبّر في صلاته ، عن حبه وولائه كما يقدم طلباته وأدعيته وتوسلاته بكلماتٍ تخرج من قلبه تعبّر فعلياً عن مشاعره وهو يقف في محضر الله أثناء صلاته . ما أريد أن أوضِّحه هنا هو أن الصلاة المقبولة لدى الله هي الصلاة النابعة من قلب المصلّي من داخله من أحاسيسه ، يخاطب بها الله ويتحدث إليه كالخالق العظيم والأب الرحيم . يحدثنا انجيل الوحي عن الصلاة بأنها علاقة فردية بين المؤمن والله فهي علاقة شخصية تربط الفرد المؤمن بربه . لذلك فهي ليست شيئاً يُفاخَرُ به أمام الناس لأن الصلاة علاقة مع الله وليست علاقة مع الناس ، وهو سبحانه الفاحص القلوب والعالِم بالنيّات . أما الناس لو رأوا انساناً يصلّي لا يرون إلا الظاهر ، لذلك تظاهر الانسان بصلاته أمام الناس يُحذِّرُ منه الانجيل ، لأن التظاهر بالصلاة أو الصوم يعمّم الرياء ويكثر من النفاق في الأمة، ويَحْرِفُ المصلي عن جوهر الصلاة للاهتمام بمظاهرها الخارجية وكسب مديح الناس . لذلك يقول المسيح القدوس في عظته على الجبل المدونة في انجيل متى الأصحاح الخامس الكلمات التالية :

ومتى صليت فلا تكن كالمرائين . فإنهم يحبّون أن يصلّوا قائمين في المجامع وفي " زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس . الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم . وأما أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء . فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية ". ثم يقول :" وحينما تصلّون لا تكرروا الكلام باطلاً كالأمم ، فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم . فلا تتشبهوا بهم ، لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه " .

فمن كلمات المسيح هذه عن الصلاة نتعلم أن الصلاة ليست تمثيلية يقوم بها المصلّي أمام الناس لكي ينال مديحهم بل الصلاة علاقة شخصية بين الفرد وربه . كما نتعلّم أيضاً أن لا لزوم للتكرار المستمر لكلمات أو جمل يرددها البعض أثناء صلاتهم وكأنَّ في تكرارها استجابة أفضل . فالله يسمع ويرى ويعرف احتياجاتنا قبل أن نسأله ، ومع ذلك فهو ينصحنا بالصلاة وعرض احتياجاتنا لدى جلاله لأن في ذلك عبادة . وفيه اعترافٌ بسلطان وقدرة المولى على تسديد احتياجاتنا التي نعرضها عليه ، أما التكرار الممل الذي يمارسه الكثيرون فلا معنى له ، كأن يردد أحدهم صلاة أو كلمات يحفظها فيتمتمها عشرون مرة أو خمسون مرة ويظن أن في تكرارها إستجابة أفضل أو عبادة أوفر !.. الصلاة المسيحية صلاة بسيطة ، وهي ليست صلاة تقليدية يرددها المصلّي بغرض تأدية فرض مفروضٍ عليه ، بل الصلاة المسيحية تقوم على إحساسٍ قلبي ، دافعها علاقة حبيِّة مع الله . ففي صلاته يتحدث المصلّي مع ربه كما يتحدث الحبيب مع حبيبه ، ولذلك تأتي كلمات الصلاة من انشاءٍ ذاتي عفويّ تحكمها ظروف المصلّي وأحواله ومشاعره . ولعلها مناسبة نجيب بها على السائل الكريم الذى يقول : هل للكنيسة أو لرجال الدين أو غيرهم سلطة ترغم الناس على الصلاة تحت طائلة المسئولية لمن يقصِّر أو يتهاون أو يغفل عن الصلاة أو الصوم ؟.. فنقول للأخ الكريم : إن الكنيسة ورجال الدين هم آباءٌ محترمون يؤدون خدماتهم بالإرشاد والتوعية بكلِّ إنسانيةٍ ولطف . فقضايا الإيمان أو الصوم والصلاة ، هذه أمور تَنْتُجُ عن تفاعلٍ داخليٍ في قلب الانسان وفي أعماقه ولا يمكن أن تأتي بالعصا أو التهديد بالقصاص . فالعصا والتهديد ينتجان حتماً أمةً منافقة تحكمها العصا ويُرْغمها التهديد للقيام بالواجبات الدينية . فلو حصل ستصبح الممارسات الدينية عبارة عن تمثيلية يؤديها الفرد خوفاً من البشر ، ثم مع التكرار ستتملكه العادة فيؤديها دون إحساس ببهجة العبادة بل بحكم العادة . والكتاب المقدس يقول :" اعبدوا الرب بفرح ، ادخلوا دياره بالتسبيح ". ولذلك فالعبادة المسيحية عبادة تبهج الروح ويؤديها المصلّي بابتهاج وسرور . ووجوه العابدين غالباً ما تكون باشّه . لأن اللقاء بالله في وقت الصلاة لقاءٌ مبهج ، منعشٌ للروح . والسبب في ذلك أن الصلاة المسيحية ليست فرضاً بقدر ما هي تجاوباً قلبياً لصدى محبة الله في قلب المؤمن . ففي هذا الإطار الجميل يؤدي المؤمن المسيحي صلاته بكل خشوع وتقوى / تتوِّجُها بهجة العبادة، كما يؤديها بقناعةٍ قلبية وبحريةٍ دون إرغام أو تهديدٍ أو إكراه . وما نقوله عن الصلاة نقوله أيضاً عن الصوم ، فالصائم يصوم لله ، طاعةً لربه وتقرباً إليه . ولذلك فالصوم عملية قائمة بين الإنسان الفرد وربه ، يؤديها المؤمن المسيحي بحريته عندما يشاء،وكما يشاء ، فلا علاقة لتداخلات الناس في صيامه أو عدم صيامه فهو في الحالين لا يؤذي أحد ، والقضية ترتبط بعلاقة الفرد بربه ، وهذه دائرة تخص الله وحده لا دخل لها لا للدولة ولا لرجال الدين . وأما الصائم ، فلا يجوز في المسيحية أن يفاخر بصيامه أو يتظاهر به ، بمعنى أن لا يجعل من صومه مدعاةً للمفاخرة وكسب مديح الناس لأن الصوم لله . فإشهار الصائم لصيامه فيه رياءٌ ونفاقٌ يحذر الإنجيل منه بقوله :

ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين . فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس أنهم صائمين . الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم . وأنا أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء . فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية .

فأحكام الإنجيل إذاً واحدة في الصوم والصلاة وإن من يمارسها في طاعة الله والتقرب منه لا للتظاهر ولا للمفاخرة أو كسب مديح الناس . لذلك فالمسيحي المؤمن يؤدي صلاته أو صومه كما لله لا لكسب الثناء من البشر . وهو إن أدّاها أو لم يؤدِّيها فهو حرٌّ مسئولٌ أمام ربِّه فلا إكراه في ذلك . ومن جهةٍ أخرى فالصلاة والصوم لا توقيت محدد لها في الإنجيل . بل يمكن أو يؤدي المؤمن أياً منها في الوقت الذي يراه ، فباب الله مفتوحٌ أمام عبادِهِ في كلِّ حينٍ وهو سبحانه لا ينعس ولا ينام يستقبل صلاتنا ويتقبل صومنا في أي وقتٍ من الليل أو النهار . فجاهزية الله دائماً متوفرة ، إنما التقصير عادةً يكون من الجانب البشري . أما عن وضع المصلّي أثناء صلاته في سؤالٍ لأحدهم : يجوز فيها الوقوف أو الركوع أو الجلوس،فأنا أصلي أحياناً وأنا أقود سيارتي في الطريق . بل وأكثر من ذلك فهل يعقل أو لا يقبل المولى صلاة المريض أو المقعد أو المرهق الذي هدَّهُ التعب ، فارتمى على فراشه لا يقوى على القيام وأراد أن يصلّي ويطلب رحمةً أو عوناً من الله ؟!… لا ننسى أن الله محبٌ حنون قريب للقلب لينٌ في تعامله مع أتقيائه ، وهو يعرف جبلتنا أننا من تراب ويتغاضى عن ضعفاتنا سيما عندما تتوفر النية الحسنة في العبادة فهو إله قلوب لا إله مظاهر. بقي أن نوضّح أنَّ ما يفسد الصلاة هو حالة القلب الغير مستقيم وهذا يوضحه المسيح القدوس في قوله :

فإن قدمت قربانك إلى المذبح ( أي عندما تقوم بواجب العبادة والصلاة في بيت الله ) وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك ، فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذٍ تعال وقدم قربانك .

إذاً أترك هناك قربانك / أي تنحى عن تقديم صلاتك في بيت الله ، واذهب بالأولى اصطلح مع أخيك أو جارك ، لئلا تُفْسِدُ الخصومة استجابة الصلاة وبركة الصلاة . وهذا يدعو المسيحي المؤمن أن يحافظ على علاقةٍ طيبة سليمة مع الناس من حوله لئلا يُلام في صلاته وعبادته حتى لو اقتضى الأمر أن تكون المسالمة من طرفٍ واحد .


3- يشهد المسلمون بأن لا إله إلا الله,, فهل يشهد المسيحيون بأن لا إله إلا الله، أم يؤمنون بثلاثة آلهة ويشركون بالله؟ جديد

الرد:
معرفة المسيحيين بالله مصدرها إعلان الله عن ذاته في كلمته، وإعلان الله عن ذاته نجده صريحاً وواضحاً في التوراة والإنجيل، أو بعبارة أخرى في الكتاب الموحى به من الله والذي يسميه المسيحيون الكتاب المقدس ,الذى يحرم تحريماً باتاً قاطعاً أن نشرك مع الله أحداً, فأول وصية من الوصايا العشر التي أعطاها الله لبني إسرائيل على يد موسى، ونطق بها بصوته الإلهي نجدها في الكلمات: ثُمَّ تَكَلَّمَ اللّهُ بِجَمِيعِ هذهِ الْكَلِمَاتِ: أَنَا الرَّبُّ إِلاهُكَ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ *خروج 20: 1-5,

ثم تكلم موسى النبي لبني إسرائيل بالوحي الإلهي فقال: إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِل هُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِل هَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ *تثنية 6: 4 و5,

ويقول إشعياء النبي: هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ وَلَا إِلَهَ غَيْرِي *إشعياء 44: 6, أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلَا إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ. اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَا خْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الْأَرْضِ لِأَنِّي أَنَا اللّهُ وَلَيْسَ آخَر *إشعياء 45: 21 و22, فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللّهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟,,, الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الْأَرْضِ,,, فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ الْقُدُّوسُ *إشعياء 40: 18 و22 و25,

ويقول عنه داود النبي في المزمور: لَا مِثْلَ لَكَ بَيْنَ الْآلِهَةِ يَا رَبُّ وَلَا مِثْلَ أَعْمَالِكَ. كُلُّ الْأُمَمِ الذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُونَ اسْمَكَ. لِأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللّهُ وَحْدَكَ *مزمور 86: 8-10,

وفي سفر التثنية يقول موسى النبي لبني إسرائيل مؤكداً لهم وحدانية الله: فَا سْأَلْ عَنِ الْأَيَّامِ الْأُولَى التِي كَانَتْ قَبْلَكَ، مِنَ الْيَوْمِ الذِي خَلَقَ اللّهُ فِيهِ الْإِنْسَانَ عَلَى الْأَرْضِ، وَمِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاءِ إِلَى أَقْصَائِهَا. هَلْ جَرَى مِثْلُ هذا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ هَلْ سُمِعَ نَظِيرُهُ؟ هَلْ سَمِعَ شَعْبٌ صَوْتَ اللّهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ كَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ وَعَاشَ؟ أَوْ هَلْ شَرَعَ اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَعْباً مِنْ وَسَطِ شَعْبٍ، بِتَجَارِبَ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحَرْبٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ رَفِيعَةٍ وَمَخَاوِفَ عَظِيمَةٍ مِثْلَ كُلِّ مَا فَعَلَ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ فِي مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ؟ إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْإِلهُ. لَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ,,. فَا عْلَمِ الْيَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلْبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ *تثنية 4: 32-35 و39,

ونعود إلى سفر إشعياء فنقرأ الآيات: أَنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلَا تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ *إشعياء 42: 8, أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لَا إِلَهَ سِوَايَ,,, *إشعياء 45: 5, لِيَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ *إشعياء 45: 6, اُذْكُرُوا الْأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ لِأَنِّي أَنَا اللّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الْإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. *إشعياء 46: 9, اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ. وَإِسْرَائِيلُ الذِي دَعَوْتُهُ. أَنَا هُوَ. أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ *إشعياء 48: 12, وفي كتاب العهد الجديد الذي يسميه القرآن الإنجيل نقرأ الآيات البينات عن وحدانية الله, لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ *متى 4: 10, ولما جاء واحد من كتبة اليهود وسأل المسيح: أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ *مرقس 12: 28 و29, وفي صلاة المسيح الشفاعية قال: وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الذِي أَرْسَلْتَهُ *يوحنا 17: 3,

ويقول بولس الرسول: نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ إِلَّا وَاحِداً *1 كو 8: 4, وقد قال المسيح للمرأة السامرية: اللّهُ رُوحٌ. وَالذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا *يوحنا 4: 24, وقال يعقوب في رسالته: أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ *يعقوب 2: 19, كل هذه الآيات التي تضيء بلمعانها صفحات الكتاب المقدس، وغيرها كثير,, تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليهود، وكتابهم هو كتاب العهد القديم,, والمسيحيين وكتابهم هو الكتاب المقدس الذي يشمل كتاب العهد القديم وكتاب العهد الجديد,, يؤمنون بوحدانية الله, لكنهم يؤمنون بوحدانية حقيقية هي وحدانية الله الجامعة ,
 

4- لماذا جاء سيدنا المسيح (علية السلام)؟ ومارأيكم فىوقوع التحريف بالتوراة والانجيل ؟ د
الرد:
لماذا جاء المسيح؟.. وادعاء التحريف… سؤال يتردد كثيراً في الأذهان … لماذا جاء !.. والإجابة في الغالب تأتي إجابة تقليدية بعيدة عن الحقيقة فنحن غالباً سطحيون في كثير من القضايا الهامة في حياتنا ، مستعدون للإجابة عن أي سؤال بدون عمق .
لماذا جاء المسيح ؟
.. سؤال طرح علينا ، يقول : لماذا جاء ؟.. أما يكفي ما جاء به من الأنبياء من قبله من تعاليم وإرشادات وشرائع وسنن ، وأنظمة وتقاليد دينية ؟… فقبل الإجابة على السؤال ماذا لو طرحناه بدورنا على مجموعة من الناس في الشارع العام ، أتوقع أن لو حصل ذلك لسمعنا خليطاً من الأجوبة التقليدية التي غالباً ما تكون بعيدة عن جوهر ما جاء المسيح لأجله . قال أحدهم : أنبياء كثيرون جاؤا قبل المسيح والأنبياء متشابهون في إرسالياتهم ، فكلهم/ عن بكرة أبيهم/ دعوا للتوبة والرجوع إلى الله ، ونقلوا كلام الله لشعوبهم ، والمسيح واحد منهم لم يتميّز عنهم بشيء . وقال آخر : جاء المسيح لقومٍ معين ليهديهم إلى الحق . وما سبقه من أنبياء جاؤا لأقوامٍ أُخر ولغرضٍ مماثل . وقال ثالث : جاء المسيح رسول من الرسل ليذكر الناس بعبادة الله ويهديهم للحق . هذه عينات من الأجوبة التي تحاول أن تُفسِّر :
" لماذا جاء المسيح " ؟
أجوبة تقليدية سهلة تتحدث عن صورة عامة لم يحاول أصحابها أن يتحملوا عناء الغوص في دراسةٍ جادة للكشف عن لغزٍ يبدو غامضاً في أذهان الكثيرين خارج الوسط المسيحي . وهذا بالتالي أبقى على الغموض في مَنْ تُرى يكون المسيح ؟ أهو مجرد نبي ؟.. أو ماذا ؟.. فالغموض الديني والإبهام والوهم صورٌ مستقرة في حياتنا الدينية في الشرق ، نورثها من جيل إلى جيل ، إذ أنَّ الكثير من معتقداتنا الممارسة لا تستند على نصوص الوحي بل تعتمد على أعرافٍ متوارثة وتقاليد اجتماعية تتناقلها الأجيال دون أن نتفحَّص هذا المعتقد أو ذاك هل هو مبني على علم صحيح ، أو مجرد فكرة طرحها خطيب متحمس فلاقت رواجاً فتناقلتها العامة وكأنها منزلة من عند الله !… فالعقائد المسيحية في الشرق يحف بها الغموض والإبهام في أذهان غير المسيحية ، وهناك أقاويلٌ وهمية يتناقلها الناس من حولنا بخصوص عقائدنا لا أساس لها من الصحة ، ومنها مقولة تدعي بأن التوراة والإنجيل محرفان . وعند محاورة أصحاب مثل هذه المقولة الخيالية لإثبات الادعاء ، يبكم الأفواه دون أن تقدم حجة علمية أو وثائقية أو منطقية تكون في مستوى الادعاء المعقول . إنما الفكرة موجودة في رؤوس الملايين وليس من يقدم حجةً واحدة تثبت صحة الادعاء ، وكل ما هنالك أنها مقولة مُخَزَّنة في أذهان الناس لا تدعمها حجة . فهذا الواقع الذي تتكرر مشاهده من حولنا يجعلنا أن نقول لأصحاب الادعاء : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، فالادعاء بتحريف التوراة والإنجيل ادعاء خطير ، وجريمة كهذه لابد أن تترك وراءها آثاراً يدل عليها . إذ يقال أن المجرم يترك دائماً وراءه آثاراً تدل عليه . ثم نتساءل لماذا يُحرَّف الكتاب المقدس ؟.. ومن يستفيد من تحريفه ؟.. وهل عندما حرفه محرفوه خففوا مثلاً من أحكام الله فيه كي يسهل عليهم ارتكاب الإثم ؟.. ولكن كتاب التوراة والإنجيل شديد على الكفار من زناةٍ وسارقين وكاذبين وظالمين ، وخاطئين وجاحدين لنعم الله . ثم كيف يُحرِّف انسانٌ مؤمنٌ كتابَهْ !.. ولو حصل ، أين الله من هذا المجرم الرديء؟.. وأخيراً نقول لو كان التحريف في نسخةِ كتابٍ واحدٍ فريدْ فقد تَمُرُّ العملية ، لكننا أمام ملايين النسخ من التوراة والإنجيل المنتشرة بلغات العالم ، فكيف يُوَفَّقْ من حرَّف الكتاب أن يُحرِّفَ كلَّ تلك النسخ ، فتأتي متطابقة كنسخة واحدة . لأن التوراة والإنجيل كانت منتشرة قبل الإسلام بمئات السنين ، وبلغات العالم المعروفة آنذاك . ثم إنَّ الكتاب المحرف كتاب فاسد ، وهذا لا يربي شعوباً راقية لها حضاراتها وأنظمتها وقوانينها ، كالذي نراه اليوم في الشعوب المسيحية في العالم… فالشعوب المسيحية وأنظمة الحكم فيها معروفة لكل العالم ، شعوب تؤمن بحرية الفرد وتحافظ على حقوق الإنسان وكرامته ، وتهتم بخدمة البشرية ، وتعنى بالعلم ، فمن الوسط المسيحي انبثقت المؤسسات الإنسانية التي تعنى بالفقراء والمعاقين ودور العجزة وبيوت الأيتام ، وحضانات الأطفال، والمستشفيات العامة والاهتمام بأسرى الحروب وغيرها من خدمات إنسانية انتشرت فيما بعد لباقي دول العالم ، والشعوب المسيحية كما نلاحظ تستقبل المهاجرين والمشردين من شعوب الأرض ، فتعتني بهم وتأويهم وتصرف عليهم ، ولا تُكْره أو تُحْرج أحداً على اتباع دين أو عقيدة ، بل تحترم معتقدات الناس ولا تكفِّرُها . فلكلٍ دينه ، والمهم لديهم أن يكون الفرد مواطن صالح مخلص لا يؤذي غيره . أما عقيدته فبينه وبين ربه . فهذه المبادىء السلوكية قارئي الكريم هي مبادئ نابعة من إنجيل المسيح تعلمها الشعب والحكام من إنجيلهم … وهنا لابد من الإشارة إلى أنَّ الآباء والأجداد السابقين في الشعوب المسيحية هم الذين رسخوا تلك المبادئ وأنظمة الحكم والقوانين الإنسانية المريحة لشعوبهم . فأولئك الرواد كانوا حقيقة أكثر قرباً لجوهر المسيحية من الأجيال الحاضرة ، وأجيال اليوم تنعم بمبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة ورعاية الشيخوخة ، والضمان الصحي والاجتماعي وغير ذلك من خدمات أساسها المبادئ المسيحية العادلة لخدمة شعوبها . وهذا أدى بشعوبهم إلى ضمان معيشةٍ كريمة واستقرار الأوضاع بطمأنينةٍ وثقةٍ بمستقبل آمن . نعود إلى موضوعنا/ فادعاء التحريف يُتْهم أمماً راقية لها كتابْ سماويْ ، هَذَّبَ شعوبها ، وصَقَلَ مواهبها ، ودفعها لتكون في الطليعة بين أمم العالم . فالمدعي بالتحريف يقول لهذه الشعوب : كتابكم الذي أسس حضاراتكم كتابٌ محرَّف . شيء معيب فعلاً ، والعيب فيه يقع على من يدعي التحريف لأنه يمس عقيدة الغير في الصميم دون حياء ، وهذه بحدِّ ذاتها علامة تخلُّف ، قد لا يكون تخلّف عقلي بقدر ما يكون تخلّف أخلاقي. ثم إن الأمر معيب فعلاً لأن من يدّعي بتحريف كتب غيره لا يقبل تهمة الغير لكتابه هو . فهو لا يعامل الناس كما يريدهم أن يعاملوه ، هو يتكلم بفظاظه لتشويه كتب الغير ، والغير لا يعامله بالمثل ، _لا عن ضعف _ بل لأن الغير هذّبته تعاليم الإنجيل ، وصقلته أقوال المسيح ، وعلّمته أن الكلمة الطيبة أفضل من المسيئة ، وأن رابح المعركة هو المتسامح الذي لا يرد الإساءة بالإساءة . ونحن بهذا لا نسيء إلى دين بعينة لكن نشير بالإصبع إلى تصرفات الناس المخطئة بحق الجوار ، فالمشكل أننا على اختلاف عقائدنا ودياناتنا نحن نُلْبس الدين ما ليس فيه … ونرسم صوراً ترقى إلى مستوى العقيدة ونخزِّنُها في أذهان شعوبنا ، ولا ذكر بها في كتبنا/ كتب الوحي/ ونعلِّم الأجيال البريئة ما ليس له وجود في عقائدنا الأساسية . وهنا يبدأ الإنحراف عن جادة الدين وأصالته .
عزيزي القارئ …
يُلاحظْ أنَّ فكرة التحريف شبه عامة لدى إخواننا من المسلمين _ لكن الملاحظة الأهم أن القرآن لم يقل شيئاً في تحريف التوراة والانجيل ، بل شهد لهما وحث على اتباعهما . فبشهادة القرآن للتوراة والإنجيل نستنتج أن التحريف حتى قيام الإسلام لم يكن قد حصل ، أي أنَّ قرابة الستماية سنة التي سبقت الإسلام كانت التوراة والإنجيل خالية من التحريف …والإنجيل في مثل هذا الزمن الطويل كان قد انتشر بملايين النسخ وبلغات العالم المعروف آنذاك . فكيف سيتم التحريف لكتاب منتشر بين الشعوب وبلغاتها المتعددة !.. منطق التحريف منطقٌ ساقط ، لذلك نقول أنه عند الحوار مع من يدّعي التحريف تُبْكم الأفواه لأن لا حجة لدى الغير تثبت سلامة الإدعاء ، فلا تسمع سوى أن " الكتاب محرّف " . أما كيف حرّف.. ومتى حرِّف.. وأين حرّف.. ولماذا حرّف.. والإثبات على تحريفه … فتلك لا إجابة عليها لأن القضية مجرد ادعاء . فهو ادعاء غبي ، وادعاء غير مؤدّب ، ولا يُعير انتباه لمشاعر الآخرين . لديَّ ملاحظة أخرى / كيف تَثْبُتُ فكرة التحريف أمام عشرات الألوف من النسخ الأثرية القديمة للتوراة والإنجيل وهي محفوظة في متاحف الدنيا اليوم ، وتعود للقرون الأربعة الأولى للمسيحية ، وكلها متطابقة لما بين أيدينا اليوم ، وتشهد لسلامة الكتاب المقدس من التحريف . هذه لوحدها حجة علمية دافعة ، فالقضية لا ينقصها حجج .. واحدة منها تكفي لو حسنت النوايا .
عزيزى القارئ …
لا أظنك تخشى الكلمة الصريحة المقدمة بحجةٍ دافعة إنما لا تخرج عن إطار الأدب . والآن قبل أن أصل وإياك إلى ختام الإجابة على هذا السؤال ، لدي استفسار : ما رأيك بأن كل ما تدّعيه المسيحية مستندة على إنجيل الله هو حق !… وكيف سيكون موقفك في يوم الدين عندما تتفجر الحقيقة قدام عينيك ، وتسقط كل الإدعاءات المعاكسة التي تمسكت بها في حياتك كما تسقط أوراق الخريف لتحملها الرياح إلى الفناء !… ولعلمك ففي يوم الدين لا فرصة هناك لإعادة النظر في المواقف المخطئة . فذلك يومٌ يدينُ الله فيه سرائر الناس ، فلا فرصة للتوبة ولا لتعديل المسار . وأريد أن أقولها بصراحة هنا أننا نحن كمسيحيين نعلم علم اليقين صحة ما نؤمن به ، نسمع النقد ونعلم أنه باطل فالأبدية على الأبواب وهناك ستنقشع الأوهام . ثم من جهة أخرى فنحن بحياتنا وسلوكنا وتعاملنا مع كل الناس نقدم الشهادة الحية لصحة ما نؤمن به . ونحن نثق بالله أنه لا يخذل أحبابه

5-مارأيكم فى القول أن انجيل المسيح (علية السلام) الصحيح هو انجيل برنابا؟ولماذا لاتعترفون بانجيل برنابا؟ ا
الرد
بدايةً أقول أن الكثيرين يذكرون هذا الكتاب بهذا الاسم وكأنه انجيل حقيقي بينما في الواقع أكثر من 99 % من هؤلاء لم يقرأوه ولم يَرَوْهُ ومع ذلك فأثناء بحثهم وجدالهم مع الغير يستشهدون به دون علمٍ بمحتواه وبأصلهِ وفصله ، وبحقيقة مُؤَلِّفه ... وأيضاً بدون الاطلاع على رأي العلماء الأجلاء من مسلمين ومسيحيين الذين اطلعوا على الكتاب وأعلنوا رأيهم فيه ونَبَذوه. وقبل أن ندخل في التفاصيل في تحليل هذا الكتاب المزيف المسمى " انجيل برنابا " أريد أن أقول أنني أتحدَّى أن يكون هناك إنسانٌ فردٌ واحد يؤمن حقيقةً بهذا الكتاب ، ومقتنعٌ فعلاً بما ورد فيه جملةً وتفصيلاً !... ولماذا أقول هذا ؟

أقوله أولاً : لأن من اطلع على هذا الكتاب لا يمكنه أن يجازف فيقرن نفسه بعقيدةِ كتابٍ هشٍّ يحمل في ذاته وبين سطوره علاماتِ زيفه ، فيقع المدافع عنه في مواقف حرجة ومطباتٍ مربكة لا يعرف كيف يخرج منها بسلام . وأقول ثانياً : ان من يريد أن يدافع عن هذا الكتاب عليه أن يقف موقف الرجال في دفاعه عما يؤمن به ، فيقول ما عنده ويبدي ملاحظاته المؤكَّدة لديه ثم يصغي لما لدى الطرف الآخر من رأيٍ حين توضع النقاط على الحروف وحين يُسَلِّطُ الغير الأضواء الكاشفة على الزوايا المعتمة في هذا الكتاب وهي كثيرة . لذلك أقول أنه على مدى التاريخ كله لا يوجد من يَتَبَنَّى حقيقة الإيمان بهذا الكتاب في نقاشه كانجيلٍ حقيقيٍ موحىً به من الله . ولكن يُلاحظ أنَّ من يطرح اسم هذا الكتاب في نقاشه أو جداله إنما يطرحه فقط لأجل الجدال ، أو لذرِّ الرماد في العيون أو كمن يفجر قُنبلةً دخانية في وجه غيره لأجل المشاغلة فقط وليس في عملية جادة للوصول إلى الحقيقة ، لأن من يطّلع على هذا الكتاب المزيف لا تفوته السخافات الواردة فيه إلا من تغابى عن الحق ، وسنشير إلى عينةٍ من ما ورد فيه من سخافات .

صديقي الكريم ...

الحقيقة تقال أن المسمى انجيل برنابا لا يمت للمسيحية بصلة ، فهو شهادة زور على انجيل الله،وهو مؤلف كاذب مزور تماماً كما ألّف مسيلمة الكذاب والفضل بن الربيع قرآنيهما . والآن ، يا صديقى اليك المعلومات التالية :

أول ما نلاحظه في هذا البحث أنه لم يكن وجودٌ أو ذكرٌ لهذا الكتاب المزوّر المسمى انجيل برنابا قبل القرن الخامس عشر للميلاد ، أي خلال الألف خمسماية سنة بعد موت برنابا . إلى أن جاء أحدهم في القرن الخامس عشر ونبش القبور ووضع القلم والأوراق في عظامٍ بالية بيد برنابا الذي شبع موتاً وقال له : اكتب لنا إنجيلاً نسميه باسمك !.... يا ناس حرام عليكم ، اذكروا أن شهادة الزور هي من بين الجرائم المنهي عنها في الوصايا العشر . أعود فأقول انه لو كان وجود لما يسمى بانجيل برنابا في الخمسة عشر قرن الأولى من التاريخ الميلادي لظهر له اسم ولو على هامش كتب التاريخ أو في الأوراق والوثائق العديدة التي تعد بعشرات الألوف من المخطوطات المحفوظة اليوم في متاحف العالم ، أو على الأقل لكان فيه نسخاً بأيدي بعض المسلمين القدماء . ثم لو كان لهذا الكتاب وجود في التاريخ لما اختلف علماء المسلمين كالطبري والبيضاوي وابن كثير والرازي في شرح وتفسير آخرة المسيح على الأرض ومن هو الذي صلب فعلاً على الصليب ذلك لأن المسمى انجيل برنابا يوضح أن الذي صُلب هو يهوذا الاسخريوطي وليس المسيح ، بينما العلماء المذكورون أشاروا إلى غير ما أشار إليه الكتاب المذكور بدليل عدم تواجده في زمنهم وإلا لاسترشدوا برأيه واهتدوا بهديه واتفقوا على رأيٍ واحد بخصوص صلب المسيح. ثم يلاحظ أن العلماء الأجلاء من المسلمين كانوا قد أشاروا فيما أشاروه في كتاباتهم فذكروا انجيل متى وانجيل مرقس وانجيل لوقا وانجيل يوحنا . وليس بينهم من أشار إلى ذكر اسم برنابا بين كتّاب الإنجيل . فهذا أيضاً دليل بين أدلة كثيرة بأن هذا الكتاب المزوّر هو كتاب لم يكن له وجود في القرون الخمسة عشر الأولى من التاريخ الميلادي . وعندما أُثير اسم انجيل برنابا لأول مرة في الأوساط الأورويبية في القرن الخامس عشر قام بعض العلماء والمتخصصين بالبحث والتنقيب فوجدوا أن راهباً اسمه مارينو كان قد أسلم في القرن الخامس عشر للميلاد وتسمى باسم جديد هو " مصطفى العَرَنْدي " وهو الذي ألّف الكتاب وادعى أنه ترجمها عن نسخةٍ إيطالية بينما لوحظ أن النسخة الإيطالية نفسها منقولة عن أصل عربي وأن محتويات الكتاب منسجمة مع العقيدة الجديدة لمارينو ... فهو بعد إسلامه درس القرآن وتعلم العربية فحاول أن يلائم بين عقيدته الجديدة والكتاب الذي ألفه ظناً منه أن كتابه الجديد يمكن أن ينافس أو يحل محل الانجيل الصحيح المنتشر بين جميع المسيحيين على اختلاف لغاتهم وشعوبهم ، ولكن كتاب مارينو /أو مصطفى العرندي أُجهض لسخافته ولم ير النور وفشل في أن يشق طريقه بين الناس أمام شموخ ومجد وجلال انجيل الله / انجيل الوحي الذي صمد بعزمٍ وثبات قبل وبعد مارينو بزمن طويل وما زال وسيبقى في قمة مجده لأنه ذِكْرُ الله والله له حافظ يحميه ويحرسه من عبث العابثين .أما برنابا فيمكن أن يَصْدُقَ عليه القول بحق أنه المتهم البريء ، فهو لم يؤلف كتاباً لا في حياته ولا بعد موته (طبعاً) ولم يكن له علم بهذا الكتاب ، إنما اسم الكتاب أُلصق به زوراً بعد وفاته بألفٍ وخمسماية سنة .

وبرنابا هذا كان يهودياً من جزيرة قبرص آمن بالمسيح بعد صعود المسيح إلى السماء بتسع سنوات، فهو لم ير المسيح بعينيه ولم يسمع منه كلمة ولا تكليفاً بكتابة أي شيء . ولكنه سمع عن المسيح وآمن به وأخلص لله وشارك في نشر الدعوة المسيحية في البلاد الأوروبية برفقة بولس رسول المسيح . وكان قد تعرف على بولس الرسول ورافقه لبعض الوقت في جولاته التبشيرية . ومن الطريف أن يذكر أن المدعو مرقس كاتب انجيل مرقس هو ابن أخت برنابا ، وقد ورد ذلك في سفر أعمال الرسل من الانجيل ويتضح هناك اهتمام برنابا بابن أخته مرقس وتشجيعه له إذ أخذه معه ورافقه في إحدى جولاته التبشيرية . إذاً برنابا خال مرقس / ومرقس هو كاتب انجيل مرقس ، فالمطّلع المفتّش عن الحقيقة يلاحظ أن الفرق بين انجيل مرقس وما يسمى بانجيل برنابا كالفرق بين الثرى والثريا مما ينفي علاقة برنابا بما نُسِبَ إليه .

ثم هناك ملاحظة ملفتة للنظر بسبب الأخطاء الواردة في الكتاب المنسوب إلى برنابا ومنها يُستدل أن كاتب الكتاب كان يجهل جغرافية فلسطين وبلدان الشرق فيقول في الفصل العشرين من الكتاب : وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في مركبٍ مسافراً إلى الناصرة . ولما بلغ مدينة الناصرة أذاع النوتيه في المدينة كل ما فعله يسوع . وهنا غاب عن ذهن مؤلف الكتاب أن مدينة الناصرة تقع على جبلٍ عالٍ في قلب فلسطين بعيدة عن البحار وعن الشواطىء . ويقول في الفصل الثالث والستين أن الله طرح يونان في البحر فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى . والقارىء العاقل يتساءل : أين نينوى من البحار أو لعل في نينوى حيتاناً تمشي على الأرض بأرجلها كالجمال ؟ ويقول في الفصل الثالث أن المسيح ولد في عهد بيلاطس الحاكم بينما الحقيقة أن بيلاطس حكم البلاد من سنة ستٍ وعشرين إلى ستٍ وثلاثين للميلاد أي بعد ميلاد المسيح بأكثر من ربع قرن من الزمن . كما يورد الكتاب خرافة مضحكة في الفصل الخامس والثلاثين يقول فيها : أن الشيطان بصق على كتلةٍ من التراب فأسرع جبريل ورفع البصاق مع شيءٍ من التراب فصار للإنسان بسبب ذلك سُرَّةً في بطنه ألا توافقني يا صديقى الكريم على أن هذه وحدها كافية بأن يُلْقى بهذا الكتاب في سلة المهملات؟‍.. لذلك أقولها صراحةً : أتحدّى بعالي الصوت أن يكون هناك إنسان واحد في الوجود من يستطيع أن يتبنَّى هذا الكتاب ككتاب وحيٍ حقيقي ، ويقف ليدافع عنه .

وهناك أخطاء خرافية مماثلة وكثيرة في هذا الكتاب لا يتسع المقام لسردها والتعليق عليها ، فمن تلك على سبيل المثال لا الحصر : يقول في الفصل الحادي والخمسين أن المسيح طلب من الله أن يرحم الشيطان فاعترض الشيطان رافضاً هذه الوساطة . هذا كلام سخيف أستغرب إن كان يستهوي أو يؤثر حتى على الجهال أو ذوي العقول الضعيفة أو الغبية !!!. كتاب خرافي لا يستحق حتى مجرد الحديث عنه لولا أن بعضاً من الأعزاء الزائرين رغبوا الاستيضاح عما قيل ويقال عن هذا الكتاب وها نحن نقولها صريحة ونتحدى على سمع الملايين من زائرينا إن كان هناك انسان واحد على وجه الأرض يمكن أن يتبنّى هذا الكتاب كوثيقةٍ صحيحة يؤمن بها ويثبت ذلك . صديقى العزيز : الأستاذ عباس محمود العقاد مفكّر كبير وهو صاحب كتب العبقريات المعروفة لدى الكثيرين منا من محبيِّ المطالعة . الأستاذ العقاد كتب في صحيفة الأخبار الصادرة في 26 / 10 / 1959 . يقول : تتكرر في هذا الكتاب بعض الأخطاء التي لا يجهلها اليهودي المطّلع ، ولا يقبلها المسيحي المؤمن و لا يتورط بها المسلم الفهيم ، لما فيها من مناقضةٍ بينه وبين القرآن . كما قال الدكتور محمد شفيق غربال في الموسوعة العربية " الميسرة " تحت كلمة برنابا ما يلي : الكتاب المنسوب إلى برنابا كتاب مزيف وضعه أوروبي في القرن الخامس عشر . وفي وصفه للوسط السياسي والديني في أيام المسيح أخطاءٌ جسيمة .

أيها الأصدقاء .. والصديقات ..

الحديث الصريح الذي نعرضة في هذا البحث لا نتحدى به أحداً سوى الشيطان مثير الفتن ومبلبل العقول الضغيفة التي هي على استعداد أن تَهُبَّ مع هبِّ الريح فتميل حيثما مال وهذه يصعب عليها أن تستقبل الأشعة الفضية لنور المسيح الحي بل تتدثر في العتمة ولا تعمل إلا في الظلامجديد

6 -قال المسيح في انجيل متى 25:14 عندما جائت اليه امراه وسألته ان يشفي ابنتها فاجاب "أنني بعثت فقط للخراف الضاله من اليهود (اسرائيل)" أى أن الهدف من بعثة المسيح عليه السلام هو هدايه اليهود الضالين فقط.

 الرد

دعوة المسيح هل هى عنصرية ؟!

أن دعوة المسيح بدأت فى أرض فلسطين والتى كانت آنذاك تابعة لليهودية وهى الأرض التى تشرفت بميلاد المسيح وعاش فيها وقد كان طبيعياً أن يبدأ المسيح بداية دعوته فى الموطن الذى نشأ فية (اليهودية) ثم بعد ذلك تمتد الدعوة إلى أما كن أخرى ومن الأدلة التى تثبت ذلك قول المسيح لحوارية قبل صعوده إلى السماء فى إنجيل متى الإصحاح 10 والآية 15 (وقال لهم اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها) فاستجاب الحواريين لأمر المسيح كما جاء فى متى إصحاح 16 والآية 20 (واما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة.آمين)

ليس هذا فقط بل لعلك سمعت أو قرأت قصة اهتداء شخص اسمه كرنيليوس كما جاءت فى سفر أعمال الرسل الإصحاح العاشر هذا الرجل لم يكن يهودياً ومع ذلك قدم الرسول بطرس ( أحد الحواريين) الرسالة المفرحة لة ومع آن كرنيليوس كان تقياً يمارس الصلوات والأصوام فى مواعيدها ويصنع صدقات للفقراء إلا أنة كان يحتاج لشىء أساسى وضرورى هو الإيمان بالمسيح المخلص وهذا ما فعلة أخيرا. وهناك العديد من الشخصيات التى آمنت رغم أنها غير مسيحية الأصل.

وفى قصة المرأة التى ذكرتها تكلم سيدنا المسيح (سلامه علينا) هنا بلغة يفهم منها اليهود السامعين أنهم ضلوا عن الله ، وأن البركة ينالها فقط أبناء الإيمان. فمدح المسيح إيمان المرأة وشفى ابنتها تعبيرا على قبوله لها كابنة مؤمنة بالله رغم أنها لم تكن إسرائيلية. وقد أمر المسيح أتباعه أن يبشروا العالم أجمع بأنه ينقذ كل مؤمن به من غير اليهود، ويعطيه غفرانا إلهيا وجنة سماوية وهنا لا تتعارض كلمات السيد المسيح هذه مع حقيقة أن رسالة الله هى لجميع الناس ولقد قام السيد المسيح بخدمات للأمم ( غير اليهود) فى مناسبات كثيرة فى أثناء خدمته وما أراد السيد المسيح أن يقولة للمرأة هو أن اليهود يجب أن تكون لهم الفرصة الأولى لقبوله كالمسيح لان الله اختارهم لتقديم رسالة الخلاص لسائر العالم فالسيد المسيح لم يرفض هذه المرأة بل لعلة كان يريد أن يمتحن إيمانها أو لعلة أراد أن يستخدم الموقف فرصة أخرى لتقديم درس عن أن الإيمان متاح لجميع الناس كما آن السيد المسيح فى النهاية استجاب لطلبة هذه المرأة وشفى ابنتها.

أختم كلامى بما جاء فى الإنجيل بحسب ما دونه يوحنا الإصحاح الأول والآيات من 11 الى 13 ( إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله واما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله آى المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله )

إذن دعوة ومحبة السيد المسيح ليست عنصرية وهى موجهة لأى شخص من أى مكان وفى أى زمان

7- تحدث سيدنا المسيح فى إنجيل يوحنا فى الإصحاح السابع والآيات من 7 إلى 9 إلى حوارية قبل ذهابه إلى الصليب قائلا " لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق.لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي.ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي." وكلمة المعزى هنا تعنى المحمود أو الفارقليط وهى اشارة الى النبى محمد

الرد

بخصوص كلمة PARACLETE والتى ذكرت أنها تعنى المحمود سأفترض جدلاً أن الفارقليط إشارة إلى النبى فدعنى اوجز تعليقاتى فى نقاط :

1- أن كان الفارقليط هو محمد فالفارقليط هو روح الله إذن محمد هو روح الله وروح الله غير محدود لكن محمد محدود والغير محدود لا يدرك بالنظر لكن محمد أدركه الكثيرين بالنظر. ( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

2- الفارقليط هو من السماء ومن طبيعة الآب ومحمد من طبيعة الأرض من آدم. ( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

3- الفارقليط كان مع الحواريون وفى وسطهم ومحمد لم يكن مع الحواريون ولا فى وسطهم . ( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

4- بعد 10 أيام من صعود المسيح للسماء ظهر الفارقليط للحواريين ومحمد ظهر بعد أكثر من 600 عام. ( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

5- الفارقليط يمكث إلى الأبد ولكن محمد توفى بعد 63 سنة. ( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

6- الفارقليط سيرسله الآب باسم المسيح إذن محمد رسول المسيح. وهذا لا يقولة احد( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

7- الفارقليط يشهد للمسيح وليس العكس أن المسيح يشهد لمحمد( إذن فالفارقليط ليس هو محمد)

وهكذا كما ترى يا صديقى أن هذا الآيات الكريمة لا تشير إلى محمد من قريب أو بعيد ولكنها اشارة الى الروح القدس وأدعوك ياصديقى أن تقرأ الأيات مرة اخرى.
 


هل حرف الكتاب؟
الصديق الكريم
هل الكتاب المقدس الذي يؤمن به المسيحيون قد حُرِّف أم لا؟
- قبل الإجابة على السؤال، لا بدّ من الإشارة إلى أنه سؤال هام جداً لكونه يتعلّق بالتشكيك بصفحة الكتاب المقدس وتحريفه. والمعروف أن الكتاب المقدس هو كتاب الوحي الذي يتضمن كلام الله ودستوره وتعليمه للبشر. وهو يُعتبر الأساس الذي ترتكز عليه العقيدة الأساسية للديانة المسيحية. والكتاب المقدس يُعتبر كتاب الكتب بالنسبة للمسيحيين، لأنه يحتوي على كلام الله وتعاليمه وشرائعه التي أوحى بها الله إلى رجاله القديسين. وهو مصدر الإيمان بالنسبة للدين المسيحي، ويخبرنا عن محبة الله ورحمته وفدائه للناس بواسطة المسيح المخلص. وإن كل ما جاء فيه يعرض مقاصد الله وتعاليمه بكل أمانة وإخلاص. فكل ما جاء فيه كان بإرشاد روح الله القدوس. وأن الله سبحانه وتعالى يُثبت مدى صحة هذا الكتاب بقوله: "كل الكتاب موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان لله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تيموثاوس 16:3 و17).
+ طالما أن الكتاب المقدس يحتوي على كلام الله، وكل ما جاء فيه كان بإرشاد الروح القدس، وطالما أن الإيمان المسيحي مستمدّ منه، فهل صحيح ما يروّجه البعض بأن الكتاب المقدس قد حُرِّف مرّ السنين؟
- في الواقع، أن ما يُطلق أحياناً على لسان البعض أن الكتاب المقدس كان عُرضة للتحريف والتغيير على مرّ السنين، هو ليس أكثر من مجرّد افتراء أو ادّعاء باطل. فالكتاب المقدس هو كلمة الله، ومن يجرؤ على تغيير أو تبديل كلام الله، وما الهدف من ذلك؟ ولو صحَّ ما يُقال، لكان إيمان المسيحيين المبنيّ على ما جاء في الكتاب المقدس هو تعليم باطل. ولكن الحمد لله أن ذلك لم يحصل ولن يحصل البتة، طالما أن الله سبحانه وتعالى مصدر الوحي وهو القادر أن يحفظه.
+ ما هو الدليل أو البرهان على أن الكتاب المقدس لم يُحرَّف، وأن ما يُقال بهذا الصدد هو مجرّد ادعاء؟
- يوجد عدّة أدلة تحض الاتهام بأن الكتاب المقدس قد حُرّف منها:
1 - إن الكتاب المقدس موجود اليوم بين أيدينا، وعلى من يدّعي أن الكتاب مُحرّف أن يُبرز النسخة الأصلية غير المحرّفة بحسب اعتقاده، ولا وجود لذلك طبعاً.
2 - أن الادّعاء بتحريف الكتاب المقدس لم يبرز إلى الوجود إلا بعد عدة قرون من بداية المسيحية، وما يدحض هذا الادّعاء، هو وجود نسخ كاملة من الكتاب المقدس تعود إلى القرون الأولى للميلاد، أي قبل ظهر ادّعاءات المدّعين. وهذه النسخ محفوظة في المتاحف الشهيرة في أماكن مختلفة حول العالم، ويمكن الرجوع إلى هذه النسخ الأصلية التي سبقت الادّعاء بالتحريف لمقارنة الكتاب المقدس الحالي بتلك الكتب القديمة، وكلها طبعاً متوافقة تدحض التحريف منها:
1 - نسخة بيزي المحفوظة في كمبريدج: تحتوي على الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل، وقسم من رسالة يوحنا الأولى، يعود تاريخها إلى القرن الخامس أو السادس للميلاد.
2 - النسخة الأفرامية في بارس: تحتوي على العهدين القديم والجديد كاملين باليونانية القرن الخامس.
3 - النسخة الإسكندرية المحفوظة في المتحف البريطاني بلندن: العهدان القديم والجديد باليونانية سنة 325 للميلاد.
4 - نسخة واشنطن الأناجيل القرن الرابع أو الخامس
5 - النسخة الفاتيكانية المحفوظة بروما: العهدان القديم والجديد باليونانية حوالي سنة 300 للميلاد.
6 - النسخة السينائية المحفوظة في المتحف البريطاني بلندن: العهدان القديم والجديد باليونانية مثل الفاتيكانية في القدم، بل ربما أقدم منها.
7 - بردية تشستربيتي المحفوظة في دبلين بإيرلندا: أجراء من الأناجيل وسائر أسفار العهد الجديد. حوالي سنة 250 للميلاد.
8 - بردية بودكر المحفوظة في جنيف بسويسرا: فيها إنجيلا لوقا ويوحنا وبعض الرسائل حوالي سنة 200 للميلاد.
9 - بردية دون رينلد المحفوظة في مانشتر بإنجلترا: فيها إنجيلا يوحنا وترجع إلى حوالي سنة 120 للميلاد.
3 - لا شك أنه بعد جمع أسفار الكتاب المقدس في كتاب واحد، صدر عنه نسخ عديدة توزعت في بلدان مختلفة. ومن يريد أن يحرّف الكتاب لما استطاع جمع كل النسخ الموجودة ليحرّفها. فإذا حُرّف بعضها، فلابد أن يكون البعض الآخر بدون تحريف، فأين تلك الكتب غير المحرّفة حسب زعمهم؟ أنها غير موجودة طبعاً.
4 - توافق ما جاء في الكتاب مع علم الآثار وتعاليم الأنبياء وكتابات آباء الكنيسة الأولى، التي تؤيّد بما جاء في التوراة والإنجيل ومنه ما يلي:
أ - القول الصريح الوارد في سورة المائدة 44: "إن أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبّيون".
ب - ما ورد في سورة المائدة 46: "وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتّقين".
ج - وأيضاً ما ورد في سورة المائدة 68: "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليكم من ربكم".
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت 46). "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" (آل عمران 64). "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"(البقرة 136). "
وهذا طبعاً يعطي شهادة القرآن الكريم بصحة التوراة والإنجيل، ولو كان الكتاب المقدس محرّفاً لما جاءت مثل هذه الشهادة.
+ هل هناك شهادات أخرى تشير إلى صحة أو عدم تحريف الكتاب المقدس؟
- هناك شهادتان أساسيتان هما: شهادة المؤمنين وشهادة الله.
1 - شهادة المؤمنين:
إن شهادة المؤمنين تبرز في إيمانهم الواحد بصحة ما جاء في الكتاب المقدس منذ بداية المسيحية حتى اليوم ومع أن المسيحية تنقسم إلى طوائف، فكل الطوائف مهما اختلفت في تفسير آيات الكتاب تؤمن بصحة ما جاء فيه، وبالأخص إيمانهم بالسيد المسيح أنه الإله الذي ظهر في الجسد، وأنه وُلد ولم يُخلق، وأنه عمل الآيات والمعجزات مثل شفاء المرضى وإقامة الموتى وغيرها، وأخيراً صلبه عِوضاً عن الإنسان الخاطئ، وقيامته من الأموات لأجل تبرير الخطاة، وأنه صعد إلى السماء. فكل هذه الحقائق تؤمن بها جميع الطوائف المسيحية ولا خلاف حولها البتة، وهذا هو جوهر تعاليم الإنجيل.
2 - شهادة الله:
تأتي شهادة الله في وصاياه وأقواله. فقد أوصى الله المؤمنين على مرّ العصور بأن كلامه الموحى به نافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب. فأوصى المؤمنين قائلاً:
1 - "لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به، ولا تنقصوا منه، لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها" (سفر التثنية 2:4).
2 - وقوله أيضا "كل الكلام الذي أوصيكم به، احرصوا لتعلموه، لا تزد عليه، ولا تنقص منه" (تثنية 32:12).
3 - وقوله أيضاً: "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس 1: 12).
4 - وقل السيد المسيح: "فإني أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى 18:5).
5 - وأخيراً تحذير الله لكل من يزيد على الكتاب المقدس أو ينقص منه بقوله: "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب. إن كان أحد يزيد على هذا، يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. إن كان أحد يحذف من أقوال هذه النبوة، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة، ومن المدينة المقدسة، ومن المكتوب في هذا الكتاب" (رؤيا 18:22-19).
+ فبعد كل هذه التوصيات والتحذيرات الصارمة من الله، هل يتجرأ أحد من المؤمنين على تحريف كلام الله؟
- فالمؤمنون لا يجرؤن على تحريف الكتاب المقدس. أما غير المؤمنين فيتعذّر عليهم جمع الألوف من نسخه المنتشرة في العالم ليعبثوا بها ويزوروها. وعلى هذا الأساس، فإن الادّعاء بأن الكتاب المقدس كتاب مُحرّف، هو ادّعاء باطل لا أساس له، ومن لا يؤمن بذلك عليه أن يثبت العكس لتقبل حجّته
 

لماذا اربعة اناجيل؟
الصديق الفاضل

تحياتنا وسلامنا .. وبعد …
سررنا باستلام رسالتك التي تسأل فيها : لماذا هناك أربعة أناجيل؟
يجب أن نعرف أولا أن كلمة إنجيل معناها الأخبار السارة – أي المفرحة. وفي الغالب تطلق كلمة (الإنجيل) على كتاب العهد الجديد كله (لأنه مليء بالأخبار السارة). إلا أن كلمة إنجيل عادة يقصد بها أحد الكتب الأربعة التي نقلت لنا بشارة المسيح والتي دونها أربعة من أتباع المسيح المعاصرين له بإيحاء من الروح القدس. فقد شاء الله أن يسجل سيرة المسيح في أربعة كتب، فحصلنا على بشارة الخلاص المفرحة : إنجيل واحد، تعليم واحد، وحقيقة واحدة، مسجلة في أربعة كتب بأربعة أساليب إنشائية وأدبية مختلفة.
إنجيل متى أي الأخبار السارة عن المسيح كما دونها البشير متى بوحي من الروح القدس. وهدفه الأساسي أن يثبت للناس عامة ، ولليهود خاصة ، أن يسوع هو المسيا أي المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء مئات المرات. ولذلك تتكرر فيه عبارة "لكي يتم ما هو مكتوب (أي في العهد القديم)". وفيه يعطي سلسلة نسب المسيح إلى أبيهم إبراهيم، وإلى داود الملك. ولكن اليهود لم يؤمنوا به فرفضوا ملكهم ومخلصهم.
إنجيل مرقس، كتبه مرقس بوحي من الروح القدس وفيه سرد للخدمات التي قام بها المسيح الذي قال عن نفسه أنه جاء "لا لـيُـخدَم، بل ليَخدُم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين..
إنجيل لوقا، كتبه البشير لوقا بوحي من الروح القدس ليثبت أن المسيح جاء أيضا لكل العالم. ولذلك فسلسلة نسبه تمتد إلى آدم، الذي هو أبو الجنس البشري كله. وأنه جاء "يطلب و يخلص ما قد هلك". ففيه تظهر نعمة الله التي ترحب بالخاطئ التائب. وفيه قال المسيح أنه "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب".
إنجيل يوحنا، كتبه الرسول يوحنا بوحي من الروح القدس، ليثبت أن المسيح جاء من السماء وصار إنسانا لأجلنا. وأن الله أحب العالم كله وبذل المسيح "لكيلا لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية".
فالإنجيل الواحد، كما دوّنه أربعة بشيرون مختلفون، ليس من تأليف إنسان، بل هو من الله، وإذ ندرسه نحصل على فكرة أكمل وأشمل عن فادينا ومخلصنا يسوع المسيح.
وبخلاف ما يظن البعض لم يكن هناك إنجيل "أنزل على المسيح"، بل المسيح هو الذي أوحى لهؤلاء الأربعة، بروحه القدوس، أن يكتبوا هذه البشائر الأربعة.
كيف اوحي الانجيل؟
الى الصديق العزيز
هل أنزل الله الإنجيل المقدس على المسيح إنزالاً، أم أن السيد المسيح هو كاتب الإنجيل؟
- إن الإنجيل المقدس لم ينزل مكتوباً كما يعتقد البعض، كما أن المسيح لم يكتبه. فالإنجيل المقدس كتب بواسطة رجال الله القديسين، أي تلاميذ يسوع المسيح ورسله الأبرار. أنهم كتبوا مقاصد الله وتعاليمه تماماً كما أوحي إليهم من الله أن يكتبوا. ويقول الكتاب المقدس: "لأنه لم تأت نبوة فقط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس 1: 12). ويقول أيضاً: "كل الكتاب هو موحىً به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البرّ، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تيموثاوس 16:3 و17). وهكذا نرى أن الإنجيل المقدس كتبه رجال الله القديسون مسوقين من الروح القدس، ولم يُنزل إنزالاً كما يعتقد البعض، كما أن المسيح لم يكتبه. ولكن الإنجيل المقدس كله يدور حول شخصية المسيح وتعاليمه وخلاصه وفدائه.

هل الكتاب المقدس محرف؟
الصديق الكريم
إجابة على سؤالك حول صحة الكتاب وهل يمكن أن يكون قد حدث له أي تحريف، يسرنا أن نجيبك فيما يلي :
إن الكتاب المقدس يشهد أن الله حفظه. فالتوراة توضح أن الله هو الذي أوحى بها وهو الذي يحفظها. ففي نبوة إشعياء النبي الأصحاح 40 والأيات 6 و 7 نقرأ : "حقا الشعب عشب. يبس العشب ذبل الزهر... وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد". كما ذكر الله للنبي إرميا : "إني ساهر على كلمتي". وتجد هذا الوعد من الله في الأصحاح الأول والآية الحادية عشرة من سفر إرميا. كما يقول الإنجيل : "لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس"، وهذه الكلمات المقدسة يمكنك أن تقرأها – صديقي العزيز - بأن تحدد في الفهرست الخاص في العهد الجديد (الإنجيل) الرسالة الثانية للرسول بطرس الأصحاح الأول والآية الحادية والعشرين. أيضا نقرأ في سفر التثنية في العهد القديم في الأصحاح 4 والآية 2 "لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه". ونقرأ أيضا في سفر الرؤيا وهو آخر سفر في العهد الجديد في آخر أصحاح به الآيات من 18إلى 20 فنجد الإنجيل يقول : "إن كان أحد يزيد على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب".
والقرآن يقدم الفكرة نفسها. فأقرا بنفسك سورة المائدة الآيات 44، 46، 48، 50 : "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربيون والأحبار بما استحفظوا من كتب الله و كانوا عليه شهداء. وقفينا على أثرهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وأتينا الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين . أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله".
أنت ترى هذه الآيات شهادة بصحة التوراة و الإنجيل، ووصية لنبي الإسلام أن يحكم بموجب ما أنزل الله فيه من تأييد للتوراة وللإنجيل، كما يعيّن نبي الإسلام حارسا للتوراة والإنجيل. فهل يمكن أن يحدث تحريف التوراة والإنجيل؟. أقرأ معي الآن في سورة المائدة الآيتين رقم 49، 70، "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل الله إليكم من ربكم".
ومن هذا نرى أن القرآن يحث أهل الكتاب على إقامة الإنجيل والتوراة ويأمر جميع المؤمنين بمن فيهم المسلمين أن يؤمنوا بما جاء فيهما، و هذا اعتراف ضمني بصحتها وسلامتها من التحريف.
أقرأ معي أيضا في سورة النحل الآية 42 : "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". وفي هذا أمر للمسلم أن يسأل أهل الكتاب فيما لا يعلمه فهل يمكن أن يأمر في القرآن إن يسأل أهل كتاب محرف ؟ فالقرآن يحوي آيات كثيرة تتضمن وعودا من الله بأنه لا يستطيع أحد أن يبدل كلمة الله، لان الله أنزلها وهو حافظ لها، ففي سور الحجر آية 9 : "إنا نحن أنزلنا الذكر وانا له لحافظون". وفي سورة الإنعام آية رقم 34 : "ولا مبدل لكلمات الله". ثم في سورة الفتح آية رقم 23 : "ولن تجد لسنة الله تبديلا". وفي سورة الإنعام الآية رقم 115 : "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ولا مبدلا لكلمته".
ويقدم المسيح وعدا بأن كلمة الله لا تتغير فهو يقول في الموعظة على الجبل : "إلى أن تزول السماء الأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس". هذا التأكيد تجده في الإنجيل كما رواه متى - وهو أوّل سِفر في العهد الجديد (الإنجيل) في الأصحاح الخامس منه وفي الآية 18. كما يقول المسيح أيضا : "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول". وهذا الوعد أيضا نجده في الإنجيل كما رواه متى، في الأصحاح رقم : 24، في الآيتين رقم 34،35. ويقول المسيح أيضا أنه "لا يمكن أن يُـنقض المكتوب". وجاء ذلك في السفر الرابع من العهد الجديد "الإنجيل كما رواه يوحنا" الأصحاح العاشر والآية رقم 35.
هل بعد هذا كله يمكن أن يحرف الكتاب المقدس ؟ لقد أوحى الله به وهو ضامنه وحافظ سلامته. لذلك فمن حق القراء الأعزاء معرفة الحقيقة في هذه القضية الهامة، ويمكن وضع ذلك في النقاط التالية :
أولا :
لا يمكن أن يكون جرى تحريف للتوراة قبل مجيء المسيح لأن المسيح يطالب أتباعه أن يقرأوا التوراة التي تشهد له. ومن المستحيل أن يطلب المسيح من أتباعه قراءة كتاب محرف. ولا يمكن أن يحدث تحريف في التوراة بعد مجيء المسيح، لأن تلاميذ المسيح كانوا - ولا بد - يشهدون ضد هذا التحريف المزعوم ويقاومونه. وأيضا يمكن من نـُسخ التوراة الأصلية كشف هذا التحريف المزعوم بمقارنة ما عندهم من الأصل الصحيح من النسخة التي جرى تحريفها.
ويشهد القرآن أن التوراة مُنزلة وذلك بعد المسيح بنحو سبعمائة سنة. فلا يمكن أن تكون التوراة قد حُـرِّفت. إن من يزعم مثل هذا الظن يطعن في صحة الوحي من الرسل والأنبياء، و ينسب لله سبحانه الإهمال في حفظ كلمته.
ثـانـيــا :
لا يمكن أن يكون الإنجيل قد حُـرِّف. ولنفرض جدلا أنه قد حُرِّف .. فمن المنطقي أن نسأل عن الوقت الذي حدث فيه هذا التحريف المزعوم. هل قبل القرآن أم بعد القرآن ؟
إن قيل أن التحريف حدث قبل القرآن، يكون لهذه الإجابة نتيجتين:
(1) يكون الزعم بالتحريف قبل القرآن طعنا فيما جاء في سورة يونس الآية 94 : "إن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتب من قبلك". ولكان الزعم بتحريف الإنجيل قبل القرآن طعنا في الكثير من آيات القرآن التي تعترف بصحة الوحي الإنجيلي.
(2) يكون الزعم بالتحريف قبل القرآن طعنا فيما جاء في سورة المائدة والآية 50 "أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب …". فيكف يمكن للقرآن أن يصدّق على كتاب محرّف ؟!
أما إن قيل أن التحريف المزعوم للإنجيل حدث بعد القرآن، فيترتب على ذلك نتيجتين أيضا :
(1) يكون هذا الزعم اتهاما لا يرضاه المسلمون بالتفريط في مسؤولية المحافظة على الإنجيل طاعة للأمر الذي جاءهم في سورة المائدة والآية 50 "أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه". والهيمنة هي الحراسة. والذي يزعم بتحريف الإنجيل يتهم المهيمنين بالفشل في وظيفة الحراسة. وفي هذه الحالة كان على المسلمين أن يحتفظوا بنسخة من التوراة والإنجيل قبل تحريفها لأن الحراسة توجب وجود ما يحرس. قال محمد فريد وجدي في المصحف المفسر مهيمنا عليه أو رقيبا. والمراد رقيبا على سائر الكتب السماوية يشهد لها بالصحة.
(2) لا يمكن أن يصح الزعم بتحريف الإنجيل بعد القرآن، لأن النسخ التي بين أيدينا الآن، مطابقة للمخطوطات المحفوظة في المتاحف العالمية، والتي يرجع تاريخها لما قبل القرآن بمئات السنين. (سيرد تفصيل ذلك في البند ثالثا).
وبما أنه لم يُحرَّف لا قبل القرآن ولا بعده، فهو لم يُحرَّف على الإطلاق.
ثـالـثــا :
لا يمكن أن يكون قد جرى تحريف للتوراة والإنجيل، فإن الاكتشافات الحديثة وضعت بين أيدينا عشرة آلاف من مخطوطات العهد الجديد. كما أننا يمكن أن نستخرج أجزاء كثيرة من العهد الجديد من اقتباس الآباء المسيحيين الأولين. توجد مخطوطة جون رايلاند التي ترجع إلى سنة 130 ميلادية وتوجد مخطوطة شستربيتي التي ترجع إلى سنة 200 ميلادية، و أخرى السينائية و ترجع إلى 350 ميلادية والنسخة الإسكندرية التي ترجع إلى سنة 400 ميلادية.
يمكن الإطلاع على هذه كلها والآلاف غيرها مع ترجمات الكتاب المقدس في كل لغة. ويمكن دراسة هذه والمقارنة بينها، وقد وجد العلماء أنها مضبوطة وما بها هو نفسه ما عندنا اليوم.
إن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم هو كلمة الله الموحى بها من الله. وقد قال بولس رسول المسيحية : "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا ومتأهبا لكل عمل صالح"
والكتاب المقدس المطبوع ليس حكرا على أحد. من حق كل إنسان أن يحصل على نسخة منه، فأين نسختك ؟ أفتحها الآن وأقرأ فيها وردد معي الآن ما قاله النبي داود في المزامير (الزابور) بالعهد القديم (أي التوراة) "وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين".
 

هل يمكن للـــه أن يمــوت؟
إلى الصديق الكريم
• السؤال الصعب
يخطر في بال بعضهم سؤال يبدو منطقياً يتعلق بإمكانية موت السيد المسيح وهو الله ، فهل يموت الله ؟ ومن ذا الذي حفظ الكون والحياة في الأيام الثلاثة التي كان فيها السيد المسيح ميتاً ؟
• هل الموت هو الملاشاة ؟
ينطوى هذا السؤال على سوء فهم للموت وطبيعته وما يترتب عليه ، فالإنسان يميل أن يقرن الموت بالملاشاة ، فكأن الشخص الذي يدخل دائرة الموت يتلاشى ولا يعود موجوداً ، ويفقد بالتالي كل قوة وتأثير في هذه الحياة ، وعلى الرغم من العقيدة التي يعتنقها المرء قد تُعلّم غير ذلك ، فإن حقيقة غياب الشخص الذي مات وعدم إمكانية الاتصال به والتواصل معه في هذه الحياة تفرض نفسها بطريقة مرعبة وتجعل وجدان المرء يساوى بين الموت والعدم .
• حقيقة الموت
غير أن هذا الأمر مجانب للصواب ، فما الموت إلا إنفصال الروح عن الجسد ، فروح الإنسان هي الكائن الحقيقي وهى تسكن جسده الذي يُشكل بيتاً لهذه الروح ، فليس الإنسان جسداً يمتلك روحاً ، وإنما هو روح تملك جسداً ، وبينما يتحلل هذا الجسد ألفاني بعد الموت ويتعرض للفناء ، فإن الروح تستمر في الوجود إما في جهنم أو في حضرة الله في حالة وعى وإحساس كاملين ، فإذا مات المرء دون أن يقبل فداء المسيح وخلاصه ، فسينتهي به الأمر إلى حيث " البكاء وصرير الأسنان " يقول السيد المسيح " ولكن أقول لكم يا أحبائي : لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ، وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر ، بل أريكم ممن تخافون : خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان أن يُلقى في جهنم ، نعم أقول لكم من هذا خافوا " ( لوقا 12 : 4،5 ) ولا مفر من هذه الدينونة لغير المؤمنين بالمسيح ، تقول كلمة الله " وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة " ( عبرانيين 9 : 27 ) .
• مصير الأموات
أما الذين يموتون في المسيح ،فإن أرواحهم تنتقل فوراً لتكون في حضرة الله ، قال الرسول بولس " لي اشتهاء أن أنطلق ( أموت ، تفارق روحي جسدي ) وأكون مع المسيح " ( فيلبى 1 : 23 ) ويحدثنا سليمان عن مصير الإنسان بعد الموت فيقـــول " فيرجع التراب إلى الأرض كما كان ، وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها " ( جامعة 12 : 7 ) ويُسجل لنا لوقا رواية المسيح لحديث إبراهيم مع الغنى المُستغنى عن الله بعد موته ، وتطرقه لمصير لعازر البار بعد موته أيضاً " أذكر أنك أستوفيت خيرتك في حياتك وكذلك لعازر ( أستوفى ) البلايا والآن هو يتعزى وأنت تتعذب " ( لوقا 16 : 25 ) .
• الروح لا تفنى
وما يهمنا من هذا كله هو الوصول إلى نتيجة هي أن الروح لا تفنى ، فكم بالحرى إذا كانت روح الله ، ونحن نعلم مما علّمنا السيد المسيح أن " الله روح " ( يوحنا 4 : 24 ) .
• موت المسيح
حين جاء المسيح ، كلمة الله ، إلى أرضنا أتخذ جسداً وأكتسب الطبيعة البشرية إلى جانب طبيعته الإلهية ، لم يكن يحتاج كإله إلى جسد ، ولكنه صار لحماً ودماً ليشاركنا طبيعتنا ويستطيع أن ينوب عنا في عملية الفداء ، وعندما مات على الصليب من أجل خطايانا ، سكتت الحياة في جسده وبقيت روحه حيةً دون أن تفقد شيئاً من طبيعتها وقدرتها ، وهذا يعنى بكل بساطة أن المسيح كان حياً حتى وهو ميت .
• مثال توضيحي
ولقد حاول أحدهم أن يُقّرب ما حصل للمسيح في موته إلى أذهاننا ، فشبه الروح بالهواء الذي يتخذ شكل الإناء الذي يحل فيه ، فمع أن الهواء يملأ الجو ويتحرك فيه بحرية ، إلا أنه حدد نفسه شكلاً بصورة الإناء الذي حل فيه ، فإذا كسرنا هذا الإناء الذي يتمتع الهواء داخله بنفس خصائص الهواء الموجود في الجو ، فإن الهواء يرجع ليختلط فوراً بالهواء الموجود بالجو دون أن يضيع منه شئ ، وهذا يقودنا إلى فكرة أن موت المسيح لم يؤثر على طبيعته الإلهية .
• سبب موت المسيح
ولابد لنا من أن نتبين أن المسيح لم يمت بسبب الصليب ، ولكنه مات على الصليب ، لم يمت بسبب المسامير والحراب التي اخترقت جسده وجعلته ينزف ولكنه مات بسبب خطايانا التي حملها ومات على الصليب من اجلها ، إن خطايانا وآثامنا هي التي قتلته ، وما كان للموت أن ينال منه لو لم يكن صلبه مرتبطاً بهذه الخطايا والآثام ، فلا موت بدون خطية ، ولم يكن أدم نفسه ليمـوت لو لم يخطـــئ تقول كلمة الله " كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم ، وبالخطية الموت ،وهكذا إجهاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع " ( رومية 5 : 12 ) .
• قيامة المسيح
كما يختلف موت المسيح عن غيره في أن جسده لم يعرف التعفن والنتانة ، وذلك لأن المسيح نفسه لم يعرف الخطية كبقية البشر مع أنه حمل خطاياهم ، لهذا كان وعد الله الآب له بحفظ جسده من التعفن وقيامته من بين الأموات ، يقول النبي داود على لسان المسيح قبل مجيئه وموته بمئات السنين " لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي ، جسدي أيضاً يسكن مطمئناً ، لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ، لن تدع تقيك يرى فساداً " ( مزمور 22 : 9،10 ) وهكذا فإن روح المسيح عاد إلى جسده فأحياه في اليوم الثالث ، فكانت القيامة المجيدة المحتمة .
ويسجل الكتاب المقدس أحداثاً كثيرة تشهد لقيامة السيد المسيح من الموت ، يقول " .... المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب ، وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب ، وأنه ظهر لصفا ثم للأثنى عشر ، وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باقٍ إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا ، وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين " ( 1كورنثوس 15 : 3-7 ) .
• أبعاد القيامة
ولقد أثبتت هذه القيامة فيما أثبتت أن المسيح هو إبن الله حقاً كما قال ،وأن الروح لا تموت ، وأن هناك رجاءً أكيداً لكل من يؤمن بالمسيح " أين شوكتك يا موت ؟ أين غلبتك يا هاوية ؟ " ( 1 كورنثوس 15 : 55 ) ، وما دام المسيح يتمتع بالجوهر الإلهي ، فليس غريباً أن يكون مختلفاً عن موت كل إنسان ، وأن تكون له نتائج عظيمة مباركة .
يقول السيد المسيح " أنا هو القيامة والحياة ، من أمن بي ولو مات فسيحا ، وكل من كان حياً وأمن بي فلن يموت إلى الأبد " ( يوحنا 11 : 25،26 ) .
خلاصة
وهكذا فإن موت السيد المسيح لا ينفى ألوهيته ، بل يؤكد محبته العظيمة لنا تلك المحبة التي جعلته يموت من أجلنا ، لنتذكر أنه ذاق عنا الموت وأخذ عقابنا ، فهل نفهم موته حق الفهم ونقبله ؟ هل نعيش غالبين الحياة ونموت إذا كان لابد من الموت .
 

هل للـــــه إبـــــــــــن؟
إلى الصديق الكريم
تحياتنا وسلامنا ومحبتنا لك
شكرا لرسالتك الأخيرة ولاهتمامك لتعرف جميع الأجوبة لتساؤلاتك عن اعتقاد المسيحيين في المسيح بأنه ابن الله. وإليك الجواب على ضوء الإنجيل المقدس.
يؤمن المسيحيون أن الله موجود وهو الخالق العظيم خالق الكون وما فيه، الذي يملأ السموات والأرض، الأزلي الذي لا بداءة له والذي لا نهاية له، غير المحدود في قدرته وسلطانه وفي علمه وحكمته. إن العقل السليم يستطيع أن يعرف وجود الله ولكنه يعجز عن معرفة ذاته و حقيقته، وكيانه وجوهره، لان الله أعظم من أن يحيط به عقل الإنسان المخلوق المحدود. لذا لزم الإعلان الإلهي، لأنه لو لم يعلن الله عن ذاته لنا لما أمكننا أن نعرفه.
إن الله واحد، لا إله إلا هو وإليك بعض الشواهد من الكتاب المقدس :
" فأعلم اليوم وردد في قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواه". (تثنية 39:4).
"أنا الرب صانع كل شيء ناشر السموات وحدي باسط الأرض من معي" (اشعياء 44:24).
"أليس أب واحد لكلنا أليس إله واحد خلقنا" (ملاخي 10:2).
"فقال له الكاتب جيدا يا معلم، بالحق قلت لان الله واحد وليس آخر سواه" (مرقس 32:12).
"كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يوحنا 44:5).
"أنت تؤمن أن الله واحد حسنا تفعل" (رسالة يعقوب 19:2).
"لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد" (1 تيموثاوس 5:2).
ولكن وحدانية الله تختلف عن وحدانية الإنسان فوحدانية الإنسان تجعله محدودا لا يمكنه أن يوجد في مكانين في نفس الوقت. ولكن الله غير محدود، ولذلك هو في كل مكان. وكذلك جسد الإنسان محدود وخاضع لقوانين الطبيعة التي حددها الله وجعل مخلوقاته خاضعة لها. ولكن الله الذي خلق كل شيء وحدد هذه القوانين لمخلوقاته، ليس هو خاضعا لهذه القوانين. فإن أراد الله أن يكون في السماء، وفي نفس الوقت يأتي إلى هذه الأرض في جسد إنسان، هل هناك من يستطيع أن يمنعه ؟
يحكي لنا التاريخ عن ملوك لبسوا ملابس الفقراء وذهبوا إلى بيوت الفقراء ليتكلموا معهم و ليحسنوا إليهم دون أن يخيفوهم ونحن نعجب بمثل هؤلاء. فإن أراد الله تعالى أن يأتي كإنسان ليزور الإنسان، هل هناك من يستطيع أن يمنعه ؟ كل … وهذا هو ما حدث فعلا. يقول الكتاب المقدس : "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد” ويقول أيضا : “الكلمة (لقب من ألقاب المسيح) صار جسدا وحل بيننا.
فاالقول بأن المسيح ابن الله لا يعني أن الله اتخذ زوجة أو صاحبة، لان الله ليس إنسانا مثلنا، وهو لا يلد. بل يقول الكتاب المقدس أن الله روح " فبنوة المسيح هي بنوة روحية". هي علاقة تفوق إدراك العقل البشري، ولكنها حقيقة أكيدة. حين قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم : "وها أنت ستحبلين وتلدين ابن وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيما، وابن العلي يدعى" (لوقا 1: 31 و 32) "قالت مريم للملاك : كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا ؟ فأجابها الملاك وقال لها : الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لوقا 1: 34-36).
وكذلك لمّا كان المسيح مع يوحنا المعمدان وهو المسمى أيضا يحيى ابن زكريا انفتحت السمات وجاء عليه صوت من السماء قائلا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت (متى 3: 17). وهذا حدث مرة أخرى حين كان المسيح على الجبل مع ثلاثة من تلاميذه (انظر متى 5:17).
والكتاب المقدس يعلمنا في أماكن كثيرة أن المسيح جاء من السماء وصار إنسانا من أجلنا لكي يحتمل عقاب خطايانا. ومتى اعترفنا بخطايانا وآمنا به، وقبلناه في قلوبنا، ننال غفران الخطايا والحياة الأبدية. لذلك يقول الكتاب المقدس : "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل أبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية". وليس هناك مؤمن يقول أن الله اتخذ زوجة وولد ولدا، لأن مثل هذا الكلام هو نوع من الكفر والتجديف ضد الله. فالمسيح هو ابنه بنوة روحية، نؤمن بها، لان الله أعلنها لنا، ولو أنها تفوق العقل البشري.
 

ما هو الثالوث الأقدس ؟ هل تؤمنون بإله واحد أم بثلاثة آلهة؟
إلى الصديق الكريم
علينا أن ندرك ونحن نتحدث عن الله بأننا نخطو على أرض مقدسة ، لأننا نتحدث عن علة العلل وموضوع المواضيع وأصل الأصول ومصدر كل حياة وغايتها ،ولذا فإننا لا نستطيع أن نتناوله بإستحقاق أو نسمح لأنفسنا بالدخول إلى مجال الإفتراضات والأستنتاج خارج دائرة الوحى الإلهى لاشك ان الله هو أفضل من يفهم ذاته ويعبّر عنها ، وحين يتحدث عن ذاته وطبيعته ، فلا نملك إلا أن نقبل ما يقوله ونتأمله محاولين فهم ما يقوله على قدر ما يسمح به ، ونحن نفترض أن الله يريدنا أن نفهم الله بشكل كامل ، فالله بالضرورة أكبر من عقولنا المحدودة التى خلقها ومن قدرتها على إستيعابه ، ولو فهمنا الله بشكل كامل لما كان الله ولكُنا أعظم منه ، فالله الذى لا يقع تحت قياس العقل يتوقع من الإنسان قبول إعلانات الله عن ذاته والتسليم بها ، فمع أن إعلانات الله عن ذاته فوق العقل إلا أنها ليست ضده ، وهنا يأتى دور الإيمان ولزومه فى غياب الحسابات والإستنتاجات المنطقية .
يعلّم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بوحدانية الله بشكل المساومة ، يقول الله فى العهد القديم " أنا الرب إلهك ... لا يكـن لك آلهة أخــرى أمامي " ( خروج 20 : 2،3 ) ويقـول أيضـا " الـرب إلهنا رب واحد "
( تثنية 6 : 4 ) ، ويقول " الرب هو الإله ، ليس أخر سواه " ( تثنية 4 : 53 ) ، ويقول أيضاً " قبلي لم يُصوّر إله وبعدى لا يكون " ( أشعياء 43 : 10 ) .
ولقد أكد العهد الجديد وحدانية الله فأستشهد السيد المسيح بقول الكتاب المقدس " الرب إلهنا رب واحد"
( مرقس 12 : 29 ) ، كما يقول رسول المسيح " أنت تؤمن أن الله واحد ، حسناً تفعل " ( يعقوب 2 : 19 )
لكن الوحدانية التي ينادى بها الكتاب المقدس هي وحدانية جامعة أو مركبة ، لا وحدانية مجردة أو بسيطة ، فالواحد الذي يدل على الله ليس هو الواحد الرياضي المادي الناقص الذي لا يتم تصور معناه إلا بوجود أعداد أخرى من نفس الموضوع المذكور المحدد الصفات والأبعاد ، فحين نتكلم عن الله ، فإننا نتكلم عن كائن روحي غير محدود ، قال السيد المسيح " الله روح " ( يوحنا 4 : 24 ) ، ولا ينطبق عليه ما ينطبق على الواحد الرياضي الناقص .
ومن الجدير بالذكر أن العهد القديم يشير إلى الله بصيغة الجمع في اللغة العبرية مع أنه قد يستخدم فعلاً مرافقاً بصيغة المفرد أو الجمع مع العلم بأن اللغة العبرية تخلو من استعمال الجمع على سبيل التعظيم كما هو الحال في اللغة العربية مثلاً ، فمثلاً " في البدء خلق الله ( إلوهيم بالجمع ) السماوات والأرض " ( تكوين 1 : 1 ) ويقول " هوذا الإنسان صـار كواحد منا " ( تكـوين 3 : 22 ) " وقـال الرب ... هلم ننـزل ونبلبـل هنـاك لسانهـم " ( تكوين 11 : 6،7 ) ويقول " أذكر خالقك ( بالجمع ) في أيام شبابك " ( جامعة 12 : 1 ) ويقول الله في أشعياء 6 : 8 " من أُرسل ( بالمفرد ) ومن يذهب من أجلنا ( بالجمع ) ؟ " وكما يقول " كرسيّك يا الله إلى دهر الدهور ، قضيب استقامة قضيب ملكك ، أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك " ( مزمور 45 : 6،7 ) ويقول داود " قال الرب لربى إجلس عن يميني " ( مزمور 110 : 1 ) كما يقول الله " أنا هو الأول وأنا الآخر ... منذ وجوده أنا هناك ، والآن السيد الرب أرسلني وروحه " ( إشعياء 48 : 12،16 ) .
تؤكد هذه الآيات القليلة المنتقاة من العهد القديم أن وحدانية الله جامعة مركبة ، فقد تحدث العهد القديم عن إبن الله (أمثال 30 : 4 ، دانيال 3 : 25 ) ، وعن الروح القدس الخالق ( أيوب 33 : 4 ) .
ولم يفهم مؤمنو العهد الجديد الإيمان بالله الواحد على أنه متناقض مع الإيمان بالله الواحد في ثلاثة أقانيم ،والأقنوم هو الشخص المتميز غير المنفصل وغير المحدود ، فجوهر اللاهوت يتجلى في الله الآب كما يتجلى في الله الإبن والله الروح القدس على الرغم من وحدة الجوهر بينهم ، وحين نقول بأن المسيح هو الله الإبن فإننا لا نقول بأنه إله من دون الله - أي بإستقلال عنه ، فالسيد المسيح يقول " أنا والآب واحد " ( يوحنا 10 : 30 ) ، فلقد علم السيد المسيح أيضاً أن للروح القدس نفس طبيعته ، قال" وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد ، روح الحق " ( يوحنا 14 : 16،17 ) فالأقانيم الثلاثة ليست ثلاثة آلهة وإنما ثلاثة تجليات لله الواحد ، وإننا نرى هذه الحقيقة واضحة في المعمودية التي كلف الرب تلاميذه أن يمارسوها ، قال " فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الآب والابن والروح القدس " ( متى 28 : 19 ) ، ومما تجب ملاحظته هنا هو أنه إستخدم كلمة " إسم " وليس " أسماء " مع ذكره الأقانيم الثلاثة ، والكتاب المقدس لا يتردد في إطلاق كلمة الله عل السيد المسيح ( يوحنا 1 : 1،2 ، 2تيموثاوس 2 : 16 ، 1يوحنا 5 : 12 ) وعلى الروح القدس ( أعمال 5 : 3،4 ) .
وينسب الكتاب المقدس بصفة عامة الصفات والكمالات والوظائف الإلهية لكل من الله الآب والله والروح القدس
صفات الله
يوصف كل أقنوم بما يلي :
الله الآب الله الإبن الله الروح القدس
1- أبدى رومية 16: 26 رؤيا 22: 13 عبرانيين 9 : 14
2- قدوس رؤيا 4 : 8 رؤيا 15: 4 أفسس 4 : 30
أعمال 3 : 14 أعمال 5 : 3
3- الحق يوحنا 7 : 28 رؤيا 3: 7 يوحنا 14 : 17
يوحنا 14 : 6 1يوحنا5 : 7
4- كلىّ الوجود أرميا 23: 24 متى 28: 20 مزمور 139: 7
تكوين 1 : 2
5- كلىّ القدرة تكوين 17: 1 رؤيا 1: 8 لوقا 1: 35
رؤيا 15: 3 أعمال 1: 8
6- كلىّ العلم أشعياء 64: 9،10 يوحنا 21: 17 1 كو2: 10،11
أعمال 15: 18 أشعياء 40: 13،14
7- الخالق تكوين 1 كولوسى 1: 16 أيوب 33: 4
يوحنا 1: 3
وظائف الله
يشترك كل أقنوم في ما يلي :
الله الآب الله الإبن الله الروح القدس
1- إعطاء الحياة الأبدية رومية 6: 23 يوحنا 10: 25،28 غلاطية 6: 8
2- الخلاص تيطس 3: 4،5 متى 1: 21 2تسالونيكى 2: 13
3- قيامة يسوع أعمال 2: 32 يوحنا 2: 19،20 1بطرس 3: 18
4- إعطاء الوحي للأنبياء عبرانيين 1: 1،2 2كورنثوس 13: 3 مرقس 13: 11
5- تعزيتنا 2تسالونيكى 2: 16،17 2 تسالونيكى 2: 16،17 يوحنا 15: 26
6- المعمودية متى 28: 19 متى 28 : 19 متى 28 : 19
كما نجد أن الأقانيم الثلاثة مذكورون في نفس الآية الكتابية فيما يلي :
أشعياء 48 : 16 ، 61: 1 ، 2كورنثوس 13: 14 ، متى 28: 19 ، غلاطية 4: 6 ، يوحنا 15: 26 ، 1تيموثاوس 3: 16 ، أعمال 2: 33 ، 2تسالونيكى 2: 13 ، رومية 8: 9 ، عبرانيين 9: 14 ، 1كورنثوس 12: 3.
إن اشتراك كل من الآب والإبن والو رح القدس في الصفات والكمالات والوظائف الإلهية لا تترك لنا مجالاً للشك في أن الكتاب المقدس يقدم لنا الله الواحد في ثلاثة أقانيم ، ولكننا ننظر بشكل عام إلى الله الآب على أنه مصدر الحياة ، وإلى الإبن على أنه إعلان الله عن نفسه ومنفذ خطة فداء البشر من خطاياهم ،وننظر إلى الروح القدس على أنه العامل في حياة الناس لهدايتهم وتغييرهم .
وسنضرب بعض الأمثلة التقريبية على الثالوث مع كثير من التحفظ لأن من المستحيل تصور كائن روحي بالفكر الطبيعي ،ولهذا فإنه لا يوجد مثل كامل ، فالماء يظهر في ثلاث حالات : حالة السائل والبخار والجليد ، لكن السائل ليس بخاراً أو جليداً ، والبخار ليس جلياً أو سائلاً ، والجليد ليس بخاراً أو سائلاً ، لكن كلاً من الجليد والبخار والسائل ماء ،ونحن ندرك وجود الله عندما نرى نوره من خلال إبنه ونحس بقدرته وقوة طاقته من خلال عمل الروح القدس فالحجر الذي يبدو ساكناً يعج بحركة داخلية لبلايين الذرات الموجودة فيه ، وإنه يصعب علينا أن نتصور كيف أن الله الموجود بذاته لا يكون ناطقاً بكلمته وحياً بروحه .
إن قبولنا لفكرة الثالوث وإيماننا بها ضروري :
1- فنحن نقبل إعلان الله عن ذاته ونتفق مع فكره .
2- نفهم طريقة عمله في الكون ، كيف يعلن ذاته للناس في المسيح بغيرهم بالروح القدس .
3- نفهم قدرته على الخلق والحركة دون حدث تغيير فيه .
4- نفهـم مـدى محبة الله لنا ، فحين نعـرف أن المسيـح هو إبن الله ، فإننا نقدّر تضحيـة الله بإبنـه من أجلنا ( يوحنا 3: 16 ) " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " .
5- نحصل على الخلاص بدون إيمان في كون السيد إبن الله والثقة بعمل الفداء الذي أكمله على الصليب ، لا يمكن الحصول عل الخلاص ، قال السيد المسيح " الذي يؤمن به لا يدان والذي يؤمن به قد دين لأنه لم يؤمن بإسم إبن لله الوحيد " ( يوحنا 3: 18 ) .
ومن الجدير بالذكر ان الثالوث لم يكن مجرد عقيدة جامدة لدى تلاميذ المسيح ورسله ، فقد عرفوا أن الله أرسل إبنه يسوع المسيح الذي عاشوا معه ، وأختبروا قوة الروح القدس عندما حل عليهم في اليوم الخمسين ( اعمال الرسل : الإصحاح الثاني ) .
يحتاج الإيمان بالثالوث الأقدس إلى عمل الله والإبن والروح القدس في حياة الإنسان ، قال السيد المسيح " وليس أحد يعرف الإبن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أرد الإبن أن يعلن له " ( متى 11 : 27 ) ، وقال المسيح لبطرس الذي آمن أنه إبن الله " طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبى الذي في السماوات " ( متى 16 : 17 ) ، كما قال بولس رسول المسيح " وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " ( 1 كورنثوس 12: 3 ) .
قال السيد المسيح " إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله " ( يوحنا 7 : 17 ) ،كما يقول الله " وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبوني بكل قلبكم " ( إرميا 29 : 13 ) .
 

هل للمسيح اخوة؟
الى الصديق العزيز
لاحظت أثناء قراءتي للعهد الجديد من الكتاب المقدس، إشارة إلى أنه كان للمسيح أخوة وأخوات فهل هذا صحيح؟ وما تعليم الكتاب المقدس حول ذلك؟
هذا السؤال يعتبر من الأسئلة الحساسة ولكن تناوله بموضوعية لن يؤثر على شخص المسيح ولا على مكانته، كونه الإله المتجسد الذي حبل به من الروح القدس وولد من عذراء ولا على مكانة العذراء المباركة، كونها أم يسوع المسيح التي اختارها الله لتكن أماً للمخلص.
كون أن للمسيح أخوة وأخوات لا يعني أن السيدة العذراء التي اختارها الله لتكون أماً له بالجسد لابد أن تكون قد تزوجت من خطيبها يوسف بعد ولادة يسوع وأنجبت أولاداً آخرين. وإن لم تتزوج فهذا يعني أن السيدة العذراء بقيت عذراء طيلة حياتها. وإزاء هذين الرأيين، نتج اختلاف بين فريق وآخر. منهم من يؤيد رأيها على بعض الآيات الكتابية وعلى الواقع بأن الله قد بارك الزواج وقدسه. بينما الفئة الثانية تصرّ على أن العذراء لم تتزوج مطلقاً بل بقيت عذراء طيلة حياتها، لدرجة أن ذلك أصبح من صلب عقيدة هذه الفئة.
ومن الصعب تحديد سبب الاختلاف بين الفريقين لأن الإنجيل المقدس لا يتكلم بوضوح حول هذا الموضوع. لذا كان هناك أكثر من اجتهاد حوله، وسنحاول استعراض رأي الفريقين دون تحيّز ودون إبداء رأي حول صحة أي منهما.
ولكن قبل الدخول في الموضوع، نعتقد أنه من المناسب استعراض المكانة التي تتمتع بها السيدة العذراء، وكيف اختارها الله لتتميم مشيئته الإلهية، وما هو سبب اختيارها وذلك على ضوء ما جاء في الكتاب المقدس لفهم القرائن التي تتعلق بما سنتكلم عنه:
فمنذ سقوط الإنسان الأول في الخطية المتمثل بأبوينا الأولين آدم وحواء، وعد الله بإرسال مخلص يسحق رأس الحية (أي الشيطان) ويكون هذا المخلص من نسل المرأة (تكوين 3: 15) وقد تنبأ عن مجيء المخلص أنبياء العهد القديم قبل أن يولد بمئات السنين بأنه سيولد من عذراء، ومنها نبوة إشعياء القائلة: "هذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إشعياء 7: 14).
وفي الوقت المعين من الله لمجيء المسيح المخلص، اختار الله عذراء طاهرة من مدينة الناصرة اسمها مريم. وأرسل لها ملاكه جبرائيل لكي يبشرها بأنها ستحبل من روح الله وبدون زرع بشري وتلد يسوع المسيح المخلص المنتظر. فقال لها الملاك: "سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء، فلماء رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 28-33).
كانت الأفكار تروح وتجيء في ذهن مريم، فسألت الملاك بخوف ودهشة: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً، القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لوقا 1: 34-35).
وأخبرها الملاك أيضاً أن أليصابات نسيبتها، زوجة زكريا الكاهن التي كانت عاقراً، هي الآن حبلى بابن شيخوختها حسب وعد الرب (لوقا 1: 18-20). فذهبت مريم لزيارة نسيبتها أليصابات آنذاك، "فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك، فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ؟ فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لوقا 1: 41-45).
بعد أن سمعت العذراء تأكيد الملاك بأنها ستحبل من روح الله، لم يستطع عقلها البشري إدراك ذلك، لأن ما حدث هو فرق إدراك البشر. ولكنها رغم ذلك. آمنت بما قيل لها من قبل الرب. لذلك سبحت الله هاتفة قائلة: "تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى اتضاع أمته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطو بني، لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه" (لوقا 1: 46-50).
وعندما علم يوسف خطيب مريم بأمر حمل خطيبته، ساورته الشكوك، ولم يعرف كيف يتصرف. وبما أنه كان رجلاً باراً. أخذ يفكر أن لا يشهر بها، بل أن يفسخ خطوبته منها، ويعيد إليها حريتها، ويستر أمرها. وفيما هو متفكر في هذه الأمور، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابناً، وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم. وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (متى 1: 20-23).
وهكذا تم وعد الله، وحبلت العذراء المباركة بدون زرع بشري من روح الله، وولدت المسيح المخلص في مذود بيت لحم كما ورد في الإنجيل المقدس وهنا لابد من التأكيدات بأن العذراء حبلت بالمسيح حسب إرادة الله دون زواج بشري، ولم يحصل مثل هذا في التاريخ البشري كله. وأن ما ورد أعلاه يبيّن مكانة العذراء واختيار الله لها لتكون أماً ليسوع المسيح المخلص.
والمشكلة التي يدور السؤال الأساسي حولها هي: هل كان للمسيح أخوة وأخوات كما ورد في بعض آيات الكتاب المقدس أم لا؟ فإذا كان للمسيح أخوة، هل هم من أمه مريم؟ وهل هذا يعني أن العذراء تزوجت من خطيبها يوسف بعد أن ولدت المسيح، أم بقيت عذراء طيلة حياتها؟
لقد ورد في بشارة متى بهذا الخصوص ما يلي: "فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب، وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر، ودعا اسمه يسوع" (متى 1: 24-25).
وردت هاتان الآيتان ضمن الفقرة التي يرويها الكتاب المقدس عن بشارة الملاك للعذراء بأنها ستحبل من روح الله ويذكر الإنجيل المقدس أنه عندما حبلت العذراء شك بها خطيبها يوسف وأراد أن يتركها سراً دون أن يشهّر بها، فظهر له ملاك الرب وطمأنه بأن الذي حبلت به العذراء هو من روح الله، وتقول نهاية الفقرة كما وردت في الإنجيل المقدس "فلما استيقظ يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع" (متى 1: 24-25).
والقول أن يوسف لم يعرف امرأته حتى وضعت ابنها البكر يدل على أنه عرفها، أي تزوجها بعد أن ولدت ابنها البكر، أي يسوع. إذ أن معنى كلمة "حتى" في هذه الجملة يفسر بمعنى "إلى أن". ومعنى لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. تعني أنه عرفها كزوجة بعد أن ولدت ابنها البكر.
وهناك عدة آيات كتابية في العهد الجديد من الكتاب المقدس تذكر أنه كان للمسيح أخوة وأخوات. ومفهوم الفئة الأولى أنه طالما كان للمسيح أخوة وأخوات، فلابد لمريم من أن تكون قد تزوجت من خطيبها يوسف بعد ولادة يسوع. فعلى سبيل المثال، جاء في إنجيل متى: "ولما جاء يسوع إلى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة والقوات، أليس هذا ابن النجار أليست أمه تدعى مريم. وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا، أو ليست أخواته جميعهن عندنا، فمن أين لهذا هذه كلها؟" (متى 13: 54-56). و"وفيما هو يكلم الجموع، إذا أمه وأخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه" (متى 12: 46). و"فجاءت حينئذ أخوته وأمه ووقفوا خارجا، وأرسلوا إليه يدعونه وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له: هوذا أمك وأخوتك خارجاً يطلبونك" (مرقس 3: 31-32). و"خرج يسوع من هناك وجاء إلى وطنه وتبعه تلاميذه. ولما كان السبت ابتدأ يعلم في المجمع وكثيرون إذ سمعوا بهتوا قائلين: من أين لهذا هذه، وما هذه الحكمة التي أعطيت له حتى تجري على يديه قوات مثل هذه؟ أليس هذا هو النجار بن مريم، وأخو يعقوب ويوسى ويهوذا وسمعان. أو ليست أخواته هنا عندنا" (مرقس 6: 1-3). و"وبعد هذا انحدر يسوع إلى كفرناحوم، هو وأمه وأخوته وتلاميذه وأقاموا هناك أياماً ليست كثيرة" (يوحنا 2: 12). "وكان عيد اليهود عيد المظال، قريباً فقال له أخوته انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية لكي يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التي تعمل، لأن أخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به" (يوحنا 7: 2-3و5). كما جاءت بعض الآيات في سفر أعمال الرسل ورسائل العهد الجديد إلى أخوة المسيح منها: " هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع أخوته" (أعمال 1: 14). و "ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يوماً ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب" (غلاطية 1: 18-19). و "ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وأخوة الرب وصفا" (1كورنثوس 9: 5).
ومن هنا نستنتج أن استغراب اليهود لقوة المسيح الإلهية، ذلك الرجل الذي عرفوه بأنه ابن النجار، وعرفوا أخوته وسموهم بأسمائهم، وعرفوا كل أهل بيته يوحي أنه كان للمسيح أخوة معروفون في المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه.
إن كل المراجع الكتابية التي وردت آنفاً تشير في نظر الفئة الأولى إلى أنه كان للمسيح أخوة وأخوات، وكانوا معروفين من الناس. وإنه إذا صح الأمر فإنه حسب رأيهم لابد أن تكون مريم العذراء قد تزوجت من يوسف بعد ولادة المسيح وأنجبت أولاداً. وإذا كان الأمر كذلك، فالزواج مبارك وقدوس من الله، وليس في زواج العذراء أي خطأ أو إهانة بالنسبة لها، لا بل تكون قد تممت إرادة الله بالاتحاد بخطيبها يوسف بعد أن تمت إرادته بولادة ابنها البكر يسوع.
رأي الفئة الثانية:
إن مريم العذراء التي اختاراها الله لتكون أماً للمسيح بالجسد، بقيت عذراء طيلة حياتها ولم تتزوج بعد ولادة يسوع، لأنه حاشا للعذراء التي ولدت يسوع المسيح المنتظر والإله المتجسد أن تتزوج بعد هذا الشرف العظيم الذي منحها إياه الله.
الآيات التي تدعم قول هذه الفئة
هناك بعض الآيات التي تشير إلى أن الأخوة والأخوات قد لا يكونون أخوة أشقاء من أم وأب. فقد ورد في إنجيل متى ما يلي: "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وأخوته وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه، فقال له واحد: هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك فأجاب وقال: من هي أمي ومن هم أخوتي؟ ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال: ها أمي وأخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي" (متى 12: 46-50).
ما ورد في هذه الآية يشير إلى أن أخوة المسيح هم المؤمنون به. وقد وردت هذه الفكرة نفسها في بعض المراجع التي ذكرت سابقاً. فعندما قالوا ليسوع: "أمك وأخوتك واقفون خارجاً، أجاب وقال لهم: أمي وأخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها" (لوقا 8: 21 و22). وورد المعنى نفسه في إنجيل (مرقس 2: 31-35). فاستناداً على هذه الآيات يقول البعض، إن استعمال كلمة أخ وأخت هي مجازية. فأخوة المسيح هم المؤمنون به.
وقد استعملت كلمة أخ عدة مرات في الكتاب المقدس بمعنى الأخ المؤمن أو الشريك في الخدمة، كما ورد في معظم رسائل بولس الرسول. ففي رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ورد: "يسلّم عليكم الأخوة" (1كورنثوس 16: 20). فكلمة أخوة هنا هي مجازية أيضاً. ويشير البعض إلى أن أخوة المسيح هم الشركاء في الخدمة أو المؤمنون. كما أن معنى كلمة الأخ أو الأخت تشير مجازاً إلى الأهل أو الأقرباء المقربين والأصدقاء الأوفياء. بمعنى القول الساد: "رب أخ لك لم تلده أمك"، وكما نقول أيضاً: "فلان أخي"، بمعنى أنه صديقي المخلص وأخي في الإنسانية. ويقول الأب يوسف عون (وهو كاهن ماروني ترجم العهد الجديد من الكتاب المقدس) في حاشية ترجمته، إن كلمة أخوة عند اليهود والآراميين تعني أولاد العم والعمة والخال والخالة وأبناء الأخ والأخت.
ويقول البعض إن كلمة الأخوة والأخوات بالنسبة للمسيح ربما تشير إلى أولاد خالة يسوع، إذ أن خالة يسوع أخت أمه تدعى مريم أيضاً، كما جاء في إنجيل يوحنا، "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية" (يوحنا 19: 25) ويقول البعض إن مريم، أخت مريم أم يسوع، أي زوجة كلوبا هي أختها بالقرب لا بالولادة، وهناك ترجيح آخر بالنسبة للإشارة عن أخوة المسيح وهو أن يوسف البار خطيب مريم كان متزوجاً قبلاً، وله أولاد من زوجته المتوفاة، وهؤلاء هم أخوة ليسوع. ولكن ليس هناك ذكر لذلك في الإنجيل.
وتنفي هذه الفئة بالطبع نفياً تاماً موضوع زواج العذراء بعد ولادة المسيح على أساس أن من ولدت الإله المتجسد، لا يمكن أن تعود وتتزوج ثانية بعد الشرف العظيم الذي منحها إياه الله. كما أن كتب التقليد الكنسي وبعض آباء الكنيسة وبعض كتب التاريخ الكنسي، أي غير المدونة في الكتاب المقدس، تؤيد فكرة عدم زواج العذراء بعد ولادة المسيح. ويقول الأب يوسف عون أيضاً في حاشية ترجمته للإنجيل: "إن مريم كانت نذرت نفسها للرب، وأن يوسف أيضاً كان نذر نفسه للرب. وهذا كان بلا شك تدبيراً إلهياً. ولكن اليهود كانوا يرون عاراً على الفتاة أن تبقى بدون زواج فزوجوها يوسف، فاتفق الاثنان وفاء لنذرهما أن يعيشا بتولين". وهناك رأس آخر يدل على أنه لو كان للمسيح أخوة، لما كان وهو معلق على الصليب، أوصى تلميذه يوحنا بأن يهتم بأمه. ويقول الإنجيل المقدس بهذا الصدد "فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً، قال لأمه، يا امرأة هوذا ابنك، ثم قال للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته" (يوحنا 19: 26-27).
وقد حاولنا من خلال الإجابة السابقة أن نورد الرأيين المختلفين حول الموضوع بتجرد ودون تحيّز، ولا نعتقد أن من المناسب تفضيل رأي على الآخر، بل على كل واحد أن يستخلص الرأي المناسب. وما نود قوله، إن مثل هذه الأمور يجب ألا تؤثر على إيماننا. فما يؤكده الكتاب المقدس هو أن مريم حبلت بيسوع من روح الله بدون زرع بشري، وأن يسوع جاء لخلاص العالم من الخطية. لذلك كانت ولادته من عذراء طاهرة نقية اختارها الله لهذه الغاية. فولدت يسوع المسيح بطريقة عجائبية لم يولد بها أي شخص على مدى الأجيال. وأنه علينا أن نؤمن بالمسيح المخلص، الإله المتجسد، الذي حبل به من الروح القدس وولد من مريم العذراء، وتجسد لأجل خلاصنا وفدائنا. كما علينا أن نقدم لمريم العذراء كل تقدير واحترام لأن القدير صنع بها عظائم واختارها لتكون أم المسيح المخلص.
 

لماذا هناك اختلاف بين متى و لوقى حول نسب المسيح؟
إلى الصديق الكريم
تحية طيبة و بعد , لقد تلقيت رسالتك اللطيفة وأنا أشكرك غليها و ها أنا أجيبك على سؤالك فيما يخص نسب المسيح والاختلاف المتواجد بين متى ولوقا .
يورد إنجيلا متى ولوقا سلسلة نسب المسيح , ويبدو من القراءة السطحية أن السلسلتين متناقضتان , ولكن نظرة قريبة تلقي الضوء على الموضوع :
في السلسلة الذي ذكرها متى : يبدأ من إبراهيم إلى يوسف -في إنجيل متى 12:1يقول "ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح ." لاحظ أن يوسف هذا من أحفاد الملك داود . وقد أنتقل الملك إلى المواليد من الرجال أي نسله ( أنظر 1صموئيل 10- IIصموئيل 4:2- Iملوك 4:2 ) وعلى هذا فقد كان ليوسف الحق في عرش داود , كما كان لأبناء يوسف الحق ذاته . ولاحظ أن يوسف مرتبط بمريم , باعتبار أنه "ر ج ل مريم "فهذا يربط المولود منها . وعلى هذا فإن يسوع صاحب حق قانوني في عرش داود عن طريق يوسف .
أما النسب المذكور في لوقا فيعود إلى داود وآدم و الله . فنجد في لوقا 23:3 " لما أبتدأ يسوع ( خدمته ) , كان في الثلاثين من العمر تقريبا , وكان معروفا أنه أبن يوسف بن هالي " وأم ا مت ى فيقول أن يوسف هو أبن يعقوب . فالأرجح أن يوسف كان نسيب هالي,و ذلك لأن لوقا 1و2 ير ك ز الكلام على مريم . فكان لا بد أن يستمر التوضيح في لوقا عن نسب مريم , وعلى هذا فإن لوقا يورد نسب المسيح من جهة مريم عائدا إلى داود وآدم . ويظهر أن المسيح هو الوارث الطبيعي للعرش عن طريق مريم ومنها لداود .
 

ما معنى قول السيد المسيح: "ما جئت لألقي سلام لاً بل سيفاً"
ما معنى قول السيد المسيح: "ما جئت لألقي سلام لاً بل سيفاً"(متى 10: 34)، مع العلم أن رسالته تدعو إلى السلام ؟

الى الصديق العزيز

صحيح أن رسالة السيد المسيح هي رسالة السلام، والمعلوم أن يسوع جاء ليبشر بالسلام وليس بالسيف. وعندما وُلد في مدينة بيت لحم ترنمت الأجناد السماوية قائلة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام" (لوقا 2: 14). ونبوة إشعياء عن المسيح تقول: "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إشعياء 9: 6). والمسيح نفسه علّم قائلاً: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9). إذاً كيف يقول المسيح هنا إنه لم يأتي ليلقي سلاماً على الأرض، فهل من تناقض في قوله؟
ليس هناك تناقض في أقوال المسيح وإن بدا لنا ذلك أحياناً لعدم فهمنا مضمون بعض الآيات. فالمسيح جاء ليلقي السلام. ويعلّم السلام الحقيقي بواسطة رسالته وحياته وفدائه، وإن تعالمه كلها تدعو إلى السلام والمحبة والإخاء والتسامح. وهو لم يقصد أن يعلّم الناس بالسيف أو يرغمهم على اتباعه بالقوة. وأعتقد أنه من المناسب أن نقرأ الأعداد الثلاثة التي تلي الآية التي نحن بصددها، لأن ذلك يساعدنا على فهم قصد المسيح بطريقة أفضل. فهو يقول في إنجيل متى الإصحاح العاشر : "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنه ضد حماتها". ثم يقول: "من أحب أباً أو أماً أكثر مني لا يستحقني" (متى 10: 34-37).
بعد قراءة هذه الكلمات ربما يتوهّم البعض أن السيد المسيح داعية المحبة ورئيس السلام، أراد أن ينشر تعاليمه بالسيف. ولكن من يطالع الكتاب المقدس بإمعان يلاحظ، أن السيد المسيح لم يستعمل العنف مطلقاً، بل دعا إلى المحبة والإخاء والمسامحة والغفران ونبذ الأحقاد والعنف والقتال. كما أن أتباع يسوع والمؤمنين به اتّبعوا أسلوب معلمهم نفسه في كرازتهم. كما أن تعاليم الإنجيل المقدس بكاملها تحثّ على المحبة والمسالمة. وإن قول المسيح هذا لا يناقض قوله: "طوبى لصانعي السلام" (متى 5: 9). فكلمة سيف الوارد ذكرها في قوله هي كلمة مجازية ذكرها المسيح في معرض حديثه عن الصعوبات التي تلاقيها رسالة الإنجيل في طريقها إلى قلوب الناس، وليس المقصود هنا بكلمة "سلاماً" السلام السياسي، ولا بكلمة "سيف" السيف الذي يُستعمل في الحرب. فإشارة المسيح إلى السلام والسيف تشير بلغة مجازية إلى المعاناة النفسية التي يمرّ بها الإنسان المؤمن والصعوبات التي تواجهه في حياة الإيمان. فالمؤمن الحقيقي هو صراع مستمر مع أجناد الشرّ. وسيف الروح الذي هو كلمة الله، هو السيف الفعّال للتغلّب على الشرور والأباطيل التي تواجهنا في حياتنا. وانتصارنا على الشر هو بواسطة المسيح المخلص الذي يقول للمؤمنين: "في العالم سيكون لطم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33). ويقول أيضاً: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 20).
والجدير بالذكر أن اليهود قديماً كانوا يعتقدون، أنه عندما يأتي يوم الرب ويجيء المسيا المنتظر أي المسيح، ستحصل انقسامات خطيرة في العائلات، ودليلنا على ذلك أقوال المعلمين اليهود المشهورة. بأنه "عندما يأتي ابن داود (أي المسيح الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم) ستقوم الابنة على أمها والكنّة على حماتها. ويحتقر الابن أباه، ويصير أعداء الإنسان أهل بيته". وأن قول المسيح ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، هو تنويه إلى الحقيقية المرتقبة والامتحان الصعب الذي سيمرّ به كل من يؤمن به، أو كل من يتبعه، من اضطهادات وازدراء من الناس بصورة عامة، ومن أهل بيته بصورة خاصة. وهنا نجد المسيح المخلص يضع الناس أمام خيار ين: إما أن يقبلوه ويؤمنوا به ويمتنعوا عن عمل الشر وشهوات الجسد، ويسيروا في حياة القداسة، وإما أن يرفضوه ولا يؤمنون به.
فالمسيح لم يأتي ليفرّق العائلات ويقيم أعضاءها بعضهم على بعض، ولم يأتي ليفرّق الابن عن أبيه ولا ليثير الكنه ضد حماتها. ولكن المقصود. هو أنه إذا آمن رجل بالمسيح ولم تؤمن زوجته، كان الإنجيل بمثابة سيف يفرّق الزوجة عن رجلها بسبب الاختلاف في العقيدة. بين المؤمن وغير المؤمن. وعندما قال يسوع هذه الكلمات بأنه جاء ليلقي سيفاً، وأن أعداء الإنسان أهل بيته، إنما كان يحاول أن يوضح لهم الصورة التي كانت في أذهانهم، بأنه عندما يأتي يوم الرب ستحدث انقسامات خطيرة بين أفراد الأسرة الواحدة كما ورد آنفاً، وكأن الرب يقول لجماعة اليهود، إن يوم الرب الذي تنتظرونه قد جاء.
فتعاليم المسيح تدعو الإنسان لأن يختار بين نظام الحياة القديمة التي كان يحياها في الخطية قبل الإيمان، والتي تربطه فيها صلات وعلاقات متنوعة مع أهل بيته وأصدقائه وكافة الناس على اختلاف أنواعهم، وبين متطلبات الحياة الجديدة التي يستلزمها إيمانه بالإنجيل والسير حسب تعالمه في القداسة والحق والتضحية، فقد يتطلب الإنجيل من الفرد أن يضحي بكل عزيز لديه في سبيل الرسالة المسيحية، لأن تعاليم المسيح تتطلب الخضوع الكامل له. فهو يقول: "من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني. من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقي" (متى 10: 37-38).
فالإيمان بالمسيح والولاء المطلق، يكون بمثابة سيف في حياة الإنسان المؤمن يجعله في صراع مستمر مع أجناد الشر. فالمسيح جاء ليشهد للحق ويثبّت دعائم المحبة والسلام. فكلامه عن السيف أمر مجازي وهو كناية عن الحرب الروحية التي لابد من أن تستمر وتشتد في وجه الشيطان وكل أعماله. إلى أن يتغلب الخير على الشر وتتغلب إرادة الله على إرادة الشيطان، حينئذ يسود السلام ويعمّ الفرح في النفوس والطمأنينة في القلوب. وهذا ما قصده المسيح عندما قال: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً".
 

هل الأنبياء معصومون ؟

جوابنا هو “لا“. لا يوجد إنسان إلا وفيه خطية. فالخطية الأصلية دخلت الجنس البشري بالوراثة ومنذ البدء يقول الكتاب المقدس بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم أي بأبينا آدم . ومن المعلوم أن كل إنسان حبل به وولد بالخطية. يقول داود النبي : “هأنذا بالإثم صورت، وبالخطية حبلت بي أمي“. ومعلوم أن داود نبي و ملك. فإن كان معصوما وليس فيه خطية، فكيف يكتب في الزبور هذا القول : “بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي“. ونتيجة لفساد الطبيعة التي اكتسبها الإنسان من أبيه آدم بعد سقوط هذا الأخير، نجد أن الجميع تحت الخطية. تقول كلمة الله: "لكن الكل تحت الخطية". ولهذا لم يستثنَ الأنبياء. وحين نقرأ الكتاب المقدس بعهديه، يتبين لنا أن الأنبياء سقطوا في الخطية أكثر من مرة. وقصة داود النبي معروفة، ثم قصة إبراهيم أيضا، حينما ارتكب خطية الكذب معروفة أيضا، وغيرهما كثيرون. وهذا أمر طبيعي: أقول أمر طبيعي لأن كل إنسان اكتسب طبيعة ساقطة باعتباره ابنا لآدم. ولكن الأمر المرفوض والذي لا يمكن أن يكون طبيعيا، هو عدم توبة الخاطئ، وعودته كل يوم للفعل القبيح والكلام البذيء والفكر الشرير. الكل خطاة، ولكن كثيرون يتوبون عن خطاياهم وينالون قوة لمقاومة إبليس وهذا هو المهم.

أرجو عدم الاعتقاد بأننا نوجه النقد واللوم للأنبياء عندما نقول أنهم غير معصومين، كأننا نحن أفضل منهم. وهم أنفسهم لا يريدون أن يقال عنهم بأنهم معصومون، لأنهم يعرفون حالتهم وقد صرحوا بذلك مرارا وتكرارا. فلماذا نطلق عليهم صفة العصمة وهم أنفسهم لم يقولوا أنهم معصومون؟ يقول الكتاب المقدس: "من يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فذلك خطية له". والأنبياء، في بعض المواقف، لم يفعلوا الحسن أو الصالح. ولا شك أننا نعرف جميعاً القول المأثور، والذي يعبر عن الحقيقة أن "العصمة لله وحده".
هل تنبأ الكتاب المقدس بأنبياء يأتون بعد المسيح ؟
إلى الصديق العزيز،
لا تعتمد صحة علاقتنا مع الله على إسم يحمله نبي ، أو موضوعات يتصف بها ، أو إسم يطلقه على مذهب يؤسسه ويدعو إلى إتباعه ، أو على مبادئ يجمعها من هنا وهناك أو يجتهد في وضعها وتركيبها - مهما بدت نافعة أو حكيمة - أو على فئة أو جماعة يعمل من خلالها ، ولكنها تعتمد على الله نفسه وخطته للبشرية ، وعمله في التاريخ ، والمرحلة التي وصل إليها الإعلان الإلهي للبشر ، والحالة الروحية لهم ، وأخيراً على اختيار الله للشخص المناسب للقيام بالدور الذي سبق أن رسمه له .
الأنبياء ليسوا هدف الله :
لم يكن إرسال الله للأنبياء هدفاً في حد ذاته ، لقد كانت حياة الأنبياء وأعمالهم ورسا لاتهم جزءاً من عمل الله في التاريخ ، لم يصوغوا التاريخ أو يوجهوه أو يغيروه ، لكنهم كانوا أدوات في يد الله يعلن من خلالها عن ذاته ومقاصده ، ويفسر معاملاته مع البشر ويوضح موقفه من تصرفاتهم ومدى توافقها مع مقاييسه ، ويحدد مطالبه ووصاياه وتحذيراته وتوجيهاته لهم حسب مستوى النور الذي وصلهم منه ، لهذا نرى تدرجاً في إعلان الله عن ذاته مع مرور الزمن وازدياد قدرة الإنسان واستعداده لتلقى مزيد من الإعلان عنه ، والهدف من كل هذا هو أن يضع الله أساساً لعلاقة سليمة بينه وبين البشر بعد أن يخلصهم من عبوديتهم للخطايا والآثام التي تنهش أرواحهم ، وتقف حائلاً بينهم وبين معرفتهم وعبادتهم له ، وقد أهتم الله بأن يشرح للناس على مدى قرون طويلة طبعيه هذا الخلاص الذي يعمل على تحقيقة ، فأعمال الله التي يقوم بها هي مركز الاهتمام ، وليس الأنبياء ، وهذا أمـــر طبيعي لأن الله لا يريـد أن يشاركـه أحــد مجده فهو يقول " مجدي لا أعطيه لأخر " ( أشعياء 42 : 8 ) .
الحاجة إلى مخلص :
ولم يكن هدف الله والحال هذه إرسال كتب سماوية ، وتمييز كل نبي بخصّه بكتاب معين ، فعلى الرغم من أهمية الرسالة التي يحاول الله إيصالها للبشر بما تحمله من تنوير وتبصير ، فإن قصد الله لا يتحقق بمجرد إرسال تعاليم أو وصايا جديدة أو أنبياء جدد ، فالكلمة الموحاة المكتوبة ، عل الرغم من قوتها وفاعليتها فيه ، ومصداقيتها ، لا تستطيع أن تقوم بتخليص البشر من بحر الآثام الذي يتخبطون فيه ، فالغرقى أولاً لا يحتاجون إلى دليل لتعليم السباحة ، ولا حتى إلى تقليد سبّاح ماهر ، ولكنهم يحتاجون أولاً وقبل كل شئ إلى شخص يتطوع بنفسه لإنقاذهم وحملهم إلى بر الأمان ، ولا مانع بعد ذلك من إتباع تعليماته وتقليد حركاته الصحيحة في السباحة ، فقد يحتاجون ذلك في رحلاتهم البحرية المقبلة ، وهذا ما فعله السيد المسيح حين جاء بنفسه إلى عالمنا لإنقاذنا من خطايانا وقوتها وتسلطها وعقابها المخيف بهلاكنا الأبدي في الجحيم ، وهذا هو الفرق الجوهري بين المسيح وبين غيره من الأنبياء .
الخلاص ثم الكتاب :
ولقد أوحى المسيح إلى رسله وتلاميذه أن يكتبوا العهد الجديد بعد أن صنع الخلاص العظيم ، وهكذا فقد أعطانا السيد المسيح خلاصاً ثم كتاباً فنحن من أهل الخلاص ، قبل أن نكون من أهل الكتاب ، فعلاقتنا بالله تتجاوز مجرد الإيمان بكتاب أوحى به .
أصل الأنبياء :
لقد ضيّق الله قناة النبوة التي أستخدمها في إيصال إعلاناته للبشر ، فقد أختار ، وهو السيد الرب الحكيم ، أن يرسل إلينا كل أنبيائه من الشعب اليهودي ، ولا يلزم هذا أن يعنى بأي حال من الأحوال ، تفضيله لهم على غيرهم من البشر ، فكلهم خلقه وصنع يديه ، ولكن ذلك يعنى تحميلهم مسؤولية كبيرة تتضمن المساءلة ، يقول لهم في عاموس 3 : 2 " إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض ، لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم " فحين تحدث موسى عن النبي العظيم المنتظر الذي تُنهى نبوته كل نبوة ، قال " يقيم لك الرب الإله نبياً من وسطك ( أي من بنى قومك ) من إخوتك مثلى ، له تسمعون " ( تثنية 18 : 15 ) ولقد أكد السيد المسيح على حصر النبوة في اليهود ، وهو الذي وُلد من امرأة يهودية ، فقال مخاطباً المرأة السامرة " الخلاص هو من اليهود " ( يوحنا 4 : 22 ) ويؤكد الرسول بولس في موضع أخر هذه الحقيقة فيقول " الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والإشتراع والعبادة والمواعيد ولهم الأباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد أمين " ( رومية 9 : 4،5 ) وهو لا يعنى بطبيعة الحال أن النبوة في متناول كل شخص يهودي ، وقد حذّر الله من مثل هؤلاء فقال " النبي الذي يطغى فيكم فيتكلم بإسمى كلاماً لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم بإسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي " ( تثنية 18 : 20 ) .
هدف حصر النبوة :
ولا يترتب على حصر النبوة في اليهود حصر الإيمان بهم واستثناء غيرهم من الخلاص ، فالخلاص كما يقول الكتاب المقدس هو " لكل من يؤمن " ( رومية 1 : 6 ) فالله الذي لا يُحابى الوجوه لا يرفض أحداً بسبب جنسه أو قوميته أو أي عامل أخر ، ولكن هذا الحصر في النبوة أفاد تحديد مسؤولية حفظ الأسفار المقدسة والتواتر ، وتبيان تدرج الوحي وتواصله ووضع مؤشرات واضحة للاتجاه الذي يعمل نحوه الله .
المسيح موضوع النبوات :
لقد وجه العهد القديم وأنبياؤه أنظار البشر إلى المسيح المنتظر الذي سيحقق للبشرية الخلاص من الأثام والخطايا ، وتصحيح علاقة الإنسان مع الله ، ولهذا فقد كانت نبوة الأنبياء جزئية مرتبطة بالمسيح ودوره الذي سيقوم به مستقلاً ، ولقد أصبح المسيح موضع النبوات ومُشتهى الأجيال وحلم الناس ، لأنه سيحقق كل مقاصد الله وأغراضه وأهدافه .
كمال الإعلان الإلهي:
وقد اكتملت النبوة في المسيح ، فقد جسّد كل النبوات التي سبقته ، وحقق أحلام البشرية في الخلاص وروى أشواق الناس لمعرفة الله ، فبعد أن كان الناس يعرفون عن الله من الأنبياء ، أصبحوا يعرفونه شخصياً في المسيح الذي يحمل نفس طبيعته ، فقد سبق أن قال الله عنه " أن إسمى فيه " ( خروج 23 : 21 ) ، وأوضح الرسول بولس هذا الفرق بقوله " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة ، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في إبنه " ( عبرانيين 1: 1 ) لقد حصلنا في المسيح على أكمل معرفة وأوفى صورة متاحة لنا عن الله فالمسيح لم يقل عبثاً " الذي رأنى فقد رأى الآب " ( يوحنا 14 : 9 )
لا دور للأنبياء :
لقد حقق المسيح كل ما أراد الله تحقيقه لنا ، ولهذا فإنه لا مجال لأي شخص مهما كان عظيماً أن يضيف شيئاً إلى ما فعله المسيح ، أو يعدل شيئاً عليه ، فبعد أن وصلت النبوة إلى قمتها وحققت غايتها ، لا يجوز لها أن تتراجع .
لا يوجد آخرون :
لقد أوضح المسيح عن الأنبياء رداً على سؤال يوحنا المعمدان " أنت هو الآتي أم ننتظر آخر ؟ " ( لوقا 7 : 7 ) بأنه لا مجال لآخر ، لأن مؤهلاته لا تُوفرَ لغيره ، فقال " طوبى لمن لا يعثر في " ( لوقا 7 : 23 ) .
أنبياء أخر الزمان :
وتحدث المسيح عن الأنبياء الذين سيأتون في أخر الأيام فقال " فإن كثيرون سيأتون بإسمى قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرون " ( متى 24 : 5 ) وقال "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين" ( متى 24: 11)
 

هل المعزى نبي ؟ :
ولقد حاول بعضهم أن يجد في المعزى الذي وعد السيد المسيح بإرساله بنفسه قشة يتعلق بها للإيمان بنبي يأتي بعد المسيح ، وهنا لابد من توضيح عدة نقاط :
1- لقد ربط المسيح بين انطلاقه وصعوده إلى السماء ومجيء المعزى من بعده ، فصعود المسيح شرط جوهري وأساسي لمجيئه ، ومن الواضح أن الفترة الزمنية التي يتحدث عنها قصيرة جداً ، قال " لكنى أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق ، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم " ( يوحنا 16: 7 ) .
2- سيقوم المسيح بنفسه بإرسال المعزى .
3- سيختبر تلاميذ المسيح أنفسهم هذا المعزى ، فالوعد موّجه لهم قبل أن يكون موجهاً للأجيال التي تليهم
4- لن يكون المعزى نبياً لأنه ليس شخصاً بشراً يحمل رسالة جديدة ، ولكنه روح الله ، قال السيد المسيح " ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الأب ، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً " ( يوحنا 15 : 26،27 )
5- سيعمل هذا المعزى داخل قلوب الناس ، قال المسيح " ومتى جاء ذاك ( المعزى ) يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة " ( يوحنا 16 : 8 ) ، وهو يرشد المؤمنين ويعلمهم " وأما المعزى الروح القدس ... فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم كل ما قلته لكم " ( يوحنا 14 : 26 ) .
6- لن يكون المعزى مرئياً ، لأنه سيسكن داخل المؤمنين بالمسيح ، قال المسيح " روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه ، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" ( يوحنا 14 : 17 ) ولا يكون دخوله إلى قلب كل من يؤمن بالمسيح أمراً منظوراً ، يقـول المسيـح " الريـح تهـب حيـث تشاء وتسمــع صوتـها ، لكــنك لا تعلم مـن أين تأتـى ولا إلى أيـن تذهـب ، هكـــذا كل من ولد من الروح " ( يوحنا 3: 8 )
7- لقد جاء المعزى ، الروح القدس ، بالفعل في اليوم الخمسين من صعود المسيح إلى السماء ولقد دوّن الكتاب المقدس ذلك ، تقول كلمة الله " ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين ، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار ، وأستقرت على كل واحد منهم أيمتلأ الجميع من الروح القدس وأبتدؤا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا " ( أعمال 2 : 1-4 ) .
قضية محسومة :
أذاً لم يترك الكتاب المقدس قضية مجيء المعزى مفتوحة حتى تتحقق في زمن غير منظور بالنسبة لتلاميذ المسيح ، ولكنه حسم هذه المسألة ، وسجل لنا تفاصيلها وتحقيقها .
وعلى الرغم من هذا ، فليست القضية الأساسية للمؤمن بالمسيح هي الاعتراف بأنبياء يأتون بعد المسيح أو عدمه ، ولكنها هي دور هؤلاء الأنبياء وما يمكن أن يقدموه لنا بعد أن أصبح السيد المسيح حجر الزاوية في علاقتنا مع الله ، ففي المسيح كفايتنا ، يقول عن نفسه " أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب (الله) إلا بي " ( يوحنا 14 : 6 ) ، لقد افتدانا من خطايانا وضمن لنا الخلاص من العذاب الأبدي ومنحنا الحياة الأبدية بالإيمان به ، وقربنا من الله وعرفنا بالله معرفة شخصية ، وهو موجود معنا وفينا في كل وقت لمساعدتنا في الحياة بقوة الروح القدس ، فماذا يمكن أن نطلب أكثر ؟ وما الذي يمكن أن يحققه لنا نبي آخر لم يتمكن المسيح من تحقيقه ؟ إننا لا نشك في عظمة هؤلاء الأشخاص أو أهمية دورهم التاريخي أو إنجازاتهم الاجتماعية وغيرها ، ولكننا نقرر مع الكتاب المقدس بأنه ليس في مقدورهم تقديم الخلاص الأكيد لنا وإيصالنا إلى الله ، ونحن نظلمهم إذا توقعنا منهم ما لا يستطيع القيام به إلا المسيح ، لأن " ليس بأحد غيره الخلاص ، لأن ليس إسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص " ( أعمال 4 : 12 ) .
 

خلاصة
وهكذا فإن الإيمان بالمسيح وبعمله الفدائي على الصليب من أجلنا يعنى الخلاص ونوال الحياة الأبدية ، ومن الحكمة أن نضع إيماننا حيث تكون له فائدة وقيمة ، ويكون مقبولاً لدى الله وموافقاً لخطته ومقاصده .
فما هو موقفنا من المسلمين والقرآن ومحمد ؟
بالنسبة إلى موقفنا من المسلمين ، فموقفنا منهم مبدئي ، فنحن نحبهم كل الحب ، ولا نكن لهم إلا كل مودة واحترام ـ ولا نتمنى لهم إلا كل خير وازدهار وتقدم ، فهم إخوتنا وأحباؤنا ، يشاركوننا نفس واقعنا ومصيرنا ، وتربطنا بهم روابط الدم والتاريخ والوطن المشترك والوجدان القومي والمصالح الواحدة ، وإن محبتنا لهم نابعة من محبة المسيح العاملة في قلوبنا ، علمنا السيد المسيح أيضاً " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك ، وتحب قريبك كنفسك " ( لوقا 10 : 27 ) .
وإن موقفنا هذا منهم يؤكد هويتنا المسيحية ورسالة المحبة التي دُعينا لحملها ، وعلى هذا فإن اتخاذ أي موقف مناقض لهذا منهم يعد تنكر لهويتنا المسيحية ، ورسالة المحبة التي تذعنها ، ولا يسعنا إلا أن ننظر إلى معتقداتهم باحترام ، وإن من حقهم علينا أن نكون صريحين معهم فيما يتعلق بما نعتقده دون طعن في عقائدهم أو تجريح لها ، فهذا ليس أسلوب المحب المخلص في محبته ودوافعه .
بالنسبة لموفقنا من القرآن الكريم ، فإننا نؤمن بأن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو كلمة الله الموحى بها التي تحوى فكر الله وخططه وطرق معاملاته مع البشر ، وهو كتاب يشرح ويكمل بعضه دون تناقض ، ويعطى فكراً متكاملاً وخطة كاملة ، فهو وحدة كاملة ورسالة تامة لا تحتاج إلى ما يكملها أو يزيد عليها ، فالله يشرح في العهد القديم مسألة سقوط الإنسان في الخطية وانفصاله عن الله ، ويتحدث رمزاً وتصريحاً عن حل الله لهذه المشكلة في المسيح الذي سيأتي ويفدى الإنسان ، ولقد رتب الله طريقة لوصول الإنسان إليه عن طريق الذبائح التي كانت ترمز للمسيح وتُقبل على هذا الأساس ، تقول كلمة الله " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عبرانيين 9 : 22 ) لقد أعلن الله في العهد القديم بأن المسيح هو الطريق إلى الله ، لأنه هو الذي سيسحق الشيطان ( تكوين 3 : 15 ) ، وهو الذي سيفدى البشر من خطاياهم بموته كفارة عنهم ( أشعياء - الإصحاح 53 ) ، كما تحدث العهد القديم عن طبيعة المسيح الإلهية ( مثلاً مزمور 45 : 6 ) وأزليته ( ميخا 5 : 2 ) ومعجزاته وطبيعة خدمته ( أشعياء 61 : 1 ) وموته عل الصليب ( مزمور 22 : 16 ) وقيامته ( مزمور 16 : 10 ) واستحقاقه للتكريم والعبادة ( دانيال 7 : 13-14 ) ، وكل هذا غيض من فيض ، وعندما جاء السيد المسيح تحققت فيه مئات النبؤات التي كتبت عنه ، ولقد فعل من أجل كل البشر كل ما يحتاج أن يفعل من أجل خلاصهم وحياتهم ، وعلمنا كل ما نحتاج أن نتعلمه عن الله ومبادئ الحياة السامية معه ، وأعلن لنا الله ذاته في شخصه ، فكان هو الرسول والرسالة ، المبشر والمبَشر به ، وما دام السيد المسيح هو أسمى إعلان وأكمله عن الله ، فلا حاجة لمزيد من الإعلانات .
إننا نؤمن بأن الله واحد ، وما دام كذلك ، فإن الطريق إليه لابد أن يكون واحداً ، ولو تعدد الله ( وهذا مالا نؤمن به ) لأمكن تعدد الديانات والطرق إلى الله ، ولا يمكن أن يوحي الله القدوس الصالح بكتب يناقض بعضها بعضاً ويترك الناس يتخبطون في طرقهم وحيرتهم ،
إننا نحث أخوتنا وأحبائنا والناس عامة على قراءة الكتاب المقدس ، لا للبحث عن أخطاء متوهمة أو الانتقاد ، وإنما بحثــاً مخلصـــاً عن الحق ، ولابد أن يــهدى الله كـــل من يسعـــى بـإخلاص للهدايـة ، يقول الله " وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم " ( إرميا 29 : 13 ) كما قال السيد المسيح ، كلمة الله " إن شاء أحد أن يفعل مشيئته ( الله ) يعرف التعليم هل هو من كلمة الله " ( يوحنا 7 : 17 ) .
وأخيراً لا يحب أن يغيب عن أذهاننا أن الغرض الأسمى من الدين هو تغيير الإنسان بقصد الوصول إلى الله وضمان الخلاص من العذاب الأبدي في جهنم والحصول على يقين الحياة الأبدية وإعطائنا سلاماً كاملاً في قلوبنا ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : أين نحصل على كل هذه الأمور ؟ فالمشكلة ليست في أسم الدين الذي نتبعه ، وإنما في حقيقة ما يقدمه لنا ، قال السيد المسيح " لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه ؟ "
لكل منا ملء الحرية ، وعليه كل المسؤولية أمام الله .
 

هل المسيحية بشرت بمحمد؟
إلى الصديق الكريم
تحية و سلام , أبعث رسالتي هذه لأجيبك على سؤالك الذي تقول فيه: هل الديانة المسيحية بِشرت بمحمد؟ بما أنك طرحت سؤالك عن موقفي حول الإسلام؟ يظن بعض علماء الإسلام أن الكتاب المقدس قد أخبر بمجيء محمد. و ذلك لانهم فسروا بعض الآيات و كأنها تخبر بذلك .
وأهم الآيات التي ظنوا أنها تتنبىء بمجيء محمد هي:
قول موسى النبي لبني إسرائيل : يقيم لك الرب الهك نبيا من إخوتك مثلي له تسمعون (تثنية 18:15). فقالوا أن إخوة بني إسرائيل هم العرب. ولكن عبارة من إخوتك لا تعني العرب، لانه قال قبل ذلك : تجعل عليك ملكا الذي يختاره الرب إلهك. من وسط إخوتك تجعل عليك ملكا. لا يحل لك أن تجعل عليك رجلا أجنبيا ليس هو أخاك (تثنية 17:15). ومن الواضح أنهم لم يجعلوا عليهم ملكا من العرب، بل من إخوتهم، أي من بني إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك فإن الكتاب المقدس يؤكد لنا بكل وضوح, في العهد الجديد أن هذه نبوة عن المسيح . فالرسول بطرس أكد ذلك في موعظته في (أعماJ 26-22:3) وكذلك إستفانوس في خطبته الإستشهادية في أعمال الرسل2:7 ) قول المسيح لتلاميذه : وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم الى الأبد(يوحنا 16:14) وقوله : ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق , فهو يشهد لي ( يوحنا 16:26) . قال بعض المسلمين أن المعزي هو محمد , لأن كلمة معزي في اليونانية تشبه كلمة أحمد . (ربما تعلم أيها العزيز أن مؤسس طائفة الأحمدية قال أنه هو الذي بشر به المسيح لأن إسمه أحمد بينما نبي الإسلام إسمه محمد ). ولكن الدلائل على أنه لم يتكلم عن محمد أو أحمد هي واضحة وكثيرة جدا.
أولا: إنه قال عنه : "يمكث معكم (أي مع المؤمنين )إلى الأبد ".ومحمد طبعا لم يفعل ذلك .
ثانيا: لأنه قال لهم أنه روح الحق , وأنه الروح القدس 0 اعمال الرسل 1:4-5) ومحمد طبعا ليس هو الروح القدس
ثالثا : قال لهم " أنا أرسله " والمسلمون لا يقبلون أن يكون المسيح هو الذي أرسل
رابعا: أمرهم أن يبقوا في أورشليم (أي مدينة القدس ) إلى أن يأتي.
خامسا : إنهم فعلا بقوا هناك وجاء المعزي الذي هو الروح القدس في يوم الخمسين أعمال الرسل 2
والحقيقة هي أنه ليست هناك أي نبوة في الكتاب المقدس عن محمد. ولكن هناك مئات النبوات عن المسيح. عن ولادته من العذراء , وولادته في بيت لحم وعن معجزاته , وعن قداسته , وعن موته لاجل الخطاة , وعن قيامته من الأموات وصعوده إلى السماء
 

هل نســــــــخ الديـــــــــــــن؟
إلى الصديق الكريم
جائني هذا السؤال : كيف تنادون بالانجيل بينماالاسلام نسخ كل الديانات التي سبقته ? وأيضا : " كل نبي في أيام موسى وبعده , كان على شريعة موسى وتابعا لكتابه - وكل نبي في زمن المسيح وبعده كان على شريعة المسيح وتابعا لكتابه , الى زمن محمد . أما شريعة محمد فلن تنسخ الى يوم القيامة " .
انا اشكر الذين ارسلوا هذه الأسئلة ويسعدني ان يقوم جسر من التفاهم بيننا . واحب اولا ان اوضح المقصود بكلمة " نسخ " ثم ارد على السؤال : النسخ في اللغة هو ابطال الشيء واقامة شيء آخر مقامه .
(1) وردي الأول على هذا الكلام هو ان هذا ادعاء , فنسخ دين المسيح لا يستند على دليل . هو مجرد خاطر عند صاحبه , لا يسنده لا قول قرآني , ولا حديث اسلامي . ولو كان عند أحد القراء برهان لأولاده وهو يكتب الي . فان الاسلام يقول عكس ذلك . ان هناك براهين كثيرة في صف استمرار المسيحية وتعاليمها , ففي صورة المائدة الآية 86 يقول : " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل . فالقرآن يحث اهل الكتاب على اقامة شرائعهم واتباع عقائدهم التي جاءت في التوراة والانجيل . لو كانت شرائعهم قد نسخت (أي أبطلت ) وحل القرآن محلها لقال : " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا القرآن . وفي صورة المائدة الآية 74 يقول : "وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ولو كان الله يريد ان ينسخ التوراة والانجيل بالقرآن , لما قال القرآن لمحمد في صورة المائدة الآية 34 : "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة , فيها حكم الله " . وفي صورة يونس الآية 49 يقول : " فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ".
(2) وهناك رد ثان يبرهن استمرار المسيحية وكتبها المقدسة , وهو ان القرآن اورد قصص الآنبياء اختصار وايجاز , بينما أوردتها التوراة والأنجيل بتفصيل يجعلهما مرجعا وافيا للتوضيح . والقرآن نفسه في سورة النحل 34 يقول : " وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم . فاسألوا أهل الذكر ان كنتم تعلمون ". وفي سورة الشهداء الآيات 391 - 691 : " نزل الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين , وانه لفي زبر الأولين " ( أي في كتب الأولين ) هذا يعني أن التوراة والانجيل يحتويان على ما جاء في القرآن من أحكام وشرائع وتعاليم أخلاقية , بحيث لا يمكن أن ينسخا لأنهما شريعة الله .
(3) ولعل فكرة النسخ اختلطت في ذهن أصحاب السؤال - فالقرآن لم يذكر أبدا نسخ التوراة والأنجيل . ,لقد رجعت الى " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن " فوجدت ان ذكر " النسخ " مرتين في القرآن . أولهما في سورة البقرة 601 : " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " والثانية في سورة الحج 52 : " وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته , فينسخ الله ما يلقي الشيطان , ثم يحكم الله آياته " ورجعت لكتاب " اسباب النزول "لجلال الدين السيوطي , فوجدته يذكر سبب نزول " ما ننسخ من آية أو ننسها نآت بخير منها أو مثلها " قال : اخرج ابنا أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : " كان ربما ينزل الوحي على النبي بالليل , بالنهار , فأنزل الله " ما ننسخ من آية أو ننسها تأت بخير منها أو مثلها . وواضح يا صديقي القاريء أن القول " ننسخ آية " لا يقصد به الأنجيل أو التوراة . أما سبب نزول " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " فيقول جلال الدين السيوطي في كتابه " اسباب النزول " قرأ النبي بمكة والنجم .... فلما بلغ " " أفرأيتم اللات والعزى , ومناة الثالثة الأخرى " ألقي الشيطان على لسانه : تلك العرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى " فقال المشركون : " ما ذكر الهتنا بخير قبل اليوم " فسجد محمد وسجدوا فنزلت هذه الآية " وما ارسلنا من قبلك رسول ولا نبي الا اذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته , فينسخ الله ما يلقي الشيطان , ثم يحكم الله آياته , والله عليم حكيم " .
وواضح يا عزيزي القارىء أن الله حسب هذه الآية نسخ ما القاه الشيطان في أمنية النبي المسلم ولا اشارة هنا بالمرة للتوراة ولا للأنجيل .
(4) وآود ان آضيف ردا رابعا على القائلين بأن الاسلام نسخ المسيحية ... وهو ان ملايين البشر اليوم في كل انحاء العالم يعملون بموجب أحكام التوراة والانجيل , فحكمها ما زال قائما . ولا يستطيع احد ان ينكر فضل الكتاب المقدس على المدنيات الحديثة . ولا عجب في ذلك , فان الذي يقرأ التوراة والانجيل يجد بينهما تناسقا واتفاقا , بلا تغير ولا تبديل . لقد كتب أسفار الكتاب المقدس بأيدي أناس مسوقين من الروح القدس . كتبوه في فترة بلغت 0091 سنة , اشترك في كتابته أكثر من أربعين كاتبا من كل مسالك الحياة , فيهم الملك والفيلسوف والفلاح والصياد والشاعر والعامي , وناقشوا فيه قضايا مثيرة للاختلاف مثل الله , والانسان , والخطية , والفداء , والخلاص , ولكن في تناسق مذهل , بدون تناقض . لو اننا درسنا بعض ما كتبه مجموعة من أدباء عرب معاصرين عن موضوع واحد لوجدنا خلافات جذرية بينهم - كلهم عرب - كلهم في عصر واحد . أما الكتاب المقدس فهو متجانس بدون تناقض رغم الفترة الزمنية التي كتب فيها , ورغم اختلاف مشارب الذين كتبوه . والسبب في ذلك هو أن الله أوحى به , الله الذي أعطاه . وهذاهو السر في أنه الكتاب المقدس حتى سنة 3991 , وقد ترجم الى 3671 لغة ولهجة . هل بعد ذلك نقول ان الكتاب قد نسخ , أو ان الاسلام قد نسخ دين المسيح ? ان الله ما زال يحافظ على كلمته .
(5) لقد حافظ الله على الكتاب المقدس وسط الاضهاد حاول كثيرون أن يحرقوه أو أن يمنعوا نشره منذ أيام اباطرة الرومان وحتى اباطرة الحكم الشيوعي , ولكنهم لم يفلحوا . هزأ بهم كثيرون وهاجمه كثيرون , وصار الهازئون المهاجمون في خبر كان , وانتهوا هم وبقي كتاب الله . وقال الملحد المشهور فولتير ( الذي توفى 8771 ) : " بعد مائة سنة ستكون المسيحية قد أمحت وصارت تاريخا " , وصار فولتير في ذمة التاريخ , ولم تمض خمسون سنة على وفاته حتى استعملت جمعية نشر الكتاب المقدس مطبعة ومنزل فولتير لنشر الكتاب المقدس . وقبله سنة 303 م أصدر الامبراطور الروماني دقلديانوس أمرا باحراق الكنائس والكتب المقدسة وحرمان كل مسيحي من الحقوق المدنية , ولكن الذي خلف دقلديانوس على العرش وهو قصطنطين آمن بالمسيح , وآوصى بوسابيوس بنسخ خمسين نسخة من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة الرومانية .
صديقي القاريء , المسيحية من الله وكتابها يحوي الحق الذي اعطاه الله . وجوهر المسيحية هو المحبة , فالله المحبة أحبنا , وبرهن على حبه لنا في المسيح . فلذلك فنحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا . وكل من يحب الله يبرهن على هذا الحب بحبه للآخرين . المسيحية ديانة المحبة , المحبة لا تسقط ابدا . هل يمكن أن تنسخ المحبة , هل يمكن أن يحل شيء محل المحبة / افتح قلبك لله .. للخير .. للحق .. اطلب من الله ان يرشدك للحق
 

التثليث في القرآن
كما حارب القرآن " تأليه " عيسى ابن مريم عند بعض نصارى العرب الجهال ، حارب كذلك عقيدة "التثليث " عند قوم آخرين منهم ضلوا عن الإنجيل . فالتثليث الذي ينكره القرآن ليس بالتثليث المسيحي . فالتثليث المسيحي هو من صميم التوحيد ، من صميم وحدانية الله ، في وحدة الذات الإلهية . ولمعالجة هذه القضية دعنا نضعها في النقاط التالية :
 

ما هو التثليث الذي يرفضه القرآن؟
ما هو موقف المفسرين من قول القرآن في الثالوث ؟
ما هو القول الصريح للإنجيل في الثالوث؟

1- التثليث الذي يرفضه القرآن
هناك ثلاثة نصوص قرآنية توحية لنا :
الأول من (سورة النساء : 170 – 171)
" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا الحق ؛ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . فآمنوا بالله ورسله ، ولا تقولوا : ثلاثة ! انتهوا خير لكم ! إنما الله إله واحد ! سبحانه أن يكون له ولد ، له ما في السموات وما في الأرض ، وكفى بالله وكيلا! لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ، ولا الملائكة المقربون ! ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا"
والثاني من ( سورة المائدة : 70 و 76 )
" لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم ! ... لقد كفر الذين قالوا : أن الله ثالث ثلاثة ! وما من إله إلا إله واحد ! وإن لم تنتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم "
والثالث من ( سورة المائدة : 77 – 78 و 119 ) أبان فيه تلميحاً ، ثم تصريحاً من هم " الثلاثة"
" أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرون ، والله غفور رحيم . ما المسيح ، ابن مريم ، إلا رسول قد خلت من قبله الرسل . وأمه صديقة ، كانا يأكلان الطعام . أنظر كيف نبين لهم الآيات ؛ ثم أنظر أنى يؤفكون! ... وإذ قال الله : يا عيسى ابن مريم ، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ! قال : سبحانك ! ما يكون لي أن أقول ما ليس بحق ! إن كنت قلته فقد علمته ! .. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ، أن أعبدوا الله ربي وربكم.
فالخطاب في سورة النساء لأهل الكتاب عامة : "ياأهل الكتاب ... لا تقولوا "ثلاثة" (170). والخطاب في سورة المائدة خاص بفئتين أو ثلاث من أهل الكتاب العرب يفسرون معني "الثلاثة" : فئة تدعي أن الله هو المسيح ابن مريم ! وفئة تدعي أن الله ثالث ثلاثة !
وإذا سألت القرآن عن "الثلاثة" التي يزعمون، أجاب تلميحاً (مائدة 77) ثم تصريحاً (مائدة 119) بأنهم : الله، وعيسي ابن مريم، ومريم أم عيسي : فهما إلهان مع الله !
ذاك هو التثليث أو الثالوث الذي كان يدين به بعض نصاري العرب، فأنكره القرآن عليهم، وكفرهم به من النقل علي لسان المسيح : "وقال المسيح : يابني إسرائيل أعبدوا الله ربي وربكم" (مائدة 75) : "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم" (مائدة119)، ومن المنطق والعقل أنه "مامن إله إلا إله واحد (76) وقد كان المسيح وأمه يأكلان الطعام (78) قل أتعبدون من دون الله ما يملك لكم ضراً ولا نفعاً" (79).
اعتبر القرآن ذلك الاعتقاد الفاسد قولاً من بعضهم "الذين قالوا" (75 و 76) الذين كفروا منهم (76) : ثم اعتبره غلواً من جميعهم (نساء 170، مائدة 80). لذلك يدعوهم إلي نبذ الغلو في تأليه المسيح وتثليث المذكور "ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا علي الله إلا الحق : إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا "ثلاث"، انتهوا خير لكم" (نساء 170) "قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل" (مائدة 80).
2 - موقف المفسرين من قول القرآن : ولا تقولوا : "ثلاثة" (نساء 170).
قال الجلالان : "أي الآلهة ثلاثة : الله وعيسي وأمه".
وقال البيضاوي : "أي الآلهة ثلاثة : الله والمسيح ومريم، ويشهد عليه قوله : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله - أو الله ثلاثة : إن صح أنهم يقولون : الله ثلاثة أقانيم الآب والابن وروح القدس ويريدون بالآب الذات، وبالابن العلم وبروح القدس الحياة". - ونقول : وإن صح أن النصاري يعنون "بالآب الذات وبالابن العلم وبروح القدس الحياة" فذلك لا يدل علي تعدد الذات الإلهية، لأن العلم والحياة في الله هما ذات الله بعينها. وهكذا تختلف جوهرياً مقالة القرآن عن مقالة الإنجيل في التثليث.
وقال الزمخشري : "إن صحت الحكاية عن النصاري أنهم يقولون : هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم : أقنوم الآب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، وأنهم يريدون بأقنوم الآب الذات وبأقنوم الابن العلم وبأقنوم روح القدس الحياة : فتقديره "الله ثلاثة"، وإلا فتقديره "الآلهة ثلاثة" : والذي يدل عليه القرآن هو التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة وأن المسيح ولد الله من مريم : ألا تري إلي قوله "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" وحكاية الله أوثق من حكاية غيره !!" - أجل حكاية الله أوثق من حكاية غيره، لكن القرآن بقوله ما تقديره : الآلهة ثلاثة، الله والمسيح ومريم، وأن المسيح ولد الله من مريم، حكي حكاية بعض نصاري العرب الذين يكفرهم، وليس حكاية الإنجيل والنصاري عامة الذين يقولون : الله جوهر واحد، في ثلاثة أقانيم، وهذه المقالة لا تنافي التوحيد، ولا دخل لمريم في هذا التثليث ولا لولادتها الجسدية لعيسي، وهي تختلف تماماً عن مقالة القرآن "الآلهة ثلاثة، الله وعيسي ومريم" أو الإله صار ثلاثة "الله وعيسي ومريم".
والرازي المدقق يقول : "قوله ثلاثة خبر مبتدأ محذوف. ثم اختلفوا في تعيين ذلك المبتدأ علي وجوه : (الأول) ما ذكرناه أي ولا تقولوا : "الأقانيم ثلاثة"، (الثاني) آلهتنا ثلاثة كما قال الزجاج مستشهداً بآية المائدة، (الثالث) قال الفراء : "هم ثلاثة" كقوله "سيقولون ثلاثة" وذلك لأن ذكر عيسي ومريم مع الله بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين". ثم يفسر رأيه "الأقانيم ثلاثة" : أي والمعني ولا تقولوا "إن الله واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم"، واعلم أن مذهب النصاري مجهول جداً، والذي يتحصل منه أنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات ثلاث، إلا أنهم وإن سموها صفات فهي في الحقيقة ذوات قائمة بأنفسها (!) فلهذا المعني قال "ولا تقولوا : "ثلاثة، انتهوا". فأما إن حملنا الثلاثة علي أنهم يثبتون صفات ثلاثاً فهذا لا يمكن إنكاره، وكيف لا نقول ذلك وإنا نقول : هو الله الملك القدوس العالم الحي القادر .. ونفهم من كل واحد من هذه الألفاظ غير ما نفهمه من اللفظ الآخر، ولا معني لتعدد الصفات إلا ذلك. فلو كان القول بتعدد الصفات كفر لزم رد جميع القرآن، ولزم رد العقل من حيث أنا نعلم بالضرورة أن المفهوم من كونه تعالي عالماً غير المفهوم من قوله حياً".
وإنا لنستغرب قول الرازي "إن مذهب النصاري مجهول جداً"، وقد عرفه تمام المعرفة "إن الله واحد بالجوهر ثلاثة أقانيم" وأنهم أي النصاري "أثبتوا، علي قوله، ذاتاً موصوفة بصفات ثلاث". وفي كلا القولين ليس من تعدد ينقض التوحيد. ولكن ضل عندما أراد أن يطبق مذهبهم علي مقالة القرآن القائلة "بثلاثة آلهة" فاستنتج منه "أنهم وإن سموها صفات فهي في الحقيقة ذوات قائمة بأنفسها "!! كلا ليست" الأقانيم الثلاثة ذوات قائمة بأنفسها مما يشعر بأنها ثلاثة آلهة، بل هي علاقات ذاتية قائمة بالذات الإلهية الواحدة، وقد أشعر هو نفسه أن ذلك ممكن حيث قال : "فأما إن حملنا الثلاثة علي أنهم يثبتون صفات ثلاثاً فهذا لا يمكن إنكاره ... فلو كان القول بتعدد الصفات كفر لزم رد جميع القرآن ولزم رد العقل من حيث نعلم بالضرورة أن المفهوم من كونه تعالي عالماً غير المفهوم من قوله حياً"، وبهذه المقالة يلتحق بالزمخشري والبيضاوي حيث يصف مذهب النصاري أنه : "جوهر واحد، ثلاثة أقانيم : أقنوم الآب وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس، وأنهم يريدون بأقنوم الآب الذات وبأقنوم الابن العلم وبأقنوم روح القدس الحياة". وما كان ضرهم لو قالوا بقول النصاري وإنجيلهم القائم علي توحيد الجوهر الإلهي الفرد : فالله واحد في ثلاثة أقانيم أي علاقات جوهرية غير قائمة بأنفسها بل قائمة في الذات الإلهية الواحدة ؟
فمقالة "الثلاثة" أو الثالوث أو التثليث لها وجه مقبول ينسجم مع التوحيد الصارم ولها وجه مرذول ينقض التوحيد ويعني تعدد الآلهة. وما نهاهم القرآن عنها "ولا تقولوا : ثلاثة" إلا لأن العرب، أو بعض نصاري العرب الجهال قد فهموا التثليث المسيحي علي غير حقيقته فمالوا به إلي تعدد الآلهة أو تعدد الذات الإلهية، وأقحموا فيه ما ليس منه "مريم أم المسيح"، ونسبوا إلي الله ما يقشعر له المرء أبي استيلاده عيسي من مريم كما سيتظهر من مقالاتهم في ما يلي :"الله ثالث ثلاثة" (مائدة 76)
إن بعض نصاري الحجاز قد فهموا بالثالوث أو "الثلاثة" أن "الله ثالث ثلاثة" (مائدة 76)، ولا يجوز فهم هذا التعبير كفهم سابقه "ولا تقولوا : ثلاثة" لأنه في حد ذاته يجعل الله أحد ثلاثة فيعدد الآلهة، أو يعدد الذات الإلهية. وهذا كفر كما نعته القرآن. ونلاحظ أنه يكفر مقالة "الله ثالث ثلاثة" فيما ينعت مقالة "الثلاثة" بالغلو (نساء 170).
وقد تفسر هذه المقالة بأن "الابن والروح إلهان من دون الله" وهي تعني حتماً تعدد الآلهة، وقد تفسر بأن "المسيح ومريم إلهان من دون الله" وظاهرها يعني أيضاً تعدد الآلهة. ويميل القرآن إلي التفسير الثاني لأن الآية 78 من المائدة بيان للآية 76 منها. وكلا القولين كفر كما نعتهما القرآن، بيد أن القرآن لا ينسبهما إلي عموم نصاري الحجاز بل إلي الذين "كفروا منهم" (76).
قال الجلالان : أي أحد آلهة ثلاثة والآخران عيسي وأمه. وهم فرقة من النصاري.
وقال البيضاوي : أي أحد ثلاثة وهو حكاية عما قاله النسطورية (؟) والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق (75) قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد.
وقال الرازي ناقلاً رأي المفسرين ورأي المتكلمين : "في تفسير قول النصاري "ثالث ثلاثة" طريقان : (الأول) قول بعض المفسرين وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسي آلهة ثلاثة والذي يؤكد ذلك قوله : "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، والدليل أنه المراد، قوله في الرد عليهم "وما من إله إلا واحد"، (والثاني) إن المتكلمين حكوا عن النصاري أنهم يقولون : جوهر واحد، ثلاثة أقانيم : آب وابن وروح القدس، وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة. وعنوا بالآب الذات وبالابن الكلمة وبالروح الحياة، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة، وقالوا أن الآب إله والابن إله والروح إله والكل إله واحد". نقول لقد أنصفهم المتكلمون، وظلمهم المفسرون بنسبة مقالة بعض نصاري العرب الكفار إلي عموم النصاري. وعقب الرازي علي حكاية المتكلمين : "إن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل فإن الثلاثة لا تكون واحداً والواحد لا يكون ثلاثة !" - أجل من وجه واحد، كلا من وجوه مختلفة، فالنصاري يوحدون جوهر الله أو طبيعته الإلهية، ويثلثون أقانيمه الذاتية، وهذا لا يعني جعل الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة حتي يجوز القول أنه "لا يري في الدنيا مقالة أشد فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصاري" (الرازي) فلا يراها المتكلمون كذلك، ولا الراسخون في العلم !!
فمقالة بعض نصاري الحجاز "الله ثالث ثلاثة" تفسير خاطئ فاسد لا يجوز تعميمه علي سائر النصاري.
"إلهان من دون الله" (مائدة 119)
إن بعض نصاري الحجاز كانوا يقولون "عيسي ومريم أمه إلهان من دون الله" (مائدة 78 و 119) وهذه المقالة أيضاً تفسير آخر فاسد لمقالة النصرانية بالثالوث أو "بالثلاثة" الأقانيم.
فمقالة تلك الفئة الضالة تعني صراحة تعدد الآلهة، لا بل تأليه مخلوقين مع الله، الإنسان عيسي ابن مريم، وأمه. لذلك يستفظعها الله يوم الدين ويستجوب عيسي عنها : "إذ قال الله (يوم يجمع الرسل) : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟!" فيستنكر عيسي التهمة ويشهد للتوحيد، ويستغفر لمن قال بها.
ويرد القرآن علي هذه المقالة الفاسدة ببراهين عدة : "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" أي ما هو إلا رسول كالرسل قبله خصه الله بآيات كما خصهم بها (البيضاوي)، "وأمه صديقة" : وإن كل من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن وكل من كان كذلك كان مخلوقاً لا إلهاً (الرازي)، و"كانا يأكلان الطعام" : أي أنهما كانا محتاجين، لأنهما كانا محتاجين إلي الطعام أشد الحاجة والإله هو الذي يكون غنياً عن جميع الأشياء فكيف يعقل أن يكون إلهاً (الرازي)، و"قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لك ضراً ولا نفعاً ؟ أي أن عيسي وأمه لا يملكان الضر والنفع مثل الله حتي يكونا إلهين.
ونقول أنها براهين سديدة تنقض مقالة جهال الحجاز من النصاري لأنها تعني تأليه مخلوقين مع الله. ولكن قولهم ليس بقول النصاري الحق، ولا تعنيهم أدلة القرآن الواردة. فالإله في عيسي ليس ما ولد من مريم أي ناسوته أو طبيعته الإنسانية، بل من ألقي إلي مريم من جوهر الله دون انقسام أي "كلمة الله" الذي هو "روح منه" تعالي.
"الله هو المسيح" (مائدة 75)
وإن بعض نصاري الحجاز كانوا يقولون "إن الله هو المسيح ابن مريم" (مائدة 75) ومقالتهم هذه هي تفسير ثالث لعقيدة النصاري العامة في التثليث أي "الثلاثة" الأقانيم.
ومقالة أولئك تفسير خاطئ لأنها تعني أن جوهر الله كله، وذات الله كلها، وطبيعة الله كلها، قد صارت عيسي ابن مريم. أو تعني علي الأقل "ان الله تعالي حل في ذات عيسي واتحد بذات عيسي" (الرازي) وهذا هو مذهب الذي يجيز علي الله ما لا يجوز أي أن يتغير أو يتبدل أو يتحول.
قال الجلالان : لقد كفروا حيث جعلوا ابن مريم إلهاً، وهم اليعقوبية، فرقة من النصاري.
وقال البيضاوي : هم الذين قالوا بالاتحاد منهم، وقيل لم يصرح به أحد منهم بل حكي لسان حالهم.
وقال الرازي : حكي عن فريق منهم أنهم قالوا "إن الله هو المسيح ابن مريم" وهذا هو قول اليعقوبية لأنهم يقولون : إن مريم ولدت إلهاً. ولعل معني هذا المذهب أنهم يقولون : أن الله تعالي حل في ذات عيسي واتحد بذات عيسي".
ونقول : إن النصاري يكفرون مع القرآن هذه المقالة : ليس لعيسي ابن مريم ذات غير ذات الكلمة الملقاة إلي مريم روحاً من الله : فليس هناك ذاتان بل ذات واحدة تجسدت من مريم أي تدرعت بجسد منها. وهذا القول بعيد كل البعد عن مذهب الحلول والحلولية، ومذهب الامتزاج بين ذات خالقة وذات مخلوقة.
تلك هي التفاسير الثلاثة التي قال بها بعض نصاري العرب الجاهلين، البعيدين عن مراكز النصرانية الحنيفة الرسمية، في ما يتعلق بعقيدة التثليث النصرانية، أي الأقانيم "الثلاثة" في الله الواحد، وتلك مقالات فاسدة جعلت القرآن يكفر أصحابها واحداً واحداً، وينهاهم عن الاعتقاد "بالثلاثة" علي الإطلاق : "ولا تقولوا : ثلاثة ! انتهوا، خير لكم" (نساء 170).
 

استنتاج وتطبيق
نستنتج مما تقدم أن التثليث الذي ينكره القرآن غير التثليث المسيحي الذي يعلمه الإنجيل. كل من الإنجيل والقرآن يقصد غير ما يعنيه الآخر. والمسيحيون يعتقدون غير ما ينكر المسلمون.
1) تصريح الإنجيل
فالثالوث المسيحي مبني في الإنجيل علي وحدانية الله، لا إله إلا هو. سئل السيد المسيح : "أي وصية هي أولي الوصايا جميعاً ؟ فأجاب الأولي هي : اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا الرب الوحيد فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوتك. فقال له الكاتب : حسن يامعلم لقد أصبت إذ قلت أنه الوحيد ولا آخر سواه" (مرقس 12 : 28 - 34). ومع هذا الإقرار الصريح بالوحدانية الإلهية فالتصريح بالتثليث لا ريب فيه، وقد ختم المسيح حياته ورسالته وإنجيله بقوله لتلاميذه الحواريين : "لقد دفع إلي كل سلطان في السماء وعلي الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلي انقضاء الدهر" (خاتمة متي).
فهذا الإعلان النهائي سبقته تصاريح متعددة عن الوحدة بين المسيح الابن والله الآب : "ووقع عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء وكان يسوع يذهب ويجئ في الهيكل في رواق سليمان فتحلق اليهود حوله وقالوا له : "حتي متي تريب أنفسنا ؟ إن كنت أنت المسيح فقله لنا جهراً ! أجابهم يسوع : لقد قلته لكم ولا تصدقون، والأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي ... (ثم قال) أنا والآب واحد ! حينئذ تناول اليهود من جديد حجارة لكي يرجموه. فأجابهم لقد أريتكم أعمالاً حسنة كثيرة من عند الآب فلأي عمل منهما ترجموني ؟ أجابه اليهود : لسنا لعمل حسن نرجمك بل لأجل التجديف ولأنك تجعل نفسك إلهاً وأنت إنسان ! فأجابهم يسوع : أوليس مكتوباً في ناموسكم : "أنا قلت إنكم آلهة" ؟ فإن كان يدعو آلهة أولئك الذين صارت إليهم كلمة الله - ولا يمكن أن ينقض الكتاب - فأنا الذي قدسه الآب وأرسله إلي العالم تقولون لي أنك تجدف ! لكوني قلت : أنا ابن الله ؟ إن كنت لا أعمل أعمال أبي فلا تصدقوني، ولكن إن كنت أعملها ولا تريدون أن تصدقوني فصدقوا هذه الأعمال لكي تعلموا وتعترفوا أن الآب في وأني في الآب" (يوحنا 10 : 22 - 42).
فهذه الوحدة بين الله الآب والمسيح الابن ليست معنوية بل جوهرية، والمسيح هو ابن الله ليس علي طريق الاصطفاء أو علي سبيل المجاز، بل حسب الطبيعة "لكي تعلموا وتعترفوا أن الآب في وأني في الآب" (10 : 38)، ثم يعود إلي الشهادة ذاتها مع تلاميذه : "قال له فيلبس : يارب، أرنا الآب وحسبنا، قال له يسوع : أنا معكم كل هذا الزمان ولا تعرفني ؟ يا فيلبس، من رآني فقد رأي الآب ! فكيف تقول أنت : أرنا الآب ! أفلا تؤمن أني أنا في الآب وأن الآب في ؟ الأقوال التي أكلمكم بها لا أتكلم بها من نفسي بل الآب المقيم في هو يعمل أعماله. صدقوني أني أنا في الآب والآب في. وإلا فصدقوا من أجل الأعمال" (يوحنا 14 : 3).
وقد سبقته أيضاً، تصاريح عن الوحدة القائمة بين الابن وروح القدس. فالروح القدس هو المحامي عن الحواريين في نشر الإيمان لأنه روح الحق الذي ينبثق من الآب : "ومتي جاء المحامي الذي أرسله إليكم من لدن الآب، روح الحق الذي ينبثق من الآب، فهو يشهد لي، وأنتم أيضاً تشهدون بما أنكم معي منذ البدء" (يوحنا 15 : 26)، وروح الحق ينزل بعد رفع المسيح : "غير أني أقول لكم الحق : إن في انطلاقي لخيراً لكم : فإن لم أنطلق لا يأتيكم المحامي وأما إذا انطلقت فإني أرسله إليكم (16 : 7)، ولكن متي جاء هو، روح الحق، فإنه يرشدكم إلي الحقيقة كلها لأنه لا يتكلم من عند نفسه بل يتكلم بما يكون قد سمع ويخبركم بما يأتي. إنه سيمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. جميع ما للآب فهو لي : من أجل هذا قلت لكم إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (16 : 12 - 15).
2) تحليل التصريح :
وهكذا يعلمنا الإنجيل أن "الله روح" محض لا دخل للجسد ولشؤون الجسد فيه تعالي، "والذين يعبدونه يجب أن يعبدوه بالروح والحق" (يوحنا 4 : 25)، ويعلم الإنجيل أن يسوع المسيح هو "ابن الله" و "كلمة الله" لأنه "كما أن الآب له الحياة في ذاته كذلك أعطي الابن أن تكون له الحياة في ذاته" (يوحنا 5 : 26). إن الله هو الوجود، والوجود هو الحياة، والله هو "الحي القيوم" (آل عمران 2، بقرة 255، طه 111)، يحيا ويتفاعل ويتسلسل في ذاته الواحدة. والإنجيل بتسميته "الابن كلمة الله" (يوحنا 1 : 1) - كذلك القرآن نساء 170 - أفهمنا أن هذا التفاعل والتسلسل روحي عقلي. فالمسيح هو ابن الله، أي فكر الله الجوهري، أو نطق الله الجوهري، فهل يمكن أن يكون الله بدون عقل ؟ وهل يكون عقله إلا غير محدود كذاته. وفكره الذي هو منتوج عقله، وهو غير محدود في الله كعقله، هو ما يسميه الإنجيل بلفظ علمي فلسفي لاهوتي "كلمة الله"، وبتعبير شعبي تفهمه الجماهير "ابن الله" والشعب البسيط نفسه ألا يسمي الأفكار بنات العقل ؟ وعندما يستعمل الإنجيل لفظة "كلمة" يدل بصراحة علي أن بنوة الابن من الآب وفي الآب، ضمن الذات أو الطبيعة الإلهية الواحدة، هي بنوة فكرية نطقية عقلية، وأن الولادة في الجوهر الإلهي الفرد هي روحية إلهية، فوق الزمان والمكان، وفوق الجسد والمخلوق. يتسلسل كلمة الله من جوهر الله كما يصدر نطقنا من عقلنا. وهذا الصدور أو التسلسل غير المخلوق، نتيجة التفاعل الإلهي، لا يمكن التعبير عنه تماماً بكلام مخلوق، فيسميه الإنجيل بلغة بشرية تقرب غير المدرك من إدراكنا "ولادة وبنوة" ثم "أباً وابناً". فكلمة الله أو نطق الله الصادر عن القوة العاقلة في الله، هو في وضع يشبه عند البشر وضع ابن من أبيه، وفي علاقة ولادة روحية وبنوة عقلية تشبه فينا ولادة الفكر من العقل. فليس في ذلك إذن رفع مخلوق إلي صفة الخالق، ولا حط الخالق إلي درجة المخلوق، بل هو تفاعل روحي وتسلسل عقلي، بل هو ولادة روحية وبنوة عقلية في الذات الإلهية الواحدة.
وكما أنه لابد من الاعتراف في الجوهر الإلهي الفرد بقوة عاقلة كذلك لابد من الاعتراف فيه بقوة محبة، كما قال الإنجيل : "الله نور" و "الله محبة". فالطبيعة الإلهية الواحدة هي ذاتها قوة عاقلة وقوة محبة. والقوة العاقلة فيها تنتج فكرها أو "ابنها"، والقوة المحبة في الآب والابن تنتج، عن طريق التبادل، ثمراً حبياً هو الروح القدس الذي يعرفه النصاري "محبة الآب والابن المتبادلة". وحياة الحي القيوم هي حياة قوة ذاته العاقلة وحياة قوة ذاته المحبة : فابن الله هو فكر الله الجوهري، وروح الله أو روح القدس هو حب الله الجوهري. ولكي يقرب لنا المسيح فهم هذه الحياة الإلهية وكيفية تفاعلها في داخلها عبر لنا بكلام بشري عن ذات الله وعن ثمرة عقله الجوهرية وثمرة حبه الجوهرية، إذ لا عرض في ذات الله، إنها "الآب والابن والروح القدس" وأن "الثلاثة" هي الإله الواحد، لا إله إلا هو.
وهكذا فالروح اسم وحقيقة للمحبة المتبادلة في ذات الله، والابن اسم وحقيقة لثمرة القوة العاقلة في جوهر الله، والآب اسم وحقيقة لمصدر هاتين الثمرتين في الذات الإلهية الواحدة. وهكذا فالآب والابن والروح جوهر واحد، طبيعة واحدة، ذات إلهية واحدة، هو الله لا إله إلا هو. ومن ثم فإذا بشر الإنجيل بالتثليث ضمن الطبيعة الإلهية الواحدة فهو لا يجعل مع الله إلهاً آخر، ولا يجعل الله "ثالث ثلاثة"، ولا يجعل الله "ثلاثة" آلهة، بل هو تثليث علاقات أقنومية قائمة في الذات الإلهية الواحدة، هو تثليث في التوحيد الخالص.
وقد نجد عند أرسطو والغزالي ما يشبه من بعض الوجوه هذا التحليل :
فأرسطو يقول - علي حد ما نقل عنه الشهرستاني : "المسالة الثالثة في أن واجب الوجود لذاته عقل لذاته، وعاقل ومعقول لذاته - عقل من غيره أم لم يعقل - أما أنه عقل فلأنه مجرد عن المادة، منزه علي اللوازم المادية، فلا يحجب ذاته عن ذاته، وأما أنه عاقل لذاته فلأنه مجرد لذاته، وأما أنه معقول لذاته فلأنه غير محجوب عن ذاته بذاته أو بغيره" (الملل والنحل ، ص 313) : فالله إذن عاقل وعقل ومعقول في ذاته الواحدة، ومثل هذا "التثليث" في الذات الواحدة لا يتنافي مع وحدانية الله.
وقال حجة الإسلام الإمام الأول الغزالي : "يعتقدون أن ذات الباري واحدة ولها اعتباران : فإن أعتبرت مقيدة بصفة لا يتوقف وجودها علي تقدم وجود صفة قبلها، كالوجود، فذلك المسمي عندهم بأقنوم الآب. وأن اعتبرت موصوفة بصفة يتوقف وجودها علي تقدم وجود صفة قبلها، كالعلم، فإن الذات يتوقف اتصافها بالعلم علي اتصافها بالوجود فذلك هو المسمي عندهم بأقنوم الابن والكلمة. وان أعتبرت بقيد كون ذاتها معقولة لها فذلك المسمي عندهم بأقنوم روح القدس. فيقوم إذن من الآب معني الوجود، ومن الابن أو الكلمة معني العالم، ومن روح القدس كون ذات الباري معقولة له. هذا حاصل هذا الاصطلاع، فتكون ذات الإله واحدة في الموضوع موصوفة بكل أقنوم من هذه الأقانيم. ومنهم من يقول : إن الذات، إن اعتبرت من حيث هي ذات، لا باعتبار صفة البتة، فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن العقل المجرد وهو المسمي بأقنوم الآب. وإن اعتبرت من حيث هي عاقلة لذاتها فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن معني العاقل وهو المسمي بأقنوم الابن والكلمة. وأن اعتبرت بقيد كون ذاتها معقولة لها فلهذا الاعتبار عندهم هو المسمي بأقنوم معني المعقول، روح القدس. فعلي هذا الاصطلاح يكون العقل عبارة عن ذاته بقيد كونها عاقلة لذاتها، والابن أو الكلمة مرادفين له، والمعقولية عبارة عن الإله الذي ذاته معقولة به، وروح القدس مرادفاً له. هذا هو اعتقادهم في هذه الأقانيم. وإذا صحت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ" (الرد الجميل على إلهية المسيح ، ص 43.. ولعل من العجب في هذا الكتاب الذي كتب خصيصاً للرد على ألوهية المسيح ! أنه يقول : ذات الله عاقل وعقل ومعقول ).
فيعود تحليله إلي قوله : الذات الإلهية موصوفة بخواص جوهرية ثلاث الوجود والعلم والمعقولية، وهي الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، أو إلي قوله : الذات الإلهية هي عقل وعاقل ومعقول معاً وهي الآب والابن والروح القدس الإله الواحد : فهل في هذا "التثليث" ما ينافي التوحيد ؟
وقد رأيت أن المفسرين أخذوا بالاصطلاح الأول، فيما المتكلمون يأخذون بالاصطلاح الثاني. وقد فسر الشهرستاني بعدهم عقيدة التثليث المسيحية بقوله : "وأثبتوا لله تعالي أقانيم ثلاثة، قالوا : الباري تعالي جوهر واحد، يعنون به القائم بالنفس، لا التحيز والحجمية، فهو واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية، ويعنون بالأقنومية الصفات كالوجود والعلم والحياة، الآب والابن وروح القدس، وإن العلم تدرع وتجسد دون سائر الأقانيم (ص 172) : قد أوجز الشهرستاني عقيدتي "التثليث" والتجسد : فهل في مثل هذا ما ينافي التوحيد ؟
لقد ثبت لنا بالنقل والعقل أن التثليث المسيحي الذي يعلمه الإنجيل ويدين به النصاري لا ينافي التوحيد، بل يقوم عليه، وهو من صلبه، وهو تفسير سام لحياة "الحي القيوم" في ذاته، لا إله إلا هو سبحانه وتعالي.
فالتثليث المسيحي إذن هو من صميم وحدانية الله، في وحدة الذات الإلهية.
أما في القرآن فقد رأيت أن التثليث الذي يذكره في تعابيره الأربعة : "الثلاثة" (نساء 170) و "الله ثالث ثلاثة" (مائدة 76) و "الله هو المسيح ابن مريم" (مائدة 75) و "عيسي وأمه الهان من دون الله" (مائدة 119) يعود إلي نكران وحدانية الله، وتعدد الذات الإلهية وإيجاد ثلاثة آلهة أي إلهين غريبين مع الله هما الإنسان عيسي ابن مريم وأمه. وهذا التثليث القرآني كفر محض ينكره الإنجيل كما ينكره القرآن، لأنه يعني "تأليه" عيسي وأمه "واتخاذهما" إلهين من دون الله. والإنجيل لا يعرف اتخاذاً ولا تأليهاً. فقول كهذا يعني ثلاثة آلهة، وتعدد الذات الإلهية، مما لا أثر له في الإنجيل ولا في اعتقاد النصاري.
ومما يستفز النصاري اتهامهم بتأليه مريم أم المسيح كما فعله "المريميون" أو "الكليريون" من نصاري العرب الجهال فحكي القرآن حكايتهم. وها هي كتب النصاري ومؤلفات علمائهم تملأ العالم منذ ألفي سنة فلا تجد فيها أثراً لهذا التثليث الذي ينكره القرآن علي نصاري العرب : الله والإنسان عيسي ابن مريم، وأمه، ولا تجد فيها ذكراً لإشراك أم المسيح من قريب أو بعيد في عقيدة التثليث. فهل جن جميع النصاري منذ ألفي سنة حتي يؤمنوا بثلاثة آلهة ؟ هل توصل جهلهم وحماقتهم إلي أن يؤلهوا مخلوقاً الإنسان عيسي ابن مريم، أو إمرأة هي مريم بنت عمران أم عيسي ؟ ! فالنصاري قبل إيمانهم بألوهية المسيح، وقبل إيمانهم بالثالوث الأقدس يدينون بوحدانية الله الخالصة. وإذا كان في ألوهية المسيح أو التثليث الإلهي ما ينافي وحدة الطبيعة الإلهية فهم يرفضونها.
لذلك فالتثليث الذي ينكره القرآن ليس بالتثليث المسيحي. فلا النصاري يؤمنون ولا الإنجيل علم ولا المسيح قال للناس : "اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" (مائدة 119).
 

 

هل من تثليث في القرآن؟
لا جرم ، أن القرآن ينتفض عند هذا السؤال ، ويجيب :" قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد!" . بيد أن القرآن ينفي " الأثنين" ( النحل : 51 ) ، وينفي " الثلاثة" ( النساء : 170) التي تتعارض مع وحدة الله ، مع وحدة الذات الإلهية ، مع وحدة الجوهر الفرد . ولا يفكر البتة في حياة " الحي القيوم " الداخلية ، وتفاعلها وتسلسلها . إنما هناك آية تدل على أنه إذا كان في الجوهر الإلهي الواحد بنوة لا تناقضه ، فهو يقبل بها : " قل ، إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" ( الزخرف : 81)
وبناء عليه ، فهل يرفض القرآن إلهية الكلمة ، وإلهية الروح القدس ، إذا كانت لاهوت الجوهر الإلهي الواحد؟ هل تُراه يرفضها إذا كان الكلمة الأزلي عبارة عن الفكر الجوهري ، ثمرة القوة العاقلة في الذات الإلهية الواحدة ، وكان الروح القدس عبارة عن ثمرة الحب الجوهري في الذات الإلهية الواحدة؟ ... لا نظن. فإن لقب " الكلمة " في القرآن يحمل معناً إلهياً ، لأن الكلمة الملقى إلى مريم هو شخص له اسمه الخاص وكائن قبل إلقائه إليها ، وهذا الكلمة هو روح منه تعالى ، وروح الله ، يصدر منه ويبقى معه في كامل الوحدة الجوهرية ( النساء : 170)
ولقب " الروح" الغامض بسبب تنوع مدلوله ، إذ يضيفه القرآن إلى المخلوق كما يضيفه إلى الخالق ، يتضح ويتحدد مفهومه بإسناد القدرة الخالقة إليه :" فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين" ( الحجر : 29 ) ؛ " ثم سواه ونفخ فيه من روحه " ( السجدة : 6 ) . وهكذا خلق الله آدم بنفخة من هذا الروح الخلاق ، كما كون "المسيح ، كلمة الله ، وروحه " في رحم مريم بنفخة أيضاً من هذا الروح الخلاق ، بنفخته ، ليس ملاكاً ، وليس الروح المنفوخ الحاصل من الفعل بل هو روح مستقل بذاته ، يتمتع بالقدرة على الخلق ، وهو الواسطة التي بها يخلق الله ويكون ، وبها كون المسيح في مريم " روحاً من الله " . ففي تكوين عيسى في مريم يظهر ثلاثة أرواح : روح مبشر هو الملاك ، والروح النافخ ، وروح الله الملقى إلى مريم بالنفخة المكونة . وقد حمعها الإنجيل وميزها بقوله:" فأجاب الملاك( الروح المبشر) ، وقال لمريم : الروح القدس يحل عليك ( يقابل الروح النافخ) وقوة العلي تظللك ، فلذلك المولود منك (يقابل الروح الملقى) يُدعى ابن الله " ( لوقا 1 : 35) . فروح القدس مستقل عن الملاك ،وعن روح عيسى المتأنس في مريم . وهكذا فالروح في القرآن والإنجيل يحمل معناً إلهياً . ومن ثم ففي القرآن تثليث يتألف من ، الله ، والروح أو روح القدس ، والكلمة ؛ ونكون كافرين إذا جعلنا هذا التثليث خارجاً عن التوحيد ، ونكون في الصراط المستقيم إذا كان تفسيراً لحياة " الحي القيوم" متفاعلة متسلسلة ، ولا إله إلا هو
 

المسيح في القرآن
أعاظم الرسل ، في القرآن ، هم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد . وليس في القرآن لواحد منهم صورة تداني صورة المسيح في القرآن. غذ يتميز المسيح ، في القرآن ، عن العالمين باسمه وصفته
في التعريف الجامع المانع ، الشامل الكامل ، الذي يعطيه القرآن للمسيح ، يميزه باسم مزدوج لا يطلقه على أحد من العالمين والمرسلين " إنما المسيح عيسى ، ابن مريم ، رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " ( النساء : 170 ). فهو " كلمة الله " و روح الله" . والقرآن يصف المسيح ، عيسى ، ابن مريم ، بأنه " آية " الله في العالمين مع أمه " وجعلناها وابنها آية للعالمين" ( الأنبياء : 91 ) ؛ " وجعلنا ابن مريم وأمه آية" ( المؤمنون : 51) . إنه آية الله في أحواله وأعماله وأقواله ، كما أنه وحده انفرد على العالمين والمرسلين بتأييد روح القدس له في جميع أحواله وأعماله وأقواله
لذلك وإن استعمل القرآن " آية للناس" أو " آية للعالمين " بحق عزير ( البقرة : 529) وبحق فرعون الغارق الناجي ببدنه ( يونس : 92 ) ، وبحق قوم نوح ( الفرقان : 37 ) وبحق نوح نفسه ( العنكبوت : 29 ) فهو إنما يأخذ من ظرف في حياتهم آية ، أي عبرة ، للذكرى والتاريخ . بينما القرآن يجعل المسيح نفسه في سيرته كلها وفي شخصيته كلها " آية للعالمين " ؛ ويظهر القرآن المعنى المقصود ، بالميزة الثانية التي انفرد بها على العالمين والمرسلين " وأيدناه بروح القدس" ، فسره الجلالان " لا يفارقه ساعة" . فلا نجعل من المشاكلة اللفظية ، مقالبلة شخصية. فباسمه وصفته ينفرد المسيح ، ويستعلي في القرآن ، على العالمين وعلى المرسلين أجمعين
 


موت المسيح وصلبه في القرآن
نصل الآن إلى نقطة حساسة من شهادة القرآن للإنجيل والمسيح ، موضوعها نهاية المسيح على الأرض؟
إن الإنجيل المقدس يُكرس ثُلث صفحاته ليسرد تفاصيل صلب المسيح بيد اليهود ، في أيام بيلاطس البنطي من قبل روما على اليهودية ، تأييداً منه لرسالته وتعاليمه اللذين لم ينكرهما أمام الموت المحتوم . لقد زكى شهادته بتضحية حياته ، والشهادة المطبوعة بخاتم الدم لا تُنقض . فيخبرنا الإنجيل أن السيد المسيح قد أُقف وحُكم وتألم وصلب ومات على الصليب ، ثم قام من القبر في اليوم الثالث ، وصعد إلى السماء حياً . والإنجيل كله ، بل والدين المسيحي كله مبني على فداء البشرية من خطاياها باموت المسيح الفدائي . فهل يمكن أو يعقل أن يزور كتاب برمته تفديه الملايين من الناس بالمهج والأرواح ، وهؤلاء الملايين قد اختلفوا في عقائدهم المستمدة منه ، وفي فهم بعض آياته الخطيرة ، ولكن لم يختلفوا في نص الكتاب الذي ائتمنوا عليه وكانوا عليه شهداء.
والنصارى انتشروا في كل زمان ومكان ، وافترقوا فرقاً وجماعات مدة 600 سنة قبل ظهور القرآن ، وراحوا يبشرون في كل موضع بحقيقة موت المسيح التاريخية على الصليب . فكيف يمكن أن تُكذب شعوب برمتها ، اتفقت جميعاً ، مع اختلافها في غير أمر ، على هذه الشهادة لحدث جللٍ محسوس مشاهد منقول بالتواتر ؟
والقرآن ينقل لنا أيضاً شهادة شعب اليهود تحت كل سماء، وتبجحهم بكفرهم وقولهم : "إنا قتلنا المسيح، عيسي ابن مريم"(نساء: 15)، شعب بكامله يشهد لحادث خطير محسوس قاموا بتمثيله، ونقلوا خبره بالتواتر حيث رحلوا وحلوا، ونأتي فنكذب شهادتهم ونكذب عيونهم وأيديهم وآذانهم وألسنتهم ؟ وذلك بعد 600 سنة من جريان الحوادث وتواتر الشهادة، التي لم يرتفع صوت من النصاري أو اليهود أو الوثنيين ينقضها أو يطعن فيها ؟ !!
وقد شعر العلماء المسلمون بهذا الإشكال الضخم يوجه إلي مقالة من أنكر موت المسيح من المسلمين. ونقل العلامة الرازي : "الإشكال الخامس : إن النصاري علي كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وغلوهم في أمرهم أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً فلو أنكرنا ذلك كان طعناً في ما نبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسي وسائر الأنبياء".
إذن موت المسيح حقيقة تاريخية رددت الشعوب المختلفة والأجيال المتعاقبة صداها مدة 600 سنة قبل القرآن. فهل في القرآن صدي لهذه الحقيقة التاريخية، أم أنه ينفي، كما يزعمون، قتل المسيح وموته؟
والمتأمل في موقف القرآن ، إذا تمتع بروح الباحث المدقق ، سيجد أن موقف القرآن العام من هذا الموضوع لرائع !
فهو يشهد أنه كما دخل المسيح العالم بمعجزة فريدة خرج منه بمعجزة فريدة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، وتاريخ الأنبياء والمرسلين. فعيسي ابن مريم - مات أم لم يمت - قد ارتفع حياً إلي السماء حيث لم يزل حياً عند الله إلي قيام الساعة : "إذ قال الله، ياعيسي ابن مريم إني متوفيك ورافعك إلي وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلي يوم القيامة" (آل عمران 55). ونقول إن معجزة ارتفاع المسيح إلي السماء حياً في آخر حياته علي الأرض - دون أن يذوق طعم الموت شأن كل بشر وكل نبي ورسول - أغرب وأعظم في جانبه من موته وقيامته وصعوده: في هذه المقالة مجد جديد للمسيح لم يحلم به بشر أو نبي ألا وهو استثناؤه من فريضة الموت العامة التي لا يستثني منها أحد !! فبدل معجزة واحدة لآخرة المسيح يجدون معجزتين : استثناءه من الموت، وارتفاعه حياً إلي الله.
أولاً : شهادة القرآن بموت المسيح
1 - النصوص التي تذكر آخرة المسيح بحسب تاريخ نزولها
1) سورة مريم : "والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً" (33).
2) سورة البقرة : "ولقد آتينا موسي الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسي ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس : أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم : ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون" (87) (قد يكون فيه تلميح لموت المسيح).
3) سورة آل عمران : "قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار. قل قد جاءكم رسلي قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين" (183). (قد يكون فيه تلميح لموت المسيح).
وأيضاً : "إذ قال الله : ياعيسي ابن مريم إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلي يوم القيامة" (55).
4) سورة النساء : "وقولهم (اليهود) : إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم، رسول الله ! - وما قتلوه ! وما صلبوه ! ولكن شبه لهم. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه. ما لهم به من علم إلا اتباع الظن. وما قتلوه يقيناً، بل رفعه الله إليه وكان عزيزاً حكيماً" (156). (هذا النص هو سبب كل جدل).
وأيضاً : "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، و يوم القيامة يكون عليهم شهيداً" (157).
5) سورة المائدة : "وإذ قال الله: ياعيسي ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ - قال، سبحانك، ما يكون لي أن أقول ما ليس بحق: إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم. وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم = فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت علي كل شئ شهيد" (116 - 120 ). (وهذا النص هو آخر ما نزل في آخرة السيد المسيح).
2 - بعض من التحليل
نري من جميع هذه النصوص المذكورة أنها تؤكد تصريحاً أو تلميحاً "وفاة المسيح، ماخلا الآية 157 من سورة النساء "فيظهر" أنها تنفي القتل والصلب، وتخلق بذلك المتناقضات بين التاريخ العام الذي تدعمه شهادة النصاري واليهود والرومان والتاريخ الخاص الذي تبدؤه هذه الآية الوحيدة، وبين الإنجيل المبني جميعه علي حادث الصلب الفدائي وبين القرآن الذي يحصرون معطياته، بدون مبرر، في هذه الآية، وأخيراً بين سورة النساء وسائر السور التي قبلها (آل عمران، مريم) والتي بعدها (المائدة).
وإزاء هذه المشكلة المستعصية يذهب المفسرون مذاهب متباينة متناقضة :
1) القائلون بالمجاز : يجنح أكثر المتأخرين من المسلمين علي قصر رواية القرآن عن آخرة المسيح علي سورة النساء، وعلي تفسير كل ما تبقي من سائر السور علي ضوئها. وقد يجمع هؤلاء القوم علي أخذ "الوفاة" المذكورة في آل عمران 55 والمائدة 120 بالمعني المجازي أي وفاة النوم استناداً إلي قوله "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه" (إنعام 60) وقوله: "الله يتوفي الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها: فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخري إلي أجل مسمي، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (زمر 42).
ولكن هؤلاء القوم نسوا إن القرآن يأخذ "الوفاة" بالمعني الحقيقي أي الموت خمساً وعشرين مرة. ولم ترد بالمعني المجازي إلا في الموضعين المذكورين بسبب قرينة لفظية تحملهما علي المجاز "يتوفاكم بالليل" (إنعام 60) و"يتوفي الأنفس في منامها" (زمر 42). وبدون قرينة لفظية أو معنوية تقيد المعني يجب حمل اللفظ علي معناه الحقيقي الوضعي البديهي. والقرآن ذاته يشعر بأن المعني الحقيقي "للوفاة" هو الموت "الله يتوفي الأنفس حين موتها" لذلك لما أخذ "الوفاة" علي المجاز اضطر إلي تبيان ذلك بقرينة لفظية فأضاف "الله يتوفي الأنفس حين موتها، والتي م تمت، في منامها". وفي النصوص كلها التي تذكر "وفاة" المسيح لا توجد أدني قرينة لفظية أو معنوية تحمل معني الوفاة علي المجاز بل بالعكس فالقرائن المعنوية واللفظية تتطلب وفاة الموت.
2) القائلون بالاستيفاء : وهناك فئة تفسر معني "الوفاة" لغة "بالاستيفاء" من استوفي الشئ وتوفي الشئ أي أخذه كاملاً. فقوله "إني متوفيك معناه مستوفي أجلك المسمي". وهذا ما ذهب إليه الزمخشري والبيضاوي، لتستقيم نصوص القرآن وتنسجم في شأن آخرة المسيح.
وفات هؤلاء القوم أن الكلام مركب من ألفاظ تستكمل معانيها في تركيبها وإن احتملت لغة ومفردة معاني عديدة. فالوفاة قد تعني "الاستيفاء" بحد ذاتها ولكن في تركيب الكلام المفيد لا تعني في لغة العرب ولغة القرآن كله إلا الموت، ما لم تخرج بها قرينة لفظية أو معنوية عن هذا المعني.
وقد اختصر الرازي تفاسير المفسرين بقوله : "ياعيسي إني متوفيك (آل عمران 55) ونظيره قوله : "إني متوفيك" (مائدة 120) : اختلف أهل التأويل في هاتين الآيتين علي طريقين (أحدهما) إجراء الآية علي ظاهرها من غير تقديم ولا تأخير، (والثاني) فرض التقديم والتأخير. أما الطريق الأول فبيانه من وجوه : 1) إني متمم عمرك إلي أجلك، 2) متوفيك أي مميتك وهو مروي عن ابن عباس قال مع وهب توفي ثلاث ساعات ثم رفع، ومن محمد بن اسحاق توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه إليه، 3) قال الربيع بن أنس أنه تعالي توفاه حين رفعه إلي السماء، 4) يحمل الألفاظ علي ظاهرها من موت ورفع ولكن كيف ومتي فلا يذكره، 5) متوفيك عن شهواتك، 6) التوفي هو أخذ الشئ وافياً أي كاملاً أي أخذه بجسده وروحه، 7) متوفيك أي أجعلك كالمتوفي في نظرهم برفعك، 8) التوفي هو القبض، يقال توفي واستوفي، وهو رفعه، 9) أن يقدر حذف المضاف أي متوفي عملك. والطريق الثاني لابد من تقديم وتأخير في آية آل عمران، قالوا ولا تفيد الترتيب، فيقدم الرفع وتؤخر الوفاة وتحمل علي ظاهرها بالموت. وأعلم أن الوجوه التي قدمنا تغني عن التزام مخالفة الظاهر".
وهكذا ما أخذ "الوفاة" بمعني "الاستيفاء" إلا قول من عشرة أقوال. وأكثر الأقوال تقتضي حمل اللفظ علي ظاهره بمعني الموت.
3) الآخذون بمبدأ النسخ : تشاهد حيرة المفسرين لاستنباط تفسير منسجم بين النساء من جهة وآل عمران والمائدة من جهة أخري. وهذه الحيرة وهذا الارتباك شاهد علي وجود أشكال لم يسلكوا بعد إلي حله السبيل السوي.
وظن قوم آخرون أن لهم مخرجاً في مقالة الناسخ والمنسوخ فقالوا : إن ما جاء في سورة النساء ينسخ ما ورد في آل عمران ومريم. وعليه ظل الرآي العام الإسلامي علي أن المسيح لم يمت. ولكن فات هؤلاء القوم أن النسخ - إن قبل كمبدأ في تفسير كلام الله - لا يقع إلا في الأحكام من أمر أو نهي، ولا يجوز البتة أن يسند إلي الأخبار : فالخبر أمر جري علي وجه معين لا تقدر قدرة أن تجعله لم يكن، "وكان أمر الله مفعولاً". فبعد أن شهد في مريم وآل عمران أن المسيح سيموت ومات فلا يجوز أن يكذب هذا الخبر بقوله في النساء : "وما قتلوه وما صلبوه ! ... وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه" ! أي أنه لم يمت بأي حال من الأحوال.
وهب وقوع النسخ في هذا الخبر بعينه، فالمعروف بديهياً أن النسخ يتناول ما قبله، ولايقع فعله علي ما بعده. وهب أن الآية 156 من النساء قد نسخت وفسرت ما قبلها من سورة مريم وآل عمران، فكيف تنسخ ما بعدها من سورة المائدة التي لم تكن بعد قد نزلت، ولما نزلت لم يرد شئ بعدها عن آخرة المسيح ؟ فما النسخ هنا كما تري سوي المسخ بعينه !
4) أسطورة الشبه : وهتاك أسطورة غريبة يتناقلها القوم، ويسف بعض المفسرين إلي الأخذ بها، ألا وهي قصة " الشبه" ، ومضمونها أنه لما مكر اليهود بالمسيح ليقتلوه مكر الله بهم، فألقي شبه عيسي علي غيره فأخذ هذا الغير المسكين وقتل بدل المسيح فيما المسيح عيسي ابن مريم يرفع حياً إلي السماء (نساء 157) وكان الله خير الماكرين (آل عمران 54).
فهذا التعبير "شبه لهم" من هذه الآية "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" (نساء 156) أصل الرواية التي أخرجوها. وقد أثارت جدلاً طويلاً عقيماً وانقسم القول حول الموضوع فرقاً : هل قتل أحد بدل المسيح أم لا ؟ وعند من قالوا بمقتول بدل المسيح هي ألقي علي المقتول شبه عيسي أم لا؟ وهل يجوز إلقاء شبه إنسان علي إنسان آخر؟ وبعد أن يسرد الرازي برصانته المعهودة روايات الشبه الملقي يختم بقوله : "وهذه الوجوه متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق الأمور".
ثم يورد الرازي اشكالات ستة لا مرد لها علي فساد نظرية "الشبه" الذائعة بين عامة المسلمين : "فكيفما كان ففي إلقاء شبه عيسي علي الغير إشكالات : (الأول) إنه إن جاز أن يقال أن الله تعالي يلقي شبه إنسان علي إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة ويفضي أيضاً إلي القدح في التواتر: ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوءات بالكلية. (الثاني) إن الله أيده بروح القدس جبريل، فهل عجز هنا عن تأييده ؟ وهو نفسه كان قادراً علي إحياء الموتي فهل عجز عن حماية نفسه؟ (الثالث) إن الله تعالي كان قادراً علي تخليصه برفعه إلي السماء فما الفائدة في إلقاء شبهه علي غيره، وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟ (الرابع) بإلقاء الشبه علي غيره اعتقدوا أن هذا الغير عيسي مع أنه ما كان عيسي، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله. (الخامس) إن النصاري علي كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وغلوهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً، فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسي وسائر الأنبياء. (السادس) ألا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسي، والمتواتر أنه فعل. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعني. فلما لم يوجد شئ من ذلك علمنا أن الأمر ليس علي ما ذكرتم".
لذلك يجب رفض خرافة "الشبه" الشائعة بين المسلمين إلي حيث لا رجعة. ورفضها لا يغير من موقف القرآن، ومقالة النساء، شيئاً.
5) القائلون بالأرجاف: بقي قول من قال : "لم يقتل أحد، ولكن أرجف بقتله فشاع بين الناس" وإليه يميل الرازي. قال البيضاوي أيضاً : "وشبه مسند إلي الجار والمجرور "لهم" كأنه قيل : ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسي والمقتول، أو وقع لهم التشبيه في الأمر علي قول من قال لم يقتل أحد ولكن أرجف بقتله فشاع بين الناس". نقول لا تجوز فدية علي شعوب مختلفة مدة مئات السنين !. ولا شئ ينقض تعليل الزمخشري وتفسيره لقوله "شبه لهم" : "شبه مسند إلي ماذا؟ إن جعلته مسنداً إلي المسيح فالمسيح مشبه به، وليس بمشبه. وإن أسندته إلي المقتول، فالمقتول لم يجر له ذكر ! - قلت هو مسند إلي الجار والمجرور (لهم) كقولك خيل إليهم". وهكذا فليس من ضرورة لغوية لأسطورة الشبه والتشبيه.
ومعني التعبير بسيط له أمثاله في العربية : " شبه لهم" أي "خيل إليهم" (الزمخشري) أو "وقع لهم التشبيه في الأمر" (البيضاوي) أو اشتبه الأمر عليهم. فأسطورة "الشبه" ومقالة المقتول بدل المسيح، باطلة لغوياً ومنطقياً وتاريخياً فيجب طرح هذه السخافة نهائياً.
6) استنتاجات وتطبيقات : وبناء علي ما تقدم نقول :
أولاً : إن التعارض في آي القرآن عن آخرة المسيح موجود لا سبيل إلي إنكاره إذا أصر القوم علي فهم الآية 156 من سورة النساء حسب "ظاهرها" الذي ينكر موت المسيح وقتله وصلبه. إن صراحة وشدة نفي القتل والصلب والموت في سورة النساء حمل القوم علي "تدبر" معني الوفاة في آل عمران والمائدة علي غير معناها الحقيقي. وهي محاولة فاشلة كما رأيت. فقبل سورة النساء يعلن القرآن مرتين تصريحاً ومرتين تلميحاً بموت المسيح وقتله.
1) ففي سورة مريم المكية يتنبأ المسيح في مهده عن حياته وآخرته بقوله "والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً"(33) قال قوم لا يذكر القرآن هنا موت المسيح الوهمي الذي حصل عند مجيئه الأول بل موته الحقيقي الذي سيتم عند مجيئه الثاني قبل قيام الساعة.
لاشك أن القرآن يعني موت المسيح الحقيقي وبعثه الحقيقي كما يعني مولده الحقيقي الذي يقص خبره. ولاشك أن القرآن يعني موته الحقيقي الذي ختم به حياته بعد ظهوره الأول علي الأرض كما عني ذلك عن يحيي بن زكريا الذي ختم ذكره بالكلام ذاته "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً" : فكما مات يحيي مات عيسي : فالمشهور أن هذا السلام يصف حادثاً تاريخياً مماثلاُ، وموتاً حقيقياً لا مجاز فيه ليحيي كما للمسيح.
ولا تنس أن كلام عيسي عن نفسه في مهده (29) نبوة منه عن آخرته، مدعومة بمعجزة نطقه الخارقة : فإذا كان المسيح لم يمت كانت نبوته كاذبة، وشهادته لنفسه بهاتين المعجزة والنبوة كاذبة ! ومعجزة نطقه في مهده زوراً وبهتاناً ! وحاشي ! وإذا حملنا تحقيق النبوة إلي آخر العالم، ضاع مغزاها علي أهل زمانه والأجيال المتعاقبة إذ لا يدري أحد متي تتحقق.
فعندنا في سورة مريم شهادة صريحة لا ريب فيها علي حقيقة موت المسيح وانبعاثه في شكل نبوة ترتكز علي معجزة. وقول من قال: الموت لا يعني القتل، أو هو الموت الآجل لا العاجل، حذلقة فارغة ينقضها سياق الحديث في السورة كلها.
2) في سورة آل عمران المدنية يسرد قصص آل عمران مطولاً ويختمه بهذا التصريح عن آخرة المسيح لما مكر اليهود به ليقتلوه (54) : "إذ قال الله ياعيسي إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلي يوم القيامة" (55).
هذا أيضاً إقرار لا ريب فيه عن حقيقة وفاة المسيح وانبعاثه ورفعه إلي السماء. وتفسير الوفاة هنا بمعني النوم كما يريد البعض - أي رفعه الله إليه في سنة الكري - تفسير سخيف لا قرينة لفظية أو معنوية تدل عليه. وجمهور المفسرين علي أن القرآن يعني وفاة الموت كما يتضح جلياً من سورة المائدة (117) حيث الوفاة ترد معارضة للحياة.
قال الرازي : "روي عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق أنهما قالا : متوفيك أي مميتك ثم أقامه الله ورفعه إلي السماء. وقال وهب توفي ثلاث ساعات ثم رفع إلي السماء. وقال محمد بن اسحاق توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه". وختم البيضاوي بقوله : "وقيل أماته الله سبع ساعات ثم رفعه إلي السماء وإليه ذهبت النصاري".
لا يوجد مفسر واحد في الإسلام وغيره يستطيع أن يجزم بأن الوفاة هنا لا تعني أيضاً الموت، قال البيضاوي : "التوفي أخذ الشئ وافياً والموت نوع منه". وسياق الحديث (54 - 56) يؤيد ذلك: مكر اليهود بالمسيح وقتلوه، فمكر الله بهم فتوفاه ورفعه إليه، وهكذا "كان الله خير الماكرين".
3) وهناك في سورة البقرة تلميح يتضمن معناه الكامل قتل المسيح: "ولقد آتينا موسي الكتاب وقفينا من بعده بالرسل، وآتينا ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم؟ ففريقاً كذبتم ! وفريقاً تقتلون !" (87). ويذكر المفسرون من الفريق المقتول زكريا ويحيي، لا عيسي. مع أن القرآن لا يذكرهما هنا بل يسمي صراحة موسي وعيسي، ويشمل بينهما باقي الرسل بكلمة عابرة، أفلا يقع التكذيب علي موسي والقتل علي عيسي؟
4) وتلميح آخر في آل عمران أوضح : "قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتي تأتينا بقربان تأكله النارز قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قلتلتموهم إن كنتم صادقين؟" (183) - من هو الرسول الذي جاء بالقربان "الذي قلتم" وقتلوه؟ راجع قصص القرآن كله عن الأنبياء جميعاً، فلا تري غير عيسي ابن مريم وحده قد أنزل علي تلاميذه قرباناً أو مائدة من السماء (مائدة 111 - 115). فهو إذن رسول القربان الذي قتلوه (120). وبعد سورة النساء التي ظاهرها ينفي موت المسيح وقتله يعود القرآن في آخر حياة النبي العربي يشهد بحقيقة موت المسيح في سورة المائدة التي بعدها لا ينزل شئ عن آخرة المسيح :
"وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم = فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شئ شهيد" (120).
هذا النص هو الصخرة التي تتحطم عليها جميع محاولات الذين ينكرون شهادة القرآن بموت المسيح. فالوفاة هنا تعني الموت والموت دون سواه، ونعني الموت الحقيقي لأنها ترد معاكسة للحياة: "ما دمت فيهم = فلما توفيتني". فهي شهادة صريحة وما من شك فيها. ويريد القرآن موت المسيح في ختام رسالته، لا موته في آخر العالم قبل قيام الساعة، لأن الله يستجوبه عن عبادته بعد رسالته : "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" (119) فينكر المسيح أن رسالته تضمنت شيئاً من ذلك (119 - 120) ويقول شهدت لهم بالتوحيد مادمت فيهم فلما توفيتني صرت أنت الرقيب عليهم (120) فالوفاة عقبت رسالته في الحال. وموت المسيح عند قيام الساعة لا يترك مجالاً لأحد كي يعبده إلهاً من دون الله. وهذه الشهادة علي لسان المسيح نفسه لا مرد لها لأنها من يوم الدين حيث ينفع الصادقين صدقهم (122). وهي شهادة نهائية لا ينسخها شئ ولا يفسرها شئ لأنها آخر شئ ورد في القرآن عن آخرة المسيح.
وهكذا فقد تبين لنا بوضوح أن القرآن قبل سورة النساء في مكة والمدينة، وبعد سورة النساء، في آخر القرآن (سورة المائدة) يشهد دون التباس البتة بحقيقة موت المسيح في ختام رسالته. فإذا تمسكنا بظاهر الآية 156 من النساء "وما قتلوه وما صلبوه" بمعني إنكار موت المسيح وقتله، نجد أنفسنا أمام تناقض صريح فاضح.
ثانياً : إن الطريق التي سلكوا إلي إزالة هذا التناقض الظاهر ليست بالطريق السوي: إنهم يفسرون الكل بالبعض ! يريدون أن يفهموا كل آي القرآن عن آخرة المسيح علي ضوء آية واحدة (نساء 156). لا تؤخذ نظرية أو عقيدة في كتاب منزل أو غير منزل من نص واحد، بل من مجموع النصوص الواردة في المعني ذاته. وعندنا في القرآن أربعة أو ستة نصوص عن آخرة المسيح، تشهد جميعاً إلا واحداً بموت المسيح وقتله، فهل من العقل والمنطق أن نهمل الكل لنتمسك بجزء واحد ؟!
أنخلق بهذا الموقف الشاذ تناقضاً في القرآن بين سوره، وبين الإنجيل والقرآن، وبين تفسيرهم المخطئ والتاريخ العام عند النصاري واليهود والأمميين ؟ وقد قال القرآن عن نفسه : "أفلا يتدبرون القرآن ؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" (نساء 82).
إن الطريق السوي هي في فهم آية النساء الوحيدة علي أضواء جميع آيات القرآن عن حقيقة موت المسيح وقتله. فالمنطق يقتضي فهم البعض علي نور الكل. والطريق السوي هي عكس التي سلكوا.
لقد "تدبرنا" الآية 156 من سورة النساء علي أنوار ما قبلها وما بعدها فوجدناها لا تتعارض معها. وسياق الكلام في النص المشبوه يؤكد ما نحن ذاهبون إليه، فالقرآن يسفه اليهود علي زعمين: "كفرهم وقولهم علي مريم بهتاناً عظيماً ! وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم". قال البيضاوي: "وإنما ذمهم الله تعالي بما دل عليه الكلام من جرأتهم علي الله وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة، وتبجحهم به، لا بقولهم هذا علي حسب حسبانهم". إنه يسفههم علي تبجحهم الفارغ، لا علي حقيقة القتل والصلب والموت لأن مكر الله بهم بإحياء المسيح ورفعه حياً إلي السماء كان أشد من مكرهم بنبيه. فقتلهم إياه ليس بالقتل الذي يتوهمون وصلبهم إياه ليس بالصلب الذي يظنون إذ مالبث إن انبعث حياً للحال وصعد إلي السماء حيث رفعه الله إليه. نقل الرازي : "أجعلك كالمتوفي في نظرهم برفعك إلي".
ظنوا أنهم قضوا علي المسيح عيسي ابن مريم رسول الله قضاء مبرماً ولاشوا ذكره إلي الأبد، فلا حاجة إذن لأن يذكره النبي العربي لهم. ولكنهم قد خاب ظنهم فما قتلوه نهائياً وما قضوا عليه قضاء مبرماً أي "وما قتلوه يقيناً إذ أحياه الله في الحال ورفعه إليه وكان الله عزيزاً حكيماً، ومن ثم فلابد لهم من الإيمان به.
ومجموع التعابير في الآية يؤيدان تبجحهم بالقضاء نهائياً علي المسيح : غرور 1) شبه لهم وخيل إليهم أنهم قضوا عليه قضاء نهائياً : فما قتلوه ذلك القتل وما صلبوه ذلك الصلب، ولكن شبه لهم، واشتبه الأمر عليهم. 2) وهم أيضاً مختلفون فيما بينهم علي زعمهم ذاك وفي شك من قولهم : "وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه". 3) تبجحهم الفارغ من باب الظن لا من باب العلم اليقين : "ما لهم به من علم إلا اتباع الظن". 4) أجل "ما قتلوه يقيناً" أي نهائياً وما قضوا عليه إلي الأبد كما يفتخرون، بل رفعه الله إليه حيث لم يزل حياً عند الله. 5) فالذي قتلوه وصلبوه ثم هو قام منبعثاً حياً ورفعه الله إليه كان كأنه لم يقتل ولم يصلب، وكان الله عزيزاً حكيماً، قادراً علي إجراء هذه المعجزة.
والآية 157 التي تؤكد موت المسيح صراحة توجب علينا فهم الآية 156 كما رأيت. يقول : "وإن من اهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته". يوجد غموض في الضمائر. ولكن سياق الحديث كله من 154 - 157 يدل علي أن المقصود بها جميعاً عيسي ابن مريم : لابد لكل كتابي أن يؤمن بالمسيح قبل موته. فآمنوا بالمسيح يايهود، ولا تتبجحوا بقتله : فلا مندوحة لكم عن الإيمان به.
فاستنتج أنه إذا كان ظاهر القول ينفي قتل المسيح وصلبه فإن باطنه يؤكده. وهكذا تنسجم جميع تصريحات القرآن عن آخرة المسيح، أما إذا أصر القوم علي موقفهم بأن الآية 156 من النساء تنفي قتل المسيح وصلبه، فإن التناقض بينها وبين سور مريم وآل عمران والمائدة قائم لا يزول علي الإطلاق. وعلي كل حال إن كان ثمت تطور أو تعارض فقد استقر رأي القرآن وانتهي بصراحة المائدة : فإنه لا اشكال علي شهادة القرآن بعد تصريح سورة المائدة : "وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم". (120)
ثانياً : صعود المسيح إلي السماء
"بل رفعه الله إليه" (نساء 158)
مهما يكن من مسألة موت المسيح التاريخية في القرآن فالقرآن الكريم يشهد بأن آخرة المسيح علي الأرض ختمت بمعجزة كما بدأت بمعجزة. فسواء مات المسيح وقام أم لم يمت بل ظل حياً إلي الأبد، فهذا لا يقلل من قيمة شهادة القرآن للإنجيل والمسيح ؛ فالمسيح حي "رفعه الله إليه" (نساء 158) ولا يزال حياً عند الله. وتلك ميزة انفرد بها المسيح علي جميع البشر وعلي جميع الأنبياء والمرسلين. فعيسي ابن مريم آية في مولده للعالمين، وهو آية أعظم في آخرته ؛ وهاتان المعجزتان الفريدتان هما أفضل شهادة شهد بها الله لولي أو نبي أو رسول أو مخلوق أياً كان.
والقول بأن المسيح لم يمت أو لم يذق طعم الذل الأكبر كسائر البشر المحكوم عليهم بالموت لا يستثني منهم أحد، قول أعظم من الاعتراف بموته وقيامته لم فطنوا : إنه ينقل عيسي ابن مريم من صف البشر المائتين إلي صف غير البشر الخالدين.
"ورفع المسيح حياً إلي الله" عقيدة راسخة في القرآن، يؤكدها في مكة والمدينة ثلاث مرات : في سورة مريم : "والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً" (33) يتنبأ منذ ميلاده عن بعثه حياً، ويخاطبه الله مؤكداً رفعه إليه : "يا عيسي ابن مريم إني متوفيك ورافعك إلي" (آل عمران 55)، وقد ينكر قتله ولكن يشدد علي التأكيد رفعه : "وما قتلوه يقيناً ! بل رفعه الله إليه" !(نساء 158) : ما قتلوه نهائياً كما فعلوا بغيره من الأنبياء، لأن الله رفعه حالاً إليه فكأنه لم يقتل، وكأنه لم تسر عليه سنة الموت، فهو أقوي من الموت !
هل قال القرآن مثل هذا عن بشر ؟ هل نسب مثل هذا إلي نبي أو رسول ؟ هل أشار القرآن إلي أن محمداً، "خاتم النبيين"، قد نال شيئاً من هذا ؟ فالقرآن والحديث والتاريخ العام تشهد جميعاً بأن محمد قد مات كسائر الأنبياء، وحواه قبر في المدينة المنورة : "فما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ؟" (آل عمران 144).
ويقول القرآن عن مصير "خاتم النبيين" : "عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" : فالقرآن إذن يؤكد أن المسيح صعد في الحال حياً إلي السماء فيما ينتظر محمد أن يبعث مع سائر الناس يوم يبعثون، ويؤكد أنه "عسي" أن يبعث محمد "مقاماً محموداً"، بينما يجزم ثلاث مرات أن "الله رفع عيسي إليه" وهو عنده حي إلي الأبد "ومن المقربين". قال الرازي : "رفع عيسي عليه السلام إلي السماء ثابت بهذه الآية. ونظير هذه الآية قوله في آل عمران "رافعك إلي" ودل ذلك علي أن رفعه إليه أعظم في باب الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية. وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية".
ثم ما معني قوله "عسي"؟ ... وما مدي اليقين في هذا التمني ؟...
وهكذا يشهد القرآن أن واحداً لا غير بين البشر، دون الأنبياء والمرسلين بلا استثناء، كان أقوي من الموت، فلم يكن له عليه من سلطان : ألا وهو عيسي ابن مريم. بهذه المعجزة الفريدة جعل القرآن المسيح نهائياً، فوق البشر أجمعين لا يستثني أحداً من الأنبياء والمرسلين.
فكان عيسي ابن مريم في آخرته كما كان في مولده آية للعالمين.
أقوال يسوع "أنا هو" تثبت ألوهيته
عندما نفكر في شهادة الكتاب المؤكدة عن شخص المسيح يمكننا أن نري الكثير من العناصر والنصوص المختلفة التي تؤكد وتبرهن ألوهيته. فمثلاً هناك النبوات المسيانية مثل ما جاء في (مزمور 2 : 7 - 12) الذي يتحدث عنه كابن الله. (مزمور 110 : 1) يعلنه كرب (مزمور 45 : 6، أشعياء 9 : 6) تتحدث عن أنه الله وهناك النصوص التعليمية مثل (يوحنا 1 : 1، 14) يتحدث عن المسيح علي أنه الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. (فيلبي 2 : 5 - 1) تتحدث عنه أنه "صورة الله" (عبرانيين 1 : 2 - 3، كولوسي 1 : 15) تعلن "أنه بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 1 : 8) يعلن بكل جرأة أنه هو الله. (1تيموثاوس 3 : 16) تؤكد أن "الله ظهر في الجسد" (مرقس 2 : 27، لوقا 5 : 20، يوحنا 11 : 43 - 44) كل هذه الشواهد تشهد بامتياز ألوهية المسيح. وهي أيضاً تعيد تعريف السبت وغفران الخطايا وإقامة الموتي. وبالإضافة إلي قيامته بالجسد فإن أقواله التي يعلن فيها "أناهو" تقدم لنا أوضح تأكيدات وبراهين ألوهيته. وفي هذه الأقوال يفصح بنفسه عن الإله المتجسد. وبمساعدة الرسول يوحنا الذي يسجل نفس كلمات الرب يسوع كشاهد عيان ومعه بعض اللاهوتيين المعروفين أحاول تقديم هذه الحقيقة.
وأبدأ بتسجيل الأغراض الواضحة للبشير يوحنا في كتابته لإنجيل المسيح في (20 : 30 - 31) ويقرر يوحنا بوضوح "وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه". وهكذا نري هدفين ليوحنا :
أولاً : يكشف ويوضح أن يسوع هو المسيح ابن الله.
ثانياً : يريد أن يعرف الناس ألوهية المسيح الحقيقية "لكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه".
والآن أود أن ألفت النظر للهدف الأول والأساسي ليوحنا. وكما رأينا يحاول يوحنا أن يبرهن أن يسوع هو المسيح مخلص العالم (يوحنا 4 : 42). وفي محاولته ذلك يسجل أشياء كثيرة تعينه علي ذلك. مثل شهادة يوحنا المعمدان عنه (1 : 29 - 32 - 36) والسامرية (4 : 39 - 42) يسوع (8 : 13 - 14) والله نفسه (8 : 17، 12 : 28 - 30) كل هذا يعطينا وصفاً لحياته وإرساليته وأعماله وأقواله وموته وقيامته. كما سجل يوحنا المعجزات المختلفة التي أجراها يسوع. ويوحنا وحده من بين كل الأناجيل الذي يعطي وصفاً لعظة المسيح علي الجبل التي تلقي الضوء علي معني رسالة المعجزات التي أجراها المسيح. وفي موعظة الجبل يذكر المسيح بعض أقواله التي تبدأ "أنا هو" مثل "أنا هو خبز الحياة" (6 : 35) "أنا هو القيامة والحياة". وباقي الأقوال حدثت أثناء مناقشاته مع الناس (يوحنا 8 : 12) ومع الفريسيين (10 : 7 - 9 - 11) ومع التلاميذ (14 : 6، 15 : 1)
والأمر الآخر الذي أود أن ألفت نظر القراء له هو الكلمات اليونانية التي ترجمتها "أناهو". وعن ذلك يقول "ليون موريس" إن يسوع يستخدم هذه الكلمات التأكيدية "أنا هو" لكي يذكر تعاليمه الهامة عن نفسه.
وفي اللغة اليونانية لا يكتب فاعل الفعل: وصيغة الفعل توضح من هو الفاعل. ولكن لو أردنا تأكيد الفاعل عندما نستخدم الضمير المناسب. والذي يجعل هذا الأمر ذو أهمية في إنجيل يوحنا هو أننا نري استخدام مشابه في الترجمة اليونانية للعهد القديم. حيث نجد المترجمين يستخدمون صيغة التأكيد في الكلام عندما يعبرون عن كلمات تفوه بها الله. وعندما استخدم يسوع تعبير "أنا هو" فهو يتحدث بصيغة الألوهية وهناك اتفاق بين العلماء الدارسين لإنجيل يوحنا أن هذا النوع من الله هو مؤشر هام لما يريد أن يخبرنا به يوحنا عن شخص يسوع. (1) وبكلمات أخري، عندما استخدم يسوع تعبير "أنا هو" كان يشير إلي ألوهيته وكان يوحنا يفعل نفس الشئ عندما سجل أقوال يسوع.
ويقول "موريس" أن هناك مجموعتان في أقوال "أنا هو" مجموعة بها المبتدأ وأخري بدونه. وعلق علي ذلك بالقول : "كلا التركيبين غير عاديين" ويقتبس ما قاله "ج. هـ. برنارد" ثم يقول "وهذا بكل وضوح أسلوب التعبير عن ألوهيته ..." (2) وبفحص مجموعتي أقوال "أنا هو" أود أن أتبع مثال "موريس" وأقدم المجموعة السابقة أولاً والأخيرة ثانياً.
"أنا هو خبز الحياة"
من أول وأهم أقوال المسيح التي تبدأ "أنا هو" والمذكورة في إنجيل يوحنا (6 : 35) "أنا هو خبز الحياة" وقد قال المسيح هذا القول عقب إشباعه للجماهير. وأثناء أقواله قال لهم "لا تنظروا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيه لكم ابن الإنسان" (6 : 27). وبينما كان المسيح يحاول أن يحثهم علي الإيمان به يواجهه تحد لكي يوضح لهم من هو "فأية آية تصنع لنري ونؤمن بك؟ (عدد 30) ثم أضافوا : "آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب : إنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا" (عدد 31) وهم بذلك كانوا يشيروا بوضوح إلي أن موسي أعطاهم المن لأن المسيح استمر في تصحيح مفهومهم الخاطئ. فقال "الحق أقول لكم : ليس موسي أعطاكم الخبز من السماء بل أبي" (عدد 32) ثم يضيف : "أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (عدد 33) وبذلك يوضح يسوع لهم أن الله لم يعطهم الخبز النازل من السماء فحسب (في الماضي) بل أنه مازال يعطيهم وأشار إلي نفسه أنه هو "الخبز النازل من السماء" (عدد 33). وكان قصد المسيح الواضح أن يحرك فيهم الرغبة الروحية وإذ بهم يطلبون هذا الخبز النازل من السماء ولكن كان تفكيرهم مرتبط بطلب الخبز المادي كما يظهر هذا في محادثتهم فيما بعد.
وإذ بيسوع يجيبهم بكل قوة "أنا هو خبز الحياة من يأتي إلي لا يجوع ومن يؤمن بي لا يعطش" (عدد 35). وتوضح هذه الآية جوهر رسالة يسوع. إنه الاستجابة لحاجيات قلب الإنسان : "فخبز الحياة يشير إلي الدور الأساسي الذي يقوم به يسوع لكي يشبع الروح الإنسانية. فخبز يسوع هو المصدر الأول والرئيسي للغذاء الروحي. ولأن الخبز هو الغذاء الرئيسي في العالم لذلك فهو يستطيع أن يشبع كل إنسان. فيسوع هو مخلص العالم. ومعطي الحياة للعالم (عدد 33). ويقول "موريس" أن أداة التعريف "الـ" (الخبز) تشير إلي أن يسوع وحده فقط هو خبز الحياة. ويقرر "ميلن" أن خبز الحياة يشير أيضاً إلي الطبيعة المشبعة ليسوع "ويظهر هذا في قوله" لن يجوع ولن يعطش. فكل أنواع الخبز الأخري مثل المن تترك إحساساً بالجوع في النهاية. وبمقارنتها بمن اختبر المسيح فإنه لا يحتاج إلي أي شئ آخر لإشباعه. وباختصار فإن يسوع بقوله "أنا هو خبز الحياة" يكشف عن طبيعته السماوية وأنه هو فقط الذي يستطيع أن يشبع الحاجة الروحية لمستمعيه.
يخبرنا يوحنا في بداية إنجيله أن الكلمة المتجسد "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يوحنا 1 : 4 - 5). ومرة أخري يستخدم يوحنا تشبيه النور ويضخم ما قاله سابقاً. ويقرر يوحنا أن المسيح قال أنه نور العالم وأقوال أخري متشابهة في مناسبات مختلفة (8 : 12، 9 : 5، 12 : 35 - 39). وبالرغم من أن يوحنا لم يخبرنا بالضبط متي قال المسيح هذا (8 : 12) ولكنه يعرفنا بالمكان الذي قال فيه. حدث هذا في عيد المظال في فناء الهيكل. (7 : 14).
وأثناء عيد المظال يحدث حدثين دينيين مهمين ولهما إشارة رمزية. الأول هو صب المياه علي الجانب الغربي من المذبح بواسطة الكهنة اللاويين وهم ينشدون ما جاء في مزمور 113. أما الحدث الثاني فهو إضاءة العديد من الشموع الضخمة داخل الهيكل. ويقول البشير يوحنا أن يسوع انتهز هذه الفرصة لاستخدام هذين الرمزين ليوضح تعاليمه لهم (7 : 37 - 38، 8 : 12). وقد ذكر تشبيه النور في العهد القديم. فمجد الله الذي كان يملأ المكان في السحابة كان يقود الناس إلي أرض الموعد (خروج 13 : 21 - 22) وكان يحميهم من أعدائهم (خروج 14 : 19 - 25) وتدرب الإسرائيليون علي الغناء "الرب نوري وخلاصي" (مزمور 27 : 1) وكانت كلمة الله وناموسه هي النور الذي يضئ الطريق لمن يتعلقون بوصاياه (مزمور 119 : 105، 6 : 23). وأضاء نور الله في رؤيا (زكريا 1 : 4، 13، 26، 28) وبالخلاص (عبرانيين 3 : 3 - 4) "والنور هو يهوه العامل وسطهم" (مزمور 44 : 3) ويخبرنا أشعياء أن عبد الرب قد جعل نوراً للأمم ليكون خلاص لأقصي الأرض (أشعياء 49 : 6) وسيكون العصر الآتي وقت يكون فيه الرب نفسه نوراً أبدياً لشعبه (أشعياء 60 : 19 - 22 ورؤيا 21 : 23 - 24) كما أن (زكريا 14 : 5 - 7) له أهمية خاصة بوعده بالنور في اليوم الأخير ويتبعه وعد بالماء الحي التي تخرج من أورشليم وربما كان هذا النص هو الذي يقرأ في هذا العيد.
ولهذا وهم يحملون في أذهانهم كل هذه الآيات والطقوس كان إعلان يسوع مدوياً بقوة. وخاصة عندما قال أنه نور للعالم كله وليس لليهود فقط. والإشارة إلي النور ليس فقط مادياً وأخلاقياً كما يستنتج "موريس" عندما أعلن يسوع "إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه" (11 : 9 - 10) وهذه الإشارة إلي النور الغير موجود فيه يوضح أننا انتقلنا من النور المادي إلي الحقيقة الروحية ويعلق "موريس" بالقول "إن يسوع أخبر مستمعيه أن الذين يرفضونه ولا يتخذونه مخلصاً لحياتهم هم في خطر عظيم. وبالاختصار نقول أن الفكر الرئيسي في القول "أنا هو نور العالم" أن يسوع هو النور الوحيد الذي يجب أن نرحب به ونؤمن به أيضاً وإلا سوف نهلك.
"أنا هو الباب"
جاء هذا القول وسط معركة كلامية حدثت بين الفريسيين. ونري يسوع في الفصل التاسع وهو يشفي إنساناً أعمي الذي دافع عن يسوع وآمن به (9 : 34 - 38). بعد هذه المعجزة والمعاملة السيئة التي لقيها الرجل الأعمي من الفريسيين قارن يسوع نفسه بالقادة الدينيين في ذلك الوقت ووصفهم بأنهم "سراق ولصوص" هذا التناقض بين المسيح وبين القادة الدينيين أخذ صورة التشبيهات الصارخة في (10 : 1) "حظيرة الخراف" (عدد 2) "الراعي" (عدد 3) "البواب" " الباب" وبالرغم من حيوية ووضوح هذه التشبيهات لم يفهم الفريسيون قصد يسوع منها (عدد 6). ولكي يوضح يسوع رسالته شرح لهم المعاني المقصودة. فمثلاً وهو يقول "أنا هو الباب" (الذي تدخل منه الخراف إلي الحظيرة) (عدد 7) وقبل ذلك تحدث عن نفسه "كالراعي" (عدد 2) ووضحه بصورة أفضل (عدد 10).
ماذا كان يقصد يسوع بقوله "أنا هو الباب ؟" ولكي نجيب علي هذا السؤال من الأفضل أن نتذكر أن حظيرة الخراف عادة بها باب واحد والرعاة في الشرق الأدني غالباً ما يناموا عند هذا الباب ويقومون بنفس وظيفة هذا الباب وطبق المسيح هذا التشبيه علي الراعي. ولهذا فلكي نجيب علي سؤالنا نري المسيح يقول أنه هو نفسه وليس أحد آخر الذي من خلاله يمكن للخراف أن تدخل وتخرج وتجد مرعي (9 : 9 - 10) وكما يستنتج "موريس" قائلاً "قال يسوع أنا هو الباب" وليس "باب" أي أنه هو وحده الطريق للحياه. وهذا تأكيد آخر لما يقوله يسوع "السارق يأتي ليسرق ويذبح ويهلك وأما أنا فقد أتيت لتكون لكم حياة وليكون لكم أفضل. وهنا يصر يسوع علي أنه توجد طريق واحدة فقط للتمتع بالحياة الأبدية ومصدر واحد فقط لمعرفة الله ونبع واحد للغذاء الروحي وأساس واحد للأمن الروحي وهو يسوع فقط". ثم قال يسوع "إن دخل بي أحد يخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعي" (عدد 9) وبالرغم من أنه لم يوضح ماذا يقصد بكلمة "يخلص" فيمكن أن تعني "الحصول علي الحياة الأبدية" لأننا نجد تفسيرين "للخلاص" والحصول علي "الحياة الأبدية" مرتبطتين في (يوحنا 3 ك 16 - 17) ولهذا يجب علينا أن نفهم الربط بين الإثنين.
وفي الختام كما يقول "موريس" ومرة أخري نحن نواجه فكرة الخلاص الشامل بمعني أنه يمكن أن يدخل من الباب فقط. وإذا كان هناك باب واحد لكل الجنس البشري لذلك فمرة أخري نتذكر شيئاً مهماً للغاية عن يسوع مثل كل أقواله الأخري "أنا هو" فإن قوله "أنا هو الباب" يقودنا للتفكير في ألوهيته.
"أنا هو الراعي الصالح"
في (يوحنا 10 : 1) يتحدث يسوع عن الراعي ويضيف صفة "الصالح". ومرة أخري يقارن يسوع نفسه بالقادة الدينيين الذين يقول عنهم "أنهم رعاية غير صالحين أو الراعي الأجير" (10 : 12 - 13) وهنا يشير إلي الفريسيين الذين لا يهتمون بالخراف. وهي إشارة واضحة لمعاملتهم السيئة للرجل الأعمي الذي شفاه المسيح.
عندما استخدم يسوع كلمة "الراعي الصالح" كان يتحدث عن طبيعته الصالحة واستقامته الأخلاقية وجماله. وعند استخدامه كلمة "الراعي" كان يتحدث عن مكانته. فهو راعي الخراف الذي يحمي ويقود ويرشد ويطعم خرافه. وكان يسوع يشير أيضاً إلي إرساليته. وفي ثلاثة مناسبات تحدث يسوع عن أنه "يضع نفسه" من أجل الخراف (10 : 15 - 17 - 18). فالراعي الذي يحمي خرافه يحميهم حتي الموت. ويكشف الراعي الآن علي أنه الذبيحة "حمل الله" (يوحنا 1 : 29، 35) الذي يضع حياته طوعاً من أجل الخراف. "إن موت المسيح لم يكن حادثاً تراجيدياً ولكنه معين من قبل السماء في حين أن الخلاص يناله من يثق فيه". فهو ليس فقط من أجل "خراف بيت إسرائيل الضالة" يضع نفسه ولكن من أجل خراف حظيرة أخري (10 : 16) الأمم. "لكي تكون رعية واحدة وراع واحد" (10 : 16). كيف يمكن أن موت شخص واحد يفتدي كثيرين ما لم يقوم بهذا العمل شخصية سماوية. ولهذا نقول أن أقوال "أنا هو" تعلن ألوهية يسوع المسيح.
"أنا هو القيامة والحياة"
قال يسوع هذا لمرثا الذي توفي أخوها لعازر منذ بضعة أيام وعندما قال لها يسوع إن لعازر سوف يقوم اعتقدت أنه يتحدث عن يوم القيامة (11 : 23 - 24) وعند هذه النقطة يعلن هذا القول المدوي "أنا هو القيامة والحياة. من يؤمن بي وإن مات فسيحيا" (11 : 25 - 26) وبهذا القول يعلن يسوع أنه ليس فقط يمكنه أن يقيم من الأموات ويمنح الحياة بل أنه هو نفسه القيامة والحياة. كما قال يوحنا (1 : 4) "فيه كانت الحياة" ويقول "موريس" أنه هو القيامة تعني أن الموت (الذي يبدو لنا أنه نهاية كل شئ) لم يعد عقبة، وأنه هو الحياة تعني أن صفة الحياة التي يعطيها لنا هنا والآن لن تتوقف (10 : 15). وقول يسوع هذا يسانده إقامة لعازر من الموت (يوحنا 10 : 44).
وفي التعليق علي ما سجله يوحنا عن حادثة إقامة لعازر يقول "موريس" : "إنه يكتب عن شخص عظيم وغير عادي وله قوة تغلب الموت. إنه يثبت للجنس البشري أننا كلنا في النهاية سنواجه الموت ولا نستطيع أن نفعل شيئاً حياله. قد يمكننا أن نؤجل الموت لفترة ولكن عندما يحدث لا نستطيع إيقافه. ولكن يوحنا يكتب عن الرب الذي يمكنه أن يهزم الموت. أن القول "أنا هو القيامة والحياة" لا يستطيع أن يتفوه به شخص عادي ولكن يستطيع ذلك شخص سماوي فقط.
"أنا هو الطريق والحق والحياة"
في مساء ليلة الصلب بدأ يسوع يودع التلاميذ فأقام العشاء الأخير وأعلن عن رحيله (يوحنا 13 : 33 - 36، 14 : 2 - 3). وعند إعلانه عن رحيله قال "وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق" (14 : 4) فقال له توما "ياسيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق ؟" أراد توما أن يوضح الموقف لأنه لم يتمكن من فهم ما قاله المسيح. وقد أعطي هذا المسيح فرصة لكي يوضح لهم ما قاله ولذلك قال "أنا هو الطريق والحق والحياة" "لا أحد يأتي إلي الآب إلا بي" (14 : 6) وبالرغم من غموض هذه الأقوال إلا أنها تشتمل علي ثلاثة أمور هامة عن المسيح : هو الطريق - هو الحق - هو الحياة.
يقول أولاً "أنا هو الطريق" ومرة أخري نري نوعاً من التخصيص فالأمر مقصور عليه هو فقط ولا يمكننا أن نغفل ذلك. ولأن يسوع يشير إلي ذهابه إلي بيت الآب (عدد 2) "وليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي" (عدد 6) يمكننا أن نري هنا أنه لا يتحدث عن طريق أخلاقي ولكن عن طريق الخلاص الذي يقود إلي الآب. فهو يقول بكل ثقة أنه ليس واحد من الطرق الكثيرة التي تقود إلي الله ولكنه "الطريق الوحيد". وهذا القول القوي والواضح يضرب في الصميم ما يؤمن به مجمعنا من تعدد طرق الوصول إلي الله. وهو بذلك يحطم بكل قوة أفكار الإنسان الغير حقيقية للإقتراب إلي الله ويؤكد انفراده بهذا الطريق. إن موته النيابي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بكونه هو الطريق. فبهذا الموت تصالح البشر الخطاه مع الله.
ثانياً : "أنا هو الحق". وهذا يوضح صدقه الكامل والاعتماد الكلي عليه. فكل ما قاله وكل ما فعله نؤمن به ونثق فيه لا لأنه يقول الحق بل لأنه "هو الحق" فهو كلمة الله المتجسد (1 : 1، 14). وقال "كارسون" "إن يسوع هو الحق لأنه بجسد رؤية الله ذاته" (1 : 18) وهو وحده الذي قال وفعل كل ما أعطاه الآب. "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً ..." (يوحنا 1 : 14).
"أنا هو الحياة" ويعلق "موريس" بالقول : "إن هذه الكلمات تذكرنا بما قاله المسيح "أنا هو القيامة والحياة" ونلاحظ هنا أن يسوع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياه. إن له حياة من نوع خاص ووجوده الذاتي هو من وجود الله (5 : 16). إنه هو الحياه بل ومصدر الحياه للأخرين. (3 : 16). إن يسوع هو الطريق الوحيد إلي الله وقد قال كل الحق الذي لم يقله أي شخص آخر.
"أنا الكرمة الحقيقية"
أثناء وجوده في العلية أعلن يسوع للتلاميذ مرتين أنه "الكرمة". في المرة الأولي يربط نفسه بالآب ويقول "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام" (15 : 1) وفي المرة الثانية يربط نفسه بالمؤمنين ويقول "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" ثم يواصل حديثه عن السكني المتبادلة بين المخلص والمخلصين. (15 : 5).
وضح الكثير من المعلقين الصلة بين قول يسوع أنه الكرمة وبين استخدام الكرمة في العهد القديم. يقول اللاهوتي "بروس ميلن" "إن صورة الكرم تخدم رسالة المسيح بطريقتين هامتين. أولاً هي الرمز الأسمي لإسرائيل. كرمة ذهبية ضخمة تنتشر وتغطي رواق الهيكل كما أن العملة التي صكت أثناء الثورة ضد الرومان (67 - 70 ق. م) تحمل رمز الكرمة. وبالعهد القديم تلميحات وثيقة الصلة بالكرمة. وأقوي نص في العهد القديم يقول المسيح أنا الكرمة هو (مزمور 80 : 8) حيث يقول عن إسرائيل "كرمة من مصر نقلت" "لتكن يدك علي رجل يمينك الذي اخترته بنفسك" (عدد 17).
ولكن الكرمة احترقت بالنار "هي محروقة بنار مقطوعة" (مزمور 80 : 16). وفشلت إسرائيل في القيام بالدور الذي أسنده إليها الله في أن تكون "فقد جعلتك نوراً للأمم لتكون خلاص إلي أقصي الأرض" (أشعياء 49 : 6) ولكن إسرائيل انجذبت إلي آلهة الأمم الأخري التي حولها بدلاً من جعلهم رسالتها. وابتعادهم هذه القرون الطويلة عن مقاصد الله وصل إلي قمته برفضهم المسيا وملكوت الله. (19 : 15). ولكن مقاصد الله التي رفضتها إسرائيل لم تنته أو تضيع. لقد حملها من جديد من وقف وسط إسرائيل وبين التلاميذ. وبمقارنته بالكرمة التي حطمت نفسها بعصيانها أصبح يسوع الكرمة الحقيقية. إنه ابن الطاعة الذي بتضحيته وذبيحته تحققت المقاصد القديمة التي رفضتها إسرائيل. "وتباركت فيه جميع قبائل الأرض" (تكوين 12 : 2).
إن صورة الكرمة تشير أيضاً إلي الرسالة. فالكرمة نبات له منفعة كبيرة وله ثمار وفيرة. ويقول "و. تمبل" تعيش الكرمة لكي تعطي عصارة حياتها. زهرتها صغيرة ولكن ثمارها وافرة. وعندما تنضج الثمار ينزع العنب وتقلم الكرمة وقد أكد يسوع علي هذا العمل (يوحنا 15 : 2، 4، 5، 8، 16) ولهذا يجب أن نتنبه لهذا النص الذي يركز علي العلاقة الداخلية مع الله. والقصد من ذلك هو تجديد رسالة إسرائيل في المسيح المسيا ومجتمع التلاميذ. في حين لم تغيب تماماً بعض العناصر الموضوعية (إشارة المسيح إلي المحبة والطاعة لوصاياه (يوحنا 15 : 10، 12، 17) ويظل التركيز علي إرساليته. فبعد موت المسيح وقيامته سوف يترك هذا العالم. وأرسل تلاميذه للعالم لكي يحملوا إرساليته أثناء غيابه. وهذا هو المعني الرئيسي المتضمن في قول المسيح "أنا الكرمة وأنتم الأغصان".
وإن كنت ألتقي مع تفسير "ميلن" عن أن يسوع هو الذي حقق أهداف رسالة الله وهو الكرمة الحقيقية وكل ذلك من خلال حياته وموته وقيامته. ولكني لا أتفق تماماً مع تفسيره عن "أنا الكرمة وأنتم الأغصان". كما أنني أوافق علي ما قاله "إن القول الذي تلي ذلك يؤكد الصلة القوية بالمسيح" الذي يثبت في وأنا فيه يأتي بثمر كثير. لأنكم بدوني لا تقدروا أن تفعلوا شيئاً" (15 : 5) ويواصل "ميلن" كلامه "إنه من الخطأ أن نفترض أننا بطاقتنا الجسدية نستطيع أن نفعل أي شئ يسر الله. لأننا في ذلك نحتاج القوة التي هو وحده يستطيع أن يمنحنا إياها. إن شرط الثمر في الخدمة المسيحية هو الصلة القوية بالمسيح. وكلمة "ثمار" في العهد الجديد تعني صفات الشخصية المسيحية (متي 3 : 8، 7 : 20، رومية 6 : 22، غلاطية 5 : 22).
وعندما نؤمن أن "للرب الخلاص" (يونان 2 : 9) وأن المسيح تعين من قبل الله ليكون نوراً للأمم وخلاصناً إلي أقصي الأرض (أشعياء 49 : 6) وأن تغيير المؤمن يمكن فقط بعمل الروح القدس الساكن فينا (رومية 8 : 9) والعلاقة القوية به (يوحنا 15 : 5). إن هذا القول "أنا هو الكرمة الحقيقية" يوضح ألوهية المسيح
 

 


هل حقا جاء الله تعالى في جسم بشر ؟
طبعاً ، هذا هو أهم سؤال من الممكن أن يوجه لنا كمؤمنين بالمسيح ،. فجوهر عبادتنا للمسيح مبني على حقيقة أن الله قد تجسد ، أي أتى في جسم بشري . وأنت ، أيها السائل ترفض إيماننا بهذه الحقيقة
وقبل أن نبدأ إجابتنا على هذا السؤال يجب علينا أولاً أن نجهز. الأرض المنبسطة لها بالواجهة الصريحة مع النفس بكل حيثياتها ، بدلا من ا ن نهرب منها . لأنه لحساب من يكون رفضي كسامع أو كقارئ لمثل هذا الموضوع الجوهري ؟ بكل تأكيد سيكون لحساب جهلي ، فهل تعصبي لما اعتد ته من سمع وقراءة ، واستقاء لتعاليم موروثة ، ومحاولة منى للحفاظ عليها اكثر من حفاظي على أي شئ آخر ، دون بحث وتأمل و في روح الابتهال والدعاء لله تعالى ، بخشوع العابد وتواضعه لأمور الحكيم العليم الذي تتعالى وتتسامى حكمته فوق كل حكمة وفلسفة
فلنفتح عيوننا على أمر ظهور الله سبحانه وتعالى في جسم بشر، الذي أعلنه لنا وحي كلمته الشريف ، ليس اليوم فقط كأمر جديد علينا ،لأنه لم يظهر لنا فجأة، بل منذ زمن بعيد ، وان كان هذا الأمر يبدوا غريبا اليوم على البعض ، إلا أن هذه الغرابة ترجع بالأكثر، إلى ما تعودنا عليه ، لا إلى ما درسناه.. ولنؤكد هذه الحقيقة ، علينا أن نرجع إلى دستور حياتنا وأساس تحرك أفكار كل باحث أو محك في هذا المضمار ، نرجع إلى وحي الله عز وجل في التوراة - باعتبارها أول ما انزل من وحي ، وفي أذهاننا هذا السؤال ، هل تخبرنا الكتب المقدسة عن ظهور الله للإنسان ؟
فلنقرأ ، ولنتدبر جيداً ما نقرأ من سفر التكوين الآتي : -
أولا : ظهور الله تعالى لآدم:
"وسمعا (آدم وحواء ) - صوت الرب الإله ماشيا في الجنة ." -( تكوين 3 : 8) - ترى كيف سمع كل منهما صوت الرب الإله ماشيا أن لم يكن لسير الله تعالى صوتا مسموعا؟
"فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة ." – (تكوين3: 8)- ترى في أي اتجاه اختبأ آدم وامرأته ؟ بعد أن سمعا صوت الرب الإله ماشيا ، ألم يلمحا اتجاه ذلك السير الذي جعلهما يتجها في الاتجاه المضاد للاختباء منه ظنا منهما أنهما يستطيعا الاختباء ؟
ثانيا : ظهور الله تعالى لإبراهيم:
. ظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه . فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال : يا سيد أن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك ...." - (تكوين 18 : 1،2)
.. كيف يكون ظهور الله عز وجل في جسم ثلاثة رجال ، مع أن حديث إبراهيم كان موجها إليهم في صيغة المفرد؟ يتضح لنا أن هؤلاء الثلاثة هم الله عز وجل وملاكان ونستدل على ذلك من بقية القصة ، عندما نعلم أن الملاكان ذهبا إلى سدوم وعمورة وليس الثلاثة ، فقد جاء في الآية الأولى من الفصل التاسع عشر من سفر التكوين : "فجاء الملاكان إلى سدوم مساء ……" وقد ذكر وحي الله تعالى كلمة الملاكان هنا معرفة بالألف واللام إشارة إلى أن هذان الملاكان هما نفسهما اللذان قد سبقا وتحدثا مع إبراهيم في الفصل السابق . وقد ذكرهما الوحي الشريف أيضا في (تكوين 18 :22 ) ، فقال : "وانصرف الرجال من هناك وذهبوا نحو سدوم .. بينما كان إبراهيم لا يزال مع ثالثهما ، لم يعبأ أو يهتم بأمر ذهابهما بقدر اهتمامه بالوجود مع الشخص الثالث . لقد عرف إبراهيم ذلك الشخص جيدا . ونستطيع نحن كذلك أن نعرفه إذا قرأنا الحديث الذي دار بينهما الوارد ذكره في الفصل الثامن عشر من سفر التكوين والآيات من 23 – 33 "فتقدم إبراهيم وقال : أفتهلك البار مع الأثيم ؟ …أفتهلك المكان ولا تصفح ……. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تميت البار مع الأثيم … حاشا لك أديان كل الأرض …. فأجاب إبراهيم وقال : أنى قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد … فقال : لا يسخط المولى فأتكلم هذه المرة فقط .. وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم ورجع إبراهيم إلى مكانه ." أن إبراهيم خليل الله كان يتشفع عن أهل سدوم وعمورة أمام الله تعالى ، لأنه
من ذا الذي يستطيع أن يهلك البار أو الأثيم أو المكان ؟
ومن هو ذاك الذي يرجو من إبراهيم الصفح والعفو والغفران ؟
من هو الذي يستطيع أن يميت ويحيى ؟ من هو المولى ، ديان كل الأرض ؟
. واضح جدا التباين في صيغة الحوار بين المخلوق الذي هو تراب ورماد وبين الخالق المولى ، ديان كل الأرض
من هو سوى الله جل جلاله الذي جاء في جسم بشر؟
ثالثا : ظهور الله تعالى ليعقوب:
. "فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر . ولما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه. فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه . وقال : "اطلقني " فقال : " لا أطلقك أن لم تباركني "فقال :"اسمك ؟" فقال "يعقوب ". فقال : "لا يدعى اسمك يعقوب في ما بعد بل إسرائيل . لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت ......" (تكوين 32 : 24 - 28)
من هو الذي يترجى يعقوب منه البركة ؟
من هو الذي يملك تغيير اسم يعقوب شكلا وموضوعا؟
من هو الذي يتجرأ أو يقول ليعقوب : " جاهدت مع الله والناس ؟"
. ويذكر لنا وحي الله تعالى تعليق يعقوب نفسه على هذه القصة فيقول : " دعي يعقوب اسم المكان – الذي ظهر له فيه الله – فنيئيل قائلا : " لأني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي " (تكوين 32: 3.)
رابعا : ظهور الله تعالى لموسى:
إذا كنا رأينا كيف جاء الله تعالى في جسم بشر وكلم كل من آدم ، وإبراهيم ويعقوب ، وان كنا قد اعتدنا على ذلك ، سوف نرى هنا تجليا جديدا للمولى عز وجل ، ففي التوراة ، قال تعالى :" ظهر ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقه فنظر وإذا العليقه تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق . فقال موسى : أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم ، لماذا لا تحترق العليقة ؟ فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليق…." (خروج 3) والذي في وسط العليقة قال :" أنا اله أبيك اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب ." فقال الرب أني رأيت مذلة شعبي …" كما يسجل القرآن هذه القصة في كل من( سورة النمل 27 : 7 - 12)، (وسورة القصص 28 : 29 - 35) " إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ، سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ، فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ، يا موسى انه أنا الله العزيز الحكيم والق عصاك. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب . يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم بدل حسنا بعد سوء فأني غفور رحيم . وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه انهم كانوا قوما فاسقين "وأيضاً من سورة القصص: "فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا ، قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منه بخبر أو جذوة من النار لعلك تصطلون ، فما آتاهم ودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى أني أنا الله رب العالمين وان الق عصاك . فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا."
من هو ذلك الشخص الذي ظهر لموسى ؟ ألم يكن هو الله تعالى ؟ كذلك عندما أخرج الله تعالى شعب بنى إسرائيل من ارض مصر قال الوحي الشريف عنه تعالى : -
. "كان الرب يسير أمامهم نهار ا في عامود سحاب ليهديهم في الطريق وليلا في عامود نار ليضئ لهم ."(خروج 13: 21)
. وعندما حاول عسكر المصريين أن يلحقا بشعب بنى إسرائيل الأذى "انتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار من وراءهم . وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم ... الرب اشر ف على عسكر المصريين في عامود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين" (خروج 14 : 19 - 24)
. من هو يا ترى الذي له القدرة أيضا على أن يزعج عسكر المصريين بالطريقة التي كان بها يقود ويحمى شعب بنى إسرائيل سوى صاحب القدرة العليا والحكمة التي تتسامى فوق معرفة المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوة إلا الله ؟ ذاك هو الذي جاء في جسم بشر ، وظهر في العليقة المشتعلة ، وفى عمود النار والسحاب
خامسا : ظهور الله تعالى للعالم كله:
. إذا كان في مقدور الله تعالى القادر على كل شئ أن يأتي من قبل في جسم بشر وبطرق أخرى كثيرة متنوعة ، هل يستحيل عليه أن يأتي لنا في جسم يسوع عليه السلام؟ أن أنكرنا أن الله تعالى هو الذي جاء في جسم بشر يسوع عليه السلام فأننا بذلك ننسب له عدم القدرة على فعل كل شئ، ونشك في حكمته العليا التي تفعل ذلك الشيء . وفى نفس الوقت نكذب وحيه تعالى الشريف كما جاء في الميثاق الجديد أن : الله كلم آباءنا في قديم الزمان بواسطة الأنبياء وبطرق كثيرة ومتنوعة ، ولكن في هذه الأيام الأخيرة كلمنا بواسطة ابنه الذي جعله مالكا لكل شئ ، والذي بواسطته خلق الكون كله . فالابن - يسوع المسيح- هو ضياء جلال الله وصورة جوهره --- أي حقيقة كاملة لكيان الله نفسه - وضابط الكون كله بقوة كلمته (عبرانيين 1 : 1 - 3)
ولكن رب معترض يقول هنا : " أن عقلي لا يقبل فكرة أن يأتي الله في جسم بشر ، لان هذا يبد و مفاجأة للمنطق ويطيح بالمعقولية في حياتي."
. وقبل الإجابة على هذا السؤال يلزمنا أن نجيب على سؤال آخر : لماذا يأتي الله في جسم بشر؟ هب انك ترى فلاح يحرث حقله ، وأنت تلاحظ في طريق المحراث عش نمل ، وهب أيضا انك تحب النمل جدا ، فماذا تفعل ؟ قد تفكر في أن تركض إليهم صارخا محذرا إياهم إلا انهم لن يتحركوا من أمام المحراث بل يستمرون في موقعهم أو عملهم ، فتلجأ مثلا إلى لغة الإشارة أو إلى وسيلة أخرى تعرفها أنت ، لكن النمل لا يتحرك أو ينتبه . لماذ1؟ لأنك عاجز عن الاتصال بهم ، هم لا يفهمون لغتك ، ولا إشاراتك وتحذيراتك مع أنها في مصلحتهم ، وأنا لا تهدأ عن إنقاذهم لأنك تحبهم . فماذا تفعل ؟ وما هي افضل طريقة لإنقاذهم ؟ هي أمام تصير نملة مثلهم فيفهمون ما تقول . وهذا ما فعله الله تعالى معنا ، فلما أراد الله عز وجل أن يتصل بنا ، وجد أن افضل طريقة هي أن يصير إنسانا مثلنا، فيكون على اتصال مباشر بنا . فقد كلمنا من قبل بطرق كثيرة ومتنوعة كما هو مكتوب ليحذرنا من الهلاك المحقق الذي نسير إليه وتقتر ب منه أقدامنا دون أن نراه ، ولكننا لم نفهم تحذيراته ، ولم نعلق إشاراته لنا أي اهتمام ، لذلك جاء أخيرا في جسم بشر ، في جسم يسوع المسيح عليه السلام الذي اظهر كل صفاته لبنى البشر أديان أن يسوع المسيح له طبيعة الله ، لكنه لم يفكر في أن يستغل مساواته لله لمنفعته هو ، بل من نفسه ، ترك كل ما له من امتيازات، واخذ طبيعة عبد ، صار مثل البشر ، وظهر في هيئة إنسان ، وتواضع جدا ، وأطاع في كل شعبي إلى الموت ، لدرجة انه مات على الصليب ، لذلك عظمه الله جدا ، وانعم عليه بالاسم الذي هو اعظم من كل اسم ، حتى تسجد كل الكائنات الآية في السماء والتي على الأرض ، والتي في العالم السفلي ، على ركبها، إكراما لاسم يسوع ، ويشهد الجميع علنا قائلين أن يسوع هو الرب إجلالا لله الأب " (فبليبي 2 : 6 - 11)
الدليل على ذلك:
. لنعرف أولا معنى كلمة دليل فالدليل القاطع في لغة القانون هو الدليل الذي لا يقبل بديل هو ذلك الذي وحي من مصدر موثوق منه ، وما اكبر ثقة كل باحث حاذق في وحي كلمة الله تعالى الآية لا تقبل الشك أو الجدال ، ومن خلال قراءتنا لوحي كلمته الشريف من البداية إلى النهاية نعرف أن مجمل قول ما يذكره هو : أن شخصا عجيبا وفريدا أسمى من كل البشر سيأتي من السماء متسربلا بطبيعة البشر ليكون فاديا ، ومنقذا لكل العالم ، وهذا الشخص يكون من نسل إبراهيم بحسب الجسد وعلى وجه التحديد آل يهوذا ، بيت داود النبي . يولد من عذراء ، ويكون معصوما من الخطأ ، وهو في الوقت نفسه يكون الله الواحد الأحد الذي لا اله إلا هو القدير السرمدي ، الأزلي الأبدي ، وإذ كان من الصعب أن نورد كل هذه النبوات، نكتفي الأرض إلى واحدة أو اكثر كل كتاب أوحى به الله تعالى ، على سبيل المثال لا الحصر
من التوراة:
. وجاءت على فم أشعياء النبي : " ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل - (أش 7 : 14) "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا ، إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام ...." ( أش 9 : 6)
ومن المزامير (الزبور ):
قال داود النبي : " قال الرب لربى اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئا لقدميك ." (مزمور 11. : 1) فكيف يمكن لنا أن نجد لهذه الآية حلا دون إيماننا بالمخاطبة الأزلية بين الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس ."
ومن سفر الأمثال:
. قال سيدنا سليمان : " من صعد إلى السماوات ؟ ومن جمع الريح في حفنتيه ؟ من صر المياه في ثوب ؟ ومن ثبت جميع أطراف الأرض ؟ ما اسمه وما اسم ابنه ؟" (أمثال 3. : 2 - 4)
ومن الإنجيل الشريف:
قال سيدنا يسوع عن نفسه : " من قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يوحنا 8 : 58) وتعبير "أنا كائن " هو نفس التعبير الذي أطلقه الله على ذاته تعالى عندما سأله موسى قائلا : " ها أنا آتى إلى بنى إسرائيل وأقول لهم اله آبائكم أرسلني إليكم فإذا قالوا ما اسمه فماذا أقول لهم ؟ فأجاب الله موسى قائلا : أهيه الذي أهيه ." ( خر 3 : 13 ، 14) ومعناها : " الكائن والذي يكون." وهذا هو نفس التعبير أيضا الذي جاء في وحي الله تعالى عن يسوع عليه السلام سفر الرؤيا " أنا الألف والياء … " هو القدير على كل شعبي الكائن الذي كان وسيأتي " (رؤيا 1 : 8) وهذا يتضح من قول آخر ليسوع لما كان في جسم بشر قال : - " والآن أيها الاب أعطني الجلال عند ذاتك بنفس الجلال الذي كان لي عندك قبل كون العالم . لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم ." ( يوحنا 17 : 5 ، 24). وهذا يؤكد لنا انه كان يتحدث عن ذاته الأزلية القائمة في اتحاد بالله تعالى قبل إنشاء العالم وتكوينه. وعلى هذا الأساس قال يسوع لشيوخ اليهود وعلما ء الدين : انتم من اسفل : أما أنا فمن فوق انتم من هذا العالم ، أما أنا فلست من هذا العالم ، (يوحنا 8 : 33) قال أيضا : "ليس أحد صعد إلى السماء (يوحنا 3 : 13). ونفهم من الآية الإجابة أن سيدنا يسوع المسيح لا يتحدث فقط عن مجيئه من السماء ، بل وعن وجوده كذلك في السماء أثناء وجوده على الأرض. فمن يجرؤ أن يقول هذا إلا مالئ السماوات والأرض؟
. ومن ذكرنا لقليل من كثير لنبوات وحي الله الشريف ، نفهم أن يسوع له كل الجلال جاء إلى هذا العالم ليس كرسول فقط أو مجرد نبي بل كإله في جسم بشر. " حقا أن هذا السر عظيم ، جاء الله في جسم بشر ، شهد الروح انه صالح ، شاهدته الملائكة ، نادى به اتباعه بين الشعوب، آمن به الناس في العالم ، رفعه الله إليه بجلال." (1تيماثوس 3:16)
ولكن ترى ماذا يسجل لنا القرآن ؟
قصة مولد سيدنا يسوع المسيح ( أو كما في القرآن " عيسى المسيح ) في (سورة مريم 19 : 16 – 21) "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ، قالت إني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا ، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ، قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ، قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا." والزكي هو الطاهر المعصوم من الخطأ ، وإذا كانت العصمة لله وحده فلماذا يا ترى قيل عن يسوع أنه معصوم من الخطأ إن لم يكن هو نفسه الله الذي جاء في جسم بشر؟
كذلك في سورة آل عمران 3 : 36 "وأنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " فقال الجلالان تفسيرا : " ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا ، إلا مريم وابنها عيسى ،" رواه الشيخان وفى سورة آل عمران 3 : 45 : قال " المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، قال البيضاوي تعليقا على هذه الآية : " وجيها في الدنيا بالنبوة وفى الآخرة بالشفاعة."
وقال الرازي : " الوجاهة في الدنيا هي النبوة أو استجابة دعائه وبراءته من العيوب ، وفى الآخرة الشفاعة أو علو الدرجة والمنزلة وكثر ة ثوابه ."
لم نسمع أحدا قال عن أي نبي أو رسول آخر انه معصوم من الخطأ ، ولم يصرح أي نبي أو رسول بهذا التصريح عن نفسه . مهما كانت درجة نقاءه وصلاحه إلا يسوع وحده والذي برهن على شهادته وحي الله تعالى بذلك أيضا."
أما كل من سبقوه أو جاءوا من بعده كانت صرخة واحدة ، هي صرخة المغفرة وطلب العفو عن الذنب ، نذكر من هؤلاء على سبيل المثال : آدم الذي عصى أمر الله تعالى واكل من الشجرة الآية حرمها الله وأطاع بذلك الشيطان اكثر من قول الله تعالى كما هو واضح من الفصل الثالث من سفر التكوين في التوراة ، وكما يسجله أيضا القرآن في( سورة الأعراف 7 : 23،24) " قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكو نن من الخاسرين ." وموسى الذي قال عنه القرآن في سورة القصص 28 : 15 "ربى أني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له." وأيوب الصابر قال : " أخطأت ماذا افعل لك يا رقيب الناس ولماذا لا تغفر ذنبي ولا تزيل إثمي ؟ لأني الآن أضجع في التراب تطلبني فلا أكون." (أيوب 7 : 2. ، 21) مع أن أيوب هذا الذي قال عنه الله تعالى "ليس مثله في كل الأرض ، رجل مستقيم يتقى الله ويحيد عن الشر." (أيوب 1 : 8). وداود النبي صرخ قائلا : " اللهم ارحمني لأنك رحيم امح ذنوبي لأنك عظيم الرأفة ، اغسلي جيدا من ذنبي ، وطهرني من خطيئتي . أنا عالم بمعاصي ، وخطيئتي موجودة أمامي دائما … فأنا أثيم منذ اليوم الذي ولدت فيه وخاطئ منذ حبلت بي أمي." (مزمور 51) ويسجل هذه الحادثة القرآن ويقول : " وظن داود إنما فتنة فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفر له ." (سورة ص 38 : 24، 41) مع أن داود قد شهد الله تعالى له وقال عنه " وجدت داود بن يسى رجلا بحسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي ." ( أعمال الرسل 13: 22) ومحمد نبي الإسلام : الذي جاء عنه في (سورة محمد 47 : 19 ) فاعلم انه لا اله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ." (وفى سورة الفتح 48 : 2) قيل عنه أيضا : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما." وفى (سورة يونس 1.: 94) "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ."
. أن كل من طلب الغفران من أولئك ، لم يطلبه إلا لشعوره بالذنب الذي اقترفه ، وعرف حقيقة نفسه وكونه مذنبا يحتاج إلى العفو والمغفرة ، أما يسوع فقد شهد أولا عن نفسه وقال لعلماء الدين والشيوخ والفقهاء : "من منكم يبكتني على خطيئة " (يوحنا 8 : 46) ولم يجاوبه أحد ، ولو كان مذنبا فعلا كالسابق ذكرهم لما استطاع أن يوجه مثل هذا السؤال أن الإنجيل الشريف يخبرنا بأن الشيطان قد جرب المسيح لكنه لا يقول انه أخطأ ، ولم نسمعه يقر بالذنب أو يطلب غفرانا عن خطيئة أو معصية ، مع انه علم حواريه طلب المغفرة في كل دعاء وابتهال . من الواضح أنه لم يكن لديه أي شعوره بالذنب أديان كان فريدا في ولادته ، معصوما من الخطأ ، فريدا في قدرته المعجزية فريدا في تعاليمه ، فريدا في سلطانه حتى على الموت
 

 

من هو المسيح أذن ؟
. سأل يسوع تلاميذه هذا السؤال من قبل : " من يقول الناس أني أنا؟ فقالوا :البعض يقولون انك يحيى المغطس ( المعمدان ) ، والبعض إلياس ( إيليا ) ، وآخرون يقولون انك واحد من الأنبياء …" (مرقس 8: 27- 29) . ومن خلال هذه الآيات نرى أنه من الواضح أن يسوع نفسه قد شجع الحرية الفكرية على الدوام ، ولم يعرف عنه يوما ما أنه أرغم إنسانا على الإيمان به، أو اعتناق دينه ورسالته ، فهو لم يقبل أن يكون إيمان أحدا به قائما على أسنة الرماح والسيوف ، بل تاركا الفرصة كلها لإرادة الإنسان الحرة الآية وهبت له وميزته عن سائر مخلوقات الخالق الكريم
: ولهذا نحن نذكر ما قاله الفيلسوف البريطاني "كليف لويس " في هذا الصدد إذا قال أن المسيح أعلن انه الله عز وجل - وهناك احتمالان لهذا
. الاحتمال الأول : إما أن هذا القول صحيح أو أنه كاذب . فإن كان القول صحيحا وإن المسيح يسوع فعلا هو رب وإله واحد أحد لا شريك له ، فهناك احتمالان: يمكن أن ترفض أنت ألوهيته أو يمكن أن تقبله إلها لك وسيدا على حياتك. فان رفضته هو فعلا الله الذي لا إله إلا هو ، تكن بهذا قد عرضت نفسك للهلاك ، أما إن قبلته فإنك ستهنأ بنصيب في جنة النعيم وتنجو من عذاب الجحيم
. الاحتمال الثاني : أن يكون هذا القول كاذب فإن كان المسيح كاذبا ، ولم يكن هو الله فهناك احتمالان : أن المسيح لم يكن يعر ف أن ما يقوله كذب ، فيكون مخدوعا عن إخلاص إذ أنه يدعى ما ليس له إذا فهو غير عاقل - بالاحترام نقول ما قاله كليف لويس - وهو ليس كذلك بالطبع الاحتمال الآخر أن كان القول كاذبا . أن المسيح عرف أن ما يقوله كذب وأنه أعلن عن نفسه أنه إله بسبق الإصرار وعن قصد - فيكون كاذبا ، مرائيا ، أحمق لأنه مات بسبب إدعاء كاذب وهذا الاحتمال الآخر غير وارد طبعا ، لأن المسيح لم يخطئ ... لقد كانت تعاليمه كاملة مكملة لتعاليم موسى والأنبياء . لم يعد النظر فيما سبقوه ، لم يتراجع أو يغير ما علم به ، لم يخمن ، ولم يظن ، لم يفترض لكنه تكلم دوما بثقة مطلقة على خلاف كل سائر الأنبياء والرسل والمعلمين البشر
. يبقى لنا احتمال واحد وهو : أن ما قاله المسيح يسوع عن نفسه صحيح ، فهو رب وإله ، عليك في ضؤ هذا أن تختار ، إما أن تقبله أو ترفضه ومصيرك الأبدي سيتقرر بناء على قرارك
والآن ترى ما هو قرارك ؟
 

 


هل ينكر القرآن لاهوت المسيح ؟
نصل إلى نقطة الخلاف الكبرى بين النصرانية والإسلام ؛ أعني ألوهية المسيح . وهو الخلاف الوحيد ، أو يكاد ، بين الإنجيل والقرآن . ونظن أنه على كل حال ، خلاف ظاهري ، لا حقيقي ولا جوهري ، لاختلاف وجهات النظر إلى الموضوع الواحد في كتابين . حيث أن القرآن كتاب تعليم ابتدائي لقوم بدائيين عن توحيد الله ، فلا يطلب منه في المحيط الذي نزل فيه ، أبحاثاً أو حقائق عن " ذات الله " ؛ قبل أن يعرفوا ما هو الله في ذاته ، يجب عليهم أن يوحدوه ، وهذا جل ما يسعى إليه القرآن ، فلا يجوز أن نطلب منه أكثر مما يريد . ونقلوا حديثاً شريفاً :" البحث عن ذات الله كفر " . وفي إهمال القرآن لعقائد النصارنية الخاصة ـ أو في نكرانها ، ألا ينسجم مع موقف فرق نصرانية عاصرته : " كالآريوسية ، والنسطورية " ، أو تعاصرنا كـ " شهود يهوه" .
فالألوهية التي ينكرها القرآن على المسيح ليست بالتي ينسبها الإنجيل إليه . والتثليث الذي ينكره القرآن ليس بالتثليث المسيحي . والألقاب التي يصف بها القرآن المسيح هي أقرب إلى الخالق منها إلى المخلوق .
ألوهية المسيح التي ينكرها في القرآن
ينكر القرآن أشد الإنكار تعدد الآلهة ، بناء على شهادة الأنبياء المتعاقبين :" وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ، اجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون" ( الزخرف : 45 ) ، ومنطق العقل البديهي :" قل لو أن في السماء والأرض إلهين لفسدتا" ( الأنبياء : ) . ويشهد للتوحيد الخالص في كل صفحاته :" شهد الله أنه لا إله إلا هو ، والملائكة وأولو العلم – قائماً بالقسط – لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ( آل عمران : 18 ) .
ينفي القرآن الولادة في الله ، ولا يقدر أن يتحمل تأليه أحد مع الله ، بولادة أو بسواها :" قل هو الله أحد ، الله الصمد ! لم يلد ولم يولد ! ولم يكن له كفؤاً أحد " ( سورة الاخلاص) . لا تناسل فيه ، ولا مثله أحد يتخذه ولداً ، فوحدانيته لا يشاركه فيها أحد ز
وينكر أشد الإنكار بنوة أي مخلوق من الله :" وقالوا اتخذ الله ولداً ! سبحانه بل له ما في السموات والأرض ، كل له قانتون . بديع السموات والأرض ، وإذا قضى أمراً فإنما يقول له : كن فيكون" ( البقرة : 117 ) . لا يمكن للإله أن يكون مخلوقاً ، ولا يمكن للمخلوق أن يصير إلهاً ، بالبنوة أو بالتبني :" وقالوا : اتخذ الرحمن ولداً ! – لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدا : أن دعوا للرحمن ولدا! وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا \ح \غن كل من في السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا " ( مريم : 88 – 93 ).
ينكر حتى البنوة المعنوية التي يدعيها اليهود والنصارى لأنفسهم من الله :" وقالت لليهود والنصاري : نحن أبناء الله وأحباؤه ! - قل فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ بل أنتم بشر ممن خلق" (مائدة 20). وينكر هذه البنوة المعنوية حتي في الأنبياء والملائكة : "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً ! أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ؟" (آل عمران 80) لأنها تقود إلي الشرك : "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً !... وجعلوا له من عباده جزءاً : إن الإنسان لكفور مبين" (زخرف 15 و 19).
حتي عيسي ابن مريم، رسول الله وكلمته وروحه، لا يمكن لله أن يتخذه ولداً أو يصير إلهاً، لأن كل مخلوق عبد لله بطبيعته. "لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون" (نساء 172) فبتأليه عيسي "ضاهي" النصاري قول الذين كفروا من قبل من المشركين : "وقالت الناصري : المسيح ابن الله ! ذلك قولهم بأفواههم، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل : قاتلهم الله أني يؤفكون" (توبة 31).
وأما الأسباب التي دعت إلي هذا التكفير والنكران فتنحصر في نظريتين :
1) النظرية الأولي أن كل نبوة أو ولادة تنسب إلي الله لا يمكن أن تكون إلا جسدية تناسلية : "بديع السماوات والأرض، أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" (انعام 101) : لا يفهم القرآن البنوة والولادة، أياً كانت إلا بزوجة وزواج. فكل بنوة عنده هي مخلوقة بشرية جسدية تناسلية. فهو يجهل البنوة المعنوية أو ما يسمي التبني الإلهي. وهو يجهل أيضاً مفهوم الولادة المجردة، لأن الولادة بحد ذاتها هي انحدار حي من حي انحداراً ينتج عنه، بفعله الذاتي، مشابهة تامة في الطبيعة. وهذا الانحدار قد يكون جسدياً كما في الإنسان، وقد يكون عقلياً كالذي يسنده الإنجيل إلي المسيح.
2) والنظرية الثانية، المنبثقة عن الأولي، هي امتناع الصاحبة والولد عند الله لأنه "اتخاذ" لا تناسب فيه ولا تكافؤ في طبيعة الآخذ والمأخوذ : "وأنه تعالي جد ربنا : ما اتخذ صاحبة ولا ولداً" (الجن 3) تنزه جلاله وعظمته عما نسب إليه من الزوجة والولد (الجلالان). لذلك ينتفي تأليه المسيح أو غيره لأنه "اتخاذ" : "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً (آل عمران 80)، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، والمسيح ابن مريم (توبة 32) ذلك عيسي ابن مريم، قول الحق، الذي فيه يمتزون : ما كان لله أن يتخذ من ولد، سبحانه" (مريم 34).
ويساوي القرآن بين تأليه المسيح وتأليه آلهة العرب : كلاهما اتخاذ وضم "جزء" خارج عن الله إليه تعالي ! "وجعلوا له شركاء الجن وخلقهم ! وحرقوا له بنين وبنات بغير علم، سبحانه وتعالي عما يصفون ! بديع السموات والأرض أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" (انعام 100 - 102)، "وقالوا اتخذ الله ولداً ! سبحانه، بل له ما في السموات والأرض، كل له قانتون، بديع السماوات والأرض، وإذا قضي أمراً فإنما يقول له كن فيكون" (بقرة 117 و 118)، نزلت لما قال اليهود "عزير ابن الله" والنصاري "المسيح ابن الله" ومشركو العرب "الملائكة بنات الله" (البيضاوي).
وفسروا فلسفة استحالة الاتخاذ، استناداً إلي قوله (بقرة 117 وانعام 101)، "وفي الآية استدلال علي نفي الولد من وجوه : 1) إن من مبدعاته السماوات والأرضون وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبرأة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولي بأن يتعالي عنها. 2) إن المعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثي متجانسين والله تعالي منزه عن المجانسة. 3) إن الولد كفؤ الوالد، ولا كفؤ له بوجهين أن كل ما عداه مخلوق فلا يكافئه، وإنه لذاته عالم بكل المعلومات ولا كذلك غيره. بالإجماع" (البيضاوي). فهم أيضاً لم ترق أحلامهم إلي ما فوق الولادة الجسدية الجنسية التناسلية.
وفسر القرآن استحالة التأليه، والاتخاذ إلهاً مما خلق بقوله : "وجعلوا له من عباده جزءاً : إن الإنسان لكفور مبين" (زخرف 15). فالاتخاذ والتأليه يصم إلي الله "جزءاً" خارجاً عنه ... وهكذا تفهم حملة القرآن العنيفة الصاخبة علي فكرة البنوة والولادة منسوبة إلي الله.
ولكن ليس من "مضاهاة بين بنوة عيسي من الله، وبنوة عزير عند اليهود، وبنوة آلهة العرب المشركين :
فبنوة آلهة العرب تناسلية : وقد فهم القرآن "قومه" علي حقيقتهم. فلا بدع أن ينتفض القرآن لهذه الفكرة السمجة تنسب إلي الله : فما اتخذ صاحبة ولا ولداً (جن 3) وقالوا اتخذ الرحمن ولداً ! لقد جئتم شيئاً إداً، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً : أن دعوا للرحمن ولداً" (مريم 88).
وبنوة عزير عند اليهود معنوية قد تجرهم إلي مشاكلة المشركين "فيضاهئون" بقولهم قول الذين كفروا من قبلهم (توبة 31).
ولكن بنوة عيسي في الإنجيل ليست تناسلية، وليست معنوية. بل هي بنوة روحية محضة من ولادة عقلية محضة :
للمسيح في الإنجيل اسمان : اسم شعبي تفهمه الجماهير : ابن الله وابن الإنسان، واسم علمي فلسفي لاهوتي أوحي به الله في مطلع إنجيل يوحنا يبين طبيعة هذه النبوة : إنه كلمة الله : "في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدي الله، وكان الكلمة الله : به كون كل شئ وفيه كانت الحياة" (1 : 1 - 4). وهذا الاسم يشرح معني بنوة المسيح من الله وفي الله : بما أنه كلمة الله فبنوته فكرية عقلية، لا علاقة لأي جسد فيها ، بل هي قبل كل جسد, وبما أن الله روح محض، وعقله روح محض، وفكره وكلمته روح محض، فالولادة روحية من جوهر الله وفيه، لا يشاركه فيها أحد. وهكذا يسمي الإنجيل التفاعل الجوهري الإلهي "ولادة" والتسلسل العقلي الإلهي "بنوة" بلغة بشرية يفهمها جميع الناس : فكلمة الله هو ابن الله، وابن الله هو كلمة الله. ولا علاقة لمريم أو لمخلوق بهذا التفاعل والتسلسل الإلهيين.
وليس في هذا "اتخاذ" بضم جزء من خارج الله إلي الله، أو تأليه برفع مخلوق إلي منزلة الخالق وطبيعته، أو تناسل جسدي باستيلاد الله عيسي من مريم، فالله لا جسد له ! بل جل ما في ذات الله من سر الحياة السرمدية والوجود الفياض، أنه في الجوهر الإلهي الفرد تفاعل روحي وتسلسل عقلي في الله، ومنه، ومعه : فكلمة الله هو فكر الله الناتج عن عقل الله في جوهره الروحي نتوج الابن عن أبيه، ولذلك يجوز بكل حق أن نسمي الله "أباً" وفكره الجوهري "ابناً".
وإذن فالألوهية التي ينفيها القرآن عن المسيح ليست بالألوهية التي يثبتها الإنجيل له. والبنوة التي يسندها الإنجيل إلي المسيح ليست كالتي ينفيها القرآن عنه.
إن بنوة عيسي في القرآن تناسلية جسدية، كأن الله اتخذ مريم صاحبة واستولدها عيسي : "ذلك عيسي ابن مريم قول الحق الذي فيه يمتزون : ما كان لله أن يتخذ من ولد !" (مريم 59). والقرآن علي حق حين يسمي مثل هذه الولادة السمجة، منسوبة إلي الله، افكاً : " ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صديقة، كانا يأكلان الطعام ! أنظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أني يؤفكون" (مائدة 78). والقرآن علي حق حين يسمي بنوة كهذه كفراً : "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم : قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً" (مائدة 19).
إن ألوهية عيسي التي ينكرها القرآن تستند إلي هذه البنوة الجسدية والولادة التناسلية، ومن ثم فلا بدع أن يثور ويصيح : "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم !" (مائدة 19 و 75) كأن الإنسان ابن مريم صار الله !! أو كأن الله استحال عيسي ابن مريم !! لذلك ينزه القرآن المسيح عن ادعاء تأليه كهذا : "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله" (آل عمران 79)، فحسب المسيح فخراً أن يكون عبداً لله : "لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله - ولا الملائكة المقربون" ! (نساء 172).
وقصاري القول ليست لاهوتية المسيح كتأليه المشركين لآلهتهم. وليست بنوة المسيح العقلية الروحية في الله كبنوة وولادة الآلهة المتألهين من الله. هذه غارقة في اللحم والدم، والجسد والصاحبة، في دنيا المحسوسات، وتلك ضمن الجوهر الإلهي الفرد، الروح المحض، والعقل المحض، في عالم الأزل قبل الزمان والمكان، وقبل المحسوسات والمعقولات والأجساد والأرواح : "في البدء كان الكلمة ! والكلمة كان لدي الله ! وكان الكلمة الله" (يو 1 : 1).
وهكذا فليست البنوة الروحية التي ينسبها الإنجيل إلي المسيح مثل البنوة الجسدية التي ينفيها القرآن عنه. وليست الآلهية التي يثبتها الإنجيل للمسيح، روح الله وكلمة الله، مثل التأليه الذي يستنكره القرآن فيه، ولا هي "الاتخاذ" الذي يضم إلي الله "جزءاً" ليس منه.
حاول وقد نجران إلي النبي الجديد، بعد أن أنسوا منه اعترافه بنبوة عيسي، أن يحمله علي الإقرار ببنوته أيضاً، واتخذوا من ولادته البشرية المعجزة من مريم بلا أب دليلاً علي ولادته الإلهية من الله دون أم أو علاقة مخلوق. فأجابهم ولادته المعجزة من مريم بلا أب ليست أغرب من خلق آدم بلا أب وأم معاً : "إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون : الحق من ربك فلا تكن من الممتزين ... إن هذا لهو القصص الحق" (آل عمران 59 - 63).
وأردف يقول : هذا المعجز الحقيقي في ميلاد المسيح لا يرفعه إلي رتبة الألوهية لأن الصدور عن الله لا يكون إلا بخلق، ويستحيل علي مخلوق أن يتخذه الله إلهاً من دونه : "ذلك عيسي قول الحق الذي فيه يمتزون : ما كان لله أن يتخذ من ولد ! سبحانه ! إذا قضي أمراً فإنما يقول له كن فيكون" (مريم 34 - 36).
السؤال قاصر، والجواب قاصر، ولا غرابة في ذلك : فالبيئة لا تحتمل أكثر !
خلطوا بين البنوة بالصدور والبنوة بالاتخاذ، وهذه مستحيلة إذ كيف يمكن أن يصير إلهاً من هو بشر يأكل الطعام كالحيوان ! "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة : كانا يأكلان الطعام ! .. (مائدة 78).
وشابه قوم من نصاري العرب حال مريم بحال ابنها فألهوها، فاستفظع ذلك منهم، ووصل الاستغراب إلى الله عز وجل فاستجوب عيسى عن ذلك :" إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ قال :سبحانك ! ما يكون لي أن أقول ما ليس بحق!" ( المائدة : 119). فالقضية في القرآن هي دائماً قصة " تخاذ " و " تأليه" دون تمييز بين حال وحال . وليس تأليه عيسى وأمه منه بل من بعض أتباعه كما يظهر من جواب المسيح لله في يوم الدين ( المائدة : 119 – 122 ) ، وهو " غلو " من قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً . لذلك يعتبر القرآن اعتقاد النصارى في ألوهية المسيح " غلواً " منهم في دينهم لا غير ، ويرد عنهم :" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، فآمنوا بالله ورسله" ( النساء : 170 ) ؛ فلا تتبعوا أهواء من سبقكم :" قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً ، وضلوا عن سواء السبيل" ( المائدة : 80 ) . لذلك يدعوهم إلى التوحيد الخالص :" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا أرباباً من دون الله " ( آل عمران : 62 ).
ذلك هو اعتقاد القرآن في ألوهية المسيح كما فهمها بعض نصارى العرب الجُهال ؛ وهو بعيد كل البعد عن تعليم الإنجيل وإيمان النصارى : فليست ألوهية المسيح عيسى تأليهاً ولا اتخاذاً ! هذا مستحيل!
وليست بنوته العقلية والروحية في جوهر الله الفرد بنوة مخلوقة بشرية جنسية تناسلية . كل بنوة من هذا النوع منسوبة إلى الله افك وشرك وكفر! ( التوبة : 31 – 33 ) . كأن الله اتخذ مريم إلاهه صاحبة واستولدها عيسى إلهاً من دون الله ! إن مجرد فكر كهذا لكفر محض ، كفر لا يقول به إلا من \أوغل في الهمجية ، وما قدر الله حق قدره ! يُنزل الخالق منزلة المخلوق ! وينسب اللاهوت لغير الله ! يا قوم ألا رحمة بعقولكم وعقولنا ! نحن أعقل من هذا ! وأنتم يجب أن تكونوا أعدل من هذا !
أجل لقد كفر الذين جعلوا الملائكة والنبيين أباباً من دون الله ! ( آل عمران : 80) .
أجل لقد كفر الذين اتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله ! ( التوبة : 32 ).
أجل لقد كفر الذين قالوا : عزير ابن الله ! " ( التوبة : 31 ) .
أجل "لقد كفر الذين قالوا : أم المسيح إلاهه من دون الله أو مع الله !" ( المائدة : 120 ) .
أجل " لقد كفر الذين قالوا : أن الله هو المسيح عيسى ابن مريم " ( المائدة : 19 و 75 ) إذ جعلوا المسيح إلهاً آخر دون الله!
أجل " لقد كفر الذين قالوا : أن الله ثالث ثلاثة " ( المائدة : 76 ) أي الالهة ثلاثة! أو الذات الإلهية ثلاث!
أجل لقد كفروا : فالذات الإلهية واحدة ، والجوهر الإلهي فرد أحد ! وليست بنوة " كلمة الله " منه تعالى جسدية ، ولا معنوية ، ولا اتخاذاً ، ولا تبنياً ، ولا تأليهاً ، حتى ولا إلهية بمعنى غريبة عن جوهر الله الفرد ، ومن خارج الذات الإلهية الواحدة. فالمسيح " روح الله " وبنوته روحية في الله ذاته . والمسيح " كلمة الله " وبنوته عقلية .
وهكذا فالخلاف على ألوهية المسيح بين الإنجيل والقرآن خلاف ظاهري ؛ وليس بينهما خلاف جوهري لاختلاف وجهات النظر . ليست ألوهية عيسى ابن مريم تلك الألوهية الكاذبة التي حاربها القرآن عند نصارى العرب الأميين الجاهلين بألوهية المسيح الحقة التي يعلمها الإنجيل . واعتقد أنه وصل تعليم الإنجيل إلى محمد سالماً لاعتنقه ودان به :" قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " ( الزخرف : 81 ).
 


من أين أتى القرآن بصيغة الاسم " عيسى"؟
في الاصل الاسم هو " يشوع " كما هو في العبرانية . وفي نقل الاسم من العبرية إلى العربية يصير " يسوع" بتحويل الشين ( البنقط) إلى سين ( بدون نقط ) وهو ما كان سائداً حينئذ في الكتابة العربية. إلا أن نقل اسم " يشوع مشيحو " إلى العربية لم يتم من العبرية أو الآرامية إلى العربية مباشرة ، بل تم بواسطة اليونانية ، ثم السريانية
فالإنجيل دون باليونانية حتى في العالم السوري ، ودرج اسم " إيسوس " الذي هو بالمنادى " إيسو" في العالم كله ، لأن " المسكونة " الرومانية كانت كلها تتكلم اللسان اليوناني. فصار الاسم يُلفظ في اللغة الآرامية المحيطة بالجزيرة العربية " عيشو" باللهجة الشرقية العراقية ، و " عيسى " باللهجة الآرامية الغربية ، أو السريانية على التخصيص. وهذا هو سر اسم " عيسى " . ولما رحل النصارى من بني إسرائيل إلى الحجاز هرباً من دين الدولة ، كانوا يجمعون في التقديس والتسمية :"موسى وعيسى ، بلغتهم الآرامية الغربية السريانية . فشاع في الحجاز بهذه الصيغة ونزل به القرآن
كما ينبغي ألا ننسى أسلوب التبديل والقلب بين الحروف الشائع في العربية ؛ فصار " إيسو" اليونانية ، و " عيشو " الآرامية " عيسى بالعربية
من أين جاء لقب " ابن مريم " ؟ وما معناه في لغته؟
قبل معرفة الحبل المعجز كان مواطنو " يسوع" يسمونه " ابن يوسف" على حياة مربي المسيح ، و " ابن مريم" بعد وفاته ، كما نقل لنا الإنجيل بحسب مرقس ( 6 : 3 ) . وفي البيئة الشرقية ظل هذا اللقب قائماً كما تشهد أناشيد " أفرام السرياني " التي سرت بها الركبان حتى جاءت الحجاو ونزل به القرآن
ومن عادة العرب ، والشرقيين عموماً ، أن ينسبوا الابن إلى أبيه ؛ ولا ينسبوه إلى أمه إلا في ظرف خاص ؛ فكيف إذا كان هذا الظرف الخاص مولداً معجزاً لا مثيل له في تاريخ المرسلين؟! ففي البيئة الآرامية كان اليهود يسمونه " ابن مريم " ، " وهو ما نجد له ظلاً في القرآن :" بكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً " ( النساء : 155) ؛ وكان النصارى يسمونه أيضاً " ابن مريم" لإيمانهم بالحبل المعجز ، رداً على اليهود
والقرآن بموقفه المؤيد للنصرانية ضد اليهودية ( سورة الصف : 14) يسمي المسيح " ابن مريم " إعلاناً منه لإيمانه بالمولد المعجز ؛ وليس لإعلانه بشرية المسيح ، لأن المسيح ، وإن كان في نظر القرآن عبداً لا رباً ، فهو أكثر من بشر " كلمة ألقاها إلى مريم وروح منه "( النساء : 170) ، إنه روح " من المقربين" ( آل عمران : 45 و النساء : 171 )
فعيسى ابن مريم هو في القرآن " مسيح الله " و " كلمة الله " " و روح الله
الرد على نقد المسلمين لخطايا الأنبياء في الكتاب المقدس خطايا الأنبياء في القرآن والسنة خطية داود
تساؤلات مسلم

الصفحة الرئيسية