المغازي > الجزء الثاني
قال عبد الله بن أنيس : خرجت من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا ، فغبت اثنتي عشرة ليلة وقدمت يوم السبت لسبع بقين من المحرم .
قال الواقدي : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن جبير ، عن موسى بن جبير قال بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي ثم اللحياني وكان نزل عرنة وما حولها في ناس من قومه وغيرهم فجمع الجموع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس .
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أنيس ، فبعثه سرية وحده إليه ليقتله وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم <532> انتسب إلى خزاعة . فقال عبد الله بن أنيس : يا رسول الله ما أعرفه فصفه لي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان . وكنت لا أهاب الرجال فقلت : يا رسول الله ما فرقت من شيء قط . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلى ، آية بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته .
واستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقول فقال قل ما بدا لك . قال فأخذت سيفي لم أزد عليه وخرجت أعتزي إلى خزاعة ، فأخذت على الطريق حتى انتهيت إلى قديد ، فأجد بها خزاعة كثيرا ، فعرضوا علي الحملان والصحابة فلم أرد ذلك وخرجت حتى أتيت بطن سرف ، ثم عدلت حتى خرجت على عرنة ، وجعلت أخبر من لقيت أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ، ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه .
فلما رأيته هبته ، وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيتني أقطر فقلت : صدق الله ورسوله وقد دخلت في وقت العصر حين رأيته ، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء برأسي ، فلما دنوت منه قال من الرجل ؟ فقلت : رجل من خزاعة ، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك . قال أجل إني لفي الجمع له .
فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي ، وأنشدته شعرا ، وقلت : عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم قال لم يلق محمد أحدا يشبهني قال وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض <533> حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم مطيفون به فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه فقال لجاريته احلبي فحلبت ثم ناولتني ، فمصصت ثم دفعته إليه فعب كما يعب الجمل حتى غاب أنفه في الرغوة ثم قال اجلس . فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم أقبلت وتركت نساءه يبكين عليه وكان النجاء مني حتى صعدت في جبل فدخلت غارا .
وأقبل الطلب من الخيل والرجال توزع في كل وجه وأنا مختف في غار الجبل وضربت العنكبوت على الغار وأقبل رجل ومعه إداوة ضخمة ونعلاه في يده وكنت حافيا ، وكان أهم أمري عندي العطش كنت أذكر تهامة وحرها ، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار ثم قال لأصحابه ليس في الغار أحد .
فانصرفوا راجعين وخرجت إلى الإداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما . فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فلما رآني قال أفلح الوجه قلت : أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري ، فدفع إلي عصا فقال تخصر بهذه في الجنة . فإن المتخصرين في الجنة قليل
فكانت عند عبد الله بن أنيس حتى إذا حضره الموت أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه . وكان قتله في المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا .