الأدلة على أن إنجيل برنابا

كُتب في أوربا في العصور الوسطى

 

لعلماء النقد طريقتان لإثبات تواريخ المؤلفات المختلفة ومعرفة مؤلفيها الحقيقيين وهما :

1- الأدلة الخارجية : وهي التفاصيل التي يمكن استقراؤها من مصادر شتى بوسائل مختلفة محسوسة مثل وجود مخطوطات أو ترجمات خاصة بها، أو اقتباس واستشهاد كتَّاب آخرين بها.

2 - الأدلة الداخلية : وهي التي يمكن استنتاجها من أقوال الكاتب نفسه ، وأسلوبه وغير ذلك من الأدلة التي تكشف عن المؤلف والتاريخ الذي كتب فيه مؤلفه.

وفيما يلي سوف ندرس الأدلة الخارجية والداخلية لنتعرف على من هو كاتب إنجيل برنابا ، جنسيته ، تاريخ كتابة هذا الإنجيل.

 

أولاً : الأدلة الخارجية على أن إنجيل برنابا كُتب في أوربا في العصور الوسطى

1- الأدلة المسيحية

قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع سوف نوضح أمرين :

الأمر الأول : قانونية الأناجيل الأربعة

الأمر الثاني : ظاهرة الانتحال

أولاً : قانونية الأناجيل الأربعة

إن كلمة إنجيل مأخوذة من الكلمة اليونانية " افاجيليون " ومعناها "بشارة" أو "خبر طيب" ، فالإنجيل اعلان الأخبار المفرحة عن الخلاص ، وتستخدم الكلمة أحياناً للدلالة على قصة حياة المسيح ( مر 1:1) ، بما في ذلك كل تعاليمه ( أع 20: 4) وكلمة إنجيل الآن تعني في المقام الأول الرسالة التي تكرز بها المسيحية ... وكلمة إنجيل في العهد الجديد ، لا تعني مطلقاً مجرد كتاب ، ولكنها تعني الرسالة التي نادي بها المسيح ورسله ويُسمى في بعض المواضع " إنجيل الله " (رو 1: 1 ، 1تس 2:2،9 ، 1تي 1:11) ، كما يُسمي "إنجيل المسيح " ( مر1:1 ، رو 1: 16 ، 15: 9، 1كو 9: 12، 18، غل 1 :7) وفي موضع آخر " إنجيل السلام ( أف 6: 15) ، إنجيل خلاصكم " (أف 1: 13) ، إنجيل مجد المسيح " (2كو 4:4)" (1)

وأصبحت الآن تطلق على الأناجيل الأربعة أو العهد الجديد كله

وفي مرات كثيرة عندما يُهاجم الكتاب المقدس نقرأ مثل هذه العبارات:

"اتفقت كلمة المسيحيين منذ قرون على أن الأناجيل الأربعة (متى ، يوحنا، مرقس، لوقا) هي المقبولة عندهم، وتظاهر علماؤهم على أن ما

سوي هذه الأناجيل ومعها بعض الرسائل مرفوض ومزور ، وحرموا على أتباعهم قراءة هذه الكتابات المزورة .... ولم تقدم الكنيسة لأتباعها أي ضمان لصحة هذه الكتب التي اختارتها سوى أنها اختارتها ، وارتضاها أهلها ، وفرضت عليهم بمقتضي الإيمان أن يقبلوا ما قبلته الكنيسة ، وألا يناقشوا مضامينها وإلا تعرضوا للحرمان " (2)

ويضيفون إنه كان هناك ما لايقل عن مائة إنجيل وأن الكنيسة قد اختارت أربعة منها فقط وأن إنجيل برنابا إذا نظرنا إليه في ضوء مبادئ "النقد عند المسيحيين التي تثبت الكتاب المقدس موثوقاً به فحسب ، بل وأثبتته إلهامياً سماوياً فإن إنجيل برنابا في ضوئها يأتي موثوقاً به ، وليس عندهم أي مبرر لرفض إنجيل برنابا ، بل أن ما يدل على أصليته من الدلائل والشواهد الخارجية والداخلية لا يحظى به أي سفر من أسفار الكتاب المقدس " (3)

وعندما يقرأ البعض ما جاء في مقدمة إنجيل لوقا " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمورالمتيقنة عندنا كما سلّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة . رأيت أنا أيضاً إذ تتبعت كل شئ من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي عُلّمت به " لو 1:1 -4 . وهذا يؤكد أن هناك مؤلفات كثيرة كُتبت عن حياة المسيح وعندما يسمع البعض عن شهادة التاريخ أن هناك رسائل وأناجيل أخرى غير التى بأيدينا ظهرت في القرنين الأولين للمسيحية يتساءل إذاً لماذا هذه الكتب المقدسة التي بين أيدينا بالذات ، لماذا لم توضع كتب أخرى معها لتحظى بالتقديس الذي تحظى به السبعة وعشرون كتاباً ؟ هل هناك قانون أو معيار خاص أفرزت بواسطته هذه الكتب من غيرها ووضعت معا لتكون الكتاب المقدس " (4)

وفي البداية نحب أن نوضح ما يلي:

إن سير المسيح التي ظهرت تنقسم إلى قسمين :

1 - سير ظهرت في عصر الرسل : وهي بلاشك كانت مفيدة في وقتها ، وإن لم تكن على شئ من الوحي ، وهي التي أشار إليها القديس لوقا في مقدمة إنجيله والأرجح أن لوقا نقل عن هؤلاء الكتاب بوحي وإرشاد الروح القدس ما هو مفيد ، ثم أهملت كتبهم بعد ذلك ، إذ لم يبق حاجة إليها.

2 - المؤلفات التي ظهرت بعد عصر الرسل ، فإنها دُعيت أناجيل أي بشائر تقليداً للإنجيل الصحيح ونُسبت كذباً إلى الرسل . وكانت غاية مؤلفيها ادخال بدعهم وملفقاتهم إلى الكنيسة مثل إنجيل بطرس وتوما وبرثلماوس .. إلخ

إن الأساس الذي تقرر في نوره قبول أسفار العهد الجديد كأسفار قانونية هو أنها من الرسل ، وموحى بها من الله

لقد تأسست الكنيسة على أساس الرسل والأنبياء (أف 2: 20 ) الذين وعدهم المسيح بإرشادهم إلى جميع الحق بالروح القدس ( يو 16: 13) ، وقد استمرت الكنيسة في تعليم الرسل ( أع 2: 42) وليس شرطاً أن يكون كتَّاب الأسفار رسلاً ، لكن أن تكون كتابة الأسفار تمت تحت أشراف الرسل.

وهناك ثلاثة أسباب أدت إلى تقرير الأسفار القانونية للعهد الجديد

1- هرطقة مارسيون ( 140م) الذي كوّن أسفاره القانونية وأخذ ينشرها ، فعزمت الكنيسة على تقرير الأسفار القانونية لإنهاء تأثيره

2- استخدمت بعض الكنائس كتابات مزورة في العبادة ، فلزم وضع حد لهذا

3 - قرار دقلديانوس عام 303 م أن يدمر الكتب المقدسة للمسيحيين، فعزم المسيحيون أن يعرفوا أي كتب تستحق أن يموتوا لأجلها " (5)

كتب الأستاذ حبيب سعيد: " ينبغي ألا نتصور أن مجمعاً من مجامع الكنيسة جلس في هيئة لجنة وأمامه عدد من البشائر والرسائل ، وبعد بحث ومناقشة أخذت الأصوات لاختيار بعضها كأسفار قانونية ( أي أسفار صحيحة في مصدرها وُموحي بها ) ورفض البعض الآخر ، إنما الواقع أن مجامع الكنيسة تناقشت لتقرير نتائج كان قد فرغ البحث منها وانتهى الوصول إليها ، وبحسب ما لدينا من أدلة تاريخية كان مجمع قرطاجنة الذي انعقد سنة 397 م أول مجمع صدق على المجموعة الكاملة لأسفار العهد الجدبد ، ولم يصدق نهائياً مجمع الكنائس الشرقية إلا في سنة 692م على قانونية الأسفار التي اعترف بصحتها القديس أثناسيوس قبل هذا التاريخ بثلاث مائة سنة ( أي في سنة 397م).

ومن ثم نرى تكوين المجموعة القانونية الرسمية لأسفار العهد الجديد عملاً تدريجيا تقوم به الكنيسة الجامعة تحت إرشاد الروح القدس ، ولم تكن المهمة مقتصرة فقط على جمع الأسفار ، بل بحثها وغربلتها ورفض ما لم يثبت صحته .

إن الأدلة ناهضة على أن البشائر الأربعة قُبلت كوثائق رسمية قانونية بالاجماع حوالي أواخر القرن الثاني ، وفي الفترة بين القرن الثاني والخامس شب خلاف في الرأي عن بعض أسفار العهد الجديد مثل رسالة بطرس الثانية والرؤيا ، ولكن لم يرتفع صوت واحد بالطعن في قانونية البشائر الأربع وصحة مصدرها .

لقد كان في القرنين الأول والثاني من تاريخ الكنيسة ثلاث كنائس كبرى - أنطاكية وأفسس ورومية ، وبسبب علاقاتها الرسولية ، اكتسبت هذه الكنائس بطبيعة الحال شهرة ونفوذاً، ويقول العلماء إنه في هذه المدن الثلاث العظمى ظهرت البشائر لأول مرة ، لوقا ومرقس في رومية، ومتى في أنطاكية ، ويوحنا في أفسس واشتهر كل من هذه البشائر في الكنيسة والمدينة التي ظهرت فيها لأول مرة ، ثم ظهرت في الكنيستين الآخريين، وبعد ذلك قبلتها جميع الكنائس . وكانت هذه الشهرة والمكانة العظيمة التي حظيت بها البشارة الواحدة في مسقط رأسها هي التي حالت دون استبعادها أو إحداث أي تغيير فيها لتنسجم مع البشائر الأخرى.

وقد وضع الدكتور "سترينر" وهو حجة في دراسة بشائر الإنجيل الأربعة كتاباً عنوانه " البشائرالأربع" جمع فيه الأدلة التي تثبت الزمن التقريبي الذي وصلت فيه البشائر المختلفة إلى كنائس أنطاكية ورومية وأفسس ، وفي رأيه أنه فى سنة 180م كانت البشائر الأربع قد ‘جمعت في مجموعة واحدة واعترفت بها الكنيسة كلها - ممثلة في أنطاكية وأفسس ورومية - أسفاراً موحى بها .

أما تكوين مجموعة قانونية رسمية من هذه الأسفار ، فكان تطوراً طبيعياً دعت إليه الحاجة . وفي هذا يقول د. ستريتر " بما أن الوحي لا يكون كاملاً ما لم يدّون تدويناً صحيحاً ، فقد كان منطقياً من البدء أن يتجه التفكير إلى تكوين العهد الجديد لتكملة العهد القديم .. والجماعة عادة لا تخلع الصفة القانونية الرسمية على مجموعة من المؤلفات إلا بعد أن يتقادم عهدها وتبلغ درجة عليا من الشهرة وقوة السلطان بسبب خواصها الداخلية، أما هذا العمل ذاته ، أي خلع الصفة القانونية ، فإنه لا يجعلها "أسفاراً مقدسة"

أما السبب الثاني الذي حمل الكنيسة على اختيار مجموعة رسمية من أسفارها وكتبها ، فهو ذيوع مدارس كثيرة من الثيوصوفية ، والتي أطلق عليها اسم " الغنوسية " وكان الفوز الذي أصابه " مرسيون" الغنوسي في نشر دعوته ، من العوامل التي عجلت في تكوين المجموعة الرسمية لأسفار الإنجيل.

ومن ثم نرى الكنيسة في أواخر القرن الثاني - مسوقة بهذين العاملين الأساسيين - تملك في حوزتها عهداً جديداً لصيانة التعاليم الرسولية . وكان المحك لقبول الأسفار في المجموعة القانونية الرسمية مزدوجاً .

أولاً: الاستيقان من صحة مصدرها الرسولي

ثانياً : قيمتها في البنيان

وأقدم محاولة لكتابة مجموعة كاملة من الأسفار المقبولة على أسس صحيحة نجدها في القائمة الموراتورية ، وماتزال هذه المجموعة باقية في ترجمتها اللاتينية ، ويرجع تاريخها إلى القرن السابع وقد كُتبت في الأصل باليونانية حوالي سنة 200 م وهذه الوثيقة التي تمثل وجهة نظر الكنيسة الرسمية في رومية ليست بياناً عن الأسفار وحسب ، بل تشمل تعليقات عن المؤلف ومشتملات كل سفر " (6)

لقد تقررت قانونية هذه الأسفار وكان هناك ضمانات واضحة لصحة هذه الأسفار، فالله ألهم وقاد الكنيسة الأولى في قبول الصحيح الذي أوحى به روحه القدوس ، وتم رفض ما كان خارجاً عن حدود الوحي . فجاء الإنجيل الصحيح كما نراه الآن ، ولم يبق اليوم مجال لقبول مؤلفات جديدة وضمها إلى الإنجيل الحقيقي، لأن جمع الإنجيل قد أكمل وختم عليه الذين كانوا أهلاٌ للختم عليه ، أي أنه لم يبق مجال لقبول إنجيل برنابا ، لأن أمثال هذه الأناجيل لا تخرج عن حيز تقاليد لا يمكن التثبت من صحتها أو كذبها إلا بمقابلتها مع البشائر الأربع. (7)

واعتقد أن هذا ينطبق على جميع الكتب الأخرى ، فلا مجال لإضافة أي إضافة لهذه الكتب اليوم .

وإن فحص المحتوى الداخلي لأي إنجيل يحدد من هو كاتبه وتاريخ كتابته

وعندما نطبق هذا على إنجيل برنابا نتأكد أن مؤلفه ليس هو برنابا المذكور في سفر الأعمال ، فمحتوياته تؤكد أنه كُتب في العصور الوسطي وليس في زمن الرسل ، الوقت الذي كُتبت فيه الأناجيل القانونية المعترف بها.


(1) دائرة المعارف الكتابية . مجلد 1 . ص 441

(2) الاتفاق والاختلاف بين إنجيل برنابا والأناجيل الأربعة. محمد عبد الرحمن عوض. ص 5

(3) دراسات في الكتاب المقدس . د. محمود على حماية . ص 128

(4) المدخل إلى العهد الجديد. د.فهيم عزيز. ص 144

(5) برهان يتطلب قراراً. ص 49-50

(6) المدخل إلى الكتاب المقدس . حبيب سعيد . دار النشر الأسقفية. ص 228 - 234

(7) إنجيل برنابا . جاردنر . ص 12-13

ثانياً : ظاهرة الانتحال

"إن ظهور ما يُسمى بالأدب المنحول ظاهرة أدبية واجتماعية طبيعية، رافقت كبريات الحركات الفكرية والدينية والأدبية في العصورالقديمة. ذلك لأن هذه العصور كانت تفتقر إلى ما نعرف اليوم من وسائل الطباعة والإعلام وفنون النقد الفكري والتاريخي ، وحقوق الطبع والنشر، التي لا تدع مجالاً في أيامنا لأي شك في صحة ما يُنسب إلى هذا المفكر وذاك الكاتب.

وما كانت المسيحية بعيد ظهورها ، وانتشارها ، بمنأى عن بروز مثل هذه الظاهرة في صميمها ، فانتشرت هنا وهناك في حوض البحر المتوسط ومنذ أواخر القرن الثاني ، مؤلفات كثيرة نُسبت إلى هذا أو ذاك من الرسل الأولين.

وإن لبروز مثل هذه الظاهرة أسباباً كثيرة ، ليس من العسير تقصيها ، منها ما هو نفسي اجتماعي، ومنها ما هو عقائدي لاهوتي.

يكمن السبب النفسي في حماس المسيحيين الأولين وفي تعطشهم إلى كل ما يمت إلى حياة المسيح بصلة وما هذا الأمر بغريب . فكذا كانت وكذا ستبقي علاقة الجماهير بزعيم أحبته وآمنت به ، وأنه لمن الواضح أن الإنجيل المعتمد لا ينطوي إلا على الخطوط الكبرى من سيرة المسيح وعلى الأقوال العظمى من تعليمه . فكان لابد لجماهير المؤمنين من المزيد. وما كانت لتعدم أقلاماً تستجيب لهذه الرغبة ، فكان لها ما أرادت، وأكثر مما أرادت. ذلك بأن المؤلفات الجديدة حاولت أن تعوض عن صمت الإنجيل الرسمي حول بعض سيرة المسيح أولاً، وسيرة الرسل الأولين ثانياً، فتجاوزت في محاولتها كل حد ، حتى خلطت الواقع بالخيال والتاريخ بالأسطورة وأما السبب العقائدي ، فينبع من مصدرين :

الأول : تصميم اليهودية المتهاوية على مقاومة المسيحية ، والثاني : تسلل البدع إلى ‘صلب العقيدة الجديدة ، فظهرت أناجيل تنطوي على بعض الانحرافات العقائدية ، منها على سبيل المثال "إنجيل بطرس" وهو يدَّعي بأن المسيح شبَّه للناس بشراً ليس إلا في حياته ومماته . ومنها "إنجيل المصريين " الذي يدعو إلى تزمت خانق ، فلا يرى في الحياة خيراً ، ويدعو إلى الزهد المطلق فيحرم الزواج . ومنها أيضاً "إنجيل توما" و"إنجيل فيلبس" اللذان يأخذان مبادئ الغنوسية ، فيجعلان من المسيح خليقة متفوقة ليس إلا في سلسلة الخلائق الكثيرة التي تحتل سلم الوجود الممتد من الله إلى الإنسان . وكثرت الكتب المنحولة كثرة عجيبة. وتنوعت بحيث تقابل في نوعيتها أسفار العهد الجديد. وقد حفظ لنا التاريخ من بعضها أسماً ليس إلا، ومن بعضها النص كاملاً "(8)

وسوف نوضح في سطور موجزة بعض النقاط:

هدف هذه الكتب المنحولة

كتَّابها

صفاتها

الموقف الكنسي منها

أولاً : هدفها

كما أوضحنا كُتبت هذه الكتب لتأييد هرطقة من الهرطقات والادَّعاء بأن تعليمها رسولي ، أو لتفصيل الأناجيل القانونية باضافة إضافات أسطورية ، لإعطاء أهمية لبعض المفاهيم التى سادت بعض الدوائر الهرطوقية ولنشر وتأييد أفكار هذه البدع.


(8) حول الإنجيل وإنجيل برنابا . ص 47-49

لمزيد من الدراسة حول هذه الكتب ارجع إلى :

1- دائرة المعارف الكتابية . مجلد 1. ص 37

2- إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح . ص 67-100

3- New Testament Apocrypha

4- Nag Hammadi libarery

ثانياً : كتَّابها:

كتَّاب هذه الكتب هم أفراد من مروجى هذه الهرطقات ، وقد نسبوا بعض هذه الكتب لمن انتشرت بينهم ، مثل إنجيل العبرانيين ، وإنجيل المصريين، أو نسبوها لكتابها مثل إنجيل ماركيون وإنجيل ماني، ونسبوا جزءاً كبيراً منها للرسل لتلقى رواجاً عند العامة من المؤمنين (9)

وهي بذلك تُنسب إلى كتاب لايمكن أن يكونوا قد كتبوها.

ثالثاً : صفاتها

نبعت هذه الكتب أساساً من المذاهب الهرطوقية ، لذلك فهي تحتوى على تعاليم تناقض الكتاب المقدس ومن السمات البارزة لها :

1- خرافية

الأعمال الأبوكريفية تزعم أنها تقدم تفاصيل أكثر مما في سفر الأعمال الكتابي عن أنشطة الرسل والزيادات التي فيها مصبوغة بالمبالغات والتهاويل ، فهي مملوءة بالروايات الغريبة التي اختلقها خيال جامح فهي خالية من اللياقة ، بعيدة عن الحقيقة ، وهي تصور الرسل في مستوى أعلى من مستوى البشر ، والصفات التي تسجلها لهم الأسفار القانونية تختفي تماماً ، فهم يسيرون في العالم كرجال ملمين تماماً بكل أسرار السماء والأرض، ويمتلكون قدرات لا حدود لها ، فلهم القدرة على الشفاء واخراج الشياطين وإقامة الموتي ، ومع أن هذه الأفعال العجيبة كثيراً ما كانت تحدث ، إلا أن هذه الأسفار تروي معجزات أتاها الرسل تذكرنا بالخوارق اللامعقولة عن طفولة يسوع المذكورة في إنجيل توما، مثل جعله سمكة مشوية تعوم ، أو تمثالاً مكسوراً يصبح سليماً بواسطة رشه بمياه مقدسة ، أو طفلا ذا سبعة شهور يتكلم بصوت رجل بالغ، أو أن تصبح الحيوانات قادرة على الكلام بلغة البشر.


(9) إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح . ص 98

2- الخوارق

تبدأ الأعمال الأبوكريفية في أغلب الأحيان بالخوارق ، فيظهر الملائكة في روئ أو أحلام وتُسمع أصوات من السماء ، وتهبط السحب لستر الأمناء في وقت الخطر كما تفتك الصواعق بأعدائهم ، وقوات الطبيعة المخيفة من زلازل ورياح ونيران تبعث الرعب في قلوب الفجار.

وفيها يظهر المسيح بأشكال متعددة ، فمرة يظهر على هيئة رجل عجوز، ومرة في هيئة فتى ، ومرة أخرى في هيئة طفل، ولكن بصفة غالبة يظهر في صورة هذا الرسول أو ذاك . يقول وستكوت : "في المعجزات الأبوكريفية لانجد مفهوماً سليماً لقوانين تدخلات العناية الإلهية ، فهي تجري لسد أعواز طارئة ، أو لارضاء عواطف وقتية ، وكثيراً ما تنافى الأخلاق ، فهي استعراض للقوه بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عُملت معه المعجزة .

3- الزهد الجنسي

كل أسفار الأعمال الأبوكريفية تتخللها فكرة أن الامتناع عن الزواج هو أسمى شرط للدخول إلى الحياة الفضلى وربح السماء ( كما هو واضح في أعمال أندراوس وإنجيل المصريين).

4- التعاليم الهرطوقية

لا تكاد تخلو جميع الأعمال الأبوكريفية ، ماعدا أعمال بولس . من هرطقات ، تمثل فكراً دوسيتياً ( أي أن حياة المسيح على الأرض لم تكن إلا خيالاً غير حقيقي ) ، وتبرز هذه الفكرة بشدة في أعمال يوحنا حيث نقرأ فيها أن يسوع عند سيره لم تكن أقدامه تترك أثراً ، وأنه عندما كان الرسول يحاول أن يمسك بجسد المسيح كانت يده تخترق الجسد بلا أي مقاومة ، وأنه بينما كانت الجموع تحتشد حول الصليب ، ويسوع معلق عليه أمام أنظار الجميع ، كان السيد نفسه يتقابل مع تلميذه يوحنا على جبل الزيتون ، فلم يكن الصلب إلا منظراً رمزياً. فالمسيح تألم في الظاهر فقط"(10)

لهذه الأسباب السابقة وغيرها رُفضت هذه الكتب ولم تعترف بها المسيحية ككتب قانونية على مر العصور. فهل بعد هذه الفكرة يستطيع أي قائل أن يقول أن الكنيسة اختارت كتبها دون أن تقدم أسساً واضحة لهذا الاختيار وأنها فرضت هذه الكتب على المؤمنين دون قاعدة واضحة، من المستحيل بالطبع.

كتابات أخرى تُنسب إلى برنابا

أوضحنا فيما سبق ظاهرة الانتحال وكيف أن كثيراً من الكتب نُسب إلى أشخاص معروفين لم يكتبوها لتلاقي رواجاً وانتشاراً . ومن الأدلة على عدم صحة نسبتها، أنه بدراسة محتويات كتب تُنسب إلى نفس الشخص نجد أنها تتناقض معاً ولا يمكن أن يناقض الشخص نفسه - إلا إذا كان شخصية غير سوية - ومثال ذلك فيما يتعلق بدراستنا ما نُسب إلى برنابا:

1- أعمال برنابا

2- رسالة برنابا

3- إنجيل برنابا موضوع دراستنا

وفيما يلي سوف نقدم فكرة مختصرة عن العملين الأولين :

1- أعمال برنابا :

"يرجح أنها كتبت في قبرس في القرن الخامس أو بعد ذلك ، ويذكر فيها أن الكاتب هو يوحنا مرقس ، وهي مبنية على سفر الأعمال الكتابى ،

وتروي رحلات برنابا وبولس ونزاعهما حول مرقس ، ثم رحلات برنابا بعد ذلك واستشهاده في قبرس، حيث ذهب مرقس بعد ذلك إلى الأسكندرية.. وهي امتداد خيالي لسفر الأعمال الكتابى" (11)

2- رسالة برنابا

تتكون من 21 أصحاحاً ، لا تبدأ بالتحية ولا بالعنوان ، ولا باسم الكاتب ( أي لم يُذكر أن برنابا هو كاتبها ) فهي عبارة عن عظة .

نسبها إلى برنابا كل من أكليمندس الأسكندرى ، وأوريجانوس ، ويوسابيوس القيصرى ويرى الدارسون أنها كتبت حوالي سنة 130م

ودراسة محتويات هذه الرسالة تؤكد أنه لا يمكن أن يكون برنابا هو كاتبها لما يلي :

1- لا يمكن أن يقول برنابا إن المخلص انتخب " رسله وهم فوق كل خطية " (5: 9)

2- إن برنابا اللاوي لا يمكن أن يكون غريباً عن العوائد اليهودية التي يجهلها صاحب هذه الرسالة

3- التعليم عن العهد القديم الذي هو أساس الرسالة غريب عن فكر العهد الجديد.

واستناداً إلى الانتشار الواسع لهذه الرسالة في مصر، وبالنظر إلىالطريقة الرمزية (12) في تفسير العهد القديم ، يرى الكثيرون أن هذه الرسالة كُتبت

في الأسكندرية، وبدراسة محتوى هذه الرسالة نجد فيها ما يتفق مع الفكر الكتابي ويخالف ما جاء في إنجيل برنابا مثل :

-المسيح هو ابن الله آتياً بالجسد (5: 6-10 ، 12: 10-11).

2-موت المسيح الفدائى على الصليب (5: 11-13، 7: 2-3، 14: 4-5، 15: 9)

3-انكار أهمية الختان الجسدى( 9: 4)

وقد طُبعت الرسالة لأول مرة سنة 1642 في أكسفورد بواسطة رئيس الأساقفة الإنجليكاني عن مخطوطة لاتينية قديمة تعود إلى القرن الثالث الميلادي وكانت تحتوي على ثمانية فصول فقط . ثم عُرفت كاملة بواسطة تشيندروف سنة 1859 بعد اكتشاف المخطوطة السينائية . وطبعت سنة 1862 (13)


(10) دائرة المعارف الكتابية . ص 38-58

وانظر أيضاً 1- إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح . ص 67-100

2- أبو كريفا العهد الجديد N.T Apocrypha

3- مخطوطات نجع حمادى Nag Hammadi Libaray.

(11) دائرة المعارف الكتابية . مجلد . 2 . ص 145

ولمزيد من الدراسةحول أسفار الأعمال الأبوكريفية ونقدها ارجع إلى : دائرة المعارف الكتابية . مجلد1 . ص 43 وما بعدها.

(12) الآباء الرسوليون.عّربه من اليونانية البطريرك إلياس الرابع معوض.ص75-76 .

ففي القسم الأول من الرسالة (2-17) يرى كاتب الرسالة أن الناموس الذي أعطاه الله لليهود له معنى رمزي.

فمثلا تحريم الخنازير لا يجب أن يُفهم بالحرف، إنما يقصد منه تعليم وتحذير من مرافقة "الرجال الذين يشبهون الخنازير" (ف2)

والصيام والذبائح لا يجب أن تفهم مادياً لأن الله "لا يحتاج إلى الذبائح والتقدمات والمحرقات بل يقصدالابتعاد عن التفكير الشرير قولاً وعملاً (ف2،3) والتطهير لا يعني تطهير الجسد، بل تطهير السمع والقلب أي الابتعاد عن السوء فكراً وعملاً .

(13) انظر نص الرسالة في :

1- الأباء الرسوليين. ص 72 وما بعدها

2- حياة برنابا رسول المسيح . القمص بيشوي عبد المسيح . ص 46-64

الصفحة الرئيسية