الموضوع الثالث عشر: السحب الركامية

   السحب الركامية هي السحب المتراكمة بعضها فوق بعض بشكل عمودي ، وهي التي تُمطرنا في غالب الأحيان ، ويبدأ تكوينها من وحدات من السحب تسوقها التيارات الهوائية الصاعدة ، والتي تحمل شحنة كهربائية موجبة تتحد بنظيرتها السالبة في الفضاء فتُكَوِّن مجالا كهربائيا يساهم في تحويل البخار الصاعد إلى قطرات مائية ، وبازدياد هذه الأخيرة تتساقط الأمطار.

بخصوص هذا الموضوع اخترت الآية 43 من سورة النور والتي يشير إليها العديد من المسلمين في مؤلفاتهم . تقول هذه الآية :" ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار " . هذه الآية في نظر السيد ع الفتاح طبارة تحوي إعجازا من نواحي كثيرة ولذلك يقول "...ومن مظاهر السحب الركامية أنها تنمو في الإتجاه الرأسي ، وقد تصل إلى علو كبير جدا وتظهر لمن ينظر إليها من بُعد كالجبال الشامخة ولا يعرف التشابه بين السحب والجبال إلا من يركب طائرة تعلو به فوق السحاب فيراها من فوقه كأنها الجبال وهذا ما وصفه القرآن للسحب الركامية بقوله:" وينزل من السماء من جبال فيها من برد " وإذا علمنا أن الطائرة لم تكن في عصر نزول القرآن ـ يقول عفيف طبارة ـ فإن وصف السحب الركامية بالجبال إعجاز علمي للقرآن" (1) ويستمر هذا المؤلف قائلا:"...هذا وإن القرآن الكريم ذكر أن السحب الركامية تجود بالبرد (فيها من برد) وهذه حقيقة علمية أخرى يعلنها القرآن"(2) ثم أضاف قائلا:" وهناك حقيقة علمية أخرى ذكرتها الآية وهي أن السحب الركامية هي وحدها التي يمكن أن يتولد منها البرق كما قال(القرآن)(يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)...وليس من اللازم أن يتساقط البرد والمطر بمجرد تكونه ، إذ ربما يحول تيار الهواء الصاعد دون نزوله في مكان معين حتى إذا ما ضعف هذا التيار ، هوى المطر أو البرد على هيئة زخات وهذا معنى قوله (فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء)" (3).

ـ أما ما يقوله المفسرون المسلمون عن هذه الآيات فهو كالتالي:

* محمد علي الصابوني :" (ألم تر أن الله يُزجي سحابا) أي يسوق بقدرته السحاب إلى حيث يشاء(ثم يؤلف بينه) أي يجمعه بعد تفرقه (ثم يجعله ركاما) أي يجعله كثيفا متراكما بعضه فوق بعض(فترى الودق يخرج من خلاله)أي فترى المطر يخرج من بين السحاب الكثيف(وينزل من السماء من جبال فيها من برد)أي وينزل من السحاب الذي هو كأمثال الجبال بردا (فيصيب به من يشاء)أي فيصيب بذلك البرد من شاء من العباد فيضره في زرعه وثمرته وماشيته(ويصرفه عن من يشاء) أي ويدفعه عمن يشاء فلا يضره، قال الصاوي: كما ينزل المطر من السماء وهو نفع للعباد كذلك ينزل منها البَرَدُ وهو ضرر للعباد (يكاد سنا برقه) أي يقرب ضوء برق السحاب(يذهب بالأبصار)أي يخطف أبصار الناظرين من شدة إضاءته وقوة لمعانه" (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص54    

2: نفس المرجع  

3: روح الدين الإسلامي ص54

4: صفوة التفاسير (في تفسير سورة النور)

 

* ابن كثير:" يسوق السحاب بقدرته أول ما ينشئها وهي ضعيفة وهو الإزجاء(مصدر يُزجي) (ثم يؤلف بينه) أي يجمعه بعد تفرقه(ثم يجعله ركاما) أي متراكما ؛ أي يركب بعضه بعضا (فترى الودق) أي المطر (يخرج من خلاله) أي من خلله ، وكذا قرأها ابن عباس والضحاك، وقوله (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) ذهب بعض المفسرين إلى أن معناه ، أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد ، والبعض الآخر جعل الجبال كناية عن السحاب "(1).

 

 

                               الإعتراضات:

1ـ قال زيد بن عمرو بن نفيل في أحد أشعاره:

وَأَسْلَمْتُ وجهي لمن أَسْلَمَتْ         له المُزْنُ تحمــل عذبا زُلالا

إذا هي سِيقَتْ إلى بـــــــلدة         أطاعت فَصَبَّتْ عليها سِجَالا (2)

{ المزن: السحاب.   سجال:ج سجل وهو الدلو من الماء واستعاره للدلالة على المطر الكثير} .

ـ لقد استعمل الشاعر في هذه الأبيات كلمة "المزن" وهو السحاب المُمْطِر أي بلغة العصر " السحب الركامية " وعبر عن تجمعها بواسطة الريح بكلمة " سِيقَتْ " وبالتالي بعد تجمعها تُعطي المطر الغزير .

فهل كان هذا الشاعر نبيا ياتُرى؟ وهل ما قاله إعجاز؟

بالطبع لا ، لكننا نستنتج أن ما استعمله سواء الشاعر أو القرآن ما هي إلا تعابير مألوفة عند القريشيين .

2ـ إن ما تصفه الآية القرآنية هو شيء سهل وبسيط يمكن استخلاصه بمجرد الملاحظة ولكي نكون محقين في قولنا سنستعرض كل مرحلة على حدة حتى يدرك القارئ سبب استنتاجاتنا :

أ ـ السحب تتراكم وتتجمع: أي شخص عادي يمكنه رؤية هذه العملية وبسهولة بالغة ، فمن منا لا يرى السحاب وهو يتجمع في الأعالي شيئا فشيئا إلى أن تبدأ الأمطار في التهاطل؟؟

ب ـ وصف السحاب بالجبال: عندما نود وصف عظمة شيء معين لا بد وأن نستعمل أشياء عظيمة قريبة منا في تلك اللحظة ويفهمها الشخص الذي نخاطبه ، ولعل الآية في وصفها لعظمة السحب استعملت "الجبال" لأنها موجودة في شبه الجزيرة العربية و يستطيع القريشي بسهولة فهم هذا التشبيه ، إضافة إلى هذا نجد بعض المفسرين يفسرون الآية كما رأينا ، بأن هناك جبال في السماء يأتي منها البرد وهذا بالطبع لا مجال له من الصحة ، أما التعليق الذي أفادنا بأن السحب لا يُمكن رؤيتها متراكمة كالجبال إلا بالطائرة وهذه الأخيرة لم تكن متوفرة لمحمد حتى يقول ما قال فإننا نرده بقولنا إن السحب يمكن رؤية عظمتها وتراكمها الأفقي فتظهر كالجبال وكم من مرة تأملت السحب وبدت لي تُشبه أشكالا كثيرة من بينها الجبال ولعل الأشخاص الذين سبق وتأملوا سحب السماء سيوافقوني الرأي ، وبالرغم من ذلك فإن القرآن لم يحدد وجه الشبه ( هل هو التراكم الأفقي أم العمودي) لذا فلن نقبل هذا التأويل كدليل على إعجاز القرآن.

ج ـ البرق لا يتولد إلا من السحب الركامية: هذه الحقيقة هي الأخرى تظهر بمجرد الملاحظة ، فعندما كنت صغيرا ودون أن يعلمني أحد ، كنت أدرك أن البرق لايكون إلا عندما تكون الغيوم الممطرة (السحب السوداء) وهذه الأخيرة هي السحب الركامية نفسها ، وإلى الآن يوجد فلاحون أميون لكنهم يعرفون حقائق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: ابن كثير في تفسيره لسورة النور      

2: سيرة النبي لابن هشام في ذكره لزيد ابن عمرو

عديدة عن الأمطار والسحب أعظم من هاته الحقائق التي تطرقنا إليها ولو وُصفَ ما يعرفونه ، بمصطلحات علمية لصار هو الآخر من الإعجاز. فكم بالأحرى أناس عاشوا في شبه الجزيرة العربية تدربوا على معرفة أسرار الطبيعة وأحوال الطقس ينتظرون الأمطار بلهفة في مواسمها ولا شغل لهم إلا الرعي والتجارة ، ولو تصفحت أشعارهم لوجدت معظمها عن الطبيعة بكل ظواهرها ، فلماذا نستغرب ذكر القرآن لجزء من ذلك ونعتبره إعجازا علميا؟

ومع ذلك نقول بأن الآية لم تقل إن البرق أنتجته السحب ، بل فقط نجده مذكورا في سياق الكلام عن المطر والسحب ، وهذا أمر طبيعي يقوله أي شخص أراد التحدث عن جو ممطر، ولا يمكن القول بأن مجرد ذكر البرق بعد ذكر السحب ، دليل على معرفة القرآن بكون السحاب هو المنتج للبرق ، فمثلا نجد في آية أخرى :" يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال " الرعد 13، فهل نقول هنا أيضا بأن السحب ينتجها البرق لمجرد أنها ذُكِرت بعده ؟؟

إذن فهذا أيضا تأويل واهٍ واجتهاد على النص القرآني لا نقبله لعدم كفاية الأدلة التي تؤيده.

أما ماسنختم به هذا الموضوع فهو سؤال عن أمر غريب وستليه الإجابة أيضا :

ـ إذا كان القرآن قد ذكر البرق ، وتوصل إلى أنه يتولد عن السحب الركامية نتيجة إفراغ الشحن الكهربائية وحوى كل هذه المعرفة العلمية كما يقولون ، فلماذا أخفق وأخطأ خطأ عظيما عندما ذكر الرعد؟ سيقول قائل كيف ذلك؟ وأين؟

لذلك نجيب بما يلي:

ـ ورد بسورة الرعد الآية 13:" يسبح الرعد بحمده والملائكة من خفته " قال المفسرون :" أي يسبح الرعد له تسبيحا مقترنا بحمده والثناء عليه وتسبح له الملائكة خوفا من عذابه وتسبيح الرعد له حقيقة دل عليها القرآن فنؤمن بها وإن لم نفهم الأصوات " (1) .

وفي الحديث عن ابن عباس أنه قال:" أقبلت يهود إلى النبي فقالوا : ياأبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟؟ قال  ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريف من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ، قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر . قالوا صدقت " رواه الترميذي بسند حسن (2).

[مخاريف:ج مخراف وهو ثوب يُلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا والمراد به هنا آلة يزجر بها الملك السحاب ، والصوت الذي يُسمع من الرعد هو حركة سوقه] (3).

ـ لا أظن أن هذا هو الآخر إعجازا علميا ، فالرعد كما تعلمنا وكما يعرفه جميع العلماء ، هو نتيجة التفريغ الكهربائي بين الشحن ، فعندما يزداد البرد داخل السحب تنفصل شحن كهربائية كبيرة فتولد بذلك ضغوطا كهربائية وبازديادها تخرق الهواء الذي هو بمثابة عازل  فيتم التفريغ الكهربائي وعند ذلك نرى البرق ثم نسمع الرعد يتبعه في غالب الأحيان ، فلماذا لم يفطن القرآن ولا الحديث لهذه الظاهرة إن كان فعلا قد سبق ركب العلم كما يدعون؟ هل صار التفريغ الكهربائي ملاكا له سوط يسوق به السحاب ويزجره به ؟ لماذا لم يجد محمد التفسير العلمي لهذه الظاهرة ؟ وهل الرعد هو الذي يسوق السحاب أم الريح ؟

فليخبرنا المدعون بالإعجاز أين ذهب إعجاز القرآن في وصفه للرعد ؟؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: صفوة التفاسير (في تفسير سورة الرعد)

2: التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول (في تفسير سورة الرعد)

3: غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول (في تفسير سورة الرعد)

عودة