الموضوع الرابع عشر: اهتزاز الأرض عند  سقوط المطر

    تقول الآية 5 من سورة الحج:" وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج "  علق أحدهم على هذه الآية مدعيا أنها تحمل هي الأخرى نصيبها من الإعجاز العلمي فقال.." يصرح القرآن بأن الأرض تهتز ويزيد حجمها إذا نزل المطر عليها وهذه حقيقة علمية يؤيد بها العلم القرآن ، فقد دلت البحوث في الأرض أن لها مساما يتخللها الهواء ، وأن نزول الماء على الأرض يدفع الهواء ويحل محله ، وعند امتلاء مسام الأرض بالماء تتحرك جزئيات الطين ، بقوة دفع الماء في المسام ، وعلوم الكيمياء أثبتت أن الطين يتمدد بالماء وينكمش بالجفاف ، فالأرض عندما ينزل عليها الماء تتحرك وتزداد في الحجم ، وقد أمكن قياس حركة الأرض إذا ما أصابها الماء كما أمكن معرفة الزيادة في حجمها " (1).

أقوال المفسرين :

    ـ قال الشيخ محمد علي الصابوني :" أي وترى أيها المخاطب أو أيها المجادل الأرض يابسة ميتة لا نبات فيها ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) أي فإذا أنزلنا عليها المطر تحركت بالنبات وانتفخت وزادت وحييَت بعد موتها " (2).

   ـ قال ابن كثير :" (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي فإذا أنزل الله عليها المطر اهتزت أي تحركت بالنبات وحييت بعد موتها وربت أي ارتفعت لما سكن فيها الثرى ثم انبتت ما فيها من الألوان والفنون من ثمار وزرع وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها وروائحها وأشكالها ومنافعها ولهذا قال (وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي حسن المنظر طيب الريح " (3).

   ـ وللإضافة نقول بأن الآية 39 من سورة فصلت لها نفس المعنى أيضا إذ تقول " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " .

 

                                   الإعتراضات:

ـ سألفت انتباه القارئ إلى أمر غريب وهو أن زيد ابن عمرو ابن نفيل (4) الذي مات قبل أن يوجد القرآن قد قال في أحد أشعاره :

  رضـيـت بك اللـــهم ربــــا فــلن أُرى       أدين إلــها غـــيــرك اللــه

ثــــــانيا

وأنت الذي من فضـل مَنٍّ ورحمــــة بعثت إلى موسى رسولا منــــاديا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص 57 

2: صفوة التفاسير في تفسيره لسورة الحج      

3: ابن كثير في تفسيره للحج 5

4: وتروى القصيدة لأمية بن أبي الصلت .         

  فقـلت له اذهب وهارون فادعـــــوا         إلى الله فرعون الذي كان طاغيا

وقولا له من يُنبت الحَب في الثرى         فيصبح منه البقل يهتز رابـــــــــيا(1)

 

لاحظ معي أنه قال في آخر بيت "يهتز رابيا " وهذا يساوي قول القرآن " اهتزت وربت " فهل شعر زيد إعجاز أيضا؟

بالتأكيد ان هذه التعابير اعتيادية لدى العرب حينذاك وإلا فقصيدة زيد هي الأخرى وحي إلهي !

ـ وأقوال المفسرين دلت على أن المقصود بالكلمتين (اهتزت وربت ) هو تحرك القشرة الأرضية بخروج النباتات وازديادها ارتفاعا بنمو هاته البقول .

ـ وكذا سياق الآية يقتضي أن يكون المعنى هو ماذكره المفسرون لأنه قال:(اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) أي أن الإهتزاز والزيادة المقصودين هو خروج النباتات وبعد ذلك ظهورها ونموها وهذا ماعناه الشاعر في أبياته أيضا.

ـ إضافة إلى كل هذا نجد الآيات موجهة أول الأمر إلى عرب قريش ويتخذ محمد هذه الظاهرة (أي اهتزاز الأرض) دليلا على عظمة الله ، حيث يقول (ومن آياته) أي ومن معجزاته وعجائبه تعالى ، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يفهم عربي قريشي آنذاك اهتزاز الأرض ويقتنع به كدليل على عظمة الله ؟ من تم نرى أنه من اللازم أن يكون هذا الإهتزاز شيئا مفهوما عند العرب آنذاك حتى يقتنعوا به كبرهان على قدرة الله ، وفعلا فالعرب كانوا يفهمون كيف أن القشرة تهتز وتتشقق شيئا فشيئا لتخرج منها النباتات وتهتز وتربو على سطحها .

وبالنتيجة نقول أن الآية لا تحمل داخلها إلا أقوالا بسيطة جوفاء وخالية من الحقائق العلمية الحديثة ، ولا يحق لأي أحد كان أن ينادي بالإعجاز المنسوب زورا لها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1:سيرة ابن هشام في ذكره لزيد بن عمرو .

عودة