الموضوع الرابع : الشــــــــــــهب

يعتبر هذا الموضوع من أغرب ما أعلنه القرآن ومما يسهل ضحده ورفضه عند أي إنسان نظر فيه بتمعن وتبصر وذلك لأنه لا يحوي إعجازا بقدر ما يذكر خرافة يصعب تصديقها .

وفيما يلي أهم الآيات التي تتكلم عن الشهب وبعدها أقوال المفسرين في تفسيرها :

ـ " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " الصافات 6ـ10

ـ " ..وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرصا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " الجن 8ـ9

ـ " ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " الحجر 16ـ18

ـ في تفسير الصافات 6ـ10 نجد : " أي زينا السماء القرسيبة منكم بالكواكب المنيرة المضيئة التي تبدو وكأنها جواهر تتلألأ ( وحفظا من كل شيطان مارد ) أي وللحفظ من كل شيطلن عات متمرد خارج عن طاعة الله . قال قتادة : خلقت النجوم لثلاث : رجوما للشياطين ونورا يهتدى به وزينة للسماء الدنيا "(1) " ( لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ) أي لا يقدرون أن يسمعوا إلى الملائكة الذين هم في العالم العلوي ، وقيل المعنى لئلا يسمعوا إلى الملأ الأعلى (ويقذفون من كل جانب) أي ويرجمون بالشهب من كل جهة يقصدون السماء منها (دحورا) أي طردا لهم عن السماع لأخبار السماء " (2) (إلا من خطف الخطفة) أي إلا من اختلس شيئا مسارقة (فأتبعه شهاب ثاقب) أي فلحقه شهاب مضيء نافذ بضوئه وشعاعه فأحرقه " (3) ، قالوا أيضا " قد يخطف الشيطان المارد خطفة سريعة مما يدور في الملأ الأعلى فيتبعه شهاب يلاحقه في هبوطه فيصيبه ويحرقه حرقا  قال القرطبي : وليست الشهب التي يرجم بها من الكواكب الثوابت ، لأن الثابتة تجري ولا ترى حركاتها " (4)

ـ وفي تفسير سورة الجن 8ـ9 قيل :"يقول الجن : وأنا طلبنا بلوغ السماء لاستماع كلام أهلها ، فوجدناها قد ملئت بالملائكة الكثيرين الذين يحرسونهما ، وبالشهب المحرقة التي تقدف من يحاول الإقتراب منها (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) أي: كنا قبل بعثة محمد نطرق السماء لنستمع إلى أخبارها ونلقيها إلى الكهان (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) أي فمن يحاول الآن استراق السمع يجد شهابا ينتظره بالمرصاد يحرقه ويهلكه " (5)

ـ أما في تفسير سورة الحجر 16ـ18 فنجد " أي حفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين مطرود من رحمة الله (إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) أي إلا من اختلس شيئا من أخبار السماء فأدركه ولحقه شهاب ثاقب فأحرقه " (6)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: تفسير الطبري           

2:صفوة التفاسير            

3: صفوة التفاسير

4: القرطبي

5: صفوة التفاسير           

6: صفوة التفاسير

            

          

  الإعتراضات

    بعد أن تفحصنا أقوال المفسرين نجدها أثبثت لنا أيضا أن المعتقد الإسلامي عن الشهب هو أنها خلقت بالضبط لرجم الشياطين التي كانت تقعد مقاعد للسمع في السماء قبل بعثة محمد لكنها فوجئت بالشهب ترجمها عندما ظهر محمد وبالرغم من ذلك هناك بعض الشياطين السريعين الذين يخطفون الخطفة على غرة من أهل السماء فيتبعهم الله شهابا ليحرقهم وهناك أيضا من ينجون من ذلك الرجم فيلقون ما سمعوا إلى الكهان الذين بدورهم يخبرون أهل الأرض بما سيقع في المستقبل . ولذلك سنعلق بما يلي:

1ـ لقد أثبت العلماء أن الشهب تتكون من ثاني أوكسيد الكربون والخليط (حديد ـ نيكل) (Ferro-nikel) ومواد أخرى .. أما "الجن" أو ما نسميه نحن الأرواح الشريرة فالإسلام كعقيدة يشاطرني الرأي بأنها كائنات روحية ليست لها أجسام مادية . فكيف تسقط إذن الأجسام المادية على كائنات غير مادية ؟؟

2ـ تقع في غالب الأحيان تساقطات غزيرة للشهب وهو ما وقع في السنوات الأخيرة ، فماذا يعني ذلك ؟ هل هو رجم لجيش من الشياطين؟ وبماذا نفسر المسارات المتوازية لهذه التساقطات؟ هل هي رجم لشياطين متصافة؟ وهل يعقل أن يكون الله العظيم القدرة عاجزا عن حفظ أخبار الغيب لهذه الدرجة حتى أنه يخلق نجوما لترجم كل من اختطف السمع وهرب ؟؟ إنه أمر يدعو للإستغراب أن نقول أن بعض الشياطين تخطف أسرارا من الله وترميها للكهان بينما يعجز الله عن منعهم إذ يرسل الشهب التي تصيب بعضهم ولا تصيب من ينجون !! وهل الشهب لم تكن تسقط قبل مجيء محمد ؟؟ ( لأن القرآن يؤكد أن الجن كانوا يستمعون إلى أخبار السماء قبل مجيء محمد " سورة الجن 8 " )!

  إنها في الحقيقة أسئلة حيرتني دوما وأخالها تخلق مشاكل للمسلمين أيضا لأني لم أجد ولا مسلما واحدا ـ لحد الآن ـ حدثني عن أي إعجاز في هذه الآيات وكثيرا ما يتحاشى أصدقائي الكلام عنها إما لعلمهم بصعوبة تصديقها وإما لأنهم لا يستطيعون فهمها خصوصا وأنها تعارض معطيات علمية ولاهوتية كثيرة .

 

* بعض الظواهر الطبيعية في الكتاب المقدس:

      قد يرى بعض المسلمين أن الكتاب المقدس لا يخلو أيضا من مشاكل ومعضلات مماثلة لما نجده في القرآن ، وكثيرا ما قرأت لبعض المعترضين الذين يحاولون نقد الكتاب المقدس تساؤلات بخصوص بعض الظواهر الطبيعية تطرق لها الكتاب من منظور لاهوتي (روحي) . وادعوا أنها محض خرافات لايؤيدها العلم الحديث وسأقتصر على ذكر ظاهرتين على سبيل المثال لا الحصر :

 

أ ـ الحية:

  بعدما استطاعت الحية إغواء آدم في الجنة طردها الله وسخط عليها ، ولمعرفة ما وقع بالضبط نقرأ تكوين 14:3ـ15 :"..فقال الرب الإله للحية لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية ، على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ".

كثيرن يعترضون على هذه الآيات قائلين : إن الحية من طبيعتها أن تسعى على بطنها وأن تأكل التراب وليس هذا عقابا لها كما يقول الكتاب .

لكننا سنجيبهم قائلين : إن الحالة التي خلق عليها آدم والحيوانات في الجنة ليست معروفة ، لأنهم جميعا كانوا يعيشون في سلام بينهم وفي سلام مع الله ، لا شيء بينهم من العداوة ، ودليلنا في ذلك هو وجود الحية مع آدم في نفس المكان دون أن تؤذيه أو يؤذيها بخلاف ما نحن عليه اليوم من عداوة ، وأيضا كان آدم عريانا ولم يعلم ذلك إلا بعد أن أخطأ ، وكان يأكل دون تعب ، الشيء الذي تغير بعد خروجه من الجنة ، وبالتالي بمكن القول بأن جميع الحيوانات وحتى الإنسان كانت لهم طبائع مختلفة عن طبائعهم الحالية ، ومنه يمكن أن نستنتج أن الحية من قبل في الجنة لم تكن تسعى على بطنها وحتى شكلها الذي كانت عليه من المؤكد أنه ليس هو شكلها الذي صارت عليه . ولتأييد أقولنا نستدل بأقوال أحد رجال الله الذين يفسرون هاته الآيات من سفر التكوين حيث قال :

".. وقتها لم تكن الحية كما هي الآن مرعبة ومرذولة ولم يكن في مظهرها أي شيء يجعل أحدا يرتاب فيها أو ينزعج منها ، فالوحي المقدس يشهد بأن الله بعد أن خلق كل شيء " رأى كل ماعمله فإذا هو حسن جدا " (تك31:1) . كل ماعمله بما فيه الحيات كان حسنا جدا!!

  ولا تتعجب فالصورة المخيفة التي تبدو بها الحية اليوم لم تكن أصلا بها يوم خلقت ، لقد تحولت إليها بعد ذلك عندما لعنها الله بسبب خطية آدم (تك14:3) فالخطية دائما تشوه الجمال الذي خلقه الله .." (1)

 

ب ـ قوس قزح

أما الظاهرة الثانية التي تثير تعليقات النقاد فهي قوس قزح إذ لما أخرج الله نوحا ونجاه من الطوفان هو وبنيه خاطبه قائلا : "أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضا بمياه الطوفان ، ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض وقال الله هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض" تك11:9ـ13

لذلك قال المعترضون أن قوس قزح هو ظاهرة طبيعية تظهر فيها الألوان الأصلية لنور الشمس وبالتالي لم يكن سبب تواجد هذه الظاهرة هو العهد بين الله ونوح بل هي موجودة قبل ذلك الوقت .

لكننا نجيب : بأن الكتاب لم يقل إن قوس قزح وجد فقط عندما أراد الله أن يقيم عهده مع نوح ، بل من المؤكد أنه كان موجودا قبل ذلك لكن الله أراد أن يلفت انتباه نوح وبنيه إلى ظاهرة طبيعية يتذكرون بها عهد الله معهم فاختار قوس قزح لأنه يكون مرفوقا بتساقط الأمطار ، وذلك حتى يطمئن الناس بأن الله لن يهلك الأرض بالطوفان وبالتساقطات المطرية مرة أخرى ، فعندما يرون قوس قزح يتبادر إلى ذهنهم الميثاق الأبدي الذي أقامه الله مع بني البشر .

وبالنتيجة نجد أن المعترضين ليست لهم أسباب وجيهة حتى يتهموا لكتاب المقدس بذكر الخرافات ، بخلاف ما وجدناه بين ثنايا الآيات القرآنية من أشياء يصعب تصديقها إن لم نعدها من باب الخرافات والأساطير ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: الأب دانيال في كتابه " وهم غلبوه " ص 111و112

عودة