القــــرآن

القرآن وتحريفه

قال القاضي الباقلاني حول تصحيف ، أو تحريف حروف القرآن عند النسح ، أو اختلاف اللفظ من لهجة إلى أخرى :" نحن لا ننكر أن يغلط في حروف معدودة ، كما يغلط الحافظ في حروف وينسى ، وما لا يجيزه على الحفاظ مما لا نجزه عليه([1])". وقال أبو القاسم الخوئي في معنى التحريف :" يطلق لفظ التحريف ، ويراد من عدة معان  ، على سبيل الاشتراك ، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق المسلمين ، وبعض منها لم يقع باتفاق منهم أيضاً ، وبعض منها وقع الخلاف بينهم([2])". وللتحريف عنده ستة معان ، أقر حدوث بعضها في القرآن ونلخصها بالتالي : أن لا خلاف بين المسلمين في أن المفسرين تصرفوا في معانيه وحدوث زيادة ونقصان في حروفه وحركاته اللغوية ، مع تأكيده على عدم إخلال هذا التحريف في القرآن ، أي لم يضع منه شيئاً . وقصد الخوائي مطابقة القرآن لإحدى القراءات دون غيرها . كذلك يعترف بحدوث زيادة ونقصان بكلمة أو كلمتين ، مع عدم الإخلال بالقرآن . ودليله على ذلك أن عثمان حرق المصاحف من غير ما جمع ، لحدوث زيادة ونقصان فيها . ووقع التحريف بزيادة ونقصان في آية أو سورة مع صيانة القرآن من الخلل . فالمسلمون اتفقوا واختلفوا على البسملة في أن تكون سابقة لكل سورة ما عدا سورة براءة ( التوبة ) أو لا تكون من القرآن فذهبت المالكية إلى كراهية الإتيان بها قبل الفاتحة في الصلاة المفروضة ، إلا إذا نوى به المصلي الخروج من الخلاف، وذهب جماعة أخرى أن البسملة من القرآن ، وأما الشيعة فمنهم متسالمون ( موافقون ) على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة ([3]). كل التحريفات التي ذكرت أقرها الخوئي لأنها لا تمس جوهر القرآن غير تغير بالمعنى من فعل المفسرين ، وتغير بالحروف وشكل الكلمات بفعل الكتاب . أما التحريف بزيادة نصوص من غير القرآن فهذا ، بحسب قول الخوئي مرفوض بإجماع المسلمين . لكنه لم يعط حكماً أو رأياً في التحريف بنقصان نصوص من القرآن ! وحسب قوله :" بمعنى أن المصحف الذي بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء ، فقد ضاع بعضه على الناس ، والتحريف بهذا المعنى وقع فيه خلاف . فأثبته قوم ونفاه أخرون ([4])". وتابع آية الله الخوئي في كتابه " البيان في تفسير القرآن" روايات مصحف عديدة ، وردت على لسان فقهاء ومفسرين من أهل السنة ، أشارت إلى نقص في مصحف عثمان بن عفان ، الذي بين أيدي المسلمين اليوم . ولم يختص أعيان الشيعة ، مثل محمد بن يعقوب الكليني صاحب " الكافي" ، بذلك . ومن هذه الروايات ما ذكره جلال الدين السيوطي بقوله :" أول ما جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد(...) وأن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها ، لأنه كان وحده()". والمتفق عليه كان شهادة شاهدين . ومنها ما ورد عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت :" كانت سورة الأحزاب تقرأ زمن النبي (ص) مئتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن([5])". ويعلق الخوئي على هذه الروايات وأمثالها بقوله:" ومن العجيب أن جماعة من علماء أهل السنة أنكروا نسبة القول بالتحريف إلى أحد من علمائهم([6])". وفي الزيادة والنقصان في المصاحف السابقة على المصحف العثماني ، ذكر الراغب الأصفهاني في باب " ما أدعي أنه من القرآن مما ليس في المصحف ، وما أدعي أنه منه وليس فيه" قال:" أثبت زيد بن ثابت سورتي القنوت في القرآن ، وأثبت ابن مسعود في مصحفه " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأثبت إليهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . وروي أن عمراً ، رضى الله تعالى عنه ، قال : لو يقال زاد عمر في كتاب الله تعالى لأثبت في المصحف ، فقد نزلت" الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالاً من الله ، والله شديد العذاب " . وقالت عائشة : لقد نزلت آية الرجم والرضاع الكبير ، وكانتا رقعة تحت سريري ، وشغلنا بشكاة رسول الله ( ص) فدخلت داجن ( شخصته بعض الروايات من الغنم ) فأكلته([7])". ولا ندري كيف وازن المؤرخون ، من أصحاب الحديث ، روايتهم في عجز عمر من تثبيت نص قرآني وبين موافقة القرآن له في كثير من النصوص . منها روايتهم للحديث :" ما قال الناس في شئ وقال عمر بن الخطاب إلا جاء القرآن نحو ما يقول([8])". ومثل ذلك ورد في رواية :" كان عمر إذا رأى رأياً نزل به القرآن([9])". وكيف وازن أصحاب الحديث أيضاً بين هذه الروايات والأحاديث وبين تشددهم ضد من قال بخلق القرآن؟ فعلى حد رواياتهم أن آية الحجاب والتي مازال المتشددون يوظفونها ضد المرأة أنها نزلت برأي من عمر على رب العالمين ، وأن تعريف القرآن للإنسان بأنه " سلالة من طين" جاءت أيضاً بعد تفكير عمر بها([10]).

وذكر الأصبهاني في باب " قراءة تخالف صور حروفها ما في المصحف أو ترتيبها تغيير في كلمات آيات" مشيراً إلى قول بعض العلماء إجازة ابن عباس في استخدام المرادف عند عجز القارئ عن اللفظ ، قال الراغب :" قرأ بدل " العهن " : كالصوف ، وبدل فهي كالحجارة : فكانت كالحجارة . وذكر بعض العلماء أن ابن عباس كان يجوز أن يقرأ القرآن بمعناه ، واستبدل بما روي عنه أنه كان يعلم رجلاً طعام الأثيم ، فلم يحسن الأثيم ، فقال : قل الفاجر ، وليس ذلك بشئ فيما ذكره جل العلماء ، لأن ابن عباس أراد أن يعرفه الأثيم فعرفه بمعناه لما أعياه . وقرأ بدل السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما : فاقطعوا أيمانهما ، وكان عمر يقرأ : غير المغضوب وغير الضالين ، وعبد الله بن الزبير : صراط من أنعمت عليهم ، وقرأ بعضهم : وضربت عليهم المسكنة والذل ، وأبو بكر رضى الله عنه : وجاءت سكرة الحق بالموت([11])". كما أطنب اللغويون والمفسرون عند الشواذ اللغوية في عدد من الآيات ، حملت عائشة النُساخ مسئوليتها ، فقد ورد برواية مرفوعة إلى هشام بن عروة ( حفيد الزبير بن العوام) ، عن أبيه : سألت عائشة عن لحن القرآن : إن هاذان لساحران ، وعن قوله : والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ، وعن قوله : والذين هادوا والصابئون . فقالت : يا ابن اختي هذا عمل الكتاب ، أخطأوا في الكتاب!([12])" . كما ورد في رواية أن سُئل أبان بن عثمان :" كيف صارت " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ، ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب؟، قال من قبل الكتاب ، كتب ما قبلها ثم قال : ما أكتب ؟ قال اكتب الصلاة فكتب ما قيل له([13])". ومن آراء اللغويين فيما ذكر من لحن لغوي ، قال الزجاج:" إن هذان لساحران " يعنون موسى وهارون ، وإن هذا الحرف من كتاب الله عز وجل مُشكل على أهل اللغة ، وقد كثر اختلافهم في تفسيره ، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بقراءة الفراء فيه . أما قراءة أهل المدينة والأكمة في القراءة فبتشديد إن ، والرفع في هذان ، وكذلك قرأ أهل العراق ؛ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر بن عياش ، والمدنيون . وروي عن عاصم :إن (هذان )بتخفيف إن ، ويصدق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروي عن أبي فإنه قرأ ما هذان إلا ساحران ، وروي أيضاً عنه أنه قرأ : إن هذان إلا ساحران ، ورويت عن الخليل : إن ( هذان) لساحران ، بالتخفيف ، والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل . وقرأ أبو عمر وعيسى بن عمر : إن هذين لساحران ، بتشديد إن ونصب هذين([14])".

وهنا يمكننا أن نكف عن هذا السرد ، لكي لا نحبط القارئ ، ولمن أراد الإستزادة في هذا الموضوع ، وبإيجاز متجنباً كثرة المراجع نحيله على كتاب ابن الحطيب " الفرقان " صادر عن الدار العلمية ، بيروت ، وبخاصة باب لحن المصحف . وأيضاً كتاب " حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي " ، فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ، طبع بإيران سنة 1298هـ

<<<القرآن و القراءات

[1] - إعجاز القرآن ، ص 443

[2] - البيان في تفسير القرآن ، ص 197

[3] - المرجع السابق ، ص 197

[4] - المرجع السابق ، ص 197 - 200

[5] - المرجع السابق ، ص 202 ، عن الإتقان في علوم القرآن ، ج1 ، ص 101

[6] - المرجع السابق ، ص 203

[7] - محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، ج 4 ، ص 433 - 434

[8] - تاريخ دمشق ، ج44، ص 111

[9] - المرجع السابق، 114

[10] - راجع في ذلك : ابن عساكر ، تاريخ دمشق، ترجمة عمر بن الخطاب

[11] - محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء،4،ص 433- 434

[12] - كتاب المصاحف ، ص 43

[13] - المرجع السابق ، ص 24 - 43

[14] - معاني القرآن وإعرابه ، 3 ، ص 361

الصفحة الرئيسية