ملكة سبا تسمع حكمة سليمان

في منتصف فترة حكمه استقبل سليمان زائرة جاءت من بلاد بعيدة، هي ملكة سبا، لتسمع حكمته (1ملوك 10) ولم تكن تلك الزيارة مثل الزيارات المألوفة منذ بدء التاريخ التي يتبادلها الملوك والملكات بين بعضهم البعض، فقد كانت تلك تُصبغ بالصبغة السياسية، وتنتهي بأحلاف ومعاهدات سياسية أو حربية، لكن زيارة ملكة سبأ لسليمان طُبعت بالطابع الروحي، فقد سمعت في بلادها البعيدة، عن الرب إله إسرائيل، ما اجتذب قلبها، فاشتهت أن تعرف عن هذا الإله الواحد أكثر، وذلك من عبده سليمان الذي كان يملك أورشليم. وكان يشغل قلب تلك الملكة مسائل كثيرة، لم يقدر أحد ممن يجاورونها أن يجاوب على أسئلتها. ونحن لا نعرف بالضبط مكان تلك المملكة، غير أنه من المحتمل أنها كانت واقعة في جنوب بلاد العرب، في المناطق التي سكنها أبناء يقطان الذي جاء من نسل سام بن نوح. وكانت تلك الزيارة الملكية التي قامت بها ملكة سبأ هي أول استجابة للصلاة التي رفعها سليمان عندما دشن الهيكل، فلقد التمس سليمان من الله أن يهتم بالغريب الذي يأتي من بلاد بعيدة يلتمس وجه الله في هيكله المقدس، فتقول التوراة: »سمعت ملكة سبا بخبر سليمان لمجد الرب«.

ملكة سبا ترى تنظيم سليمان:

أخذ سليمان ملكة سبا ليُريها أبنيته ونظام حكمه، فلما رأت كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه، وطعام مائدته ومجلس رجاله وموقف خدامه وملابسهم، ومحرقاته التي كان يُصعدها في بيت الرب، لم يبق فيها روح بعد. فقالت للملك: »صَحِيحاً كَانَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَعَنْ حِكْمَتِكَ. وَلَمْ أُصَدِّقِ الْأَخْبَارَ حَتَّى جِئْتُ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، فَهُوَذَا النِّصْفُ لَمْ أُخْبَرْ بِهِ. زِدْتَ حِكْمَةً وَصَلَاحاً عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي سَمِعْتُهُ. طُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِعَبِيدِكَ هؤُلَاءِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَكَ دَائِماً السَّامِعِينَ حِكْمَتَكَ. لِيَكُنْ مُبَارَكاً الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ وَجَعَلَكَ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. لِأَنَّ الرَّبَّ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ جَعَلَكَ مَلِكاً، لِتُجْرِيَ حُكْماً وَبِرّاً« (1ملوك 10:6-9). وقدمت ملكة سبا للملك سليمان مئة وعشرين وزنة ذهب، وأطياباً كثيرة جداً، وحجارة كريمة. وتقول التوراة: »لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِثْلُ ذلِكَ الطِّيبِ فِي الْكَثْرَةِ الَّتِي أَعْطَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ« (1ملوك 10:10).

شوقنا للحكمة:

إن الرغبة العظيمة في قلب ملكة سبا لتجد الحكمة والحق، يجب أن تكون قدوة لكل واحد منا. فبعد ألف سنة من هذه الزيارة وبّخ السيد المسيح رجال يومه عن عدم رغبتهم في الاستماع لحكمته، ليكونوا من أتباعه وقال لهم: »مَلِكَةُ التَّيْمَنِ ( سبا) سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ رِجَالِ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لِأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ« (لوقا 11:31). فما أعظم خطية الذين يسمعون الحق الإلهي ويرفضونه. لقد قطعت ملكة سبا رحلة طويلة شاقة لتلتقي بسليمان، لكن الله في محبته جاء إلينا يفتش على الضال وسطنا ليُرجعه إليه. والمسيح يريد أن نصغي إلى صوت محبته. اسمعه يقول: »هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي« (رؤيا 3:20).

أيها القارئ الكريم، ندعوك أن تصغي إلى حق الله، وأن تفتح قلبك له، وأن تعيش للرب، فهوذا أعظم من سليمان يحدثك. إنه صوت المسيح الذي يريد أن يدخل قلبك ويمتلك حياتك.

معرفة سليمان الواسعة:

حدثتنا التوراة المقدسة عن عظمة سليمان المذهلة، فقد كان عصره عصر نجاح اقتصادي، ولم تكن هناك حروب تستنزف مال الشعب، وأتته سفنه محملة بأربع مائة وعشرين وزنة ذهب، وكانت له أساطيل تجارية في بحر الهند والبحر الأبيض المتوسط، جلبت له الذهب والفضة والعاج والأبنوس والخيل والمركبات والقردة والطواويس. وكان في خدمته عشرة آلاف يأكلون على مائدته، وكانت له آنية فضة وآنية ذهب. وتقول التوارة إن سليمان جعل الفضة مثل الحجارة، وخشب الأرز مثل خشب الجميز. وتُقدر قيمة دخل سليمان سنوياً بما يساوي عشرة ملايين دولار تقريباً. وتقول التوراة إن سليمان كان رحب الصدر جداً، فقد درس كل العلوم التي يمكن أن تُدرس آنذاك، وفاق فيها كل علماء عصره المشهورين، فدرس علم النبات وعلم الحيوان، وعلم الطيور، وكتب الأمثال والحكمة والقصائد. وأغلب الظن أن الملك سليمان هو الذي كتب سفر الجامعة، ونشيد الأنشاد، في التوراة المقدسة.

من كتابات سليمان:

ونقدم للقارئ الكريم عيّنة مما كتب سليمان الحكيم. والقراءة التالية من سفر الأمثال الأصحاحين الحادي عشر والثاني عشر:

»‚مَوَازِينُ غِشٍّ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ، وَالْوَزْنُ الصَّحِيحُ رِضَاهُ. 2‚تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي الْهَوَانُ، وَمَعَ الْمُتَوَاضِعِينَ حِكْمَةٌ. 3‚اِسْتِقَامَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ تَهْدِيهِمْ، وَاعْوِجَاجُ الْغَادِرِينَ يُخْرِبُهُمْ. 4‚لَا يَنْفَعُ الْغِنَى فِي يَوْمِ السَّخَطِ، أَمَّا الْبِرُّ فَيُنَجِّي مِنَ الْمَوْتِ. 5‚بِرُّ الْكَامِلِ يُقَوِّمُ طَرِيقَهُ، أَمَّا الشِّرِّيرُ فَيَسْقُطُ بِشَرِّهِ. 6‚بِرُّ الْمُسْتَقِيمِينَ يُنَجِّيهِمْ، أَمَّا الْغَادِرُونَ فَيُؤْخَذُونَ بِفَسَادِهِمْ. 7‚عِنْدَ مَوْتِ إِنْسَانٍ شِرِّيرٍ يَهْلِكُ رَجَاؤُهُ، وَمُنْتَظَرُ الْأَثَمَةِ يَبِيدُ. 8‚اَلصِّدِّيقُ يَنْجُو مِنَ الضِّيقِ، وَيَأْتِي الشِّرِّيرُ مَكَانَهُ. 9‚بِالْفَمِ يُخْرِبُ الْمُنَافِقُ صَاحِبَهُ، وَبِالْمَعْرِفَةِ يَنْجُو الصِّدِّيقُونَ. 10‚بِخَيْرِ الصِّدِّيقِينَ تَفْرَحُ الْمَدِينَةُ، وَعِنْدَ هَلَاكِ الْأَشْرَارِ هُتَافٌ. 11‚بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ، وَبِفَمِ الْأَشْرَارِ تُهْدَمُ. 12‚اَلْمُحْتَقِرُ صَاحِبَهُ هُوَ نَاقِصُ الْفَهْمِ، أَمَّا ذُو الْفَهْمِ فَيَسْكُتُ. 13‚السَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ، وَالْأَمِينُ الرُّوحِ يَكْتُمُ الْأَمْرَ. 14‚حَيْثُ لَا تَدْبِيرٌ يَسْقُطُ الشَّعْبُ، أَمَّا الْخَلَاصُ فَبِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ. 15‚ضَرَراً يُضَرُّ مَنْ يَضْمَنُ غَرِيباً، وَمَنْ يُبْغِضُ صَفْقَ الْأَيْدِي مُطْمَئِنٌّ. 16‚اَلْمَرْأَةُ ذَاتُ النِّعْمَةِ تُحَصِّلُ كَرَامَةً، وَالْأَشِدَّاءُ يُحَصِّلُونَ غِنًى. 17‚اَلرَّجُلُ الرَّحِيمُ يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْقَاسِي يُكَدِّرُ لَحْمَهُ. 18‚اَلشِّرِّيرُ يَكْسَبُ أُجْرَةَ غِشٍّ، وَالّزَارِعُ الْبِرَّ أُجْرَةَ أَمَانَةٍ. 19‚كَمَا أَنَّ الْبِرَّ يَؤُولُ إِلَى الْحَيَاةِ كَذلِكَ مَنْ يَتْبَعُ الشَّرَّ فَإِلَى مَوْتِهِ. 20‚كَرَاهَةُ الرَّبِّ مُلْتَوُو الْقَلْبِ، وَرِضَاهُ مُسْتَقِيمُو الطَّرِيقِ. 21‚يَدٌ لِيَدٍ لَا يَتَبَرَّرُ الشِّرِّيرُ، أَمَّا نَسْلُ الصِّدِّيقِينَ فَيَنْجُو. 22‚خِزَامَةُ ذَهَبٍ فِي فِنْطِيسَةِ خِنْزِيرَةٍ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ الْعَدِيمَةُ الْعَقْلِ. 23‚شَهْوَةُ الْأَبْرَارِ خَيْرٌ فَقَطْ. رَجَاءُ الْأَشْرَارِ سَخَطٌ. 24‚يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضاً، وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللَّائِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ. 25‚النَّفْسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ، وَالْمُرْوِي هُوَ أَيْضاً يُرْوَى. 26‚مُحْتَكِرُ الْحِنْطَةِ يَلْعَنُهُ الشَّعْبُ، وَالْبَرَكَةُ عَلَى رَأْسِ الْبَائِعِ. 27‚مَنْ يَطْلُبُ الْخَيْرَ يَلْتَمِسُ الرِّضَا، وَمَنْ يَطْلُبُ الشَّرَّ فَالشَّرُّ يَأْتِيهِ. 28‚مَنْ يَتَّكِلْ عَلَى غِنَاهُ يَسْقُطْ، أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَيَزْهُونَ كَالْوَرَقِ. 29‚مَنْ يُكَدِّرْ بَيْتَهُ يَرِثِ الرِّيحَ، وَالْغَبِيُّ خَادِمٌ لِحَكِيمِ الْقَلْبِ. 30‚ثَمَرُ الصِّدِّيقِ شَجَرَةُ حَيَاةٍ، وَرَابِحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ. 31‚هُوَذَا الصِّدِّيقُ يُجَازَى فِي الْأَرْضِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الشِّرِّيرُ وَالْخَاطِئُ!«.

اَلْأَصْحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ

1‚»مَنْ يُحِبُّ التَّأْدِيبَ يُحِبُّ الْمَعْرِفَةَ، وَمَنْ يُبْغِضُ التَّوْبِيخَ فَهُوَ بَلِيدٌ. 2‚الصَّالِحُ يَنَالُ رِضىً مِنْ الرَّبِّ، أَمَّا رَجُلُ الْمَكَايِدِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ. 3‚لَا يُثَبَّتُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ، أَمَّا أَصْلُ الصِّدِّيقِينَ فَلَا يَتَقَلْقَلُ. 4‚اَلْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ تَاجٌ لِبَعْلِهَا، أَمَّا الْمُخْزِيَةُ فَكَنَخْرٍ فِي عِظَامِهِ. 5‚أَفْكَارُ الصِّدِّيقِينَ عَدْلٌ. تَدَابِيرُ الْأَشْرَارِ غِشٌّ. 6‚كَلَامُ الْأَشْرَارِ كُمُونٌ لِلدَّمِ، أَمَّا فَمُ الْمُسْتَقِيمِينَ فَيُنَجِّيهِمْ. 7‚تَنْقَلِبُ الْأَشْرَارُ وَلَا يَكُونُونَ، أَمَّا بَيْتُ الصِّدِّيقِينَ فَيَثْبُتُ. 8‚بِحَسَبِ فِطْنَتِهِ يُحْمَدُ الْإِنْسَانُ، أَمَّا الْمُلْتَوِي الْقَلْبِ فَيَكُونُ لِلْهَوَانِ. 9‚اَلْحَقِيرُ وَلَهُ عَبْدٌ خَيْرٌ مِنَ الْمُتَمَجِّدِ وَيُعْوِزُهُ الْخُبْزُ. 10‚الصِّدِّيقُ يُرَاعِي نَفْسَ بَهِيمَتِهِ، أَمَّا مَرَاحِمُ الْأَشْرَارِ فَقَاسِيَةٌ. 11‚مَنْ يَشْتَغِلُ بِحَقْلِهِ يَشْبَعُ خُبْزاً، أَمَّا تَابِعُ الْبَطَّالِينَ فَهُوَ عَدِيمُ الْفَهْمِ. 12‚اِشْتَهَى الشِّرِّيرُ صَيْدَ الْأَشْرَارِ، وَأَصْلُ الصِّدِّيقِينَ يُجْدِي. 13‚فِي مَعْصِيَةِ الشَّفَتَيْنِ شَرَكُ الشِّرِّيرِ، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَخْرُجُ مِنَ الضِّيقِ. 14‚الْإِنْسَانُ يَشْبَعُ خَيْراً مِنْ ثَمَرِ فَمِهِ، وَمُكَافَأَةُ يَدَيِ الْإِنْسَانِ تُرَدُّ لَهُ. 15‚طَرِيقُ الْجَاهِلِ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ، أَمَّا سَامِعُ الْمَشُورَةِ فَهُوَ حَكِيمٌ. 16‚غَضَبُ الْجَاهِلِ يُعْرَفُ فِي يَوْمِهِ، أَمَّا سَاتِرُ الْهَوَانِ فَهُوَ ذَكِيٌّ. 17‚مَنْ يَتَفَوَّهُ بِالْحَقِّ يُظْهِرُ الْعَدْلَ، وَالشَّاهِدُ الْكَاذِبُ يُظْهِرُ غِشّاً«.

نطالب القارئ الكريم أن يقرأ كتابات سليمان الموحى بها، فليقرأ في الكتاب المقدس بعض مزاميره في سفر المزامير، وحكمته في سفري الأمثال والجامعة - مع قصيدته الغزلية، التي ترمز لمحبة الله لشعبه في سفر نشيد الأنشاد.