المسيح ابن اللـه

  

القسم الرابع  

اعتراضات والرد عليها

 

 

الاعتراض الأول:               تعبير "ابن الله" هل يليق بالله!

الاعتراض الثاني:               كيف يكون هو الله وابن الله؟

الاعتراض الثالث:               المسيح ينسب إلى مَنْ؟

الاعتراض الرابع:              هل خلت السماء بالتجسد؟

الاعتراض الخامس:            ما هو هدف التجسد؟

   وبعد، أيها الحبيب بقي أمامنا إيضاح بعض التساؤلات، والرد على بعض الاعتراضــات حتى ينجلي أمامنا الموضوع تماما، ولا يبقى أدنى شك في سلامة عقيدتنا عن المسيح بحسب طبيعته اللاهوتية من جهة كونه أنه الله ، أو كلمة الله، أو ابن الله الذي ظهر في الجسد.

 

     وهناك بالطبع الكثير من الأسئلة حول هذا الموضوع ولكننا نكتفي بأهمها، وسوف نقتصر في هذا المقام على الاعتراضات التالية:

 

 1-  تعبير "ابن الله" هل يليق بالله؟

 كيف يكون هو الله وهو ابن الله؟

 المسيح ينسب إلى مَنْ؟

 هل خلت السماء بالتجسد؟

 ما هو هدف التجسد؟

 

 

 

الاعتراض الأول:

تعبير "ابن الله" هل يليق بالله!

 

     يحتج الكثيرون على هذا التعبير (ابن الله) ويعترضون بأنه لا يليق بجلاله سبحانه فهو المنـزه عن هذه التشبيهات.         

     يجب أولاً، أن نفهم أن الوحي المقدس لم يقصد المعنى الحرفي لهذا التعبير (أي الولادة الجسدية التناسلية). أما من جهة تنـزيه الله عن مثل هذه التعبيرات التي لا تليق بجلال الله، فما رأيك في التعبيرات القرآنية التي في الآيات التالية:

 سـورة طه:

"الرحمن على الكرسي استوى" فالمعنى الحرفي لهذه الكلمات : أن الله جلس على عرش الملك كما  يجلس الإنسان. فهل هذا يليق بالله؟ وهل الله مثل البشر يجلس على كرسي؟

     فواضح أنه لا يقصد بهذه الكلمات المعنى الحرفي لها : وإنما استخدمت لتقريب معنى (أن الله ملك يحكم الكون).

 

 سـورة الحديد:

"إن الفضل بيد الله" فالمعنى الحرفي لهذه الكلمات هو أن لله يد مثل يد البشر. فهل هذا يليق؟ لكن المعنى المقصود هو ليس المعنى الحرفي لها، وإنما استخدمت لتقريب معنى "سلطان الله"

 

 سـورة البقرة:

"أينما تولوا فثم وجه الله" والمعنى الحرفي لهذه الكلمات هو أن لله وجه كوجه إنسان، فهل هذا يليق بالله؟ ولكنه واضح أنه لا يقصد المعنى الحرفي لهذه الكلمات، وإنما استخدمت لتفيد أن (الله موجود في كل مكان).

 

     وعلى هذا  القياس فانه لا يقصد من قولنا (ابن الله) المعنى الحرفي (الولادة الجسدية التناسلية) بل المعنى اللاهوتي كما سبق أن أوضحنا وهو أن لاهوت المسيح هو نفس لاهوت الله. وليس في هذا شيء من عدم اللياقة بالله.

 

الاعتراض الثاني:

كيف يكون هو الله وابن الله؟

 

     يعترض البعض قائلين كيف أن المسيح هو (الله) وأنه في نفس الوقت هو (ابن الله) ؟

وللإجابة على هذا التساؤل أطلب من القارئ أن يعود إلى ما سبق أن كتبته في الباب السابق عن [معنى كلمة ابن]. فستجد أنها تفيد أن طبيعة المسيح من جهة لاهوته هي نفس طبيعة الله.

 

     وبهذا لا يوجد أي تعارض بين قولنا:"الله ظهر في الجسد" وبين القول:"أن ابن الله (أي ذات طبيعة الله) قد ظهر في  الجسد".

 

الاعتراض الثالث

المسيح يُنسب إلى مَنْ ؟

 

وربما يعترض البعض قائلا ألم توجد كلمة أخري للتعبير عن تجسد الله في إنسان غير تعبير (ابن)؟

 

الرد:

وللتبسيط أيضاً نقول:

نحن نعلم أن كل مولود هو ابن. إذن فالله المتجسد بواسطة الولادة من العذراء مريم لا بد أن نسميه (ابن) لأنه مولود. والابن لا بد أن يكون له أب فمن هو أبو المسيح؟

       حيث أن المسيح ليس له أب جسدي لذلك لزم أن تنسب بنـوتة إلى الله فنطلق عليه (ابن الله).

 

 

 

الاعتراض الرابع

هل خلت السماء بالتجسد؟

يتساءل البعض أيضاً قائلين:

هل خلت السماء والكون كله من وجود الله عند ما كان ظاهرا في الجسد على الأرض؟

الرد: 

إن ظهور الله في جسد إنسان ليس معناه أنه كان محصوراً ومحدوداً في هذا الجسد، لأن الله روح، فرغم أنه كان ظاهراً في جسد إنسان فقد كان مالئاً السماء والأرض. ولتوضيح ذلك نورد الأدلة الآتية:

1- سورة النور 25:

"الله نور السموات والأرض. مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، والزجاجة تضئ كأنها كوكب دري" 

 

     فالقرآن يشبه الله بالنور، وأنه مثل نور مصباح موجود داخل زجاجة، وهذا المصباح موضوع في مشكاة (أي تجويف في الحائط).

 

     فهل الزجاجة تحصر نور المصباح؟

كلا، بل النور بخاصيته الإشعاعية ينفذ من الزجاجة ليملأ كل المكان.

 

     والواقع أن في هذا التشبيه الرائع الذي وضعه القرآن، يلاحظ أهمية وجود الزجاجة فوق المصباح، فإن وجودها لا يحجب ولا يعوق انتشار نور المصباح، بل على العكس جعل النور اكثر وضوحاً ولمعاناً لأعين الناظرين (تضيء كأنها كوكب دري).

     فعلى هذا القياس نقول أن الجسد الذي حل فيه الله لم يحجب اللاهوت ولم يمنع وجوده في العالمين، بل على العكس جعل اللاهوت أكثر وضوحاً وظهوراً  لأعين الناظرين  (أي للعالم أجمع). ولذلك نقول في صلاة القداس الإلهي عن السيد المسيح (... الذي أظهر لنا نور الآب).

     وهناك دليل آخر من القرآن أيضا في:

2- سورة القصص: 

(فنودي من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين)

يتضح من ذلك أن الله حل في الشجرة وخاطب موسى منها. فهل خلت السماوات والأرض من الله عند حلوله في الشجرة؟ كلا، بل كان الله غير المحدود مالئا الكون في الوقت الذي فيه كان متجليا في الشجرة.

     وعلى هذا القياس فعند ما حل اللاهوت في الجسد البشرى لم يحده هذا الجسد وهكذا لم يخل منه الكون.

 

     ولنا أيضا دليل ثالث من الأحاديث النبوية المذكورة في:

 

 

3- البخاري جزء 4 ص 68 :

      يذكر البخاري حديثا مشهورا قاله النبي محمد: "ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة في السماء الدنيا (أي السفلية)، حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فأستجيب له".

 

     فهل يقصد النبي من هذا الكلام أن السماء والأرض تخلوان من وجود الله عند ما ينـزل الله إلى السماء الدنيا؟

بالطبع كلا، بل الحقيقة هي أن الله موجود في كل مكان في السماء العليا وفي السماء الدنيا في نفس الوقت.

وهكذا عندما نقول نحن أن الله حل في جسد المسيح فإنه لم يخل منه مكان بل هو موجود في السماء العليا وفي السماء الدنيا وفي كل مكان في الأرض.

الاعتراض الخامس:

ما هو هدف التجسد؟

 

هناك اعتراض آخر إذ يسأل المعترض قائلا:

ما هو الداعي لأن يكون لله (ابن) أو بمعنى آخر لماذا تجسد الله؟.

الرد:

     إن هذا السؤال في غاية الأهمية لأن حوله تتركز كل المعتقدات  المسيحية من تثليث وتوحيد ... وتجسد الله

     والإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى بحث موضوع خطية آدم وتوريثها للبشرية التي من اجلها تجسد الله ليفدي العالم بواسطة الصليب. وسنتكلم عن هذا الموضوع  في البحث القادم عن صلب  المسيح بمشيئة الله.  ولكني أريد أن أعطيك فكرة بسيطة تلقي ضوءا على سر تجسد الله في المسيح من خلال القصة التالية:

 

      كان أحد رجال الدين جالسا مستندا إلى حائط مستغرقا في تأمل هادئ، وبينما هو كذلك إذ به يلمح سربا من النمل يحاول تسلق الحائط الذي يستند عليه، واندهش الرجل إذ أبصر أن النمل كلما صعد إلى مستوى معين هوى إلى الأرض فجأة، وكلما عاود الكرة انتهى إلى نفس النتيجة المريرة.

 

     ولاحظ الرجل سر سقوط سرب النمل، إذ وجد أن النمل يحاول رفع حبة من القمح إلى مخازنه في مكان ما في أعلى الحائط لتكون له غذاء في زمن بياته الشتوي في فصل الشتاء القارص. ولكن الجاذبية الأرضية تتغلب على جهود النمل الضعيفة فتجذبها إلى أسفل. والنمل الذي لا يعرف قانون الجاذبية الأرضية يواصل محاولاته ذلك النهار كله المرة تلو الأخرى، والرجل يرقب الوضع. وقضى وقته يفكر كيف يساعد طائفة النمل المسكينة. هل يمد يده ليرفع لهم الحبة؟ بالتأكيد ستكون النتائج عكسية، إذ سوف يخاف النمل ويهرب وتزداد مشاكله.

 

     وخطر ببال الرجل فكرة يستطيع بها أن يساعد النمل ويحل له مشكلته، ولكنه للأسف الشديد وجد أنه يستحيل عليه تنفيذها لقصوره الشخصي وعدم مقدرته أن يفعل ذلك.

 

     كانت فكرته أن الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة النمل هي أن يصير هو نفسه في صورة نملة كبيرة قوية ويدخل وسط النمل فلا يخافون منه ثم يحمل عنهم هذا العبء ويحل لهم مشكلتهم. ولكن هيهات أن يتم له ذلك لسبب جوهري هو أنه لا يستطيع أن يصير في شبه النمل.

 

     لعلك أدركت ما أريد أن أقوله أيها الأخ المحبوب. فالله يرى البشرية في مشكلة كبيرة، فالإنسان يحاول أن يتسلق طريق الحياة الأبدية وكلما حاول فشل بسبب جاذبية الخطية. فالله في محبته وقدرته الإلهية استطاع أن يصير في صورة الناس ليعينهم ويساعدهم ويخلصهم من الخطية دون أن يخافوا منه. وهذا هو سر التجسد.

 

عودة الى الفهرس