أكذوبة الأعجاز العلمي في القران

 

 الجزء الثاني الفصل الاول

 

من روائع التعجيز القرآني ( تشابه النظم والمعنى)



"
في معرفة إعرابه" (الاتقان 1: 180)

يقول: " من فوائد (اعرابه) معرفة المعنى، لأن الاعراب يميز المعامي، ويوقف على أغراض المتكلمين"

ففي باب تشابه النظم والمعنى:-

وان "أول واجب عليه ان يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا أو مركبا قبل الاعراب، فإنه فرع المعنى".

وقد تشابه قوله: " وإن كان رجل يُورتُ كلالةً" (النساء 12). قال: "انه يتوقف على المراد بها: فإن كان اسماً للميت فهو حالُ (يورث) خبر كان؛ أو صفة وكان تامة أو ناقصة وكلالة الخبر. أو للورثة فهو على تقدير مضاف اليه اي (ذا كلالة) وهو أيضا حال أو خبر كان كما تقدم. أو للقرابة فهو مفعول لاجله".


وقد تشابه قوله: "قالوا يا شعيب، أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبائنا، أو نفعل في أموالنا ما نشاء" (هود 86) فظاهر اللفظ " أو نفعل في أموالنا ما نشاء" معطوف على "أن نترك"، وذلك باطل لانه لم يأمرهم ان يفعلوا بأموالهم ما يشاؤون، وانما هو عطف على ما هو معمول للترك، والمعنى ان نترك ان نفعل. "وموجب الوهم المذكور (أن) والفعل مرتين وبينهما حرف عطف".

وهناك امثلة اخرى لمن اراد المزيد، " فإن القرآن العظيم، كما جاء في الاثر، لا تنقضي عجائبــــــــــــــه"! (السيوطي).

 

 

كان الجاحظ، بعد معلمه النظّام، أول مَن أفرد لاعجاز القرآن فصولا، خاصة في رسالته "حجج النوة". وما نقله السيوطي عنه ما زالوا يتقولونه الى اليوم، كما يفعل عبد الكريم الخطيب (اعجاز القرآن: 1: 138): " بعث الله محمد ص. أكثر ما كانت العرب شاعراً وخطيباً، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عُدة، فدعا أقصاها وأدناها الى توحيد الله، وتصديق رسالته. فدعاهم بالحجة. فلما قطع العذر، وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الاقرار الهوى والحمية، دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب ونصبوا له. وقتل من عِلّيتهم وأعمامهم وبني اعمامهم، وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن، ويدعوهم صباح مساء الى أن يعارضوه إن كان كاذبا، بسورة واحدة، أو بآيات يسيرة. فكلما ازداد تحديا لهم وتقريعا لعجزهم عنها، تكشّف عن نقصهم ما كان مستورا، وظهر منه ما كان خفيا. فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف فلذلك يمكنك ما لا يمكننا. فهاتوها مفتريات"!

ما يرددونه عن الجاحظ هو ما يجعل معجزة الاعجاز مشبوهة.

فمن المتواتر ان محمدا كان على ثقافة عالية " يعرف من اخبار الامم " ما لا يعرفون.

 

 

لكي يصح التحدي بشريعة كأنها معجزة، يجب ان تكون أحكامها من الشرع المنزل المحكم الذي لا مجال فيه لراي او اجتهاد.

اولا:- والتشريع القرآني بحاجة الى السنة لبيانه " وقد تكلفت بذلك السنة النبوية شأن كثير من الحدود والقواعد" (دروزة: سيرة الرسول 2: 343-344). ويقول بعضهم: وقد تنسخ السنة القرآن. وتشريع بحاجة الى سنة محمد، في حديث مشبوه، لبيانه، ليس من الاعجاز في التشريع.

ثانيا:- والتشريع القرآني، بعد الكتاب والسنة، بحاجة الى الرأي والاجتهاد لبيانه. وتشريع منزل يفتقر بعد الكتاب والسنة الى الرأي والاجماع، بالاجتهاد لبيانه، كمصدر ثالت لاحكامه، ليس بالتشريع الجامع المانع، الشامل الكامل، المعجز بذاته الذي يصح التحدي به.

ثالثا:- فمصادر التشريع الاسلامي المتعددة تجعله تشريعا اجتهاديا. وها هو شيخ الازهر محمد شلتوت "يقسم الحكم في الشريعة الى نوعين: حكم نص عليه القرآن والسنة نصا صريحا لا يحتمل التاويل، ولا يحتمل الاجتهاد وهو قليل؛ والنوع الاخر حكم لم يرد به قرآن ولا سنة، او ورد به احدهما، ولم يكن الوارد به قطعيا فيه، بل محتملا له ولغيره، وكان ذلك محلا لاجتهاد الفقهاء والمشرعين: فاجتهدوا فيه، وكان لكل مجتهد رأيه ووجهة نظره. وأكثر الاحكام الاسلامية من هذا النوع الاجتهادي".

وتشريع أكثر الاحكام فيه من النوع الاجتهادي، هل يكون معجزة الشريعة الى يوم القيامة؟ وهل يصح ان يجعلوه معجزة الاعجاز القرآني الكبرى؟

رابعا:- ويرى الدكتور السنهوري أن الفقه الاسلامين المبني على الشرع الاسلامي، بحاجة الى تطوير ليصلح للعصر الذي نعيش فيه. قال: " والهدف الذي نرمي اليه هو تطوير الفقه الاسلامي، وفقا لصناعته، حتى نشق منه قانونا حديثا يصلح للعصر الذي نعيش فيه. وليس القانون المصري أو القانون العراقي الجديد، إلا قانونا مناسبا في الوقت الحاضر لمصر او للعراق. والقانون النهائي الدائم لكل من مصر والعراق، بل ولجميع الدول العربية، إنما هو "القانون المدني" الذي نشقه من الشريعة الاسلامية بعد ان يتم تطوّرها".

وشريعة بحاجة الى تطوير لتصلح للعصر الذي نعيش فيه ليست بمعجزة الشريعة. وتشريع أكثر الاحكام فيه من النوع الاجتهادي ليس من الاعجاز في التشريع المنزل.

 

 

من روائع التعجيز القرآنـــــ في عامّه وخاصه ــــــــــــــــي

1-
قال السيوطي (الاتقان 2: 16): العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر. وصيغة: "كل" مبتدئة أو تابعة؛ "والذي والتي"، وتثنيهما وجمعهما، "وأي ما ومن" شرطاً واستفهاما وموصولا؛ والجمع المضاف؛ والمعرف بأل؛ واسم الجنس المضاف؛ والمعرّف بأل؛ والنكرة في سياق النفي والنهي، وفي سياق الشرط، وفي سياق الامتنان.

"
والعام على ثلاثة اقسام: الاول الباقي على عمومه؛ قال جلال الدين البلقيتي: ومثاله عزيز اذ ما من عام الا ويتخيل فيه التخصيص. وذكر الزركشي في البرهان انه كثير في القرآن. هذا في الاحكام العامة، وذاك في الاحكام الفرعية سوى قوله "حرمت عليكم امهاتكم" فانه لا خصوص فيها. الثاني العام المراد به الخصوص؛ والثالث العام المخصوص. وللناس بينهما فروق: الاول لم يرد شموله لجميع الافراد لا من جهة تنازل اللفظ ولا من جهة الحكم، بل هو ذو افراد استعمل في فرد منها. والثاني أريد عمومه وشموله لجميع الافراد من جهة تناول اللفظ لها، لا من جهة الحكم. ومنها ان الاول مجاز قطعا لنقل اللفظ الى موضوعه الاصلي بخلاف الثاني فإن فيه مذاهب، اصحها انه حقيقة. ومنها ان قرينة الاول عقلية والثاني لفظية. ومنها ان قرينة الاول لا تنفك عنه وقرينة الثاني قد تنفك عنه. ومنها ان الاول يصح ان يراد به واحد اتفاقا، وفي الثاني خلاف.

ومن امثلة الثاني المراد به الخصوص قوله: " ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" والقائل واحد لقوله "انما ذلكم الشيطان"، فوقعت الاشارة بقوله "ذلكم" الى واحد. ومنها قوله: "أم يحسدون الناس" أي رسول الله. ومنها قوله: "ثم افيضوا من حيث أفاض الناس" المقصود ابراهيم. ومنها قوله: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب" اي جبريل.

2-
أما المخصوص فأمثلته في القرآن كثيرة جدا، وهي أكثر المنسوخ إذ ما من عام الا وقد خُص. ثم المخصص له إما متصل وإما منفصل. فالمتصل خمسة وقعت في القرآن، احدها الاستثناء نحو "والشعراء يتبعهم الغاوون الا الذين آمنوا"؛ الثاني الوصف نحو "وربابئكم اللاتي في حجوركم"؛ الثالث الشرط نحو "كتب عليكم – اذا حضر احدكم الموت، ان ترك خيراً، الوصية"؛ الرابع الغاية نحو " ولا تقربوهن حتى يتطهرن"؛ الخامس بدل البعض من الكل نحو "والله على الناس الحج، من استطاع اليه سبيلا". والمنفصل: آية اخرى في محلّ آحر أو حديث أو إجماع أو قياس.

فمن امثلة ما خص (في القرآن): " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" خص بقوله "اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة"؛ وبقوله " وأولاتُ الاحمال أجهلن ان يضعن حملهن" و " حرمت عليكم الميته والدم" خص من الميته السمك بقوله " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيلرة"؛ ومن الدم: الجامد، بقوله " أو دماً مسفوحاً". و " آتيتم إحداهن من قنطار فلا تأخذوا منه شيئا" خص بقوله "فلا جناح عليها فيما افتدت به". ,"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة" خص بقوله " فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب". وقوله "فانكجوا ما طاب لكم من النساء" خص يقوله " حُرمت عليكم امهاتكم".

فهل التخصيص يأتي قبل التشريع، في محل آخر من القرآن، هل هو من الاعجاز؟

ومن امثلة ما خص (في الحديث) قوله "وأحل الله البيع" خص منه البيوع الفاسدة وهي كثيرة، بالسنّة. وحرم الربا، خص منه العرايا بالسنّة. وآيات المواريث منها القاتل والمخالف في الدين، بالسنّة. وآية تحريم الميته، حص منها الجراد بالسنّة. وآية "ثلاثة قروء" خص منها "الامة" بالسنّة. وقوله "ماء طهورا" خص منه المتغير، بالسنّة. وقوله "السارق والسارقة فاقطعوا" خص منه سرق دون ربع دينار، بالسنّة...

فهذا التخصيص بالسنّة على تشريع القرآن هل هو من الاعجاز؟

ومن امثلة ما حص بالاجماع آية المواريث: خص منها الرقيق فلا يرث بالاجماع، ذكره مكّي.

ومن امثلة ما خص بالقياس آية الزنا " فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة" خص منها العبد، بالقياس على الأمَة المنصوصة في قوله " فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" المخصص لعموم الآية، ذكره مكي ايضا.

قهل التخصيص بالاجماع او بالقياس على تشريع القرآن من معجز التنزيل؟

ثم يورد السيوطي فروعا منثورة تتعلق بالعموم والخصوص:

"
الاول اذا سيق العام للمدح او الذمفهل هو باق على عمومه؟ - فيه خلاف ومذاهب."

"
الثاني اختلف في الخطاب الخاص به ص. نحو "يا ايها النبي! يا ايها الرسول" هل يشمل الامة؟ فقيل نعم لان امر القدوة أمر لاتباعه معه عرفا. والاصح في الاصول المنع لاختصاص السغه به.

"
والثالث اختلف في الخطاب "يا ايها الناس" هل يشمل الرسول؟ على مذاهب، اصحها وعليه الاكثرون: نعم لعموم الصيغه له، والثاني: لا لانه ورد على لسنانه لتبليغ غيره ولما له من الخصائص. والثالث ان اقترن "بقل" لم يشمله لظهوره على التبليغ وذلك قرينة عدم شموله، وإلا فيشمله".

"
والرابع تلاصح في الاصول ان الخطاب " يا ايها الناس" يشمل الكافر والعبد لعموم اللفظ؛ وقيل لا يعم الكافر بناء على عدم تكليفه بالفروع، ولا العبد لصلرف منافعه الى سيده شرعا.

"
والخامس اختلف في " مَن" هل يتناول الانثى؟ فالاصح نعم، خلافا للحنيفية لقوله " ومَن يعمل من الصالحات ذكر أو انثلى" فالتفسير دال على تناول "من" لهما. واختلف في جمع المذكر السالم هل يتناولهما؟ فالاصح لا، وانما يدخلن بقرينة. أما المكسّر، فلا خلاف في دخولهن فيه.

"
والسادس اختلف في الخطاب " يا اهل الكتاب" هل يشمل المؤمنين؟ فالاصح لا، لأن اللفظ قاصر على مَن ذكر. وقيل ان شاركوهم في المعنى شملهم وإلا فلا. واختلف في " يا ايها الذين آمنوا" هل يشمل اهل الكتاب؟ فقيل لا، بنلء على انهم غير مخاطبين بالفروع؛ وقيل نعم لانه خطاب تشريف لا تخصيص".

فهل كل هذه الاختلافات في فهم القرآن من معجز البيان؟


"
فإن القرآن العظيم، كما جاء في الآثر، لا تنقضي عجائبه" (الاتقان 2: 103.)

 

الصفحة الرئيسية