الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

مشاكل بين الفكر الإسلامى والعقيدة المسيحية

 

        أظهر الفكر الإسلامى فى بداية العهد المكى الأول تعاطفا كبيرا مع المسيحية والسيد المسيح وأمه مريم وكانت كلها كلمات تفيض بالنعومة حتى أنه فى وصفه لبشارة الملاك للسيدة العذراء وميلادها للسيد المسيح نجد أن هذا الفكر لا يكون إلا من خلال فكر مسيحى أو تأثر بالمسيحية وهذا ما ذكره فى صورة مريم من العدد (16-34) والتى كانت لها تأثير على الملك النجاشى النصرانى ملك الحبشة وجعلت محمد يدفع بالمسلمين للهروب من مكة إلى الحبشة بل أن بعض الكتاب يصف هذا العهد بأنه عهد إخاء فقد ذكر الدكتور/ محمد حسين هيكل فى كتابه حياة محمد ص 22 (وإنك لتجد فى القرآن من ذكر عيسى ومريم وإكرام الله لهما وتقديمه إياهما ما تشعر منه حق الشعور بهذا الإخاء) ولكن بعد انتصار محمد وأتباعه فى موقعة بدر (624) والخندق (627) وبدء النبى والمسلمين يفرضون الهيبة على الجوار بدء عهد الأستقلال المحمدى من كل ما خلا فكره وبدء الإسلام التوحيدى الذى تحدنا عنه سابقا وبدءت تظهر مشاكل بين الفكر الإسلامى والعقيدة المسيحية.

 

1-  هاجم آلوهية السيد المسيح:

 

        "سورة المائدة 17" (لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح إبن مريم قل فمن يملك أن الله شيئا أن أراد أن يهلك المسيح أبن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا). ثم كررها ثانية فى "سورة المائدة 73" (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح أبن مريم وقال المسيح يا بنى إسرائيل أعبدوا الله ربى وربمكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومآواه النار وما للظالمين من أنصار) وآتى بها مرة أخرى فى صورة أستجواب "المائدة 116" (وإذا قال الله يا عيسى أبن مريم أنت قلت للناس إتخذونى وأمى آلهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لى أن اقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك أنت علام الغيوب).

 

2-  تهكم على عقيدة الثالوث:

 

        بدأ يتهكم على عقيدة الثالوث حيث وجدها تخالف الوحدانية التى نادى بها وإتهم النصارى بالشرك بالله والغلو فى دينهم بعد أن كان يمدحهم وقال فى سورة "المائدة 73" (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من آلة إلا إله واحد وأن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب آليم). كما يتنكر الإسلام إنكارا صريحا بأن يكون لله ولد إذ يقول فى "سورة الاخلاص" (قل هو الله آحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا آحد). ويقول أيضا فى "سورة مريم 35" (ما كان لله أن يتخذ منه ولد سبحانه) وفى "سورة آل عمران 59" (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم من تراب ثم قال له كن فيكون). وفى "سورة مريم 35" (ما كان لله أن يتخذ من ولد سحابنه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون). وأيضا فى "سورة مريم 88/94" (قالوا أتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا آدا..... أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا). كلمة أدا أى منكر عظيم. وفى "سورة الزخرف 15-16" (وجعلوا له من عباده جزءا أن الإنسان لكفور مبين أم أتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين). "سورة الأنعام 100-101" (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصنعون بديع السموات والأرض إنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم). وفى "سورة المائدة 75-77" (ما المسيح أبن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام........ قل يا أهل الكتاب لا تضلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سوء السبيل). "النساء 17" (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ولا الملائكة المقربون) "الخزرف 59" (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل).

        ولا شك أن سبب تنكر محمد لهذه العقيدة هو أنه وجدها مخالفة للوحدانية التى ينادى بها. مع أن المسيحية لا تؤمن إلا بالوحدانية وقد ذكر معلمنا مرقس الرسول 12: 29 (الرب إلهنا رب واحد) وجاء قانون الإيمان يؤكد هذا التوحيد قائلا (بالحقيقة نؤمن بإله واحد) ولكن لعل محمد أخذ بثالوث أهل البدع من النصارى الذن كانوا منتشرين فى شبة الجزيرة العربية والذين كان ثالوثهم مؤلفا من الماء والصاحبة مريم وأبنها عيسى ومع أن أحدا من المسيحيين لم ينادى بهذا مطلقا لكن المسلمين جعلوا منها مشكلة لا يتنازلون عنها بالرغم من كل الإيضاحات التى يصفها المسيحيون أمامهم.

        ويقول البيضاوى (أى الألهة ثلاثة: الله والمسيح ومريم ويشهد عليه قوله أأنت قلت للناس إتخذونى وأمى آلهين من دون الله أو الله ثلاثة إن صح إنهم يقولون: الله ثلاثة أقانيم الآب والإبن والروح القدس ويريدون بالآب الذات وبالأبن العلم وبروح القدس الحياة) ونحن نقول وإن صح أن المسيحيين يقصدون بالآب الذات وبالإبن العلم وبالروح القدس الحياة فذلك لا يدل على تعدد الذات الإلهية لأن العلم والحياة فى الله هم ذات الله بعينها.

        ويقول الرازى (قوله ثلاثة خبر مبتدأ محذوف ثم إختلفوا فى تعيين المبتدأ هل هو : (أ) الأقانيم الثلاثة. أو (ب) آلهتنا ثلاثة. أو (جـ) هم ثلاثة. سيقولون ثلاثة وذلك لأن ذكر عيسى ومريم مع الله بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين. ثم يفسر رايه (الأقانيم الثلاثة) أى (أن الله واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم) وأعلم أن مذهب النصارى مجهول جدا والذى يتحصل منه أنهم اثبتوا ذاتا موصوفة بصفات ثلاثة إلا أنهم وأن سموها صفات فهى فى الحقيقة ذوات قائمة بأنفسها فلهذا المعنى قال (ولا تقولوا ثلاثة أنتبهوا) ومما سبق نجد أن الرازى يعتبر أن مذهب النصارى مجهول جدا وللعلم أن الفكر المسيحى لا يناقض التوحيد ولا يمكن تفسيره على اساس ثلاثة آلهة فليست الأقانيم ثلاثة ذوات قائمة بأنفسها بل هى علاقات جوهرية قائمة بالذات الآلهية الواحدة.

        والمشكلة المعقدة فى الإسلام هو الأعتقاد بأن التثليث يعنى ثلاثة آلهة: الله والمسيح ومريم مع أن المسيحيين (سواء كان قبل الإسلام أم بعده) تؤمن بقانون الإيمان قائلة (بالحقيقة نؤمن باله واحد) أما موضوع كلمة تثليث لم ترد أبدا بمعنى (3) آلهة ولا نؤمن بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آهلة ولكن هذه أفكار بعض المبتدعين والذين رفضتهم الكنيسة فالتصقوا بعرب الجاهلية ومنه أخذ الإسلام الفكر المشوه عن المسيحية.

 

3-  مشكلة أخرى فجرها بنص قرآنى:

 

        "الصف 6" (إذ قال عيسى أبن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراه ومبشرا برسول يأتى من بعدى إسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين). وعندما خلا الإنجيل من أية إشارة إلى نبوة محمد ومن أى قول للسيد المسيح يبشر به قالوا أن الإنجيل محرف.

 

4-  نفى القرآن موضوع صلب السيد المسيح نفيا قاطعا:

 

        إذ يقول عن اليهود فى "سورة النساء 157 ، 158" (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى إبن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين إختلفوا لفى شدة منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما). ومع أن هناك آيات قرآنية تؤكد موت المسيح مثل "مريم 33 ، 34" (السلام على يوم ولدت ويوم أموت ويم أبعث حيا). "سورة آل عمران 55" (إنى متوفيك ورافعك إلى). "والمائدة 116 ، 117" (فلما توفيتنى كنت الرقيب عليهم) وهنا نسال إن كان الإسلام يعتبر أن يهوذا هو الذى صلب بدلا من السيد المسيح فهل الله لم يكن له اسلوب آخر ينقذ به السيد المسيح من يد اليهود سوى المكر والخداع وموت شخص بدلا منه وهو يهوذا؟؟!.

        ومع من يدرس الآية جيدا يكتشف أن النفى لا يقع على حادثة الصليب بل على الأثر والنتيجة فعندما يتحدث الإسلام عن موت الشهداء يقول أنهم أحياء ففى "آل عمران 169" (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) إذن الشهداء ماتوا ولم يموتوا قتلوا ولم يقتلوا أى أن المقصود من الموت لم يحدث لأنهم أحياء عند ربهم لذلك نرى أن إنكار الصليب إنما أنكار على آثار الصليب وليس على حقيقة الصليب.

        مما سبق نستنتج أن الفكر الإسلامى يحاول أثبات ناسوت السيد المسيح وبشريته ولذلك تحدث بعض الكتاب الحديثيين فى ذلك الأمر:

     قال الأستاذ أحمد طاهر فى كتابة الأناجيل دراسة مقارنة ص 117: (المسيح فى نظر المسلمين كغيرة من الرسل بشر.... أختاره الله رسولا إلى اليهود إن الرسل عامة لا ينطقون عن الهوى إنما يوحى إليهم سواء فى أفعالهم أم أقوالهم).

     ذكر لنا الدكتو محمد حسين هيكل فى كتابه حياة محمد ص 22 ، 23 (وإنك لتجد فى القرآن من ذكر عيسى ومريم وإكرام الله لهما... فالقرىن قد ذكر أن يحى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص ويخلق من الطين طيرا ويخبر بالغيب وكل هذه خصائص آلهية (هذا راى نصار عهد النبى الذين كانوا يحاجونه ويجادلونه) ويذهبون إلى أن عيسى إله مع الله وقد ذهبت طائفة منهم إلى تأليه مريم إن ألقى الله إليها بكلمته وكان أصحاب هذا الراى من نصارى ذلك العهد يعتبرون مريم ثالث الثلاثة الآب والإبن والروح القدس ولم يكن أصحاب هذا القول بألوهية عيسى وأمه إلا طائفة من طوائف النصرانية الكثيرة المتفرقة).

        من خلال ما سبق نجد أن هناك مقاومة مستمرة وتكفير من الفكر الإسلامى إلى العقيدة من المسيحية ومهما حاولنا شرح الأمور أو تفسيرها نجد الحكم الصادر هو التكفير لأنه من وجهة النظر الإسلامية لا يقوم الحوار الصحيح على أساس الفلسفة والمنطق لأن كل من يدخل فيهما يكون باستمرار موضع شبهة وهناك قول شائع عندهم (من تمنطق فقد تزندق) ويعتبر الإسلام أن باب الفلسفة والمنطق ما هو إلا باب الإلحاد ومن يذهب إليه إنما ذهب إلى الزندقة كما أن الحوار الصحيح فى نظرهم لا يقوم على أساس الكلام (علم اللاهوت) ويقول الإمام الغزالى راية فى هذا الأمر (نعود إلى علم الكلام ونقول: أن فيه منفعة وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته فى وقت الأنتفاع.......... فهو واجب كما يقتضيه الحال وهو باعتبار مضرته فى وقت الأستضرار حرام لأنه فيه إثارة الشبهات أو تحريك العقائد وإزالتها). ويذكر لنا أبو المحاسن فى تاريخه عن (الذهبى) (أن أبا المعالى الجوينى أستاذ الغزالى قد ندم وهو على فراش الموت على اشتغاله بالكلام وكان يقول أن آلام علته سببها تلك الدراسة الآثمة) (من كتاب التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية) كما أن الحوار الصحيح فى نظرهم لا يقوم على أساس التاريخ والمقارنة بين الأديان لأن فيه رائحة الطعن فى النبوة والقرىن بأسم التاريخ ويجعل المسلم الصحيح يتنكر لدين المسيح ويطعن فى صحة الأناجيل وصحة تعليم المسيحية وهكذا لا نجد أسلوب سليم للحوار إلا من خلال ما جاء فى كتابهم نصا والرجوع إلى تفسير الآئمة وما جاء من أحاديث ولذلك نجد أن هناك أمور التفاهم فيها وفوضى من أساسه لأنه يخالف نصوصهم أو أحاديثهم.

 

 

عودة الى الفهرس