الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

ثالثا:   ميزات لم ينالها غير السيد المسيح:

 

     هناك أمور اشترك فيها السيد المسيح مع الناس وهناك أمور أنفرد فيها السيد المسيح ولم يشترك أو يشابهه فيها أحد.

     وقد أفرد القرآن السيد المسيح وأعطاه من الصفات ما تجعله مميزا عن غيره من الشر قد أطلق المسيحيون على السيد المسيح لقب (الوحيد الجنس). لأنه وحيد فى نبوته للآب ووحيد فى ميلاده... لذلك وجدنا أنه من الواجب أن تدريس بعض من تلك المميزات الكثيرة التى أنفرد بها السيد المسيح القرآنى الإنسان.

1-  مؤيدا بالروح القدس:

        الروح القدس كلمة إنجيلية أما فى القرآن فيقابلها كلمة روح القدس. والفرق بين كليهما أن القدس فى الأولى صفة ، وفى الثانية مضاف إليه. تفهم إذا ترجمناها للغة أخرى ، فمثلا كلمية Holy Spirit تعنى الروح القدس ، أما كلمة Spirit of the Holy تعنى روح القدس. سواء هذا أم ذلك. فلا أحد غير المسيح تأيد بروحا لقدس ، وإن اختلفلت آراء الأئمة والمفسرين فيمن يكون روح القدس هذا. فعيسى أبن مريم مؤيد من السماء. هذا التأييد تأييد بروح القدس ، الذى قد يكون جبريل كروح الله القدوس ، وقد يكون الروح الذى به كان عيسى يصنع المعجزات ، وقد يكون روح الله القدوس ذاته كقول الفقهاء إن من قال إن روح القدس مخلوق فهذه بدعة. إن اختصاص السيد المسيح دون الرسل أجمعين ، بتأييد الروح القدس الدائم له فى سيرته ورسالته وشخصيته: يحصر القرآن لأحد آخر تأيد الروح القدس ، أما السيد المسيح فيمتاز فى القرآن بتأييد الروح القدس الشامل المطلق له فى السيرة والرسالة الشخصية كما نرى فى النصوص الآتية:

     (ولقد آتينا موسى الكتاب ، وقفينا من بعده بالرسل ،وآتينا عيسى بين مريم البينات وأيدناه بروح القدس) (البقرة 87) وواضح هنا أن السيد المسيح من دون الرسل له الروح القدس.

     (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) (البقرة 23).

     (إذ أيدتك بروح القدس ، تكلم الناس فى المهد وكهلا) (المائدة 110).

جاء فى تفسير الطبرى:

        وقد خص الله مريم بمالم يؤته أحدا من النساء ، وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ، ودنا منها للنفخة. فليس لأحد من النساء هذا ، وصدقت بكلمات ربها ولم تسال عندما بشرها جبريل كما سأل زكريا لذلك سماها الله صديقة فقال (وأمه صديقة) وقال (صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) فشهد لها بالصديقية وشهد لها بالتصديق لكلمات البشرى ، وشهد لها بالقنواتز فحينما بشر زكريا بغلام لحظ كبر سنه ، وعقامة رحم إمرأته فقال: أنى يكون لى غلام؟ فسأل آية وبشرت مريم بالغلام فحظت أنها بكر ولم يمسسها بشر فقيل لها (كذلك قال ربك) فاقتصرت على ذلك وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية ممن يعلم كنهة هذا الأمر.

        قال ابن عباس: "إن روح القدس هو الأسم الذى كان عيسى يحيى الموتى" وقال أبو مسلم: "روح القدس الذى أيد به يجوز أن يكون الروح الطاهرة التى نفخها الله تعالى فيه ن وابانه بها عن غيره ممن خلق من اجتماع الذكر والأنثى". ونقرأ فى النساء 171: "المسيح عيسى بن  مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فأمنوا بالله ورسله".

        وخلاصة هذه الآيات أن الله أعطى عيسى فى ذاته روحا وأن هذا الروح يؤيده فى شخصيته ومع ذلك فقد اختلف علماء الإسلام فى تفسير الروح القدس الذى تأيد به المسيح فقد قال أبن أنس: "هو الروح الذى نفخ فى المسيح. أضافة الله إلى نفسه تكريما وتخصيصا والقدس هوا لله يدل عليه قوله "فنفخنا فيه من روحنا".

        وقال السدى وكعب: "روح القدس هو اسم الله الأعظم ،وبه كان عيسى يحيى الموتى". وقال القاشانى: "الله طهر جسم عيسى من الأقذار الطبيعية ، فهو روح متجسد ، فى بدن مثالى روحانى ،وذلك من صفاء جوهر طينته ولطافتها وصفاء طينة أمه وطهارتها. ونزه روحه وقدسه من التأثير بالهيئات الطبيعية والصفات البدنية ، لتأييده بروح القدس ، الذى هو على صورته". وقال أبن عطا: "إن أحسن النبات ما كان ثمرته مثل عيسى روح الله". وقال البيضاوى: "كان المسيح يحيى الأموات والقلوب ، لذا سمى إن تعليم القرآن عن الروح غامض "يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء 85). وروح القدس الذى اختص به عيسى ابن مريم دون سائر الناس والأنبياء ، هو خلاف باقى الأرواح وإضافته ونسبته إلى القدس تجعله فى صلة خاصة بالله تعالى ، فقد جعلوا "القدس" مرادفا لله (ابن عباس) فإنه نزله على قلبك بإذن الله ، مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" (البقرة 97). وبهذا فهو يتميز عن روح القدس الذى خص القرآن تأييد المسيح به فهو روح قدرة إلهية ، به أحيا عيسى الموتى وخلق من الطين طيرا".

        وقد أيد الله نفسه عيسى ومن اتبعوه فيقول: "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى أبن مريم للحواريين: من أنصارى إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله فأمنت طائفة من بنى اسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين أمنوا على عدوهم فاصبحوا ظاهرين" (الصف 14).

2-  لا سلطان للشيطان عليه:

        جاء فى كتاب الباكورة الشهية لأحد الأفاضل من سورية: ص 128: روى فى كتاب الإمام الغزالى جزء ثالث وجه 38 أنه لما ولد عيسى ابن مريم عليه السلام أتت الشياطين إبليس قالت: قد اصبحت الأصنام منكسة الرؤوس ، فقال هذا حادث قد حدث أمكثوا هنا مكانكم حتى أتيكم بالخبر اليقين فطار حتى أتى خافقى الأرض فلم يجد شيئا ، ثم وجد عيسى عليه السلام قد ولد وإذا الملائكة حافين به ، فرجع إليهم فقال أن نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا أنا حاضرها إلا هذا فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن أئتوا بنى آدم من قبل العجلة والخفة.

        جاء فى صحيح مسلم لأبى عبدالله محمد ابن ابراهيم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من من مولود يولد إلا الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وأبنها".

        قال العلماء أفاد هذا الحديث أن الله استجاب دعاء أم مريم فإن الشيطان ينخس جميع أولاد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وأبنها. قال قتادة كل مولود يطعن الشيطان فى جنبه حين يولد غير عيسى وأمه جعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ لهما منه شئ.

        عصمته فى رسالته كما فى سيرته: يتوهم البعض أن العصمة فى الرسالة تقترن حتما بالعصمة فى السيرة ، ولكن نصوص القرآن تنقض هذا الوهم إذ نقرأ فى السيرة الكثيرة من النصوص التى تفيد أن الأنياء لم تكن حياتهم بلا لوم ، لا قبل الرسالة ولا بعدها أما المسيح فى القرآن فسيرته معصومة كرسالته. فقد شهد الملاك بذلك إذ قال لأمه: "وأنا رسول ربك لأهب لك غلاما ذكيا" وقد قال البيضاوى فى تفسير كلمة "ذكى" أن عيسى كان مترفعا من سن إلى سن.

        تفرد رسالته بالبينات: فكما انفردت رسالته على الرسالات جميعا بتأييد الروح القدس انفردت أيضا بالبينات ، وباستجماعها كما لم تجمع لغيره إذ نقرأ: "وقد آتينا عيسى بالبينات" (البقرة87: 253) ، والبينات هى العجائب.

        قال البيضاوى: "لقد خصه الله بالتعيين ،وجعل معجزاته سبب تفضيله على الرسل لأنها آيات واضحة ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره". وبالرغم من اعتراض الإسلام على العقائد المسيحية الأساسية فإن القرآن يضفى على المسيح صفات وكرامات ترفعه فوق مستوى البشرز وهذه الميزات تنبع من سيرته ، ومن رسالته ، ومن شخصيته ، وحين نقارن بين هذه الميزات والميزات التى ذكرها القرآن للأنبياء والرسل ، نرى أنه لا يعطى أحدا منهم (حتى محمد) شيئا من ميزات المسيح وينسب القرآن الخطيئة إلى كل الأنبياء ـ نورد منهم: آدم وزوجته (فأزلهما الشيطان) (البقرة 3) ، وعصى آدم ربه فغوى (طه 121) ، وباراهيم أب المؤمنين والأنبياء  كفر ثم اهتدى (الأنعام 76 ، ابراهيم 41) وكذب ثلاث مرات (البقرة 26 ، الأنبياء 64) ، وموسى سيد الشريعة الذى كلم الله تكليما (النساء 163) ، وكز المصرى فقضى عليه فقال أهذا من عمل الشيطان قال ربى فأغفر لى مغفر له)(القصص 16 ، الشعراء 19 ، الأعراف 149).  وداود صاحب الزبور "وظن داود أنا فتناه فأستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له" (ص24 ، 25). وينسب القرآن الخطأ إلى محمد فيقول: "ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك" (الشرح1-3) ، ولابد أنه كان وزرا ثقيلا الذى أنقض ظهره ، ويقول له: "وجدك ضالا فهدى" (اضحى 7 ، 8) ،و الضلال من أعظم المعاصى "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" 0الفتح 2) ، فسبق له ذنوب تتبعها ذنوب وقد شعر محمد بحاجة دائمة إلى الأستغفار "وأستغفر لذنبك" (غافر 55) ، ويتكرر استغفاره فى (النساء 106 ، محمد 19). ينسب الشك إلى محمد: "فإن كنت فى شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من المتمردين" (يونس 14). وتملق قومه بالشفاعة للصنام فى (الإراء 73) فيقول له: "وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك". وأذن للمنافقين بالقعود عن الجهاد: "عفا الله عنك لما أذنت لهم" (التوبة 43).

        وفى الحديث ورد قوله: "توبوا إلى ربكم فو الله إنى لأتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة فى اليوم" ، وعلى قول بعضهم (مئة مرة) لكن هناك واحدا فقط لا يذكر له القرآن إثما ولا علاقة بالخطية على الإطلاق ، هو المسيح عيسى أبن مريم ولا نجد له حاجة للأستغفار أو التوبة ، بل ميزة القرآن بصفات يسطع نورها بالمقارنة بين ما تلطخ به الأنبياء من خطايا.

3-  رفعته عند وفاته:

        إذ نقرأ فى سورة آل عمران وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا....(آل عمران 55). قال الفخر الرازى: لتفسير هذه الآية عدة وجوة منها:

الوجة الأول: المراد (بالرفعة أنى رافعك) إلى محل كرامتى وجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم ومثلها قوله: إنى ذاهب إلى ربى (هذه العبارة مستعارة من الإنجيل).

الوجه الثانى: فى التأويل أن يكون قوله "ورافعك إلى" معناه أنه يرفعه إلى مكان لا يملك أحد الحكم عليه فيه. لأن فى الأرض قد يتولى الخلق أنواع الأحكام. أما فى السموات فلا حاكم فى الحقيقة وفى الظاهر إلا الله".

     إنى متوفيك وارفعك إلى لم يحتضنه ثرى ، ولم يأويه قبر ، ولم يغمره تراب إنه المسيح الحى.

     له قبر يحمل ذكرى موته ولا يحوى له بدنا كبقية قبور الأنبياء ومشاهير التاريخ.

     وله كفن ترك فه بصمات استغرق أداؤها أياما ثلاثة ، ولكنها شوهدت وشهدت لقرون عشرين.

     وله صليب حمله ساعات ، وأما المسيح فحمله شعارا سنوات وقرون وإلى أنقضاء الساعة.

     له مغسل غسلوا فيه هذا الجسد بعد خروج الروح منه ، ليعلن أن لاهوته لم ينفصل قط لا من جسده ولا من نفسه.

     وعاد المسيح إلى سمائه التى منها نزل ، صعد إليها حيث منها هبط وتجسد فالله فى القرآن.

     توفاه ، رفعه ، نصره ، حفظ ديانته إلى يوم القيامة ، ونصر ناصريته وتابعيه.

     ورد الله فى القرآن كبد كل هؤلاء بأن جعل آخر يكابد العذاب فى الصليب بدلا منه ، ومكروا ومكر الله ، وكان الله خير الماكرين. حيث مسخ من سبوه قرده وخنازير وانفرد بنبيه العظيم عيسى بلا صليب وبغير صلب.

4-  له مجيئان:

        فكل من سبقه ولحقه جاء مرة واحدة. ولن تراه عين إلا يوم القيامة. ولن يلبس ذات الجسد الذى ارتداه وعمل به قبلا أما المسيح فهو الوحيد الذى له مجيئان مجئ أتاه ومجى آخر ننتظره. مجئ كان فيه صورة الضعف والذل والمسكنة والوداعة ، وأما الثانى فسيصير فيه فى صورة الجبروت والقوة والعدل أو كقول القديس أغسطينوس: "سوف يأتى ليدين فى ذات الجسد الذى أتى فيه ليدان".

        جاء فى كتاب علامات يوم القيامة للحافظ بين كثير الدمشقى ص 75 ، 76 قوله: عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: "ينزل أبن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويرجع السلم ، ويتخذون السيوف مناجل ، وتنزل السماء رزقها ، وتخرج الأرض بركتها حتى يلعب الصبى بالثعبان فلا يضره ، ويراعى الغنم الذئب فلا يضرها ، ويرعى الأسد البقر فلا يضرها".

        وقال البخارى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: "والذى نفسى بيده ، ليوشكن أن ينزل فيكم أبن مريم حكما عادلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها".

        وقال الإمام أحمد: عن أبى هريرة أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وإنى أولى الناس بعيسى بن مريم ، لأنه لم يكن بينى وبينه نبى ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام فيهلك الله فى زمانه الملل كلها إلا الإسلام ،ويهلك الله فى زمانه الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والثمار مع البقر ، الذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات فلا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ، ثم يتوفى ، ويصلى عليه المسلمون.

        قال الإمام أحمد عن رسول الله صلى عليه وسلم قال: لقيت ليلة الإسراء أبى إبراهيم وموسى ، وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال: فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى ابراهيم فقال: لا علم لى بها ، فردوا أمرهم إلى موسى؟ فقال: لا علم لى بها. فردوا أمرهم إلى عيسى؟ فقال: أما وجبتها ، فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيما عهد إلى ربى عز وجل ، أن الدجال خارج ، ومعى قضيبان ، فإذا رأنى ذاب كما يذوب الرصاص ، قال: فيهلكه الله إذا رأنى ، حتى أن الشجر والحجر يقول: يا مسلم إن تحتى كافرا فتعال فأقتله. إن الساعة كالحامل المتم ، لا يدرى أهلها متى تفجؤهم بولادها ، ليلا أو نهارا".

5-  أنفراد رسالته بالبينات:

        فكما انفردت رسالته على الرسالات جميعا بتأييد الروح القدس ، أنفردت أيضا بالبينات وباستجماعها ، كما لم تجتمع لغيره. إذ نقرأ فى سورة البقرة: "وقد أتينا عيسى البينات (البقرة 253) والبينات هى العجائب والمعجزات.

        قال البيضاوى: لقد خصه الله بالتعيين وجعل معجزاته سبب تفضيله على الرسل. لأنها آيات واضحة ، ومعجزات عظيمة ، لم يستجمعها غيره. ويشهد القرآن للمسيح بأعماله العجيبة وشفاءاته المتعددة. لم يلعن المسيح أعداءه. ولم يتصرف كجبار شقى ، بل أظهر نفسه أنه ينبوع اللطف ومصدر المحبة والرحمة. وعظمت قوة الله فيه بآيات متعددة عجيبة. (مريم19: 31-32).

أ‌-   لقد برهن القرآن أن المسيح شفى العمى بدون عملية جراحية وبلا أدوية ،وأبرأهم بكلمتها القوية وتضمنت كلماته قوة شافية آنذاك وحتى اليوم فالمسيح هو المبارك أينما يكون ومنبع البركة لجميع الناس فى كل العصور. (آل عمران3: 49 ، المائدة5: 110 ، مريم19: 31).

ب‌-  لم يخف أبن مريم من الأبرص بل لمس جلده وشفاه بكلمة سطانه ، فالمسيح هو الطيب الأعظم فى كل أوان. أحب المساكين وقبل المرضى وخلق فيهم رجاء وإيمانا بقدرته ، وشفى كل مريض تقدم إليه.

ج‍‌-  وأعظم عمل قام المسيح به هو إقامة الموتى المشهود له من الإنجيل والقرآن لقد أقام ابن مريم طفلة صغيرة وشابا راشدا ورجلا بالغا من الموت. فمن يقدر أنيقيم الأموات ويعيدهم إلى الحياة إلا الله؟! فيجيب علينا إدراك عمق هذا المعنى فى الآيات القرآنية أن المسيح أستطاع إقامة الموتى مرارا.

        ويقول الناقد إن ابن مريم لم يقدر أنيقوم بآية ما من تلقاء نفسه ، بل الله هو الذى أيده بروح القدس ليستطيع أن يتمم مشئة الله. "ولقد أتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ، أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ، ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون" (البقرة2: 87). "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ، منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ، وآتينا عيسى أبن مريم البينات وأيدناه بروح القدس" (البقرة2: 253). "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ، تكلم الناس فى المهد وكهلا ، وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى ، فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى ، وتبرئ الأكمة والأبرص بإذنى ، وإذ تخرج الموتى بإذنى... فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين" (المائدة5: 110).

        القرآن يشهد مرارا بتعاون الله مع المسيح وروحه القدوس! فالثلاثة اجتمعوا وتعاونوا فى آيات المسيح فى وحدة متكاتملة لقوة الله عاملة فى ضعف جسد أبن مريم بسلطان آلهى.

د‌-   ونقرأ فى القرآن لا فى الإنجيل أن المسيح وهو طفل خلق من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فأصبح حيا طائرا فى الفضاءز "إنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمة والأبرص وأحى الموتى بإذن الله" (آل عمران3: 49). نجد فى هذه الآية العبارة المدهشة "أخلق" الدالة على أن المسيح هو خالق مقتدر. لا يقدر إنسان أن يخلق من العدم شيئا ، ولا أن يعيد المادة الميتة إلى الحياة إلا المسيح. ويشهد القرآن بقدرة المسيح الخالقة بواسطة نفخته المحيية. فنلخ فى هيئة الطير فأصبحت طاشرا حيا كما أن الله نفخ نسمته فى آدم سابقا. فكان المسيح قادرا أن يبث الحياة فى الطين الميت.

ه‍‌-   لاحظت الجماهير قدرة ابن مريم فتبعته حتى إلى الصحراء ناسية المكان والزمان وباقية معه حتى الليل. فالقرآن يشهد بأن المسيح أنزل لأتباعه مائدة من السماء وسط الصحراء وأشبع أتباعه المخلصين. "إذا قال الحواريون يا عيسى ابن مريم ، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال أتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين. قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فأنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين" (المائدة5: 112-115).

        يبحث البعض فى نوعية أطعمة السماء على المائدة أكثر من أن يتعمقوا ببحثهم فى شخصية وهاب الهبة العجيبة لقد أشبع المسيح حسب الإنجيل خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد من خمسة أرغفة وسمكتين. فأظهر بذلك قدرته الخالقة بطريقة عملية لم يتفوه بكلام فارغ بل عمل ما قاله وشفى وفعل أعمالا حقيقية.

        كل من يقارن آيات محمد بآيات المسيح يرى أن آيات محمد فى القرآن هى كلمات ، ولكن آيات المسيح وعجائبه هى أعمال المحبة وخدمات الرحمة.

لم ينسب له القرآن خطية واحدة:

        يتوهم البعض أن العصمة فى الرسالة ، تقترن حتما بالعصمة فى السيرة ولكن نصوص القرآن تنقض هذا الوهم. إذ نقرأ الكثير من النصوص ، التى تفيد أن أنبياء ، لم تكن حياتهم بلا لوم ، لا قبل الرسالة ولا بعدها. أما المسيح فى القرآن فسيرته معصومة كرسالته. السيد المسيح هو الشخصية القرآنية الوحيدة التى لم ينسب لها القرآن ضعفا ولا ضعفات فكل شخصيات القرآن كانوا محاطين بالضعفات والذلات. تقول شريعة الله: "أجرة الخطية هى موت" (رومية6: 23) والموت المقصود هنا هو الأنفصال الروحى عن الله. فلما أخطأ آدم مات روحيا وتابعت ذريته السير على مواله "عصى آدم فعصت ذريته" (العلق96: 6) "إن الإنسان لظلوم كفار" (ابراهيم14: 34) "إن الإنسان لربه لكنود" أى كفور جاحد بالنعمة (العاديات100: 6) ونفس الإنسان "أمارة بالسور" (يوسف12: 53) "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمم ما ترك عليها من دابة" (النحل16: 61) إذا كيف ينجو الإنسان من الجحيم وهو بهذه الطبيعة الساقطة؟!. ولا ينسب القرآن الخطية إلى آدم فحسب ، بل ينسبها إلى كل الأنبياء ـ نورد منهم: ابراهيم أب المؤمنين والأنبياء ، كفر ثم أهتدى (الأنعام6: 76 وابراهيم14: 41) وكذب ثلاث مرات كما يقول الحديث: " لم يكذب ابراهيم النبى عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات إثنتين فى ذات الله: قوله "إنى سقيم" (الصافات37: 89) وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا" (الأنبياء21: 63) وقوله لسارة "هى أختى".

        وموسى صاحب الشريعة ، الذى كلم الله تكليما (النساء4: 64) وكز المصرى فقضى عليه ، فقال: "هذا من عمل الشيطان ، قال رب ، إنى ظلمت نفسى ، فأغفر لى ، فغفر له" (القصص28: 16).

        وداود صاحب الزبور: "ظن داود أنا فتناه ، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ، فغفرنا له" (ص38: 34 ، 25).4). وتملق محمد قومه بالشفاعة للأصنام فى (الإسراء17: 73) فيقال له: "وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره". وأذن محمد للمنافقين بالقعود عن الجهاد: "عفا الله عنك لما أذنت لهم" (التوبة9: 43). وفى الحديث ورد قول: "توبوا إلى ربكم فو الله أنى لأتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة فى اليوم) وعلى قول بعضهم من مرة لكن هناك واحد فقط لا يذكر له القرآن إثما ولا علاقة بالخطية على الأطلاق هو السيد المسيح له المجد عيسى أبن مريم ولا نجد له حاجة للأستغفار أو التوبة بل ميزة القرآن بصفات يسطع نورها بالمقارنة بين ما تلطخ به الأنبياء من خطايا.

        وينسب القرآن الخطأ إلى محمد فيقول: "ألم نشرح لك صدرك ،ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك" (الشرح94: 1-3). ولابد أنه كان وزرا ثقيلا ذلك الذى أنقض ظهره! ويقول له: "وجدك ضالا فهدى" (الضحى93: 7) ، والضلال من أعظم المعاصى والكبائر. ويقول له: "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" (الفتح48: 2) فسبق له ذنوب تتبعها ذنوب. وقد شعر محمد بحاجة دائمة إلى الأستغفار "واستغفر لذنلك" (غافر55) ويتكرر استغفاره فى النساء 106 ومحمد 19.

        وينسب الشك إلى محمد ، فقال له: "فإن كنت فى شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقراون الكتاب من قبلك. لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممتمرين" (يونس10: 94) وتملق محمد قومه بالشفاعة للأصنام فى (الإسراء17: 73) فيقال له: "وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيرة". وأذن محمد للمنافقين بالقعود عن الجهاد: عفا الله عنك لما أذنت لهم" (التعوبة9: 73). وفى الحديث ورد قوله: "توبوا إلى ربكم فو الله لأتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة فى اليوم) وعلى قول بعضهم مئة مرة لكن هناك واحد فقط لا يذكر له القرآن إثما ولا علاقة بالخطية على الإطلاق هو السيد المسيح له المجد عيسى ابن مريم ولا نجد له حاجة للأستغفار أو التوبة بل ميزة القرىن بصفات يسطع نورها بالمقارنة بين ما تلطخ به الأنبياء من خطايا.

ويفسر بعض العلماء ما نسب إلى محمد بأنه:

        لما كان محمد فتى أتى إليه ملاكان وطهرا قلبه ، وفى هذا يقول القرآن: "آلم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك" (الأنشراح94: 1-3). ومنذ ذلك الوقت أصبح له اللقب الشريف "المصطفى" فلم يكن صافيا وطاهرا فى ذاته إنما أخذ الملاكان الوزر من قلبه فطهرا. أعترف محمد شخصيا ثلاث مرات فى القرآن بأن كان يجب عليه استغفار ربه. "فأصبر إن وعد الله حق ، واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشىوالإبكار"(غافر40: 55). "فأعلم أن لا إله إلا الله ، استغفر لذنبك للمؤمنين ، المؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم" (محمد47: 19). "وإذا تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ، وأتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه ، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرأ زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعايئهم إذا قضوا منهن وطرا ، وكان الله أمر الله مفعولا" (الأحزاب33: 37).

        ويظهر أن أكثرة المسلمين يرفضون هذه الحقيقة ويؤولونها ، إنما القرآن هنا واضح ويتكلم بصراحة.

عودة الى الفهرس