الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

رابعا:  السيد المسيح يعمل أعمال الله:

 

1-      الخلق:

 

        جاء فى القرآن هذا القول: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتى عليك... إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراه والإنجيل. وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيرا بأذنى. (مائدة 110).

        قال أبن العربى فى تفسير هذه الآية: لقد خص الله عيسى بكونه روحا وأضاف النفخ فى خلقه من الطين ولم يضف نفخا فى اعطاء الحياة لغير عيسى ، بل لنفسه تعالى. من السهل أن أزاحم أو أشابه أنا كإنسان الله فى كل صفاته والقابه مثل الغنى العظمة القدرة اللطف الرحمة العدل الحب الجبروت العلو الدنو العلم والحكمة الجمال الجلال......الخ. ولكن من الصعب إن لم يكن من العيسير أن أشابهه أو أدانيه أو أناظره فى صفة الخلق ، فالله وحده الخالق ، ولا خالق له ، ولا خالق معه ، و لا خالق أياه ولا خالق سواه. فالخلقة هى عمل الله الذى لا يشاركه فيها أحد ، فهو الخالق غير المخلوق ، أما بقية الكائنات فمخلوقة غير خالقة.

        ومن الجهل أن أخلط بين معنى الخلقة والصناعة ، فالخالق يخلق من عدم أما الصانع فيصنع من شئ أو من كائن يكونه ، فالخلقة شئ والصناعة شئ آخر والخاق شئ والصانع شئ آخر.

        والقرآن ذكر اسم الله كخالق بأشكال متنوعة مثل الخالق ، المصور ، البارى ، الفاطر ، البديع والكلمتان الأخيرتان تنتميان إلى أصل غير عربى اللغة ، فالبارئ عبرية من الفعل العبرى (برا) أى خلق ، وجاء منها كلمة ألبرية أى الخلقة والكلمة الثانية تنتمى لليونانية (باتير) والتى تعنى الله الآب خالق السموات والأرض.

        وأما كلمة مصور فقد تعنى مشكل الإنسان فى داخل رحم أمه ، من ناحية النوع ذكرا كان أم أنثى ، أو اللون أبيضا كان أم أسودا ، أم البدن قصيرا كان أم طويلا ، وبالجملة كل شئ يخص سحنة الإنسان ومظهرة. وكلمة بديع ، تعنى خالق وقد وردت فى القرآن هكذا: "بديع السموات والأرض أنى يكون له ولدا وأنى تكون له صاحبه".

لذا ذكر القرآن الحقائق التالية:

أ‌-      ذكر القرآن أنه لا يستطيع الخلقة غير الله فحتى الآلهة المعبودة هى مخلوقة لله الخالق:

       ورد فى سورة الحج رقم 22 عدد 73 "أن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له".

       وجاء فى سورة النحل 16 عدد 20 "والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون".

       وذكر فى سورة لقمان 31 عدد 11 "هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه".

       وذكر فى سورة النمل 16 عدد 17 "أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون".

       وذكر فى سورة الفرقان رقم 25 عدد 3 "وإتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون".

ملخص هذا القول:

        إذن لا خالق إلا "الله" وهؤلاء الآلهة هم مخلوقون لا خالقين ولو اجتمعوا معا لما استطاعوا أن يخلقوا ذبابة واحدة والله خالق هؤلاء لآلهة".

ب‌-    ذكر القرآن أن الله خلق الإنسان من عدم كما ورد فى سورة مريم 19 عدد 17. "أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا".

ج‍‌-     وذكر القرآن أن عمل الخلقة خاص بالله وحده.

       ورد فى سورة الواقعة 56 عدد 58 ، 59 "أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون"؟.

       ورد فى سورة الواقعة 56: 63 ، 64 "أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون"؟.

       ورد فى سورة فاطر 35 عدد 3 "هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض".

       ورد فى سورة الحشر 59 عدد 24 "هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى".

الله أحسن الخالقين:

من الممكن أن نتقبل هذه المسميات الوارد ذكرها فى القرآن:

أ‌-      ممكن أن نتقبل من الله أن يكون خير الناصرين. كما ورد فى سورة آل عمران رقم 3 عدد 150.

ب‌-    وممكن أن نتقبل من الله أن يكون خير الرازقين كما ورد فى سورة المائدة رقم 5 عدد 114.

ج‍‌-     وقد نقبل أن يكون الله هو خير الفاصلين: أى الذى يفصل الحق عن الباطل كما ورد فى سورة الأنعام رقم 6 عدد 57".

د‌-     ويمكن أن يكون الله خير الحاكمين كما ورد فى سورة الأعراف 7 عدد 87.

ه‍‌-     ويمكن أن يكون الله خير الفاتحين كما ورد فى سورة الأعراف رقم 7 عدد 89".

و‌-     ويمكن أن يكون خير الغافرين كما ورد فى سورة الأعراف رقم 7 عدد 155.

ز‌-     وممكن أن يكون الله خير الحاكمين كما جاء فى سورة يونس رقم 10 عدد 109. "وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين".

ح‌-     ويمكن أن يكون الله خير المنزلين كما ورد فى سورة يوسف 12 عدد 59. "ألا ترون أنى أوفى الكل وأنا خير المنزلين".

ط‌-     وممكن أن يكون الله خير الوارثين كما ورد فى سورة الأنبياء رقم 21 عدد 89 "وأنت خير الوارثين" "زكريا إذ نادى ربه لا تذرنى ـ لا تتركنى ـ وأنت خير الوارثين".

ى-    وممكن أن يكون الله خير الرازقين:وردت فى سورة الحج 58 ، صورة المؤمنين 72 ، سورة سبأ 39 ، سورة الجمعة 11.

        ولكن... هل يمكننى استساغة لفظ أحسن الخالقين إذ تطلق علىالله ، وإذا يدعى بها الله؟ فالله خير الرازقين لوجود رازقين به معه ، وخير الحاكمين لوجود من يحكم ، وخير الغافرين جمع غفير غافر. لكن هل كان الله أحسن الخالقين؟ وهل يوجد بجوار الله خالقون؟.

ورد فى القرآن هذا النص وهذا التعبير مرتين على أنا لله أحسن الخالقين...

أ‌-      المرة الأولى: ورد فى سورة المؤمنون من عدد 12 إلى عدد 16: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفه "السائل المنوى" فى قرار مكين "رحم المرأة" ثم خلقنا النطفة علقة "أى دما جامدا" فخلقنا العلقة مضغة "أى لحمة بقدر ما يمضغ" فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناها خلقا آخر "أى بنفخ لاروح فيه فتبارك الله أحسن الخالقين ثم أنكم بعد ذلك لميتون ثم أنكم يوم اليامة تبعثون" (راجع تفسير الإمامين الجلالين ، سورة المؤمنين 12-16.

ب‌-    المرة الثانية: ورد فى سورة الصافات رقم 37 من عدد 123 إلى عدد 125: "وإن ألياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضورون" بمعنى: أى محضرون فى النار كما جاء فى تفسير الإمامين الجلالين صفحة 595.

        جاء فى كتاب أسباب النزول تأليف الإمام الشيخ أبى الحسن على أبن أحمد الواحدى النيسابورى الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان سنة 468 هـ ص 126 ما نصه: قوله تعالى: "من قال سأنزل مثل ما أنزل الله" نزلت فى عبد الله بن سعد أبن أبى سرح كان قد تكلم بالإسلام ، فدعاه رسول الله صلى عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئا ، فلما نزلت الآية التى فى المؤمنين ـ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة ـ أملاها عليه ، فلما أنتهى إلى قوله ـ ثم أنشأناه خلقا آخر ـ عجب عبدالله فى تفصيل خلقا لإنسان ، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت على ، فشك عبدالله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلى كما أوحى إليه ، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال ، وذلك قوله ـ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ـ وأرتد عن الإسلام ، وهذا قول أبن عباس فى رواية الكلبى.

        أخبرنا عبدالرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبدالله قال: حدثنى محمد ابن يعقوب الأموى قال: حدثنا أحمد بن عبدالجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق قال: حدثنى شرحبيل بن سعد قال: نزلت فى عبدالله بن سعد ابن سرح قال: سأنزل مثل ما أنزل الله ، وارتد عن الإسلام فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكه أتى به عثمان رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فاستأمن له.

        كما جاء أيضا فى نفس المرجع السابق ص 178 ، 179: قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين" الآية أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدالله الحافظ قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن حيان قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا أحمد بن عبدالله بن سويد بن منجوف قال: أخبرنا أبو داود ، عن حماد أبن سلمة ، عن على بن زند بن جدعان ، عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: وافقت ربى فى أربع. قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام ، فأنزل الله تعالى ـ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ـ وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فإنه يدخل عليك البر والفاجر ، فأنزل الله تعالى ـ وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ـ وقلت لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم: لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجا خيرا منكن ، فأنزل الله ـ عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ـ الآية ، ونزلت ـ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ـ إلى قوله تعالى ـ ثم أنشأناه خلقا آخر ـ فقلت ـ فتبارك الله أحسن الخالقين.

        فهل كان تعبير "الله أحسن الخالقين" مرجعه الله أم عمر بن الخطاب ، أم عبدالله بن أبى سرح؟.

المسيح خالقا:

        لم يستثن الله كائنا أيا كان فى أداء عمله كخالق فهذه صفة آلهية لاهوتية ، لا يتسنى لغير الله القيام بها. أما المسيح فقد خرج عن هذه القاعدة. فهو الوحيد الذى قال الله له: إذ تخلق.... وهو الوحيد الذى قال بفمه: إنى أخلق.

        فلو قيلت منه فقط ، لإعتبرناها إستلالا ، وخطفا لمساواته بالآب. ولو قيلت فقط ، لظننا أنه أستعفى منها لعظمتها وجسامتها ولم يقبلها ، ولم يتقبلها. فالله منح. والمسيح قبل ووافق. الله قال له إذ تخلق ، والمسيح قال إنى أخلق أنى كائن هذا الذى بمقدوره أن يخلق ، حتى ولو كان بإذن الله؟ رغم أن هذا الإنعام الفريد ، لم يحظ به ملاك ، ولم ينعم به بشر ، وإختص به الله فقط.

أ‌-   إذ تخلق:

        جاء فى سورة المائدة5: 110 قول الله لعيسى أبن مريم: إذ قال الله يا عيسى بن مريم أذكر نعمتى عليك وعلى والدتكم ، إذ أيدتك بروح القدس ، تكلم الناس فى المهد وكهلا ، وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتواره والإنجيل ، وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى ، فتنفخ فيها ، فتكون طيرا بإذنى ، وإذ تبرئ الأكمة والأبرص ، وإذ تخرج الموتى بإذنى ، وإذا كففت بنى اسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين".

استخدم الله كلمة بإذنى فى حديثه مع عيسى بن مريم فى حالتين:

     حين يخلق ، وحين ينفخ فيما يخلق فيكون طيرا بإذن الله.

     حين يخرج الموتى ، استخدم الله كلمته بإذنى.

ب‌-  إنى أخلق:

        جاء فى سورة (آل عمران3: 49) قول عيسى بن مريم لبنى اسرائيل: إنى قد جئتكم بآية من ربكم ، إنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيها ، فيكون طيرا بإذن الله". فلم ينطق بهذه الكلمة مع الله آخر غير المسيح ، فالله هو الذى قال أنا خالق ، إنى أخلق.

        ومن الملاحظ خلال النصين السابقين ، إن المسيح حين يخلق يستخدم نفس الأسلوب الأول الذى استخدمه الله حين خلق الإنسان على غير فساد مثله.

1-   ماد الخلقة (الطين):

     إذ تخلق من الطين.. (المائدة5: 110).

     إنى أخلق من الطين... (آل عمران3: 49).

فالمادة المستخدمة فىالخلق هى الطين:

     جاء فى التوراه قوله: فخلق الرب الإله ترابا من الأرض.

     جاء فى القرآن قوله: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين" (المؤمنون23: 12).

     خلق الإنسان من طين (المسجد325: 7).

     إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين" (ص38: 71)

     "فسجدوا إلا أبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا" (الإسراء17: 61).

     "أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين" (الأعراف7: 112).

     "هو الذى خلقكم من طين ثم قضى أجلا" (الأنعام6: 2).

     "إنا خلقناكم من طين لازب" (الصافات37: 11).

ب‌-  استخدم أسلوب الخلق ، النفخ:

        فالله حين خلق الإنسان نفخ فيه: جاء فى التواره قوله: وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ، ثم نفخ فيه.... فصار آدم نفسا حية". جاء فى القرآن قوله عن الإنسان: "الله خلقه ، ثم سواه ، ونفخ فيه من روحه" (سورة المسجد32: 9).

وقال الله فى القرآن للملائكة:

     "إنى خالق فى الأرض خليفة ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين" (سورة الحجر1: 29).

     "إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين" (سورة ص38: 72).

أما عن المسيح:

     فقال له الله: "فتنفخ فيها فتصير طيرا" (المائدة5: 110).

     وقال هو عن نفسه: "وأنفخ فيها فتصير طيرا" (آل عمران3: 49).

ج‍‌-  استخدام تعبير الخلق (إخلق تخلق):

        فالفعل خلق ورد عن الله 64 مرة فى القرآن موزعة على خلق الله للسموات وللأرض وللملائكة وللإنسان وللجن. وورد بأسلوب المخاطب "هو الذى خلقكم" 16 مرة ، ووردت كلمة خلقك مرتين ، وخلقتنى ثلاث مرات ، وكلمة خلقت خمس مرات ، وكلمة خلقنا 24 مرة ، وخلقناكم 9 مرات ، وخلقنا 4 مرات ، وخلقناهم 3 مرات ، وخلقه 4 مرات ، واتلفعل خلق هو إيجاد من عدم.

استخدم مصطلح الهيئة:

        أما كلمة (هيئة) التى وردت فى (آل عمران3: 49) ، المائدة5: 110) فلم ترد فى القرآن كله إلا فى هذين الموضوعين:

     تخلق من الطين كهيئة الطير.

     أخلق من الطين كهيئة الطير.

        وقد قالت بعض التفاسير أن المسيح كان يخلق الخفاش ولسنا ندرى لماذا هذا التحديد لهذا النوع من الطيور فى حين أن القرآن تركها مشاعا دون ذكر نوع معين من الطيور.

ه‍‌-   استخدم أسلوب نتيجة الخلق:

        لا يلعب ولا يلهو عيسى مع الأطفال فى تراب الأرض وطينها ، وليس هو بالمثال أو النحات الذى يشكل صورا وأصنافا ، فتمثال رمسيس لع أربعة ألاف عام قبل الميلاد ، وألفا عام بعده ، وحتى الأن لم يصر كائنا متحركا. أما المسيح فما يصنعه بيديه من طين ألأرض يصير طير السماء ، فتكون طيرا بإذن الله.

        فمن هو هذا الكائن الذى يحول الطين طيرا؟ إلا إذا كان خالق الطين؟ فالخارى يصنع منه آنية كرامة ، وآنية هوان. ولم يسمع قط عن واحد آخر نافس المسيح فى هذا التخصص ، الذى أختص به الله وحده.

        إن آنية الفخارى لم تصر كائنات لأن القوة لا تكمن فى طين الأرض ، وإنما فى النفخة التى تبث فيه ، والقرآن فى حديثيه لم يقل أن عيسى يصنع الطير من الطين ، والله ينفخ فى طين عيسى ، إنما عيسى هو الذى يشكل ، وعيسى هو الذى ينفخ فلو أن الله أباح لعيسى تشكيل الطين ، فكيف أباح له خلقته وتحويله من تراب تحت الأقدام إلى طائر فوق الرؤوس؟ ومن مادة صلبه ، إلى كائن حى؟ ومن تراب يذرى إذا تلاقى بالهواء ، ويعجن إذا تلاقى بالماء ، إلى طائر يشرب الماء ويسبح فى الهواء؟ ومن الذى بث النسمة الحية فى هذا الجماد وجعل الجماد كائنا متحركا؟.

        وهذا الطائر لابد وإن يكون كاملا فيه كل الأعضاء والأجهزة التى تصلح للرؤية والتنفس والإكثار والتناسل والحركة والحس والنمو والتغذية. ومن الذى أوجد فى هذا التراب نسمة حيوانية حية ، فلكل كائن نفس Soul تتناسب مع نوعه ، نفس نباتية للنباتات ، ونفس حيوانية للحيوان ، ونفس للطيور.

و‌-   لم ينفصل المسيح الإبن فى عمله كخالق عن الله الآب ضابط الكل خالق السموات والأرض. المسيحى تؤرقه كلمة "بإذن الله" والمسلم يجد فى هذه الكلمة إعلانا عن بشرية المسيح. ولكن لا تعارض مطلقا بين الفكرين ، فالكتاب المقدس أسرد لنا ما يتناسب مع هذه الكلمة. جاء فى أقول السيد المسيح له المجد الواردة فى إنجيل معلمنا يوحنا (5: 19-23) "فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الإبن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لأن مهما عمل ذلك فهذا يعمله الأبن كذلك. لأن الأب يحب الإبن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالا أ‘ظم من هذه لتعجبوا أنتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيى كذلك الأبن أيضا يحيى من يشاء لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للإبن. لكى يكرم الجميع الأبن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الإبن لا يكرم الآب الذى أرسله. الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامى ويؤمن بالذى أرسلنى فله حياة أبدية ولا يأتى إلى دينونة بل قد أنتقل من الموت إلى الحياة. الحق الحق أقول لكم إنه تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون". (يو5: 19-23).

وإيماننا المسيحى يقدم لنا الخلقة عملا للثالوث القدوس:

     فالآب: قيل عنه فى قانون الإيمان: الله الآب ضابط الكل خالق السموات والأرض ما يرى وما لا يرى.

     والإبن: قيل عنه أيضا: الذى به كان كل شئ.

     والروح القدس: سماه قانون الإيمان بأسم الرب المحيى ، لأنه الله يرسل روحه فيخلق ويجدد الأرض ، وروح الله حين رف على وجته المياه منح خصوبة لها ، فاأخرج منها كل كائن حى.

        فالإبن يخلق بإذن الآب... لأن الآب كذلك لا ييفعل شيئا إن لم يرى الإبن فاعله والإبن لا يصنع شيئا من ذاته وحده وما يصنعه الآب يصنعه الإبن ذلك لأنها فى وحدانية ، فى الجوهر ، وفى العمل وفى المشيئة فهؤلاء الثلاثة هم واحد (1يو5: 7).

المسيح خالق مخلوق:

        مسيح القرآن كما هو مخلوق ، هو أيضا خالق. فبحسب عرف وتفاسير آئمة التفسير ، قالوا عنه إنه خلق بكلمة كن. لذا دعى كلمة الله. فالملاك جبريل يقول لأمه مريم: سبحانه إن أراد شيئا فإنه يقول له كن فيكون. ولقد جاء فى القرآن قوله: "مثل المسيح كمثل آدم: خلقه من تراب وقال له كن فكان" فهل كملة خلقه هذه شملت عيسى ، كما شملت آدم قبله؟ فآدم حين خلق ، خلقه الله من تراب ، أو من حما مسنون ، أو من طين كالصلصال ، أو من تراب وطين هذه كلها وصفات جاءت فى القرآن. وبنو آدم يأتون إلى العالم بطريقة آخرى.

        جاء فى القرآن قوله: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين". والنطفة هى منى الرجل ، والقرار المكين هو رحم المرآة.

        جاء فى كتاب التفسير المنير ج1 ، ص 130: (هو الذى خلقكم من طين) أى أن الله خلق جميع الإنسان من آدم وآدم كان مخلوقا من طين فلهذا السبب قال هو الذى خلقكم من طين أى من جميع أنواعه فلذلك اختلفت ألوان بنى آدم ، وعجنت طينتهم بالماء العذب والملح المر فلذلك اختلفت أخلاقهم وأيضا أن الإنسان مخلوق من المنى والمنى إنما يتولد من الأغذية وهى إما حيوانية أو نباتية فحال الحيوانية كالحال فى كيفية تولد الإنسان فبقى أن تكون الأغذية نباتية فثبت أن الإنسان مخلوق من الأغذية النباتية ولاشك أنها متولدة من الطين فثبت أن كل إنسان متولد من الطين وقبل عن الإنسان أيضا أنه خلق من ماء دافق ، يتدلى فى الصلب.

فبأى طريقة ترى خلق المسيح؟

     فالمسيح لم يخلق من تراب كآدم.

     ولم يخلق من نطفة كبنى آدم...

        إن الشجرة أو ألعو سجه التى منها تحدث الله إلى موسى ، وفيها سمع صوته كانت مخلوقة بلا أدنى أما الصوت الذى تحدث مع موسى لم يكن صاحبه قط مخلوقا لأنه خالق كل مخلوق.

جاء كتاب التفسير المنير ج1 ص 101 ما نصه:

        وروى أنه حضر وفد نجران على رسول الله صلى عليه وسلم فقالوا له ما شأنك تذكر صاحبنا وتسبه فقال من هو قالوا عيسى قال وما أقول قالوا تقول إنه عبد قال أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول فغضبوا وقالوا هل رأيت إنسانا قط من غير آب ومن لا أب له فهو أبن الله ثم خرجوا من عنده صلى الله عليه وسلم فجاءه جبريل فقال قل لهم إذا أتوك (إن مثل عيسى عند الله) أى أن صفة تخلق عيسى فى تقدير الله وحكمه بلا أب (كمثل آدم) أى كصفة قالب آدم (خلقه من تراب) بلا أب وأم (ثم قال له) أى لآدم (كن فيكون) أى نفخ فيه الروح وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان ولدا بلا أب فإذا كان آدم كذلك ولم يكن إبنا لله فكذلك عيسى فمن لم يقر بأن الله خلق عيسى من غير أب مع اقراره بخلق آدم بغير أب وأم فهو خارج عن طور العقلاء وأيضا إذا جاز أن يخلق الله آدم من التراب فجواز خلق الله تعالى عيسى من دم مريم من باب أولى فإن هذا أقرب إلى العقل من تولد الحيوان من الدم الذى يجتمع فى رحم الأم أقرب من تولده من التراب اليابس (الحق) أى الذى أنزلت عليك من خبر عيسى أنه لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه هو (من ربك) والباطل من النصارى واليهود فالنصارى قالوا إن مريم ولدت ألها واليهود رموا مريم بالأفك ونسبوها إلى يوسف النجار (فلا تكن من الممترين) أى من الشاكين فيما بينت لك من تخليق عيسى بلا أب والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم تحريكات له لزيادة ثباته على اليقين ولكل سامع لنزع عما يورث الأمتراء ثم ذكر الله تعالى خصومة وفد نجران مع النبى صلى الله عليه وسلم بعدما بين لهم أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم فقالوا ليس كما تقول إن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه فقال الله تعالى (فمن حاجك) أى خاصمك من نصارى نجران (فيه) أى فى شأن عيسى (من بعد ما جاءك من العلم) أى من الدلائل الموجبة للعلم بأن عيسى عبدالله ورسوله (فقل تعالى ندع أبناءنا وأبناءكم). إن السج

جاء فى تفسير القرآن العظيم لأبن كثير ص 367 ما نصه: يقول جلا وعلا (إن مثل عيسى عند الله) فى قدرة الله حيث خلقه من غير أب (كمثل آدم) حيث خلقه من غير أب ولا أم بل (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) فالذى خلق آدم من غير أب قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى ، وإن جاز أدعاء النبوة فى عيسى لكونه مخلوق من غير أب فجوز ذلك فى أدم بالطريق الأولى ، ومعلوم بالإتفاق أن ذلك باطل فدعواه فى عيسى أشد بطلانا وأظهر فسادا ؛ ولكن الرب جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر ، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى ، ولهذا قال تعالى فى سورة مريم (ولنجعله آية للناس) وقال ههنا (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) أى هذا هو القول الحق فى عيسى الذى لا محيد عنه ولا صحيح سواه ، وماذا بعد الحق إلا الضلالز ثم قال تعالى أمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يباهل من عائد الحق فى أمر عيسى بعد ظهور البيان. أما كون المسيح خالقا فهذا لا يحتاج دليلا:

     فالقرآن لم يقل عن غيره أن يخلق.. والله لم يسمح لغيره أن يخلق ... فهو الوحيد مع الله أو بالله الذى يخلق.

     فالله يقول له: إذ تخلق من الطين كهيئة الطير وهو يقول عن نفسه: إنى أخلق من الطين كهيئة الطير وكلمة يخلق ، تأتى فى الماضى "خلق" وأسم الفاعل منها يأى كفعله الثلاثى على وزن كلمة "فاعل" أى خالق. فالمسيح إذ يخلق ، فهو خالق بلا أى جدال.

     هل للمخلوق أن يكون خالقا؟.

     أو للخالق أن يكون مخلوقا؟. من ذا الذى يجمع بين نقيضين ، أن يخلق ، وأن يخلق؟. فالخالق لا يمكن أن يكون مخلوقا ، وإلا لخلق نفسه ، أو خلق لنفسه. والمخلوق لا يمكن أن يكون خالقا لأن هذا يلزم أن لا يكون أزليا ، بل يصير مبتدائا زمنيا. فالموجد موجود بذاته ولا يحتاج لمن يوجده ، لأنه أوجد كل الموجودات أما الموجود فله موجد أوجده ، لذا فالله واجب الوجود ، لأنه عله كل موجود. فهل جمع المسيح بين نقيضين ، أن يخلق ، وإن يحتاج لمن يخلقه؟. فكلمة خلقه من تراب حسب تفسيرات الأئمة راجعه إلى آدم ، أما المسيح فلم يرد عنه نص يقول أن مخلوق ، وإن كلمة كن التى نطق بها الملاك لمريم ، لا تدل على أمر الخلقة ، وإلا لكان الملاك بها خالقا.

        فالقرآن مرتان يقول عنه أن خالق ولم يقل مرة واحدة عنه أنه مخلوق فبهذه الصفات صار أقرب للخالق منه إلى المخلوق.

ماذا كان المسيح يخلق:

        القرآن يحدد نوع الخلقه التى تخصص المسيح فيها ألا وهى الطيور. ولم يحدد نوع الطير الذى يخلقه ولكن مفسروا القرآن حددوه بأنه (الخفاش) ولا نعلم لماذا هذا الإصرار على هذا الطائر بالذات؟ هل لأنه طائر غير تقليدى ، وغير متداول؟ أم لأنه يجمع فى طبيعته بين الطيور والحيوانات؟ فهو يطير كبقية جنسه من الطيور ، ويلد كما تلد الحيوانات.

هل كان المسيح مخلوقا:

        لم يذكر القرآن أن المسيح مخلوق ، إلا إذا تناصف هذه الكلمة مع سابقه آدم ، حيث أن مثل المسيح كمثل آدم خلقه من تراب وقال له كن فكان. ولم يقل القرآن خلقهما ، وإنما ذكرت على آدم فقط. أما المسيح فقيل عنه: "قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا".

     لو كان المسيح مخلوقا ، ما كان خالقا:

أ‌-   كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كون.

ب‌-  الذى به ـ المسيح ـ خلق ـ الآب ـ العالمين.

ج‍‌-  الكل به ، وله قد خلق.

د‌-   الذى منه جميع الأنبياء ونحن له.

ه‍‌-   الذى به كان كل شئ "قانون الإيمان".

     لو كان المسيح مخلوقا ما كان أزليا:

أ-   مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل (مى 5).

ب‌-  منذ الأزل مسحت (أم 8).

ج‍‌-  أحببتنى قبل تأسيس العالم.

د‌-   أنا هوة الأول والآخر ، الأف والياء ، البداية والنهاية. الكائن ، الذى كان ، والذى يأتى. (رؤ1: 8 ، 11 ، 17).

ه‍‌-   فى البدء كان الكلمة (يو1: 1).

و‌-   قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن (يو 8).

ل-  مجدنى أيها الآب بالمجد الذى كان لى عندك قبل تأسيس العالم (يو17: 5).

م-   أنا يسوع أصل وذرية أدم (رؤ22: 16).

     لو كان مخلوقا ما كان قادرا على كل شئ:

أ‌-   يقول الرب: الكائن والذى كان والذى يأتى القادر على كل شئ (رؤ1: 8).

ب‌-  حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب1: 3).

        وقد ظهرت من خلال معجزات السيد المسيح له المجد ، قدرته السرمدية ولاهونته ، وفى إقامته للموتى ، حتى فى إقامته لذاته. فقد أقام كثيرين غيره ، ولكن أحدا غيره لم يقمه فأقام ذاته بذاته ، وهذا يتضح من خلال الآيتيتن التاليتين:

أ-   أنقضوا هذا الهيكل وأنا فى ثلاثة أيام أقيمه.

ب-  لى سلطان أن أضعها ـ نفسى ـ ، "الموت" ، ولى سلطان أن آخذها أيضا "القيامة".

     لو كان المسيح مخلوقا ما كان مساويا للآب فى الجوهر:

أ‌-   أنا والآب واحد.

ب‌-  أنا فى الآب والآب فى.

ج‍‌-  من رأنى فقد رأى الآب ، فكيف يقول ـ يا فيلبس ـ أرنا الآب.

عودة الى الفهرس