الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

خامسا: المسيح يعرف معرفة الله:

أولا:   عالم الغيب والشهادة:

     العلم بالغيب:

        قال القرآن بلسان المسيح "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم. إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين" (آل عمران3: 49).

        يعرف المسيح الحقيقة ويقرا أفكار القلوب ، ويعلم أيضا أسرارك بالتفصيل. وسوف يعلن لك أعمالك السيئة والصالحة ، هو العليم بما فى صدور الناس وليس أحد بارا أمامه.

وهنا يجد العلماء مسألتين:

     المسألة الأولى: أنه كان منذ أول أمره يخبر بالغيوب. فقد روى السدى: أنه كان يلعب مع الصبيان ، ثم يخبرهم بأفعال آبائهم وأمهاتهم. وكان يخبر الصبى: أن أنك قد خبأت لك كذا. فيرجع الصبى إلى أله ويبكى إلى أن يأخذ ذلك الشئ. ثم قالوا لصبيانهم: لا تلعبوا مع هذا الساحر. وجمعوهم فى بيت فجاء عيسى يطلبهم ، فقالوا له: ليسوا فى البيت فقال: فمن فى هذا البيت؟ قالوا: خنازير قال عيسى كذلك يكونون فإذا هم خنازير.

     المسألة الثانية: الأخبار عن الغيوب على هذا الوجه معجزة المنجمون الذين يدعون استخراج الخبر ، لا يمكنهم ذلك إلا عن سؤال. ثم يعترفون بأنهم يغلطون كثيرا. أما الأخبار عن الغيب ، من غير استعانته بآلته ولا تقدم فيه مسألة لا يكون إلا بالوحى.

        جاء فى كتاب قصص الأنبياء للإمام أبن كثير ص 587 ، 588 ما نصه: "كان عيسى ابن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان فكان يقول لأحدهم: تريد أن أخبرك ما خبأت لك أمك؟ فيقول: نعم فيقول: خبأت لك كذا وكذا. فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها أطعمينى ما خبأت لى ، فتقول: وأى شئ خبأت لك؟ فيقول: كذا وكذا فتقول له: من أخبرك؟ فيقول: عيسى بن مريم فقالوا: والله لئن تركتم هؤلاء الصبيان مع  ابن مريم ليفسدنهم. فجمعوهم فى بيت وأغلقوا عليهم ، فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم فسمع ضوضاءهم فى بيت فسال عنهم فقالوا: إنما هؤلاء قردة وخناير فقال: اللهم كذلك فكانوا كذلك: رواه ابن عساكر.

المسيح ينبئ عن يهوذا مسلمه واللص اليمين الذى زامله ولازمه:

        جاء فى كتاب حكم ومواعظ عيسى بن مريم ص 52 فقرة 83 ما نصه: "روى أن لصا كان يقطع الطريق فى بنى اسرائيل أربعين سنة ، فمر عليه عيسى ابن مريم - عليه السلام وإلى خلفه عابد من عباد بنى اسرائيل من الحواريين ، فقال اللص فى نفسه: هذا نبى الله يمرو إلى جنبه حوارييه ، لو نزلت فكنت معهما ثالثا ، قال: فنزل فجعل يريد أن يدنو من الحوارى ، ويزدرى نفسه عظيما للحوارى ، ويقول فى نفسه: مثلى لا يمشى إلى جنب هذا العابد قال: وأحس الحوارى به ، فقال فى نفسه: هذا يمشى إلى جنبى ، فضم نفسه ، ومشى إلى السلام فمشى بجنبه ، فبقى اللص خلفه ، فأوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام: "قل لهما: ليستأنفا العمل ، فقد أحبطت ما سلف من أعمالهما ، أما الحوارى فقد أحبطت حسناته لعجبه بنفسه ، وأما الآخر فقد أحبطت سيئاته بما أزدرى على نفسه" فأخبرهما بذلك ، فضم اللص إليه فى سياحته وجعله من الحواريين.

المسيح يعرف الخبايا:

        القرآن وصف المسيح بالشفافية المطلقة والمعرفة للخفيات والمختبئات وذلك فى قوله: "أنبئكم بما تأكلون وبما تشربون وبما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية إن كنتم تعلمون" فالمسيح بموجب هذا النص عاش مع الناس حياتهم وكشف مكنونات بيوتهم وأسرارهم العائلية الخاصة ، فيما يأكلون وفيما يدخرون. بموجب هذا صار كل الناس عراة أمام عيسى بن مريم وتعرت كل البيوت عن أسرارهما فى حضرته كذا فى غيبته ولم يعد هناك سر يخفى على عيسى بن مريم الطفل الصغير ، ولا عن عيسى بن مريم الشاب اليافع.

        فكل نبى تنبأ بما يخص رسالته ، ولم يدخل فى حياة الناس العامة وأحوالهم الشخصية. أما المسيح فكانت النبوة عاملا دائما فيه. يعرف الناس ويعرف ما تكنه صدورهم وما تخفيه كنوزهم وما تخبئهه بيوتهم من مأكل ومشرب. ورغم أن القرآن ينسب للسيد المسيح معرفة الغيب إلا أن القرآن ينسب معرفة الغيب إلا أن القرآن ينسب معرفة الغيب لله وحده. "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا احببتم قالوا لا علم لنا أنك أنت علام الغيوب" (المائدة 109). وعنده مفاتيح الغيب ، لا يعلمها إلا هو" (الأنعام 59).

ونلاحظ فيما سبق ما يلى:

1)   الله وحده يعلم الغيوب لاحظ قوله "لا يعلمها إلا هو"

2)   نفى القرىن النفى القاطع عن جميع الرسل دون إستثناء من هذه الصفة.

        إذن فعندما ينسب القرآن للسيد المسيح هذه الصفة (آل عمران 49) يكون هذا دليلا يشهد للاهوت السيد المسيح.

أما بالنسبة لبقية الأنبياء فهناك عاملان هامان:

1-   عامل المعرفة الذاتية: فكل الأنبياء إذ عرفو االغيب ، لم يعرفوه من تلقاء أنفسهم ، بل بإنعام خاص بنوع من الجليان الآلهى والكشف السماوى. أما المسيح فعرف الغيب من تلقاء ذاته:

أ‌-   علمت أن قوة خرجت منى (فى شفاء نازفة الماء).

ب‌-  علم يسوع أفكارهم (فى شفاء المفلوج المحمول من أربعة).

ج‍‌-  علم يسوع فكر سمعان الفريسى وأدانته لزانية المدينة.

د‌-   علم يسوع بالإستار الذى سيخرج من السمكة.

ه‍‌-   وبالرجل حامل الجرة الذى سيلاقى تلميذيه فى المدينة.

و‌-   وبالجحش والأتان المربوطان

ز‌-   وبما تحدث به جباة الضرائب مع بطرس.

ح‍‌-  وبما كان التلاميذ فيه يتناقشون بالطريق من يكون الأول بينهم.

ط‌-  وبما نوى يهوذا عمله (ما أنت فاعله فافعله بأقصى سرعة).

ى-  وبما سيحدث لبطرس (تنكرنى ثلاث مرات).

ك‌-  وبما سيحدث من تلاميذه (تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته).

ل‌-  وبما سيحدث له: ابن الإنسان لأيدى الناس فيصلبونه.

م‌-   وبقيامته: "وفى اليوم الثالث يقوم".

ن‌-  وبلقياهم: بعد قيامتى اسبقكم إلى الجليل هناك تروننى.

س‌- وبصعوده "إنى صاعد إلى ابى الذى هو أبوكم".

ع‌-  وبحلول روح الأب القدوس: لن أترككم يتامى إنى سأجئ إليكم.. خير لكم أن أنطلق أن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى... إن ذهبت أرسله إليكم".

ف‌-  وبما سيحدث لأورشليم "يهدمونك وبنيك فيك".

ص‌- وللهيكل: "حجر على حجر لا يترك إلا وينقض".

ق‌-  ولليهود: "ويل للحبالى والمرضعات فى ذلك اليوم".

ر‌-   وللمسيحيين: "تأتى ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم قربانا لله".

ش‌- وللتلاميذ: "أذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها".

ت‌-  وليوم الخمسين: "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهودا".

        جاء فى كتاب مريم والمسيح تأليف الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى ص 50 ، 51 ما نصه: "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون": هناك قضيتان فى هذه المعجزة ، قضية عامة ، وهى ما يأكله الإنسان بوجه عام ، أى يعيش عليه الإنسان من الأطعمة والأشربة... ولكن كل إنسان فى بيته له خاصية أحداث. أكل الإنسان فى بيته أمر خاص به هو ، أما الأول فأمر عام للكل. فهو يقول: إنى سأنبئك بخاصية أحداثك ، وأقول لك: أنت أكلت ماذا ، وأنت أكلت ماذا ، وليس معقول يكون قد دخل كل بيت ، وعرف منه ذلك. وكذلك كان يعلم ما يدخره الناس فى بيوتهم... افرض أن الطعام له رائحة ستظهر خارج البيت ، فما بالك بما يدخرون فى البيوت من أنواع الطعام؟.

        بل إن هذه آية من آيات من يعلم مغيبات الأمور. إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين. لأن هذه عجائب ، تثبت أن قوة قاهرة فوق الرسل ، تعطيه هذه العجائب والآيات. ومعنى الرسول أى أرسله من هو أعلى منه إلى من أقل منه. والذى يؤمن بالآية هو من يؤمن بإله ، غاية الأمر أننا نريد أن نثبت أن العلامة من عنده أم لا. أما إن كان غير مؤمن بالله ، فما الفائدة؟.

2-  عامل الديمومة المستمرة:

        فبطرس الرسول علم ما فعله حنانيا وما عملته سفيرة ، ولكنه لم يعرف سر الملآة التى نزلت عليه فى يافا ، ولولا أن الرب قال له إذهب معهم غير مرتاب فى شئ ، لما ذهب.

        وأليشع عرف ما عمله جيحزى تلميذه حين سعى وراء السريانى الأبرص ، ولعنه بقوله برص نعمان السريانى يلصق بك وبنسلك إلى الأبد. ولكن حين أتته المرأة الشونمية التى تثكلت للتو ، لم يعلم ما حدث لها ومعها وأرسل يسال أسلام لك؟ أسلام لزوجك؟ أسلام للولد؟ أما المسيح فلم يمر وقت دون أن يكون فيها عارفا.

        جاء فى الكتاب المقدس قوله: لم يكن محتاجا لأحد أن يشهد عن الإنسان لأنه عرف كل ما كان فى الإنسان.

        فلم يكن هيرودس يعرف أن سيمثل أمامه كمتهم ، أما المسيح فكان يعلم أنه بعد قليل سيقف فى حضرة هيرودس ليحاكمه.

        هل كان سمعان القيروانى على موعد مع المسيح ليشاركه حمل الصليب ، بينما كان المسيح يعرف ذلك قبل أن يتحرك سمعان من حقله.

إن معرفة المسيح تتسم بهاتين الصفتين:

أ‌)      أنها معرفة ذاتية صادرة منه ، وليست آتية فيه ، أو مكتسب له.

ب‌)     أنها معرفة دائمة لا تعوزها الأسانيد ، ولا تحتاج للبث النبوى أو الإسال السماوى كبقية الأنبياء.

 

عودة الى الفهرس