الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

ثالثا:   الوحيد الشفيع المقرب:

        حين نتأمل سورة "الزمر43 ، 44" والسجدة 4 نجد أن القرآن يحصر الشفاعة فى الله وحده ، إذ يقول: (ولله الشافعة جميعا). ومع ذلك فإن أحد نصوص القرىن يقول إن الشفاعة أيضا من امتيازات المسيح (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه أسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين" (آل عمران 45).

        قال الجلالان فى تفسير هذه الآية: "وجيها فى الدنيا بالنبوة ، وفى الآخرة بالشفاعة والدرجات العلى ، ومن المقربين عند الله".

        وأخرج الطبرى عن أبن حميد ، عن سلمه ، عن ابن اسحاق ، عن محمد بن جعفر قال: "وجيها فى الدنيا" أى ذو وجه ومنزلة عند الله ، وفى الآخرة ومن المقربين يعنى أنه ممن يقربه الله يوم القيامة فيسكنه فى جواره ودنيه منه؟.

        وقال الرازى: "وجيها فى الدنيا" بسبب أن يستجاب دعاؤه ويحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص. ووجيه فى الآخرة أنه يجعله شفيع أمته.

أما قوله "ومن المقربين" ففيه وجوه:

1)   أنه تعالى جعل ذلك بالمدح العظيم للملائكة ، فألحقه بمثل منزلتهم ودرجتهم فى هذه الصفة.

2)   إن هذا الوصف كالتنبيه على أنه سيرفع إلى السماء وتصاحب الملائكة.

3)   أنه ليس كل وجيه فى الآخرة يكون مقربا. لأن أهل الجنة على مراتب ودرجات.

وقال البيضاوى: "الوجاهة فى الدنيا النبوة ، وفى الآخرة الشفاعة".

        وقال الزمخشرى: "الوجاهه فى الدنيا النبوة والتقدم على الناس ، وفى الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة فى الجنة ، أو رفعه إلى السماء وصحبته الملائكة".

        وقال أبن كثير (ج1 ص 364): "له وجاهة ومكانة عند الله فى الدنيا بما يوحيه الله إليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه الله به ، وفى الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه".

        ورغم أن القرآن قال الشفاعة: "لمن يأذن له الرحمن" (طه109) ولكن لا يذكر شفاعة لأى من الأنبياء ، ولا حتعى محمد (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين" (التوبة 80).

        قال الجلالان "يبين له حسم عدم المغفرة بآية: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم". وقال البيضاوى: "يريد التساوى بين الأمرين فى عدم الإفادة لهم" أما القول: "أفمن حق عليه كلمة العذاب: أفأنت تنقذ من فى النار؟" (الزمر16). ففسره البيضاوى: "كررت الهمزة فى الجزاء لتأكيد الإنكار والإستبعاد ووضع من النار موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لأمتناع الخلق فيه".

        إذن يتميز السيد المسيح عن سائر الأنبياء بدورة الشفاعى فى يوم الدين: يحسب القرآن الشفاعة فى يوم الدين لله وحده (قل له الشفاعة جميعا) (الزمر 44). (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فما يغفر الله لهم) (التوبة 80).

        وقد فسرها البخارى المراد سبعين المبالغة فى كثرة الإستغفار فعن حديث للبخارى قال النبى لو علمت أننى لو زدت على السبعين فسيغفر عليه. وقد فسرها البيضاوى المقصود بالقول استغفر أو لا تستغفر تساوى الأمرين  فى عدم الإفادة. (فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضررا أو أراد بكم نفعا) (الفتح 11).

        من تفسير الجلالان "من تدل على الإستفهام الذى يفيد النفى" (الله الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثم أستوى على العرض مالكم من دونه ولى ولا شفيع) (السجدة 4).

        وفى يوم الدين لا تنفع الشفاعة عند الله. (لا يقبل منها شفاعة) (البقرة 123) (وإتقوا يوما لا يجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة) (البقرة 123). (يا أيها الذين أمنوا إنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خله ولا شفاعة) (البقرة 254). (ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) (الأنفطار 18 ، 19). من كل هذه النصوص القرآنية يتضح بجلاء أن الشفاعة فى يوم الدين لله وحده.

2)   رغم هذا فالقرآن يسمح بالشفاعة للملائكة المقربين وإن كانت ضمن حدود وقيود: (وكم من ملك فى السموات لا تغنى شفاعتهم شيئا غلا من بعد أن يأذن لمن يشاء ويرضى) (النجم 26).

3)   ولكن هل يقر القرآن بشفاعة محمد؟

أ‌-   ومن الليل فتهجد به نافلة لك (التهجد هو الصلاة ليلا بعد الإستيقاظ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق وأجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا) (الإسراء79 ، 80). هذه النصوص تعنى المقام المحمودى الدنيا بنصرة الله له ولا شئ يوحى بالشفاعة.

ب‌-  (والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى (وما أبغضك). الآخرة خير لكم من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى) (الضحى 1-5). القرآئن كلها تدل على أن الآخرة المذكورة هى آخرة للنبى سيرة محمد ودعوته وليس الآخرة فى يوم الدين. وهب أنها تعنى الآخرة فى يوم الدين فعطاء الله للنبى لا يقضى حكما بالشفاعة لأن صريح القرآن ينفيها عن الخلائق إلا الملائكة المقربين.

ج‍‌-  (يوم لا يجزى الله النبى والذين آمنوا معه ونورهم يسعى بين أديهم (قدامهم) وبإيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا أنك على كل شئ قدير). (التحريم 8). فى هذا النص نلاحظ أنهم يستغفرون لأنفسهم لا لغيرهم ، بل أن القرآن يقطع بأنه لا شفاعة لمحمد يوم الدين فى قوله أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من النار) (الزمر 19).

عودة الى الفهرس