الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

     

ميزات المسيح فى القرآن:

        بالرغم من اعتراض الإسلام على العقائد المسيحية الأساسية فإن القرآن يضفى على المسيح صفات وكرامات ، تجعله فوق مستوى البشر. وهذه الميزات تنبع من سيرته ، ومن رسالته ومن شخصيته. وحين نقارن بين هذه الميزات والميزات التى ذكرها القرآن للأنبياء والرسل ، نرى أنه لا يعطى أحدا منهم حتى محمدا شيئا من ميزات المسيح:

أولا: الحبل العجيب:

        كما نقرا فى سورة التحريم: "ومريم أبنه عمران التى احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين" (التحريم 13 ، الأنباء 91). وكلمة أحصنت: تكلفت فى عفتها. القانتين: المطيعين.

        قال الفخر الرازى: نفخنا فيه من روحنا أى فى عيسى.... لأن عيسى كان فى بطنها واختلفوا فى النافخ قال بعضهم: كان الفنخ من الله ، لقوله فنفخنا فيه من روحنا وظاهره أن النافخ هو الله تعالى. وقال آخرون النافخ هو جبريل. لأن الظاهر من قول جبريل "لأهب لك".

        ثم اختلفوا فى كيفية النفخ: (1) قول وهب أنه نفخ جبريل فى جيبها حتى وصل الرحم. (2) فى ذيلها فوصلت إلى الفرج. (3) قول السدى: أخذ بكمها فنفخ فى جنب درعها ، فدخلت لنفخة صدرها ، فحملتز فجاءتها أختها إمرأة زكريا بالتزمتها فلما التزمتها علمت أنها حبلى ، وذكرت مريم حالها فقالت إمرأة زكريا أنى وجدت ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك. فذلك قوله (مصدقا بكلمة الله) (4) أن النفخة كانت فى فيها فوصلت إلى بطنها فحملت فى الحال.

        وعن أبن عباس أنه قال: نفخ جبريل فى جدوف الدرع ومده بأصبعه ونفخ فيه ، وكل ما فى الدرع من خرق ونحوه فأنه يقع عليه اسم الفرج.

        وقيل "أحصنت" تكلفت فى عفتها والمحصنة العفيفة "ونفخنا فيه من روحنا" أى فرج ثوبها وقبل خلقنا فيه ما يظهر به الحياة فى الأبدان. وقال مقاتل فى شرح "وصدقت بكلمات ربها" يعنى بعيسى. ويدل على قراءة الحسن بكلمة ربها وسمى عيسى كلمة الله فى عدة مواضع من القرآن.

ثانيا: الملائكة تبشر بالولادة العجيبة:

        يذكر لنا القرآن هذا الحوار بين مريم العذراء وملاك الرب حين جاء ليبشرها ، قال: أنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ـ قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ، ولم أك بغيا ـ قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا. (مريم 18-20).

        وقد علق البيضاوى على الحبل بطريقة معجزية تلك ميزة أنفرد بها المسيح على العالمين والمرسلين لأنه ولد دون أن تضمه الأصلاب والأرحام الطوامس.

أما الفخر الرازى فعلق على الموضوع هكذا:

أ‌-   العبارة "لأهب لك غلاما زكيا" قال: الزكى يفيد أمورا ثلاثة: الأول أنه الطاهر من الذنوب. الثانى أنه ينمو على التزكية لأنه يقال فيمن لا ذنب له زكى ، وفى الزرع النامى زكى. الثالث النزاهة والطهارة.

ب‌-  العبارة "ولنجعله آية للناس ورحمة" أى لنجعل خلقة آية للناس إذ ولد من غير ذكر. ورحمة منا أى يرحم عبادنا بإظهار هذه الآيات ، حتى لا تكون دلائل صدقه أبهر فيكون قبول قوله أقرب.

        وقال الإمام أبو جعفر الطبرى فى تفسير "غلاما زكيا" وذلك بالأستناد إلى قول ابى عمرو: "الغلام الزكى هو الطاهر من الذنوب وكذلك تقول العرب: غلام زاك وزكى ، وعال وعلى.

3-  آية الله:

        يسمى الوحى حسب القرىن المسيح "آية الله" لأن الله جعله وأمه آية للعالمين. "فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وأبنها آية للعالمين" (الأنبياء 21: 91). "ولنجعله آية للناس ورحمة منا" (مريم 19: 21). ولم يتلق المسيح هذا اللقب الفريد من البشر بل من الله مباشرة يحمل هذه الصفة البارزة.

        يعرف الإسلام وخاصة الشيعة علماء كثيرين يحملون اللقب آية الله وغالى الشيعة فى إكرام آية الله خمينى إذ قال البعض منهم إنه قائدهم والروح القدس.

        ولقد أغتاظ علماء السنة من آية الله الخمينى لأنه قبل ألقابا لم يستحقها حتى محمد‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ فأجمع بعض العلماء من عدة بلدان عربية فى مؤتمر بالدار البيضاء بقرارهم: إنه يجب على أية الله خمينى أن يمنع أتباعه من أن يسموه روح الله أو روح القدس ، وغلا فإنه يحرم من الإسلام لأن شخصا واحدا فى الدنيا والآخرة يستحق أن يسمى نفسه روح القدس ألا وهو أبن مريم المولود من روح الله.

        إن كان آية الله خمينى قائدا خاصا للفرس والشيعة أجمعين ، فإن الله عين للمسيح بدعوة أوسع وسماه آية لجميع الناس فليس أبن مريم آية الله للمسيحيين أو لليهود فحسب بل أيضا للهندوسيين والبوذيين والكنفوشيين وللملحدين وللمسلمين فمن يتعمق فى المسيح يدرك أنه "آية الله" الكامل لكل الناس.

4-  رحمة الله:

        نقرأ عن المسيح فى القرآن أن الله يسميه: "آية للناس ورحمة منا" (مريم 19: 21). كما قال الله عن محمد: "ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء 21: 107). ولكن تختلف رحمة السيد المسيح عن رحمة محمد جوهريا.

        عرض الإسلام مفهوم الرحمة من خلال تقديم الوحى لمحمد بواسطة آيات القرآن وإعلاناته فى الحديث وقدوته فى السنة. واتحدت هذه الإلهامات فى الشريعة مع أوامرها ومحرماتها منظمة جميع نواحى حياة الأمة الإسلامية. فتنظر العبادات بالتفاصيل كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج وحتى الختان والدفن. وأما المعاملات فتنظم جميع نواحى الحياة فى العائلة والإرث والعقود والجهاد والعقوبات. فتسير حياة المسلم حسب الشريعة. وهكذا ظهرت خلاصة رحمة الله للمسلم فى إنشاء الشريعة.

        يخبرنا الإنجيل أن الإنسان لا يتبرر بحفظ الشريعة لأن لا أحد أكمل فرائضها فإن شريعة الله تدين الإنسان بأعماله ونياته. وخلاصة الشريعة هى الحكم على الإنسان الخاطئ لأجل الفشل والذهب والفساد نعم شريعة محمد نظمت حياة الأمة نظاما شاملا كما أن شريعة موسى ركزت الحياة على الله فى كل نواحيها طالبة التسليم الكامل والخضوع للخالق إنما لشريعة لن تبرر الخاطئ ولن تحرر المذهب من ذنبه. فكل شريعة تحكم على الأثيم وتهلكه الريعة هى الديان العادل ولا يستطيع أحد أن يرضيها ويعلمنا معلمنا بولس الرسول فى "رو3: 19-20" (ونحن نعلم أن كل ما يقوله الناموس فهو يكلم به الذين فى الناموس لكى يستند كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله... لأن الناموس معرفة الخطية). فى "رو 4: 15" (لأن الناموس ينشئ نضبا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعد). وفى "رومية7: 7-25" (فماذا نقول هل الناموس خطية حاشا بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس فإننى لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشتهه... إذا الناموس مقدس والوصية مقدسة عادلة وصالحة.. فإننا نعلم ان الناموس روحى وأما أنا فجسدى بيع تحت الخطية... أشكر الله بيسوع المسيح ربنا إذا أنا نفس بذهنى أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية).

        لذلك كل الذين تحت الشريعة إنما يتحنون الغفران فيرجو المسلم أن (الحسنات يذهبن السيئات) هو 114 ، وفاطر 29-30) كما أنهم منتظرين يوم الدين حيث سينال كل واحد حسب أعماله ويرهب الإسلام تابعين من يوم الدينونة قائلا: " فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جيثا... وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا" (مريم 19: 68و 71). (إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (هود 11: 119-120).

ب‌-  أما رحمة السيد المسيح فهى:

        إننا فى السيد المسيح نجد رحمة لكل الناس رحمة لا تدين الخطاة ولا تهلكم بل تبحث على خلاصهم (لم آت لا دعوا أبرار بل خطاة إلى التوبة) (مت 9: 13) بل تنجيهم من غضب الله ودينونته العادلة (لأنه لم يرسل الله أبنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم ـ الذى يؤمن به لا يدان والذى لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن بأسم أبن الله الوحيد) (يو3: 17 ، 18).

        لم يلغ المسيح حفظ وصايا الله وطلب من حوارييه إتمامها عمليا. إنما الهدف الأخير لمجئ المسيح ليس تعيين شريعة يستجيل تطبيقها ، بل إعلان محبة الله للخطاة وتبريرهم المجانى فعاش المسيح ما قاله وأكمل الشريعة بذاته وصار حمل الله الذى يرفع خطية العالم (يوحنا1: 29) وأنبأ أشعياء النبى موضحا نيابة المسيح عنا فى دينونة الله.

        "لكن أحزاننا وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مضروبا من الله ومذلولا وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا كلما كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أشعياء53: 4-6).

        خلص المسيح أتباعه من لعنة الشريعة وتجاهم من حكم الدينونة فى اليوم الأخير وبرر الذين يقبلون إليه مؤمنين بتبريره لقد صالح المسيح البشر بالله وأوجد سلاما أدبيا ويحرضنا الرسول بولس لقبول هذه الحقيقة الروحية كاتا إلينا "تصالحوا مع الله لأن جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2 كورنثوس5: 21). لذلك أستطاع المسيح أن يؤكد للمفلوج أمامه: "ثق يا بنى مغفوة لك خطاياك". وأعلن أيضا للخطائة التائبة: "مغفورة لك خطاياك". ويستمر المسيح بدعوته لكل تائب نادم على إثمه ويؤكد له: "إن الله يحبك لأنى صالحتك به".

        لم يرسل الله المسيح رسولا إلى العالمين لينشئ شريعة ثقيلة يستحيل تطبيقها كلا! إنما المسيح نفسه كان رحمة الله المتجسد ، حين ظهرت فيه محبة القدوس للجميع وأحب الخطاة وبارك أعداءه وشجع الفاشلين فأبن مريم هو رحمة الرحمن الرحيم. ويدل هذا اللقب على أنه جوهر من جوهر وروح من الله فى الجسد (النساء4: 171) فليس خلاف ولا فرق بينه وبين رحمة الله. لذلك أصبحت كفارته النائبة عن البشر كله عرض من الله للهالكين فكل من يقبل نعمة التبرير يتصالح مع الله ويبصر متأكدا أن المسيح حى جالس عن يمين العظمة فرحمة المسيح لا تديننا ولا تهلكنا بل أوجدت تبريرا عاما ونعمة خاصة وسلاما مع الله.

        ويثبت القرآن هذا الأمتياز بكل وضوح: "فليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" 0المائدة5: 47). فالقرآن يحرر المسيحيين من الشريعة شرعيا ويثبتهم رسميا فى نعمة الأنجيل بأن رحمة المسيح تمنح سلاما عاما ونشاطا روحيا فى يقين الخلاص وتقودنا لخدمات المحبة والرجاء واليقين هذا هو رحمة للعالمين وقد ذكر لنا القرآن أيضا عن ميلاد السيد المسيح العجيب فى سورة "آل عمران 45-47". (إذ قالت الملائكة يا مريم أن الله يبشرك) بكلمة منه أسمه المسيح عيسى أبن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد كهلا ومن الصالحين قالت: ربى أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذ قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون). وذكر أيضا فى سورة النساء 117 (إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه). ومن خلال تلك النصوص نجد أن القرآن لقب السيد المسيح:

1-   كلمة الله.                     2- روح الله.                 3- رسول الله.

 

عودة الى الفهرس