الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

     

1-   السيد المسيح كلمة الله:

        فقد لقب إبراهيم خليل الله ، وموسى كليم الله ، أما المسيح فافضل من كل هؤلاء... إنه الكلمة لا الكليم. يؤمن المسلمون أن القرى كلمة الله مسطور فى معانى وؤمن المسيحيون أن المسيح كلمة الله متجسدا فى بشريتنا والمسيح هو الوحيد الذى لقب باسم كلمة الله فى الأنجيل والقرآن. لذا فموسى كلم الله فما لأذن ،وسمع صوته ذاته فى عوسجة تحترق ، وأخبر بنى إسرائيل بما سمع وبما رأى. ومحمد كان يخبر شعبه بما يأتيه من الله عن طريق جبريل ، أما المسيح فنطق من ذاته ، لا عن طريق جبريل كمحمد ولا بما سمعه كموسى. لكن ليس المسيح كلمة الله لأنه نطق بكلمة الله أو لأنه خلق بمنطوق كن من الله.

        إنما المسيح كلمة الله لأنه عقل الله الناطق ونطق الله العاقل. وكعدم انفصال العقل عن صابحه وكان أرتباط المسيح بالله الآب فى وحدة ثالوثية "وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو5: 7). يرى القرى فى السيد المسيح أنه (كلمة الله وروح منه).

أ‌-   قبل ظهور المسيح تبشر الملائكة زكريا بيحيى (فنادته الملائكه وهو قائم يصلى فى المحراب: أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله ، وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين). (آل عمران 39).

        قال الرازى: "كلمة من الله: أى كتاب من الله وهو قول أبى عبيدة واختيار الجمهور أن المراد (بكلمة من الله) هو عيسى وقال أبن عباس: أن يحيى كان أكبر سنا من عيسى بستة أشهر. وكان يحيى أول من آمن وصدق بأنه كلمة الله وروحه. فيحيى يدعو المسيح أنه كلمة الله وروح الله فهو أبعد من كونه "أبن مريم".

ب‌-  حين ظهوره تبشر الملائكة مريم بمولده منها وبسر شخصيته: (إذ قالت الملائكة: يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ، أسمه المسيح عيسى أبن مريم ، وجيها فى الدنيا والآخرة ، ومن المقربين). (آل عمران 45).

        والقرآن يقطع الطريق على كل تفسير منحرف لمعنى "كلمة منه" بهذا البعد المرادف: "أسمه المسيح عيسى أبن مريم" فالملائكة تبشر مريم بشخص يولد منها أسمه كلمة الله ، لا بأمر منه تعالى. فالمسيح عيسى أبن مريم هو فى ذاته السامية "كلمة منه" فمصدره ليس من الأرض بل من السماء ، وقبل إلقائه إلى مريم هو "من المقربين" وليس من البشر المقربين بعد البعث فى اليوم الآخر ، إنما هو ملقى إلى مريم "من المقربين" فى السماء أى "الملائكة المقربين" (النساء 171). فشخصية المسيح التى تكشف الملائكة عن سرها لأمة فى بشارتها به هو "كلمة الله" ، "من المقربين" فهو ينزل من السماء ليولد من مريم ، يصير "اسمه المسيح عيسى أبن مريم".

ج‍‌-  وحين ظهوره "صدقت (مريم) بكلمة ربها وكتابه" ـ وعلى قراءة أخرى : "بكلمات ربها وكتبه" (التحريم 12) والقراءة الصحيحة هى "كلمة ربها وكتابه" وهى عن مجاه: "بكلمة الله وكتابه ، أى بعيسى والأنجيل" تؤيدها بشارة الملائكة لها "بكلمة منه أسمه المسيح عيسى أبن مريم". وقوله "من روحنا" (التحريم 12) قد يعنى الواسطة ، جبريل المبشر ، وقد يعنى وهو الأصح "من روح خلقناه بلا توسط أصل" (البيضاوى) فهو روح من الله نفخة فى مريم فهو إذن ليس ببشر بحت. فقد آمنت مريم أن وليدها هو "كلمة ربها" ، و "من روحه" نفخه فيها فهو حى قائم قبل أمه ، وكائن عند الله بصفة كونة "كلمة الله" و "من روحه".

د-   وبعد ظهوره يأتى النبى العربى فيقول بأمر الوحى له: "قل: يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا ، الذى له ملك السماوات والأرض ، لا إله إلا هو يحيى ويميت: فآمنوا بالله ورسوله ، النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلمته ، واتبعوه لعلكم تهتدون" (الأعراف 157). وهناك قراءة أخرى: "بالله وكلماته" أى بالله والمسيح ـ وهذا موضوع الدعوة القرآنية كلها. ولتخفيف وطأة تلك الشهادة "لله وكلمته" كانت تلك القراءة الضعيفة "الله وكلماته". ومن لم يستطيع أن يستغنى عن قراءة "الله وكلمته" فسر "كلمته" مثل البيضاوى: "وقرئ (كلمته) على القرآن ، أو عيسى عليه السلام".

هـ‌- أخيرا فى محاورة وفد نجران يأتى التعريف الجامع المانع للمسيح ، "إنما المسيح عيسى أبن مريم ، رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" (النساء 170). وهنا تظهر الثنائية جليا فى شخصية السيد المسيح: إنه "عيسى أبن مريم" ، لكنه أيضا "كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" فهو "كلمته وروح منه" قبل إلقائه إلى مريم ، فهو قائم فى الله قبل أن يلقيه إلى مريم. فإن الترادف بين "كلمته وروح منه" يقطع قطعا مبرما بمعنى "كلمته" أنه ذات من الله ، "روح منه" تعالى وهذا "الروح منه" تعالى الذى أسمه وصفته وذاته أنه "كلمته" ، موجود قبل مريم فهو "كلمته ألقاها إلى مريم". وقوله "روح منه" فريد فى القرىن يدل على مصدره: أنه ذات من الله. والسؤال فى مصدر "كلمته وروح منه" هل هو من ذات الله ، أو هو روح من الأرواح الملائكية؟ هذا ما نراه فى التحليل الصحيح لعقيدة القرآن فى المسيح.

كيف فهم المفسرون تعبير كلمة الله:

        هذا الإسم الذى به أنفرد المسيح وتميز وتمايز ، "كلمة الله" لو قيلت على القرآن والأنجيل والتوراه ، لما كانت هناك أى غرابة ، أما أن تقال على كائن كالمسيح ، له كل مقومات البشر ، وبهذا اللقب ينسب لله ، فهذا هو الغريب وهذه هى الغرابة. فلا يحتاج المسلم إلى إيضاح أو تفسير لتلقيب القرآن بأسم كلمة الله ، ولكنه يحتاه إلى تفسير لماذا دعى المسيح كلمة الله ، ولم يلقب بهذا الإسم آخر غيره.

     فإبراهيم خليل الله.                        وموسى كليم الله.

     وميخائيل قوة الله.                        وجبرائيل جبروت الله.

     وسوريال بوق الله.                       وروفائيل رأفة الله.

أما المسيح فهو كلمة الله وروح الله

        وهذا الإسم لم تخلعه عليه العذارء ولم يختلسه المسيح لنفسه.

     إنما دعاه به الله (إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته).

     ولقبه به القرآن: (ذلك عيسى أبن مريم قول الحق الذى فيه يمتزون) (مريم19: 34).

     ونادته به الملائكة: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه أسمه عيسى أبن مريم) (آل عمران45).

        فالله ، وقرآنه ـ كتابه ـ وملائكته ورسله دعوا المسيح كلمة الله ، إنها شهادات من أفواه عدة وليست من فم واحد. فهل المسيح كلمة الله لأنه مولود من الله قبل كل الدهور كما يقول المسيحيون؟ أم هو كلمة الله لأنه خلق بكلمة من الله أو نطق كلمات الله كما يقول المسلمون؟.. فما هو تفسير الآئمة فى هذا: جاء فى كتاب القرآن والمسيحية تأليف الآب الحداد ص 187-189. قد استجمع الرازى تفاسيرهم بقوله (على آل عمران 39):

(أ‌)   "سمى عيسى (كلمة الله) من وجوه: أنه خلق بكلمة الله وهو قوله (كن) من غير واسطة الآب وكما يسمى المخلوق خلقا ، وهو باب مشهور فى اللغة" ـ لو صح ذلك لكان آدم أولى بالأسم ، لكنه لعم مختص بالمسيح وحده دليلا على ذاته.

(ب‌) "أنه تكلم فى الطفولية ، وآتاه الله الكتاب فى زمن طفوليته فكان فى كونه متكلما بالغا مبلغا عظيما ، فسمى "كلمة" أى كاملا فى الكلام) ـ فالإعجاز الكامل فى الكلام برهان ذاته.

(ج‍‌)  "إن الكلمة كما أنها تفيد المعانى والحقائق ، كذلك كان عيسى يرشد إلى الحقائق والأسرار الإلهية كما يسمى القرآن روحا" ـ لم يسم القرآن روحا ، إنما التعبير "أوحينا إليك روحا من أمرنا" (الشورى 52) أى ملاكا جاءه فى رؤيا حراء ، كما تدل الآية السابقة على طرق الوحى الثلاث فالمسيح بصفة كونه (كلمة الله) كان "يرشد إلى الحقائق والأسرار الإلهية" ، فهو يعرف غيب الله ويكشفه لعباده. وعلم الغيب صفة إلهية يتمتع بها المسيح لأنه "كلمة الله".

(د‌)   "لأنه حقق كلمة بشارة الأنبياء به ، كما قال (وحقت كلمة ربك) ـ وحده بشر به الأنبياء ، وهو وحده حقق بشارتهم به ، فهو "كلمة ربك" فى سيرته ورسالته ، كما هو "كلمة الله" فى ذاته.

(ه‍‌)  "إن الإنسان يسمى (فضل الله) و (لطف الله) ، فكذا عيسى عليه السلام كان أسمه العلم "كلمة الله" و (روح الله) ـ ولكنه أسم علم من الله نفسه لا من البشر: "إذ قالت الملائكة: إن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى أبن مريم" (آل عمران 45). وعندما ينزل الله أسما على شخص فهو دليل على ذاته ، وليس فقط على العلمية.

(و‌)  أضاف الرازى (على آل عمران 45): "سمى كلمة الله كأنه صار عين كلمة الله الخالقة له بوجوده المعجز" ـ وهذا برهان اعجازه فى ذاته ، إنه كلمة الله عينها.

(ز‌)  "أو لأنه أبان كلمة الله أفضل بيان" ـ وهذا برهان اعجازه فى كلامه ، لا فى التنزيل إليه فقط ، واعجاز غيره يقتصر على التنزيل. لكن كل تلك التفاسير قاصرة ، بسب الترادف بين "كلمته" وبين "روح منه" أى "روح صدر منه" تعالى (البيضاوى) لذلك أستدرك الرازى وقال: "اعلم أن كلمة الله هى كلامه وكلامه على قول أهل السنة: صفة قديمة قائمة بذاته". لكن الرازى يرفض هذه النتيجة الحتمية لأنها برهان إلوهية "كلمة الله" ، وكان عليه أن لا ينسى مرادفها: "روح منه". فالمسيح هو "كلمة الله" أى "عين كلمة الله" وهى "وصفة قديمة قائمة بذاته" تعالى هذا منطوق الأسم الكريم ، كما ورد فى الإنجيل بحسب يوحنا (1: 1-4) ، والقرآن "تصديق الذى بين يديه (قبله) وتفصيل الكتاب" (يونس 36). فإن تشابه الإسم فى القرآن ، "فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك". لكن القرآن يرفع التشابه بالجزم أن "كلمة الله" هو "روح منه" تعالى.

 

عودة الى الفهرس