الفكر الإسلامى ومهاجمته للعقيد ةالمسيحية

 

     

2-المسيح روح الله أو روح منه:

        فالملائكة أرواح مخلوقة من الله وروح الإنسان نفخة من أنفاث الله. أما المسيح فهو روح الله ، أو روح منه وبارتباط الكلمتين معا: كلمة الله ، وروح منه ، يعرف أن المسيح ليس بمخلوق بكلمة ، وليس مجرد روح لقد كان المسيح كلمة وروحا قبل أن يطأ بطن العذراء مريم ، وفقا للقول القرآنى الشهير: (إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم ، روح منه) (النساء4: 171). فالمسيح بحسب هذا النص: رسول الله ، كلمة الله ، روح الله وكلمة رسول لاحقة لولادته لأنه بدأ عمله كرسول بعدما ولد ، أما كلمتا "كلمة الله ، روح الله"  فسابقة لمولدة ، لأنه قبلما ولد كان كلمة الله وكان روح الله. بعد أن ولد صار رسولا لله.

فالمسيح كلمة الله قبل ولادته وبعدها.

والمسيح روح الله قبل ولادته وبعدها وإن لبس جسدا

        أما المسيح فرسول الله بعد ولادته لا قبلها لأنه مرسل إلى البشر ، وإلى شعب بنى إسرائيل بين البشر. ليس المسيح مجرد روح وإلا ما كنا قد رىيناه بصوتنا وسمعناه بأذاننا وشهادناه ولمسته أيدينا (1يو1: 1). المسيح روح الله ومن الأستحالة أن يكون روح الله مخلوقا.

     روح الله.

     الله روح بسيط ، وليس مركبا ، فهو الروح الأعظم.

     والملائكة أرواح ، أو رياح ، أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع.

     والمسيح دعى روح الله فى الأحاديث الشريفة ، ودعى روح منه فى القرآن.

        فهو (كلمة الله وروح منه) تعبيران متلاصقان مرتبطان ببعضهما البعض ، كى لا نظن أن المسيح كلمة الله كالقرآن كلمة الله المنطوقة ، فالقرآن كلمة الله وليس روحا منه.

     والإنسان فيه روح كما فى جسد.

        ولقد أوقف القرآن كل بحث فى مجال الروح ، حسبما ورد فى سورة الكهف: "يسالونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربى وما أوتيت من العلم إلا قليلا".

فمن هذا الذى دعى روح الله ، أو روح منه؟

        ولو اعتقدنا بأن المسيح أحد الأرواح الآتية من الله ن لسقطنا فى بدعة النظرية الخلقية ، والتى نادى فيها أصحابها بخلقة جميع الأرواح معا قبل أجسادها ، وتلبس أجسادها عند الولادة عقوبة لها على خطأ عملته أو على خطية اقترفتها حين كانت فى عالم الأرواح. ولا تخرج من عالمنا هذا إلا إذا تنقت بانتقالها ومتنوعة منها الشرير ومنها المعوق ومنها المريض ومنها الحيوانات العجماوات ، وأطلق أصحاب هذه النظرية أسم الأستجساد Reincarnation على عقيدتهم هذه فمحمد نفسه لا يدعى بأسم روح الله وإن دعى رسول الله ونبيه ولا موسى سمى روح الله وإن دعى كليم الله وبيه. إنما المسيح هو روح الله أو روح منه.

        جاء فى كتاب القرآن والمسيحية ، تأليف الأب الحداد ص 190-197 ما نصه: إنه روح منه تعالى............. يبلغ التشابه ذروته ، فى القرآن فى تعبير "الروح" نرى أولا الواقع القرآنى فى تعابير الروح ، ثم ندرس تفاسيرهم لقوله: "روح منه".

1-   تعابير "الروح" فى القرىن متنوعة:

     قد يأتى تعبير "روح" على أسلوب ما بين المجاز والحقيقة فى موضعين: (أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان ، وأيدهم بروح منه) (المجادلة 22) أى "بنور" (الجلالان). وقال يعقوب لبنيه: "يا بنى أذهبوا فتجسسوا من يوسف وأخيه ، ولا تيأسوا من روح الله ، إنه لا يياس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف 87) ، هنا روح الله يعنى "رحمته" (الجلالان). وقد يكون التعبير كناية عن الملائكة الحفظة الذى وكلهم الله بحراسة البشر.

     وقد يأتى التعبير كناية عن روح الإنسان ، كما فى قوله: "وإذ قال ربك للملائكة: إنى خالق بشرا من صلصال ، من حمأ مسنون: فإذا سويته ونفخت فيه من روحى ، فقعوا له ساجدين" (الحجر 38 ، 39 ، ص 72) ، وقوله: "ونفخ فيه من روحه" (آلم السجدة 9).

     وقد يأتى كناية عن ملاك الهوحى الذى أوحى إلى النبى العربى فى غار حراء: "قل: نزله روح القدس" (النحل 102) ، "نزل به الروح الأمين" (الشعراء 193) ، "أوحينا إليك من أمرنا" (الشورى 52). فالروح الأمين ، روح القدس ، هو روح من أمر الله أى مخلوق ، هو جبريل نفسه بحسب تصريحه: (قل: من كان عدوا لجبريل ، فإنه نزله على قلبك بإذن الله ، مصدقا لما بين يديه ، وهدى وبشرى للمؤمنين) (البقرة 97). وقد سمى جبريل (روح القدس" على الإضافة إلى "القدس" أى الله ، للتشريف ، وهو غير قوله فى عيسى: "وأيديناه بروح القدس" (البقرة 87 ، 253) :ما سنرى قيل أن "روحا من أمرنا" (الشورى 85) قد تعنى القرآن بسبب القرينة "أوحينا إليك روحا من أمرنا" ، وهذا يتعارض مع الآية السابقة (الشورى 51) التى تفصل طرق الوحى الثلاث: الوحى المباشر مع عيسى ، والوحى من وراء حجاب مع موسى ، والوحى بالواسطة ، واسطة ملاك الوحى ، فهو "روح من أمرنا".

     والروح هو أيضا الملاك الذى بشر مريم بالمسيح: "فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا" (مريم 16). وهذا امللاك نفخ فى مريم فحملت بالمسيح: "ونفخنا فيها من روحنا" (الأنبياء 91) ، (فنفخنا فيه (فرجها) من روحنا) (التحريم 12). فقوله "من روحنا" يعنى على الفاعل الملاك النافخ على مريم ، وعلى المفغول الروح المنفوخ فى مريم كما سنرى.

     ويأتى "الروح" على العلمية فى صلة مع الملائكة ، أولا فى الوحى والتنزيل: (ينزل الملائكة بالروح على من يشاء من عبادة أن أنذروا أن لا إله إلا أنا فأتقونى) (النحل 2) فى هذا التعبير قد يكون "الروح" منزلا الملائكة ، على الفاعل ، أو منزلا بالملائكة ، على المفعول: فعلى المفعول يعنى "الوحى" (الجلالان) ، وعلى الفاعل يكون "الروح" سيد الملائكة ، وهو الأصح. ثانيا فى لية القدر (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) (القدر 4) هنا يظهر "الروح" متميزا عن الملائكة فى قضاء أقدار الله من كل أمر: فمن هو؟ ثالثا فى يوم القيامة (تعرج الملائكة والروح إليه "الله ذى المعارج" فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (المعارج 4) ، هنا أيضا يتميز الروح عن الملائكة: فمن هو؟ رابعا فى يوم الدين ، (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا) (النبأ 38). هنا أيضا يتميز الروح عن الملائكة ويتقدمهم كأنه سيدهم ، ومثول "الروح" أمام الخالق الديان الرحمان لا يتكلم بإذنه ، قرينة ظاهرة على أن "الروح" مخلوق مثل الملائكة. لكن من هو؟.

     ويأتى "الروح" أيضا على العلمية فى صلة مع الوحى: "رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده ، لينذر يوم التلاق) (غافر ـ المؤمن 15) أى يوم القيامة والحشر فى (النحل 2) (ينزل الملائكة بالروح على من يشاء من عباده) ، أما فى (غافر 15) فالروح وحده يلقى على الأنبياء ، فكأنه يتميز عن ملائكة: فمن هو؟.

     أخيرا يأتى "الروح" كذات المسيح ، فى ثلاثة تعابير:

1-   التعبير الأول: (إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه... لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ، ولا الملائكة المقربون) (النساء 170-171). نلاحظ أولا أن قوله "روح منه" هو مرادف على "كلمة الله" ، وهذا الترادف يقطع بأن "كلمته" ذات قائمة بنفسها ، لا مجرد كلام الله أو أمر الله ، وثانيا أن التعبير "روح منه" وحيد فريد فى القرآن لا يأتى فيه إلا بحق المسيح ، وسنرى تفاسيرهم لهذا التعبير ، وجوهرها أن كلمة الله بمنزلة "روح منه" تعالى ، أى منزله ملاك ، لذلك فهو يجعله مع الملائكة المقربين "عبدا" لله ، لا ربا معبودا مع أن التعبير "روح منه" يدل على أكثر من ذلك ، على صدور خاص من الله ، ثالثا أن وصف المسيح بأنه "روح منه" يكشف معنى كامنا فى التعبيرين الآخريين.

2-   التعبير الثانى: (وأيدناه بروح القدس) (البقرة 87 ، 253) ، (وإذا ايدتكم بروح القدس) (المائدة 113) له معنيان: الظاهر هو أن (روح القدس) هو غير روح المسيح ، وهو الذى يؤيد المسيح فى فعله المعجز ، ومعنى باطن وهو أن "روح القدس" فى هذا التعبير يعنى ذات روح المسيح. وفسروه: (بروح القدس أى بالروح المقدسة ، أراد به جبريل ، أو روح عيسى ـ ووصفها به لطهارته من الشيطان ، أو لكرامته على الله تعالى ولذلك أضافها إلى نفسه تعالى ، أو لأنه لم تضمنه الأصلاب ولا الأرحام الطوامث ، وقيل: بالإنجيل كما قال فى القرآن "روحا من أمرنا" ، وقيل باسم الله الأعظم الذى كان يحيى الموتى يذكره (الزمخشرى) ـ "فى تفسيره أقوال: الأول قال الحسن: القدس هو الله تعالى ، وروحه جبريل عليه السلام ، والذى يدل على أن روح القدس جبريل عليه السلام قوله تعالى (قل: نزله روح القدس) ، والقول الثانى وهو المنقول عن أبن عباس: إن روح القدس هو الأسم الذى كان يحيى به عيسى عليه السلام الموتى ، والقول الثالث هو قول أبى مسلم: إن روح القدس الذى أيده به يجوز أن يكون الروح الطاهرة التى نفخها الله تعالى فيه ، وأبانه بها عن غيره ممن خلق من اجتماع نطفتى الذكر والأنثى ـ وهذه الأقوال الثلاثة متواترة منذ الطبرى. أما قولهم بأن "روح القدس" الذى تأيد به المسيح هو جبريل فقد جاء على المشاكله مع "روح القدس" الذى جاء محمدا بالوحى. وأما قولهم بأنه الإنجيل فهذا بعيد الأحتمال ، لأن الإنجيل ليس "روحا منه" تعالى. وأما القول بأنه "الأسم الأعظم" فهو يدل على قدرة إلهية فى المسيح تقدر على الأحياء والخلق ، ترفع المسيح فوق المخلوق. أخيرا يقى أن "روح القدس" فى المسيح هو ذات المسيح ، ويدل عليه قوله "روح منه" ، حيث ذات المسيح روح القدس أى روح الله الحال فيه ، فهو روح قدس فوق البشر من عالم الأرواح الملائكية ، مثل قوله "من المقربين" (آل عمران 45) أى من "الملائكة المقربين" (النساء 171) ، فيكون ذات عيسى ملاكا فى إنسان.

        وهذا ما يعنيه التعبير الثالث: "نفخنا فيها من روحنا" ، "نفخنا فيه من روحنا". فعلى الفاعل يكون "روحنا" ملاك البشارة النافخ ، على المفعول يكون "روحنا" هو المنفوخ فى المسيح والنتيجة من التعابير الثلاثة أن المسيح "روح منه" تعالى أى ملاك "من المقربين" ألقاه إلى مريم فكان المسيح عيسى أبن مريم فكلها تقود إلى ثنائية فى شخصية المسيح. أنه ملاك ألقى إلى مريم لكن تعبير "روح منه" يدل على أكثر من ذلك ، على صلة مصدرية خاصة من الله تعالى.

        فتلك التعابير السبعة المتنوعة فى "الروح" جعلت الناس يسالون النبى العربى عن ماهية الروح الذى يذكره: (ويسألونك عن الروح) ـ قل: الروح من أمر ربى ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الأسراء 85). فالتعريف (الروح من أمر ربى) أى (علمه لا تعلمونه) (الجلالان) ، "قل: الروح من أمر ربى(1) من الابداعيات الكائنة بكن ، من غير مادة ، وتولد من أصل كأعضاء جسده (2) ، أو وجد بأمره وحدث بتكوينه ، على أن السؤال عن قدمه وحدوثه (3) وقيل ‎: مما استأثر الله بعلمه.. وأبهم أمر الروح وهو مبهم فى التوراه(4) وقبل: الروج جبريل(5) وقيل: خلق أعظم من الملاك(6) وقيل: القرآن(7) و (من أمر ربى) (معناه من وحيه) (البيضاوى)ز أما كون "الروح" جبريل أو القرآن فهذا غريب لأنه يتعارض مع النص "من أمر ربى" الذى أستأثر بعلمه. وقول البيضاوى أنه "من الابداعيات" أو "وجد بأمره وحدث بتكوينه" فيتعارض مع الأبهام الذى "من أمر ربى ، ومعناه من وحيه" كما يقول بقى أن "الروح": "خلق أعظم من الملاك" ، أو أنه "مما أستأثر الله بعلمه" ، والقولان متكاملان ونلاحظ أنه يستخدم العلمية فى تسميته "الروح": فهو كائن فوق الملاك أقرب غلى الخالق منه إلى المخلوق.

        قال الأستاذ/ دروزه فىالتفسير الحديث ج3 بص 262: (فى الآية 85) حكاية لسؤال أورد علىالنبى عن الروح ، وأمر له بالإجابة بأن الروح من أمر الله تعالى واختصاصه وعلمه ، وليس من شأن البشر إدراكه ، وأن ما أوتيه الناس من العلم هو قليل بالنسبة إلى علم الله وآياته فى كونه". ليس فقط علم الناس قليلا فى سر "الروح" المطلق ، وليس فى الآية من مقابلة مع علم الله وآياته فى كونه ، إنما العلم المنزل فى القرآن بشأن "الروح" هو القليل. وقال أحدهم: مضى محمد ولما يدر ما الروح!.

2-  "روح منه" هو سر المسيح "كلمة الله" ـ تفاسيرهم له:

        إن "الروح" على العلمية والمطلق ذات غير ذات المسيح ، "كلمتة ألقاها إلى مريم ، وروح منه". قال الجلالان: "روح منه: (روح) أى ذى روح ، (منه) أضيف إليه تعالى تشريفا له" ـ لكن التعبير (منه) لا يعنى الإضافة بل الصدور.

        قال الزمخشرى: "قبل له (روح الله) أو (روح منه) تعالى ، لأنه ذو روح وجسد ، من غير جزء من ذى روح... وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته الخالصة" ـ لكن التعبير لا يدل فقط على وجوده المعجز بقدرة الله ن إنما على ذاته ، وليس معنى المقابلة "كلمته وروح منه" أنه "ذو روح وجسد من غير جزء من ذى روح".

        قال البيضاوى: "روح منه: ذو روح صدر منه تعالى ، لا بتوسط ما يجرى مجرى الأصل والمادة له. وقيل: سمى (روحا) لأنه كان يحيى الأموات والقلوب". وهذا هو التفسير الصحيح لحرف القرآن الوحيد فيه: "ذو روح صدر منه تعالى". والمشكل الكلامى الذى اختلف عليه النصارى والمسيحيون ، وانتقل إلى الإسلام والمسيحية ، هو فى كيفية هذا الصدور عنه تعالى قولهم: "سمى (روحا) لأنه كان يحيى الأموات والقلوب" فيه إشارة إلى كيفية ذلك الصدور ، عن طريق الأنبثاق من ذاته تعالى ، لا عن طريق الخلق والإبداع ، فمن يحيى الأموات والقلوب فيه قدرة من قدرة الله تدل عليه.

قال الرازى مستجمعا تفاسيرهم "أما قوله (روح منه) ففيه وجوه":

     "إنه جرت عادة الناس أنهم إذا وصفوا شيئا بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح ، فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب ، وإنما تكون من نفخة جبريل عليه السلام وصف بأنه روح" ـ لكن التعريف يفسر "كلمته ألقاها إلى مريم" بأنه (روح منه) تعالى ، على الترادف ، فهو وصف ذاته ، ولا وصف تكوينه ، فإنه كلمة الله قبل إلقائه إلى مريم ، لذلك فهو "روح منه" تعالى.

     "إنه كان سببا لحياة الخلق فى أديانهم ، ومن كان كذلك وصف بأنه روح" ـ فالأسم الكريم يستوعب فى ذاته معنى "السبب لحياة الخلق" ، فى ذلك إشارة إلى أن "روحا منه" أقرب إلى الخالق منه إلى المخلوق فى صدوره (منه) تعالى. والقول يشير إلى فاتحة الإنجيل بحسب يوحنا فى تعريفة بكلمة الله: "فيه كانت الحياة ، والحياة كانت نور الناس" (يو1: 4).

     "روح منه أى رحمة منه: فقد كان عيسى رحمة من الله على الخلق من حيث أن كان يرشدهم إلى مصالحهم فى دينهم ودنياهم لا جرم أنه سمى روحا منه" ـ هذا القول يستند إلى قوله: "ولنجعله آية للناس ورحمة منا" (مريم 20). هذا مفعول كونه "روحا منه" تعالى ، لا برهان ذاته بحسب الترادف "كلمته وروح منه".

     قوله (روح) أدخل التنكير ليفيد التعظيم فكان المعنى: روح من الأرواح الشريفة العالية القدسية. وقوله (منه) إضافة ذلك الروح إلى نفسه تعالى لأجل التشريف والتعظيم" ـ نقول: إن تعريف المسيح بأنه "روح من الأرواح الشريفة العالية القدسية" يتفق مع وصفه "من المقربين" (آل عمران 45) أى "الملائكة المقربين" (النساء 171). وهذه هى صفة المسيح فى القرآن: إنه "ملاك كلمة الله" ألقى إلى مريم ، بحسب عقيدة النصارى ولكن يبقى سر صدوره (منه) تعالى موضع حيرة وتساؤل. فليس قوله (روح منه) فقط إضافة تشريف وتعظيم بل (ذو روح صدر منه تعالى) كما يقول البيضاوى وليس نسبة مصدرية كسائر المخلوقين عن طريق الخلق والإبداع روح منه تعالى يعنى نسبة مصدرية ذاتية لذلك يظل التشابه قائما فى معرفة سر المسيح (كلمته وروح منه).

عودة الى الفهرس