8. ملابس أهل الجنّة:

منع النّبي محمد المسلمين من لبس الحرير، ومنع الرّجال خاصّةً من لبس الذهب، وورد في الصّحاح أحاديث كثيرة للنّبي بهذا المعنى، ومنها قوله: "من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة" وقال "هي لهم في الدّنيا، ولكم في الآخرة". وعن البراءِ بن عازب قال: "أمرَنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسبعٍ ونهانا عن سبع أمرنا باتّباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الدّاعي ونصر المظلوم وإبرار القسم وردّ السّلام وتشميتِ العاطس ونهانا عن آنية الفضّة وخاتم الّذهب والحرير والدِّيباج والقسِّيِّ والإسْتَبْرَق" أي أنَّ النّبي منع المسلمين من لبس خواتم الذّهب ومن ارتداء ملابس الحرير أو حتّى المخطّطة بالحرير أو ما غَلُظَ من الحرير. وفي هذا الحديث نجد أنَّ المنع شاملاً للمسلمين من الرّجال والنّساء. ولكن في سنن التّرمذي وأيضاً في سُنن النّسائي نقرأ عن أبي موسى الأشعري أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "حُرِّمَ لباسُ الحرير والذّهب على ذكور أمّتي وأُحِّلَ لإناثَهم" (وقال أنّه حديث حَسَنٌ صحيح). أي أنًّ لبس الذّهب والحرير حلال للنّساء، وهذا يناقض حديثاً للنّبي ورد في صحيح مسلم والبخاري وكذلك أخرجه النّسائي وأبو داود ومالك وابن ماجه. جاء فيه عن خليفة بن كعبٍ أبي ذبيانَ قال: "سمعت عبدالله بن الزُّبير يخطُبُ يقول: ألا لا تُلبسوا نساءَكم الحرير فإنّي سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "لا تلبسوا الحرير فإنًّه من لبسَه في الدُّنيا لم يلْبِسْهُ في الآخرة" وأيضاً "الذّهب والفضّة والحرير والدّيباج هي لهم في الدّنيا ولكم في الآخرة" (رواه البخاري).

ولا يوجد لدينا تعليل منطقي لمنع لبس الذّهب والحرير، فهي من خيرات الله للنّاس خلقها ليستخدمونها، ولكن يبدو أنًّ طفولة الحِرمان والشّقاء الّتي عاشها نبّي الإسلام، وكذلك لكون اتباع النّبي الأوائل كانوا على الأغلب من الفقراء والعبيد، فكان لا بدّ من إيجاد أحاديث تعدهم بالحرير والذّهب في الجنّة، وبالتّالي جعلها محرّمة في الحياة الدّنيا. مع ضرورة الإشارة هنا إلا أنَّ المسلمين لم يهتّموا بوضع التّواريخ عندما وضَعوا ما يسمّى بعلم الحديث.

في جنَّة النَّعيم والملذّات، سيلبس أتقياء المسلمين أبهى وأجمل الملابس المرصعة بالؤلؤ والجواهر وسيضعون في أيديهم أساور وخواتم الذهب، نقرأ في سورة الكهف31:18 "يُحلّونَ فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خُضراً من سُنْدُسٍ وإستبرقٍ" وفي الحج 23:22 "يحلّون فيها من أساورَ من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسُهُم فيها حريرٌ" (انظر فاطر 33:35 والدخان 53:44 والإنسان12:76) وهكذا سيتزين الأتقياء بِحِلِيٍ من أساور الذهب ويلبسون الحرير بأنواعه الرفيع كالقمصان أو الغليظ كالديباج اللامع البرّاق. ولكنه في سورة الإنسان 21:76 يقول "عالِيهمُ ثيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٍ وإستبرَقٌ وحُلُّوا أساورَ من فضةٍ" أي أن الأساور من فضة، وليس من ذهب كما قال في جميع المواضع الأخرى، وللخروج من المأزق قال المفسرون إن أساور الذَّهب للمقرَّبين وأساور الفضَّةِ للأبرار، وبذلك زادوا المشكلة بدلاً من حَلِّها، لأنهم عززوا هُنا فكرة التمييز بين النّاس في الجنة، وكذلك أشاروا إلى أن الأبرار ليسوا من المقرّبين.

وقال النبي محمد عن ملابس أهل الجنة وزينتهم "مسورونَ بالذهبِ والفضَّةِ مكللة بالدر، وعليهم أكاليل من درٍ وياقوت متواصلة، وعليهم تاج كتاج الملوك، شباب جرد مرد مكحولون". ومما قاله أيضاً "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" وقال كعب الأحبار: إن في الجنةِ ملكاً لو شئت أن أسميه لسميته يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها ـ أي سوارٍ منها ـ لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر". فما أكثر زينة أهل الجنّة لدرجة جعل المسلمون ملاكاً في الجنة يصوغها لهم. وأضاف قائلاً: "إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب". وقال عن نساء الجنة "على كل زوجة سَبْعون حِلَّه"، أي أن الواحدة منهن تلبس سبعين قطعة من زينة الجنة، فيا له من نعيم.

الصفحة الرئيسية