الفصل الأول

المقدمة العامة وإعداد الحوار

أ - حَيرة الأمير تُجاه حالة النصارى

ذكروا أنّ عبد الرحمان بن عبد الملك بن صالح الهاشمي خطرت بباله فكرة في أمر النصارى وكثرتهم، وعلمهم وفلسفتهم وطبهم وما لديهم من الأدب، وصبرهم على الذلّ، وكيف ضلّوا وطغوا وأقاموا على الكُفر، إذ يقولون إنّ الله ثلاثة أقانيم وإنّ المسيح ابنُ الله.

ولم يزل مفكراً بهذا وأشباهه إلى أن دعا مؤدّبه، وأخبره بما هجس في خاطره وما هو فيه.

ب - اقتراح المؤدِّب عقد لقاء بين المسلمين والنصارى واليهود

فقال له المؤدّب: لا تعجب مما أنت فيه. ولكن هوذا نحن والنصارى واليهود. فإن أحببت أن تبلغ غاية هذا الأمر، فنجمع من علمائهم، وننظر فيما سألت عنه .

قال له الأمير: وما نصنع باليهود وقد أخزاهم الله ولعنهم وأسقط دينهم؟ .

قال المؤدّب: الآن الأمر كما تقول وأشرّ. ولكن نجمع من علمائهم مَن له عِلمٌ ومعرفة. فإن زاد النصارى في قولهم كذَّبوهم، لأنهم أعداء بعضهم لبعض .

ج - دعوة الأمير للمختارين

فدعا بطريرك النصارى ومار إيليا أسقف النسطور، وقال لهما: قد خطرت ببالي فكرة في دينكم، وأحببت أن أبلغ غايته فيما تقولون إنّ الله ثلاثة أقانيم، وإنّ المسيح ابن الله .

فقالا له: إن طلبت هذا، فلا تدركه إلا بمن يبصر الكتب .

فدعا ثلاثة كانوا له: اثنان منهم نصرانيان والآخر يهودي، قد أسلموا على يده. ودعا يهوديَين يبصران الكتب، ودعا طبيبه، وجعل يسألهم عن هذا الأمر. ولكنهم موّهوا عليه القول لأنهم لم يفهموا مراده.

د - وصول إبراهيم الطَبراني

فلما رأى الأمير ذلك منهم، تطلع من مجلسه إلى الطريق. فأبصر راهباً، فقال له: يا راهب، من أين؟ .

فقال: من طبريّة الشام . فدعا به.

فلما دخل عليه سلَّم. فقال الأمير لمن حضر: أتُرى عنده معرفة بما نحن فيه؟ .

فقالوا له: امتحن ما عنده إن يكن عنده شيء. وإلا فخلِّ سبيله .

فسأله الأمير: مَن أنت ومِن أين؟ ومِمن وإلى مَن؟ وكيف وماذا؟ وأين أنت؟ .

أجابه الراهب: أنا عبد الله من آل آدم من أهل قحطان، من طبرية الشام ومأوايَ الأكواخ، معدن العلم والأخبار. وإني لضعيف العمل. أقبلت داعياً إلى الله، حاجّاً إلى بيته المقدّس، أرجو المغفرة والثواب. وأنا الساعة في قصر منيف ومجلس نظيف، أمام ملك شريف، كالقمر المنير، فحيّاه الله من أمير، وقربَّه من السرور، وأبعده من الشرور .

قال الأمير: بَخٍ بَخٍ. ينبغي لك يا راهب، أن تبيِّن لي أمر الدين، ليزول الشك من قلوبنا .

أجابه الراهب: ما لي في ذلك حمد، ولا لي في قلة معرفته معذرة .

الصفحة الرئيسية