من هو الأعظم؟

دانيآل فراس كمال

تصدير

نشر أحمد ديدات كتيّباً اقتبس قسمه الأول من كتابٍ كتبه مسيحي كاثوليكي يُدعى "ميشيل هارت" واسم الكتاب "أعظم مائة شخصية مؤثرة في التاريخ" ثم اختتم ديدات كتيّبه بملخصٍ لخطبة الوداع التي ينسبها التقليد الإسلامي إلى محمد. وقدّم لترجمة كتيّب ديدات إلى العربية رمضان الصفناوي، فأولى لما سمّاه "شهادات المسيحيين لمحمد" قيمة كبيرة واستشهد بقول الشاعر العربي: "والفضل ما شهدت به الأعداء".

وواضحٌ أن المسيحيين ليسوا أعداء المسلمين، فوصف "المسيحيين" المستشهَد بهم (ومنهم الكاتب الساخر "جورج برنارد شو") كأعداء هو مخالفة صريحة للنصوص القرآنية. ورد في (المائدة 5: 82): "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ". (وقد وردت أيضاً على الأقل 123 جملة قرآنية في مدح أهل الكتاب من يهود ومسيحيين وغيرهم).ولكن يبدو أن آية السيف (التوبة 9: 5) نسخت تلك النصوص كلها (راجع ابن حزم الناسخ والمنسوخ، في هامش تفسير الجلالين، مطبعة الحلبي مجلد 2 ص 146-148) وفي (التوبة 9: 29) يُؤمر أهل الكتاب أن يؤدّوا الجزية "عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ".

ومهما يكن، فإن الأمر في (المائدة 5: 51) لا يعني أن النصارى أعداء، بل أن على المسلم أن لا يتّخذهم أولياء (أي أصدقاء ثقة) فلا يكون أي منهم وصيّاً لمسلم أو كفيلاً له، أو حكّاماً: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ". وفي جملة 57 يقرأ المرء كلاماً لا يعني أن المسيحيين ككل أعداء للإسلام والمسلمين: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ". و"المفكرون" الذين مدحوا محمداً ورفعوا شأنه (وهم من المسيحيين) ليسوا من "الأعداء" بما أنهم "لم يتخذوا دين (الإسلام) هزواً ولعباً".