هل نجح محمد في توفيقه بين الدين والدولة؟

 

كتب "هارت" (ص 33): "كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي".

أولا: أوشك "جوزيف سميث" أن يحظى بمثل ذلك النجاح، ولكنه قُتل فتبددت آماله وتشتت أتباعه.

ثانياً: إذا كان قصد "هارت" من عبارته عن "نجاح محمد المطلق" فقط تأثير محمد في الدين والسياسة، أي جعله الإسلام ديناً ودولة، فكلامه صحيح.

ثالثاً: يبدو من ملحوظات "هارت" (في مقدمة كتابه) أن "الأكثر تأثيراً ونفوذاً" ليس بالضرورة الأعظم ولا الأفضل ولا الأسمى خُلقاً. ولو كان "هارت" مسيحياً صميماً، فإنه يُنكر إنكاراً شديداً أن يكون محمد هو "الأعظم" أو "الأفضل" لأن المسيحي الحقيقي يدرك محاربة الدين للدنيا والدنيا للدين، ويذكر كلمات السيد المسيح: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا" (مرقس 8: 35) "طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض" (لا لأهل العنف والقتل والغزوات)... "طوبى للمضطهَدين (لا للمضطهِدِين) من أجل الصلاح... طوبى لأطهار القلوب فإنهم سيعاينون الله... الروح مستعد أما الجسد فضعيف. الجسد لا يُجدي نفعاً... هنالك من جعلوا أنفسهم خصياناً من أجل الملكوت... لستم (يا تلاميذي) من هذا العالم كما أني أنا لست من هذا العالم" ويقول يوحنا الرسول: "يا إخوتي لا تحبوا العالم ولا ما في العالم. ما في العالم هو شهوة الجسد وشهوة العين وفخر الحياة".

ونقرأ في الفصل السادس من إنجيل لوقا واضح العبارات التي تدل على العقلية المسيحية التي ترى النجاح الدنيوي إخفاقاً في الدين، والغِنى الدنيوي فقراً روحانياً، والربح في الدنيا خسارة في الآخرة:

لوقا 6: 20 "رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلامِيذِهِ وَقَالَ: طُوبَاكُمْ أَيُّهَا المَسَاكِينُ، لأنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللّهِ" (في حين أن القرآن يصف المال والبنين أنهما زينة الحياة الدنيا ، وقال علي بن أبي طالب: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"!)

آية 21: "طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ"، وهذا مخالف لعقلية الغزو والغنيمة والسبي حيث يشبع الغازي على حساب المهزوم الذي يدفع من ماله وشرفه.

وفي الآيات التالية يهنئ المسيح تلاميذه إذا اضطهدهم الناس. والحق أن في صمود محمد وصحبه أمام الاضطهاد والاستهزاء والمضايقات والتهديدات بالقتل - قبل هجرتهم، خصالاً حميدة لا يُنكرها صاحب ضميرٍ قويم.

أما النجاح "الدنيوي" والشعبية لدى الناس (خصوصاً عندما تتطلَّب مصالحهم تأييد فلان أو علاّن) فقد أدانه السيد المسيح في الفقرة نفسها (لوقا 6: 26) "وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَناً (أي مدحوكم). لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ (أي أجدادهم) يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ".

لذا لا يجوز ل "هارت" إذا كان مسيحياً حقاً أن يقول بنجاح مطلق لمحمد في الدين والدنيا، لأن من نجح هنا (حسب المنطق المسيحي) أخفق هناك، ومن نجح هناك أخفق هنا.

في ص 21 من الترجمة العربية لكتاب "هارت" (ص 39) خطأ كبير في النقل: يكتب "هارت" (ص 39): "على أي حال كان محمد مسؤولاً عن لاهوت الإسلام وعن أهم مبادئه الأخلاقية والأدبية". إلا أن الصفناوي يترجم: "أما محمد (ص) فهو المسؤول عن العقائد الإلهية والمبادئ الأخلاقية". إن "هارت" لم يقصد أن العقائد القرآنية من مصدر إلهي.