شهادة العقل:

آمن جمهور من أهل العلم والفلسفة الأفاضل الذين نبغوا في هذا العصر وما قبله من العصور الخالية، بوجود الله من خلال الأدلّة التي وردت آنفاً. صحيح أنّ هذه الأدلّة ليست من الموادّ التي يمكن أن توزن بموازين البشر أو أن تُفحص بالامتحانات المادّيّة المنظورة، بل هي أدلّة معقولة جدّاً، لأنّها بُنيت على حقائق ظاهرة لعين الإنسان وعقله، نظير ما هو مدرك بالحواسّ الخمس. فإنّ العقل السليم متى نظر إلى الكون وميّز ما فيه من علامات النظام والقصد التي لا تُحصى، يحكم طبعاً بوجود علّة له، وأنّ تلك العلّة عاقلة وحكيمة وقادرة على إيجاد ما يُرى فيه من الغرائب والبدائع. لأنّ نسبة الكون وكلّ غرائبه وما فيه من كائنات حيّة إلى الطبيعة بدون خالق، مخالف للعقل السليم، ولشهادة الطبيعة نفسها التي يصرخ لسان حالها بأنّها مصنوعة لا صانعة. وَأنّ ما حوته من العناصر والحياة وغرائب التركيب والنظام وخواصّ النموّ والتقدّم التدريجيّ إنّما هو صادر عن قوّة خارجيّة ومستقلّة عنها. ولا ريب في أنّ هذه الأدلّة تجد قبولاً عند كلّ المؤمنين، وأنّ كلّ واحد منهم متيقّن ومقتنع ومتمتّع بما له من الأدلّة اليقينيّة على وجود الله. أوّلاً من الكون وما فيه من علامات القصد والقدرة والحكمة. وثانياً من بنية الإنسان الأدبيّة والروحيّة ومن شهادة الضمير. وثالثاً من الكتاب المقدّس وإعلان اللاهوت في شخص يسوع المسيح المتجسّد.