الروح القدس

لا نقصد بالروح القدس الروح المخلوق، بل الروح الأزلي، روح الله. فهو جوهر الله. هو الله جلّ شأنه، (أعمال 5:3 و 4، 1كورنثوس 3:16). وأقنوم الروح ليس بخيال بل هو كيان مميز عن الآب والابن، بيد أنه غير منفصل عن الله، وكما أن روح الإنسان هو كيانه في الصميم أي جوهره بالذات، كذلك روح الله هو الله ذاته أي الله في صميم كيانه أو جوهره بالذات. إن الله حاضر في العالم من خلال روحه، ويعمل في نظام خليقته بواسطة روحه (تكوين 1:2، إشعياء 48:16، 63:6 و 10) كما أنه هو الذي يقود ويدفع خدامه بواسطة الروح القدس ليعلنوا رسالته لعباده، وذلك مصداقاً لقول الكتاب المقدّس: »لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ« (2 بطرس 1:21).

كما أنّ الروح القدس هو الذي يحرك القلوب للإيمان، ويمنح المؤمن قوة عمل المعجزات والتنبُّؤ (أعمال 19:6) ويعطي المصلي ما ينبغي أن يصليه، ويمنح المواهب الروحية المتعددة لكنيسة المسيح (1كورنثوس 12: 4-12)، وهو الذي يبكت ضمائر الخطاة ويدفعهم الى التوبة ويحرك في أعماقهم الدافع لقبول الإعلان الإلهي، ويمنح المطيعين لصوته حياة روحية طاهرة تنسجم وروح الله، (يوحنا 16:8، و غلاطية 6: 16-25)،كما وأنه ينمي مفعول كلام الله في الناس كي يدركوا مقاصده تعالى في حياتهم ويستنيروا بنور هديه. وهو الذي وبيده الحكمة يؤتيها من يطلبها. ويسكب المحبة في قلوب المؤمنين ويعطيهم القوة والغلبة على الشر المحيط بهم، وينصرهم على سلطان إبليس. وهو الذي يقدّس ويطهّر الى التمام، فهو كالبوتقة التي ينصهر فيه المؤمن فيظهر بريق ولمعان الله فيه.

الإنسان لا يستطيع أن يدرك الله بعقله ولا باعتماده على فهمه، لأنّه محدود. لكن الروح القدس هو الذي ينير عقولنا وينزع الظلمة من أفئدتنا والغشاوة عن عيوننا. فنستنير بقبسات من نوره. وهذا العمل لا يستطيعه أي مخلوق، ملاكاً كان أم بشراً، إلا الله وحده. ولا يمكن على الإطلاق أن يكون الروح القدس إشارة إلى أي إنسان كان، إلا إلى الله وحده.

فاسمع ما يقوله الروح القدس عن ذاته: »أُمُورُ اللّهِ لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلَّا رُوحُ اللّهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللّهِ، لِنَعْرِفَ الْأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللّهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لَا بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ. وَلكِنَّ الْإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لَا يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللّهِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً« (1 كورنثوس 2:11-14).

كما أنّ الروح القدس هو المعلم الأكبر في كنيسة المسيح عبر العصور والأزمان، حسب وعد المسيح لاتباعه: »وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الْآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ« (الانجيل حسب البشير يوحنا 14:26)، وبدون الروح القدس لا يقدر إنسان ما أن يقول إن يسوع المسيح هو رب (1كورنثوس 12:3).

ثم أنّ الروح القدس المنبثق من الآب يشهد لعمل المسيح، فنقرأ قول المسيح لتلاميذه: »وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الْآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الْآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لِأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الِابْتِدَاءِ« (الانجيل حسب البشير يوحنا 15:26). فواضح من هنا أنّ الروح القدس هو روح وليس بملاك ولا بشر، بل هو روح منبثق من الله الآب، به يعبر الآب والابن عن نفسيهما ويعاملان البشر من خلاله، وبواسطته يتحد الله بالإنسان والإنسان بالله، فالروح القدس هو الله الذي كلم الإنسان بواسطة الأنبياء وكلم الإنسان بالمسيح، فهو الشاهد في الإنسان المؤمن لله، وهو الذي يقود الإنسان ليعمل ما يرضي الله، وهو ليس بقوة يكتسبها الإنسان المؤمن ليقوم ببعض الأفعال، بل هو قوة الله تملك المؤمن وتقوده لفعل مرضاة الله.