القيامة والحياة الأبدية

الكتاب المقدّس هو وحي الله، وعليه نعتمد فيما يتعلّق بالقيامة والخلود. وهو يعلّمنا أنّه توجد قيامة وحياة بعد الموت، وأنّه في ذلك اليوم سيقوم الأبرار والأشرار، وتقدّم كل نفس حساباً عما فعلت، فيكون الوعد للأبرار والوعيد للأشرار، كما أعلن ذلك المسيح يسوع له المجد حين قال: »وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الْإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. »ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلَاعِينُ إِلَى النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ... فَيَمْضِي هؤُلَاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالْأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ« (الانجيل حسب البشير متى 25:31-34 و 41 و 46).

فمن هنا يتبيّن لنا أنّه في ذلك اليوم العسير، سيكون الجزاء للابرار والعقاب للأشرار الذين رفضوا المسيح يسوع المخلّص الذي بيده ستكون الدينونة، إذ نقرأ في الإنجيل: »لأَنَّ الْآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الِابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الْآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الِابْنَ لَا يُكْرِمُ الْآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ« (الانجيل حسب البشير يوحنا 5:22-23).

والقيامة، كما ذكرها الوحي المقدّس، تختلف كلياً عن تعليم الفلاسفة اليونان أمثال أفلاطون الذي أقرّ بخلود النفس بعدما تتحرّر من سجن الجسد. وكذلك عن تعاليم بعض الفلاسفة المسلمين أمثال الفارابي الذي كان متأثراً بالفكر اليوناني وخاصة بفكر أفلاطون وأفلوطين، عندما قال بعدم بعث الأجساد، لأنّ الجسد هو من عالم العناصر فيبقى فيه، والخلود يكون فقط في عالم العقول المفارقة. كما أنّ تلميذه ابن سينا يتفق مع معلمه الفارابي بعدم بعث الأجساد. ولكنّه يلطف من حدة قول الفارابي بخلود الأنفس العالمة فقط. لقد اعتبر ابن سينا النفس البشرية خالدة بطبيعتها لأنّها جوهر روحاني بسيط، إذ أنّها تستطيع أن تدرك الماهيات، والماهيات بسيطة. هذا ما وصل إليه الفكر الفلسفي بالنسبة للقيامة.

أما بالنسبة للدينونة فقد اتفق ابن سينا مع الفارابي بسعادة الأنفس العالمة، وشقاء الأنفس الجاهلة. والسعادة ستكون بتأمل الحقائق الأزلية في العقل الفعال. والشقاء سيكون بشعور هذه الأنفس بأنّها بعيدة عن هذه الحقائق وعن مصدرها. أما الوحي المقدّس فهو يحدثنا عن قيامة الأجساد، التي ستكون روحانية، فنقرأ قول بولس الرسول: »لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: »كَيْفَ يُقَامُ الْأَمْوَاتُ، وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟«... وَلكِنَّ اللّهَ يُعْطِيهَا جِسْماً كَمَا أَرَادَ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبُزُورِ جِسْمَهُ... ‚هكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الْأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضُعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْماً حَيَوَانِيّاً وَيُقَامُ جِسْماً رُوحَانِيّاً. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ... ‚الْإِنْسَانُ الْأَوَّلُ (آدم) مِنَ الْأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الْإِنْسَانُ الثَّانِي (يسوع) الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضاً، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضاً. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ سَنَلْبَسُ أَيْضاً صُورَةَ السَّمَاوِيِّ« (1 كورنثوس 15:35 و 38، 42-44، 47-49).

والدينونة بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس لن تكون مجرد شعور الأنفس الشقية ببُعدها عن الله، بل سيكون هناك عذاب أليم بعد أن يقف الجميع أمام الديّان. »لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً« (2 كورنثوس 5:10).

فالعدالة الإلهية ستطلب دينونة كل شخص رفض كفارة المسيح واستهان بعمل الفداء. فهؤلاء سيكون جزاؤهم عذاباً أليماً وسيتعذبون في الجحيم. أما الذين قبلوا خلاص الله الذي أعدّه لهم في المسيح يسوع فلهم ميراث أبدي لن يفنى وسيسعدون في عالم الخلود، إنما هذه السعادة لا تُقارن بالسعادة الأرضية ولا بالأمور المادية الفانية كما هو الحال في عالمنا الأرضي، لأن عالم الروح غير عالم المادة الفانية، والدينونة العتيدة كذلك لا تُقارن بآلام الزمن الحاضر ولا بالعالم المادي الفاني المعرض للزوال والإندثار.