شهادة تيموثاؤس إبراهيم
 

درجت العادة عند أبائي  السريان أن يبدأ بعضهم كتابه في القرون الأولى قبل الإسلام بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"،ذلك أن اسم الله برج حصين إليه يركض الصديق و يتمنع. ولشغفي بالتأملات النسكية للأباء الأوائل في الكنيسة فعلت مثلما يفعل بعضهم واستهللت القول ب"بسم الله الرحمن الرحيم".

إسمي إبراهيم .. وكم أعتز باسمي العربي إنه اسم أبي الأنبياء، أبو خليل، ابن الفلاحين البسطاء الذي تربى على الحصيرة واللمبة نمرة خمسة والجبن القريش والمذاكرة على الترعة والجلابية البيضاء التي زلت ألبسها حتى الآن. أحيانا يناديني البعض من الأمريكان باسم "تيموثي" و تعارف الكثيرون على هذا اللقب لي"Timothy Abraham" حرصا على الأمان في فترة ما. إلا أني إبراهيم دائماً وأعتز بذلك.

في طفولتي قبل دخولي المدرسة الابتدائية، اصطحبتني أمي باليد وأودعتني إلى كُتاب القرية. وهناك تعلمنا القراءة والكتابة وحفظ القرآن على يد أحد الشيوخ. و في أخر الأسبوع كان يتقاضى منا (بريزة على بعضها) أي عشرة قروش. وإلى الآن كلما رأيته قبلت يده هذا الشيخ المسلم الجليل. في الكُتاب ترسخ في ذهني وقلبي طاعة الله فاطر السماء والأرض. وما إن بلغت المرحلة الإعدادية حتى أزداد اهتمامي بحلقات الذكر في المساجد. في بداية مشوار التدين، بدأت أحضر حلقات العبادة الصوفية لجماعة سيدي العارف بالله محمد ماضي أبي العزائم. كنا نهيم في ذات الرسول مبتهلين نظرة ومدد يا رسول الله وكان الهيام في حب الله هو الأساس "حتى تقع العين على العين".

وذات يوم عقب صلاة المغرب بمسجد المحطة، أقترب منى رجلان وتعرفا علي، فكان الأول أسمه ( محمد) والأخر (سليمان) قال أحدهم حرماً فردت : جمعاً إن شاء الله . رأيت فيهما طيبة لا أنساها وحرص شديد على إرضاء الله سبحانه وتعالى، متزودين من خير الزاد وهو التقوى. تعرفت على بقية أصدقائهما ، ذلك أنهم قوم تحابوا في طاعة الله ، فبهرني منهم ذلك الترابط العجيب . كانوا من خيرة شباب بلدنا.

 توسموا فِيّ ذلك الولع الشديد بعبادة الله ومقدرتي على الخطابة ولهم أي جماعة الإخوان المسلمين أدين بتنمية موهبة الخطابة و بتشجيعي على الدراسة والتعمق في الدين. ، وبسبب هذا وصلت إلى ما أنا عليه الآن من النور الإلهي الكامل والحق الذي ألقى الله عليه يوم الحشر.

كنت ألقى خطبة تلي خطبة أمير جماعتنا، وذلك في الاجتماع الذي كان يعقد في الاثنين الأول من كل شهر عربي. لا تستغربوا إذا قلت لكم أني بدأت الخطابة في المسجد وأنا لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري. لا لوم علي إن فعلت هذا، الشافعي رحمه الله كانوا يستفتونه وعمره 6 أو 9 سنوات. أذكر أني أول ما وعظت به في المسجد كان حول الطريقة المثلى للاحتفال بالمولد النبوي. كنا نجتمع على الصوم والإفطار في المسجد جماعة إن شاء الله، مقتدين بالرسول في كل شيء حتى في أصغر الأمور" كطريقة مشيه و تعوذه و طريقة الأكل والشرب و الملبس.. الخ".

في يوم فوجئت بأحد أصدقائي يقول لأبى إن إبراهيم أحد الخطباء في الجماعة السنية، و أنه يحضر معهم اجتماعاتهم العلنية و السرية فتضايقت لأن هذا الصديق وشى بي عند أبي لمجرد قيامي بالدعوة إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة في جماعة الأخوان المسلمين.كنا نجول معاً من مسجد إلى مسجد لنشر الدعوة . كم كنت أتمنى لو أن والدي كان حاضراً في المسجد أثناء إلقائي الخطبة.ولكن بعد إفشاء سري لوالدي أصدر والدي إلي التحذيرات و التهديدات المرة تلو الأخرى لعلى أتراجع عن موقفي وأبتعد عن الإخوان المسلمين، لأننا كجماعة أصبحنا معروفين إلى هذا المخبر الذي يدعى محمد الذي ينقل كل أخبارنا و تحركاتنا إلى مباحث أمن الدولة كان يسجل خطبنا من داخل دورة المياه في المسجد، ويسلمها لمكتب أمن الدولة في المنطقة . كنت أشعر بشيء من الزهو بنفسي والأخ عبد الحكيم سالم يسجل خطبي في المسجد، لكن لا أنا ولا أبى كنا فرحانين بأن أسمي وصل أمن الدولة، عندئذ ضاق بوالدي الأمر خوفاً على سلامتي، فذهب إلى الإخوان المسلمين في الجامع وصرخ فيهم أمام الناس أن يبتعدوا عني. ثم أتى إلي وضربني وكسر أسناني في غرفة النوم التي كنت أجلس بها. إلى الآن السن الأمامي مكسور وتحمل ذكرياتي مع الإخوان المسلمين. ولأول مرة في حياتي حرق والدي كتبي الدينية خوفاً علي من ( الجماعة السنية ) ثم حلف والدي على أمي بالطلاق أني لن أدخل جامع السنية هذا مرة أخرى، فأسترحمته أن يأذن لي أن أجلس خارج الجامع حتى أستمع إلى شيوخ الإخوان المسلمين دون أن أنقض يمينه . فكان يجلس إلى جواري خارج المسجد وأنا كلي آذان صاغية أتلقف كل كلمة يقولونها لعلي أظفر برضى الله وأفوز بالجنة خير ظفر.

لم يوقفني التهديد ولا الوعيد عن نشر الدعوة الإسلامية، فكنت أقف بين زملائي في طابور الصباح كل يوم خطيباً إسلامياً جهورياً. في ذلك الحين فرضت الحجاب على أختي وأحجمت عن مصافحة النساء والاستماع إلى الغناء خوفاً من أن يُصب الله الآنك أي الرصاص المسكوب في أذني يوم القيامة كما حذرنا الرسول. تعرضت لكثير من السخرية والاستهزاء من الجيران لاجتهادي على تطبيق القرآن والسنة النبوية بحذافيرها. فما ذنبي إن كانوا قد قالوا لي أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأن (الإسلام هو الحل ) ؟ ! وبأي حق يسخرون إلا لجهلهم بالإسلام الحقيقي، إسلام الكتاب والسنة؟!

وبينما أنا أجاهد على نشر الدعوة الإسلامية خطر في بالي هداية أصحابي المسيحيين إلى الإسلام لعلي أفوز معهم عندئذ بالجنة. و لو سألتني في ذلك الوقت عن رأيي في النصارى لأجبتك بأنهم كفار ومشركين نجسين لا يستحمون يأكلون الخنزير معروفين برائحتهم العفنة. ولكني اكتشفت من داخل القرآن نفسه عكس هذا الكلام لما جاء في سورة المائدة أية 82:[ لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ] . بموجب هذه الآية فصل القرآن ما بين النصارى وما بين الذين أشركوا. فلو كان النصارى من المشركين لما فصل بين الاثنين و خلى النصارى في ناحية والمشركين في ناحية تانية.

أيضاً في سورة البقرة 62 يشهد القرآن للنصارى بالتوحيد والحق: [ إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من أمن بالله واليوم الأخر، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عن ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ]. حاولت إقناع المسيحيين بالإسلام سواء التقيت بهم في المدرسة أو على محطة القطار أو في المناطق المجاورة لنا أو عن طريق المراسلة التي أشعلت الصراع الديني في داخلي و جعلتني أقارن بين الإسلام و المسيحية من فيهم الصواب و من فيهم الخطأ، من فيهم طريق الله و من فيهم طريق الشيطان. لمدة عامين كنت أصارع.. كثير من الأوقات قررت فض هذا الصراع الداخلي بأن أتوقف عن مطالعة الكتب المسيحية والاكتفاء بتلاوة القرآن مع مطلع كل صباح جديد والسير على هدى النبي. أردت راحة البال مطيعاً لله مخلصاً له الدين. حذروني من مخاطر الشك و مطالعة أي كتب غير الكتب الإسلامية. كان المبدأ هو "لا تجادل" و القرآن نفسه يحذرنا من التوغل في بواطن الأمور فيقول "لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسوءكم". التعمق في المعرفة ممكن أن يوصل لما هو ضد الإسلام.

و ترتب على ذلك إني تخلصت من كتبي المسيحية حتى أكون مسلما موحدا بالله.

لكن الله عز وجل لم يتركني وحالي، فكان ينخسني في منامي بروحه القدوس، فإذا ما أويت إلى الفراش لم يهدأ لي بال و لم يرتح لي ضمير، قضيت الليالي الطوال بلا نوم أو راحة.

وتساءلت: " لو أن محمد فعلاً خاتم الأنبياء فلماذا لا يأتي في أخر الأيام بدلاً من المسيح حكماً مقسطاً عدلاً، ويكون بذلك محمد أحد علامات الساعة لا المسيح ؟!!

و ما السر وراء عظمة المسيح من بين كل الأنبياء حتى صار هو مركز التاريخ ؟ ألسنا نقول بأن هذا الحدث التاريخي حصل قبل الميلاد وذاك الحدث حصل بعد الميلاد[ ق.م، ب.م ] ؟ ما السر وراء عظمتك يا حبيبي المسيح ؟

 هذه الأسئلة و أكثر منها جعلتني أقرر عقد مقارنة بين المسيح و محمد [ و بعد وقت من المقارنة اكتشفت أنها مقارنة غير عادلة حتى في القرآن ]. ففي قلب القرآن نفسه لا تجد المسيح يستغفر الله على أية خطية أو ذنب كما فعل باقي الأنبياء والمرسلين، ( لأن المسيح صدق حينما تحدى قادة اليهود قائلاً: " من منكم يبكتني على خطية ؟ في حين أنه هو الذي وبخ اليهود على تقواهم الزائف حينما أمسكوا بامرأة تزني في ذات الفعل، وقال لهم: " من منكم بلا خطية فليرجمها أولاً بحجر " فانصرفوا عنه وضمائرهم تبكتهم). لو أي نبي قال مقولة المسيح "من منكم يبكتني على خطية" لحق وصفه بالغرور لأن كل الأنبياء بشر يخطأون و يستغفرون الله على الذنوب ولا عيب في ذلك. المهم أن المسيح هو الوحيد الذي كان بلا عيب أو ذنب وبالتالي هو الوحيد الذي يحق له أن يتحدى: من منكم يبكتني على خطية؟ من منكم يقدر أن يثبت أي خطية أو ذنب عليّ؟

على العكس من ذلك، وجدت محمد شأنه كشأن باقي البشر بحسب القرآن نفسه مساو لهم في كل شيء في ذنوبه و عدائه للكفار و موته مثل كل البشر، جاء في سورة محمد 47: 19 [وأستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ]، وفى سورة الفتح 48: 2[ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ]، وفى سورة الإسراء 17: 74 [ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً.]جاء في أسباب النزول للإمام السيوطي الآتي: « وأخرج عن محمد بن كعب القرظي : أنه صلى الله عليه وسلم قرأ " والنجم – إلى – أفرأيتم اللاتي والعزى فألقى عليه الشيطان : تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فنزلت وما زال مهموماً حتى أنزل الله : " ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله"الآية.» السيوطي، انتهى. كان هذا سبب نزول الإسراء 73: 74 [ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لا اتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً].

من جهة أخرى، لم أجد في الإنجيل ما يقول إن المسيح كاد أن يركن إلى المشركين لولا أن ثبته الله. السبب في ذلك هو ما تعلمته من دراساتي بأن المسيح هو كلمة الله. كلمة الله لا يمكن أن يركن إلى المشركين. كلمة الله يبطل مشورة المشركين. وبما أن الإنجيل قد دون باليونانية و يعلن لنا أن المسيح هو كلمة الله من زاوية أنه عقل الله المعبّر ..فالمسيح هو عقل الله. والله وعقله ذات واحدة ، لا تجزئة ولا انقسام ولا انفصال. أنت وعقلك واحد. فالمسيح الكلمة المتجسد هو الله الظاهر في الجسد.

كل هذه الأفكار كانت تدور في عقلي، ولكنها كانت تتصارع في قلبي،لأني كنت أخاف أن ينزل علي غضب الله ،( غضب الله الذي ينزل على القوم الكافرين ) لذلك من الأعماق صرخت وأنا ساجد في المسجد و في البيت صرخت و قلت : يا رب اظهر لي الحق . لو الحق مع محمد سأتبعه حتى الموت.

ولو الحق مع المسيح فسوف أتبعه أيضاً حتى الموت وسوف أعيش لك بالكامل والحقيقة اللي ها تظهرها لي ها أنادي بها طول حياتي مهما كلف الثمن.

ظللت أدعو الله بهذا الدعاء حتى تراءى لي المسيح في رؤية في حلم وقال لي بصوته الحنون:

 " أحبك ". تأملت في شدة محبة المسيح المضحية إذ بموته على الصليب قد افتدانا و كفر عن سيئاتنا، وقلت له ودموعي تنهمر على خدي: أحبك: و أعرفك: وأعرف أنك أزلي و أبدي.

كنت كطفل يرقص من شدة الفرح مسبحاً الباري سبحانه وتعالى لأنه وهو قاضي العدل الديان قد قضى أمره عز وجل أن يموت ابنه لئلا نموت في جهنم،ونصير من الخالدين فيها. مات المسيح كنائب عن البشرية وقدم نفسه أضحية نيابة عنا.

لما أنبأ المسيح عن اقتراب آلامه كان هذا يعتبر ضعف في ظاهره بالنسبة لتلاميذ المسيح وهو في الحقيقة قمة الاحترام الإلهي لحرية المخلوق. كان إعلان المسيح عن صلبه بمثابة صفعة عنيفة لحواريي المسيح عيسى ابن مريم، وهذا هو نفس الشعور المنطقي الذي شعر به نبي الإسلام الكريم. لذلك نرى بطرس يثور ثورته على هذا الإعلان من قبل المسيح ويزجر المسيح على هذا الإعلان. هنا ينال بطرس جواب قاسي من المسيح بأنه منقاد وراء "أفكار الناس" دون أفكار الله لأن أفكار الناس تريد التصدي للصليب بسبب صورتهم المشوهة عن الإله الساحق. اشتدت الصفعة حين أتى الجند ووضعوا اليد على مسيح الله دون أن تنشق الأرض و تبلعهم. وكأني ببطرس،في تلك اللحظة الرهيبة،يقوم بحركة يائسة يعبّر فيها عن مرارة انهيار أحلامه،فيستل سيفه و يضرب به أحد خدام رئيس الكهنة فيقطع أذنه. وإذ بيسوع يعاتبه في هذه المرة أيضا فيقول: "اغمد سيفك،فمن يأخذ بالسيف بالسيف يهلك، أو تظنّ أني لا أستطيع أن أسأل أبي، فيمدني في الساعة بأكثر من اثني عشر فيلقا من الملائكة؟...." (متى 26: 52).   

نحن لا نقول إن الله سبحانه وتعالى له ولد من صاحبة والعياذ بالله. كل من يقول إن الله سبحانه وتعالى له ولد من صاحبة ( أي زوجة ) نعتبره كافراً بالله لأنه ما أتخذ الرحمن صاحبة ولا ولداً، نحن نقول إن المسيح ابن الله كولادة النور من النور والشعاع من الشعاع فهي بنوة روحية، فنحن المصريون أبناء النيل ومنها لا نفهم أن النيل قد تزوج. ليست كل بنوة أو ولادة تناسلية لذلك نقول في قانون الإيمان عندنا: " ونؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب، قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للأب في الجوهر به كان كل شئ وبغيره لم يكن شئ مما كان ... في الوقت الذي نشهد فيه أن لا إله إلا الله ولا نشرك بعبادته أحداً. وما هي إلا أسابيع قلائل حتى تعمدت فى السادس من سبتمبر لعام 1987 في بيت قسيس فكانت المعمودية في قلبي تاريخ ميلادي الثاني وأنا أكتب لكم هذه السطور بخط يدي ،و قد مضت خمسة عشر سنة على اعتناقي المسيحية قد أوصيت زوجتي أن يكتبوا على قبرى عندما أموت عبارة

"المسيح متنصر" . أجل كل من في الأرض فان و يبقى وجه المسيح ذو الجلال والإكرام. كل الأنبياء قبورهم موجودة الآن ويحجون إليها أما قبر المسيح فهو فارغ لأن المسيح الآن في السماء ملكًا منتصراً، لأنه بموته على الصليب دان ذاك الذي له سلطان الموت. لك المجد يا حبيبي يا يسوع المسيح أيها الأبدي الأزلي يا من تعلن لن عن كينونة الله سبحانه وتعالى.

قام أقرب أصدقائي بسرقة مذكراتي " الأجندة " وسلمها للأخ سليمان الذي تآمر مع أصدقائي على فضحي ، فدبروا لي مكيدة ، و صوروا مذكراتي التي تشرح إيماني بالمسيح ووزعوها على أهل قريتي من كانوا يجلسون على المقاهي "يشربون الجوزة". و بالفعل فضحوني وجرحوني أنا وأهلي المساكين الذين لا ذنب لهم في كل هذا سوى أني ابنهم. لكنهم أرادوا بي شراً و الرب أراد بي خيراً كما فعل أخوة يوسف الذين رموه في غياهب الجب :فكلمة الله تقول " كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ". في نيتهم أن يفضحوني لكن لما صوروا مذكراتي ووزعوها على الناس أعطوني فرصة لأوصل رسالة الإنجيل أعز ما عندي لأعز الناس،المسلمين أهلي.

و أصبحت عائلتي تشعر بالخزي و العار، فلم تكن والدتي قادرة على السير بين الناس، إذ صاروا يشيرون بأصابعهم عليها بأن ابنها جلب عليها العار وصار مسيحيا، فقالت لي أنها قد تبرأت منى ليوم القيامة. لم يكسر شئ قلبي سوى الجرح و المهانة و الذل الذي سببته لعائلتي و والدتي

و لكن ما الحل ؟ هل هناك حل وسط مادام الإسلام لا يسمح بحرية الاعتقاد رغم أني لم أدخله باختياري وحتى لو دخلت باختياري فدخول الإسلام مش زي طلوعه! ظللت أفكر في وسيلة تناسب جميع الأطراف فلم أجد حل وسط يرضي الجميع،إما نحن مع المسيح أم ضده!

لا: مستحيل أن أترك إيماني بالمسيح، رغم حبي لوالدتي الذي يزداد يوماً بعد يوم مهما ضربتني بحذائها على رأسي ، وفى يوم لبست والدتي الملابس السوداء لإعلان الحداد وقالت للجميع أن أبني إبراهيم مات ،

وذات يوم أجتمع أهل القرية لتعذيبي و ضربي و لاستتابتي لكي أرجع للإسلام و كان ذلك أمام أمي و عائلتي، و ركعت أمي وسجدت على ركبتيها راجية تتوسل إليهم ألا يؤذوني فداسوها بأقدامهم و أمي المسكينة تصرخ تحتهم و هم يقولون ( فضحتمونا..فضحتمونا )، وفي قلب هذا الانتهاك صرخ أحد شيوخ القرية قائلاً:ما ذنب المرأة الضعيفة في ابنها الذي اختار طريق الكفر ، ما ذنب أمه ؟

فأشكر الرب لأنه لولا الريس عبادي، لكنت اليوم في مقابر الشهداء، و بدأ جميع أصحابي في الابتعاد عني لأنهم رأوا أني سأجلب العار عليهم، ويصيرون مشبوهين. ومن هذا الوقت صرت نزيل مشهور في نقطة البوليس و في مباحث أمن الدولة، و كان لابد أن أبيت عندهم حماية لي ولعائلتي من أهل قريتي الذين ثاروا وهاجوا وأرادوا حرق منزلنا، وحرقوا كتبي المسيحية، والبوليس صادر ما استطاع من كتبي و مذكراتي وكأنه يصادر أملاك مجرم مخدرات.

و في ذات يوم كانت توجد رقابة بوليسية حول البيت بما لا يسمح بدخول أي شيء يتعلق بالمسيحية إلى بيتنا و لكن كلمة الله لا تقيد ، فجاءتني كلمة الله في الصفحة الثانية من جريدة "وطني" القبطية المعروفة حيث كانت الطعمية ملفوفة فيها وكان مقال للبابا شنودة كالعادة، ومنه كرر آيات مثل " لا تخف لأني معك " وأيضاً " لا أهملك ولا أتركك ، تشدد وتشجع ، لا ترهب ولا ترتعب ، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب ". آيات من الإنجيل تخترق هذا الحصار البوليسي لتشددني و تشجعني و تعضدني في وقت أنا في ذروة الاحتياج لمعونة الله سبحانه. وصول هذه الآيات إلي برغم الرقابة الشديدة على البيت كان بالنسبة لي علامة أكيدة على أني أسير في الطريق الصحيح و لم أضل الطريق كما أشاعوا عني. البرهان على صحة المسيحية أن الله بنفسه يضع لنا علامات على الطريق تقول لنا إننا ماشيين في الطريق الصح، طريق الله نفسه مش حسب أهوائنا...تصور لما الله بنفسه يأكّد لك على إيمانك!!

في نفس اليوم الذي جاءت فيه ورقة الصحيفة هذه طرق باب بيتنا مخبر من أمن الدولة ومن الرعب قام أحد أفراد أسرتي بخطف الورقة مني بما فيها من آيات التعزية من الإنجيل وحرقها في النار. وفي اليوم التالي وجدت نفس ورقة الصحيفة في الشارع الذي بجوار بيتنا وفيها نفس الآيات. هذه قوة الله الخارقة برغم الحصار و هنا رأيت يد الله في الموضوع بشكل واضح و قوي.

كانت والدتي تستيقظ كل يوم في الرابعة باكرا كل صباح تنوح وتئن ضارعة إلى الله مع آذان الفجر حتى أرجع إلى الإسلام. كان أنينها يمزق قلبي لأن هذه هي أمي، أعز إنسانة في حياتي للأبد، لكن ما العمل؟ هل أترك المسيح حتى أرضيها؟

نعم لا يوجد في المسيحيين شئ أغلى من أمي، أمي عندي أغلى من أي مسلم أو مسيحي لكن هناك من هو أغلى عندي من أمي ومن حياتي بالكامل: وهو سيدي يسوع المسيح. إن كنت لا أحبه أكثر من نفسي فلا أستحق أن يكون لي نصيب معه. جربت والدتي كل حيلة على وجه الأرض لإرجاعي إلى أحضان الإسلام فذهبت إلي الشيخة لكي تعمل لي عمل " أي سحر " ولاسيما إن الجن قد أمنوا بالقران ". لسوء حظ الشيخة إني كنت أصلى إلى الله عز وجل باسم يسوع المسيح ذلك الاسم الذي يرعب الجن بشدة فلم يؤمنوا به لذلك قالت الشيخة لوالدتي هذا الكلام بالحرف الواحد: " أبنك ماشي في طريق عمره ما حا يسيبه، وها يدّنه منصور في الطريق ده طول حياته طول ماهو ماشي فيه".

وقصص عجائب الله معي كثيرة وأتشجع كلما تذكرتها وكلها علامات على الطريق أرى فيها حنان الله الأبوي يحملني من البداية في الطريق التي سلكتها حتى جاء بي إلى هذا المكان لمدة خمسة عشر سنة. والله لم يتخل عني ولو للحظة واحدة .

أختي المسلمة، أخي المسلم: التوراة كانت موجودة على عهد نبي الإسلام صحيحة سليمة بشكل لا يسمح لأحد أن يتهمها بالتحريف أو الفساد. في تفسير سورة المائدة آية 43: "وكيف يحكمونك و عندهم التوراة فيها حكم الله" يقول الإمام ابن كثير الآتي: وقال أبو داود حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن عمر قال أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله إلى القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا يا أبا القاسم: إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم قال ووضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال آئتوني بالتوراة فأُتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبمن أنزلك".

إذا كرّم الرسول التوراة وقال آمنت بك وبمن أنزلك فكيف تكون محرفة؟!

راجع تفسير القرآن لابن كثير ج2 ص 60، مكتبة مصر بالفجالة.

قال أمير الشعراء في حق المسيح:

ولد الرفق يوم عيسى           والمروءات والهدى والحياء

لا وعيد،لا صولة، لا انتقام     لاحسام، لا غزوة، لا دماء

قارن هذه الأبيات بكتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية مع سيرة الرسول لابن هشام و شوف الفرق. هدانا الله إلى الحق أجمعين و ما توفيقى إلا بالله.

إبراهيم











 

الصفحة الرئيسية