قبر المسيح في كشمير |
ملحق 4 |
الباب الأول |
وهو الرد على كتاب: المسيح الناصري عليه السلام في الهند خاتم الخلفاء والاولاياء جري الله في حُلَلِ الانبياءِ ميرزا غلام احمد القادياني المسيح الموعود والمهدي المعهود عليه الصلوة والسلام |
لقد كتب مؤسس الحركة الأحمدية هذا الكتاب باللغة الأردية وترجم إلى اللغة العربية ويحدد في صفحة 14 هدفه قائلاً: "فإنني سأدلل بهذا الكتاب على أن المسيح الناصري لم يُصلب ولم يصعد إلى السماء فلا يرجى نزوله من السماء إلى الأرض، بل أنه توفى بسري نغر (كشمير) بعد أن عمر مائة وعشرين سنة، ودُفن بها في حارة خان يار وأن قبره لموجود هناك.* ويذكر أدلته على هذا الادّعاء كما يلي: في الباب الأول: ذكر المؤلف الأدلة التي في الإنجيل - كما يعتقد- على أن المسيح لم يمت على الصليب، ثم بعد الإفاقة من الإغماء هرب إلى كشمير. * ها هو الكاتب لم يستطع أن يخفي هدفه بل يعلن أنه سيبرهن على أن المسيح لا يرجى نزوله من السماء إلى الأرض وأن المسيح مات ودفن وقبره معروف حتى يستطيع أن يعلن أنه هو المسيح الموعود. وفي ص 42 يوضح ذلك بقوله: " إن في الأناجيل نوعين من الأنباء المتصلة بظهور المسيح، نوع يتضمن الوعد بظهوره في الزمن الأخير وهذا الوعد يتعلق بظهور المسيح الروحاني، وهذا الظهور يشبه تماماً ظهور إيليا الثاني في زمن المسيح، فالمسيح ظهر في العصر الحاضر ظهور إيليا في وقت المسيح، وذلك المسيح الموعود ظهروه في هذا العصر هو أنا العبد المتواضع الذي هو خادم الإنسان، ولقد أخبر بظهوري في الإنجيل، فالمبارك هو الذي يتمسك في قضيتي بالعدل والأمانة احتراماً للمسيح ولا يتعثر. والنوع الثاني من الأنباء المتصلة بظهور المسيح، إنما هو يحتوي على أدلة على حياة المسيح المستمرة بفضل الله ورحمته بعد حادث الصليب الذي أنقذه الله منه". وفي الباب الثاني: أوضح الشهادات التي وجدها في القرآن والأحاديث الصحيحة حول نجاة المسيح من الموت. وفي الباب الثالث: ذكر الشهادات المأخوذة من كتب الطب "مرهم عيسى". وفي الباب الرابع : ذكر الشهادات المستمدة من التاريخ وذلك في فصول ثلاثة: الفصل الأول: الأدلة من خلال الكتب التاريخية الإسلامية. الفصل الثاني: الأدلة من خلال الكتب التاريخية البوذية. الفصل الثالث: شهادة الكتب التاريخية على ضرورة مجيء المسيح إلى فنجاب. وفيما يلي سوف نناقش هذه الأدلة لنعرف مدى صحة دعواه: الباب الأول: أدلة المؤلف -من الإنجيل-على عدم موت المسيح وهروبه إلى كشمير (1) الرد على أدلته على نجاة المسيح من موت الصليب فيما يلي سوف نورد أدلته على عدم موت المسيح على الصليب، وهي الأدلة التي تعتمد على النصوص التي جاءت في الكتاب المقدس، وحيث أنه قد سبق لنا الرد على معظم هذه الأدلة في كتب سابقة لذلك سوف نورد هذه الأدلة مرتبة حسب التسلسل الطبيعي للأحداث ثم نرد عليها، أو نشير إلى موضع الرد عليها في الكتب السابقة: أولاً: أحداث ما قبل الصليب 1 - أقوال المسيح لقد ذكر الكاتب بعض أقوال المسيح وأوّلها بما يخدم أغراضه مثل: أ - قول المسيح في الإنجيل: "إنني بعد استردادي الحياة سأسبقكم إلى جليل" مت 26: 32. وهذه الآية تبين جلياً أن المسيح رحل إلى جليل بعد خروجه من القبر، ولم يصعد إلى السماء والمراد بـ "استرداد الحياة في كلام المسيح، ليس أنه بُعث بعد موته، بل بما أنه كان قد قُتل على الصليب عند اليهود وسائر الناس، فلذلك استعمل المسيح مثل هذه الكلمات باعتبار ما يكون من مزاعمهم، والحق أن الرجل الذي صُلب، ودقت الأوتاد في يديه ورجليه، حتى أنه أغمى عليه من شدة الألم وصار كالأموات، إذا صحا من مثل هذه الآلام، فليس قول: "إنه عاد إلى الحياة بمبالغة"، إن نجاته من هذه الكارثة معجزة بلا مراء، ولم يكن بأمر عادي، لكن ليس من الصحة في شئ أن نزعم بأنه كان قد ُقتل في الواقع، وإن كانت الأناجيل تتضمن مثل هذه الكلمات، وليس ذلك إلا خطأ لمؤلفي الأناجيل كأخطائهم الكثيرة في تسجيل الحوادث الأخرى(1). التعليق: مت32:26 قول المسيح: "ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل". لقد أجمع المفسرون (2) على أن هذا القول هو نبوة قالها المسيح مخبراً تلاميذه عن قيامته من الموت، وقد كانت هذه المرة الثالثة التي يخبر فيها المسيح تلاميذه بذلك، وقد اختار المسيح الجليل، لأنه المنطقة التي منها معظم التلاميذ، وهناك قد بدأ كرازته وقد ظهر المسيح بعد قيامته لتلاميذه أولاً في أورشليم ثم بعد ذلك في الجليل. - والكلمة كما جاءت في الأصل اليوناني تعني قيامة من الموت. وإذا كان المؤلف قد ترجمها "استرداد" فاعتقد أن هذه الكلمة تعني استرد شئ بعد أن فقده، أي أن المسيح مات ثم استرد الحياة مرة أخرى وقام من الموت. - إن المسيح قال هذا القول قبل حدوث الصلب، وهذا يؤكد أنه ليس كما يزعم أو يظن اليهود أو سائر الناس، لأن الحدث لم يكن قد تم بعد وهذا نبوة سابقة عنه. - أن هناك كثير من الأدلة والبراهين الكتابية التاريخية والمنطقية التي تؤكد حقيقة موت المسيح (3). - إن اتهام المؤلف بأن هذا خطأ من كتبة الأناجيل، وهو اتهام غير صحيح وهذا ليس موضع الرد عليه. ب - قول المسيح في مت 16: 28، لو 21: 22 ويتضح من هذه الآيات بكل وضوح أن المسيح كان وعد بأنه سيعود قبل أن يموت بعض الحاضرين في وقت الوعد، ومنهم يوحنا، فكان لا بد أن يتحقق ذلك الوعد.. وهذه الأنباء بظهور المسيح يحتوي على أدلة على حياة المسيح المستمرة بفضل الله ورحمته بعد حادث الصلب الذي أنقذه الله منه (4). التعليق: مت 16: 27-28: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته". يو22:21. فقال له(لبطرس) يسوع إن كنت أشاء أنه (يوحنا) يبقى حتى أجئ فماذا لك؟". عندما نقرأ الآيات التي تتحدث عن مجيء المسيح يجب أن ندرك أن بعض هذه الآيات يتحدث عن المجيء الثاني للمسيح حرفياً، والبعض الآخر يعني مجيء ملكوته. والقرينة هي التي توضح لنا المجيء المقصود، وفي مت16: 27-28. نرى أن قوماً من الذين سمعوا قول المسيح "لا يذوقوا الموت" أي لا يموتون وإذا كان البعض لن يموتوا "حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته" فالمعنى المتضمن أنهم سيموتون بعده، وهذا لا يمكن أن يكون بعد المجيء الثاني للمسيح (5)، وبالتالي فهذا النص يعني مجيء ملكوته. "إن أتيان الملكوت يتم بصورة تدريجية مستمرة بدءاً من قيامة المسيح حتى اكتماله بمجيء المسيح الثاني لأن ملكوت الله لا يحده يوم واحد بالذات، لكنه يأتي على أدوار، وفي أيام متتابعة أشبه شئ بالحقب التاريخية"(6) "وعندما يقول متى (آتياً في ملكوته): أي في عظمته وبهائه الملكي كقوله في بشارة مرقس (أتى بقوة) مر9: 1، وفي لوقا (يروا ملكوت الله) لو9: 7. فالمراد أنه يظهر في أثناء حياة بعض الحاضرين أدلة قاطعة على أنه تأسس على الأرض الملكوت الذي أنبأ به الأنبياء والمسيح نفسه. وفي أمر الأتيان ثلاثة آراء: 1 - إنه تجلى المسيح الذي حدث بعد ذلك بستة أيام، وكان هذا التجلي عربون مجيئه الثاني ويوافق هذا الرأي قول بطرس وهو يشير إلى حادثة التجلي "وعرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه.. معاينين عظمته" 2بط1: 16. 2 - حلول الروح القدس يوم الخمسين وتنصير ثلاثة آلاف من اليهود وتأسيس الكنيسة المسيحية وقتئذ ونجاح الإنجيل على أثر ذلك. وهذا كله دلالة واضحة على أنه قد أتى الملكوت الجديد وأن المسيح مارس وظيفته باعتبار كونه ملكاً روحياً. 3 - خراب أورشليم الذي حدث بعد هذا بنحو أربعين سنة، فإن الخراب كان نهاية كل ما يتعلق بالنظام الموسوي ورمزاً إلى مجيئه في اليوم الأخير" (7) ومن الواضح أن المقصود هنا هو "دينونة الأمة اليهودية بالخراب الذي حلّ بأورشليم والهيكل بيد تيطس القائد الروماني في سنة 70م، إتماماً لقول المسيح لليهود "هوذا بيتكم يترك لكم خراباً" مت 23: 38. ولا شك في أن معاقبة أورشليم بالخراب كان دينونة إلهية وبهذا المعنى فإنه كان مجيئاً لابن الإنسان إلى المدينة التي رفضته لمعاقبتها بالهلاك. وربما يتساءل شخص قائلاً: وإذا كان الجزء المكمل من النص يتحدث عن مجيء ابن الإنسان مع ملائكته للمجازة فهذا يعني أن الجزء المكمل سوف يحدث في يوم الدينونة. علينا أن نلاحظ أن الكلام عن مجيء ملكوت المسيح بالقوة -كما في خراب أورشليم- يأتي مرتبطاً بالحديث عن مجيء المسيح الثاني في انقضاء العالم، لأن المسيح جعل من كلامه عن خراب أورشليم رمزاً لمجيئه الثاني في نهاية العالم. فيكون قضاء الله الذي حل على أورشليم عند خرابها سنة 70م مثالاً وصورة مصغرة لما سوف يحدث عند مجيئه الثاني، وبالتالي فأن علامات يوم الرب التي تتم في خراب أورشليم سوف تتكرر بصورة أكثر وضوحاً وشمولاً واكتمالاً عند مجيئه الثاني للدينونة العامة (8). إذن فالمقصود من النص ليس عودة المسيح شخصياً بل أن يموت بعض الحاضرين كما يرى ميرزا غلام أحمد بل آتيان ملكوت المسيح وهذا تم هنا بخراب أورشليم بعد حوالي ثلاثين عاماً من حادثة صلب المسيح، والذي قد عاصره بعض الأشخاص الذين سمعوا المسيح عندما قال "إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته" وبالتالي فهذا النص لا يعني إنقاذ المسيح من موت الصليب واستمرارية حياته على الأرض كما يرى مؤلف كتاب المسيح الناصري في الهند. أما النص الثاني والذي استند إليه المؤلف فهو قول المسيح لبطرس: "إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك" لو21: 22 لا يعني بالمرة ما قصده المؤلف، وإذ نقرأ النص بأكمله نجد أنه ينفي بقاء يوحنا حتى مجيء المسيح بأي صورة من الصور التي ذكرناها. "فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه وهو أيضاً الذي اتكأ على صدره وقت العشاء. وقال يا سيد من هو الذي يسلمك. فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع: يارب وهذا ما له, فقال يسو: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك؟ اتبعني أنت. فذاع هذا القول بين الأخوة إن ذلك التلميذ لا يموت. ولكن لم يقل يسوع أنه لا يموت. بل إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك؟"يو21: 20-23. فالمسيح يقول إن كنت أشاء، ففي سلطانه بقاء يوحنا حتى مجيئه ولكنه لم يفعل ذلك. ومما لا شك أن يوحنا كان معاصراً لأحداث تتعلق بمجيء ملكوت المسيح مثل قيامته وصعوده للسماء، وحلول الروح القدس يوم الخمسين وخراب أورشليم. وليس في النص دليل على عدم موت المسيح على الصليب. وهناك أيضاً قول آخر يرتبط بهذا الموضوع، سوف نوضح المقصود منه، فقد جاء في مت 10: 23 "الحق أقول لكم لا تكمّلون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان". هل نستخلص من هذه الآية أن المجيء الثاني ليسوع المسيح سيتحقق إبان فترة حياة سامعيه؟ إن المقصود بالمجيء هنا، ليس مجيء ابن الإنسان إلى الأرض، بل إلى الله ليتسلم سلطاناً (9)، ويكتب الرسول مرقس هنا أنه بين الأشخاص الذين يسمعون كلام المسيح "قوم لن يموتوا حتى يروا ملكوت الله آتياً بقوة" مر9: 1 وقد تم هذا بصورة مجيدة إذ أنه بعد ثلاثين عاماً من حادثة الصلب، انتشرت رسالة الإنجيل ووصلت إلى روما التي كانت قلب العالم في ذلك الزمن، لقد آتي ملكوت الله بقوة واكتسح البلدان وعمّر قلوب البشر وشهد بذلك قوم ممن عاشوا مع يسوع (10). ويرى البعض أن المقصود هنا هو خراب أورشليم الذي تم في سنة70 م (11) ولكن ماذا يعني: "تكمّلون مدن إسرائيل"؟ إن عبارة مدن إسرائيل تعبير جغرافي، ولا تعني كل المجتمعات اليهودية (بما في يهود الشتات)، وفي هذا النص يتحدث عن إرسالية الجليل يبدو أن المقصود به هو فلسطين، بيد أن ليس من الواضح ما هو معنى تكمّلون هذه المدن، والاقتراحات في هذا الصدد تتضمن: 1 - الكرازة بالإنجيل في كل مدينة. 2 - قبول كل إسرائيل بشارة الإنجيل (رو11: 26). 3 - استنزاف كل الأماكن الممكن اتخاذها ملاذاً من الاضطهاد(12). 4 - أراد بذلك أن تلك المدن كانت كثيرة وكافية لأن يبشروا أهلها بالتتابع وهم يعتزلون ما فيها من الاضطهاد، وأنهم لا يفرغون من تعليمهم فيها حتى يرفع الخطر ويؤسس ملكوته(13). ج - آية يونان: "وكما أن يونس بقي حياً في بطن الحوت، فهذا دليل على أن المسيح لم يمت على الصليب، لقد أشار المسيح بهذا المثل إلى أنه سيخرج من بطن الأرض إلى قومه فيجتمع بهم، ويُكرم فيهم كما تكرّم يونس في قومه، فإن ذلك النبأ قد تحقق، لأن المسيح بعد أن خرج من بطن الأرض رحل إلى شعوبه الضالة الحالة بأودية كشمير (14). التعليق: لقد جاء النص المقتبس في إنجيل متى كما يلي: "حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا ُتعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا" مت 12: 38-41. إن تشيبه المسيح نفسه بيونان ليس فيه أي دليل على أنه كما كان يونان حياً في بطن الحوت أن المسيح لم يمت على الصليب، لأن (القاعدة البيانية في التشبيه أن المشبه لا يكون مثل المشبه به في كل دقيقة، ولكن يكفي وجه شبه واحد بينهما)، فإذا قلت أنه كالأسد فليس معنى ذلك انه يعيش في غابة أو ذو لبد، وإنما يكفي أن يكون وجه الشبه الشجاعة(15). فلا يجوز المقارنة بين المشبه والمشبه به من كل النواحي، بل يكفي شبه واحد بينهما ووجه الشبه المعلن هنا هو: كما كان يونان آية لأهل نينوى فإن المسيح آية لهذا الجيل، وكما حمل يونان رسالة الله لأهل نينوى هكذا حمل المسيح رسالة الله لذلك الجيل(16). أما القول بأن المسيح بعد أن خرج من بطن الأرض رحل إلى شعوبه الضالة الحالة بأودية كشمير فسوف يأتي الرد عليه فيما بعد. (2) صلاة المسيح لنجاته من الموت "جاء في مت 26: 36-46 إن المسيح الناصري عندما تلقى الخبر بإلقاء القبض عليه ظل يتضرع في حضرة الله ساجداً باكياً ومبتهلاً طوال الليل، وكان من اللازم أن يُستجاب ذلك التضرع والابتهال الذي اُتيح له وقت طويل، لأن سؤال المقربين.. لا يرد أبداً.. ويتبين من الإنجيل أن المسيح كان واثقاً من استجابة دعائه، وكان يعوّل على ذلك تمام التعويل، ولذلك حينما ُقبض عليه وعُلق على الصليب، ولِمَ يجد الآثار البادية محققة لرجائه، عندئذ لم يملك نفسه من الصياح فجأة: اللهم إلهي وربي لمّ خذلتني، أي لم أتوقع أن يكون مصيري الموت على الصليب، وكنت متيقناً بأنك ستسمع دعائي، فالآن يتبين من كلا الموضعين في الإنجيل أن المسيح كان متأكداً من صميم فؤاده أن دعاءه لن يضيع أبداً. لقد علم المسيح حواريه قائلاً: ادعوا الله يستجيب لكم.. لذلك فإن رفض دعاء المسيح نفسه أمر كان له تأثير قبيح في نفوس الحواريين.. لأنهم رأوا بأعينهم أن دعاء نبي مقدس مثل المسيح الذي ظل يدعو به طوال الليل ذهب أدراج الرياح، الأمر الذي كان يدفعهم نحو ابتلاء عظيم، ولذلك كان من مقتضى رحمة الله أن يُستجاب دعاؤه بالتأكيد. وإذا كان الله قد كتب على نفسه أن يستجيب لأحبائه، ويرد كيد أعدائهم في نحورهم، فما الذي دعاه إذن إلى رفض دعاء المسيح" (17). التعليق: 1 - إن القول بأن المسيح ظل يتضرع طوال الليل باكياً بعيد كل البعد عن الحقيقة، حيث أن هذا الوقت أقل من ساعتين، حيث أنه قد تم القبض على المسيح في حوالي منتصف الليل (18)، ولم يكن المسيح في صلاته باكياً وإن كانت نفسه حزينة جداً (مت 38:26)، وكان يصلي في جهاد ولجاجة وصار عرقه كقطرات دم (لو44:22). 2 - إن صلب المسيح، لا يعني عدم استجابة صلاته، لأن المسيح كان عارفاً كل الأمور التي تتعلق بموته على الصليب، فلم يكن هذا حادثاً غير منتظر ولا مخيباً لآماله وتوقعاته، بل لقد أعلن المسيح عن: أ - موته الفدائي: (مت 20 : 28، يو3 :14-17، يو51:6، يو10:10). ب - كيفية موته: (يو12: 32-33، يو3: 14). ج - ساعة موته: (يو7: 6-9، يو13: 1، مت26: 21-22، 47-50)(19) والسؤال إذا كان المسيح عارفاً بكل هذا، فلماذا صلى؟ وما هو مضمون هذه الصلاة؟ وهل طلب في صلاته إنقاذه من الموت؟ وهل اسُتجيبت هذه الصلاة؟ *لماذا صلى المسيح؟ إن المسيح كلمة الله المتجسدة كان مشاركاً لنا في اختباراتنا البشرية -ما عدا الخطية- لذلك نراه يحزن ويصلي، ففي مواجهة شبح الصليب الرهيب، والالتقاء مع الموت وجهاً لوجه في ميتة قاسية صلى المسيح، لأن الشجاعة الحقيقية لا تستلزم عدم الخوف بل تقتضي أن نسير في طريق التضحية والموت حتى النهاية ولو ساورنا الألم والخوف، وهنا تكمن الشجاعة، أي نعمل عمل الله رغم وجود مشاعر الخوف والألم والحزن. * هل طلب المسيح إنقاذ نفسه من الموت؟ نعم، المسيح كإنسان صلى: "يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك" لو22: 42. "أيها الأب نجني من هذه الساعة، ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" يو27:12. فالمسيح صلى وطلب من الآب إن أمكن لا تأتي عليه هذه الآلام، ولا لوم عليه في ذلك لأنه لا يليق به أن يرغبها في ذاتها، فمن كماله طلب عبورها عنه، ولكن من كماله أيضاً قبلها بحسب مشيئة الآب(20). فالمسيح صلى ولكنه أخضع إرادته لله عالماً أنه لهذا قد جاء، ولست أدري إذا كنت أجانب الصواب فأقول إن صلاة المسيح كانت تعني: "اللهم لا أسألك رد القضاء بل اللطف فيه"، فالمسيح لم يسأل رد قضاء الله بموته على الصليب، بل ربما سأل مقدرة على المواجهة والاحتمال. إذن فصلب المسيح لا يعني عدم استجابة دعاءه، وليس له تأثير قبيح على تلاميذه، ولم يكن في ذلك أي خيبة لآمال المسيح وتوقعاته وأحياناً يكون من مقتضى رحمة الله الاستجابة للصلاة ولكن ليس بالطريقة التي نطلبها أو النتيجة التي ننتظرها، بل وأحياناً يكون من مقتضى رحمة الله عدم الاستجابة للصلاة بالمرة وليس في ذلك رفض أو عدم قبول من الله لنا، ولكن لأنه يعلم ما هو الأفضل بالنسبة لنا، لأن كل شئ مكشوف وعريان أمامه ولأن كل الأمور تعمل للخير للذين يحبون الله (رؤ8: 28). إن استجابة صلاة المسيح، كانت بإتمام قصد الله الأزلي وهو موته على الصليب فداء للبشرية (يو16:3). * أقوال المسيح على الصليب إن قول المسيح على الصليب لم يكن "اللهم إلهي وربي لمّ خذلتني"، لأن صلبه قد تم، بل قال: "إلهي إلهي لماذا تركتني" مت46:27. إن يسوع كان يردد كلمات العدد الأول من مز 22، لأن هذا المزمور وإن كان يبدأ بوصف الآلام المروعة، ولكنه ينتهي بثقة عظيمة وانتصار (مز22: 22-24). وقد قيل أن يسوع كان يردد كلمات هذا المزمور تصويراً لحالته واعلاناً لثقته الكاملة بالله، لأنه يعلم أن الآلام التي يجتازها ستنتهي بالنصر، فهي صرخة الانتصار وليس فيها أي دليل على خيبة الأمل والصلب دون توقع (21). ولكن الكاتب قال مثل هذه الأقوال حتى يصل إلى النتيجة التالية: إن الله يستجيب إلى صلاة محبيه، والمسيح يصلي لينقذه الله من الصليب وحيث أن المسيح قد صُلب فعلاً، إذن إنقاذه كان بعدم موته على الصليب، وهذا ما سوف نرد عليه بوضوح خلال هذا الكتاب. (3) الموت بمعنى الإغماء: "إن الأناجيل نفسها تتضمن مثل هذه الاستعارات، كما قيل لميت أنه نائم، فهل من المستبعد إذن أن يُسمى الإغماء بالموت.. ولأن كلام النبي لا يمكن أن يشوبه الكذب" (22) التعليق: إن ما أشار إليه المؤلف ولم يذكره جاء في الكتاب المقدس مرتين، ولأننا لا نخشى من البحث والتنقيب وهدفنا الوصول إلى الحقيقة، فسوف نلقي بعض الضوء على كلا الحدثين: 1 - "وفيما هو يكلمهم بهذا إذا رئيس قد جاء فسجد له قائلاً: إن ابنتي الآن ماتت. لكن تعال وضع يدك عليها فتحيا، فقام يسوع وتبعه هو وتلاميذه.. ولما جاء يسوع إلى بيت الرئيس ونظر المزمرين والجمع يضجون. قال لهم: تنحوا، فإن الصبية لم تمت لكنها نائمة، فضحكوا عليه. فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها. فقامت الصبية، فخرج ذلك الخبر إلى تلك الأرض كلها" مت 9: 18،19،23-26، انظر أيضاً مر5: 21-43، لو 8: 40-56. "لم تمت ولكنها نائمة" ما هو المقصود بهذا القول؟ - إن كلمة "Katheudo" ومعناها نائمة تستعمل عادة في العهد الجديد بمعناها الحرفي وهو الموت، أو المعنى المجازي ويقصد بها الكسل الروحي (وليس الإغماء). أما الكلمة التي تترجم حرفياً بالنوم فهي "Koimaomai "(23) - إن استعارة النوم للموت مجاز شائع في أكثر لغات الأرض، ولكن هذا ليس إنكاراً لحقيقة الموت، أو إفراغاً لهذه الكلمةمن مضمونها، فقد ذكر في العهد القديم "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض، يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي" دا12: 2. وتكرر هذا في العهد الجديد: "إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين.. والأموات في المسيح سيقومون أولاً" 1تس4: 15،16. وقيل عن استفانوس أنه رقد (أع60:7). فالموت في الفكر المسيحي هو نوم أو هو انتقال من حياة إلى حياة أخرى. * لماذا قال المسيح إنها نائمة؟ - أغلب الظن أن يسوع قال هذا ليهدئ من روعهم، أو ليؤكد لهم أن الموت أمامه ليس إلا نوماً يسهل إيقاظ الإنسان منه (20). إن ما يعتبره الناس موتاً هو في نظر يسوع مجرد نوم، وذلك لقوله "لعازر حبيبنا قد نام" يو11: 11-14، رغم أنه قد مات منذ أربعة أيام ولا يمكن أن يكون نائماً أو مُغمى عليه. أو ربما يكون قصد المسيح في كل الحدثين أن موتهما وقتي ولن يستمر طويلاً لأنه سوف يقيمهما من الموت. والدليل على أن الصبية قد ماتت: 1 - قول والدها: إنها ماتت. 2 - عندما قال يسوع للجميع إنها نائمة ضحكوا عليه لأنهم أخذوا أقواله بالمعنى الحرفي، وهم كانوا عارفين أنها ماتت لو8: 53 (35) قبل مجئ المسيح للبيت. 3 - قال البشير لوقا بعد أن أقامها المسيح "رجعت روحها" وهذا يؤكد موتها. ملحوظة: هناك فرق بين النوم والإغماء، ولم يقل أحد أن المسيح نام على الصليب، حتى يقال أنه مات وعُبر عن الموت بالنوم، ولكن قيل أنه مات، والموت لا يمكن أن يكون مجازاً عن الإغماء، لذلك فهذا النص الكتابي ليس سنداً للمدعي في ادعائه. (2) قضية إقامة لعازر من الموت (يو11: 1-46) جاء في هذه القصة تعبيران يمكن إساءة فهمهما: ع 4 "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله". ع 11 "لعازر حبيبنا قد نام. لكني أذهب لأوقظه". عند مرض لعازر أرسلت أختاه تخبران المسيح بمرضه: فقال يسوع" هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله" يو4:11. "لقد قال المسيح هذا بناءً على معرفته وعلى قصده أن يقيمه، فلم يقل إن لعازر لا يموت أو سوف يُغمى عليه ثم يقوم، بل ما قصده أن نتيجة هذا المرض ليس الموت المستمر بل هو موت وقتي ولهدف أسمى وهو إعلان مجد المسيح عندما أُقيم لعازر من الموت، وبعد يومين قال المسيح لنذهب إلى اليهودية لأن "لعازر حبيبنا قد نام. لكني أذهب لأوقظه. فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى" لقد فهم التلاميذ هنا أن النوم يعني المرض. ولكن يسوع كان يقول عن موته. وقال لهم بكل وضوح "لعازر مات "أي أن المسيح كان متأكداً من موت لعازر ولكنه أشار إلى هذا بأسلوب لطيف، وعندما ذهب يسوع إلى بيت عنيا كان له أربعة أيام في القبر (يو11: 17). وقد أكدت موته أختاه مريم ومرثا (يو11: 21،32)، وشهد بذلك اليهود الذين أتوا للعزاء (يو11: 31،37). ثم ذهب يسوع إلى القبر وأقام لعازر من موته (يو11: 43-44). إن المسيح عبر عن موت لعازر بالنوم "وكثيراً ما عُبر في الكتاب المقدس عن الموت بالرقاد ومن ذلك ما جاء في (تث 16:31، دا2:12، مت 24:9، 52:27، أع60:7، 36:13، 1كو39:7، 11: 3، 15: 6-18،51، 1تس 4: 13-14، 21:5). ومرور أربعة أيام على لعازر في القبر يدفع توهّم أنه قد أغمي عليه ولم يمت حقيقة. وكما أوضحت فيما سبق أنه عُبر عن الموت بالنوم وليس بالإغماء، ولم يقل أحد أن المسيح نام على الصليب، بل قيل صراحة أنه مات، ولا يمكن أن يكون هنا استعمال مجازي لكلمة النوم للتعبير عن عدم الموت ولهذا فالدعوى لا تقوم على أي دليل. (4) لعنة الصليب "إن النجاة من الموت الصليبي كانت لا بد منها، إذ ورد في الكتاب المقدس، ملعون كل من عُلق على خشبة الصليب، واللعنة كلمة تتضمن معنى من الظلم الشديد والتعسف البواح أن نصف به أصفياء الله من أمثال المسيح عيسى بن مريم" (26). التعليق: مما لا شك فيه أن المؤلف يشير هنا إلى ما جاء في تث21: 22-23 "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فُقتل وعلقته على خشبة. فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً". التعليق: في الشريعة اليهودية من يُعلق على الصليب، كان يُقتل أولاً رجماً بالحجارة، أو بأي طريقة أخرى حسب نصوص الشريعة أو حكم القضاة، ثم تُعلق جثته على عمود من الخشب أو على شجرة، أو على صليب تشهيراً بذنبه، ولكي يراه الكثيرون فيعتبرون. وقد قضت الشريعة أن الذي يُقتل وتُعلق جثته تُنزل من على الخشبة في نفس اليوم الذي عُلق فيه وتُدفن وذلك: "لأن المعلق ملعون من الله" أي واقع تحت غضبه، ومحروم من بركته لأنه كسر ناموسه وتعدى عليه بعمله الفظيع الذي استحق عليه لا الموت فقط، بل التشهير أيضاً (27). أي أن: 1 - اللعنة ليست لأن الشخص معلق على الخشبة، لكن لأنه كسر الوصية، فتم فيه حكم الموت حسب التشريع ثم عُلق على الخشبة. 2 - كون المسيح قد علق على خشبة الصليب، فهذا لا يعني أنه ملعون، لأنه هو قدوس لو35:1 "لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه مكر" 1بط22:2. ولكنه تمم حكم الناموس بأن "افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة، لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع" غل3: 13-14. فالمسيح قد افتدانا، بدفعه فدية ليستردنا من اللعنة الناتجة عن فشلنا في تتميم وصايا الناموس فإننا: "كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" إش6:53، وهذا هو مبدأ النيابة العام الذي يعامل به الخالق القدوس جميع أبناء الجنس البشري (28). فالمسيح قد حمل خطايانا ومات فداء عنا، تحمل اللعنة، لكي تتحقق البركة، وقد فعل ذلك حباً وطواعية باختياره.(29). ويرى جون ستوت: "إن ما بدأ لناقدي المسيح أمراً مخزياً، بل بغيضاً، رآه أتباعه أمراً مجيداً للغاية.. إلا أن أعداء الإنجيل لم يشاركوا هذه النظرة،.. وليس ثمة شرخ بين الإيمان وعدم الإيمان أعظم من الشرخ القائم بينهما من حيث موقف كل منهما تجاه الصليب، فحيث يرى الإيمان مجداً، لا يرى عدم الإيمان سوى الخزى، إن ما بدا لليونانيين جهالة، ويظل كذلك في نظر المفكرين العصريين الواثقين بحكمتهم، إنما هو حكمة في نظر الله، وما يظل عثرة في نظر الواثقين ببرهم الذاتي كيهود القرن الأول قد ثبت أنه قوة الله المخلصة 1كو1:18-25 (30)، إن عثرة الصليب كانت وما زالت قائمة، لكن ما يحسبه الآخرون جهالة، هو في نظر الله قوة وخلاص. (5) عدم رغبة بيلاطس الوالي الروماني في موته: "إن بيلاطس.. لم يرد قط أن يصلب المسيح، كما يتبين من الأناجيل جلياً أن بيلاطس أراد مراراً أن يطلق سراح المسيح... لذلك احتال لإنقاذ المسيح بحزم وحكمة، فأولاً: أنه أجل صلب المسيح إلى يوم الجمعة، ثم أخره إلى أواخر ساعاته، حتى لم يبق من النهار إلا بضع ساعات، وكانت ليلة السبت الكبير تهدد بالظهور، وإن بيلاطس كان على علم واثق بأن اليهود نظراً لأحكام شريعتهم لا يمكنهم إبقاء المسيح على الصليب إلا إلى غروب الشمس وأن سبتهم يبدأ بعد المغرب.. إن هذه الخطة كانت حيلة لإنقاذ المسيح من تحطم العظام(31). التعليق: إن قول المؤلف أن بيلاطس أراد مراراً أن يطلق سراح المسيح هو قول صحيح، ولكن المؤلف لم يوضح لنا السبب في ذلك، وإذ نرجع إلى إنجيل يوحنا نجد: 1 - عندما جاء اليهود بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، سألهم بيلاطس عن شكواهم، وكان يظن أن هذا يتعلق بأمورهم الدينية، ولذلك قال لهم: "خذوه أنتم وأحكموا عليه حسب ناموسكم" يو 18: 31 وجوابهم أظهر نواياهم، فقالوا له: "لا يجوز لنا أن نقتل أحد" يو31:18، ثم دعا يسوع وسأله ولما تأكد من براءته، قال لهم: "أنا لست أجد فيه علة واحدة" (يو18: 38)، وحاول أن يطلق سراح المسيح كعادته بإطلاق أسير في الفصح، لكنهم رفضوا وطلبوا إطلاق سراح باراباس. 2 - ثم جلد المسيح وأخرجه مؤكداً لهم مرة ثانية: "إني لست أجد فيه علة واحدة" يو 4:19. وعند ذلك طلب اليهود صلب المسيح، فقال لهم بيلاطس: "خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة" وطلبوا بقتله حسب ناموسهم لأنه جعل نفسه ابن الله" لو7:19. أي أنهم وجهوا إلى المسيح اتهاماً دينياً، وبسؤال المسيح مرة أخرى تأكد من براءته، وكان بيلاطس يطلب أن يطلقه، "ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين: "إن أطلقت هذا، فلست محباً لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر" يو12:19. أي أن اليهود عندما رأوا أن التهم الدينية لا تهم بيلاطس، غيرّوا الاتهام إلى اتهام سياسي، وعند ذلك دب الخوف في بيلاطس، فأسلم المسيح ليصلب في حوالي الساعة الثانية عشر ظهراً. فبيلاطس حاول أن يطلق سراح المسيح ولكنه لم يحتال لإنقاذ المسيح. 3 - إن بيلاطس لم يؤجل صلب المسيح إلى يوم الجمعة، وذلك لأن اليهود قبضوا على المسيح ليلة الخميس قرب منتصف الليل(32) "وكان رؤساء الكهنة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه، ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب" مر14: 1-2. لقد كان لدى رؤساء الكهنة أسباب قوية تمنعهم من القبض على يسوع في العيد منها: أ- الخوف من حدوث شغب في العيد. ب- الخوف من قوة المسيح المعجزية. ج- الإجراءات القانونية والعيد. وعندما ذهب إليهم يهوذا وأخبرهم عن ذهاب المسيح إلى بستان جثسيماني بعيداً عن زحمة الجماهير، وأن يسوع المسيح أعلن عن قرب نهاية حياته، تغاضوا عن المعوق الثالث وقبضوا على المسيح، وتمت محاكمته الدينية في نفس الليلة. ولم يكن لبيلاطس دوراً في تحديد ساعة القبض على المسيح، ولم ُيقدم إليه إلا في الصباح. 4 - إن تأجيل صلب المسيح إلى وقت متأخر لم يكن هو الوسيلة المناسبة لعدم تحطيم العظام (كسر ساقي المصلوب)، لأن التأخير يعني عدم الموت وعدم الموت يعني كسر الساقين، وليس العكس كما يعتقد المؤلف. إذن الادعاء بأن بيلاطس دبر واحتال لعدم موت المسيح هو في الحقيقة محض خيال. وليس له أي سند من الحقيقة. (6) إجراءات الصلب تؤكد عدم موت المسيح "إن صلب اليهود في ذلك العصر، لم يكن كمثل مشنقة اليوم، التي يستحيل منها النجاة غالباً، لأن صليب اليهود لم يكن يحتوي على حبل للشنق ولم يكن المجرم يعلق به في الهواء بإزالة قاعدة خشبية، بل كان يُمد على الصليب ويُدق في يديه ورجليه المسامير، وكان من الممكن عندئذ أن ينزل المجرم من الصليب قبل أن تحطم العظام إذا أُريد العفو عنه بعد تسميره بيوم أو يومين، اكتفاء بما ذاق من العذاب، وإذا أرادوا قتله أبقوه على الصليب ثلاثة أيام على الأقل، وكان لا يدعون الطعام والشراب يصل إلى فمه، وكانوا يتركونه في الشمس ثلاثة أيام أو أكثر، وبعد ذلك كانوا يحطمون عظامه، وبعد هذه التعذيب الطويل كان الجرم يلقى حتفه، لكن الله عز وجل أنقذ المسيح بفضله ورحمته من جميع ألوان التعذيب التي تقضى على الحياة قضاءً نهائياَ. وإذا تدبرنا في الأناجيل بعض التدبير تبيناً أن المسيح لم يبق على الصليب ثلاثة أيام ولم يذق العطش والجوع ولم تحطم عظامه، بل أنه بقي على الصليب مجرد ساعتين، وكانت رحمة الله قدرت له أن يتم صلبه في أواخر ساعات النهار، وكان ذلك في يوم الجمعة وكان النهار لم يبق منه إلا قليل، وكان اليوم التالي يوم السبت وعيد الفصح لليهود وكان من المجرم المستلزم للعقاب على اليهود أن يدعوا أحداً على الصليب يوم السبت أو ليلته، وكان اليهود كالمسلمين يراعون التوقيت القمري، وكانوا يقدمون الليل على النهار، فمن ناحية كانت هذه المقدرات الناتجة عن الوسائل الأرضية، ومن ناحية أخرى ظهرت الوسائل السماوية من الله عز وعلا، ولما كانت الساعة السادسة هبت عاصفة حالكة، غطى الأرض سوادها، وظلت الأرض مظلمة لثلاث ساعات متواليات (مر33:15)، وكانت تلك الساعة بعد نصف النهار وقبيل المغرب، فعند هذا الظلام الدامس، خاف اليهود أن تحين ليلة السبت، فيستحقوا الغرامة لنقض حرمة السبت، فلذلك أنهم سرعان ما أنزلوا المسيح واللص من الصليب. على أن ظاهرة سماوية أخرى ظهرت أيضاً وهي أن بيلاطس لما كان متمكناً من كرسي المحكمة، أرسلت إليه زوجته قائلة: لا تتصد لهذا الرجل البريء الصادق(أي تجنب قتله) لأنني تأذيت من أجله في المنام (مت19:27)، فالملك الذي رأته زوجة بيلاطس في المنام، نتبن منه نحن وكل منصف أن الله عز وجل لم يرد أن يُقتل المسيح على الصليب، ولم يحدث منذ بدء الخليقة أن تخطئ بشارة تبشير بنجاة أحد... كانت رؤيا زوج بيلاطس مكيدة سماوية لنجاة المسيح، وكان من المستحيل أن تخطئ هذه المكيدة.. لأن كل رجل صحيح الفطرة إذا أطلع على رؤيا زوج بيلاطس، يتيقن بقلبه الصافي المطهر، بأن تلك الرؤيا لم تكن تهدف في الواقع إلا إلى وضع خطة لتخليص المسيح".(33) التعليق: من خلال عملية الصلب يريد المؤلف أن يجد أدلة على إن المسيح، وأن كان قد صلب، لكنه لم يمت على الصليب، وفيما يلي ما ذكره: 1 - إن الصلب لا يؤدي إلى الموت السريع، وأن المصلوب يمكن أن يظل حياً على الصليب ولا يموت قبل ثلاثة أيام وحيث أن المسيح لم يبق على الصليب إلا ساعتين، فهذا دليل على عدم موته. إن المسيح فعلاً لم يبق على الصليب إلا حوالي ستة ساعات، ولكنه في خلال هذا الوقت أسلم نفسه للموت، وقد أكد ذلك الجنود الرومان المكلفين بإتمام عملية الصلب (يو19: 33-34)، وقائد المائة (مر15: 43-45)(34) فالمسيح لهذه الساعة قد جاء، وعلى الصليب بموته أتم الفداء، وأوضح موت المسيح بمثال، قد يسقط شخص من الدور الثالث أو الرابع ولا يموت، ثم يسقط نفس الشخص أثناء سيره في الطريق ويموت، فليس سبب الموت هو المقياس، بل عندما تأتي الساعة والوقت المحدد يحدث الموت، وقد أتت الساعة كما أعلن المسيح نفسه مرات عديدة (يو7 :6-9،13: 1،21)(35). 2 - لم تحطم عظامه: لاقتراب الفصح وتنفيذاً للشريعة بعدم بقاء جثة المصلوب على الصليب لليوم التالي استصدر رؤساء الكهنة أمراً من الوالي الروماني بكسر سيقان المصلوبين وعندما جاءوا ليكسروا ساقي يسوع تأكدوا أنه مات فعلاً فلم يفعلوا (يو19: 31-37)، فعدم كسر ساقيه دليل واضح على موته. 3 - الظلمة على الأرض: لقد ساد الظلام من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة، ولم يتم عمل أي شئ خلال هذا الظلام "ونحو الساعة التاسعة... أسلم الروح" (مت27: 45-49) أي أن المسيح لم ينزله اليهود من على الصليب أثناء الظلمة، بل استمر على الصليب، واسلم الروح بعد زوال الظلام، ولا يستطيع المؤلف أن يقدم دليل على صحة دعواه. 4 - رؤيا زوجة بيلاطس: كما هو واضح من الكتاب المقدس أنه حلم، وليس رؤيا (مت 27: 19، فهو حلم لامرأة رومانية وثنية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون إعلان سماوي أو مكيدة سماوية لإنقاذ المسيح. أرسلت زوجة بيلاطس لزوجها قائلة: إياك وذلك البار، لأني تألمت كثيراً في حلم من أجله (مت19:27). ولكن رغم رسالة التحذير، وتحت الضغوط اليهودية والتهديد بإبلاغ الأمر لقيصر حكم بيلاطس على المسيح بالموت صلباً وأسلمه ليصلب (مت 27: 26، يو12:19)، وبالتالي فليس في هذا الحلم أي دليل على عدم موت المسيح على الصليب (36). إذن من خلال أحداث الصب لا يوجد أي دليل على عدم موت المسيح. (7) الاشتباه في عدم موته: يقتبس المؤلف ما جاء في مر15: 42-45 ثم يقول: "فتبين من هذه الشهادة أن الاشتباه في موت المسيح كان قد وقع ساعة الصلب ذاتها، وذلك الاشتباه كان من قبل رجل ذي خبرة بتقدير موت المسيح على الصليب"(37). التعليق: "ولما كان المساء إذ كان الاستعداد. أي ما قبل السبت. جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف، وكان هو أيضاً منتظراً ملكوت الله فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع، فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً، فدعا قائد المئة وسأله: هل له زمان قد مات، ولما عرف من قائد المائة وهب الجسد ليوسف" مر15: 42-45. عندما تأكد يوسف الرامي من موت المسيح وربما لإحساسه بالذنب، لأنه لم يأخذ موقفاً إيجابياً تجاه محاكمة المسيح أسرع ليكرم جسد المسيح بدفنه في قبره الخاص، وعندما طلب جسد المسيح من بيلاطس أرسل بيلاطس ودعا قائد المئة المسئول عن تنفيذ هذا الحكم -لأنه الشخص المختص والذي لديه الخبرة الكافية لتأكيد حقيقة موت المسيح- ولما تأكد بيلاطس أن المسيح قد مات فتعجب؟! فما هو السبب الذي دفع بيلاطس أن يتعجب! يقول الكتاب: "تعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً" أي أنه لما عرف أن المسيح مات قبل أن تكسر ساقيه، أي مات سريعاً بالنسبة لأي شخص آخر يصلب، لأنه كان من الممكن أن يستمر المصلوب حياً لمدة ثلاثة أيام فتعجب، ولا يمكن أن تكون ساقي المسيح قد كسرتا لأنه لو تم ذلك لما كان هناك أي مجال للعجب، وليس في هذا القول شهادة على الاشتباه في موت المسيح، بل أن أقوال قائد المئة دليل واضح على موت المسيح، وعندما تأكد بيلاطس من موت المسيح اسلم الجسد ليوسف الرامي ليقوم بدفنه. (8) إجراءات الدفن: 1 - تسليم الجسد إلى يوسف الرامي: "كان رجل اسمه يوسف من أصدقاء بيلاطس.. وكان من تلاميذ المسيح المختفين.. وصل هناك في ذات الساعة، ويبدو لنا أنه جاء بإيماء بيلاطس نفسه، فسلم إليه المسيح بصفته "جثة هامدة" .. تسلم المسيح المغمى عليه باعتبار جثة ميته"(38) 2 - القبر الذي دفن فيه المسيح: "وكان من المصادفات الحسنة التي أتاحها فضل الله ورحمته، أن القبر الذي وضع فيه المسيح لم يكن مثل قبور بلادنا، بل كان بصورة حجرة مهوأة ذات نافذة، وكان من عادة اليهود في تلك الأيام أنهم كانوا يتخذون القبور كغرفة واسعة وذات نافذة، وكانوا يعدون مثل هذه القبور قبل أن يموتوا، وكان الميت يوضع فيه عند انقضاء أجله، كما تشهد على ذلك الأناجيل شهادة صريحة" لو24: 2-3 (39). التعليق: إن يوسف الرامي أتي إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع ولفه بكتان نقي مع أطياب وحنوط، ووضعه في قبره الجديد، ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى (مت27: 57-60)، ولا يعقل أن يأخذ يوسف الرامي المسيح المغمى عليه ويضعه في القبر ويغلق عليه بحجر يصل وزنه إلى حوالي 2 طن، ومهما كان شكل القبر الذي دفن فيه المسيح فمن الممكن أنه مات وهذا واضح من: 1 - نبوات العهد القديم. 2 - إعلان المسيح عن موته. 3 - شهادة الوحي في الأناجيل. 4 - شهادة الرسل والتلاميذ، وهم شهود عيان. 5 - شهادة الجنود الرومان. ومما لا شك فيه أن الأطياب مع الكفن تكون تابوت يحيط بجسم مثخن بالجراح في قبر، سوف يؤدي إلى وفاة أي شخص لو لم يكن قد مات. مما سبق نستطيع أن نؤكد أن المسيح قد مات(40) (9) أحداث بعد القيامة أ - الروح ليس لها عظام والجسد النوراني لا يحتاج إلى طعام "قد ورد في إنجيل مرقس أن المسيح رآه الناس متجهاً نحو جليل حتى لقي حوارييه الأحد عشر وهم يأكلون، وأراهم يديه وقدميه الجريحتين، وظنوا أنه ليس المسيح، فقال لهم المسوا جسدي، وجسوني واعرفوني، لأن الروح ليست ذات جسم وعظام كما ترون، وتناول منهم قطعة من السمك المشوي والعسل وأكل أمامهم (مر14:16، لو 24: 39-42). ويتبين من هذه العبارات أن المسيح لم يصعد قط إلى السماء، بل أنه ذهب إلى جليل بعد أن خرج من القبر وكان كسائر بني الإنسان بجسم ولباس عاديين، ولو كان استرد الحياة بعد موته، لما كان من الممكن أن تبقى آثار الصلب بجسمه السماوي الجلالي، وما كان بحاجة إلى طعام" (41) التعليق: 1 - لم يرد في إنجيل مرقس أو أي إنجيل آخر أن المسيح رآه الناس متجهاً نحو الجليل، فالمسيح ظهر للأشخاص الذين أراد أن يظهر لهم. 2 - إن المسيح بعد قيامته من الموت ظهر لتلاميذه بجسد يحمل آثار الصليب، وليس في هذا دليل على أنه لم يمت أو لم يقم. فجسد المسيح وإن كان مماثلاً للجسد الذي وضع في القبر بدليل: أ- تعرف التلاميذ عليه. ب- طبيعته المادية التي أمكن لمسها (مت28: 9، لو24: 39، يو22:20). ج- أكله وشربه مع التلاميذ (لو24: 41-43). د- حمله لآثار الصليب مثل آثار المسامير وطعنه بالحربة (يو20: 24-39). ولكن هذا الجسد كان قد تغير وأخذ طبيعة جديدة، نستطيع أن نطلق عليه جسد القيامة أو الجسد الروحاني والدليل على ذلك: أ- أن هذا الجسد تخلص من قيود الزمان والمكان، فكان يظهر لتلاميذه في أماكن متباعدة، وفي أوقات متقاربة دون حاجة إلى وسيلة اتصال، ودون أن يراه أحد من الناس. ب- هذا الجسد لا تحده أو تقيده الحواجز الطبيعية، فقد كان يستطيع الدخول والخروج والأبواب مغلقة (يو19:20)، ثم صعد إلى السماء. فجسد المسيح بعد القيامة، كان جسداً روحانياً والروحانية ليست عكس المادية. والجسد الروحاني لا يعني بالمرة أنه أصبح روحاً مجرداً من الجسد، بل جسداً خاضعاً خضوعاً مطلقاً للروح وحراً من القيود التي تقيد الجسد المادي. 3 - إن تناول المسيح الطعام مع تلاميذه، ليس لأنه بذات الجسد المادي الذي يحتاج إلى الطعام والشراب -مما يؤكد إنه لم يمت- ولكن المسيح فعل ذلك حتى يؤكد لتلاميذه أنه ليس روحاً فقط، فعندما ظهر لهم المسيح خافوا وظنوا أنهم نظروا شبحاً، فأراد المسيح أن يهدئ من روعهم ويؤكد لهم حقيقة شخصيته وموته وقيامته فتناول معهم الطعام (42). وليس في هذا أي دليل على عدم موت المسيح. ب - خلو القبر لا يعني صعود المسيح إلى السماء "هل مجرد خلو قبر المسيح يقنع أحد من العقلاء بأن المسيح صعد إلى السماء؟ أليس هناك عوامل أخرى تؤدي إلى خلو القبور؟" (43) التعليق: مما لا شك فيه أن القبر الفارغ لا يكفي وحده كبرهان لحقيقة قيامة المسيح من الموت وصعوده إلى السماء، ولكن ظهور المسيح للمؤمنين به بعد قيامة أعطى التفسير الصحيح لحقيقة القبر الفارغ، ودفع التلاميذ للمناد1ة بقيامته من الموت في أورشليم، نفس المدينة التي صُلب فيها المسيح، وبالقرب من القبر الذي دُفن فيه، واعتقد ما كان يمكن لهذه الرسالة أن تجد من يصدقها، لو لم يكن القبر فارغاً. وهناك أدلة أخرى كثيرة بجانب القبر الفارغ تؤكد حقيقة قيامة المسيح: 1 - وجود الأكفان _التي كفن بها المسيح- مرتبة بطريقة تؤكد أن الجسد خرج منها بطريقة معجزية (يو20: 5-8). 2 - التغيير الذي حدث في حياة التلاميذ وتغيرهم من حالة الخوف إلى الشجاعة، والمناداة بقيامة المسيح أمام رؤساء الكهنة واليهود يؤكد حقيقة إيمانهم بها. 3 - انتشار ونمو المسيحية، بدء من أورشليم إلى كل العالم المعروف في ذلك الوقت، فلو لم يكن المسيح قد قام ما انتشرت ونمت المسيحية، لأن الأدلة على قيامة المسيح كانت قوية بحيث لم يقدر الأعداء على مناهضتها، بل كانت قوية لدرجة أنها اجتذبت كثيرين من الشك للإيمان بها. وهذا ثبت أقدام الكنيسة، وصار لها أتباع في كل مكان. فخلو القبر مؤيداً بالأدلة الأخرى اقنع الجماهير ودفعها لقبول الإيمان بحقيقة قيامة المسيح من الموت وصعوده إلى السماء(44). ج - عدم ظهور المسيح لليهود وبيلاطس: "أو لم يكن من واجب المسيح قبل صعوده إلى السماء أن يلقى مائتين أو ثلاثاً من اليهود. وبيلاطس أيضاً؟"(45) التعليق: إن ظهورات المسيح بعد قيامته، هي أقوى برهان على موته وقيامته، فلو لم يقم المسيح من الموت، فكيف كان يظهر ويراه الآخرون، ولو لم يظهر المسيح مؤكداً حقيقة قيامته من الموت، ربما كان للشك موضع، وبالرجوع إلى الكتاب المقدس نجد أن المسيح ظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً، وهي بالطبع فترة كافية للتأكد من صحة هذا الأمر، ومن خلال أحاديثه مع تلاميذه تأكدوا أنه هو المسيح المقام، ويجب أن يكون واضحاً أمامنا: 1 - إن التلاميذ كيهود كان لهم مفهومهم الخاص عن القيامة، فعندما أخبرهم المسيح عن قيامته من الموت كانوا "يتساءلون ما هو القيام من الأموات؟" مر9: 9-10، بل "لم يفهموا وخافوا القول أن يسألوه" مر9: 31-32. وعندما مات المسيح وقام كان أيضاً موقف التلاميذ هو الشك وعدم التصديق (مر16: 11-13، مت17:28) وذلك: أ - لأن فكرة القيامة كانت صعبة على أفهامهم، ومعجزة تفوق خيالهم، ولم يصدقوها إلا بعد أن حدثت. ب - لأنهم لم يتوقعوا أن يقوم المسيح من الموت إلا يوم القيامة العامة. جـ - لأنهم كانوا يؤمنون أن المسيا سوف يأتي ليملك إلى الأبد ولن يموت (يو12:34). فظهور المسيح لتلاميذه يؤكد حقيقة قيامته مثل ظهوره لأي شخص يهودي أو بيلاطس أو غيره فالجميع غير مؤمنين بالقيامة وغير متوقعين لها. ولكن المسيح ظهر لتلاميذه لأنه كان من البديهي أن يظهر لهم، فهم أعرف الناس بشخصيته وأقدرهم على التحقق منها. وقد ظهر لهم ليزيل الخوف منهم، ويلاشي حزنهم ويعيد الثقة والرجاء إليهم، وأيضاً ليزيل كل شك لديهم بخصوص قيامته. 2 - إن المسيح لم يظهر لأي يهودي ولا حتى بيلاطس، لأنهم قد رفضوه، وحكموا عليه بالموت، ولم يصدقوه، فظهوره لهم لن يغير ما بداخلهم، فيكون بلا جدوى، والمسيح لم يرد أن يفرض ذاته عليهم، حتى يؤمنوا به. وعدم ظهوره لهم ليس دليلاً على عدم قيامته من الموت، فالأدلة على قيامته من الموت واضحة كافية لإثبات ذلك.(42) (10) إنجيل برنابا وموقفه من قضية الصليب "إن إنجيل برنابا الذي يوجد في مكتبة لندن الشهيرة، يذكر أن المسيح لم يمت مصلوباً، والآن يجوز لنا أن نتبين من ذلك أن هذا الإنجيل لم يعد من الأناجيل تعمداً، وألغي وجوده بغير تفكير أو دليل، ولكن مما لا شك فيه أن هذا الكتاب من أقدم الكتب وهو معاصر لسائر الأناجيل" (47) التعليق: إن المؤلف في كتابه هذا يحاول أن يثبت أن المسيح قد صلب، ولكنه لم يمت على الصليب، واستناده على إنجيل برنابا، ليس في صالحه بالمرة، فإنجيل برنابا يقول: إن المسيح لم يصلب بل أن الله قد ألقى شبهه على يهوذا، وأنه رفع إلى السماء حياً، وبالتالي فعودته مرة ثانية سوف تكون بالجسد، وهذا ضد ادعاء ميرزا غلام أحمد بأنه هو المسيح الموعود التي آتى بروح وتعاليم المسيح. وهذا إن دل على شئ، فإنه يدل على أن المؤلف لم يقرأ إنجيل برنابا، ولم يعرف محتواه، وهذا هو شأن كثير من الذين يكتبون عن إنجيل برنابا. ولقد ذكر أحد مؤيدي نظريته في عدم موت المسيح "لا يصح لنا كمسلمين أن نقيم عقائدنا على أساس من نصوص إنجيل برنابا الذي لا يعترف النصارى به.. ولا يجوز أن نثق بنص من نصوص إنجيل برنابا(48) * أما قوله بأن هذا الإنجيل من أقدم الكتب وهو معاصر لسائر الأناجيل فهو ادعاء من غير دليل، لأن هذا الكتاب كتاب مزور، وقد كتب في القرن الرابع عشر الميلادي، وقد أثبتنا ذلك في موضع آخر.(49) المراجع 1 - المسيح الناصري. ص21-23. 2 - انظر الكنز الجليل. جـ1 ص417، التفسير الحديث: متى. ص 413 3 - موت أم إغماء. للمؤلف. 4 - المسيح الناصري. ص39،42. 5 - التفسير الحديث: لوقا. القس ليون موريس. ص178. 6 - شرح بشارة لوقا. د. إبراهيم سعيد. ص233. 7 - الكنز الجليل. د. وليم أدي. جـ1. ص282. 8 - موعد المجئ الثاني. د.أميل ماهر طـ2 سنة 1996م. القاهرة ص12-14. 9 - التفسير الحديث: متى. ر. ت. فرانس تعريب أديبة شكري.ص200. 10 - تفسير إنجيل متى. د. وليم باركلي. تعريب القس فايز فارس. جـ 1 ص276. 11 - الكنز الجليل. د. وليم أيدي. جـ 1. ص158. 12 - التفسير الحديث: متى ص201. 13 - الكنز الجليل. جـ1. ص158. 14 - المسيح الناصري في الهند. ص 17-18. 15 - الإسلام والحق. د. أحمد ماهر البقري. ص 27. 16 - موت المسيح حقيقة أم افتراء. للمؤلف. ص 177-186. 17 - المسيح الناصري في الهند. ص34-35. 18 - من دحرج الحجر. فرانك موريسون. ص29. 19 - موت أم إغماء. للمؤلف. ص 38-42. 20 - شرح إنجيل يوحنا. د. وليم باركلي. تعريب د. عزت زكي. جـ2. ص255. ولدراسة هذا الموضوع أرجع إلى: موت المسيح حقيقة أم افتراء. للمؤلف. ص 49-60 21 - لدراسة هذا الموضوع بالتفصيل أرجع إلى: من هو المصلوب؟ للمؤلف. ص 192-195. 22 - يسوع الناصري في الهند. ص 23. 23 - التفسير الحديث: متى. ص 183. 24 - تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. مجلد 1ص 201. 25 - التفسير الحديث: لوقا. القس ليون موريس. ترجمة نيكلس نسيم. ص 167. 26 - المسيح الناصرى في الهند. ص19-21. 27 - تفسير سفر التثنية. نجيب جرجس. ص264. 28 -شرح رسالة غلاطية. القس غبريال رزق الله. ص256-261. 29 - سوف يناقش المؤلف هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب “لماذا الصليب" إن شاء الله. 30 - صلب المسيح، جون ستوت. تعريب نجيب جرجور. ص44. 31 - المسيح الناصري في الهند. ص32. 32 - من هو المصلوب. للمؤلف. ص141-154. 33 - المسيح الناصري في الهند. ص25-26. 34 - لمزيد من التفاصيل. موت أم إغماء. ص56-58. 35 - المرجع السابق. ص 38-43. 36 - موت المسيح حقيقة أم افتراء. للمؤلف. ص85-88. 37 - المسيح الناصري في الهند. ص 30. 38 - المسيح الناصري. ص 32. 39 - المسيح الناصري. ص29. 40 - لدراسة تفصيلية حول الموضوع ارجع إلى: موت المسيح حقيقة أم افتراء - موت أم إغماء - قيامة المسيح حقيقة أم خدعة - من هو المصلوب 41 -المسيح الناصري. ص24 وانظر أيضاً ص27-29. وهذا الفكر هو ما ينادي به أحمد ديدات. انظر أيضاً قيامة أم انتعاش. 42 - لمزيد من الدراسة حول هذا الموضوع أرجع إلى: قيامة المسيح حقيقة أم خدعة. للمؤلف ص 130-141. 43 - المسيح الناصري في الهند. ص55. 44 - قيامة المسيح حقيقة أم خدعة. ص76-93. 45 - المسيح الناصري. ص55. 46 - قيامة المسيح حقيقة أم خدعة. د.فريز صموئيل. ص 38-45، 72-75. 47 - المسيح الناصري في الهند. ص23. 48 - أخطر مناظرة في العصر. تعليق على الجوهرى. ص88-89. 49 - إنجيل برنابا بين المؤيدين والرافضين. د. فريز صموئيل. |