قبر المسيح في كشمير

الباب الثاني

القاديانية والمسيح

الفصل الثاني

القاديانية وصلب المسيح

إدعى الغلام أحمد أنه المسيح الموعود، وحتى يستطيع أن يثبت هذا الإدعاء، كان يجب أن ُيصلب المسيح، ولكن لا يموت على الصليب، بل يُغمى عليه ثم يُدفن، ثم يهرب من القبر ويذهب إلى الهند¨ ، وهناك في كشمير يموت موتاً طبيعياً(11)، ويكون له قبر معروف في سرنجار(12)، وعند ذلك يستطيع الغلام أن يفسر على هواه عودة المسيح ثانية -كما أوضحها القرآن والأحاديث النبوية- بأنها عودة روحية وأنه هو المسيح الموعود الذي أتى بهديه وتعاليمه.

وقد سار على هذا المنوال أتباعه من بعده، فقال الميرزا محمود أحمد: "إن الزمان قد تغير الآن فالمسيح عيسى الذي بُعث من قبل، صلبه الأعداء، ولكن جاء المسيح الجديد ليهلك أعداءه" (13). وقال أيضاً: "إن المسيح الأول صلبه اليهود، ولكن ميرزا غلام أحمد يصلب يهود هذا العصر"(14).

- وكتب محمد ظفر الله خان، تحت كلمة عيسى في ترجمته لمعاني القرآن: " إن عيسى ُوضع على الصليب ولكنه لم يمت، بل أصابه إغماء شديد وأُنزل وهو في هذه الحالة" (15).

وكتب مالك غلام فريد: "إن اليهود عملوا على قتل عيسى مصلوباً، ولكنهم فشلوا، إذ بعد أن وضعوه على الصليب فعلاً، أنزل حياً وإن كان شبيهاً بالميت".

ويقول في تعليقه رقم 423 " خطط اليهود لقتل عيسى مصلوباً، وقضى الله ألا يموت كذلك، وأن ينجو من الموت على الصليب، فأُنزل حياً ومات طبيعياً في كشمير بعيداً عن مسرح الصليب". ويقول في تعليقه على سورة النساء 157: "(ما صلبوه) يعني أنه لم يمت على الصليب، والآية لا تنفي الحقيقة أن عيسى ُوضع على الصيلب وُدق جسده فيه، وإنما تنفي أنه مات على الصليب، ومعنى (شبه لهم) أن اليهود ُشبه لهم أن عيسى مات على الصليب"(16).

¨ في الملحق سوف نناقش هذه القضية في تعليقنا على كتاب "المسيح الناصري في الهند" للميرزا غلام أحمد.

ويردد أحمد ديدات مثل هذه المقولة كما أوردها في أحد كتبه (17)، مدعياً وجود ثلاثين دليلاً على أن المسيح لم يمت على الصليب وأنزل حياً.

ويرى نبيل الفضل: "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقيناً" (النساء157). فهنا نجد أن القرآن يقول: إن عيسى لم ُيصلب ولم يُقتل، وإنه إنما شُبه للناس ذلك. وأن الذين اختلفوا في قصة قتله في شك ليس لهم فيه إلا إتباع الظن، وأنهم ليسوا على يقين من قتل عيسى، ومفسرو القرآن -كما في تفسير الجلالين مثلاً- يقولون إن اليهود صلبوا شخصاً يشبه "عيسى" وظنوا أنه المسيح فقتلوه في حين أن المسيح قد ُرفع إلى الله.

والسؤال الذي يحيرني هو: هل من المعقول أن يخطئ اليهود فيطلبون ويعتقلون ويقتلون إنساناً آخر لمجرد أنه يشبه "عيسى" ولو كان هناك إنسان يشبه عيسى ويعيش في مكان قريب من "عيسى" أما كان هذا الإنسان معروفاً ومشهوراً لشبهه بعيسى".

لم أقتنع بقصة الشبه هذه أو بالأحرى لم أقتنع بتفسير مفسري القرآن في قتل عيسى فرأيت البحث في الموضوع منذ البداية لأرسم الصورة التي مات عليها المسيح" (18).

ثم بعد البحث وصل إلى النتيجة التالية: "ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" هنا كان خطأ مفسري القرآن في صلب وقتل المسيح، فكلمة (شبه لهم) لم تكن تعني أنه كان هناك إنسان شبيه بعيسى، وصلبه اليهود ظناً منهم بأنه المسيح، فكلمة (شبه لهم) تعني أنهم اشتبهوا في موته، ولم يتيقنوا من موته، لذلك تنتهي الآية بقوله سبحانه وتعالى: "وما قتلوه يقيناً” (19).

* الرد:

إن عقيدة موت المسيح على الصيلب هي لب العقائد المسيحية، وأن أي محاولة لهدم هذه العقيدة هي بالتالى محاولة لهدم كل العقائد المسيحية، فبدون موت المسيح على الصليب، ما كان هناك داعٍِ للتجسد، ولولا التجسد ما أُعلنت لنا بوضوح عقيدة الثالوث، وبدون موت المسيح على الصليب، فكيف تكون القيامة، وإذا لم يكن المسيح قد قام من الأموات فباطلة هي كرازتنا وباطل هو إيماننا، الذي هو قمة العقيدة المسيحية، بل أن إنكار موت المسيح على الصليب هو إنكار لصحة الكتاب المقدس الذي أعلن هذه الحقيقة. ويرى جون والفورد أنه : "ليس هناك حادث في الزمن أو الأبدية يقارن بالأهمية الفائقة لموت المسيح على الصليب، فالأعمال الهامة الأخرى من أعمال الله مثل خليقة العالم، وتجسد المسيح وقيامته والمجيء الثاني وخلق السماء الجديدة والأرض الجديدة تصبح بلا معنى إذا لم يكن المسيح قد مات. والدراس الأمين لعقيدة لاهوت المسيح لا يمكن أن يهرب إذا من مسئولية الدراسة الدقيقة لهذه العقيدة حيث أنها ليست فقط قلب التبشير بالإنجيل، ولكن بدونها تصبح التعاليم الأخرى كعقيدة لاهوت المسيح، غير ذي معنى.. وفي موته أعلن المسيح سمو قداسة الله وبره، وأيضاً محبة الله التي حثته على التضحية، وبموته أعلن كذلك حكمة الله غير المحدودة حيث أنه لا يمكن لعقل بشري أن ينكر طريقة خلاص كهذه، إن الله وحده غير المحدود يرضى أن يضحي بابنه" (20).

وفيما يلي سوف نقدم دراسة موجزة عن نظرية الإغماء والرد عليها.

*نظرية الإغماء:

في القرن الثامن عشر انتشر النقد العصري للكتاب المقدس، حتى تعرضت كل كلمة في الكتاب المقدس للنقد المر. وبدأ التشكيك في كل شئ في المسيحية، وقد أنفق "ماثيو أرنولد" شطراً كبيراً من وقته محاولاً ابتكار مسيحية لا معجزة فيها في إنجيله الشهير "التعقل العذب" Sweat Reasonablenes (21). ولوجود العنصر المعجزي في قيامة المسيح من الموت، فقد تعرضت حادثة موت المسيح على الصليب وقيامته من الموت للنقد العصري في محاولة للتخلص من الجانب الإعجازي، وانتشرت آراء كثيرة تفند هذا الحدث، مثل ما نادى به صموئيل ريماوس(22) بأن موت وقيامة المسيح هو من اختراع التلاميذ، وما أعلنه شلير ماخر(23) (من المدرسة العقلية في المانيا في القرنين الثامن والتاسع عشر) في كتابه "حياة يسوع" الذي نُشر بعد موته وفيه أنكر المعجزات وخاصة قيامة يسوع وذكر أنها رجوع إلى الوعي بعد إغماء طويل.

وقد نادى بهذه النظرية أيضاً في القرن التاسع عشر الناقد الألماني"فنتوريني"، وفي منتصف القرن التاسع عشر (1851م)، ظهر في السويد كتاب" صلب يسوع بقلم شاهد عيان" وهو عبارة عن رسالة كتبت بعد صلب المسيح بسبع سنوات بمعرفة شيخ أسيني من الأسينيين المقيمين في أورشليم إلى شيخ أسيني آخر جاء فيها: "..لم تحدث قيامة ولكن الأسينيين أفاقوا يسوع من إغمائه بعد صلبه، ثم عاش ستة شهور أخرى قبل أن يموت"(24).

سبق لكاتب هذه السطور دراسة هذا الموضوع بالتفصيل في كتابه: "موت أم إغماء".

وما زال صدى هذه الأقوال يتكرر في القرن العشرين، فقد نادى بها الكاتب الألماني "كورت بيرنا" عندما أعلن أن "كفن تورينو" يثبت أن المسيح لم يمت على الصليب وأن القيامة ما هي إلا مجرد صحوة إنسان في القبر(25).

وفي عام 1991م نشرت جريدة الأخبار تحت عنوان "المسيح لم يمت على الصليب" نظرية جديدة تتحدث عنها بريطانيا. فقد نشر في مجلة الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا دراسة تؤكد أن المسيح لم يمت على الصليب وأنه أصيب فقط بالإغماء، أو أنه كان يتظاهر بالموت. هذه النظرية يقدمها طبيب متقاعد، كان يعمل رئيساً للمستشارين بوزارة العدل اسمه تريفور لويد دافيز وزوجته مارجريت المتخصصة في علم اللاهوت.

وقد نشرت هذا الخبر جريدة التايمز البريطانية نقلاً عن مجلة الكلية الملكية للأطباء البريطانية وعنها نقلته جريدة الأخبار القاهرية (26).

وملخص هذه النظرية: "إن المسيح لم يمت على الصليب، بل أغمى عليه فقط بسبب الألم، ولما كانت المعرفة الطبية في ذلك الوقت محدودة، فقد حسبوه مات، ووضعوه في القبر، وبسبب برودة القبر والحنوط، فقد أقاق من إغمائه وخرج من القبر وظهر لتلاميذ، وهم ظنوه قد مات فعلاً، وأوحى إليهم بفكرة قيامته" (27).

وقد وصل هذا الفكر إلى الهند -لأنها كانت تحت الاحتلال البريطاني- وعرف الميرزا غلام أحمد هذه النظرية فاستغلها لأنها تخدم أغراضه فى دعواه أنه المسيح الموعود، وقد ذكر هذا الإدعاء في كتابه "براهين أحمدية" ثم ذكرها أتباعه مثل محمد علي، محمد ظفرالله خان، ومالك غلام فريد في تراجم معاني القرآن، وينشر هذه الفكرة اليوم الداعية القادياني أحمد ديدات(28)¨ ، ونبيل فضل وغيرهم.

* الرد على هذه النظرية:

فيما يلي سنورد الأدلة على موت المسيح على الصليب:

¨ انظر ملحق تحت عنوان "موقف أحمد ديدات من قضية الصليب".

(1) نبوات العهد القديم:

إذ نتصفح العهد القديم من التكوين إلى ملاخي نجد الكثير من النبوات عن المسيح وقد سبق وأوضح لنا المسيح أهمية معرفة هذه النبوات التي تحدثت عنه، فقال "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي تشهد لي" يو5: 39. وبعد قيامته من الأموات تحدث مع تلميذي عمواس: "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" لو24: 37.

والنبوات هي كلمة الله، ويجب أن تتم حسب قول المسيح: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم، أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" لو24: 44. وهنا سوف نقتبس بعض هذه النبوات:

- مز22: 12-18 وقد اقتبس المسيح وهو على الصليب هذا المزمور لنفسه ولبيان تحقيق هذه النبوات اقرأ مت 27:27-38، لو23: 33-34، يو19: 1-24.

- مز34: 20 "يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر"، في تحقيق هذه النبوةن اقرأ يو19: 32-33.

- مز69: 21 "وفي عطشي يسقونني خلاً" اقرأ يو19: 28.

- مز129: 3 "على ظهري حرث الحراث. طولوا أتلامهم، أي جرحوا ظهري جروحاً عميقة، فصار كخطوط المحراث الطويلة في حقل محروث" الاتمام في (مت27: 26).

- إش53 كل الإصحاح نبوات عن معاناة المسيح على الصليب، لذا يجب قراءته بالكامل (ع 9وجُعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته.. ع 12 سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين) في تحقيق واتمام هذه النبوات. ارجع إلى مت 27: 28، لو23: 63-64، يو19: 34، 1بط2: 23-25.

هذه قطرة من بحر النبوات عن المسيح وموته على الصليب في العهد القديم، وقد شهد لذلك المسيح عند القبض عليه "وأما هذا كله فقد كان لكي تكمل كتب الأنبياء" مت26: 56.

(2) إعلان المسيح عن موته:

لقد شهد المسيح لحقيقة موته على الصليب، ولا يجرؤ إنسان على إتهام المسيح بالكذب والخداع فهو وحده المعصوم من الخطية.

أ - إخبار المسيح بموته على الصليب قبل الصلب:

سبق المسيح وأخبر تلاميذه بموته على الصليب، اقرأ مت16: 21، مت17: 9، مت20: 17-19، واقرأ أيضاً مت26: 1، مر8: 31، مر9: 31، مر1: 33-34، لو9: 22، لو18: 31-34.

ب - تأكيد المسيح لحادثة موته على الصليب بعد قيامته من الموت:

بعد أن قام المسيح من الموت وفي أثناء حديثه مع تلميذي عمواس قال لهما: "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء، أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" لو24: 25-27.

وبعد ذلك ظهر لتلاميذه وقال لهم: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير، حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب، وقال لهم: هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثلث" لو24: 44-46.

جـ - تأكيد المسيح للنبوات التي أخبرت عنه في العهد القديم:

لقد رأينا -فيما سبق- أن العهد القديم قد تنبأ عن موت المسيح على الصيب، وقد أكد المسيح صدق هذه النبوات (ارجع إلى مت26: 56، لو22: 37، يو5: 39-47، يو15: 25).

(3) شهادة الأناجيل:

إن الذين يؤمنون بما أوحى به الله في البشائر الأربعة عن ابنه لا يشكون في صحة الحقلئق الواردة فيها، لأن الروح القدس يشهد بحقيقة وقوعها، وهم يعرفون مع بطرس الرسول أن كل الحوادث عن الآم المسيح وموته وقيامته ليست "خرافات مصنعة" بل حقائق واقعة.

وحادثة صلب المسيح وموته التي تذكرها البشائر الأربعة لا تترك مجالاً للشك في حقيقتها. لقد طلب اليهود شهود زور ليقتلوا المسيح (مت26: 59، مر14: 56-57)، وتشاوراعلى قتله (مت27: 1)، ثم حكموا أنه مستوجب الموت (مت26: 26، مر14: 64)، وأسلموه للموت (مت27: 6)، رغم أن بيلاطس صرح بأنه لم يجد فيه علة واحدة للموت (لو23: 22)، والمسيح أطاع حتى الموت، موت الصليب (في2: 8)، وقد تعجب بيلاطس أنه هكذا مات سريعاً (مر15: 44)، ولذلك لم يكسر الجنود ساقيه (يو19: 33)، ودُفن المسيح في القبر (مت27: 60، مر15: 46، لو23: 53)، وبعد ثلاثة أيام قام من الأموات (مت28: 6-7، مر16: 6، لو24:5-10). ولما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه سبق وأخبرهم بذلك (يو20: 9).

وهكذا نرى أن أحداث الصلب وموت المسيح وقيامته تحتل جزءاً كبيراً من الأناجيل الأربعة، ففي إنجيل متى نجد أصحاحي 26، 27عن الصليب، مؤكداً موت المسيح "فصرخ بصوت عظيم وأسلم الروح" مت 27: 50. وإنجيل مرقس يسجل هذا الحادث في أصحاحي 14،15 مؤكداً موت المسيح على الصليب في (مر15: 43-44)، وتعجب بيلاطس لموت المسيح السريع وتأكيد هذا الموت بسؤال قائد المائة المسئول عن هذا.

وسجل لوقا أحداث الصليب في أصحاحي 22،23 مؤكداً موت المسيح "ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي، ولما قال هذا أسلم الروح" لو23: 46.

أما إنجيل يوحنا فنصفه تقريباً يتحدث عن أسبوع الآلام وأصحاحا 18، 19 يتحدثان عن صلب وموت المسيح، مؤكداً موت المسيح في (يو19: 30)، ويضيف برهاناً آخر بأنه عندما آتى الجنود ليكسروا ساقي المسيح ليعجلوا بموته لم يكسروهما لأنهم قد وجدوه قد مات (يو19: 33)، ثم يقول: "والذي عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق" يو19: 35، فيوحنا يؤكد أنه شاهد عيان. ولوقا يقول أنه تسلم هذا من الذين كانوا معاينين منذ البدء وأنه قد تتبع كل شئ بتدقيق (لو1: 1-3).

(4) شهادة تلاميذ ورسل المسيح:

في أكثر من عشرين سفراً من أسفار الكتاب المقدس (العهد الجديد)، شهد تلاميذ المسيح ورسله لحقيقة موت المسيح على الصليب ونكتفي هنا بشهادتين:

أ - شهادة الرسول بطرس:

لما أخبر المسيح تلاميذه بأنه سوف يموت على الصليب (مت16: 21)، أحس بطرس بشناعة هذا الأمر، لذا قال للمسيح: "حاشاك يارب لا يكون لك هذا" مت 16: 22، بل أن بطرس المقدام الجرئ أنكر معرفته بالمسيح، ولكن بعد أن تم هذا وتأكد من موت المسيح وقيامته، امتلأ قوة كشاهد عيان وصرح بهذا الحق في مواجهة الجميع بلا خوف (أع2: 22-24، أع4: 10، أع5: 30، أع10: 36-41). وقد أوضح في رسالته، أن موت المسيح هو موضوع المشورة الأزلية أي أنه معروف قبل تأسيس العالم (1بط1: 19-20)، وأنه بموت المسيح على الصليب تمت الذبيحة الكفارية لإجلنا (1بط3: 18). وأصبح لنا رجاء حي بقيامة المسيح من الأموات (1بط1: 3).

ب - شهادة الرسول بولس:

لقد كتب الرسول بولس كثيراً جداً في رسائله عن موت المسيح، وأعلن أن المسيح قد مات لأجلنا نحن الخطاة (رو5: 6-8، رو6: 9-10، 1تس5: 10)، "وبموته صالحنا مع الآب وأعطانا أن نكون قديسين وبلا لوم أمامه" (كو1: 21،22)، وأن المسيح مات لكي نعيش نحن له" (2كو5: 15)، "وأن قيامته من الأموات عربون لقيامتنا نحن" (1تس4: 14)، وإن رسالتنا في هذه الحياة هي التبشير بموت المسيح وقيامته، وفي موت المسيح على الصليب ظهرت طاعته الكاملة (في2: 8)، ليس هذ فقط بل أظهر بقوة أنه ابن الله بقيامته من الأموات (رو1: 4)، وأن هذه هي تعاليم الكنيسة منذ البدء حسب الكتب المقدسة (1كو5: 3-4)، ومن خلال سفر أعمال الرسل، نرى شهادة الرسول بولس الواضحة أمام الجميع عن موت المسيح وقيامته فقد شهد بذلك أمام مجمع بيسيدية (أع13: 28-34)، وفي أريوس باغوس للأثينيين (أع 17: 31)، وأيضاً في قيصيرية أمام الملك أغريباس (أع26: 23)، يقول الرسول بولس: "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو1: 18)، "لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع وإياه مصلوباً" (1كو2: 2)، "إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم ونوجد نحن أيضاً شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح" (1كو15: 14-15).

(5) شهادة الجنود الرومان:

كان القانون الروماني يقدم للمحاكمة كل من يسمح بنزول مصلوب قبل موته، ولذلك تم التأكد من موت المسيح على الصليب. وقد شهد لحقيقة موت المسيح على الصليبك

ا - قائد المئة:

عندما طلب يوسف الرامي من بيلاطس أن يأخذ جسد المسيح بعد موته ليدفنه، سأل بيلاطس قائد المئة، ولما عرف منه أن المسيح مات، وهب الجسد ليوسف (مر15: 43-45).

ب - الجنود الرومان:

طبقاً للشريعة اليهودية لا تبيت جثة المصلوب على الخشبة، بل تدفن في نفس اليوم (تث21: 22، 23)، وإذ كان الاستعداد ليوم السبت وهو حسب التوقيت العبري يبدأ في الساعة السادسة مساء (مر15: 42، يو19: 31)، لذلك سأل اليهود بيلاطس أن يكسروا سيقان المصلوبين، لكي يعجلوا بموتهم حتى يتم الدفن، وعندما جاء الجنود لكسر ساقي المسيح وجدوه قد مات وبهذا شهد الجنود الرومان (يو19: 33-34).

(6) طعن المسيح بالحربة:

عندما أتى الجنود الرومان لكسر ساقي المسيح، وجدوه قد مات. ولتأكيد موته طعنه أحدهم بحربة في جنبه 0يو19: 33-34)،فللوقت خرج دم وماء (يو19: 34).

وخروج دم وماء هو دليل موت المسيح، فالواضح أنه إذا تمت الطعنة والمسيح على قيد الحياة لخرج الدم على دفعات مع كل انقباضة للقلب، وليس دم وماء، فهذا لا يمكن حدوثه والمسيح على قيد الحياة وقد اخترقت الحربة حتى وصلت إلى القلب وخرج دم والدم من القلب والماء هو السائل التيمورى.

(7) شهادة التاريخ:

إننا كمسيحيين نؤمن بوحي الكتاب المقدس، ولذلك فشهادته عن موت المسيح على الصليب كافية لإيماننا القلبي واقتناعنا العقلي، ويشهد لهذه الحقيقة الروح القدس ويؤيدها اختبارنا المسيحي، فكما قام المسيح من الموت أقامنا معه.

فحقيقة موت المسيح واضحة معلنة لكل من يريد ان يؤمن، ولكن إزاء الهجوم على هذه الحقيقة، نجد لزاماً علينا أن نبرهن على إيماننا، ليس فقط من كتابنا المقدس، بل أيضاً من كتب التاريخ، ليس لأن كتب التاريخ هى مصدر إيماننا، بل كبرهان إضافي، لأن موت المسيح وقيامته فضلاً عن أنهما حقيقتان كتابيتان معلنتان، فهما حدثان تاريخيان قد حدثا وأثبتتهما كتب التاريخ.

أ - شهادة المؤرخين الرومانيين واليونانيين:

لقد شهد لموت المسيح المؤرخ الروماني "تاستيوس" في كتاب "الحوادث فصل15: 44" عند حديثه عن حريق روما: "وأما أؤلئك الناس -الذين كان يعدمهم نيرون- كانوا يدعون مسيحيين نسبة إلى شخص اسمه المسيح، كان بيلاطس البنطي قد حكم عليه بالقتل في عهد طيباريوس قيصر" (29)، وأيضاً شهد لحقيقة موت المسيح المؤرخ اليوناني "لوسيان" في كتابه "موت بيريجرنيون" قال: "إن المسيحيين لا زالوا يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي ُصلب في فلسطين لأنه أدخل إلى العالم ديانة جديدة" (30).

ب - شهادة اليهود:

1 - شهادة التلمود: جاء في التلمود المطبوع في أمستردام سنة 1640م ص30 في فصل السنهدرين "أن يسوع قد ُصلب قبل الفصح بيوم واحد، ونودى أمامه مدة أربعين يوماً أنه سُيقتل لأنه ساحر وقصد أن يخدع إسرائيل ويضله، وبما أنه لم يتقدم أحد للدفاع عنه، صلب المسيح في مساء عيد الفصح" (31)

2 - شهادة يوسيفوس: وهو مؤرخ يهودي عاش في القرن الاول الميلادي كتب: "وكان هذا الوقت -زمن هيرودس انتيباس- إنسان حكيم اسمه يسوع، وكان يصنع المعجزات الباهرة العديدة، ويعلم الناس الراغبين في الحقيقة، وقد اجتذب إليه عدداً من اليهود ومن الأمم أيضاً، هذا كان المسيح وقد وشى به زعماء طائفتنا إلى بيلاطس، فأماته على الصليب، لكن الذين أتبعوه أولاً لم يكفوا عن حبه، وقد ظهر لهم حياً في اليوم الثالث لموته، كما سبق الأنبياء الإلهيون فنادوا بذلك، وبأمور عديدة في شأنه، ونسبة إليه سميت طائفة المسيحيين التي لا تزال إلى هذا اليوم"(32)

جـ - شهادة الآباء المسيحيين:

لقد شهد لحقيقة موت المسيح على الصليب آباء الكنيسة الذين عاشوا في القرون الأولى مثل أغناطيوس أسقف أنطاكية وتلميذ الرسول يوحنا، وبوليكارب أسقف أزمير في القرن الثاني الميلادي، وترتليان أسقفقرطاجنة في القرن الثاني، ويوستينوس وغيرهم.

(8) الأدلة الاثرية:

هناك كثير من الأدلة الأثرية التي تشهد على صحة موت المسيح مثل:

أ - مخطوطات الكتاب المقدس.

ب - صورة الحكم بصلب المسيح.

جـ - التقرير الذي رفعه بيلاطس البنطي إلى الأمبراطور طيباريوس قيصر.

د - كفن المسيح.

وسنكتفي هنا بالحديث عن "شهادة الأكفان" يو19: 38-40

كانت عادة اليهود في تكفين الميت بأن يُغسل ثم يُلف بالإكفان، وتوضع الأطياب بين طيات الأكفان لحفظ الجسد، وكانت الأكفان تتكون من جزئين، جزء يوضع على الجسد كله، والجزء الآخر على الرأس فقط (يو11: 44)،. وقد وضع حول جسد المسيح كمية كبيرة من الأطياب حوالى 75 رطلاً، وكانت الأطياب تلصق بالكفن والجسد معاً، بطريقة يصعب معها نزع الكفن عن الجسد، ولقد أوضح الرسول يوحنا ذلك "ولفاه بأكفان مع الأطياب" أي أن الأطياب وضعت بين طيات الكفن. وهنا يحق لنا أن نسأل:

1 - هل لو وضع المسيح حياً -مُغمى عليه فقط- في القبر وهو ملفوف بالأكفان والأطياب، ألا يؤدى هذا إلى موته؟

2 - هلى في أثناء عملية التكفين والدفن لم يظهر على المسيح أي علامة (مثل التنفس) تدل على أنه ما زال على قيد الحياة؟

ومن الأكفان نرى أن المسيح قد قام من الموت بطريقة معجزية، ولم تكن إفاقة من إغماء فعندما أتى بطرس ويوحنا فجر الأحد إلى القبر وجدا:

أ - الأكفان موضوعة.

ب - المنديل، الذي على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان، بل ملفوفاً في موضع وحده "فرأى وآمن لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب، أنه ينبغي أن يقوم من الأموات" يو20: 8-9.

والسؤال هنا كيف استطاع يسوع وهو مثخن بالجراح أن يتخلص من الأكفان التي كانت تلتف حول جسده وتلتصق به التصاقاً شديداً بسبب المر والحنوط الموضوع بين طيات هذا الكفن. إن الوضع الذي رتبت به الأكفان، كان معجزياً، ولذلك عندما رأها يوحنا وبطرس بهذه الكيفية آمنا وتأكدا أن المسيح قام من الأموات بطريقة معجزية.

قال هنري لآثام (33)، فيما اسماه "شهادة الأكفان":"هذه شهادة لا تحطم نظرية الإغماء فحسب، بل تحطم كل نظرية تفسر عقيدة القبر الفارغ تفسيراً غير معجزي، فمن دراسة (يو20: 4-8)، اقتنع لآثام بأن ترتيب الأكفان في القبر كان عجيباً، فالمعنى اليوناني لكلمتي (موضوعة، وملفوفة) يدل على أن الأكفان في القبر كانت مرتبة، فلم تكن ملقاة جانباً، كما أنها لم تطبق معاً، بل كانت الأكفان في مكانها، كما كانت عندما كان جسد يسوع في القبر. كل ما حدث أن الجسد خرج منها وبقيت الأكفان كما كانت عندما كان الجسد موجوداً، فعندما قام المسيح من الأموات، خرج من الأكفان وهي في مكانها، فنامت الأكفان على الأرض، لأنه لم يعد في داخلها جسد، ولأنها كانت محملة بمائة منا (حوالى 75 رطلاً) من المر والعود، أما المنديل وقد كان صغير الحجم، وغير محمل بالأطياب، وبعد ثلاثة أيام من استخدامه تُرك وحده"

فلا يعقل أن المسيح بعد أن أفاق من إغمائه رتب الأكفان بهذه الطريقة، قبل أن يخرج ويهرب. بل لماذ رتبها؟ ومن أين كان له الوقت وهو يريد الهروب أن يقوم بهذه العملية؟ كيف يقوم بإزالة الأطياب وفك الأربطة من حوله ويداه أصلاً مربوطتين؟ هل شارك يسوع في خدعة القيامة من الموت، وهو المعصوم من الخطأ والخطية؟

بلا شك أن الأكفان وترتيبها برهان أكيد على أن المسيح قد قام من الموت بطريقة مغجزية.

(9) ظهورات المسيح دليل على موته على الصليب:

إن ظهورات المسيح لتلاميذه بعد قيامته من الموت، تهدم بالكامل نظرية الإفاقة من الإغماء، والكتاب المقدس يعلن لنا أن المسيح ظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً مكلماً إياهم عن أسرار الملكوت (أع1: 3)، وأنه قد ظهر لكل من مريم المجدلية (مر16: 9، يو20: 14)، وللنساء الراجعات من عند القبر (مت28: 9-10)، ولبطرس (لو24: 34، 1كو15: 35)، ولتلميذي عمواس (لو24: 13-32)، وللرسل في غياب توما (لو24: 36-43، يو20: 19-25)، وللرسل في حضور توما (يو20: 26-29)، وللسبعة تلاميذ عند بحيرة طبرية (يو21: 1-21)، وليعقوب (1كو15: 1)، وللأحد عشر تلميذاً (مت 28: 16-20، مر16: 14-20، لو24: 33-52).

- وهؤلاء بالطبع شهود عيان لا نستطيع أن نكذب شهادتهم بأن المسيح ظهر لهم بطريقة معجزية، وليس كشخص قد فاق من إغماء.

- إن انقطاع الأخبار عن حياة المسيح وتوقف خدمته برهان أكيد على خطأ نظرية الإفاقة من الإغماء، فلا يصح أن المسيح الذي كان يجول يصنع خيراً ويشفي المرضى، والذي أمر تلاميذه بأن ينشروا رسالته في كل العالم (مت 28: 19، مر16: 15)، لا يصح أن ينهي رسالته بهذه الطريقة ويترك تلاميذه ويهرب، ويتوقف عن الرسالة التي من أجلها جاء من السماء.

- ولا يعقل أن المسيح الذي تحدى الكهنة اليهود وندد بتقاليدهم في كل مكان وأمر تلاميذه أن لا يخافوا من الذين يقتلون الجسد، لا يعقل أن يترك تلاميذه ويهرب خوفاً من اليهود، بل لقد شهد لحقيقة موته وقيامته، وأعطى الوعد لتلاميذه "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" مت 28: 20.

- إن جسد المسيح المقام من الموت له إمكانيات لم تتوافر للجسد الطبيعي (إذا كان قد أفاق من إغمائه كما يدعون).

وقد سجل لنا الوحي المقدس في الأناجيل الأربعة حادثة القيامة (مت28، مر16، لو24، يو20)، وبلا شك أن حقيقة قيامة المسيح من بين الأموات أمر يفوق إدراكنا، ولا نستطيع أن نفهمه بعقولنا البشرية المحدودة، ولكن يجب قبوله بالإيمان، لقد كان الجسد المقام:

أ - أقوى من الحواجز الطبيعية، فقد كان يستطيع الدخول والخروج والأبواب مغلقة ( يو20: 19).

ب - لم يكن الجسد في حاجة إلى ما تحتاجه الأجساد البشرية مثل الراحة والطعام، وإن كان المسيح قد أكل، فذلك ليس لحاجته، بل لإقناع تلاميذه أنه جسد حقيقي، وليس روحاً أو شبخاً (لو24: 41-42).

جـ - لقد تخلص هذا الجسد من قيود الزمان والمكان، فقد ظهر في أماكن متفرقة متباعدة وفي أوقات متقاربة، وكانت ظهوراته منظورة وملموسة، أي كان له المقدرة على الظهور والاختفاء حسب إرادته (لو24: 15، يو20: 19)، وهذا دليل على أن هذا الجسد، ليس جسداً قد أفاق من إغماء، بل هو جسد القيامة الممجد، الذي يتصف بصفات تختلف عن صفات الجسد البشري العادي.

(10) أدلة منطقية وعقلية على موت المسيح على الصليب:

هناك الكثير من الأدلة على موت المسيح على الصليب، نكتفي منها بما يلي:

1 - صمت الأعداء.

2 - لعنة الصليب.

3 - عقيدة الكنيسة.

4 - التغيير الذي حدث في حياة التلاميذ.

1 - صمت الأعداء:

لقد رأى قيافا في المسيح عدواً لدوداً له يهاجمه علانية، وعندما قام المسيح بطرد الباعة من الهيكل قضى على مصدر عظيم لثروتهم، فلذلك أشار على اليهود "أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب" يو18: 14. وعندما بدأ المسيح دعوته تبعه جمع كثير ورأى رؤساءالكهنة أن في هذا زوال لمجدهم وسلطانهم لذلك دبروا أن يتخلصوا من المسيح، وبعد صلب المسيح ودفنه طلبوا من بيلاطس أن يختم القبر ويأمر بوضع حراسة عليه لئلا يأتي التلاميذ ويسرقوا الجسد، لأن المسيح قال وهو حي أنه سيقوم بعد ثلاثة أيام (مت27: 62-66). وبعد قيامة المسيح من الموت أعطوا الحراس فضة وطلبوا منهم أن يقولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوا الجسد وهم نيام (مت 28: 11-25)، فشاع هذا القول عند اليهود، فلو كان المسيح لم يمت على الصليب وأفاق من إغماء وهرب إلى كشمير، ما كان اليهود يصمتون عن ذلك بل كانوا يعلنونه مواجهة للتلاميذ وهم ينادون أمام الجميع أن المسيح مات وقام، وأين أختفى المسيح بحيث لا يعرف مكانه أحد؟

2 - لعنة الصليب :

كان الصليب في اليهودية رمز اللعنة كما جاء في تث21: 22-23، ولذلك كانت وسيلة الإعدام في الشريعة اليهودية هي الرجم، أما الرومان فكان الصليب عندهم من وسائل الأعدام، ولكنه كان عقاباً للعبيد وسكان المستعمرات وليس للرومان. فكيف تحول الصليب من رمز اللعنة ووسيلة إعدام العبيد إلى رمز الشرف والكرامة والرحمة والرجاء؟ إن الجواب الوحيد هو أن المسيح مات على الصيب وافتدانا من لعنته "فإن كلمة الصليب عن الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو1: 18)، "وصار الصليب هو فخرنا" (1كو2: 2)، وصار المسيحيون منذ ذلك الوقت ينقشون رسم الصليب على أيديهم ومعابدهم ومقابرهم وبه يزين الملوك تيجانهم.

3 - الكنيسة وعقيدتها:

"إن التعاليم الكتابية عن شخص المسيح وعمله الجوهري لتوضيح وجود الكنيسة، فبدون موت المسيح لم تكن ذبيحة للخطية ولا خلاص ولا قيامة ولاعنصر من العناصر الأخرى التي تكون مضمون الإيمان المسيحي من البداية، والحقيقة أن الكنيسة استطاعت أن تتحمل قروناً من الاضطهاد وأن تعيش قروناً من الاحتمال والمقاومة، يصعب ايضاحها بعيداًعن نظام اللاهوت النابع من الإيمان بيسوع المسيح كابن الله الذي مات فعلاً وقام وصعد إلى السماء" (34).

لقد تأسست الكنيسة المسيحية على أساس موت المسيح الكفاري على الصليب وقيامته من الموت (أع2: 22-41، أع3: 11-26، أع4: 5-12، أع5: 24-32).

وهناك فريضتان للكنيسة تأسستا على موت المسيح وقيامته وهما:

أ - العشاء الرباني (لو22: 19، أع2: 42، 1كو11: 26)

ب - المعمودية (كو2 :12)

ويحتفل العالم المسيحي بذكرى موت المسيح وقيامته منذ القرن الثاني الميلادي وحتى الآن.

4 - التغيير الذي حدث في حياة التلاميذ:(35)

لقد تأكد التلاميذ من موت المسيح، لا من جسده الميت فحسب، بل أيضاً من جسده المقام، ومن شخص المسيح بعد قيامته من الأموات ولذلك كان موت المسيح وقيامته هما موضوع تبشيرهم ووعظهم (أع2: 22-32، أع3: 13-20، أع4: 9-12، أع5: 29-32...الخ).

يقول أدولف هارناك -أحد منكري قيامة المسيح- "لقد وثق تلاميذ يسوع أنه لم يبق في القبر ولكن الله أقامه، ولقد اختبروه بأنفسهم أنه قام، كما أختبروا أنه مات فجعلو مركز وعظهم" فعندما مات على الصليب امتلأ تلاميذه خوفاً ورعباً، فها هو السيد الذي كان يقودهم مرشدأ ومعلماً ومدافعاً عنهم في وجه الطغيان اليهودي قد مات. فماذا يستطيعون أن يفعلوا؟ لا شئ سوى الاجتماع معاً بسبب الخوف من اليهود (يو20: 19). وإذ كان المعلم قد مات فماذا يفعل التلاميذ؟ لقد فكر أحدهم أن يذهب للصيد، إلى مهنته الأولى، وقرر البعض أن يذهبوا معه (يو21: 3)، وعندما قام المسيح من الموت وظهر لهم بدل حزنهم فرحاً ويأسهم رجاء وامتلأوا بالشجاعة، وبدأوا كرازتهم بلا خوف في تحد واضح وقدموا ذواتهم للموت في سبيل إعلان شهادتهم، أن المسيح قد مات وقام فهل كان المسيح الضعيف الذي أفاق من إغمائه، وهر ب دون مواجهة اليهود، هو الذي أحدث فيهم هذا التغيير وبعث فيهم كل هذا الحماس؟ هذا ما دفع دافيد فردريك ستراوس -أحد رواد النقد العصري ومنكري قيامة المسيح- أن يرد على هذا النظرية قائلاً: "إنه من المحال على شخص تسلل من القبر في حالة من الإغماء والوهن والمرض، وفي حاجة إلى العلاج الطبي وتضميد الجراح والعناية والاسعاف، وفي حالة من الخنوع والاستسلام لآلامه، أنه من المحال أن يطبع شخص كهذا أثره العميق في نفوس تلاميذه ويخدعهم بأنه قاهر الموت والقبر وأنه رئيس الحياة، ذلك الأثر البارز الذي كان أساساً لوعظهم وخدمتهم. إن مثل هذا الانتعاش بعد الإغماء لو أنه حدث، لما كان له هذا الأثر الذي انطبع على نفوسهم في الحياة والموت، ولما بدل أحزانهم غيرة وحماساً ولما حول توقيرهم له سجوداً وتعبداً".

فإن صدقنا "نظرية الإغماء" يجب أن نصدق أن المسيح الذي قام ولم يمت، والذي صارع الألم والجروح حتى النهاية، استعاد وعيه في القبر وفك الأكفان التي كانت تلف جسده بقوة والتي عملت الأطياب الموضوعة بين طياتها على التصاقها معاً بالجسد بقوة، ثم دحرج الحجر الذي وضع على باب القبر، الذي وصفه إنجيل متى بأنه حجر كبير (مت27: 60)، وقد سبق ووضعت على هذا القبر الأختام والحراس. فكيف هرب من الجنود الذين كانوا يحرسون القبر؟ وهل شخص بمثل هذه الصورة يستطيع أن يحدث تغييراً هائلاً في تلاميذه ليقدموا حياتهم في سبيل المناداة بموته؟ هل خدع المسيح تلاميذه وأعلن لهم قيامته من الأموات؟ هل انخدع التلاميذ؟ أم أنهم كانوا يعرفون الحقيقة ويخدعون الآخرين؟ هل نصدق أن هؤلاء الرسل الذين غيروا قيم العالم الأخلاقية يكونون كاذبين؟

إن التغيير الذي حدث في حياة التلاميذ وإعلانهم عن هذه الحقيقة: "أن المسيح مات وقام" هو حقيقة لا تقبل الشك.

(11) موت المسيح على الصيلب ضروري للفداء والكفارة في العقيدة المسيحية:

"تؤسس العبادات الأخرى عقيدتها على تعليم مؤسسيها، أما المسيحية فتتميز عن سائر العبادات بما تفرده من أهمية لموت المسيح، لأن المسيحية بدون موت المسيح تنحدر إلى مستوى العبادات الأخرى والوثنية، وإن كان في المسيحية نظام رفيع راق من الأخلاق والآداب إلا أنه بدون صليب المسيح، فلن يكون بها خلاص مثل سائر العبادات الأخري، فالصليب هو قلب المسيحية، أنه موضوع كرازة الرسل وتعليمهم هو المسيح "وإياه مصلوباً" (1كو18: 23، 1كو2: 2، غل6: 14). (36).

إن عقيدتنا المسيحية في موت المسيح على الصليب نؤمن بها لأن هذا هو وحي الله لنا، وإن بدا منها أمور لا نستطيع أن ندركها بالعقل البشري المحدود، ولكنها لاتضاد العقل، إن هذه العقيدة يؤيدها اختبارنا المسيحي الإيماني خلال العشرين قرناً وتؤيدها شهادة ملايين المسيحيين الذين اختبروا وتأكدوا من موت المسيح.

هذه بعض الأدلة التي أثبتنا من خلالها بما لا يدع للشك مجالاً عن موت المسيح على الصليب وفندنا فيها إدعاءات "نظرية الإغماء".

الصفحة الرئيسية