قبر المسيح في كشمير

الباب الثاني

القاديانية والمسيح

الفصل الثالث

القاديانية وعودة المسيح ثانية

لقد أنكرت القاديانية ممثلة في شخص الغلام مؤسسها أو أتباعه، عقيدة عودة المسيح ثانية، لأنه على هذا الإنكار قامت دعوته، أنه هو المسيح الآتي.

فالغلام يرى أن عقيدة عودة المسيح:

1 - باطلة: "أما نزول عيسى من السماء فقد أثبتنا بطلانه في كتابنا (الحمامة) وخلاصته أننا لا نجد في القرآن شيئاًً في هذا الباب غير وفاته"(37).

2 - جاءت من المسيحيين: "إن عقيدة رجوع المسيح وحياته كانت من نسيج النصارى ومفترياتهم. إن الذين ظنوا من المسلمين أن عيسى نازل من السماء، ما أتبعوا الحق، بل هم في الضلال يتيهون" (38).

3 -المسيح لم يصعد إلى السماء بل مات، لذا فهذه العقيدة لا سند لها: "فمن سوء الأدب أن يقال إن عيسى لم يمت، وهو شرك عظيم يأكل الحسنات ويخالف الحياة، بل هو كمثل إخوته مات، كمثل أهل زمانه وأن عقيدة حياته قد جاءت في المسلمين من الملة النصرانية" (39).

4 - غباء من يؤمن بها: "إن بعض الصحابة الذين ليس لهم حصة من الدراسة وكانوا من الأغبياء -مثل أبي هريرة الذي كان غبياً، وليس له دراسة جيدة- ويعتقدون بحياة عيسى ونزوله من السماء" (40).

5 - استعارة وإعلان عن عودته هو: "إن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح بن مريم قد ُرفع إلى السماء بجسده العنصري، وأنه سينزل من السماء، في عصر من العصور، وقد أثبت في كتابي (فتح إسلام) أنها عقيدة خاطئة، وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام -على طريق الاستعارة- بقدوم مثيل المسيح وإن هذا العاجز هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام"(41).

وقد أثير موضوع عودة المسيح والفكر القادياني في مصر سنة 1942م، عندما تقدم هندي يُسمى عبد الكريم خان في القيادة العامة لجيوش الشرق الأوسط، بسؤال إلى مشيخة الأزهر، جاء فيه: "هل عيسى حي أو ميت في نظر القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما حكم المسلم الذي ينكر أنه حي، وما حكم من لا يؤمن به إذا فرض أنه عاد إلى الدنيا مرة أخرى؟".

"وقد صدر العدد رقم 463 من (مجلة الرسالة) يوم الاثنين الموافق 1/5/1942م يحمل فتوى الشيخ محمود شلتوت، عنوانها (رفع عيسى) ومضمونها أن عيسى مات موتاً حقيقياً، وأنه لم يُرفع بجسمه إلى السماء، وأنه لا ينزل في آخر الزمان، وأن الأحاديث الواردة في ذلك آحاد، وأن الآحاد لا يُعمل بها في العقائد والمغيبات بالاجماع، وأنها مضطربة اضطراباً لا مجال معه للجمع بينها، وأنها فوق ذلك من رواية وهب بن منبه وكعب الأحبار، وأن درجتهما عند أهل الحديث معروفة -أي أنهما غير مقبولين أو غير ثقتين- إلى غير ذلك مما جاء في تلك الفتوى" (42).

والشيء المؤسف أن هذا الفكر القادياني وجد من يؤيده في مصر، فقد كتب الشيخ محمد رشيد رضا، تحت عنوان: "القول بهجرة المسيح وموته في بلدة سرى نكرا في كشمير": يوجد في بلدة سرنكرا مقبرة فيها مقام عظيم، يقال هناك، أنه مقام نبي جاء إلى بلاد كشمير من زهاء ألف وتسعمائة سنة يُسمى "بوزأسف" وأن اسمه الأصلي عيسى صاحب، وكلمة صاحب في الهند لقب تعظيم، وأنه من بني إسرائيل وأنه ابن ملك، وأن هذه الأقوال مما يتناقله أهل تلك الديار عن سلفهم وتذكره بعض كتبهم، وأن دعاة النصرانية الذين ذهبوا إلى ذلك المكان لم يسعهم إلا أن قالوا: إن ذلك القبر لأحد تلاميذ المسيح أو رسله، ذكر ذلك بالتفصيل غلام أحمد القادياني الهندي في كتابه الذي سماه (الهدى والتبصرة لمن يرى) وذكر فيه أنه بالإجمال، وأن تفصيل هذه المسألة يوجد في كتاب معروف هناك اسمه (إكمال الدين) وذكر أكثر من سبعين اسماً من أسماء أهل ذلك البلد الذين قالوا: إن ذلك القبر هو قبر المسيح عيسى بن مريم¨ . ورسم صورة المقبرة بالقلم، وأما قبر المسيح فوضعه في الكتاب بالرسم الشمسي (الفوتوغرافي)، مكتوباً عليه "مقبرة عيسى صاحب".

وغلام أحمد هذا يفسر الإيواء في قوله تعالى: "وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين" 23: 5. يفسره بالهجرة إلى الهند والتنجية من الهم والكرب والمصائب والمخاوف. واستشهد بقوله تعالى: "ألم يجدك يتيماً فأوى" 93: 6، وقوله تعالى: "اذكروا إذ أنتم مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره" 8: 6، وقوله حكاية نوح: "آوى إلى جبل يعصمني من الماء" 11: 43، والربوة المكان المرتفع، وبلاد كشمير من أعلى الدنيا، وهي ذات قرار مكين، وماء معين والمشهور عند المفسرين، أن هذه الربوة هي رملة فلسطين أو دمشق الشام، ولو آوى الله المسيح وأمه إليهما لما خفي مكانهما، ولا سيما إذا كان ذلك بعد محاولة صلبه وتألب اليهود عليه، كما يدل عليه لفظ الإيواء، الذي لم يستعمل في القرآن إلا في الإنقاذ من المكروه، كما علم من الأمثلة المذكورة أيضاً، ومثله قوله تعالى في الأنصار: "والذين أووا وأجروا" 8: 72، وفي يوسف: "آوى إليه أخاه. فقال إني أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون" 12: 69، وفي آية أخرى: "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" 12: 39.

ولم يكن قبل تألب اليهود عليه والسعي لقتله وصلبه في مخافة يحتاج فيها إلى الإيواء في مأمن منهم، ففراره إلى الهند وموته في ذلك البلد ليس ببعيد عقلاً ولا فعلاً"(43)

الرد:

بعد أن صدرت فتوى الشيخ شلتوت قام بالرد عليها الشيخ عبد الله الغمارى (44)، والشيخ محمد زاهد الكوثري (45)، والشيخ محمد حامد الفقي(46)، وغيرهم من الشيوخ الأجلاء، وفندوا ما جاء في هذه الفتوى، وأكدوا رفع المسيح الجسدي وعودته مرة ثانية وكونه علم الساعة.

والشيخ محمد رشيد رضا نفسه بعد أن عرف الحقيقة كتب: "إن غلام القادياني لا يوثق بنقله ولا بعقله كما يعلم من كتبه المتناقضة، وقد كان يدّعي أنه المسيح عيسى بن مريم الذي أنبأت الأحاديث بأنه سينزل آخر الزمان من السماء وأنه يوحى إليه، ونشر من وحيه الشيطاني في كتبه كثيراً من النثر والشعر الشخصي، ويتأول الأحاديث الواردة في المسيح تأويلات لا تقبلها اللغة العربية أن تدخل في باب من أبواب الحقيقة ولا المجاز ولا الكناية، وإنما عني بما نقله عن مقبرة كشمير، لأنه يستدل به على زعمه أنه هو المسيح المنتظر، وقد فندت دعواه الخرافية في مقالات نشرتها في المنار، كان لها تأثير عظيم في الهند، ونقلتها الجرائد وترجمتها، واضطر هو إلى الرد عليها بل الهجاء لي بوحيه الشيطاني بما يسخر منه العقلاء، وكان داعية للدولة البريطانية يمدحها ويقول بوجوب حبها والخضوع لها وتحريم عصيانها، والخروج علينا. وبهذا يتيسر له جمع ثروة كبيرة وعصبية وأتباع يفرقون كلمة المسلمين ويدعون الناس إلى الإيمان بنبوته ومسيحيته، وقد أفتى علماء المسلمين بكفره وكفرهم كفانا الله شرهم" (47).

فالفكر الإسلامي لا يؤيد القادياني ويشكك في صحة دعاوي الغلام، فالشيخ محمد أبو زهرة، بعد أن نقل عن تفسير المنار -ما سبق- قال: إن الغلام أحمد راو يشك في صدقه" (48)، والشيخ عبد الوهاب النجار قال: "في رأيي أن دعواه مجيء المسيح إلى الهند أمر يحتاج إلى بحث واف وتحقيق دقيق، ولا يمكن تصديقه إلا بظهور الأمر ظهوراً بيناً قاطعاً لكل شبهة، ولو ثبت ذلك ما أفاده شيئاًً، لأننا إذا تمشينا مع الأحاديث وجدنا فيها علامات منها أنه يقتل الدجال... وهذا لم يحصل من ذلك الرجل" (49).

ولكي تكون الصورة واضحة سنبين هنا المجيء الثاني للمسيح في الإيمان المسيحي ثم فكرة مختصرة عن عودة المسيح في الفكر الإسلامي:

أولاً: المجيء الثاني للمسيح بحسب المفهوم المسيحي:

إن عقيدة المجيء الثاني للمسيح حقيقة لا شك فيها، ولأنها حقيقة مؤكدة، فقد أجمع عليها المسيحيون في كل العصور. وهذه الحقيقة معلنة بكل وضوح في الكتاب المقدس وقد ذكرتها إصحاحات كاملة مثل مت24، 25، مر13، لو21، 1كو15.

(1) حقيقية المجيء الثاني:

لقد شهد لحقيقة المجيء الثاني:

1 - المسيح نفسه: ففي إنجيل متى قال المسيح: "وحينئذ تظهر علامات ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير" مت30:24، وأيضاً مت31:25، لو27:21، وفي سفر الرؤيا: "ها آتي سريعاً وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله" رؤ12:22.

2 - التلاميذ والرسل:

- الرسول يوحنا: سجل في إنجيله قول المسيح: "إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك " يو22:21، وفي رسالته الأولى قال: "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر سنكون مثله لأننا سنراه كما هو" 1يو2:3، وفي الترجمة التفسيرية (كتاب الحياة): "فإننا متأكدون أننا عندما يعود المسيح ظاهراً سنكون مثله لأننا سنراه على حقيقته". وفي رؤ7:1 "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين".

- الرسول بطرس: يتحدث عن ذلك: "لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح" 1بط7:1.

ويؤكد أنه : "متى ظهر رئيس الرعاة -أي المسيح- تنالون إكليل المجد" 1بط4:5.

ويحض المؤمنين أن يحيوا "منتظرين وطالبين سرعة مجيء الرب" 2بط3:.12.

- الرسول بولس: يلفت أنظارنا أننا يجب أن نكون متوقعين ‎استعلان ربنا يسوع المسيح (1كو1: 7)، وأن لا نحكم في شئ "حتى يأتي الرب" 1كو4: 5، ويجب أن تكون سيرتنا في السماوات التي ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح" في3: 20، وعلينا كمؤمنين "أن نحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح" 1تي6: 14، وأن نعيش " منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" تي2: 13 ويفتخر الرسول بولس بأنه قد وضع له "إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل، وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره" 2تي 4: 8. أقرأ: 1كو15: 23، 1تس1: 10، 1تس2: 9، عب9: 28.

3 0 الملائكة:

بعد قيامة المسيح من الموت، وظهوره لتلاميذه مدة أربعين يوماً (أع1: 3)، نرى هذا المشهد لصعود المسيح، "فيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان وقفا بهم بلباس أبيض (ملاكان) وقالا: أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذاكما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" أع1: 10-11.

(2) بعض العبارات التي وصف بها المجيء الثاني في الكتاب المقدس: (50)

أ - استعلان: وهذا يوضح ظهور المسيح في مجده (1كو1: 7، 2تس1: 7، 1بط1: 7،13، 1بط4: 13).

ب - ظهور: اعلان أن ظهور المسيح هو مجيء الرب (2تس2: 8، 1تي6: 14، 2تي4: 1،8، تي2: 13).

جـ - مجيء: وهو أكثر التعبيرات استخداماً في العهد الجديد (مت24: 3-29، 1كو15: 23، 1تس2: 19، 1تس3: 13، 1تس4: 15، 1تس5: 23، 2تس2: 1-9، يع5: 7-8، 2بط1: 16، 2بط3: 4-8، 1يو2: 28).

ملحوظة: لقد ذكرنا هنا أهم وأشهر التعبيرات، دون أن نضع في الاعتبار الاختلافات التي يراعا البعض بينها.

(3) كيفية المجيء:

من خلال الكتاب المقدس نرى أن هذا المجيء:

أ - شخصي: أي أن المسيح سوف يأتي شخصياً بذاته، وليس آخر بهديه أو روحه أو تعليمه كما يرى الغلام وأتباعه.

(يو14: 3، يو21: 22-23، أع1: 1-11، 1تس4: 16-17، تي3: 20-21، عب9: 28، يع5: 7، 2بط3: 3-4، 1يو2: 38، 1يو3: 2-3).

ب - علانيته: أي ظاهر ومرئى (مت24:27-30، مت25: 31-46، لو17: 24، أع1: 9-11،2كو5: 10، رؤ19: 11).

جـ - مفاجئ: أي في وقت غير معروف وغي متوقع (مت24: 26-58، مت25: 1-2، مر13: 33-37، لو21:34-36، 2بط3: 10).

هـ - مع الملائكة: (مت16:27، مت25: 31، 2تس1:7، يه14).

فهل تنطبق هذه الصفات على القادياني يوم أن جاء إلى العالم، هل صاحبت مجيئه جوقة من الملائكة.

(4) أهمية دراسة عقيدة المجيء الثاني:

1 - مفتاح للأسفار الإلهية:(53)

تتخذ عقيدة المجيء الثاني مكانة بارزة ومتميزة عبر الكتاب المقدس كله، فيذكرها العهد الجديد أكثر من ثلاثمائة مرة، مخصصاً إصحاحات بأكملها لهذا الموضوع (مت24، 25، مر13، لو21، 1كو15)، كما تكرست أسفار كاملة لهذا الموضوع، (1تس، 2تس، رؤ).

يعلن الرسول بطرس أن الله تكلم بفم أنبائه القديسين منذ الدهر عن أزمنة رد كل شئ وعن مجيء المسيح (أع3: 19-22). وهناك إلى جانب هذا العديد من الوعود من الوعود المحددة في العهد الجديد بمجيء المسيح (مت 16: 21، يو14: 13-18، عب13: 37، يع5: 8، رؤ1: 7، رؤ22: 12،20).

2 - توضيح العقائد المسيحية: (54)

ا - الخلاص: ويشمل الماضي والحاضر والمستقبل، ولا يمكن توضيح الخلاص في المستقبل بعيداً عن الإيمان بمجيء المسيح.

ب - المعمودية: تتضمن القيامة مع المسيح، وستظهر هذه الحياة الجديدة في المسيح يسوع متى أظهر حياتنا في مجده. (كو3: 1-14).

جـ - العشاء الرباني: يحمل ارتباطاً بالمجيء الثاني ويقول الرسول بولس: "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ" 1كو11: 26.

3 - فيه للمؤمن رجاء وتعزية (55)

إن التعليم المتعلق بمجيء المسيح ثانية، هو إعلان مجيد، فيه أعظم عزاء للمؤمنين فقد أعلن الرب مجيئه ثانية ليكون مصدر تعزية لهم في ضيقاتهم، وليحفزهم للقيام بواجبهم (لو21: 28، لو3: 4-5، 1كو1: 7، 1تس1: 7، 1تس4: 18، تي3: 2، عب9: 28، يع5: 7، 2بط3: 2-3، رؤ22: 2). فعلى المؤمنين أن يمتلئوا بالمحبة، ويسهروا منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب. فمجيء المسيح هو رجاء المؤمنين (أع23: 6، أع26: 6-8، رو8: 23-25، مو15: 9، غل5: 5، تي2: 13).

4 - فيه لغير المؤمنين تحذير وإنذار:

إن في إعلان الكتاب المقدس الثاني للمسيح إنذار مخيف جداً لغير المؤمنين الذين يرفضون هذا الإعلان الإلهي، فهو يوضح لهم المصير الرهيب الذي ينتظرهم، ويعلن لهم أن في إمكانهم النجاة من هذا المصير، وذلك بالتوبة والإيمان بالرب يسوع المسيح مخلاً وفادياً لحياتهم (مر13: 35-27، لو3: 8، 2تس1: 7-8، 2بط3: 3-10، يه14-15).

5 - حافز لحياة مسيحية كتابية: (57)

إن المجيء الثاني هو أعظم حافز نحو الحياة المسيحية الكتابية، فإيمان الجاد بهذه العقيدة ذو علاقة وطيدة باستقامة الرأي، فإن من له هذا الرجاء-قلبياً وعقلياً- لن ينكر لاهوت المسيح، ولن يتساءل عن سلطان الكتاب المقدس، والإيمان المسلم مرة للقديسين، وأيضاً يحث الإنسان على أن يُطهر ذاته (مت25: 6-20، 2بط3: 11، 1يو3: 3). ويوصيه بالاستعداد والثبات (مت24: 44، مر13: 35-36، 1تس5:6، 1يو2: 28) ويحض المنزلقين على العودة (رو13: 11-12).

إن هذه الرجاء المبارك كان حافزاً إلى المسيحية الرسولية، فإن من سمعوا يسوع يقول: إنه سيأتي ثانية، لا يمكن أن ينخدعوا بأباطيل هذا العالم، فقد تشوقوا إلى مجيئه انتظروه، وعاشوا من أجله، ساعين أن يقودوا الآخرين إلى المسيح وإلى رجاء محبته وفي الوعود بمجيء المسيح اعظم دافع للخدمة (مت24: 45-51، لو19: 13، أع1: 18، أع 15: 13-18، رو11: 22-32، 1كو3: 11-15، 2تس: 1: 7-10).

(5) نظريات المجيء الثاني: (58)

يجمع المسيحيون على حقيقة المجيء الثاني للمسيح، ولكنهم يختلفون حول موعد هذا المجيء والأحداث المصاحبة له. ويرجع هذا الاختلاف إلى عبارة "الملك الألفي" التي وردت في سفر الرؤيا ست مرات (رؤ20: 4-6)، فالتساؤل هنا هل سيأتي المسيح بعد الألف سنة أم قبلها؟ وهل تعني مدة محددة أو غير محددة؟ وحول هذا الموضوع هناك آراء نعرض لكل منها بدون الدخول في تفصيلاتها:

أ - المجيئ بعد الألف سنة Part Millienanism ¨

ويرى أصحاب هذه النظرية، أن الألف سنة فترة زمنية غير محددة، وأن هذا الملك ملك روحي، لا حرفي. ففي خلال هذه الفترة يملك المسيح روحياً على المؤمنين عن طريق تأثير الروح القدس، وبعد انتهاء هذه الفترة يحل الشيطان، ويحدث ارتداد عظيم ثم يأتي المسيح على السحاب بمجد عظيم، ويقيم الأموات ثم بعد ذلك الدينونة العامة.

ب - المجيء قبل الألف سنة Pre Millienanism

ويرى أصحاب هذه النظرية أن الألف سنة فترة زمنية محددة، وأن الملك الألفي ملك حرفي أرضي، يسبقه اختطاف الكنيسة وعشاء عرس الخروف لمدة سبع سنوات وأثناء ذلك تكون الضيقة العظيمة على الأرض، وبعدها يأتي المسيح مع قديسيه، ويبدأ الملك الألفي على الأرض، وفي نهاية الألف سنة يرتفع المسيح ويحل الشيطان، وبعد ذلك القيامة والدينونة. وتثور بعض الاختلافات حول تفاصيل الأحداث السابقة بين معتنقي هذا الرأي.

جـ - اللا ألفيون A. Millienanism

ويرى أصحاب هذه النظرية أن الألف سنة، أما أن تكون الفترة ما بين مجيء المسيح الأول ومجيئه الثاني، أو الفترة ما بين موت المؤمن الجسدي وقيامته، وهذه نظرية توفيقية بين النظريتين السابقتين.

(6) المجيء الثاني وموعده:

"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن إلا الآب، انظروا واسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت" مر13: 32-33. أي أن موعد المجيء الثاني لا يعلم به أحد، وهنا سوف نركز على نقطتين:

(أ) المسح وموعد مجيئه:

استغل البعض ما جاء في النص السابق وقالوا: إذا كان المسيح هو الله فكيف لا يعرف ذلك اليوم؟ فهل حقاً لا يعلم المسيح تلك الساعة؟ وهل في هذا دليل على عدم إلوهيته؟

- لكي نفسر هذا النص أو غيره من النصوص يجب:

أ - أن نفسره في ضوء كل الكتاب المقدس أي نفسر النصوص الإلهية بالنصوص الإلهية، أي قارنين الروحيات بالروحيات.

ب - إذا فسرنا هذا النص حرفياً، فهو يعني أن المسيح لا يعلم اليوم والساعة، وهذا لا يستقيم مع الكثير من نصوص الكتاب المقدس التي تتحدث عن المسيح، الإله المتجسد العارف بكل شئ.

جـ - إذا لا نستطيع أن نأخذ هذه الآية على معناها الظاهر، بل يجب أن نبحث عن المقصود من ورائها.

لم يذكر كلمة (ولا الابن) سوى إنجيل مرقس، وهو يركز على المسيح باعتبار ناسوته فالمسيح كما أنه إله تام، فهو إنسان تام، وهو باعتبار كونه إنساناً، لا يعرف اليوم أو الساعة، ولذلك لم يقل المسيح أنا لا أعلم ذلك اليوم، كما قال من قبل "أنا والآب واحد"، بل قال ولا (الابن) أي الابن باعتبار الناسوت، ولو كان يقصد الابن من حيث هو أزلي، ففي قوله إلا الآب يظهر كأنه ينفي المعرفة عن الروح القدس وهو الأقنوم الثالث من اللاهوت، وهو روح الله، وكيف يمكن أن نتصور الله يعرف أمراً لا يعرفه روحه؟ إذن فالمسيح لا يتكلم عن نفسه من حيث هو إله، ولكن من حيث هو إنسان، وبهذه الصفة لا يعرف زمن القيامة" (57).

وقال القديس أثناسيوس: إن السيد المسيح قال لتلاميذه عن يوم وساعة مجيئه أنه لا يعرفها أحد ولا الابن لئلا يسألوه عن هذا السر الذي لا يجوز لهم أن يطلعوا عليه، كما يقول صاحب السر إني لا أعلم هذه المسألة، أني لا أعلمها علماً مباح به، لأن بطرس قال له: يارب أنت تعلم كل شئ" (58).

لماذا أخفى الله هذه الساعة عن تلاميذه؟

قال المسيح لتلاميذه عندما سألوه هل في ذلك الوقت ترد الملك لإسرائيل، قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الله في سلطانه" أع1: 6-7، ولم يكن من المناسب أن يعرف التلاميذ كل شئ، وقد قال لهم المسيح: "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" يو16: 12.

فلو علم التلاميذ بهذا الموعد لفترت همتهم في الكرازة، ولو علم المؤمنون هذه الساعة لفتر نشاطهم الروحي، وبلا شك سوف يؤجل الخطاة توبتهم، ولهذا أخفيت عنا ساعة المجيء حتى نضع قول المسيح: "انظروا، اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون ذلك الوقت مر13: 33. وهكذا نحيا كل حين:

أ - ساهرين: وقد أوضح المسيح ذلك في مثل العشر عذارى (مت25: 1-13)، ومثل العبيد الذين أعطاهم سيدهم الوزنات وطالبهم بالعمل حتى مجيئه (مت25: 14-30).

ب - منتظرين: 1كو1: 7.

جـ مستعدين: مت 25: 1-46، يع 5: 7-8.

د - مقدسين: 1تس5: 23، 1تي6: 14، 2بط3: 14.

هـ - مصلين: مر13: 33

(ب) الإنسان ومحاولاته الفاشلة لتحديد موعد المجيء:

قال المسيح: "اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" مت 24: 42، "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" أع1: 7-8.

ورغم هذا ظهر على مر العصور أشخاص ‘دعوا أنهم يستطيعون تحديد موعد مجيء المسيح ثانية ومن هؤلاء الأشخاص(59)

ا - وليم مللر: معمداني أمريكي، قاد حركة منتظري المسيح، عام 1822م. ومن خلال دراسته للنبوات الخاصة بمجيء المسيح، وخاصة ما جاء في دانيال 8، استنتج أن المسيح سوف يأتي سنة 1843م، وأعلن ذلك سنة 1831م، وقد بنى استنتاجه على ما جاء في دا8: 13-14 "فسمعت قدوساً واحداً يتكلم، فقال قدوس واحد لفلان المتكلم، إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب، لبذل القدس والجند مدوسين؟ فقال لي: إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء، فيتبرأ القدس" .

وقد فسر وليم مللر:

- تبرئة القدس بمجيء المسيح ثانية إلى الأرض.

- 2300 صباح ومساء بأنها تعني 2300 سنة.

- وحدد موعد بداية إحصاء هذا الزمن فقال إنه يبدأ من السبعين أسبوعاً المذكورة في دا9: 24،25 أي في عام 457ق.م، فتصبح النتيجة 2300-457 = 1847 ب.م

ولما مرت سنة 1843م، ولم يحث شئ، منيت الحركة بخيبة أمل شديدة.

2 - صموئيل سنود

أحد أتباع حركة منتظري المسيح، وبعد الفشل السابق، أعلن أن مجيء المسيح سيكون في 22 أكتوبر 1844م طبقاً للتقويم اليهودي. ولكن هذه النبوة خابت أيضاً، فاضطروا بعد ذلك إلى إعلان خطأ حساباتهم وانتظار عودة المسيح دون تحديد موعد لها.

3 - حيرام إدسون

أحد دعاة الأدفنتست (المجيئيون)، أعلن : "علمت في رؤيا أن خروج كاهننا العظيم من قدس الأقداس لكي يأتي إلى الأرض ما زال بعيداً جداً، إلا أنه في نهاية 2300 صباح ومساء، دخل للمرة الأولى، القسم الأول من القدس، لكي يكمل أحد الأعمال قبل مجيئه إلى الأرض".

4 - تشارلس رسل (1852-1916م)

مؤسس طائفة شهود يهوه، وهو أمريكي، أنضم إلى جماعة الأدفنتست فترة ثم انفصل عنهم وكوّن طائفة شهود يهوه. بعد دراسة شاملة للنبوات عن مجيء المسيح، حدد عام 1876م تاريخاً أكيداً لمجيء المسيح، وعندما لم تتحقق نبوته، ومُني بخيبة كبرى زعم في عام 1876، أن المسيح جاء فعلاً وإنما بصورة غير منظورة.

وفي سنة 1880م أصدر منشوراً، حدد فيه نهاية هذا العالم الشرير، وذلك سنة 1914م. وهذه التاريخ صار فخاً لكثيرين، بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، فانجذب عدد كبير من الناس إلى تصديق زعمه.

الرد على هذه الادعاءات:

لكي نفسر نبوات العهد القديم عن مجيء المسيح، يجب أن نفسرها في ضوء المضمون الكامل لكلمة الله، ولا نتناول آية واحدة بمفردها لنبني عليها عقيدة، ويجب أن نفرق بين التاريخ والنبوة، فالنبوة لا تتضمن حتماً كل الخطوات بين الحوادث العظيمة، موضوع النبوة، أي أنها لا تأخذ في الاعتبار مرور الزمن بين الحوادث (إش61: 1-2، لو4: 18-19)، وأسلوب النبوة يتسم بالغموض وبه صور مجازية، ولكن الحق الذي تحمله واضح ومؤكد بلا شك، وهؤلاء الأشخاص، وغيرهم على مر السنوات حتى اليوم، قد تجاهلوا المبادئ الصحيحة لتفسير النبوات، فقادهم هذا إلى نظرياتهم السابقة.

وإذ نضع هذه الإدعاءات في ضوء كلمة الله نرى من خلال دا8: 13-14.

1 - أن تبرئة القدس تعني عودة المحرقة الدائمة التي تم إبطالها وتطهير الهيكل اليهودي منها، وكما ذكر في التاريخ، فقد تم وقف المحرقة عام 168ق.م حتى 165ق.م على يد انطيخوس الرابع، الذي ملك على سوريا سنة 175-164ق.م، وهو الذي نجس الهيكل برش دم الخنزير، وأمر اليهود بالتخلي عن ديانتهم وعبادة الإلهه اليونانية وأوقف تقديم الذبائح. حتى قامت الثورة المكابية بقيادة يهوذا المكابي، وتم إعادة المحرقة.

2 - أن المقصود ب2300 هو عدد المحرقات التي تعطل تقديمها، ذبيحتان يومياً في 1150 يوم، فيكون المجموع 2300 ذبيحة.

3 - أن الميعاد الذي حدده مللر لبداية ال 2300 وهو بداية السبعين أسبوعاً، وذلك عند صدور أمر الملك الفارسي لنحميا بالعودة إلى أورشليم، تحديد خاطئ، حيث أن هذا الملك لم يبطل ذبيحة المحرقة، بل هو الذي ساعد اليهود على العودة إلى أورشليم وإعادة بنائها (نح2:1-5) .

4 - أما القول بأن المسيح جاء بصورة غير منظورة -وذلك لتبرير فشلهم- وأنه دخل للمرة الأولى إلى القدس لكي يعمل أحد الأعمال، والذي فسروه فيما بعد بأنه تطهير القدس السماوي فهذا أيضاً خطأ. وهنا نسأل:

أ - هل في السماء هيكل؟ كلمة الله تعلن "ولم أر فيها هيكلاً، لأن الرب القادر على كل شئ هو والخروف هيكلها" رؤ21: 22.

ب - هل السماء بها قدس أول وقدس ثان؟ وأن المسيح لم يدخل القدس الأول حتى طلعوا علينا بنبواتهم؟

جـ - هل كان عمل المسيح ناقصاً يحتاج إلى أن يكمله في السماء؟ وهو الذي قال: "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" يو17: 4

د - هل معنى ذلك أن الكفارة لم تتم على الصليب؟ إن هذا بلا شك مناقض لأقوال الكتاب المقدس(عب1: 3، 7: 26-27، 9: 25-26، 10: 10-14، 2كو5: 8، لو1: 19-22... الخ)

ملحوظة:

ظهر في كوريا في القرن ال20 أشخاص أعلنوا أن مجيء المسيح يوم 28/ 10/ 1992م.

ثانياً: عودة المسيح في الفكر الإسلامي

هناك شبه اجماع على رفع المسيح حياً، ونزوله آخر الزمان. والقائلون بهذا يستندون على ما جاء في (آل عمران 45، 46، المائدة 110، النساء 157، 159، الزخرف 57، 59، 61)، وأيضاً على أكثر من سبعين حديث حول هذا الموضوع.

يقول السيوطي -العلامة والمفسر المعروف "نفي نزول عيسى كفر"(60).

ويقول الشيخ محمد شفيع مفتي باكستان: "أنه لا محيد لمن آمن بنبوة محمد من أن يؤمن بنزول عيسى بن مريم النبي الإسرائيلي بعينه في آخر الزمان، من غير تأويل ولا تأمل، ومن آبى فقد آبى"، أي من آبى الإيمان بنزول عيسى فقد آبى الإيمان بنبوة محمد. ونعوذ بالله من ذلك (61). والذين يشذون على هذا الاجماع يقولون أن هذه الأحاديث آحاد ولا تبنى عليها عقيدة، والبعض يرى أنها مسيحيات دخلت إلى الإسلام، وعندما أثار القاديانيون هذا الموضوع في مصر وأصدر الشيخ شلتوت فتواه كثرت الكتب حول هذه القضية، وعلى من يريد الاستزادة الرجوع إلى هذه الكتب(62).

الصفحة الرئيسية