موت المسيح

لقد أتى المسيح من السماء، لا ليُخدَم، «بل ليَخدُم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مرقس10: 45). وقَبِلَ المسيح الموت نيابة عنا، أو بكلمات أخرى: قَبِلَ أن يموت موتاً كفارياً. وفي هذا قال المسيح، من بداية خدمته على الأرض: «ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان» (يوحنا3: 14).

إن كان الله في البداية قد طرد آدم من الجنة نتيجة لخطيته التي أخطأ بها ضد الله، وإن كان كل نسله قد وُلدوا خارج الجنة في مكان البعد عن الله، فكيف يمكن لله أن يعيد الإنسان ثانية إلى حماه؟ فإنه لو كان الله مستعداً للتنازل عن حقوقه، ما الذي جعله من البداية يطرد آدم، إذا كان سيعود فيقبله ويقبل نسله مرة ثانية إليه، دون الكفارة اللازمة؟

لكن الوحي الإلهي يقدم لنا الإجابة السديدة عندما يقول: «إن المسيح تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله» (1بطرس3: 18). فبالخطية تم طرد الإنسان من محضر الله، وبالكفارة تتم إعادته من جديد.

وفكرة الموت النيابي، أو موت كائن بديلاً عن كائن آخر، هي فكرة محفورة في أعماق التاريخ. ومع أن هذه الكلمة “الموت النيابي” لم ترد بحصر اللفظ على صفحات الوحي المقدس، لكن المعنى واضح فيه كل الوضوح، ولعل أوضح إشارة إليها هي ما ورد في سفر التكوين 22، عندما طلب الله من إبراهيم أن يقدم ابنه الذي يحبه، فنحن نعرف كيف أن ابن إبراهيم لم يمُت، إذ افتداه الله من الموت، وكانت الفدية بذبح عظيم!

ليس أن الكبش في ذاته كان عظيماً، فالعظمة هي صفة من صفات الجلالة دون سواه، بل أعتقد أن الكبش كان عظيماً في المدلول الرائع الذي له، وعظيماً فيمن كان يشير إليه. وحقاً ما أعظم هذا الدرس الذي يتخلل كل صفحات الوحي الإلهي! فالكتاب المقدس دائماً يؤكد أنني إنسان مذنب وخاطئ، واستحق الموت عدلاً، لكن الله كان عنده الحل ليفديني. وما أعظم السؤال الذي سأله إسحاق في هذا الفصل (تكوين22)، موجِّهاً إياه إلى أبيه: «أين الخروف؟». وما أعظم إجابة إبراهيم على هذا السؤال: «الله يرى له الخروف». ولقد ظلت إجابة إبراهيم أبي المؤمنين هذه، محفورة في وجدان الأتقياء عبر عصور العهد القديم، حتى أتى يوحنا المعمدان وأشار إلى المسيح بالقول: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يوحنا1: 29).

إن تعبير «حمل الله» الذي نطق به يوحنا، يمكن أن نعتبره الترجمة الإلهية لذلك “الذبح العظيم” الذي كان يتوقعه إبراهيم. ذلك لأن تعبير «حمل الله» يعني - ضمن ما يعني - الحمل الذي يناسب الله، كما يعني أيضاً، الحمل الذي جهزه الله وأعده بما يتناسب مع متطلبات قداسته المطلقة، ومع فيض محبته المتدفقة نحو الإنسان الخاطئ، نحوي أنا ونحوك أنت أيها القارئ العزيز.

عن هذا الموت الفدائي والنيابي تأتي كلمات الوحي الصريحة والمباشرة عن المسيح، إذ يقول الرسول بولس في رومية4: 25 «الذي أُسلم من أجل خطايانا، وأُقيم لأجل تبريرنا». بل حتى في العهد القديم تأتي كلمات إشعياء النبي عن ذلك الحمل المذبوح «وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا» (إشعياء53: 5). لك المجد يا ربنا، فمن جانبنا كانت المعاصي والآثام، ومن جانبك كانت الجروح والسحق بسببها؛ من جانبنا كانت الخطية، ومن جانبك كان الموت بسببها. ومن خلال السحق والأحزان، أمكننا أن نعرف شيئاً عن محبة الرحمان، تجاه بني الإنسان.

يدعي بعض الهراطقة أن المسيح من فوق الصليب لم يمت، بل كل ما حدث له هو إغماءة فقط، سرعان ما أفاق منها بعد وضعه في القبر الرطب. لكننا نعلم تماماً أن إغماءة المسيح ما كانت لتكفِّر عنا، لأن أجرة الخطية، ليست إغماءة، بل موتاً (رومية6: 23). لقد كان ينبغي أن يموت المسيح لأجلنا. فإن الإنجيل الذي قبلناه والذي به نخلص هو: «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب» (1كورنثوس15: 1-3). ويفتكر البعض الآخر أن أحد تلاميذ المسيح مات مكان المسيح، لكن الكتاب المقدس يقرر بكل وضوح أن المسيح هو الذي مات نيابة عن التلاميذ، بل ونيابة عن الملايين من المؤمنين به. وليس فقط لم يمت أحد التلاميذ مكان المسيح، بل إن أحداً منهم لم يكن معه في ساعة الصليب، إذ تركه الجميع وهربوا (متي26: 56). لقد قال المسيح لبطرس: «حيث أذهب، لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً» (يوحنا13: 36). وإذا افترضنا جدلاً أن البشر كانوا عرضة لأن يختلط الأمر عليهم، ولا يميزوا بين المسيح وتلاميذه، فإنه يقيناً ما كان ممكناً أن يختلط الأمر على الله. اسمع كلمات النبي إشعياء عنه «أما الرب فسُرّ بأن يسحقه بالحزن، إن جعل نفسه ذبيحة إثم... من أجل أنه سكب للموت نفسه» (إشعياء53: 10-12).

نعم عزيزي القارئ، لقد مات المسيح، هذه حقيقة تاريخية مؤكدة. لكني أضيف أنه مات من أجلك، وهذا جوهر الإنجيل: الخبر السار، الذي أقدّمه لك. فهل ترفضه؟ ليت روح الله يفتح قلبك وذهنك لتعرف أنه

أن تمضي دُونَ نِعمة الإيمانْ

وكيفَ تراهُ في يَومِ العِقَابْ؟
بِغَيْرِ المَسِيحِ، بِغَيْرِ الرِّدَاءْ
وَليْسَ بِنَفْعٍ، وَليْسَ رَجَاءْ

 

صَعبٌ عليكَ أيُها الإنسانْ

فَمَاذَا سَتَفْعَلْ فِي يَوْمْ الحِسَابْ
بِدُوُنِ الصَّلِيِبِ، بِدُوُنِ الفِدَاءْ
لَسَوْفَ تَصِيحُ، وَيَعْلُوُ البُكَاءْ

عودة للرئيسية