علاقة ورقة والوحي وموت ورقة وفتور الوحي

 

‏باب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏سعيد بن مروان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو صالح سلمويه ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏يونس بن يزيد ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏أن ‏ ‏عروة بن الزبير ‏ ‏أخبره أن ‏ ‏عائشة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالت ‏
‏كان أول ما بدئ به رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا ‏(((‏ يرى )))‏ رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يلحق ‏ ‏بغار حراء ‏ ‏فيتحنث فيه ‏ ‏قال والتحنث التعبد ‏ ‏الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى ‏ ‏خديجة ‏ ‏فيتزود بمثلها ‏ ‏حتى فجئه الحق وهو في ‏ ‏غار حراء ‏ ‏فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ‏

‏اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ‏ ‏الآيات إلى قوله ‏ ‏علم الإنسان ما لم يعلم ‏

‏فرجع بها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ترجف بوادره حتى دخل على ‏ ‏خديجة ‏ ‏فقال ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني ‏ ‏فزملوه ‏ ‏حتى ذهب عنه الروع قال ‏ ‏لخديجة ‏ ‏أي ‏ ‏خديجة ‏ ‏ما لي لقد خشيت على نفسي فأخبرها الخبر قالت ‏ ‏خديجة ‏ ‏كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل ‏ ‏الكل ‏ ‏وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به ‏ ‏خديجة ‏ ‏حتى أتت به ‏ ‏ورقة بن نوفل ‏ ‏وهو ابن عم ‏ ‏خديجة ‏ ‏أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت ‏ ‏خديجة ‏ ‏يا ابن عم اسمع من ابن أخيك قال ‏ ‏ورقة ‏ ‏يا ابن أخي ماذا ‏(((‏ ترى )))‏ فأخبره النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خبر ما رأى فقال ‏ ‏ورقة ‏ ‏هذا الناموس الذي أنزل على ‏ ‏موسى ‏ ‏ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا ذكر حرفا قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أومخرجي هم قال ‏ ‏ورقة ‏ ‏نعم لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ‏ ‏ورقة ‏ ‏أن توفي ‏(((‏ وفتر الوحي )))‏ فترة حتى حزن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏قال ‏ ‏محمد بن شهاب ‏ ‏فأخبرني ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏أن ‏ ‏جابر بن عبد الله الأنصاري ‏ ‏رضي الله عنهما ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو يحدث عن فترة ‏(((‏ الوحي )))‏ قال في حديثه بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني ‏ ‏بحراء ‏ ‏جالس على كرسي بين السماء والأرض ففرقت منه فرجعت فقلت ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني ‏ ‏فدثروه فأنزل الله تعالى ‏

‏يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر ‏ ‏والرجز ‏ ‏فاهجر ‏

‏قال ‏ ‏أبو سلمة ‏ ‏وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون قال ثم تتابع ‏(((‏ الوحي )))

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قوله : ( إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة ) ‏
‏قال النووي : هذا من مراسيل الصحابة , لأن عائشة لم تدرك هذه القصة فتكون سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي . وتعقبه من لم يفهم مراده فقال : إذا كان يجوز أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يجزم بأنها من المراسيل ؟ والجواب أن مرسل الصحابي ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها , بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال إنها مرسلة , بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها ولو لم يصرح بذلك , ولا تختص هذا بمرسل الصحابي بل مرسل التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة , ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة . وأما الأمور التي يدركها فيحمل على أنه سمعها أو حضرها , لكن بشرط أن يكون سالما من التدليس والله أعلم . ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قولها في أثناء هذا الحديث " فجاءه الملك فقال : اقرأ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ . قال فأخذني " إلى آخره . فقوله قال فأخذني فغطني ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك فتحمل بقية الحديث عليه . ‏
‏قوله : ( أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة ) زاد في رواية عقيل كما تقدم في بدء الوحي " من الوحي " أي في أول المبتدآت من إيجاد الوحي الرؤيا , وأما مطلق ما يدل على نبوته فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر كما ثبت في صحيح مسلم وغير ذلك , و " ما " في الحديث نكرة موصوفة , أي أول شيء . ووقع صريحا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ . ووقع في مراسيل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه صلى الله عليه وسلم هو جبريل ولفظه " أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل ( اقرأ باسم ربك ) : أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن " . ‏
‏قوله : ( من الوحي ) يعني إليه وهو إخبار عما رآه من دلائل نبوته من غير أن يوحى بذلك إليه وهو أول ذلك مطلقا ما سمعه من بحيرى الراهب , وهو عند الترمذي بإسناد قوي عن أبي موسى , ثم ما سمعه عند بناء الكعبة حيث قيل له " اشدد عليك إزارك " وهو في صحيح البخاري من حديث جابر , وكذلك تسليم الحجر عليه وهو عند مسلم من حديث جابر بن سمرة . ‏
‏قوله : ( الصالحة ) قال ابن المرابط هي التي ليست ضغثا ولا من تلبيس الشيطان ولا فيها ضرب مثل مشكل , وتعقب الأخير بأنه إن أراد بالمشكل ما لا يوقف على تأويله فمسلم وإلا فلا .

‏قوله : ( ثم حبب إليه الخلاء ) ‏
‏هذا ظاهر في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يحبب إليه الخلاء , ويحتمل أن تكون لترتيب الأخبار , فيكون تحبيب الخلوة سابقا على الرؤيا الصادقة , والأول أظهر . ‏
‏قوله : ( الخلاء ) بالمد المكان الخالي , ويطلق على الخلوة , وهو المراد هنا .

‏قوله : ( قال والتحنث التعبد ) ‏
‏هذا ظاهر في الإدراج , إذ لو كان من بقية كلام عائشة لجاء فيه قالت , وهو يحتمل أن يكون من كلام عروة أو من دونه , ولم يأت التصريح بصفة تعبده , لكن في رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق " فيطعم من يرد عليه من المساكين " وجاء عن بعض المشايخ أنه كان يتعبد بالتفكر , ويحتمل أن تكون عائشة أطلقت على الخلوة بمجردها تعبدا , فإن الانعزال عن الناس ولا سيما من كان على باطل من جملة العبادة كما وقع للخليل عليه السلام حيث قال ( إني ذاهب إلى ربي ) , وهذا يلتفت إلى مسألة أصولية , وهو أنه صلى الله عليه وسلم هل كان قبل أن يوحى إليه متعبدا بشريعة نبي قبله ؟ قال الجمهور : لا , لأنه لو كان تابعا لاستبعد أن يكون متبوعا , ولأنه لو كان لنقل من كان ينسب إليه . وقيل نعم واختاره ابن الحاجب , واختلفوا في تعيينه على ثمانية أقوال : أحدها آدم حكاه ابن برهان , الثاني نوح حكاه الآمدي , الثالث إبراهيم ذهب إليه جماعة واستدلوا بقوله تعالى ( أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) , الرابع موسى , الخامس عيسى , السادس بكل شيء بلغه عن شرع نبي من الأنبياء وحجته ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) , السابع الوقف واختاره الآمدي , ولا يخفى قوة الثالث ولا سيما مع ما نقل من ملازمته للحج والطواف ونحو ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم والله أعلم . وهذا كله قبل النبوة , وأما بعد النبوة فقد تقدم القول فيه في تفسير سورة الأنعام . ‏

‏قوله : ( ثم يرجع إلى خديجة فيتزود ) ‏
‏خص خديجة بالذكر بعد إذ عبر بالأهل إما تفسيرا بعد إبهام , وإما إشارة إلى اختصاص التزود بكونه من عندها دون غيرها . ‏
‏قوله : ( فيتزود لمثلها ) في رواية الكشميهني " بمثلها " بالموحدة , والضمير لليالي أو للخلوة أو للعبادة أو للمرات . أي السابقة , ثم يحتمل أن يكون المراد أنه يتزود ويخلو أياما , ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما , ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما إلى أن ينقضي الشهر . ويحتمل أن يكون المراد أن يتزود لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك الشهر الذي جرت عادته أن يخلو فيه , وهذا عندي أظهر , ويؤخذ منه إعداد الزاد للمختلي إذا كان بحيث يتعذر عليه تحصيله لبعد مكان اختلائه من البلد مثلا , وأن ذلك لا يقدح في التوكل وذلك لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد حصول النبوة له بالرؤيا الصالحة , وإن كان الوحي في اليقظة قد تراخى عن ذلك

‏قوله : ( فغطني ) ‏
‏تقدم بيانه في بدء الوحي , ووقع في " السيرة لابن إسحاق " فغتنى بالمثناة بدل الطاء وهما بمعنى والمراد غمني وصرح بذلك ابن أبي شيبة في مرسل عبد الله بن شداد وذكر السهيلي أنه روى سأبي بمهملة ثم همزة مفتوحة ثم موحدة أو مثناة وهما جميعا بمعنى الخنق , وأغرب الداودي فقال : معنى فغطني صنع بي شيئا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية . والحكمة في هذا الغط شغله عن الالتفات لشيء آخر أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه , فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقي إليه , وهذا وإن كان بالنسبة إلى علم الله حاصل لكن لعل المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم , وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشيء دل على أنه لا يقدر عليه وقيل أراد أن يعلمه أن القراءة ليست من قدرته ولو أكره عليها , وقيل : الحكمة فيه أن التخيل والوهم والوسوسة ليست من صفات الجسم ; فلما وقع ذلك لجسمه علم أنه من أمر الله . وذكر بعض من لقيناه أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم , إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك .

‏قوله : ( فزملوه حتى ذهب عنه الروع ) ‏
‏بفتح الراء أي الفزع , وأما الذي بضم الراء فهو موضع الفزع من القلب

‏قوله : ( لا يخزيك الله ) ‏
‏بخاء معجمة وتحتانية . ووقع في رواية معمر في التعبير " يحزنك " بمهملة ونون ثلاثيا ورباعيا , قال اليزيدي : أحزنه لغة تميم , وحزنه لغة قريش , وقد نبه على هذا الضبط مسلم . والخزي الوقوع في بلية وشهرة بذلة , ووقع عند ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مرسلا " أن خديجة قالت : أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاء ؟ قال : نعم . فجاءه جبريل , فقال : يا خديجة , هذا جبريل . قالت : قم فاجلس على فخذي اليسرى , ثم قالت : هل تراه ؟ قال : نعم , قالت فتحول إلى اليمنى كذلك , ثم قالت : فتحول فاجلس في حجري كذلك , ثم ألقت خمارها وتحسرت وهو في حجرها وقالت : هل تراه ؟ قال : لا قالت : اثبت , فوالله إنه لملك وما هو بشيطان " . وفي رواية مرسلة عند البيهقي في " الدلائل " أنها ذهبت إلى عداس وكان نصرانيا فذكرت له خبر جبريل فقال : هو أمين الله بينه وبين النبيين , ثم ذهبت إلى ورقة .

‏قوله : ( فانطلقت به إلى ورقة ) ‏
‏في مرسل عبيد بن عمير أنها أمرت أبا بكر أن يتوجه معه , فيحتمل أن يكون عند توجيهها أو مرة أخرى .

‏قوله : ( ماذا ترى ) ‏
‏؟ في رواية ابن منده في " الصحابة " من طريق سعيد بن جبير " عن ابن عباس عن ورقة بن نوفل قال : قلت يا محمد أخبرني عن هذا الذي يأتيك , قال : يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر " ‏
‏قوله : ( وكان يكتب الكتاب العربي , ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله ) ‏
‏هكذا وقع هنا وفي التعبير , وقد تقدم القول فيه في بدء الوحي , ونبهت عليه هنا لأني نسيت هذه الرواية هناك لمسلم فقط تبعا للقطب الحلبي , قال النووي : العبارتان صحيحتان . والحاصل أنه تمكن حتى صار يكتب من الإنجيل أي موضع شاء بالعربية وبالعبرانية , قال الداودي : كتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية هذا الكتاب الذي هو بالعربية .

صحيح البخاري 4572

راجع صحيح البخاري 3  باب بدء الوحي

البخاري 6467

عرض صحيح مسلم231

مسند أحمد 24768

الصفحة الرئيسية