منذ قديم العصور حتّى يومنا هذا، حاول ويحاول الإنسان التصرّف بأعضاء جسده وجسد غيره، من أعلى رأسه حتّى أصابع رجليه مروراً بأعضائه الجنسيّة، مدّاً أو ضغطاً أو وشماً أو كيّاً أو شقّاً أو ثقباً أو بتراً. بعض تلك التصرّفات تؤثّر بصورة مؤقّتة مثل قص الأظافر وقص الشعر التي تطول مع الوقت. ومنها ما يؤثّر بصورة دائمة مثل الوشم وثقب الأذن والأنف والكي. وقد قدّم عالم الطب النفسي «فافاتزا» عرضاً موسّعاً لكل أنواع البتر الجنونيّة الفرديّة والجماعيّة التي تمس الجسد يمكن أن يرجع إليه من يرغب في مزيد من غرائب العادات والتصرّفات الإنسانيّة[13].
وقد حظيت الأعضاء الجنسيّة بنصيب كبير من نكد الإنسان على نفسه. لا بل إن هناك من يرى في كل عمليّات البتر والتشويه الأخرى علاقة رمزية بالجنس[14]. وبالإضافة إلى الختان، نجد بين بعض القبائل في أيّامنا عادات مختلفة متّصلة بالأعضاء الجنسيّة للذكر والأنثى. فهناك من يثقب حشفة الذكر ويمرّر بها ريشة أو خشبة. ومنهم من يضع فوق ذكره غمداً كغمد السيف يصل إلى خصره. ومنهم من يعقد غلفته فوق الحشفة حتّى يرجع هذه الأخيرة إلى كيس الصفن (جلد الخصيتين). ومنهم من يشق مجرى البول عند الذكر ويعمل فيه فتحة تشبه فتحة الرحم. ومنهم من يطيل شفري الرحم حتّى سبعة سنتمترات. ومنهم من يشق غشاء البكارة بشرش نبات المنيهوت أو بقرن كبش. ومنهم من يُوكِل لجيش من النمل مُهمّة قرض البظر والشفرين[15].
والأسباب وراء تلك التصرّفات مختلفة ومتناقضة. فبعض تلك التصرّفات تدخل ضمن أساليب التجميل بينما يعتبرها الآخرون غاية في التبشيع. وبعض التصرّفات تقع ضمن أنواع القصاص كما نرى في بعض الدول التي تبتر اليد أو الرجل في حال السرقة. وهناك من يرى في بعض تلك التصرّفات أسلوباً لمعالجة بعض الأمراض الجسديّة، مثل الكي أو فصد الأذن. ويرجع بعض علماء النفس تلك العادات إلى خلل عقلي عند شخص قد يتحوّل إلى عدوى جماعيّة إذا كان لذاك الشخص هيبة. والخصي كان يستعمل لحرمان الأعداء أو العبيد من التناسل. وهناك من كان يعتبره وسيلة للتقرّب من الله، وغيرهم إعتبره أسلوباً للحفاظ على أصوات عالية لجوقات الكنيسة.
وفي كتابنا هذا سوف نتوقّف عند نوع واحد من أنواع التعدّي على الأعضاء الجنسيّة وهو ختان الذكور والإناث الذي يعتبر من ظواهر المساس بسلامة الجسد الأكثر غموضاً والأوسع إنتشاراً.
أصل الختان عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين هو التوراة. ويستعمل اليهود في العبريّة كلمة «ميلا» التي تعني القطع. وهذه الكلمة تستعمل ضمن عبارة «بريت ميلا» أي «عهد القطع» التي تُذَكِّرنا بالعبارة العربيّة «قطع عهداً». وهذه العبارة كما سنرى لاحقاً إشارة للفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي يَدَّعِي أن الله قطع عهداً لإبراهيم بأن يعطيه ونسله الأرض الموعودة، أي «أرض كنعان». ومقابل ذلك العهد، أمر الله إبراهيم بأن يقطع غلفته وغلفة كل ذكر من نسله وعبيده. هناك إذاً تلاعب بالكلمات وتسييس لعمليّة جراحيّة. وتستعمل التوراة أيضاً كلمة «تبر» (الخروج 4:25)، ونفس الكلمة في العربيّة تعني هلك أو أهلك، وتُذَكِّرنا بكلمة «بتر» مع قلب الأحرف التي تعني قطع. والجزء الذي يقطع يسمّى في العبريّة «غرلة». والغير مختون يسمّى بالعبريّة «أغرل». ولا يوجد في التوراة ذكر لختان الإناث كما سنرى لاحقاً.
يستعمل علماء اللغة العربيّة كلمات عدّة للإشارة إلى الختان مثل الخفض والخفاض والإعذار. والعامّة هي كلمة ختان أو طهور أو طهار أو طهارة للذكر والأنثى. وهذه الكلمة الأخيرة تبيّن أن الختان في فكر الناس يُطهِّر من تُمارَس عليه هذه العادة. والقطعة التي تقطع عند الذكر تسمّى «الغرلة» كما في العبريّة، أو «الغلفة» أو «القلفة». وغير المختون يسمّى «أغرل» أو «أغلف» أو «أقلف».
وكلمة «الختان» التي تشير إلى عمليّة القطع لها معان ذات صلة بالزواج. يقول إبن منظور (توفّى عام 1131):
«الختن أبو إمرأة الرجل وأخو إمرأته وكل من كان من قِبَل إمرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجلُ الرجلَ إذا تزوّج إليه. وفي الحديث: علي ختن رسول الله (ص) أي زوج إبنته. والإسم الختونة [...] والختن: زوج فتاة القوم، ومن كان من قِبَله من رجل أو إمرأة فهم كلّهم أختان لأهل المرأة. وأم المرأة وأبوها: ختنان للزوج»[16].
وسوف نرى لاحقاً كيف أن الختان كان يسبق الزواج وشرط له في بعض المجتمعات. وقد يكون لكلمة «ختن» صلة بكلمة «ختم» مع إنقلاب الميم نوناً كما هو معرف في اللغات الساميّة. فيكون معناها وضع علامة للتعرّف على العبد الآبق. يقول إبن قيّم الجوزيّة (توفّى عام 1351) في كتابه «تحفة المودود بأحكام المولود»:
«إنه لا ينكر أن يكون قطع هذه الجلدة عَلماً على العبوديّة. فإنك تجد قطع طرف الأذن وكي الجبهة ونحو ذلك في كثير من الرقيق علامة لرقّهم وعبوديّتهم. حتّى إذا أبق رد إلى مالكه بتلك العلامة»[17].
وما زال اليهود والمسلمون يعتبرون الختان علامة تميّز المؤمن من الكافر.
وكلمة «خفاض» التي تطلق خاصّة على ختان الإناث (ولكن أيضاً على ختان الذكور) تعني تشريحياً إزالة تركيب مرتفع للهبوط إلى مستوى أكثر إنخفاضاً. أمّا لغوياً فيتضمّن أيضاً معنى الإهانة والإذلال. يقول إبن منظور: «خفض: في أسماء الله تعالى الخافض: هو الذي يخفض الجبّارين والفراعنة أي يضعهم ويهينهم»[18]. وسوف نرى أن خفاض الأنثى يقصد منه خفض شهوة المرأة لإحكام سيطرة الرجل عليها ومنعها من الإنزلاق في الرذيلة.
وفي اللغات الأوروبيّة يمكن إستعمال كلمة واحدة للدلالة على ختان الذكور والإناث وهي بالإنكليزيّة circumcision. وهذه الكلمة من أصل لاتيني وتعني «القطع دائرياً». ولكن بعض الكتاب يستعمل هذه الكلمة فقط لختان الذكور. وأمّا ختان الإناث فإنهم يستعملون لها كلمة excision وهي كلمة أيضاً من أصل لاتيني وتعني «إستئصال».
وفي مؤتمر لعلماء الإجتماع والطب عقدته منظّمة الصحّة العالميّة عام 1995 في جنيف لوحظ أن المصطلحات المذكورة الخاصّة بختان الإناث تنقصها الدقّة ولا تدل على الطابع الفعلي الضار لعمليّة ختان الإناث. فمصطلح «الختان» يُرسِّخ مفهوم ضرورة إقتطاع جزء من جسد المرأة لتصبح صالحة للزواج والدخول في علاقة مصاهرة. وهذا يؤكّد مفهوماً مغلوطاً لحقيقة الطبيعة الجنسيّة والإجتماعيّة للمرأة. ومصطلح «الطهارة» يُرسخ مفهوماً مغلوطاً آخر عن طبيعة المرأة بوصفها كائناً لا يتمتّع بالفضيلة بفطرته ولا بالنظافة بحُكم تكوينه. ومصطلح «الخفاض» ينبع من الإعتقاد بأن أعضاء التأنيث الخارجيّة عبارة عن زوائد مرتفعة لا بد من التخلّص منها أو خفضها. وكل هذه المصطلحات تصف الفعل من وجهة نظر مؤيّدي إجراء هذه العمليّة دون أن تصف آثارها الضارّة على النساء. ولذلك تم الإتّفاق على إستخدام مصطلح آخر يصف أثر هذه العمليّة على جسم المرأة وهو female genital mutilations[19]. وقد تُرجم هذا المصطلح بالعربيّة «التشويه الجنسي للإناث» كما نجد أيضاً في بعض الكتابات العربيّة مصطلح «الإنتهاك البدني للإناث» و«بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث». وكلمة mutilation المأخوذة من الفعل اللاتيني mutilare قد تكون ذات صلة بالفعل العربي «مَثَلَ». يقول إبن منظور في لسان العرب:
«مَثَلْت بالحيوان [...] إذا قطعت أطرافه وشوّهت به، ومَثَلْت بالقتيل إذا جدعت أنفه وأذنه أو مذاكيره أو شيء من أطرافه»[20].
ولا بد من الإشارة إلى أن تفادي إستعمال إصطلاح circumcision «الختان» من قِبَل المنظّمات الدوليّة للعمليّة التي تُجرى على الإناث يقصد منه في حقيقة الأمر عدم الخلط بين ختان الذكور وختان الإناث. فهذا الخلط يعتبره اليهود إهانة لهم. ففي نظرهم ختان الذكور كما تأمر به التوراة جزء هام جدّاً من إعتقادهم الديني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بختان الإناث. وسوف نرى في الجزء القانوني كيف أن المنظّمات الدوليّة كالأمم المتّحدة ومنظّمة الصحّة العالميّة تدين ختان الإناث بينما ترفض أخذ موقف بخصوص ختان الذكور. وفي نظر هذه المنظّمات، يجب أن يطلق إصطلاح «بتر» mutilation فقط على ما يُجرى للإناث، دون الذكور. فهذا الإصطلاح يعبّر عن عمليّة مشينة لا يجوز إستعمالها لختان الذكور. إلاّ أن معارضي ختان الذكور في الولايات المتّحدة أخذوا مصطلح منظّمة الصحّة العالميّة وحوّروه لصالحهم فسمّوا ختان الذكور «البتر الجنسي للذكور» Male genital mutilations. وهم يفضّلون إستعمال مصطلح genital mutilation للإشارة لختان الذكور والإناث لأنه أدق تعبيراً عمّا يُفعل بالأطفال من كلمة circumcision التي أصبحت كلمة محايدة لا تمس مشاعرنا[21].
ونلاحظ في هذا المجال أن المؤتمرات الدوليّة الثلاثة الأولى حول الختان التي عقدت عام 1989، و1991، و1994 إستعملت مصطلح «الختان» في عنوانها. ولكن المؤتمران الرابع (1996) والخامس (1998) إستعملا مصطلح «البتر الجنسي» sexual mutilations دون تحديد ما إذا كان عن الذكور أو الإناث. والسبب الحقيقي وراء ذلك هو أن مؤجري قاعات المؤتمرات كانوا يتخوّفون من مؤتمر يعقد حول «الختان» قد يفسّر بأنه عمل معاد لليهود. بينما عقد مؤتمر عن «بتر الأعضاء الجنسيّة» دون تحديد فإنه يفهم عامّة بأنه مؤتمر ضد بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث. ومثل هذا المؤتمر في نظر مؤجري قاعات المؤتمرات عمل إنساني. كان تغيير إسم المؤتمر إذاً حيلة ناجحة للحصول على قاعة.
بما إننا نسخر من إتّهامات اليهود ومن يدور في فلكهم، سوف نستعمل في كتابنا هذا مصطلح «الختان» لكل من ختان الذكور وختان الإناث. فهو المصطلح الأكثر شيوعاً عند الفقهاء المسلمين وفي اللغة العاميّة، وهو المصطلح الذي تستعمله جميع القواميس العربيّة والموسوعة الفقهيّة الكويتية ودائرة المعارف الشيعيّة العامّة. ومصطلح «الختان» يعني في كل الأحوال بتر جزء من العضو التناسلي للذكر أو الأنثى، طالت أم قصرت. وهو في كل الأحوال تشويه لتلك الأعضاء وامتهان بدني يقع على أطفال أبرياء. ولنا عودة في الجزء الإجتماعي إلى قضيّة الخوف من اليهود وتأثيره على موقف الغرب والمنظّمات الدوليّة في مجال ختان الذكور.
ختان الذكور والإناث في نظر مؤيّديه عمليّة ليست ذات شأن ولا تستحق أن يهتم بها الباحث. فإمّا الجهل أو التحريم يحيطان بكل أمر متعلّق بالجنس. ليس فقط عند العامّة، بل أيضاً عند أهل الطب.
فقد أوضح أحد المحاضرين في المؤتمر الدولي الثالث عن الختان (1994) بأن طلاّب الطب في الولايات المتّحدة ما زالوا يتعلّمون على رسومات تشريح الجسم لفنّانين إيطاليين من القرن الخامس عشر. وأوضح محاضر آخر أن المكان الذي تحتله دراسة الختان في التعليم الطبّي الأمريكي لا يتعدّى سطر ونصف رغم أن عمليّة الختان هي العمليّة الأكثر ممارسة في ذلك البلد.
وقد أجرت الدكتورة نوال السعداوي بين عام 1973 و1974 بحثاً على 160 بنتاً وسيّدة مصريّة. وكانت إحدى تلك البنات طالبة في السنة الأخيرة في الطب. وكانت إجاباتها مشابهة تماماً لإجابات البنات الأمّيات. وقد شرحت لها بأنها لم تتعلّم بتاتاً خلال دراستها تركيب البظر ووظيفته، لا من أساتذتها ولا من الكتب التي تدرسها. وعندما سأل أحد الطلبة أستاذه عن البظر، إحمر وجه هذا الأخير وأجابه بأنه لن يسأله أحد في الإمتحان عن هذا الموضوع حيث إنه غير مهم[22]. وتطالب نوال السعداوي
«إعادة النظر في التعليم الطبّي وأنه لا بد أن تشتمل الدراسة على أعضاء المرأة مكتملة (بما فيها عضو البظر). فقد درسنا التشريح من كتاب إنكليزي إسمه «كانينجهام». هذا الكتاب يستأصل عضو المرأة من علم التشريح باعتباره بلا فائدة مثل الزائدة الدوديّة. وقد ورثنا هذا الإتّجاه المتخلّف في التعليم الطبّي من الإنكليز. ممّا يدل على أن هذه النظرة العدوانيّة (الدونيّة) لعضو المرأة عامّة تشمل الإنكليز البيض قَبل أن تشمل السود. إن الطب مثل العلوم الأخرى يعكس القيم الإجتماعيّة السائدة. ذلك أن الأطبّاء تاريخياً هم ورثة الكهنة في العصور السابقة»[23].
وحتّى نفهم ماهيّة ختان الذكور والإناث نبدأ بعرض مختصر للجهاز التناسلي الظاهري للذكور والإناث الذي يقع عليه الختان.
- العانة: وهو إرتفاع شحمي مغطّى بجلد به شعر غزير يظهر في سن البلوغ.
- كيس الصفن: وهو أسفل القضيب يحتوي على الخصيتين.
- الحشفة: وهي إنتفاخ مخروطي أملس في نهاية القضيب، ذروته في الأمام مثقوبة بفوهة تسمّى «الصماخ البولي» أو «فتحة البول»، وقاعدته في الخلف وتسمّى «إكليل الحشفة». والحشفة تفترق عن جسم القضيب بثلم يسمّى «الثلم الحشفي». هذا الثلم يحيط بالحشفة ثم يمتد في أسفلها إلى الأمام حتّى ينتهي بالصماخ البولي محدثاً ميزابة في الحشفة يسكنها لجام جلدي يقال له «لجام القضيب».
- قصبة القضيب: له ثلاث حواف مدوّرة إثنتان جانبيتان يسمّيان «الجسمين الكهفيين». وثالثة سفليّة توافق الجسم الإسفنجي. ويحيط بقصبة القضيب غلاف جلدي حتّى الحشفة. وعندها يبتعد عن الحشفة مؤلّفاً حولها غمداً ناقصاً يحيط بقاعدة الحشفة وينزلق عليها فيقال له «الغلفة». وتتّصل قصبة القضيب في الأسفل بالحشفة بواسطة «لجام القضيب».
- الغلفة (أو القلفة أو الغرلة): هي الجزء العلوي من غلاف القضيب، وهي التي يقع عليها الختان. وترتبط الغلفة من الأسفل بالحشفة بـ«لجام القضيب». وتتكوّن من ثلاث طبقات: «الجلد» و«البطانة» (وهي الطبقة الداخليّة مكوّنة من ألياف عضليّة ملساء بعضها طولي وبعضها دائري تبطن الجلد) و«الطبقة الخلويّة» الواقعة بينهما (وهي نسيج ضام رخو به عروق وأعصاب وهي تسهّل إنزلاق الغلفة على الحشفة). وبطانة الغلفة مرطّبة بإفرازات دهنيّة تدعى «اللخن» تسهّل عمليّة الإيلاج. وإذا ما تم بتر الغلفة والقضاء على تلك الغدد، يضطر الرجل إلى تعويض هذه المواد الدهنيّة الطبيعيّة بمواد دهنيّة إصطناعيّة لتخفيف الألم الذي قد ينتج عند الإيلاج والإحتكاك. وتحتوي الغلفة على «خلايا عصبيّة» تعتبر أكثر خلايا الجسم تهيّجاً. والغلفة تغطّي عادة الحشفة وتحميها في حالة إسترخاء القضيب إذا كان الذكر غير مختوناً كما يغطّي الجفن العين ويحميها. أمّا إذا كان مختوناً، فإن الجلد يصل حتّى الثلم الحشفي. ممّا يعني أن الثلم الحشفي والحشفة وفتحتها تكون مكشوفة عند المختون فتصبح الحشفة أكثر خشونة وأقل حساسيّة.
والغلفة تكون متّصلة بالحشفة في أوّل تكوينها ثم تنفصل تدريجيّاً. وقليلاً ما يتم إنفصالها تماماً عن الحشفة قَبل الولادة، ممّا يجعل شد الغلفة إلى الخلف غير ممكن في البداية. وهذا أمر طبيعي. وقد وجد أن 4% من الأطفال المولودين يمكن شد غلفتهم عند ولادتهم وارتفعت هذه النسبة إلى 90% في عمر ثلاث سنين. ويجب ترك الغلفة تتطوّر حتّى تنفصل طبيعيّاً عن الغلفة عند بلوغ الطفل[24].
ونشير أيضاً أن هناك من يولد مع عيب خلقي فتكون غلفته قصيرة. وما زال الناس في أيّامنا يعتقدون أن من يلد كذلك تمّت طهارته داخل الرحم بواسطة الملائكة. ولذلك يسمّونه «طهارة الملائكة»[25]. ويذكر إبن قيّم الجوزيّة:
«كانت العرب تزعم أنه إذا ولد في القمر تقلّصت غلفته وتجمّعت. ولهذا يقولون ختنه القمر، وهذا غير مطرد ولا هو أمر مستمر، فلم يزل الناس يولدون في القمر والذي يولد بلا غلفة نادر جدّاً»[26].
وسوف نرى لاحقاً أن اليهود والمسلمون يعتقدون أن عدداً من الأنبياء قد ولدوا مختونين، من بينهم النبي محمّد حسب إحدى الروايات، كما أن الشيعة تعتقد أن أئمّتهم قد ولدوا مختونين. أي أن الله طهّرهم من بطن أمّهم، باعتبار أن الغلفة هو عضو نجس في نظرهم.
- العانة: وهو إرتفاع شحمي مغطّى بجلد به شعر غزير يظهر في سن البلوغ.
- الشفران الكبيران: وهما ثنيتان من الجلد تشتملان على نسيج دهني وتمتدان على جانبي الفرج. ويبدأ كل منهما من «جبل الزهرة» أماماً ثم يتحدان خلفاً فيتّصلان بـ«العجّان». ويتلامس الشفران الكبيران ليغطّيا بقيّة الأعضاء والفتحات البوليّة والتناسليّة ويحميانها من الإصابة. ويغطّي الشفرين الكبيرين جلد رقيق يحتوي على كثير من الغدد الدهنيّة. ويحتوي النسيج الدهني للشفرين الكبيرين على أوعية دمويّة وأعصاب. وفي الأطفال يكون الشفران الكبيران أملسين وبدون شعر. ويبرز بينهما الشفرين الصغيرين. وفي سن البلوغ (بين 16-18 سنة) يكتمل نموّهما وينبت الشعر على سطحهما الظاهري.
- الشفران الصغيران: هما ثنيتان من جلد رقيق داخل الشفرين الكبيرين محاذيتان لهما تقريباً. وهما غنيان بالأوعية الدمويّة والأعصاب بينهما طبقة رقيقة من نسيج إسفنجي قابل للإنتصاب. ويتحدان معاً من الخلف فيكونا «الشوكة الفرجيّة»، ويتحدان من الأمام ليكوّنان «الغلفة». يعمل الشفران الصغيران على حماية بقيّة مكوّنات الفرج ومدخل المهبل، ويساعدان على توجيه تيّار البول إلى الخارج وبعيداً عن الجسم.
- الغلفة: يسمّى إتّحاد الشفرين الصغيرين الأمامي بإسم «الغلفة» (أو غطاء البظر) وهي تركيب حسّاس يتكوّن من ثلاث طبقات: «الجلد» و«البطانة» و«الطبقة الخلويّة». ووظيفة الغلفة حماية البظر من اللمس المباشر إثناء المباشرة الجنسيّة لأن اللمس المباشر للبظر عندئذ يسبّب ألماً وضيقاً. وبطانة الغلفة مرطّبة بإفرازات دهنيّة تدعى «اللخن».
- البظر: يقع البظر عند إلتقاء الشفرين الصغيرين من الأمام بين طيّات الجزء العلوي من مقدّمة الفرج. وهو عضو حسّاس مغطّى بـ«الغلفة» يتكوّن من نسيج إسفنجي قابل للإنتصاب مثل القضيب ولكن لا يتصلب فيزداد حجمه قليلاً حوالي 20%. ثم يتراجع مختفياً تحت غلفته في اللحظات التي تسبق الوصول إلى الذروة مباشرة، لتصل المرأة إلى الإشباع الجنسي دون عناء. ثم تعود كل الأعضاء الجنسيّة الظاهرة إلى الحالة التي كانت عليها قَبل البدء في ممارسة الجنس. وطول البظر في المتوسّط 2 سم، ونادراً جدّاً ما يتخطّى7,5 سم. وله رأس ناعمة مثل قضيب الرجل حجمها في المتوسّط نصف سنتمتر. والبظر غني بالأعصاب الحساسة والأوعية الدمويّة يغذيه أساساً «الشريان البظري». وهو شريان كبير يسري فيه الدم تحت ضغط شديد. وهذا يفسّر النزيف الذي يحدث عند قطع هذا الشريان والألم الشديد المصاحب لأي إصابة له. ويعتبر البظر أهم عضو جنسي عند المرأة للوصول إلى اللذّة. وهناك فرق بين الشهوة الجنسيّة التي مركزها المخ، واللذّة الجنسيّة. فيمكن وجود الشهوة دون اللذّة، قُطع البظر أو لم يُقطع.
- الصماخ البولي (أو فتحة البول): يقع الصماخ البولي أمام فتحة المهبل. ويتحكّم في فتحة البول عضلة إراديّة قويّة ترتخي نتيجة لامتلاء المثانة والإحساس بالرغبة في التبوّل.
- فتحة المهبل: توجد بين الشفرين الصغيرين خلف فتحة البول في الجزء الخلفي من «الدهليز». وفي العذارى تغطّى بـ«غشاء البكارة». وعلى الجانبين من فتحة المهبل توجد فتحة قناة «غدّة بارثولين». وغشاء البكارة هو الفاصل بين أعضاء التناسل الظاهرة والباطنة ويغطّي فتحة المهبل. وهو مثقوب في الوسط وتختلف أشكاله من أنثى إلى أخرى. فقد يكون حلقي أو غربالي أو هلالي. ونادراً ما يكون غير مثقوب. وفي هذه الحالة يحتاج لإجراء جراحة بسيطة لنزول «دم الحيض». ويتمزّق هذا الغشاء عند أوّل لقاء جنسي. ويسبّب تمزّق الغشاء نزيف بسيط. وبعض الحالات بها غشاء مطّاطي لا يتمزّق عند الجماع. وهناك نسبة من الفتيات يولدن بدون غشاء بكارة.
- المهبل: هو الممر العضلي الذي يصل الأعضاء الخارجيّة للفرج بالرحم. وهو عبارة عن قناة عضليّة مبطنة بغشاء مخاطي به ثنيّات عديدة تسمح بتمدّده واستطالته أثناء المعاشرة الزوجيّة وأثناء الولادة. وللمهبل جدار خلفي ولا يتّصل بفتحة البول. فهو مستقل عنه.
- غدّتا بارثولين: توجد كل منهما تحت الثلث الأوسط للشفرين الكبيرين. وهما تتأثّران بالمراكز العليا فتفرزان مادّة مخاطيّة تسهّل العمليّة الجنسيّة. ولكل غدّة قناة طولها 2 سم تفتح في الفرج على جانبي المهبل في المنخفض بجوار غشاء البكارة. ولا تشعر الأنثى بوجود هذه الغدّة إلاّ في حالات التكيّس والإلتهابات.
إذا أردنا مقارنة الأعضاء التناسليّة الظاهرة عند الرجل والأعضاء التناسليّة عند المرأة نجد أن «البظر» عند المرأة يشبه «القضيب» عند الذكر. فهو مكوّن من ساق وحشفة. وبظر المرأة في بداية تكوينه لا يختلف عن بداية تكوين القضيب. وهو يحتوي على نفس الخلايا ونفس الشرايين. وللبظر غلفة توازي مع الشفرين الصغيرين غلفة القضيب. وفي حالة التهيّج الجنسي، فإن البظر يثخن مثل القضيب. وبخلاف القضيب الذي يثخن عمودياً، فإن البظر يثخن باتّجاه مجرى البول. وهناك إختلافان بين قضيب الرجل وبظر المرأة وهو أن القضيب يحتوي على مجرى البول، بينما عند المرأة يوجد مجرى البول خارج البظر. ومن جهة أخرى، فإن غلفة البظر لا تدور حوله كما هو الأمر في غلفة القضيب. فغلفة البظر تشبه مثلّث متساوي الساقين قمته في قاعدة البظر وطرفاه ملتصقان بالشفرين الصغيرين. وغلفة البظر ناعمة وقابلة للثني تشبه غطاء الرأس، ممّا يسمح للبظر بالبروز عنها عندما يتهيّج، كما يمكن إرجاعها للخلف لتنظيف البظر تماماً كما هو الأمر بخصوص غلفة القضيب.
وخلافاً لما يدّعيه مؤيّدو ختان الذكور والإناث، جميع الأعضاء التناسليّة التي تخلق مع الذكر والأنثى تلعب دوراً. فكل جزء أو كل خليّة حيّة في جسم الإنسان له وظيفة. وسوف نعود في الجزء الطبّي إلى مضار ختان الذكور والإناث الصحّية والنفسيّة ونفنّد مزاعم من يدّعي أن له فوائد. ونكتفي هنا باستعراض عمليّة الختان من الناحية الجراحيّة.
يمكن تصنيف أنواع ختان الذكور كما يلي:
الدرجة الأولى: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب، جزئيّاً أو كلّياً. وقد تصل نسبة الجلدة المقطوعة من ربع إلى أكثر من نصف جلد الذكر حسب مهارة الخاتن وعادات الختان. ممّا يعني أن جلد ساق القضيب يكون مشدوداً عند الإنتصاب إلى درجة التواء الساق في حالات القطع الكبير. وسنرى أن عند اليهود والمسلمين نقاش حول الكمّية التي يجب أن تقطع حتّى يكون الختان مستوفياً شروطه الدينيّة. كما كيف أن كثير من المختونين أخذوا يمدّون جلد القضيب لاسترجاع القدر المقطوع منه لتفادي المشاكل التي تنتج عن الختان.
الدرجة الثانية: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب وسلخ بطانتها وهي تجرى عند اليهود. ويطلق على المرحلة الأولى إسم «ميلا» وعلى المرحلة الثانية إسم «بيريا». ويتبع هذه المرحلة، حسب التعاليم اليهوديّة التقليديّة، مص الخاتن قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا)[27]. وسوف نعود إلى تفاصيل هذه العمليّة عند تكلّمنا عن تنفيذ الختان عند اليهود[28].
الدرجة الثالثة: يتم في هذه العمليّة سلخ جلد الذكر حتّى كيس الصفن أو حتّى الساق. وقد أعطى «فيلفرد تيسيجر» وصفاً لمثل هذه العمليّة في منطقة تهامة مضيفاً أن إبن سعود قد منعها لأنها من عوائد الوثنيّة[29]. وأشار الدكتور صالح صبحي في كتابه عن الحج إلى مكّة والمدينة الصادر بالفرنسيّة عام 1894 أن بعض فروع قبيلة قريش التي تعيش شرقي مكّة في داخل منطقة نجد كانت تمارسها. فبعد قطع الغلفة، يتم قطع جلدة عرضها قرابة الأربع سنتمترات تمتد من الحشفة حتّى السرّة. وتتم هذه العمليّة على الأولاد في عمر 10 إلى 12 سنة. ويبقى الولد طريح الفراش مدّة أربعين يوماً متألّماً من هذه العمليّة. وقد أكّد له بعضهم أن 70% من الأولاد يموتون من جرائها. ويضيف المؤلّف أن هذا الختان يتم تحت ستار الدين ولكنّه بعيد عن تعاليم الإسلام[30]. وقد إستعرض «هينينجر» ما جاء في هذه الروايات على مدى 200 عام وشكّك في حقيقتها إذ إن كل من كتبوا عن هذا الموضوع لم يشاهدوا بأعينهم هذه العمليّة بل ذكروها عن رواة[31]. ولكن هناك شهادات أخرى تبيّن أن هذه العمليّة كانت تجرى فعلاً، مدعومة بالصور[32]. وقد تعرّضت لهذا النوع من الختان فتوى سعوديّة لابن باز نقتطف منها ما يلي:
«والختان الشرعي هو قطع الغلفة الساترة لحشفة الذكر فقط. أمّا من يسلخ الجلد الذي يحيط بالذكر، أو يسلخ الذكر كلّه كما في بعض البلدان المتوحّشة ويزعمون جهلاً منهم أن هذا هو الختان المشروع، فما هو إلاّ تشريع من الشيطان زيّنه للجهّال، وتعذيب للمختون، ومخالفة للسُنّة المحمّديّة والشريعة الإسلاميّة التي جاءت باليسر والسهولة والمحافظة على النفس»[33].
ونشير هنا إلى أنه هناك عمليّة ختان سلخ مماثلة تتم عند قبائل «النمشي» شمال الكمرون في جو من الصخب والسكر[34].
الدرجة الرابعة: شق مجرى البول الخلفي لجعله يشبه فرج المرأة، كما يتم عند القبائل البدائيّة في أستراليا[35].
ويضاف إلى هذه الدرجات أصناف أخرى من التشويه للأعضاء التناسليّة للذكور مثل بتر القضيب والخصوتين وثقب الغلفة وشبكها فوق الحشفة بمشبك من معدن.
بخصوص سن ختان الذكور، سنرى أن القاعدة عند اليهود هو أن يتم الختان في اليوم الثامن لميلاد الطفل على أساس نص التوراة. ولكن رجال الدين أوجدوا إستثناءات على هذه القاعدة. وأمّا بخصوص المسلمين، فليس هناك سن محدّد مثل اليهود، ولكن يجب أن يتم الختان قَبل البلوغ. وهنا أيضاً بعض الإستثناءات سنعود إليها لاحقاً. وفي المستشفيات الأمريكيّة يتم الختان عامّة في اليوم الثاني أو الثالث بعد الميلاد، قَبل خروج الأم من المستشفى.
وعمليّة الختان عند اليهود تتم عامّة من قِبَل شخص متمرّن يدعى «الموهيل». وكثيراَ ما يتم الختان في المجتمعات الإسلاميّة على يد حلاّق الصحّة رغم أن المؤلّفين المسلمين يحثون على أن تجرى هذه العمليّة على يد طبيب ماهر. وحتّى في المستشفيات الأمريكيّة هناك كثير من العمليّات التي تجرى على يد مبتدئين. وقد حكى لنا أحد المحاضرين في المؤتمر الدولي الثالث عن الختان (عام 1994) كيف أجرى أوّل عمليّة في المستشفى بعد إلتحاقه بمستشفى عند إنتهاء دراسته الجامعيّة. فقد أخبره الطبيب المشرف عليه أن ذاك اليوم سيكون يوم ختان. فقال الطبيب الجديد للمشرف: لم أتدرّب على هذه العمليّة بتاتاً في دراستي. فقال له الطبيب المشرف: سوف أبدأ بختان أوّل طفل أمام عينيك ثم تستمر أنت بختان الأطفال الآخرين.
والختان قد يتم بوسائل بدائيّة. وسوف نرى أن صفّورة، زوجة موسى، ختنت أبنها بصوّان، وكذلك ختن يشوع اليهود بصوّان. وإحدى الروايات الإسلاميّة تذكر أن إبراهيم قد ختن نفسه «بقدوم»، أي بآلة النجارة. وفي الروايات اليهوديّة، تم ختان إبراهيم بسيفه أو بقرصة عقرب. ونجد في كتاب الطبيب العربي أبو القاسم خلف إبن عبّاس الزهراوي (توفّى عام 1036) ذكراً لأساليب ختان الذكر في عصره. فهو يقول:
«إني وجدت الجمهور من الصناع والحجّامين يستعملون التطهير بالموسى والمقص ويستعملون الفلكة والرباط بالخيط والقطع بالظفر وقد جرّبت جميع هذه الوجوه فلم أجد أفضل من التطهير بالمقص والرباط بالخيط لأن التطهير بالموسى كثيراً ما تلوذ له الجلدة. لأن جلدة الغلفة طبقتان فربّما قطعت الجلدة العليا وبقيت الطبقة السفلى فيضطر إلى قطع آخر وألم مستأنف. والتطهير بالفلكة لا يؤمن معها قطع الإحليل لأنه ربّما دخل في ثقبها. وأمّا التطهير بالظفر فربّما فلتت الجلدة وفسد عملك أو كانت جلدة الصبي قصيرة بالطبع فكثيراً ما يولدون كذلك لا يحتاجون إلى تطهير وقد رأيت ذلك. وأمّا التطهير بالمقص والرباط بالخيط فالتجربة كشفت لي فضله لأن المقص متناسب القطع من أجل أن الشفرة التي من فوق كالشفرة التي من أسفل فمتى عصرت يدك ساسب الشفرتين قطعت على قياس واحد وفي زمن واحد فتصير زمام الخيط شبه حائط لجلدة الإحليل من كل النواحي لا يقع معه خطأ البتّة.
ووجه العمل أوّلاً أن توهم الصبي ولا سيما أن كان ممّن يفهم قليلاً انك تربط الخيط في إحليله فقط وتدعه إلى يوم آخر ثم فرحه وسرّه بكل وجه يمكنك ذلك منه وما يقبله بعقله. ثم توقفه بين يديك منتصب القامة ولا يكون جالساً. وأخبأ المقص في كمك أو تحت قدمك لا تقع عين الصبي عليها البتّة ولا على شيء من الآلات. ثم تدخل يدك إلى إحليله وتنفخ في الجلدة وتشيلها إلى فوق حتّى يخرج رأس الإحليل ثم تنقيه ممّا يجتمع فيه من الوسخ. ثم اربط الموضع المعلّم بخيط مثنى ثم اربط أسفل منه قليلاً رباطاً ثانياً. ثم تمسك بإبهامك والسبّابة موضع الربط الأسفل إمساكاً جيّداً وتقطع بين الرباطين. ثم إرفع الجلدة إلى فوق بسرعة وأخرج رأس الإحليل ثم اترك الدم يجري قليلاً فهو أفضل وأقل لورم الإحليل ثم تنشفه بخرقة رطبة ثم ذر عليه من رماد القرع اليابس المحرق فهو أفضل ما جرّبته أو دقيق الحوّارى فهو أيضاً فاضل ثم تحمل على الذرور من فوق في خرقة فص بيضة مطبوخة في ماء الورد مضروبة بدهن الورد الطري الطيّب تتركه عليه إلى يوم آخر ثم تعالجه بسائر العلاج إلى أن يبرأ»[36].
وننقل هنا عمليّة الختان بالجراحة كما يقترحها الدكتور عبد الرحمن القادري المدرّس في كلّية الطب بجامعة دمشق:
نجري تطهير لساحة العمليّة التي تتمثّل بالعضو التناسلي وذلك قَبل القيام بعمليّة الختان حيث نقوم بغسل كل من كيس الغلفة ورأسها والقضيب بمحلول مطهّر مثل صبغة اليود. ثم نزيل اللون الأصفر لليود بالكحول. وبعد ذلك نقوم بإجراء تخدير جذري للعضو التناسلي والذي يتم بحقن جانبي وعميق، حتّى نصل إلى الجسم الكهافي، في منطقة جذر القضيب. ثم يضاف إلى الحقن السابق حقن المخدّر بشكل حلقي تحت جذر القضيب. وبعد الإنتظار فترة بسيطة حتّى يتم تأثير المخدّر نقوم بالختان.
وإضافة لوجود العديد من الطرق والأجهزة المتنوعة التي يمكن الإستعانة بها للقيام بالختان، لكنّني سأقوم بشرح الطريقة الجراحيّة البسيطة التي يمكن أن تجرى بسهولة من قِبَل الطبيب والتي تقوم:
1) على شطر أو قص المنطقة الظهريّة لخرطوم الغلفة بدءاً من نهايتها حتّى نصل إلى ما قَبل الثلم الإكليلي للحشفة بمقدار 5 ملم.
2) ثم نقوم بإجراء شق بطني أيضاً للغلفة يمتد من نهايتها، مروراً بجانب اللجيم وحتّى نصل إلى ما قَبل الثلم الإكليلي بمقدار 5 ملم أيضاً.
3) نضع خيوط قابضة ظهريّة وبطنيّة في نهاية كل من الشقّين.
4) وبعدها نقوم بقص كل كم وريقتي الغلفة الخارجيّة والداخليّة لكل من قطعتي الغلفة اللتين تكوّنتا بعد إجراء الشقوق، وذلك ما بين النقطتين الواقعتين في نهاية الشقّين والمقبوضين بالخيوط القابضة لتلك النقاط وذلك بعد أن نقوم بشد وتوتير تلك القطع أو الصفائح الغلفيّة بمسك كل صفيحة بملقطين قابضين، ثم نقوم بالإرقاء وذلك بقطع النزيف خاصّة في منطقة اللجيم بمناقيش مرقئة.
5) ثم نبدأ بخياطة كل من الوريقة الخارجيّة والداخليّة للغلفة بخيوط من الحمشة (وهي خيوط تصنع من أمعاء الحمل، وتنحل وتتفكّك بعد فترة من الخياطة بها، لذا فإنه ليس هناك حاجة إلى إبعادها).
6) توضع قطعة من الغزي (الشاش) على السطح المختون وتثبت تلك القطعة على شكل إكليل بخيوط الحمشة التي أجرينا بها الخياطة.
7) يزال الضماد الإكليلي الشكل بعد ثمانية أيّام من تطبيقه.
وممّا يجدر ذكره بهذا الصدد أنه قد تم في السنوات الأخيرة إكتشاف مخدّر موضوعي على شكل رهيم يدعى emla ويتركّب من lidocain - 25 ملغ وprilocain - 25 ملغ في مستحلب زيت بالماء.
وقد ثبتت فعاليّة هذا المخدّر في إزالة الألم عندما طبّق قَبل القيام بالعمليّات الجراحيّة الصغرى. لذا فإنني انصح بتطبيق هذا الرهيم الموضوعي قَبل القيام بالختان وذلك قياساً على نتائج تأثيراته السابقة المزيلة للألم[37].
وقد تفنّن المخترعون في تصميم آلات عدّة لإجراء عمليّة الختان بحيث يتم ضغط الغلفة ضمنها لمنع نزول الدم ما أمكن. وبعدها يتم قطع ما زاد عن حلقة المكبس. ومن تلك الآلات:
- ملزم جومكو Gomco Clamp: طوّر هذه الآلة الطبيب اليهودي «ارون جولدستاين» عام 1934، وقد خلفت سابقتها التي صمّمها في نهاية الثمانينات من القرن الثامن عشر طبيب يهودي آخر إسمه «هيرام يلين».
- ملزم موجن Mogen Clamp: هذه الآلة من إختراع الحاخام «هاري برونستاين».
- ملزم بلاستيبل Plastibell، أي الجرس الجراحي.
وآخر ما ظهر في الأسواق آلة من البلاستيك تشبه السحابة التي تزيل فلينة القنّينة صُنعت في ماليزيا تدعى «تارا كلامب» Tara Klamp. وقد منح معرض جنيف الدولي للإختراعات مخترعها الميدالية الذهبيّة لعام 1996. وهذا الجهاز متوفّر بمقاسات مختلفة حسب حجم القضيب. ويقول ملف الدعاية بأن الختان بهذا الجهاز، على خلاف غيره من الأجهزة، يتم بسهولة وأمان ودون الألم. ويعطي الملف مميّزات هذا الجهاز، نذكر منها:
- يحمي من قطع حشفة قضيب الذكر بطريق الخطأ ويحول دون حدوث جروح أخرى.
- يمكن إستعماله في أي مكان مثل المنزل أو على جانب الطريق أو في الغابة بدون الخوف من إنتقال عدوى من الأماكن غير النظيفة.
- لا داعي للكي أو إستخدام آلات أخرى ضارّة.
- لا يحدث نزيف للدم أثناء الجراحة أو بعدها.
- لا توجد حاجة للخياطة الجراحيّة أو لاستعمال أربطة للأوعية الدمويّة.
- لا توجد حاجة لاستخدام ضمادات بسبب عدم وجود نزيف دم أو نضح بعد الجراحة.
- يمكن إستعماله للأطفال والأشخاص البالغين.
- يحمي المريض من الإصابة بالعدوى من البيئة الخارجيّة لعدم حدوث جرح مفتوح.
- يحمي الشخص من الإصابة بأي عدوى عارضة أثناء الجراحة مثل فيروس مرض الإيدز أو الإلتهاب الكبدي وغيرهما.
- تجنّباً لحدوث مخاطر بالإصابة بعدوى عارضة بأمراض مثل فيروس مرض الإيدز أو الإلتهاب الكبدي وغيرهما فإن هذا الجهاز يتم تعقيمه جيّداً ويستخدم مرّة واحدة لكل عمليّة.
- بعد الختان مباشرة يمكن للمريض أن يتحرّك ويعود للعمل فوراً.
- يمكن للمريض أن يستحم بعد إجراء عمليّة الختان مباشرة.
- بعد اندمال الجرح يظهر الختان في شكل منتظم وجميل وحسن المظهر.
- فوائد للفرد: توفير النفقات وتجنّب عدم الإرتياح.
- تقليل التكاليف القوميّة: تتحسن الإعتبارات الإقتصاديّة القوميّة الإجماليّة بشكل كبير لتكلفة عمليّة الختان.
وفي الملف شرح موجز بالعربيّة حول طريقة الختان بهذا الجهاز. وشروح أوفى بالإنكليزيّة والفرنسيّة. ونحن نعتمد هنا على النص العربي الذي نكمّله بالنص الإنكليزي والفرنسي:
- يجب تنظيف وتعقيم الذكر. ثم توضع علامة بقلم طبّي على جلدة الغلفة التي ستقطع والتي عليها ستوضع الآلة وذلك لتفادي قطع جلد أكثر من الضروري (هذه الفقرة غير موجودة بالعربيّة).
- سحب الغلفة إلى الخلف بحيث تنكشف الحشفة وإبعاد كل ما هو عالق بها (هذه الفقرة غير موجودة بالعربيّة).
- ضع مرهم «الفازلين» vaseline على الأجزاء الداخليّة والخارجيّة للأنبوبة والحلقة حتّى يمنع إلتصاق الجلد بالآلة في الأيّام التي تتبع العمليّة (هذه الفقرة غير موجودة بالعربيّة).
- ضع الجزء الأنبوبي للجهاز فوق حشفة قضيب الذكر حتّى يغطّيها.
- اجذب جلد الغلفة حتّى تصبح فوق حافّة الجزء الأنبوبي للجهاز واضبطها حتّى يكون الخط الذي تم رسمه مسبقاً على الغلفة محاذياً لحافّة الجزء الأنبوبي للجهاز.
- بعد تحديد مستوى الغلفة، امسك الغلفة بشدّة بأصابعك (هذه الفقرة غير موجودة بالعربيّة).
- اضغط ذراعي المشد ثم زد الضغط تدريجيّاً حتّى يقترب الذراعان من بعضهما ويصلان إلى وضع الإغلاق.
- ستشعر بالمقاومة عند قيامك بزيادة ضغط ذراعي المشد حتّى يصل إلى وضع الإغلاق ومع ذلك زد الضغط على ذراعي المشد حتّى تسمع وتشعر بحدوث صوت طقتين وهذا يعني أن ذراعي المشد قد تم إغلاقهما وبالتالي يحدث الإقفال المطلوب للجهاز.
- اقطع بالسكّين الذي مع الآلة الطرف العلوي الظاهر للغلفة (هذه الفقرة غير موجودة بالعربيّة).
- ورغم أنه لا نزيف للدم، فإنه من الضروري تنظيف الأنبوب بالشاش والمرهم بعض المرّات يومياً خلال الأيّام اللاحقة. وهذا الجهاز يجب أن يبقى عدّة أيّام ممسكاً بقضيب الذكر قَبل فكه. وأمّا البول، فإنه يخرج من فتحة الآلة (هذه الفقرة غير موجودة بالعربيّة).
نلاحظ ممّا سبق أن عدّة فقرات مُهمّة قد أهملت باللغة العربيّة. فهل الطفل العربي أقل شأن من غيره من الأطفال في نظر منتجي هذه الآلة؟ وهناك ظاهرة مماثلة فيما يخص الأدوية. فالأدوية في الغرب تصاحبها شروحات مستوفية بعدّة لغات. ولكن عندما يتم تصديرها للعالم العربي، فإن تلك الشروحات تكون بصورة مختصرة، وعامّة لا تذكر الآثار السلبيّة المحتملة للأدوية[38].
هو إستئصال جزئي أو كلّي لأعضاء التأنيث الرئيسيّة الظاهرة للفتاة. وقد صنّفت المجموعة العلميّة الإستشاريّة لمنظّمة الصحّة العالميّة المجتمعة في جنيف في يوليو 1995 ختان الإناث إلى ثلاث درجات[39] وهي:
الدرجة الأولى: في هذه العلميّة يتم إزالة غلفة البظر أو جزء منها. وهذه العمليّة توازي ختان غلفة الذكر جزئيّاً. وأمّا ختان الذكر كلّياً فيوازي عند الأنثى بتر كل من غلفة البظر والشفرين الصغيرين.
الدرجة الثانية: تشمل قطع البظر وغلفته، مع الشفرين الصغيرين أو جزء منهما.
الدرجة الثالثة: في هذه العمليّة يتم قطع البظر وغلفته والشفرين الصغيرين. ثم يلي ذلك شق الشفرين الكبيرين ويتم إخاطتهما معاً أو إبقائهما متماسين عن طريق ربط الرجلين معاً حتّى يلتئما مكوّنين غطاء من الجلد يغطّي فتحة البول والجانب الأكبر من المهبل. وتترك فتحة صغيرة في حجم رأس عود الثقاب أو طرف إصبع اليد الصغير لتسمح بنزول البول ودم الحيض. وتسمّى هذه العمليّة بالتكميم أو الرتق أو غلق الفرج infibulation. وهذه الكلمة الإنكليزيّة تأتي من fibula أي المشبك، وقد كان يستعمل في روما قديماً لمنع العلاقة الجنسيّة بين العبيد بإغلاق شفري المرأة أو غلفة الذكر. ويطلق عليها في مصر إسم «الطهارة السودانيّة»، وفي السودان، إسم «الطهارة الفرعونيّة» أو «الخفاض الفرعوني». وللجماع يتم عادة فتح المرأة بخنجر. كما أنه يتم توسيع الفتحة للولادة. وقد يعاد إخاطتها بعد الولادة أو في حالة سفر الزوج أو الطلاق. وعمليّة فك الخياطة يطلق عليها بالإنكليزيّة إسم defibulation.
وتقدّر نسبة النساء اللاتي يتعرّضن للدرجة الأولى والثانية بين 80 % و85% من بين كل النساء المختونات، وللدرجة الثالثة بين 15% إلى 20%. وأكثر النساء في الصومال وجيبوتي مختونات حسب الدرجة الثالثة.
واعتماداً على حديث نبوي يقول: «أخفضي ولا تُنهِكي» سوف نعود له لاحقاً، يرى الفقهاء المسلمون القدامى أن ختان الإناث هو «قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك. والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون إستئصاله». وهذا كلام غير دقيق إذ إنه لا يسمح بالتفريق بين غلفة البظر والبظر. وإذا تم ختان الإناث في سن الطفولة، فلا يمكن فصل الغلفة عن حشفة البظر، لذلك يقطعان معاً. وهذا الختان يسمّى في بعض البلدان «ختان السُنّة»، أو «الطهارة السُنّية» أو «الخفاض».
وبالإضافة إلى درجات الختان هذه هناك أصناف أخرى من التشويه الجنسي:
- شق الجدار الخلفي للمهبل
- كي البظر والأنسجة المحيطة به بواسطة أداة صلبة محماة.
- وخز البظر أو الشفرين الصغيرين أو شقّهما.
- كحت بطانة المهبل أو عمل شقوق بها.
- مط البظر أو الشفرين الصغيرين.
- وضع مواد أو أعشاب كاوية في المهبل.
- فض بكارة العروس ليلة الزفاف بإصبع داية تطيل ظفرها من أجل هذه المناسبة. وهذه العادة معروفة خاصّة في الريف المصري[40].
بخصوص سن ختان الإناث، لا يوجد حد معيّن، فقد تمتد من الصغر إلى سن الثالثة عشر أو حتّى بعد ذلك. وتذكر «راس ورك» أن ختان الإناث في الحبشة يجرى في عمر سبعة أيّام في المناطق المرتفعة، وفي عمر ست أو سبع سنين في المناطق المنخفضة قرب الحدود الصوماليّة. وفي الدول الإفريقيّة الغربيّة، يجرى ختان الإناث ما بين سن الثالثة عشر وقَبل الزواج. وقبائل «الإيبوس» النيجيريّة تجريه قَبل الزواج، أمّا قبائل «الأبوهس» في وسط غرب نيجيريا، فتجريه قَبل ولادة الطفل الأوّل[41].
وإن كان بعض المؤلّفين المسلمين يحثون على إجراء هذه العمليّة على يد طبّية أو طبيب مسلم متمرّن، إلاّ أن أكثر هذه العمليّات تتم على يد الداية أو حلاّق الصحّة. وسوف نرى في الجزء القانوني كيف أن قراراً وزارياً مصرياً قد جرّم هذه العمليّة وحذّر الأطبّاء من إجرائها. وكما هو الأمر مع ختان الذكور، هناك عدّة وسائل لإجراء ختان الإناث، منها البدائيّة ومنها المتقدّمة. وقد إبتكر طبيب أمريكي يهودي إسمه «راثمان» عام 1959 آلة مثل الكمّاشة لبتر غلفة بظر المرأة. يوضع الطرف الأدنى منها بين البظر والغلفة وطرفها الأعلى يحيط بالغلفة. وعند الكبس على ذراعي الآلة، تنفصل الغلفة بعد خمس دقائق من الضغط الشديد عليها. وللسيطرة على نزيف الدم يقطب القطع[42].
لا توجد إحصائيّات أكيدة تبيّن مدى إنتشار ختان الذكور. وفي المؤتمر الرابع لبتر الأعضاء الجنسيّة الذي إنعقد عام 1996 في سويسرا تم توزيع الأرقام الآتية: يتم في العالم ختان قرابة 13.300.000 طفل سنوياً، أي بمعدّل 1.100.000 طفل شهرياً، و36.438 طفل يومياً، و1.518 كل ساعة، و25 طفل كل دقيقة[43]. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونين من الذكور في العالم تبلغ 23%، أي بمجموع 650 مليون ذكر[44].
يُمارس ختان الذكور عادة في أيّامنا على جميع ذكور اليهود مع بعض الإستثناءت القليلة إذ يوجد تيّار يهودي يحاول ترك ختان الذكور كما سنرى في الجزء القادم. ونفس الأمر يمكن تعميمه على المسلمين الذين لا يكاد يستثنى منهم أحد. وقد إتّصل بي إيراني مسلم يدرس الطب في جامعة جنيف وأخبرني بأنه غير مختون قائلاً أن الناس في بلده يفتخرون بانتمائهم الإيراني الذي يعلو على إنتمائهم للإسلام. ولذا، حسب قوله، فإن ختان الذكور كما يفرضه الإسلام ليس له في إيران تلك الأهمّية التي نجدها عند المسلمين العرب. ولكنّه لم يستطع إجابتي بخصوص نسبة غير المختونين بين الإيرانيين. وكل ظنّي أن صاحبنا يعبّر عن شعوره الخاص وأن عدد غير المختونين في إيران قليل جدّاً. ومن الملاحظ أن المسلمين المغتربين في أوروبا يمارسون الختان كما في بلادهم، وهم يتمسّكون بهذه العادة حتّى وإن كانت زوجاتهم غير مسلمات. وهذا الأمر لا يخلو من خلق مشاكل بين الزوجين إذ إن نسبة المختونين في أوروبا قليلة. وقد تفسخت بعض العائلات لهذا السبب. ولتفادي مثل تلك المشاكل، أنصح في كتيّب نشرته عن الزواج المختلط أن يتّفق الزوجان قَبل الزواج على أن يبقى الطفل دون ختان حتّى عمر الثامنة عشر فيقرّر بذاته ما إذا أراد الختان أم لا[45].
إضافة إلى الطائفة اليهوديّة والمسلمة، هناك عدد من المسيحيّين الذين يختنون أطفالهم. فالأقباط في مصر والسودان والحبشة مثلاً يمارسون ختان الذكور بصورة تكاد تكون شاملة، على خلاف إخوتهم المسيحيّين في دول المشرق العربي حيث ختان الذكور نادر. ولكن لا توجد إحصائيّات بهذا الخصوص. وهناك مؤشرات تفيد بأن ختان الذكور في تزايد في تلك الدول. وقد يكون السبب هو إنتشار الثقافة الطبّية الأمريكيّة وزيادة عدد الولادات في المستشفيات حيث يمارس الأطبّاء سلطتهم في إقناع الأهل لإجراء تلك العمليّة. وقد يكون للمحيط السياسي دور في ذلك الإنتشار. فمسيحيّو فلسطين المحتلة أصبحوا يمارسون ختان الذكور ربّما بسبب تواجدهم بين اليهود والمسلمين الذين يمارسون عمليّة الختان. وقد يكون الختان وسيلة للتخفي في ذلك المحيط.
وهناك ظاهرة غريبة وهي إنتشار ختان الذكور في الدول الغربيّة الناطقة بالإنكليزيّة: إنكلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتّحدة. وهناك صعوبة كبيرة للحصول على إحصائيّات في هذا الخصوص ولكن توجد بعض التقديرات:
فقد بيّنت دراسة حول معدّل الختان بين الملاّحين في إنكلترا أن نسبة الختان كانت كما يلي:
عام 1914 19%
عام 1924 22%
عام 1930 30%
وانخفضت نسبة الختان في إنكلترا في الخمسينات. وقد وصلت إلى أقل من 0.5% عام [46]1972. وقد بقيت ممارسة الختان في هذا المعدّل بين مسيحيّي هذا البلد.
ونسبة المختونين في أستراليا تقدّر كما يلي:
عام 73-1974 49.6%
عام 74-1975 48.6%
عام 75-1976 43.7%
واليوم نسبة الختان في هذا البلد تقدّر بـ 10% دون حساب الختان الديني الذي لا يتم إحصاؤه[47].
ونسبة المختونين في كندا تقدّر كما يلي:
عام 1972 46.3%
عام 1973 44.8%
عام 1974 44.3%
واليوم نسبة الختان في هذا البلد تقدّر بـ 25%
وتُعتبر الولايات المتّحدة ظاهرة خاصّة. ففي هذه الدولة نجد أعلى معدّل لختان الذكور بين الدول المسيحيّة الغربيّة. وحسب بعض التقديرات[48] هذه هي الأرقام منذ 1870:
عام 1870 5%
عام 1880 10%
عام 1890 15%
عام 1900 25%
عام 1910 35%
عام 1920 50%
عام 1930 55%
عام 1940 60%
عام 1950 70%
عام 1960 75%
عام 1970 80%
عام 1979 85%
وقد إنخفضت نسبة الختان في هذا البلد في العقدين الأخيرين حتّى أصبحت توازي اليوم 60% بسبب تزايد معارضي الختان. ولكن هذه النسبة تصل إلى 95% في بعض المستشفيات الأمريكيّة. وسوف نناقش في الجزء الطبّي الأسباب التي أدّت إلى إنتشار هذه العادة وتراجعها الحالي في ذاك البلد وفي الدول الناطقة بالإنكليزيّة. أمّا في الدول الغربيّة الأوروبيّة الأخرى، فنسبة ختان الذكور ضئيلة قد لا تزيد عن 2%. وهنا تنقصنا الإحصائيّات الموثوقة.
هناك قول بليغ للفقيه إبن الحاج (توفّى عام 1336): «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه»[49]. هذا القول يصوّر الواقع حتّى في أيّامنا. لذلك لم تنكشف حقيقة ممارسة ختان الإناث إلاّ في العقدين الأخيرين. وحتّى الآن ما زال الكثير من الناس يجهل حتّى معنى ختان الإناث ويستغربون وجوده في دولة إسلاميّة مثل مصر. والإحصائيّات المتوفّرة في هذا الخصوص غير وافية ولا تُعرف بصورة مؤكّدة الدول التي تنتشر بها هذه العادة. والحملة الحاليّة ضد ختان الإناث قد يساعد على كشف هذه الدول، ولكن قد يكون أيضاً عائقاً خوفاً من الدعاية السيّئة التي تنتج عن ذلك. ونحن هنا سوف نعطي الإحصائيّات المتوفّرة.
في المؤتمر الرابع لبتر الأعضاء الجنسيّة الذي إنعقد عام 1996 في سويسرا تم توزيع الأرقام الآتية: يتم في العالم ختان قرابة 2.000.000 طفلة سنوياً. أي بمعدّل 166.666 طفلة شهرياً، و5.480 طفلة يومياً، و228 طفلة كل ساعة، و3.8 طفلة كل دقيقة[50]. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونات من الإناث في العالم تبلغ 5%، أي بمجموع 100 مليون أنثى[51].
وقد نشرت منظّمة الصحّة العالميّة عام 1994 و1996 و1998 أرقاماً متباينة بخصوص النساء المختونات في الدول التي تمارس ختان الإناث:
Country 1994 1996 1998 الدولة
*Benin 1.200.000 (50%) 1.370.000 (50%) 1.365.000 (50%) * بينين
*Burkina Faso 3.290.000 (70%) 3.650.000 (70%) 3.656.800 (70%) * بوركينا فاسو
*Cameroon (unknown) 1.330.000 (20%) 1.336.800 (20%) * كميرون
*Djibouti 196.000 (98%) 290.000 (98%) 248.920 (98%) * جيبوتي
*Egypt 3.625.000 (50%) 24.710.000 (80%) 27.905.930 (97%) * مصر
*Gambia 270.000 (60%) 450.000 (80%) 396.800 (80%) * جامبيا
*Guinea 1.875.000 (50%) 1.670.000 (50%) 1.999.800 (60%) * غينيا
*Guinea-Bissau 250.000 (50%) 270.000 (50%) 272.500 (50%) * غينيا بيساو
*Mali 3.112.500 (50%) 4.110.000 (75%) 5.155.900 (94%) * مالي
*Mauritania 262.500 (25%) 290.000 (25%) 295.250 (25%) * موريتانيا
*Niger 800.000 (20%) 930.000 (20%) 921.200 (20%) * نيجر
*Nigeria 30.625.000 (50%) 28.170.000 (50%) 25.601.200 (40%) * نيجيريا
*Senegal 750.000 (20%) 830.000 (20%) 838.000 (20%) * سينغال
*Sierra Leone 1.935.000 (90%) 2.070.000 (90%) 2.167.200 (90%) * سيراليون
*Somalia 3.773.000 (98%) 4.580.000 (98%) 5.038.260 (98%) * الصومال
*Sudan 9.220.000 (89%) 12.450.000 (89%) 12.816.000 (89%) * السودان
*Uganda 467.000 (5%) 540.000 (5%) 513.000 (5%) * اوغندا
Center-Africa 750.000 (50%) 740.000 (43%) 759.810 (43%) وسط إفريقيا
Chad 1.530.000 (60%) 1.930.000 (60%) 1.932.000 (60%) تشاد
Eritrea (مع الحبشة) 1.600.000 (90%) 1.599.300 (90%) أرتريا
Ethiopia 23.940.000 (90%) 23.240.000 (85%) 24.723.950 (85%) الحبشة
Ghana 2.325.000 (30%) 2.640.000 (30%) 2.635.200 (30%) غانا
Ivory Coast 3.750.000 (60%) 3.020.000 (43%) 3.048.270 (43%) ساحل العاج
Kenya 6.300.000 (50%) 7.050.000 (50%) 6.967.000 (50%) كينيا
Liberia 810.000 (60%) 900.000 (60%) 902.400 (60%) ليبيريا
Tanzania 1.345.000 (10%) 1.500.000 (10%) 1.552.000 (10%) تنزاني
Togo 950.000 (50%) 1.050.000 (50%) 1.044.500 (50%) توغو
Zaire 945.000 (5%) 1.110.000 (5%) 1.107.900 (50%) زائير
Total 114.296.900 132.490.000 136.797.440 المجموع
وتشير مصادر منظّمة الصحّة العالميّة أن 15% إلى 20% من عدد النساء المختونات ختن حسب الدرجة الثالثة (الختان الفرعوني). وأن كل سنة يتم ختان مليوني فتاة[52]. ولنا هنا عدّة ملاحظات على هذه القائمة:
1) كل الدول المذكورة موجودة في إفريقيا وأكثريّتها يدين سكّانها بالإسلام. فمن بين الـ 26 دولة التي تضمّنتها هذه القائمة، 17 دولة (معلّمة بنجمة) تنتمي إلى منظّمة المؤتمر الإسلامي. وتبيّن هذه القائمة أن عدداً من الدول الإسلاميّة لا تعرف ختان الإناث مثل المغرب والجزائر وليبيا وتونس والأردن ولبنان وسوريا والعراق والكويت والسعوديّة وتركيا وإيران. وقد تكون هناك بعض حالات ختان الإناث في هذه الدول ولكن الأبحاث غير متوفّرة عنها. فالكاتبة الأمريكيّة «ساسون» تحكي قصّة أميرة سعوديّة أسمتها «سلطانة» تبيّن فيها أن عمليّة ختان الإناث كانت تمارس حتّى في العائلة المالكة وأن ثلاثة من أخواتها قد ختن وستّة نجين منها بعد تدخّل طبيب أجنبي[53]. وإن كان المسلمون الأفارقة يمثّلون الأكثريّة العدديّة في ممارسة ختان الإناث، إلاّ أنه يجب الإشارة إلى أن ختان الإناث منتشر أيضاً بين المسيحيّين في تلك الدول كما هو الأمر بخصوص مسيحي مصر والحبشة. وفي هذا البلد الأخير، يمارس أيضاً اليهود الفلاشة ختان الإناث.
2) هذه القائمة لا تذكر دولاً تمارس ختان الإناث مثل إندونيسيا وماليزيا والباكستان ومسلمي الهند (الفرع الذي يدعى Daudi Bohra) وعُمان واليمن والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة وعرب «النقب» في فلسطين. فبخصوص الإمارات العربيّة المتّحدة، أوضحت دراسة أن ختان الإناث يتم «في سرّية تامّة على الأقل في الوقت الحالي، وأنها تتم بعيداً عن عالم الرجال، وقلّما يعلمون بها». وقد أفادت نسبة عالية من إجابات الإخباريات (نحو 85%) أن هذا الطقس ما زال ممارساً هناك. وفي الماضي كانت الداية هي التي تقوم به، أمّا الآن، فيتم في المستشفيات أو تقوم به طبيبة. ويعتبر ختان الإناث في ذلك البلد «سُنّة عن النبي»[54]. وقد أوضحت لي عدّة شهادات بأن 99% من نساء عُمان مختونات. وهناك أيضاً معلومات تفيد بأن عدّة قبائل من عرب «النقب» في فلسطين تمارس ختان الإناث[55]. ولا ندري ما إذا هناك إنتشار لتلك العادة بين بدو الأردن حاليّاً. أمّا في الماضي، فقد ذكر الأب «جوسان» أنها كانت منتشرة بصورة واسعة بين عرب منطقة موآب في الأردن، وهم يطلقون عليها إسم «سر» أي أنها تمارس في السر، عندما تشرف البنت على الزواج[56].
3) فيما يخص مصر، ذكرت الإحصائيّات التي أصدرتها منظّمة الصحّة العالميّة عام 1994 أن نسبة المختونات هناك تبلغ 50% أي ما يوازي 13.625.000 إمرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1996 بـ 80% أي ما يوازي 24.710.000 إمرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1998 بـ 97% أي ما يوازي 27.905.930 إمرأة. هذا الإختلاف بين الإحصاء الأوّل والثالث لا يعني أن ختان الإناث قد إرتفع في مصر خلال السنين الأربعة الأخيرة بمعدّل 47%، بل إن المعلومات أصبحت أكثر دقّة بخصوصه. وهذا يبيّن مدى التعتيم الذي يسيطر على موضوع ختان الإناث وصعوبة الحصول على معلومات أكيدة بخصوصه.
ولأهمّية هذه البلد على المستوى الثقافي والديني والسياسي في العالم العربي والإسلامي، لا بد لنا من كلمة قصيرة حول مدى إنتشار ختان الإناث في هذا البلد.
لم يُعطى ختان الإناث في السابق كبير إهتمام في مصر. فلا نجد له أي ذكر في كتب رفاعة الطهطاوي (توفّى عام 1873) أو قاسم أمين (توفّى 1908) رغم أنهما من كبار المدافعين عن حقوق المرأة. حتّى أن رئيسة جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة كانت تعتقد أن هذه العادة قد أبطلت ولم تكتشف حقيقة الأمر إلاّ بعد أن إستلمت عدّة رسائل من الخارج بمناسبة السنة العالميّة للمرأة عام 1978 تدعوها إلى القيام بدورها في حماية إناث بلدها[57].
في الحلقة الدراسيّة التي أقيمت عام 1979 بخصوص ختان الإناث قال الدكتور ماهر مهران إنه فحص 2000 من السيّدات المتردّدات على عيادة أمراض النساء بكلّية طب جامعة عين شمس فوجد أن 95% من السيّدات في عمر الإنجاب في مصر قد أجريت لهن عمليّة الختان. وهي أكثر الجراحات حدوثاً ولعلّه لا يفوقها إلاّ ختان الذكور. وعندما بدأ في هذا البحث سأل الكثيرين عن أهمّية الموضوع. فكانوا يعتقدون أن ختان الإناث في مصر إمّا غير موجود أو ربّما نادر الوجود، لذا فلا يستدعي كل هذا الإهتمام من قِبَل الباحث[58].
وقد بقي هذا الموضوع مهملاً وبعيداً عن الساحة الإعلاميّة إلى أن عرضت شبكة التلفزيون الأمريكيّة (سي إن إن) في 7 سبتمبر 1994 فيلماً عن ختان طفلة مصريّة إسمها نجلاء في العاشرة من عمرها في العاصمة المصريّة من قِبَل حلاّق صحّة. فتبيّن أن الذين يختنون والذين لا يختنون يتجاهلون بعضهم. تقول الدكتورة سهام عبد السلام:
«بلغ الأمر حد جهل أصحاب الموقفين بوجود بعضهما البعض أصلاً. فمن تَخلُّوا عن ممارسة التشويه الجنسي للإناث صاروا يعتقدون أن مصر كلّها قد حذت حذوهم ولم يعد فيها من يمارس هذه العادات. ومن ما زالوا يتمسّكون به يعتقدون أن هذه هي طبائع الأمور، وأنه لا توجد في مصر كلّها إمرأة لم تجر لها هذه العمليّة»[59].
وقد أُجبِر المشرّع والقضاء على قول كلمته في الموضوع، كما سنرى في الجزء القانوني. وقد زاد الطين بلة الموقف المؤيّد لختان الإناث الذي أخذه كثير من رجال الدين، وخاصّة شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق (توفّى عام 1996) الذي ردّد مقولة فقيه قديم: «لو إجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه»[60].
هناك إذاً عودة للإهتمام بموضوع ختان الإناث. وقد كُتبت عدّة دراسات. من بينها المسح الصحّي الذي قامت به وزارة الصحّة برئاسة الدكتورة فاطمة الزناتي بكلّية السياسة والإقتصاد جامعة القاهرة والذي تم إجراؤه على14.799 سيّدة من محافظات الجمهوريّة وأستمر لمدّة عامين متتاليين[61]. وقد بيّنت هذه الدراسة أن نسبة المختونات في مصر تصل إلى 97%. وهذه النسبة هي 99.5% في الريف، و94% في المدن. وأن قرابة 82% من النساء ما زلن يؤيّدن ختان الإناث: 91% في الريف، مقابل 70% في المدن. وقد بيّنت النتيجة أيضاً أن نسبة النساء الغير متعلّمات اللاتي يؤيّدن ختان الإناث هي 93%. وهذه النسبة تنخفض إلى 57% بين النساء الحاصلات على شهادة الثانويّة أو درجة أعلى.
وكانت الأسباب التي ذكرت تأييداً لختان الإناث كما يلي:
58.3% عادة حسنة
30.8% مطلب ديني
36.1% النظافة
8.9% إمكانيّات أكبر للزواج
3.8% زيادة لذّة الرجل
9.1% تحافظ على البكارة
5.6% تحمي من الزنا
5.9% أسباب أخرى
وكانت الأسباب التي ذكرت ضد ختان الإناث كما يلي:
37.8% عادة سيّئة
29.8% مخالفة للدين
45.7% تؤدّي إلى تعقيدات طبّية كثيرة
27.3% تجربة ذاتيّة مؤلمة
12.1% ضد كرامة المرأة
19.6% تمنع اللذّة الجنسيّة
5.9% أسباب أخرى
كما أثبتت الدراسة أن 74% من النساء تعتقد أن الرجال يفضّلون المرأة المختونة، وأن 72% من النساء تعتقد أن الختان جزء مهم من التقاليد الدينيّة، وأن 41% من النساء يعتقدن أن الختان يحمي من الوقوع في الزنا.
وقد أثبتت الدراسة أن نوع الختان الذي تم على عيّنة من 1.249 سيّدة هو كما يلي:
18.7% بتر البظر كلّياً أو جزئيّاً
7.8% بتر الشفرين الصغيرين كلّياً أو جزئيّاً
64% بتر كل من البظر والشفرين الصغيرين كلّياً أو جزئيّاً
9.4% بتر الشفرين الكبيرين مع البظر والشفرين الصغيرين
4) ختان الإناث ليس عادة خاصّة بمكان معيّن. فهي تنتقل مع إنتقال الأفراد وتتأثّر بتطوّر الأفكار. فقد أدّت الهجرة إلى إنتقال عادة الختان إلى الدول الغربيّة مع من هاجر هناك من الدول الإفريقيّة. وبما أن الغرب يستنكر ختان الإناث ويعاقب عليه، فإنه يتم في الخفاء. ولكن من وقت إلى آخر يُكشف عن حالات مضاعفات طبّية أو وفاة. ومن جهة أخرى، يحاول التيّار الديني الإسلامي المتزمّت نشر ختان الإناث بين مواطني دول إسلاميّة لا تعرف هذه العادة كما هو الأمر في تونس والجزائر. وقد أشارت معلومات أن بعض أتباع الجبهة الإسلاميّة الجزائريّة في ألمانيا يختنون فتياتهم هناك رغم أن الجزائر ليس فيه ختان إناث[62]. كما أعلمني بعض المثقّفين التونسيين أن التيّار الإسلامي طالب بممارسة ختان الإناث في تونس. ومن المعروف أن التيّار الإسلامي الجزائري والتونسي متأثّر بالتيّار الإسلامي المصري. وهناك أيضاً تأثّر بالإحتكاك. فبعض الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى مصر أصبحوا حاليّاً يمارسون ختان الإناث حسب بعض الشهادات.
5) ختان الإناث يصاحبه دائماً ختان الذكور. فكل العائلات التي تختن إناثها تختن أيضاً ذكورها. وهذا يعني أنه من غير الممكن القضاء على عادة ختان الإناث دون مكافحة ختان الذكور في نفس الوقت. فليس من الممكن أن تُقنع الأهل بأن يكفوا عن ختان بناتهم بينما تسمح لهم في الإستمرار بختان ذكورهم. فكلتا العمليّتين تحملان عادة نفس الإسم وهو «الطهارة».
6) ختان الإناث ليس حكراً على القارّة الإفريقيّة. فقد مارست تلك العادة شعوب تنتمي إلى معتقدات دينيّة مختلفة في جميع القارات. وسوف نرى لاحقاً أن ختان الإناث قد عرف في أوروبا وفي الولايات المتّحدة، بين البيض، وما زال يُمارس هناك ولو بأعداد ضئيلة. وقد تعرّفت على سيّدة أستراليّة في الثلاثينات من عمرها ختنها «موهيل» (ختان ديني يهودي) عندما كان عمرها 21 سنة بعدما أن إكتشف والدها، وهو طبيب يهودي، أنها تمارس العادة السرّية. وترفض نوال السعداوي بشدّة المقولة بأن ختان الإناث عادة فرعونيّة أو إفريقيّة. فقد مارست إندونيسيا ختان الإناث قَبل أن يُمارس في مصر القديمة. وتضيف: «لقد أثبت علم التاريخ والأنتروبولجية [علم الإنسان] أن هذه العمليّات، الختان والخصي وغيرها، لا علاقة لها بالمصريّين أو العرب أو المسلمين أو اليهود أو المسيحيّين أو البوذيين أو غيرهم. إنها ترتبط بنوع النظام الإجتماعي والإقتصادي السائد في المجتمع وليس نوع البشر أو دينهم أو لونهم أو جنسهم أو عرقهم أو لغتهم»[63]. وفي مقال آخر تقول: «إن القارّة الإفريقيّة أو اللون الأسود ليس مسؤولاً عن هذه الجريمة وإنّما هي إحدى جرائم العبوديّة في التاريخ البشري. إلاّ أنها بقايا النظرة العنصريّة التي تتصوّر أن مشاكل الدنيا (بما فيها الإيدز) أصلها إفريقي، أو على الأقل بدأت في إفريقيا ثم إنتقلت بالعدوى فقط إلى الجنس الأبيض»[64].
هذا وسوف نرى في الفصول اللاحقة كيف أن الدين لعب دوراً هامّاً في ترسيخ كل من عادة ختان الذكور والإناث، ولكنّه لم يكن السبب الوحيد وراءهما.
نلاحظ ممّا سبق بأن عدد الذكور المختونين في العالم يزيد على عدد المختونات. ولا توجد دراسة شاملة حول أسباب هذه الظاهرة. ونحن سنحاول هنا إقتراح بعض تلك الأسباب:
- ظهور الأعضاء الجنسيّة عند الذكور مع إختفاء الأعضاء الجنسيّة عند المرأة.
- أكثر الشعوب تضع الأعضاء التناسليّة للذكر والأنثى ضمن مضمون الحياء. ولكن جسم المرأة يلقى تحفّظاً أكبر من جسم الرجل خاصّة أن الختان يتم في كثير من الأحيان على يد رجل غريب عن العائلة.
- ختان المرأة يؤدّي إلى تعقيدات صحّية أكبر من ختان الرجل، خاصّة عندما يمتد الختان إلى الشفرين الكبيرين والصغيرين.
- أكثر عمليّات ختان الذكور تتم في مرحلة الطفولة ممّا يسهّل السيطرة على المختون، بينما ختان الإناث يتم عامّة في سن متقدّمة ممّا يجعل السيطرة على البنت أكثر صعوبة.
- قرار ختان الذكور يتم عادة من قِبَل الرجال، بينما ختان الإناث يتم بقرار من المرأة (مع موافقة الرجل). وبما أن البنات تعار أقل أهمّية من الصبيان، ساعد هذا الوضع الأم من إبداء تحفّظ على ختان بنتها خاصّة أن ختان الإناث يترك آثاراً أشد من آثار ختان الرجل، آثاراً تحسّها الأم في جسدها.
- ختان الرجل أقل تشويهاً من ختان المرأة، وهذا الأخير قليلاً ما إعتبر صبغة جماليّة للمرأة على العكس من ختان الرجل.
- ختان الذكور قد يكون عمليّة موازية لعمليّة أخرى تحدث للمرأة بصورة طبيعيّة، وهي العادة الشهريّة. فإنزال دم الذكر قد يكون المقصود منه أصلاً خلق تشابه بين الرجل والمرأة. وهناك شعوباً ما زالت حتّى يومنا هذا تحدث شرخاً في المنطقة السفلى من الذكر يشبه رحم المرأة. ويتم إبقاء هذا الشرخ داميا. وقد تكون هذه العمليّة قد تطوّرت لاحقاً إلى عمليّة ختان الذكور.
- قد يكون ختان الذكور عمليّة متطوّرة عن عمليّة الخصي التي كان يستعملها الأب حتّى لا يلاقي منافسة من قِبَل الذكور الآخرين وحتّى يتم له إحتكار النساء.
- قد يكون ختان الذكور عمليّة متطوّرة عن عمليّة التضحية للآلهة. فقد كان الإنسان يظن أن الآلهة تفضّل الذكر على الأنثى، والزعيم على العامّة. والتوراة تأمر تكفيراً عن خطيئة الزعيم بتقديم «تيساً من المعز ذكراً تامّاً»، بينما عن خطيئة أحد العامّة، فيكفي تقديم «عنزة من المعز تامّة» (الأحبار 4:22-53). ونحن نجد شرط الذكورة والتمام (أي غير مخصيّين) في ضحيّة التكفير في مواضع كثريّة أخرى من التوراة[65]. والذكورة مفروضة عامّةً فيمن يقدّم الضحيّة. وحتّى الآن نرى أن أتباع الديانات السماويّة الثلاث ما زالوا يتمسّكون بأن لا يؤمّهم أو يصلّي بهم إلاّ رجل. ومحاولات النساء في التصدّي لهذا التمييز هي في أوّل مراحلها.
- الختان علامة ميزة وافتخار عند بعض الشعوب، خاصّة عند اليهود. ولم تُعتبر المرأة مستحقّة في حمل تلك العلامة.
- من يرتكز على شعوره الديني في تصرّفاته يمكنه أن يجد في الكتب الدينيّة الأساسيّة نصوصاً تؤيّد ختان الذكور بينما لا ذكر في هذه الكتب لختان الإناث.
- حملات التشهير بختان الإناث أقوى من حملات التشهير بختان الذكور. ومن المعروف أن الغرب هو الذي يقود هذه الحملات. وبما أن اليهود يمارسون ختان الذكور، فإن الغرب يتخوّف من التعرّض لختان الذكور الذي قد يؤدّي إلى إتّهامه بمعاداة الساميّة. أضف إلى ذلك أن اليهود لهم سيطرة كبيرة على وسائل الإعلام وعلى صانعي القرار وعلى مصادر المال الذي هو، كما يقول الغرب، عصب الحرب. كما أن بعض تلك الحملات المعادية لختان الإناث يقودها يهود مشهورون عالمياً نذكر منهم «ادمون كيزر»[66]. وهذا الشخص كان من أوائل منتقدي ختان الإناث ولكنّه يرفض رفضاً قاطعاً التعرّض لختان الذكور. وقد تبنّى الغرب قوانيناً رادعة ضد ختان الإناث وفتح باب اللجوء السياسي للنساء التي تتخوّف من إجراء العمليّة لهن أو لبناتهن إذا ما رجعن إلى بلادهن. وهذا الأمر من غير المتصوّر في الغرب فيما يخص ختان الذكور لأن ذلك يعني فتح معركة ضارية مع اليهود.
[1] كتبت الدكتورة نوال السعداوي هذا التقديم للكتاب الذي صدر عن دار رياض الريّس في بيروت عام 2000 والذي عنوانه: «ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين: الجدل الديني».
[2] «الشلبي» كلمة في اللغة الدارجة في قريتنا الفلسطينية تعني من يقوم بعمليّة تجميل وتطلق عادة على الحلاّق أو المطهّر، أي من يقوم بعمليّة ختان أو ما يسمّى طهور أو تطهير.
[3] صدرت أعمال هذا المؤتمر مختصرة في مجلّة Nord-Sud XXI, no 3, 1993, p. 63-182
[4] أنظر بالإنكليزيّة Aldeeb Abu-Sahlieh: To mutilate in the name of Jehovah or Allah
[5] أنظر خاصّة الملاحق 6 و9 و10 في آخر الكتاب.
[6] نُشرت أعمال هذا المؤتمر: Denniston and Milos: Sexual mutilations a human tragedy
[7] Aldeeb Abu-Sahlieh: Jehovah, his cousin Allah, and sexual mutilations
[8] نُشرت أعمال هذا المؤتمر: Denniston, Hodges and Milos: Male and female circumcision
[9] Aldeeb Abu-Sahlieh: Muslims' genitalia in the hands of the clergy
[10] نُشرت أعمال هذا المؤتمر: Denniston, Hodges and Milos: Understanding circumcision
[11] www.circumstitions.com/Stitions&refs.html
[12] أبو يوسف: كتاب الخراج، ص 13.
[13] Favazza, p. 85-224
[14] Favazza, p. 115-117
[15] Maertens, p. 9-11
[16] إبن منظور: لسان العرب، مجلّد 13، ص 138-139. وفي نفس المعنى: الزبيدي: شرح تاج العروس، جزء 9، ص 189-190.
[17] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.
[18] إبن منظور: لسان العرب، مجلّد 7، ص 145-146.
[19] عبد السلام: التشويه الجنسي للإناث، ص 9-10؛ أنظر أيضاً Female genital mutilation: report, p. 4-5
[20] إبن منظور: لسان العرب، مجلّد 11، ص 615.
[21] Denniston & Milos: Sexual mutilations, preface, p. V. أنظر أيضاً عن الجدل حول إستعمال كلمة الختان Boyd: Circumcision, p. 13-14
[22] El-Saadawi: The hidden face of Eve, p. 35
[23] السعداوي: حول رسالة الطبيبة الشابّة، الأهرام 18/5/1995.
[24] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 62-66
[25] كامل: أوهام الجنس، ص 148.
[26] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.
[28] أنظر الجزء الثاني، الفصل الرابع، الفرع الأول، الرقم 3)، حرف ج).
[29] Thesiger: Arabian Sands, p. 91-92
[30] Soubhy: Pèlerinage, p. 129
[31] Henninger, p. 393-433
[32] أنظر مثلاً Chabukswar: A barbaric method; Bissada: Post-circumcision carcinoma; Koriech: Penile shaft carcinoma
[33] إبن باز: مجموع فتاوى، مجلّد 4، ص 30.
[34] Lantier, p. 90-96
[35] Bryk, p. 128-134; Annand: Aborigènes: la loi du sexe
[36] النص العربي في Albucasis: On surgery and instruments, p. 397-401
[37] القادري، ص 102-105.
[38] أنظر هذه الآلات في http://www.noharmm.org/instruments.htm
[39] Female genital mutilation: report, p. 7
[40] السعداوي: المرأة والصراع النفسي، ص 73-74؛ السعداوي: المرأة والجنس، ص 35-36.
[41] Ras-Work: Female genital mutilation, p. 140
[42] Rathmann, p. 115-120
[43] هذه الأرقام صادرة عن Ad hoc working group
[44] http://www.noharmm.org/HGMstats.htm: Statistics on human genital mutilations
[45] Aldeeb: Mariages, p. 28 et 36
[46] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 27-28
[47] Williams: Nocirc of Australia, p. 192; Darby: A source of serious mischief, p. 157
[48] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 217
[49] إبن الحاج: المدخل، جزء 2، ص 296.
[50] هذه الأرقام صادرة عن Ad hoc working group
[51] http://www.noharmm.org/HGMstats.htm: Statistics on human genital mutilations
[52] المصادر: Mutilations sexuelles féminines, dossier d'information, 1994; Female genital mutilation: prevalence and distribution, 1996; Female genital mutilation, an overview, 1998
[53] Sasson: Sultana, p. 155-158
[54] حريز ومنصور: دور الحياة البشريّة في مجتمع الإمارات، ص 126-127.
[55] Asali; Markuze
[56] Jaussen: Coutumes des arabes, p. 35 et 364
[57] الممارسات التقليديّة، ص 6؛ الحلقة الدراسيّة، ص 9-10.
[58] مهران: الأضرار الطبّية، ص 55-56.
[59] عبد السلام: التشويه الجنسي للإناث، ص 24-25.
[60] أنظر الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب.
[61] Egypt demographic and health survey, p. 171-183
[62] نشرة مجموعة العمل المعنيّة بمكافحة ختان الإناث، العدد التجريبي الثاني، 15 إبريل 1997، ص 2.
[63] السعداوي: مرّة أخرى حول رسالة الطبيبة الشابّة.
[64] السعداوي: رسالة إلى الطبيبة الشابّة.
[65] أنظر مثلاً الأحبار 2:9؛ 5:16-27؛ 18:23-19؛ العدد 1:7-9 و16؛ 24:15؛ 19:28.