الجزء الرابع: الختان والجدل الإجتماعي

«إن الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد 11:13)

الختان ظاهرة جماعيّة. وككل ظاهرة جماعيّة، لا بد أن تبدأ بفرد يعتبر «شاذاً» يقوم بختان نفسه لأسباب مختلفة، منها الديني، والجنسي، والمرضي. ثم تنتقل من الفرد إلى الجماعة فتفقد طابعها «الشاذ» وتصبح عادة وظاهرة ثقافيّة مع الوقت تحت تأثير عدوى المحيط، والدين، والنزوات الجنسيّة، والزواج، والنظام القبلي والطائفي، وغريزة التسلّط، والعوامل الإقتصاديّة، والدوافع السياسيّة. والختان كـ«منتوج جماعي» يتحوّل إلى «عامل» مؤثّر على المجتمع. وقد رأينا تأثيره على الحياة الزوجيّة والشذوذ الجنسي وتناول المخدّرات في الجزء الطبّي، وسوف نرى هنا نتائجه النفسيّة والإجتماعيّة الأخرى. وننهي هذا القسم بعرض الوسائل التربويّة والنفسيّة لمعالجة آثار الختان والقضاء عليه.

الفصل الأوّل: الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي

لقد عرّض الإنسان نفسه وغيره عبر العصور إلى أنواع شتّى من البتر والتشويه، من بينها بتر الأعضاء الجنسيّة، وخصوصاً ختان الذكور والإناث. وتبدأ ظاهرة بتر الذات بفرد شاذ نفسيّاً، ثم تصبح مع مرور الوقت ظاهرة ثقافيّة. وفهم الأسباب التي تؤدّي إلى بتر وتشويه الذات عند الأفراد الشاذّين نفسيّاً يساعد في فهم الأسباب التي تؤدّي إلى بتر وتشويه المجتمع أجساد أفراده. يقول «بتلهايم» أن تصرّفات المرضى المصابين بالفصام العقلي تكشف عن الأسباب الحقيقيّة التي تحكم تصرّفات المجتمع المتحضّر. فرغبات الإنسان في كل زمان ومكان واحدة ولكن تلك الرغبات عند المرضى أكثر وضوحاً، بينما المجتمع المتحضّر يخفي تلك الرغبات ويكبتها [1] . ولكن هذا التأثير ليس في إتّجاه واحد، فالمجتمع أيضاً يؤثّر في الأفراد. يقول طبيب النفس «فافاتزا» إن جسم الإنسان الفرد يعكس صورة الجسم الإجتماعي، وكل منهما يكوّن الآخر ويدعمه. فعدم وعي الواقع، والشعور بالذنب، والنظرة السلبيّة نحو الذات، والأعمال غير الإجتماعيّة وغيرها من عوارض الأمراض العقليّة لا يمكن تفهّمها إلاّ بتفهمنا نفسيّة وثقافة المجتمع [2] .

1) بتر الذات الشاذ من الجن إلى علم الطب النفسي

كانت الظواهر الطبيعيّة كالبرق والرعد وقوس القزح والمطر تنسب في الماضي إلى الآلهة وقوى خارقة أخرى حتّى جاء العلم ففسّرها. وكانت الأمراض الجسديّة تنسب إلى عقاب إلهي أو مؤامرة تحيكها الأرواح الشرّيرة فجاء علم الطب وأرجعها إلى أسباب طبيعيّة يتقبّلها العقل ويمكن البحث عن دواء لها.

وقد نسبت تصرّفات الأفراد الشاذّة مثل بتر وتشويه الجسم لقوى خارقة مثل الجن والشياطين. فيحكي لنا الإنجيل شفاء المسيح لرجل «فيه روح نجس قد خرج من القبور [...] وكان طوال الليل والنهار في القبور والجبال، يصيح ويرضّض جسمه بالحجارة». فسأل المسيح الروح النجس عن إسمه أجاب: «جيش، لأننا كثيرون». وعندما أخرجه من المريض سمح له دخول في قطيع خنازير فوثبت إلى البحر وهلكت (مرقص 5:2-31؛ لوقا 8:72-33). وما زلنا حتّى اليوم نقول عن المختل عقليّاً بأنه مجنون أو «لابسه الجن». إلاّ أن علماء النفس يشخّصون هذه الأمراض بأنها أمراض عصبيّة وهوسيّة وعضويّة يلعب الدين والجنس وعوامل أخرى دوراً في نشوئها. وهذا ما سنراه في النقاط التالية.

2) البتر والأمراض العصبيّة والهوسيّة والعضويّة

يمكن تقسيم عمليّات البتر والتشويه الجسمي إلى ثلاث درجات: الكبيرة، والمتكرّرة والسطحيّة. ولكل من هذه العمليّات أسبابها المتشعّبة والمتشابكة.

- عمليّات البتر الكبير: يتم في هذه العمليّات بتر عضو هام في الجسم مثل أحد الأطراف أو المذاكير أو العين. وهذه العمليّات تصاحب عامّة أمراض هوسيّة مثل إنفصام الشخصيّة والكآبة والمس الجنوني. أو يكون سببها مرض السكّري الشديد. فهذا رجل عمره 44 سنة بدأ في تطوير نظرة معتمة. وظن نفسه آدم أوّل وآخِر رجل. وقد فكّر بأن بإمكانه السيطرة على الزمن وأنه وسيلة لبدء العالم من جديد. ثم شعر بأنه حامل وأنه زوجة المسيح. فأمسك بسكّين وخصى نفسه. فوقع مغميّاً عليه. وعندما أفاق أصيب بذعر ممّا فعل. وبعد ذلك أحس بالراحة. وقد قام رجل آخر بخصي نفسه بعد أن أصبح غير قادر على العلاقة الجنسيّة بسبب مرض السكّري. وقد فسّر عمله قائلاً بأن تلك الأعضاء قد قادته إلى الهاوية، وأن لا حاجة له بها الآن [3] .

- عمليّات البتر التكراري: يتم في هذه العمليّات تعدّي متكرّر على عضو ما مثل ضرب الرأس، أو الضغط على العين، أو عض الشفة والإصبع، أو خدش الجلد. وهذه العمليّات توجد في أشخاص مصابين بالهوس وانفصام الشخصيّة والفصام الذووي، أو بأمراض عضويّة مثل مرض «الإستقلاب البولي»، أو خلل عضوي في المخ أو في خلايا الدم الحمراء. وقد فسّرت هذه التصرّفات بأنها لجلب الإنتباه أو تعبير عن الإحباط وحقن الغضب والعنف داخلياً. ومنهم من رأى في ضرب الرأس محاولة لسماع صوت دقّات قلب الأم [4] .

- عمليّات البتر السطحي أو المتوسّط: يتم في هذه العمليّات قطع الجلد أو حرقه أو وشمه أو تجريحه أو كسر عظم أو غرز إبرة أو قلع الشعر أو قرض الأظافر. وتعتبر نسبة المصابين بهذه العمليّات 1400 بين كل 100.000 شخص، وتتواجد بكثرة في أوساط السجون. وهذه التصرّفات تنتج عن أمراض نفسيّة أو عصبيّة أو تعاطي الأدوية المهيّجة والكحول والكافيين والمواد التي تؤدّي إلى الهلوسة العقليّة، وكذلك الأدوية المسكّنة كـ«الفاليوم». وقد تنتج عن أمراض عضويّة مثل «فرط الدراقيّة»، وكثرة الكريّات الحمر في الدم، وفقر الدم، والحصاف، واضطراب في ضربات القلب، والأمراض الرئويّة التي تحد التنفّس، أو نقص فيتامين «ب 12»، أو نقص في بعض الهرمونات الحافزة. ومن بين الحالات المشهورة الأميرة «ديانا». ففي إحدى مناقشاتها الحادّة مع الأمير «شارلز» إلتقطت سكّين جيب وجرّحت صدرها وفخذيها. وقد كان الأمير يفسّر تلك التصرّفات بأنها محاولة من الأميرة لتزييف مشاكلها. وبعض الأشخاص يقومون بعمليّات القطع المتوسّطة مدفوعين برغبة في التخلّص من شعور بالضغط ولكي يعيدوا السيطرة على أنفسهم. وبعضهم يشعر بعدم قدرته على الإحساس وشعوره بالغربة في المكان واضطراب في الزمن. ومنهم من يريد التأثير على الغير لكي ينالوا إهتمامهم.

وهناك عوارض مرضيّة نفسيّة تصاحب عمليّات بتر وتشويه الجسم نذكر منها:

- الإضطرابات الإنفصاليّة التي تؤدّي إلى تعطيل القوى العقليّة التي تتحكّم بالذاكرة والشعور وإدراك المحيط.

- حالات الكآبة أو الكساد أو الإعياء التي تتحوّل إلى مرض الإعياء العقلي. ومن عوارضها فقدان النوم أو بالعكس النوم الكثير، وضعف الشهيّة أو بالعكس الجشع في الأكل، وفقدان الطاقة، وضعف التركيز والشعور باليأس، ورغبة في الإنتحار.

- شخصيّة مضطربة غير إجتماعيّة. ويطلق على هذا المرض إسم «الإعتلال النفسي» و«الإعتلال الإجتماعي». ومن عوارضه عدم إعتبار الغير، ومحاولة إلحاق الضرر بهم، والعنف، وعدم الشعور بالندم على التصرّفات الضارّة. ويؤدّي ذلك إلى التعسّف ضد الأطفال والزوج والآخرين، واقتراف الجرائم، ومصارعة الغير جسديّاً، وقيادة السيّارات بسرعة جنونيّة تحت تأثير الخمر، والتغيّب عن العمل. وتقدّر نسبة المصابين بهذا المرض بـ 3% بين الرجال و1% بين النساء. و75% من المساجين مصابون به.

ويرى علماء طب النفس صلة بين عمليّات البتر وكيمياء الأعصاب. فقد لوحظ أن مادّة «سيروتينين» الموصلة تساعد في نقل النبضات إلى المخ. وهذه المادّة تتجمّع في منطقة خاصّة في المخ حيث تؤمّن الأعصاب الإتّصال بجميع أجزاء المخ وخاصّة بما يسمّى «تحت المهاد» والتي تلعب دوراً هامّاً في التحكّم في الحوافز والعنف والشهيّة والمزاج وتنظيم النوم والصحو. وقد لوحظ أن مستوى هذه المادّة الموصلة منخفض في الأشخاص المصابين بالكآبة الذين يحاولون الإنتحار. وقد إستنتج من ذلك أن نقص في هذه المادّة يؤدّي إلى تصرّفات عنيفة ضد الذات وضد الغير من بينها ظاهرة البتر.

كما لاحظ هؤلاء العلماء أن مادّة موصلة أخرى تدعى «اينكيفالين» تشبه الأفيون يفرزها المخ وغدد مختلفة تخفّف من حدّة الألم وتنظّم الإنفعالات. وزيادة هذه المادّة تساعد في ظاهرة البتر. فقد لوحظ إرتفاع كبير لهذه المادّة في بلازما الدم عند عشرة أشخاص مدمنين على القطع. وقد وصفوا هؤلاء المدمنون أنهم لا يشعرون بألم من عمليّات البتر، لا بل يحسّون بالراحة بعد البتر. ويصادف أكبر قدر لهذه المادّة في حالات البتر الكبير. وقد تبيّن أن بين 240 حالة قطع، 64% منهم لم يحسّوا بألم، وأن فقط 10% منهم أحسّوا بألم شديد [5] .

3) دور الدين

تلعب التعاليم الدينيّة دوراً هامّاً في تبرير عمليّات البتر. فقد برّر اليهود والمسلمون وبعض المسيحيّين الختان باعتمادهم على التوراة. وكذلك إعتمدت طائفة الخصاة في روسيا على عدد من نصوص من التوراة والإنجيل لتبرير بتر الأعضاء الجنسيّة [6] . ونجد نفس الأمر عند الأفراد الشاذّين. ونقدّم هنا بعض الأمثلة نقتبسها من كتاب طبيب النفس «فافاتزا»:

- شاب عمره 32 سنة كان يبحث عن تطهير نفسه لمدّة ست سنوات كارزاً في الجموع وحاملاً إشارات دينيّة وحالقاً رأسه ومتأمّلاً في التلال. وقد إنتابه شعور بالذنب بسبب علاقات جنسيّة غير مشروعة وحالات سكر مر بها من قَبل. فقطع خصيتيه وقدّمهما قرباناً لله. وبعد وفاة أبيه، مارس علاقات جنسيّة شاذّة حتّى إشمأز من نفسه. فوقع على نص الإنجيل الذي يقول «هناك خصيان خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السماوات» (متّى 11:19). عندها قام بقطع قضيبه بشفرة ثم حرقه بالنار. وقد برّر عمله بقوله: «حتّى وإن تم الحُكم علي بأني مجنون، إلاّ أنه من الأفضل لي إن أطهّر نفسي».

- شاب عمره 25 سنة قطع خصيتيه وقضيبه بشفرة. وقد برّر عمله قائلاً بأنه سمع صوت أمّه المتوفاة تخبره بأنه سوف يُحرم من ملكوت السماوات إذا لم يبتر نفسه.

- شخص مصاب بانفصام الشخصيّة عمرة 35 سنة خصى نفسه معتبراً أن ذلك سوف يطهّره ويؤهّله ليركب سفينة فضائيّة معدّة لنقل المختارين إلى الفضاء الخارجي.

- حالات قلع العين: هذه الظاهرة تكاد لا توجد إلاّ في المحيط المسيحي. وهي تعتمد على نص إنجيلي يقول: «وسمعتم أنه قيل لا تزني. أمّا أنا فأقول لكم: من نظر إلى إمرأة بشهوة، زنى بها في قلبه. فإذا كانت عينك اليمنى سبب عثرة لك، فاقلعها وألقها عنك. فلأن يهلك عضو من أعضائك خير لك من أن يلقى جسدك كلّه في جهنّم» (متّى 27:5-29؛ أنظر أيضاً مرقس 47:9). ويقدّر عدد الذين يقلعون أعينهم سنوياً في الولايات المتّحدة بـ 500 حالة، يضاف إليها حالات كثيرة يتم فيها وضع أشياء مؤذية في العين. وإحدى تلك الحالات تخص مسيحيّاًّ مصرياً خدش عينيه بعدما أحس بالذنب لمعاينته ملهى عاريات. وقد إدّعى أن العذراء مريم ظهرت له وطلبت منه أن يقلع عينه فأدخل في مستشفى بعد أن حاول القيام بذلك.

ويقول طبيب النفس «فافاتزا» إن الأشخاص المصابون بالهلوسة يسمعون أصواتاً ويرون رؤى تطالبهم ببتر أنفسهم. وعندما يكون البتر تنفيذاً لما يعتقدونه أمراً إلهياً، ينتاب الأشخاص الذين يبترون أنفسهم شعور بالقوّة أو الأهمّية لاعتقادهم أن الله قد إختارهم. وقد تكون تلك الهلوسة في درجات مختلفة من الشدّة. فمنهم من تلاحقهم باستمرار وقد تكون في شكل رؤيا مخيفة خاصّة تحت تأثير المخدّرات. وقد يكون البتر وسيلة للتخلّص من تلك الرؤيا أو لتثبيت تلك الأوامر في الجسم. وقد بيّنت دارسة نشرت عام 1989 النسب التالية للأسباب التي تذكرها الإناث اللاتي يبترن جسدهن: تخفيف الهيجان 72%، إرتخاء الأعصاب 65%، تخفيف الكآبة 58%، البحث عن الإحساس بالواقع 55%، تخفيف الشعور بالوحدة 47%، التكفير عن الخطايا 40%، إذعاناً لأصوات آمرة 20%، إذعاناً لأرواح خبيثة 12% [7] . وهذا يعني أن 72% ممّن يبترون أنفسهم يقعون تحت تأثير الإعتقاد الديني.

4) دور الجنس

من خلال الأمثال السابقة، رأينا كيف أن الأمراض العقليّة والنفسيّة والعضويّة قد إجتمعت مع الدين فأدّت إلى بتر الأعضاء الجنسيّة. وللجنس دور هام حتّى أن البعض رأى في الهوس الديني تعبيراً منمّقاً عن الهوس الجنسي، وأن النسّاك مصابون بـ«هوس غرامي» يصاحبه عامّة بتر وتعدّي على الأعضاء الجنسيّة [8] .

ويرى علماء النفس أن أكثر حالات البتر يمكن ربطها من بعيد أو قريب بالجنس. فقلع العين يتم لأن الشخص يحس بذنب له علاقة بالجنس. ويذهب بعضهم أبعد من ذلك معتبراً العين رمزاً للأعضاء الجنسيّة [9] . وهناك قبائل تقوم بطقوس بتر الأنف أو تجريحه معتبرة الدم الذي يسيل منه مماثلاً لدم حيض النساء. وبعضها تقوم خلال طقس بتر غلفة القضيب أو تجريحه بتجريح الأنف معتبرة ذلك وسيلة لتقوية الحياة وللحماية من خطر الأنثى خلال العلاقة الجنسيّة. وعمليّة إدماء الأنف تجرى أيضاً على النساء [10] .

إلاّ أن الأعضاء الجنسيّة هي الأعضاء الأكثر عرضة للبتر والتشويه في أشكال مختلفة أهمّها قطع خصية أو الخصيتين وقطع القضيب والختان وشبك غلفة القضيب. ويذكر طبيب النفس «فافاتزا» حالات جنونيّة كثيرة يقوم فيها الشخص، ذكراً كان أو أنثى، بالتعدّي على أعضائه الجنسيّة [11] . ولكن أكثر هذه الحالات تخص الذكور، لأن أعضاءهم الجنسيّة أكثر ظهوراً من أعضاء النساء. ويحدث البتر عامّة عند التشويش النفسي، والكآبة، والهذيان [12] . ويرى «بتلهايم»، في حالات البتر تعبيراً عن الغيرة والبغض بين الجنسين [13] . ولنا عودة إلى هذه النظريّة لاحقاً.

5) المازوشيّة

عمليّات تعذيب الذات منتشرة في كل المجتمعات البدائيّة مثل المتحضّرة. وهناك علاقة بين الدين والجنس والتعذيب. والإنسان قد يلجأ إلى تعذيب الذات حتّى يكون أكثر جمالاً وأكثر جذباً. ويدخل ضمن هذه التصرّفات وضع أحجار صغيرة أو قطع صدف تحت جلد القضيب. وهناك نساء يقمن بوضع حلق بحلمتهن أو بالشفرين الصغيرين. وبعضهم أيضاً يقوم بثقب الحشفة أو برسم وشم على جسمه. وهناك من يدخل أدوات مختلفة في أعضائه الجنسيّة إلى غير ذلك من العادات المهيّجة [14] .

وقد تأخذ هذه التصرّفات منحاً خطيراً فتصب في خانة الجنون والأمراض النفسيّة. والحد بين ما هو مقبول وبين ما هو شاذ يصعب تحديده ويختلف حسب الثقافات. ويصنّف علماء النفس ظاهرة مرضيّة نفسيّة تحت إسم المازوشيّة، نسبة ل «ليبولد ساشر مازوش» (توفّى عام 1895) الذي مجّد في كتاباته وتصرّفاته الجنس المصحوب بتعذيب الغير له. وقد بين الدكتور «فافاتزا» أن بين 250 حالة بتر الذات 2% كانوا هائجين جنسيّاً عندما بتروا أنفسهم، و3% كان عندهم شعور بالهيجان الجنسي، وأن 20% قد لجأوا لعمليّة بتر الذات للسيطرة على شعورهم الجنسي. وهناك من يشعر بالهيجان الجنسي عند قطع أطرافه مثل قطع الساق أو أصابع القدم. وهناك من يتلذّذون بالألم عندما يقومون بالعلاقة الجنسيّة، مثل وضع شمع يغلي على أجسامهم أو جلدهم [15] . وهذا ما يطلق عليه إسم المازوشيّة الشبقيّة، أي أن الإنسان يبحث عن اللذّة من خلال الألم. ومن المعروف منذ القديم أن اللذّة الجنسيّة لها صلة بالإذلال والألم لدى بعض الناس [16] .

6) غريزة الحياة والموت

أثّر فرويد (توفّى عام 1939) على الطب النفسي من خلال نظريّته القائلة أن الإنسان لديه «غريزة الحياة» التي تتحكّم في تصرّفاته. وربّما بسبب تجربة الحرب العالميّة الأولى أوجد فرويد عام 1920نظريّة معاكسة أسماها «غريزة الموت» التي تدفع الإنسان إلى العنف والإنتحار وتجريح الذات بحثاً عن الموت. وقد قام عالم النفس «مينينجر» بتفسير البتر بأنه وسيلة علاج يلجأ لها الفرد حتّى يتفادى إفناء ذاته. ونجد إلتقاء بين هذه النظريّة وقول المسيح السابق الذكر أنه من الأفضل أن تقلع عينك وتقطع يدك بدلاً من أن تهلك كلك في الجحيم. ويعلّق «فافاتزا» على هذه النظريّة قائلاً بأن البتر يساعد في بعض حالات على تفادي الإنتحار [17] .

ويتبع حالات البتر إحساس بالراحة. وقد بنيت نظريّات كثيرة لتفيسر هذه الظاهرة. فمنهم من رأى تشابهاً بين هذا الإحساس وبين الإحساس الناتج عن تمارين رياضيّة أو بلوغ الإرتواء الجنسي أو إرتخاء العضلات والتأمل الروحي. وقد علّلوا ذلك بأن المخ يعمل بصورة مثالّية تحت ضغط معيّن. وإذا ما إرتفع الضغط كثيراً، قام المخ روتينيّاً بتنظيم هذا الضغط بتخلّيه عن جزء من هيجانه. ولذا يعبّر الذين يقطعون أنفسهم بأن القطع كفقع البلّون أو كتنفيس طنجرة تغلي. فبالقطع منفذ لخروج الضغط من خلال إنزال الدم الذي أستعمِل عبر التاريخ كوسيلة للتخفيف من الأمراض ورمز للخلاص [18] . ويرى البعض أن هيجان المخ قد يكون بسبب خلل فيزيولوجي أو تأثير بعض المواد الكيماويّة على المخ كما توضّحه الدراسات على الحيوانات. وعندما يصل الهيجان إلى ذروته، يقوم الحيوان والإنسان ببتر عضو. وهذا البتر يساعد في الرجوع إلى الهدوء [19] . وهذه النظريّة تذكّرنا بالآية القرآنيّة: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلّكم تتّقون» (البقرة 179:2). فالقصاص يؤدّي إلى تهدئة الضحيّة وأهلها.

7) تأثير المحيط

إذا وضعت الحيوانات في محيط غير طبيعي مثل حدائق الحيوانات أو الأقفاص، تقوم ببتر أنفسها. ويزيد في نسبة هذه الظاهرة العزلة والفشل في العلاقة الجنسيّة والتهديد والخوف [20] . وهذا ما نجده عند الإنسان. فقد لوحظ إرتفاع نسبة البتر عند السجناء وعند الأشخاص الذين مرّوا بتجارب قاسيّة في طفولتهم ولم يجدوا الحنان والحب من أهلهم، أو تم إغتصابهم، أو عوملوا بصورة تعسّفيّة، أو كانوا في حالة عزلة. والفرق بين الحيوان والإنسان هو قدرة الإنسان في إعطاء معنى رمزي لأفعاله ممّا يجعل فهم تصرّفاته أكثر تعقيداً [21] .

وهناك من يرى في البتر عمليّة صب غضب على الذات إمّا كعمليّة ثأر ذاتيّة أو بديلاً عن الغير. وهذا يحدث خاصّة عند الأطفال الذين تم إغتصابهم جنسيّاً. فهم ببتر جسدهم يعبّرون عن رغبتهم في الإقتصاص ممّن قام باغتصابهم. ولوحظ أن الإناث عامّة يحوّلن الغضب إلى إنتقام ضد الذات، بينما يحوّل الذكور غضبهم نحو الخارج من خلال العنف الخارجي. ومنهم من يعتبر البتر وسيلة لإثبات السيطرة على الذات والإستقلاليّة. ففي المدارس الداخليّة ذات النظام القاسي تقوم بعض الفتيات بتجريح أنفسهن للتمرّد على ذلك النظام، وللشعور بالإستقلاليّة في أخذ قرار تجريح الذات، وبسبب عدم قدرتهن على الرد على الظلم الواقع ضدّهن [22] .

وقد بيّن «فافاتزا» أن المحيط الإجتماعي يؤثّر على ظاهرة البتر. ففي المستشفى قد ينظر أعضاء التمريض بتقزّز تجاه الشخص الذي يبتر نفسه أو على العكس قد ينظروا إليه نظرة تقدير. وموقفهم هذا يؤثّر في إستمرار ظاهرة البتر أو إيقافها [23] .

8) الحيلة والصوريّة

يقوم بعض الأفراد ببتر أنفسهم للحصول على فوائد ذاتيّة عبّر عنه مثل عربي قديم يقول «لأمر ما جدع قصير أنفه». وللمثل حكاية ظريفة تعود إلى القرن الثالث الميلادي. تقول الحكاية أن حذيمة الأبرش ملك العراق قتل عمرو بن الظرب إبن حسّان ملك الجزيرة. فجمعت إبنته الزبّاء الرجال والمال واستولت على الجزيرة وحلّت محل أبيها. وأرادت أن تنتقم من جذيمة قاتل أبيها فبعثت إليه تظهر له الرغبة في زواجها به وضم ملكها إلى ملكه. فشاور جذيمة أصحابه فصوّبوا رأيه إلاّ «قصير» فإنه حذّره من غدرها. إلاّ أن جذيمة رحل إليها ودخل عليها فأحكمت حيلتها وقتلته. وقد إستولى على الحُكم من بعده عمرو بن عدي. واحتال «قصير» ليثأر لجذيمة، فجدع أنفه وأذنه وذهب إلى الزبّاء يشكو من عمرو بن عدي أنه فعل به ذلك. فصدّقته وأعطته مالاً للتجارة. فرجع به إلى العراق، وأخذ من عمرو بن عدي أموالاً وعاد إليها زاعماً أن تجارته ربحت. ولم يزل يغدو في تجارتها ويروح إلى أن شعر باطمئنانها إليه، فجاء بألف بعير عليها ألف رجل مسلّح يتقدّمهم عمرو بن عدي وأنيخت الإبل أمام قصرها، وبرز الرجال ففتكوا بمن حولهم وامتصّت الزبّاء خاتماً لها مسموماً وأجهز عليها عمرو [24] .

ومن المعروف أن كثيراً من الأفراد يتصنّعون المرض أو يبترون أحد أعضائهم لجلب الشفقة أو للتسول، وهذا ما عبّر عنه المثل العامّي: «إقطع إيدك واشحد عليها». كما قد يكون القصد التهرّب من الجنديّة، وهو ما تعاقب عليه القوانين. وقد يُقصد بالبتر إغاظة الآخرين، كما يشير مثلان عامّيان كويتيان: «عاند أم عياله وقص أيره وخصيانه»؛ «عاند مرته وقص طيزه» [25] .

وهناك ظاهرة تسمّى «هوس العمليّات الجراحيّة». فبعض الأشخاص يتظاهرون بأنهم في حاجة لعمليّة جراحيّة ويقنعون الطبيب بأساليب تحايلّية بإجراء تلك العمليّات [26] . والمصابون بهذه الظاهرة يتعمّدون عرض جراحهم على الغير. وهناك من يتلذّذ بالنظر إلى تلك الجراح. وهذا عرض واستعراض لحياة تعيسة. واختيارهم للعضو الذي يصبّون عليه غضبهم له معنى نفسي [27] . ويرى «ايرليخ» أن عمليّات البتر الصوريّة وبدرجة أكبر بتر الذات عند المختلّين عقليّاً هي في نهاية الأمر وسيلة للتهرّب من صراع داخلي كما تبيّنه التجارب على الحيوانات التي تعطى بعض الأدوية المهيّجة الضارّة. ولكن الشخص يجهل السبب العميق الذي قاده لمثل هذا التصرّف. وهو عامّة يقوم بتضحية جزء من جسمه لكي يحتفظ بالباقي. فهي عمليّات بديلة للإنتحار وللخصي [28] .

9) تطوّر الأسباب والمواقف من عمليّات البتر

يقول «فافاتزا» أن بتر الذات له أسباب مختلفة ولا يمكن فهمه إلاّ إذا أخذنا بالإعتبار معطيات كثيرة منها النفسي والبيولوجي والمحيط الإجتماعي والتأثير الثقافي. وقد تختلف التفاسير من طبيب نفس لأخر. فقد شخّصت دراسة ألمانيّة نشرت عام 1995 أن 19% من النساء اللاتي يبترن أنفسهن بصورة متوسّطة مصابات بمرض الفصام العقلي ولكن أطبّاء النفس الأمريكيّون قد لا يوافقون على هذا التشخيص [29] .

وقد يتغيّر التشخيص لظاهرة في برهة زمنيّة قصيرة. فقد صنّف سابقاً ثقب الجسم لتعليق حلق فيه كتعبير عن الشذوذ الجنسي عند الذكور والإناث. فقد بيّنت دراسة نشرت عام 1993 أن 60% من الرجال و50% من النساء الذين يمارسون ثقب الحلمة لهم ميول جنسيّة شاذّة. ومع إنتشار هذه الظاهرة، إختلفت النظرة لعادة ثقب الجسم. فيعتبر الشباب الذين يقومون بتلك العمليّة بأنهم أكثر جاذبيّة جنسيّاً، وأن ذلك يغيظ أهلهم، أو أن ذلك وسيلة لإثبات شخصيّتهم. وعندما أصبحت عمليّة ثقب الأذن منتشرة، تحوّل الناس إلى ثقب أجزاء أخرى من الجسم ولبس أغلال حديديّة ثقيلة وحرق الجلد وتعليق كلاّبات ثقيلة بالجسم وجلد الذات. ويعتبر الذين يقومون بهذه التصرّفات أن ذلك يؤدّي إلى تقوية الشخصيّة والشفاء النفسي [30] .

10) التحليل النفسي لختان إبراهيم

قليلاً ما يتم إخضاع الأنبياء للتحليل النفسي بسبب القدسيّة التي تحيط بهم. وقد نشر عبد الله كمال كتاباً عنونه «التحليل النفسي للأنبياء»، وهو، كما يقول مؤلّفه، مجرّد «محاولة لقراءة قصص الأنبياء بطريقة مختلفة، وبدون أي تشكيك في الحقائق العقيديّة الثابتة والمؤكّدة والمعروفة» [31] . وإذا ما قيّمنا هذا الكتاب على ضوء ما كتبه الفيلسوف والطبيب الرازي (توفّى عام 925) [32] أو إبن خلدون عن الوحي [33] ، لرأينا أن كتّابنا القدامى كانوا أكثر جرأة من كتّابنا المعاصرين. وقد تكلّم عبد الله كمال عن إبراهيم ولكن دون التعرّض لقصّة ختانه. وما زال الناس يعتقدون أن ختانه هو نتيجة أمر إلهي، لا علاقة له بحالته النفسيّة. ونحن نرى ضرورة إجراء تحليل نفسي لهذه الحادثة التي أدّت إلى بتر الملايين من الأطفال، إذا ما أردنا الإقلاع عن هذه العادة. ونعتمد في تحليلنا هذا على نص التوراة الذي يتضمّن تفاصيلاً لا يذكرها القرآن.

كان إبراهيم، حسب التوراة، يعاني من حياة عائليّة مضطربة. فقد ترك أهله ورحل بعيداً عنهم (التكوين 1:12-4). وسلّم زوجته سارة لفرعون ليمارس الجنس معها مدّعياً أنها أخته حتّى ينجو من القتل ويحسن فرعون إليه (التكوين 10:12-20). وكانت سارة عاقراً ولم يأته منها إلاّ ولد في سن متأخّرة. وكان يشعر مراراً بأن روحاً يكلّمه. فالروح هو الذي أمره بترك أهله (التكوين 1:12-4)، وختان نفسه ونسله وعبيده (التكوين 1:17-14)، وطرد إمرأته الثانية هاجر مع إبنها (التكوين 12:21-13)، وتقديم إبنه إسحاق محرقة (التكوين 1:22-2). ولحسن الحظ، تراجع ذلك الروح عن مطلبه واكتفى بكبش بدلاً منه (التكوين 11:22-13). وقد توعّد هذا الروح بتدمير سدوم (التكوين 16:18-33). وعندما ظهر الروح ليطلب من إبراهيم تنفيذ أمر الختان، وقع إبراهيم على وجهه (التكوين 3:17). وكان عمره حينذاك 99 سنة. وتقول رواية يهوديّة أن إبراهيم وجد نفسه مختوناً بقرصة عقرب بعدما قام من وقعته. ولكن قد يكون وقوعه مغماً عليه بسبب قطعه غلفة قضيبه، إلاّ أن يكون قد قطعها وهو في حالة الغيبوبة. وقد يكون ختانه بسبب شعوره بالذنب بسبب تصرّفاته وعلاقته المتوتّرة مع إمرأته سارة. وبعد ختانه صار عنده شعور بالإعتزاز لأنه سيكون عنده نسل وأرض، كما وعده الروح الذي كان يكلّمه.

وإذا ما حلّلنا هذه التصرّفات على ضوء ما شرحنا سباقاً، لرأينا فيها عوارضاً لمرض الفصام العقلي وهوس المبالغة. وقد يظن البعض أن عمر 99 سنة لم يكن ذو أهمّية إذ إن التوراة تحكي أن إبراهيم مات وعمره 175 سنة (التكوين 7:25). إلاّ أن التوراة تقول إن إبراهيم كان عندما بشّره الله بميلاد إسحاق «شيخاً طاعناً» (التكوين 11:18). وللعمر في تصرّفات البشر أحكام لا تخفى على أحد، لا ينجو منها لا الفلاّح الفقير ولا الملك القدير.

هذا وقد سألني كويتي: لماذا ختن إبراهيم نفسه؟ وأجاب هو عن هذا السؤال مستشهداً بالمثل العامّي الكويتي السابق الذكر: «عاند أم عياله وقص أيره وخصيانه»! أي أن الختان كان وسيلة من إبراهيم لإغاظة سارة العاقر التي كانت تختلق المشاكل مع هاجر. وأضاف كويتي آخر مستشهداً بالمثل الكويتي: «إبراهيم ما عليه شرهه». وقد سألته عن مغزى هذا المثل فأجاب في رسالة بتاريخ 14/12/1998:

«إذا كان أحد الأشخاص إسمه إبراهيم وارتكب خطأ، يلومه البعض - سواء في حضوره أم غيابه - قائلاً له أو عنه ما يلي: «إبراهيم ما عليه شرهه» بمعنى «ما عليه عتب»، وهذا المثل متداول في العالم العربي بأسره. وهذا المثل يذكّرني بمثل آخر يحمل نفس المعنى. يقول المثل: «ليس على المجنون حرج». والمثل الأوّل بالتأكيد منسوب بالأصل إلى سيّدنا إبراهيم. وهذا أمر معروف للجميع».

نذكر هذا الخبر الأخير «على ذمّة الراوي». وإن أفتى علماء اللغة بصحّة نسبة هذا المثل الأخير إلى إبراهيم، فهذا يعني وجود فرق شاسع بين ما يعتقده العامّة عنه وبين تقديس رجال الدين اليهود والمسيحيّين والمسلمين له.

11) وسائل معالجة بتر الذات الشاذّة

لم يُعر القدامى كبير إهتمام لمن يتصرّفون بصورة شاذّة، إذ لا أحد يأمل شفاءهم. ويذكر إبن الجوزي قولاً للأوزاعي: «بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: يا روح الله إنك تحيي الموتى؟ قال نعم بإذن الله. قيل: وتبرئ الأكمة؟ قال نعم بإذن الله. قيل فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني» [34] .

وقد رأينا أن السيّد المسيح قد شفى مجنوناً بإخراج الروح النجس منه. وحتّى يومنا هذا يعالج رجال الديانات السماويّة ظاهرة الجنون بترديد الصلوات والآيات، وفي بعض الأوقات بتعذيب المريض جسديّاً. والمكتبات القاهريّة تعج بالكتب التي تحكي قدرة بعض رجال الدين على إخراج تلك الأرواح، منهم الشيخ الشعراوي. لا بل إن بعضهم يقترح تعليم إخراج الأرواح في كلّيات الطب. أمّا علماء طب النفس فإنهم يحاولون التصدّي لمثل هذه الظواهر بوسائلهم الخاصّة.

أ) الوسائل النفسيّة والتربويّة

رأينا أن الدين هو أحد أسباب حالات بتر الذات الشاذّة. ولذا ينصح علماء طب النفس منع من يعانون من مرض الهلوسة وعقدة الإضطهاد وعقدة الذنب الجنسي من قراءة الكتب المقدّسة التي تتحدّث عن البتر والتي قد تقدّم لهم تبريرات لتصرّفاتهم [35] . وقد رأينا سابقاً كيف أن معارضي العادة السرّية قد نصحوا أيضاً بعدم السماح بقراءة هذه الكتب المقدّسة.

وإذا كان القطع تعبيراً عن الرغبة في العلاقة الجنسيّة مع الأب والخوف منها أو بسبب علاقة مضطربة بين الأم والشخص خلال الطفولة، يجب لعب دور الأم وتوعية المريض وتثقيفه في مجال العلاقات الجنسيّة. وإذا كان القطع نتيجة لفقدان الأب، يجب محاولة لعب دور الأب [36] .

وهناك وسائل نفسيّة واجتماعيّة أخرى نذكر منها:

- الإبقاء على علاقة تفاهم مع المريض واتخاذ موقف هادئ من الظاهرة، مع تفادي التهديد أو الوعيد، وترك المسؤوليّة للشخص ذاته.

- تشجيع التغيير بإعطاء مكافآت على أي تصرّف جديد، وحل المشاكل العاطفيّة وتنظيم العلاقة الجنسيّة.

- العلاج داخل المصحّات لمدّة قصيرة على أن لا تفرض قيود شديدة على الذي يبتر نفسه لأنه سيجد وسيلة أخرى لفعل ذلك.

- مساعدة الشخص لكي يتخلّص من مشاعر الغضب بتنظيم التعامل معها، مثلاً بتعويده كتابة مذكّرات يوميّة أو التكلّم معه. ويمكن وضع خطّة مع المريض ذاته تثبّت في غرفته. ويمكن أيضاً اللجوء إلى جلسات خاصّة وجماعيّة ممّا يساعد على تنظيم الإنفعالات.

- مساعدة الشخص على إسترجاع ماضيه وتحليله والتعبير عنه، فذلك يعين على الشفاء [37] .

وهناك طريقة علاج نفسيّة تدعى «المداواة من خلال المعرفة»، تنطلق من التعامل مع معتقدات الشخص بأن بتر الذات أمر مقبول، وأن جسم الإنسان شيء مقزّز يستحق القصاص، وأنه يجب القيام ببتر الجسد لتخفيف شعور غير جيّد، وأن التصرّف العلني ضروري لتوصيل الشعور للغير. ويقوم المعالج بإظهار أن هذه الأفكار هي التي تؤدّي إلى البتر. وهكذا يتم صب إنتباه الشخص على أفكاره بدلاً من المحيط الذي يعيش فيه. وبعد ذلك يجب محاولة هدم تلك الأفكار السلبيّة الواحدة بعد الأخرى واستبدالها بأفكار مختلفة إيجابيّة. ويجب على المعالج أن يشعر المريض بأنه يهتم به [38] .

وهناك طريقة علاج تدعى «مداواة التصرّف»، تنطلق من مبدأ أن الإنسان الذي يبتر نفسه تعلّم تصرّفه من محيطه الإجتماعي. ويتم العلاج بإبعاد ذلك الشخص عن تلك المؤثّرات الإجتماعيّة وتعليمه تصرّفات جديدة. وخوفاً من إنتقال عدوى القطع إلى الآخرين يجب إبعاد العنصر الخطير حتّى لا يتأثّرون به. وهذا ما يسمّى بالعلاج الإداري [39] .

ويقول الطبيب النفسي «فافاتزا» أنه يلجأ لوسيلة «مداواة التصرّف» مع إعطاء أدوية بأقل قدر ممكن. وفي حالة القطع الكبير، يمكن اللجوء إلى المهدّئات القويّة التي تقاوم الفصام العقلي والهوس والكآبة. ويجب أحياناً الحد من حرّية الشخص جسديّاً إلى أن يأتي الدواء أثره. وفي حالة القطع المتكرّر قد يكون ضروريّاً وضع الشخص في المستشفى لأقل مدّة ممكنة مع إعطائه أدوية منوّمة في الليالي الأولى. ويبدأ العلاج النفسي بعد أن تمر الأزمة الحادّة. ويساعد هذا الطبيب أيضاً في أيجاد عمل للشخص لأن ذلك مهم جدّاً. كما أنه يبعده عن محيط خطير لأن ذلك قد يكون كارثة [40] . ويضيف هذا الطبيب أن علاج هؤلاء المرضى يتطلّب أكثر صبراً من علاج المرضى الجسديين، وعلى الطبيب النفسي عدم علاج أكثر من إثنين في آن واحد حتّى يتمكّن من مساعدتهم وحتّى يتفادى التأثير السلبي على صحّته بسبب تفاعله معهم [41] .

ب) الوسائل الكيماويّة والجراحيّة

ذكرنا كيف أن طبيب النفس «فافاتزا» يلجأ إلى الأدوية في معالجة الذين يبترون أنفسهم. فقد تبيّن أن إستعمال بعض الأدوية على بعض الحيوانات يؤدّي إلى قيامها ببتر أعضائها، ويؤدّي إعطائها أدوية مضادة للصرع أو مهدّئة إلى الكف عن البتر [42] . ويضيف هذا الطبيب أن إعطاء دواء منشّط للمواد الناقلة في المخ يؤدّي إلى نتيجة جيّدة في حالات البتر البسيطة [43] . ولكنّه ينبّه بأن لهذه الأدوية جوانبها السلبيّة. فمن يتناول هذه المواد قد يتعرّض لتشويش في وظائفه الجنسيّة، وألم في الرأس، وإمساك وجفاف في الفم [44] . ويشير أن هناك أيضاً إمكانيّة تغيير الجينات المسؤولة عن إضطراب عصبي بجينات سليمة، وإجراء عمليّات جراحيّة دقيقة على المخ للقضاء على الأجزاء المسؤولة عن الإنفعالات. ولكنّه يضيف أن الطب النفسي ينظر إلى العمليّات الجراحيّة على المخ نظرة سيّئة وليس من المنتظر أن تستعمل لمداواة الذين يبترون أنفسهم [45] .

12) تحوّل الشذوذ الفردي إلى تصرّف جماعي ثقافي

إذا ما تعرّض شخص لعمليّة بتر، بإرادته أو غصباً عنه، فإن هذا الحدث قد يبقى حدثاً معزولاً. ولكن قد يثير إنتباه المجتمع ويصبح المبتور محل تبجيل، فيعدي غيره.

ومن الظواهر الدينيّة المعدية ظاهرة «سمات السيّد المسيح»، وهي الثقوب في يديه ورجليه التي أحدثتها المسامير عند صلبه، والثقب في جنبه الذي أحدثته حربة الجندي بينما كان مصلوباً. ويعتقد أن هذه السمات قد ظهرت عند القدّيس بولس، بناءاً على ما جاء في إحدى رسائله: «فلا ينغصن أحد عيشي بعد اليوم. فإني أحمل في جسدي سمات يسوع» (غلاطية 17:6). ثم ظهرت هذه السمات في غيره، أشهرهم القدّيس فرنسيس الأسيزي، وذلك قَبل وفاته عام 1226 بسنتين، وكان ينضح منها الدم. وقد أحصي 31 حالة مماثلة خلال ربع قرن بعد إنتشار خبر هذه السمات في أوروبا. ويقدّر عدد هذه الحالات حتّى اليوم بقرابة 300 حالة، منها 271 حالة على نساء، بعضها تم إجراءها من خلال عمليّات تشويه الذات، وبعضها تم تشخيصها من خلال الطب النفسي [46] .

وإن كان علماء طب النفس الغربيّون يصنّفون في أيّامنا الأشخاص الذين يبترون أنفسهم بأنهم مصابون بمرض إنفصام الشخصيّة، إلاّ أنه في حالات تاريخيّة وثقافيّة مختلفة يمكن أن يصنّفوا بصورة أخرى ويعتبر عملهم ذو معنى إجتماعي أو موحى به. ففي أكثر الديانات نجد أن الآلهة والأنبياء والقدّيسين والخطأة الباحثين عن الخلاص قد عرضوا أنفسهم للتضحية وبتر أجسادهم [47] . وفي الهند يبتر أعضاء مجموعة تسمّى الهجرى أعضاءهم الجنسيّة ويمارسون الجنس كمخنّثين، دون أن تعتبر هذه التصرّفات حالات مرضيّة أو تحتاج إلى تدخّل أطبّاء النفس لعلاجها [48] . وفي بعض المواكب الدينيّة، يمرّر أشخاص قضباناً من خلال خدودهم أو يثقبون ألسنتهم أو يعلّقون بكلاّبات مغروزة في أجسادهم مئات من الأشياء الثقيلة ذات الرموز الدينيّة. وهذه الظواهر يتقبّلها المجتمع الهندي كظاهرة إجتماعيّة طبيعيّة [49] . وعند المسيحيّين يحتل تعذيب السيّد المسيح مكاناً كبيراً في إعتقاداتهم وتعبّداتهم. فهناك من يجلد نفسه أو يصلب نفسه تشبّها به أملاً في الخلاص والحصول على الهبات الإلهيّة في الحياة الدنيا أو الآخرة. ويقوم الشيعة بجلد أنفسهم وتجريح رؤوسهم في مواكب عشوراء. وتمارس قبائل الهنود الحمر في شمال أمريكا طقساً دينيّاً يدعى «رقصّة الشمس» يدوم مدّة ثمانية أيّام. فيُمسك الراقص منهم ويُعذَّب ويُجرَّح جسمه. وهم يعتقدون أن كل من يتحمّل هذا التعذيب يرى رؤيا توضّح معنى ومجرى حياته [50] .

هكذا يتحوّل الحدث الفردي إلى ظاهرة جماعيّة. فينتقل الإيمان الفردي بسماع أوامر إلهيّة تأمر ببتر الجسم كما حدث مع إبراهيم إلى إيمان جماعي بوجود مثل تلك الأوامر وبضرورة ممارسة هذا البتر كسمة إجتماعيّة وثقافيّة مُهمّة. وهذا ما يطلق عليه إسم «الجنون المعدي»، الذي يطبّقه علماء النفس على الختان بالذات. فهم يعتقدون أن الختان بدأ بشخص بتر غلفة قضيبه بسبب خلل عقلي أو كان مصاباً بالإحليل التحتاني. وقد إنتقلت هذه الممارسة من هذا الشخص بالعدوى إلى غيره لأسباب مختلفة نذكرها في الفصل القادم [51] . وتدريجيّاً أصبح الختان عادة يمارسها ملايين من البشر ويصعب التخلّي عنها أو تفسيرها منطقياً.

يقول المؤلّف الأمريكي اليهودي «فالرشتاين»:

«بعدما أن قمت بعشرات من المجادلات حول موضوع ختان الذكور، وجدت رد فعل عام بين الأطبّاء اليهود يمكن إختصاره كما يلي: إني أوافق بأن لا فائدة صحّية من الختان، لا بل أشعر بأنه من الغلط القيام به، ولكن إذا كان عندي ولد، فإني سوف أختنه. أرجوك أن لا تسألني عن السبب. وأنا على كل حال لست رجلاً متديّناً. إني أعرف بأنه شيء غير عقلي، ولكني سوف أفعله» [52] .

ويذكر «موريس بلوخ»:

«إنه من غير المتصوّر عند جماعة «المرينا» [في جزيرة مدغشقر] أن يبقى الأطفال من دون ختان، ولأجل ذلك فإنه من الصعب أن يخبرك الناس هناك لماذا يجب عليهم إجراؤه تماماً كما لا يمكنك أن تسأل الناس في أوروبا لماذا لا يأكلون الكلاب» [53] .

وتشير الكاتبة الأمريكيّة «لايتفوت كلاين» أن رئيساً دينيّاً سودانيّاً أبلغها أن القرآن لم يتكلّم عن ختان الإناث وأن النبي محمّد قد أوصى بالختان البسيط والذي يدعى ختان السُنّة. وعندما سألته ما إذا كان عنده بنات كان جوابه إيجابيّاً، وقد ختنهن كلّهن حسب الأسلوب الفرعوني. وتتساءل: كيف يمكنه أن يفعل كل هذا رغم قناعته؟ وتجيب: إن العادة قويّة في الشعب ولا يمكن لأحد أن يتحدّى العادة [54] . وقد عبّرت هذه الكاتبة عن هذا الوضع من خلال عنوان كتابها حول ختان الإناث في السودان: «سجناء الطقوس».

هكذا يصبح الفرد مثل المجتمع سجين العادات التي هي أصعب ما يواجه من يحاول تغيير المجتمع. ونجد صدى لذلك في القرآن الذي ينتقد تمسّك مجتمع الجزيرة بالعادات دون تفكير:

«قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا» (البقرة 170:2).

«قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا» (المائدة 104:5).

«وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا» (الأعراف 28:7).

«بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون» (الشعراء 74:26).

«قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا» (لقمان 21:31).

«إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مهتدون» (الزخرف 22:43).

وتدريجيّاً تصبح العادة تبريراً لتصرّفات الأفراد والمجتمع. والخروج عن العادة يعتبر خروجاً عن المجتمع له عواقبه الخطيرة. فإتّباع الجماعة راحة. يقول حديث نبوي: «من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهليّة» [55] . وهناك عدّة أمثلة عاميّة تعبّر عن أهمّية التشابه بين أعضاء المجتمع نذكر منها: «في بلد العوران أعور عينك»؛ «إذا إنجن أهل بلدك شو بنفعك عقلك»، «حط حالك بين التيوس وقول يا قطّاع الروس».

ونشوء العادة في المجتمع واستمرارها يكون بسبب عدوى المحيط وتأثير ديني وجنسي وعائلي وقَبلي وسياسي واقتصادي سوف نراها في الفصول القادمة.

الفصل الثاني: الختان وتأثير المحيط

رأينا في الفصل الأوّل أن ظاهرة البتر الفردي الشاذ تنتقل بعدوى المحيط. وهذا ينطبق على الختان كظاهرة جماعيّة ثقافيّة. فهناك العدوى العائليّة، والعدوى الإجتماعيّة، والعدوى المهنيّة، وعدوى الثقافة الغالبة. فمن طبع الإنسان أن يتأقلم مع محيطه ويتأثّر به. وهناك مثل عامّي يقول: «اربط الحمار عند الحمار، يا بعلّمه الشهيق أو النهيق». ويضاف إلى هذه الظاهرة ظاهرة المخالفة. فبعض الجماعات تحاول الخروج عن الجماعة المحيطة بها لكي تتميّز عنها، خاصّة بفعل التعاليم الدينيّة. وهناك مثل يقول: «خالف تعرف».

1) الختان والتأثير العائلي

للعائلة دور هام في تشكيل طباع وأجسام أفرادها الذين يصعب عليهم الإفلات من سلطة الأب، وفي بعض الأحيان من سلطة الأم. وأحد الأسباب الهامّة التي من أجلها يمارس الختان في الولايات المتّحدة هو التشابه بين الأب والإبن. فقد بيّنت دراسة أجريت على أهالي 124 طفل ولدوا في مستشفى «دينفير»، أن 90% من الآباء المختونين قرّروا ختان أولادهم، وكان السبب الرئيسي هو الرغبة في أن يكون الإبن مثل الأب. بينما 23% فقط من الأباء غير المختونين قرّروا ختان أولادهم. وقد وزّع على بعضهم تقرير الأكاديميّة الأمريكيّة لعام 1975 الذي يقول بأن لا مبرّر طبّي للختان، ولم يحدث ذلك نتيجة مختلفة بين من إستلموا التقرير وبين من لم يستلموه. ممّا يبيّن أن الختان لا يخضع لاعتبارات طبّية [56] .

ويقوم الأطبّاء باغتنام حجّة التشابه مع الأب لإقناع الأهل بختان أطفالهم. يقول كتيّب الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال أن كثيراً من الأهل يختارون ختان أطفالهم لأن كل الذكور في تلك العائلة مختونون ولا يريدون أن يكون هناك إختلاف بين الذكور. وقد هوّلت هذه الهيئة من نسبة الختان. فبدلاً من 60% ذكرت أنه 80% في الولايات المتّحدة، وهو أسلوب غير مباشر لحث الأهل على الختان. وتذكر شهادة أب أمريكي أن الطبيب حاول إقناعه بختان إبنه لأسباب طبّية. ثم أمام تردّده قال له: ألا تريد أن يكون إبنك مثلك؟ حين ذاك قال الأب للطبيب بأنه غير مختون [57] . وفي إحدى المقابلات الإذاعيّة قال جرّاح متقاعد دفاعاً عن الختان: إذا كان عندك طفل مختون فمن المحبّذ أن تختن الآخر. فإنك إن لم تفعل ذلك، فلن يدري الواحد منهم من هو الطبيعي [58] .

وكثيراً ما تستعمل حجّة التشابه كغطاء لأسباب أكثر حساسيّة لا يريد المرء البوح بها. فالأب هو الذي يرى إبنه عارياً وليس العكس. والرغبة في تشابه الطفل مع أبيه هو في حقيقته حجّة من الأب لحماية نفسه وليس لصالح الإبن. وقد عبّر أب عن ذلك قائلاً: إن الصعوبة في عدم ختان إبني هو إني إذا تركته كما هو فإني سوف أعتبر نفسي وكأني من مبتوري الحرب [59] . فقرار الأب بختان إبنه ناتج عن تهرّبه من تعريض نفسه لمشاكل نفسيّة. فإذا لم يختن الأب إبنه، فهذا إقرار من الأب بأنه يعتبر نفسه ضحيّة وأنه يعاني من مشاكل جنسيّة. ولأن الأم لا تعاني من عقدة الضحيّة هذه، فإنها أقل ميلاً من الأب إلى تأييد ختان الإبن [60] .

وهناك من يفترض بأن الإبن عندما يكبر يود أن يكون مختوناً مثل أبيه. ولكن هذا إدّعاء لا أساس له وما هو إلاّ محاولة تلبيس الطفل ما نشعر به كوسيلة لحماية الذات. ويلاحظ أن الأطفال الأمريكيّين الذين ينتمون إلى جيل ختن لأوّل مرّة بصورة روتينيّة، لم يكن آباؤهم مختونين ولم يتذرّع الناس بحجّة عدم التشابه بين الأب والإبن لأنه لم يكن عندهم مشاعر مكبوتة. وأمّا اليوم، فهؤلاء الأطفال الذين كبروا مختونين يتحجّجون بضرورة تشابه أطفالهم معهم. وهذا تعبير عمّا يكبتونه في أنفسهم [61] .

ويطلب طبيب أمريكي معارض لختان الذكور من آباء الأطفال ألاّ يلجأوا إلى ختان أطفالهم حتّى يجعلوهم شبيهين بهم، بل بالعكس أن يلجأوا هم إلى شد الغلفة لاسترجاعها حتّى يكون الأباء شبيهين بأطفالهم عندما يكبر هؤلاء الأطفال [62] . وقد ذكرنا أساليب إسترجاع الغلفة في القسم الطبّي.

ويقول هذا الطبيب لنفرض أن الأب عنده عانة سوداء وبطن كبير، وشق طويل في جنبه بسبب عمليّة إزالة الزائدة الدوديّة، فهل نلجأ إلى تغيير الطفل جراحيّاً حتّى يشبه أباه؟ ويضيف بأنه ينتمي إلى جيل لم يكن فيه الختان منتشراً. وبعد أن تم إنتشار الختان، فإن أبناء جيله لم يرموا بأنفسهم من الشبّاك ولم يسارعوا إلى الأطبّاء لكي يُختنوا حتّى يشابهوا غيرهم. والقول بأن الأب يختن إبنه لكي يشابهه هو نوع من المنطق السخيف ويعبّر عن إضطراب في نفسيّة الأب عندما يشاهد قضيب إبنه مختلفاً عن قضيبه. ويتساءل هذا الطبيب ما إذا كان ذلك نتيجة غيرة الأب من إبنه لأن الأب لم يكن عنده خيار في عدم الختان؟ أو قد يكون هذا خوفاً من أن يصبح قضيب إبنه أكبر من قضيبه عندما يكبر [63] .

وإن كان تأثير الأهل هو عامل هام في ختان أطفالهم، إلاّ أنه لوحظ في كوريا الجنوبيّة لجوء الكبار للختان تحت ضغط أولادهم وأصدقائهم المختونين أو زوجاتهم [64] .

وتأثير عامل التشابه بين نساء الأسرة في ختان الإناث واضح من دراسة مصريّة رائدة أجريت على 500 طبيب وطبيبة من العاملين في وزارة الصحّة وكلّيات الطب في جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر لمعرفة موقفهم من ختان الإناث. فقد بيّنت الدراسة تأثير الموقف العام للأسرة التي نشأ فيها الأطبّاء إذ يزيد الميل لمعارضة ختان الإناث بين أبناء الأسر التي لم تختن بناتها، بينما يزيد الميل لتأييده بين الأسر التي ختنت بناتها [65] .

ويشار هنا إلى أن أحد الأسباب التي من أجلها رفضت قبيلة كيكويو الكينيّة قانون منع ختان الإناث هو أنه إذا كانت بعض البنات مختونات والبعض الآخر غير مختونات، فإن ذلك يؤدّي إلى نزاع داخل العائلة بين الزوجات وإلى تفكّك الأسرة [66] .

2) الختان والتأثير الإجتماعي

بعد أن إستعرض المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان الأسباب النفسيّة والإجتماعيّة التي من أجلها يتم الختان، يرى أن سبب هذه العمليّة بسيط. وهو الرغبة أو الضرورة للتصرّف مثل الآخرين: «هذا ما جرى عليه الأمر دائماً وعلى جميع الأطفال، فلماذا لا نجريه على أطفالنا؟» [67] .

وفي المجتمع الأمريكي يرى الأهل أن ترك الطفل غير مختون قد يجعله موضع سخرية من المختونين أو قد يترك عنده شعوراً بالشذوذ، خاصّة في مجتمع يتسامح نوعاً ما مع العرى ويسمح للأطفال والشباب أو حتّى الرجال بالسباحة سوياً والإستحمام في حالة عرى بعد الرياضة وفي الخدمة العسكريّة.

ويرى عالم النفس الأمريكي «جولدمان» إن الختان في مجتمعه تعبير عن تصرّفات هذا المجتمع الذي يعتبر أن كل شخص مختلف لا يمكن قبوله. ويعبّر عن التشابه في المجتمع بكلمة conformity والتي تعني حرفيّاً «الإتّحاد في الشكل». وبما أن المجتمع الأمريكي ينظر إلى نفسه نظرة تعالٍ على الآخرين، يصعب إدخال تغيير على التصرّفات والإعتراف بأنه هناك أخطاء أقترفت. ويقول «جولدمان» أن هذه الكبرياء هي أساس التدخّل لتغيير الطبيعة. فنحن نظن أننا نعرف أفضل من الطبيعة. ولذلك نسارع بتغيير الطبيعة بختان الأطفال [68] .

والرغبة في التشابه تلعب دوراً كبيراً في تثبيت ختان الإناث. ففي المجتمعات التي تمارسه ينظر إلى البنت غير المختونة نظرة إستهجان، وتُعيَّرها رفيقاتها، ممّا يدفعها إلى طلب الختان بذاتها. والمجتمع السوداني يضع غير المختونات ضمن ثلاث خانات: الأطفال والمجنونات والعاهرات وبناتهن [69] . وتشير دراسة ميدانيّة أجريت في الصومال أن الفتيات اللاتي يتركن بلا ختان لمدّة طويلة يطالبن تكراراً بختانهن لأن عدم ختانهن يجعل منهن منبوذات في محيطهن ولا يمكنهن أن يجدن زوجاً إلاّ خارج مجتمعهن. وقد صرّحت إحدى الممرّضات غير المختونات بأنها تعيش مأساة وتفضّل ألف مرّة الموت على حالة النبذ التي تعيشه [70] ا.

وتقول الدكتورة كاميليا عبد الفتّاح:

«إن عمليّة ختان البنات تندرج تحت مفهوم التطابق في المجتمع. ويظهر ذلك في توقّع حدوث الختان وضرورته وفي الرضى عنه والإقتناع به [...]. وإلى جانب رغبة البنت في التطابق فهناك دلالة نفسيّة لكل هذا وهي إحساس البنت بالأهمّية ولو لمدّة أيّام. تلك الأهمّية التي تفقدها البنت عادة في مجتمعنا. وهذا الفرح الذي يغمر الأسرة يعلّق بذهن باقي الفتيات الصغيرات اللاتي يطالبن بأن يجرى لهن الختان كنوع من التقاليد والمشاركة الوجوديّة والتطابق مع قيم المجتمع» [71] .

هذا ويرى البعض أن إجراء ختان الإناث يقصد به خلق تشابه بين الذكور والإناث. فختان الإناث لا يجرى وحده في جبال النوبة، بل يصاحبه أو يتبعه ختان ذكور [72] . وتعلّق السيّدة «هيكس» على هذه النظريّة قائلة بأنها لم تجد مجتمعاً واحداً يمارس ختان الإناث دون ختان الذكور [73] .

ولا تتوقّف الرغبة في التشابه على المظهر بل تمتد إلى الآثار. فعلماء النفس يؤكّدون أن الشخص الذي أُنتهك صغيراً سوف ينتهك غيره، وكل شخص يقتل أو يجرح غيره إنّما يفعل ذلك مدفوعاً بعوامل داخليّة وقع تحت تأثيرها في صغره [74] . وقد أخبرت إمرأة سودانيّة الكاتبة «لايتفوت كلاين» بأن المرأة التي تشعر بالحرمان تصب غضبها عندما تكبر على الصغار لتحرم بناتها وبنات بناتها ممّا حرمت منه وتجعل من أزواجهن رجالاً تعساء إنتقاماً لما عانته من زوجها [75] . ولنا عودة إلى ذلك في الفصل الخاص بالنتائج النفسيّة والإجتماعيّة للختان.

ولا يجهل معارضو ختان الذكور في أمريكا أثر التشابه مع أفراد المجتمع على قرار الأهل. وعليه فهم يحاولون مكافحة مثل هذه النظرة. فهم يشيرون إلى أن عدد المختونين الآن يتناقص، وقد بلغ الآن ما يقارب 60%، وفي بعض المناطق لا يزيد عن 40%. وبدلاً من أن يحس الإنسان الأمريكي غير المختون بأنه أقلّية، فإنه سوف يكون في الأكثريّة مستقبلاً. ورغم أن غير المختونين هم اليوم الأقلّية، لا يوجد ما يثبت بأنهم أقل رضاً عن وضعهم، ومن الصعب التكهن بما سيكون عليه شعورهم مستقبلاً. والشخص غير الراضي عن عدم ختانه يمكنه دائماً أن يختن، وهذا أمر نادراً ما يحدث إذ إن نسبة ختان البالغين في الولايات المتّحدة لا يتعدّى 3 بين كل 1000 شخص. كما يحث المعارضون للختان على ضرورة رفع معنويات الأطفال غير المختونين بتقديم صورة إيجابيّة لكمال الجسد. وبعد النجاح الذي أحرزه فيلم غرق سفينة «تيتانيك» سارع معارضو ختان الذكور على شبكة الانترنيت بالقول بأن الممثّل الرئيسي الشاب «ليوناردو دي كابريو» ليس مختوناً، آملين بأن تقوم الفتيات الكثيرات اللاتي يتغزلن به بالحفاظ على أطفالهن غير مختونين، وأن لا يصدرن حُكماً ضد المختونين. كما أنهم يروّجون لقوائم أشخاص مهمّين غير مختونين للبرهنة على أن عدم ختانهم لم يمنعهم من أن يبلغوا العظمة. ويقول معارض أمريكي للختان بأن أكثريّة الممثّلين والرياضيين والمشاهير من غير المختونين [76] .

وترى التشاديّة «سارة يعقوب» أنه من الضروري إطلاع النساء الإفريقيّات على وضع النساء الغربيّات وجهودهن ضد ختان الإناث، كوسيلة لكسر حلقة التشابه الداخلي. فبدلاً من محاولة التشابه مع النساء اللاتي يحطن بهن، يمكن للإفريقيّات أن يخلقن تشابه مع الغربيّات [77] . وهذه دعوة خطرة في بلد مثل مصر حيث أحد مبرّرات ختان الإناث «علشان ما تبقاش زي الخواجات».

3) الختان والتأثير المهني

إكتسب الختان في بعض المجتمعات صفة العادة ليس فقط في الأوساط العامّة، بل أيضاً في الأوساط الطبّية. فمهنة الطب كغيرها من المهن تهتم ببقائها في الوجود، فتأخذ مواقف تتّفق والمجتمع وتتلوّن بثقافته وتدافع عن قيمه حتّى لا تفقد مصداقيّتها [78] . فالطبيب يقوم بإجراء الختان دون حاجة لمبرّر أو يختلق المبرّرات التي لا تصمد أمام النقد، من بينها القول بأن الطفل لا يتألّم من الختان، وأن الغلفة والبظر عضو زائد لا فائدة فيه. وإذا ما نقصته الحجّة العقليّة، يلجأ إلى الإتّهامات بمعاداة الأديان والساميّة والخيانة القوميّة كما سنرى لاحقاً.

واللجوء إلى التبريرات الطبّية للإبقاء على الختان أصبح بحد ذاته وسيلة لإخفاء عدم إرتياح الناس لتلك العمليّة. فأشد المدافعين عن الختان هم الأطبّاء الذكور المختونين المتقدّمين في السن. فهؤلاء لا يمكنهم أخذ موقف معادٍ للختان دون خلق مشاكل داخليّة لأنفسهم لأن ذلك يعني إعتراف منهم بأنهم وقعوا ضحايا للختان، وأنهم يعانون من مشاكل جنسيّة نتيجة لذلك، وأنهم تعدّوا على كثير من الأطفال، وأنهم تصرّفوا بجهل مع مرضاهم، ناهيك عن الملاحقات القضائيّة التي قد يتعرّضون لها في حالة إعترافهم بغلطتهم [79] . وأمام هذا الوضع غير المريح، يفضّل الطبيب التمادي في الباطل بدلاً من الرجوع إلى الحق.

واحد أسباب تمكّن عادة الختان بين الأطبّاء هو خوفهم من النتائج المغلوطة: ماذا لو لا أختن الأطفال؟ كيف يمكنني أن أحمي نفسي لو أن الطفل أصيب بمرض بسبب عدم ختانه؟ وكيف يمكنني أن أداوي طفل إذا أصيب بالتهاب في المجاري البوليّة؟ وبدلاً من مواجهة هذه الأسئلة، يفضّل الطبيب أن يقوم بالختان، عملاً بالمثل: «الباب إلّي بيجي منّو الريح سدّو واستريح». وإذا ما رفضت أم ختان إبنها، يلاحقها الطبيب ويشدّد الضغط عليها. والخوف من العواقب الطبّية تنتقل بسهولة من الطبيب إلى الأهل، فهو الذي يملك العلم في نظرهم وهو صاحب الكلمة العليا [80] .

والرغبة في التشابه عند الأطبّاء تمليها الرغبة في رفع المسؤوليّة. فمن المعروف أن المعدوم يتم إطلاق الرصاص عليه من قِبَل فرد ضمن مجموعة لرفع المسؤوليّة عن الرامي وحمايته من الإنتقام. والطبيب الذي يقوم بالختان في مجتمع يمارس الختان يحس بنفسه أقل مسؤوليّة عن عمله. ويحجم عن أخذ موقف معارض لتلك العمليّة لأنه سوف يعرّضه لا محالة لمشاكل هو في غنى عنها [81] .

ويشار إلى أن الطبيب الذي يجري الختان لأوّل مرّة يقوم بهذه العمليّة تحت إشراف طبيب مدرّب أكبر وأكثر خبرة منه. ولذا فهو يتخلّى عن مسـؤوليّة إتّخاذ القرار ذاتيّاً وينفّذ العمليّة طاعة لأوامر الطبيب المدرّب. ونادراً ما يرفض طبيب حديث التخرّج الرضوخ لمدرّبه. وبعد أن يقرّر الطبيب عمل العمليّة، يصعب عليه التراجع عن قراره لأن ذلك يعني أنه يستنكر ما قام به. فيوهم نفسه أنه لا يؤلم الطفل. فالذين شاركوا في إقتراف الفظائع في حرب فيتنام مثلاً أنكروا بعد ذلك أنهم إقترفوا تلك الفظائع [82] . ويشير طبيب أمريكي أن كثير من زملائه يتخوّفون من معارضة الختان لأن ذلك يعني حرمانهم من ممارسة الطب. فلن يجدوا طبيباً متمرّساً يساندهم. وبعض الأطبّاء يفقدون عملهم فعلاً لأنهم يرفضون ممارسة الختان [83] .

وقد خيّم الخوف من التصدّي للختان ليس فقط على الأطبّاء، بل أيضاً على الباحثين والهيئات المشرفة على الأبحاث الطبّية والتي تمولها غالباً الهيئات الحكوميّة والجمعيّات الخاصّة. فهذه الهيئات لا ترغب في تمويل بحث قد يثير الجدل أو المشاعر. ولهذا السبب لم يدرس موضوع أثر الختان على المدى البعيد [84] . وقد أوضحت الدكتورة نوال السعداوي المشاكل التي واجهتها خلال بحثها في هذا الموضوع [85] . كما أوضح طبيب إسرائيلي عدم تمكّنه من الحصول على المعلومات للقيام ببحث في هذا الخصوص [86] . ويشير البعض إلى أن المجلاّت المتخصّصة ترفض نشر الأبحاث الطبّية الناقدة للختان والتي تفنّد علاقته بالسرطان مثلاً، كما أنها ترفض نشر ردود على مثل هذه الإدّعاءات [87] .

وإن كان ما ذكرناه سابقاً عن العدوى المهنيّة ينطبق على كثير من الأطبّاء، إلاّ أن بعضهم كفّوا عن إختراع تبريرات مفتعلة مفضّلين الإعتراف بغلطهم بعدما أن أوقعوا كثيراً من الضحايا الأبرياء. ومن هؤلاء طبيب الأطفال الشهير «بنجامين سبوك» الذي صرّح في مقال صدر عام 1989 تحت عنوان «الختان ليس ضروريّاً»: «لو أن الحظ أسعفني ورزقت إبناً آخر، فإني سوف أفضل ترك قضيبه الصغير سليماً» [88] .

وهذا «أشلي مونتاجو» المتخصّص الكبير في علم الإنسان (الأنثروبولوجية) قد تراجع عن موقفه. ففي محاضرة ألقاها عام 1991 في المؤتمر العالمي الثاني للختان قال إن ختان الذكور والإناث هو أغرب عمليّات البتر التي يقترفها المرء، وأن لا مبرّر له البتّة في مجتمعنا المتحضّر [89] . وفي مقدّمة لكتاب حول الختان يقول: «نحن في الولايات المتّحدة إختلقنا «أسباباً» لتحل محل الدين في تبرير الختان. والأساطير المصاحبة للختان أصبحت جزءاً مقبولاً من مجتمعنا. وهكذا صمدت قوّة العادة الإجتماعيّة القديمة أمام قوّة المعرفة والعقل والمنطق» [90] . وتجدر الإشارة إلى أن هذا العالم كان قد كتب مقالاً مؤيّداً لختان الذكور في «الموسوعة البريطانيّة»، طبعة 1960. وما زالت هذه الموسوعة تنشر نفس المقال - دون ذكر إسمه - رغم تحوّله عنه.

4) الختان وتأثير الثقافة الغالبة

يختن اليهود والمسلمون والمسيحيّون المتعصّبون أطفالهم طاعة لله وتشبّها بإبراهيم. وكان كهنة الإلهة «سيبيل» يبترون أعضاءهم الجنسيّة تشبّها بعشيقها [91] . وفي عصرنا نجد من يصلب نفسه تشبّهاً بالمسيح. وشكّلت بعض جماعات الهنود الحمر رؤوسها على شكل كوز الذرة تشبّهاً بإله الذرة [92] . وفي مصر أخذت الجماجم شكلاً مستطيلاً تشبّهاً بـ«أخناتون» الذي ولد برأس مستطيل. وهذا هو شكل رأس الملكة «نفرتيتي». وكان النازيون يشجّعون الأهل على تدليك رؤوس أطفالهم لكي يكون شكل جماجمهم آري [93] . وفي هذه الأمثلة جميعها يقوم الناس بالتشبّه بالمسيطر عليهم ومن يعتبرونه مثالهم الأعلى.

وظاهرة التشبّه بالمتسلّط والغالب عبّر عنها إبن خلدون في كتابه الشهير «المقدّمة»:

«إن المغلوب مولع أبداً بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه: إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تُغالِط به من أن إنقيادها ليس لغلب طبيعي إنّما هو لكمال الغالب. فإذا غالطت بذلك وأتّصل لها حصل لها إعتقاد فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبّهت به. وذلك هو الإقتداء [...] ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في إتّخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحوالها. وأنظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبّهين بهم دائماً. وما ذلك إلاّ لاعتقادهم الكمال فيهم. وأنظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر لأنهم الغالبون لهم» [94] .

وهذا التشبّه قد يكون إرادياً من قِبَل المغلوب أو مفروضاً عليه من قِبَل الغالب. وهذه الظاهرة نجدها في كل من الختان ذي الطابع الديني وغير الديني. فقد فرض اليهود ختان الذكور على عبيدهم وعلى الشعوب التي سيطروا عليها [95] . وقد بينّا سابقاً أن المسلمين قد أخذوا عن اليهود عادة ختان الذكور. وينقل لنا الأنبا ميخائيل مطران دمياط (من القرن الثاني عشر) رواية تبيّن إنتشار الختان في أرض الحجاز وبين الأقباط رغبة في مسايرة اليهود:

«لمّا طردت سارة هاجر من بيتها وابنها إسماعيل معها كما تضمّنت التوراة، أوت هاجر إلى يثرب من أرض الحجاز والى فاران. فكبر إسماعيل وزيّنه الله في أعين نساء أهل يثرب. فخطبوه من أمّه. فقالت [هاجر] نحن قوم مختونين الرجال والنساء. فلا نتزوّج إلاّ مثلنا. لمّا إختتن، تزوّجهن إسماعيل ووافاه الله وعده ورزقه إثني عشر عظيماً. فانتشر الختان في تلك البلاد وما والاها وتأكّد عند قبط مصر بما شاهدوه من إنتصار الله للمختونين، أعني بني إسرائيل. ولمّا تلمذهم الرسول مرقص، لم ينكر عليهم ذلك فاستمرّوا عليه. وقد قال بولس من دعي إلى الإيمان وهو أغرل فلا يختتن، ومن دعي وهو مختون فلا يعود إلى الغرلة [1 قورنتس 18:7]. أي تبقّى بنوه وبنو بنيه مختونين مثله. وبولس قد ختن تلميذه طيماثاوس [أعمال 1:16]. وقد يُظن أن القبط إختتنوا وحلقوا شعورهم لأجل مساكنتهم للمسلمين وهذا ليس صحيحاً. فإنهم كانوا كذلك قَبل المسلمين بدليل كون النوبة والحبشة كذلك. ونحن لا نظن أن الغلفة نجسة والختان طهارة، وإنّما يفعلها منّا من يفعلها على سبيل العادة لا على سبيل الفريضة اليهوديّة إذ لسنا نعملها في الثامن ولا في مدّة محدّدة ولا نعملها أيضاً بعد المعموديّة» [96] .

وقد أثّر الفكر اليهودي في إنتشار ختان الذكور بين القبائل الإفريقيّة. ففي حوالي عام 700 قَبل المسيح عبرت مجموعة من سكّان «سبا» في اليمن البحر الأحمر واستقرّت في الحبشة حيث كوّنوا دولة قويّة عاصمتها «اكسوم». كما أن بعض اليهود لجأوا إلى الحبشة في زمن شتاتهم. وقد لجأ بعض البربر المتهوّدين من شمال إفريقيا إلى واحة «توات»، وتغلغل بعضهم إلى السودان. وفي عام 1486 أصدر ملك البرتغال قانوناً تم بموجبه نفي اليهود الذين رفضوا التحوّل إلى المسيحيّة إلى سواحل غينيا فاختلطوا بسكّانها وتزاوجوا معهم. ومن هنا جاء تبنّي السود لعادة ختان الذكور. ويشير البعض أن اليهود قد أثّروا أيضاً في عادة أكل لحوم البشر التي تتكلّم عنها التوراة [97] .

وقد أثّر اليهود في إنتشار ختان الإناث أيضاً في إفريقيا. فختان الإناث منتشر بين فلاشة الحبشة. وقد نقل عنهم الرحّالة «جيمس بروس» في القرن الثامن عشر نظريّتين متضاربتين حول مصدر عادة ختان الذكور والإناث. فسكّان منطقة «التيجري» يقولون إنهم أخذوا هذه العادة عن الإسماعيليين الذين كانوا يتعاملون معهم تجاريّاً. وهم يدّعون أن ملكة سبا كانت مختونة كغيرها من نساء تلك المنطقة منذ صغرها وقَبل ذهابها إلى القدس لزيارة سليمان. بينما الفلاشة تقول إن ختان الإناث كان منتشراً في القدس على زمن الملك سليمان وأنهم كانوا يمارسونه هناك قَبل مجيئهم إلى الحبشة. ويذكر هذا المؤلّف أن المبشّرين الكاثوليك في مصر قد منعوا ختان الإناث لأنهم إعتبروه عادة يهوديّة [98] . كما أننا لا نستبعد أن يكون اليهود قد أثّروا على ممارسة ختان الإناث عند المسلمين أنفسهم إمّا بمجاورتهم لهم في الجزيرة العربيّة أو بعد رجوع المهاجرين المسلمين من الحبشة. وقد بينّا سابقاً أن رواية ختان هاجر عند المسلمين هي من الإسرائيليّات [99] .

وقد لعب إنتشار الإسلام دوراً مماثلاً لدور اليهوديّة في ممارسة الختان. وهناك معلومات تفيد بأنه يتم خطف الأولاد والبنات من قبيلة الدنكا السودانيّة ويباعون كعبيد للعرب الذين يفرضون الختان عليهم ضمن محاولة إجبارهم على التحوّل إلى الإسلام [100] . ويذكر تقرير للأمم المتّحدة لعام 1992 أن مسلمين ومجاهدين، بعضهم من أفغانستان والسعوديّة، قد أجروا بصورة روتينيّة عمليّات ختان وحشيّة ومشوّهة بلا مبرّر طبّي للجنود الصربيين من البوسنا [101] . ويتحوّل إلى الإسلام كثير من أفراد الجاليات الأسيويّة الفقيرة العاملة في السعوديّة والتي يرتبط مصيرها الإقتصادي ببقائها في تلك الدولة. وتحوّلها للإسلام هو أسهل الطرق للبقاء هناك. وقد نشرنا في الملحق 14 فتوى يسأل فيها شخص عمّا إذا كان متمشّياً مع تعاليم الإسلام طلب المسؤول عن تسجيل تحوّله إلى الإسلام أن يلتزم كل من الرجل وزوجته بالختان.

وتشير «هيكس» أن ختان الإناث قد صاحب إنتشار الإسلام في إفريقيا. فقد فرض المسلمون ختان الإناث على القبائل التي أسلمت. وكانت بعض القبائل غير المسلمة في السودان تعرف ختان الإناث، ولكن ختان شبك الفرج لم يكن يوجد إلاّ بين القبائل التي أسلمت. أي أن إنتشار الإسلام أدّى إلى تشديد عمليّة ختان الإناث والإنتقال بها من بتر البظر إلى شبك الفرج [102] . هذا ويُعتبر في الصومال كل من ختان الذكور والإناث علامة إنتماء للإسلام، فتستعمل عبارة «أسلمت» بدلاً من «ختنت» [103] .

وهناك إشارات إلى أن بعض فلسطيني مصر بدأوا يمارسون عادة ختان الإناث. ويلعب الأزهر دوراً كبيراً في إنتشار التعاليم الإسلاميّة في العالم ويعطي مئات المنح الدراسيّة للطلاّب الوافدين من البلدان الإسلاميّة. وعندما يعود هؤلاء الطلاّب إلى بلادهم فإنهم يحتلّون مناصب مرموقة بسبب شهرة الأزهر في تلك الدول. ولا شك في أنهم ينقلون ليس فقط إيجابيّات الأزهر بل أيضاً سلبيّاته، ومنها تأييده لختان الإناث بصورة واسعة. ولكن تنقصنا المعلومات في هذا المجال. إلاّ أن دراسة مصريّة بيّنت عدم تجاوز الإتّجاه المعارض للختان 23.8% من الأطبّاء خرّيجي جامعة الأزهر مقابل 65.2% من خرّيجي طب القاهرة [104] . وتفيد معلومات شفهيّة بأن الحركات الإسلاميّة في تونس والجزائر المتأثّرة بفكر الإخوان المسلمين والأزهر تؤيّد حاليّاً ختان الإناث رغم أن هذين البلدين لا يمارسان هذه العادة.

وتشير المؤلّفة «لايتفوت كلاين» إلى أن أوغندا بدأت تمارس ختان الإناث رغم أن هذه العادة لم تكن موجودة فيها. وتفسّر هذه الظاهرة برجوع عدد من المناضلين الذين تربوا في الغرب من المنفى وفي عقولهم الرغبة في المحافظة على العادات الإفريقيّة والحد من العادات الغربيّة. وهم يتطلّعون للسودان للبحث عن عادات يكتسبونها، ومن بينها ختان الإناث. وقد حاولت بعض الشابّات الهروب من قراهن، فقبض عليهن زعماء القرى وفرضوا الختان عليهن [105] .

وحاليّاً يقوم الفلسطينيون المسيحيّون في الضفة الغربيّة بإجراء ختان الذكور بصورة واسعة لم يسبق لها مثيل في التاريخ بعد سقوطهم تحت سيطرة اليهود. وكثير من المسلمين يتحجّجون دفاعاً عن ختان الذكور بأن الأمريكيّين يمارسونه، وهذا إعتراف منهم بأن الغلبة أصبحت للأمريكيّين. فهم لا يتذرّعون بالقبائل الإفريقيّة التي تمارس أيضاً الختان منذ قديم الزمان قبل أن يكتشف كولمبوس أمريكا.

وقد أدّى تواجد الجيش الأمريكي في كوريا الجنوبيّة إلى إنتشار ختان الذكور هناك بنسبة 91%. ويظن الكوريون اليوم بأن العالم كلّه مختون وأن الختان ضروري للجميع. والختان في كوريا يتم في سن المراهقة أو في عمر العشرين. وقد يكون هناك تأثير لبعض المقالات العمليّة الأمريكيّة التي تبيّن أن الأطفال يحسّون بالألم. وهم يعتبرون ذلك إشارة إلى ضرورة إجراء الختان ولكن في سن متأخّرة [106] . وهناك معلومات تفيد أن القواعد العسكريّة الأمريكيّة في إيطاليا تؤثّر على إنتشار ختان الذكور بين الإيطاليين. وتأثير الأمريكيّين يظهر أيضاً على الرياضيين الإيطاليين الذين يتمرّنون في الولايات المتّحدة [107] . ونجد نفس التأثير الأمريكي في ألمانيا الغربيّة [108] . وفي هذا البلد تعمل بعض المجموعات حاليّاً على نشر ختان الذكور في ألمانيا [109] . ولا شك أن النزعة الحاليّة في الغرب في تشويه الجسم من خلال الوشم وزرع الحلق في جميع أجزاء الجسم، بما فيها اللسان والأعضاء الجنسيّة، تساعد على إنتشار فكر مؤيّد لختان الذكور. ولكن لا نستبعد أن يكون الفكر اليهودي قد فعل مفعوله في تلك المجموعات. فلا أحد ينكر أن الشعب الألماني يعيش حاليّاً تحت سيطرة عقدة الذنب تجاه اليهود الذين يستطيعون أن يفرضوا عليه تصرّفات تخالف مصالحه الوطنيّة مثل تأييده غير المشروط للسياسة الإسرائيليّة وعدم إنتقاده لتلك السياسة حتّى عندما يتجرأ كثير من اليهود على إنتقاد تلك السياسة.

ويلعب الزواج المختلط دوراً في إنتشار ختان الذكور. فيفرض الزوج المسلم ديانته على إبنه ويقوم بختانه دون أن يلقى أيّة معارضة من زوجته غير المسلمة. إلاّ أن هناك حالات نزاع أدّت إلى طلب الأم الطلاق حتّى تحصل على الطفل وتبقى عليه دون ختان، ممّا يدفع الأب إلى خطف إبنه. وتفادياً للنزاع واحتراماً لحرّية الطفل، إقترحنا في كتيّب عن الزواج المختلط أن يتّفق الزوجان على ترك الطفل دون ختان حتّى عمر 18 سنة ليقرّر بذاته [110] . وتطرح هذه المشكلة أيضاً فيما يخص الزواج بين اليهود وغير اليهود. ويؤثّر الزواج المختلط، ولو بنسبة أقل، في إنتشار ختان الإناث [111] .

5) الختان علامة تمييز ومخالفة

بدلاً من أن تتّبع بعض المجموعات عادات الغير، وخاصّة الدينيّة، قد تأخذ موقفاً مخالفاً يميّزها عن الغير. وقد أعتُبِر الختان أهم تلك العلامات المميّزة عند اليهود.

تشير رواية يهوديّة أن أصدقاء إبراهيم إعترضوا على ختانه حتّى لا يكون الختان علامة لأعدائه [112] . وتذكر التوراة أن داود قد جلب إلى شاول 200 غلفة فلسطيني كمهر لزواجه من إبنته ميكال. وكان هذا برهاناً بأنه قتل 200 فلسطيني إذ إن الفلسطينيين لم يكونوا يختنون (1 صموئيل 17:18).

وقد إستعمل هتلر علامة الختان للتمييز بين اليهود وغير اليهود، ممّا دفع بعض اليهود إلى ترك الختان أو إسترجاع غلفتهم. ومع هجرة غير اليهود ضمن اليهود السوفييت إلى إسرائيل، أستُعمِل الختان كعلامة تمييز بين اليهود وغير اليهود. وهذه العلامة تقرّر ما إذا كان يجب دفن أحد الأموات في مقبرة اليهود أم لا [113] . كما أن الختان أستُعمِل كعلامة تمييز في الحرب بين المسيحيّين الصرب والكرواتيين والمسلمين البوسنيين [114] .

ويشار هنا إلى أن اليهود قد تركوا كثيراً من القواعد التوراتيّة مثل إحترام السبت أو الموانع الغذائية ولكنهم إستمرّوا في ممارسة الختان. وقد فسّر البعض هذا التباين على أساس التصادم الذي حدث بين رجال الدين اليهود ورجال الدين المسيحيّين عبر القرون في موضوع الختان. فكلّما زاد التشديد على رفض الختان من قبل رجال الدين المسيحيّين، كلما زاد تمسّك رجال الدين اليهود وأتباعهم به [115] . وتصرّف الشعوب في هذا المجال لا يختلف عن التصرّفات الصبيانيّة.

وقد تشدّد المسلمون في ضرورة مخالفة أتباع الديانات الأخرى إعتماداً على الجملة الأخيرة من الحديث النبوي الذي يقول: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتّى يعبد الله وحده ولا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلّة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» [116] . كما إعتمدوا على بعض الآيات القرآنيّة، منها: «وأن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل» (الأنعام 153:6)؛ «ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون» (الحشر 19:59). وقد علّق إبن تيميّة على الحديث المذكور أعلاه قائلاً: «هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبّه بأهل الكتاب، وأن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبّه بهم» [117] . وقد عرّف التشبّه بأنه: «محاولة الإنسان أن يكون شبه المتشبّه به، وعلى هيئته وحليته ونعته وصفته وهو عبارة عن تكلّف ذلك وتقصّده وتعمّله» [118] . والتكلّف هنا يعني أن يقصد ذلك ويتعمّده، فيخرج بذلك ما يقع بدون قصد أو على سبيل الإضطرار أو لدفع مفسدة عظمى، وذلك كالمكروه، وكتشبّه المسلم المقيم في بلاد الكفّار المحاربة بالكفّار في صفاتهم الظاهرة ليسلم من أذاهم [119] .

ويقول جميل اللويحق في عقاب المتشبّه بالكفّار:

«إن من قصد التشبّه بالكفّار ونواه بفعله [...] فهو كافر إن توافرت الشروط، وانتفت الموانع، يستتيبه ولي الأمر. فإن رجع وإلاّ فهو مرتد حلال الدم، وتجري عليه أحكام المرتد الأخرى. وأمّا إذا لم يقصد التشبّه، ففعله محرّم من جهة أنه ذريعة إلى التشبّه المحرّم، ولا يخلو فعله حينئذ باعتبار العقوبة من أحد الحالين: الأوّل: إمّا أن يكون هذا الفعل قد وردت له عقوبة شرعيّة نصّية. وهذا تطبّق فيه هذه العقوبة كالجلد لشارب الخمر. الثاني: أن لا يكون كذلك، ففيه تعزير، بحسب المصلحة» [120] .

وقد خاض الفقهاء في موضوع تحريم التشبّه بالكفّار لمعرفة مداه. والذي يهمّنا هنا هو أن الفقهاء الذين إعتبروا ختان الذكور واجباً قد إعتمدوا على كون الغلف (أي عدم الختان) «شعار عبّاد الصليب وعبّاد النار الذين تميّزوا به عن الحنفاء في الأصل[...]، فلا يجوز موافقة عبّاد الصليب الغلف في شعار كفرهم وتثليثهم». والختان يعتبر علامة على ديانة القتيل. فـ«إذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلّي عليه ودفن في مقابر المسلمين» [121] . وهناك أيضاً من برّر ختان الإناث على هذا الأساس. يقول كاتب مصري حديث:

«في حالة الحروب إذا فقد الرجل أو المرأة الهويّة - البطاقة الدالّة على شخصه ودينه - يعرف المسلم من غير المسلم بالختان. والمرأة إذا وجدت في الطريق متوفّاة، ولم يعرف لها إسم ولا بلد، أو وجدت جملة نساء أموات - كما يحدث في الحروب المدمّرة - تعرف المسلمة بالختان، بحيث تكشف عليها إمرأة مسلمة، أو رجل مسلم إذا دعت الضرورة. فإن كانت مختونة عرف أنها مسلمة، فتكفّن ويصلّى عليها، وتدفن في مقابر المسلمين» [122] .

وقد إفترض الشيخ محمود محمّد خضر أن رفض المسيحيّين ختان الذكور كان لمخالفة غير المسيحيّين، وقبول المسلمين لختان الإناث كان لمخالفة المسيحيّين. وهو يرى حلاً لهذه المعضلة برجوع المسيحيّين لختان الذكور وترك المسلمين لختان الإناث [123] .

وقد خلق إنتشار الختان بين الجماعات المختلفة تشويشاً. فإذا كان اليهودي والمسلم والمسيحي يختتن، لم يعد هناك إمكانيّة للتمييز بينهم على أساس الختان. وهذا ما جعل بعض اليهود والمسلمين يعترضون على إستمرار اللجوء إلى الختان كعلامة تمييز. غير أن رجال الدين اليهود ما زالوا يعتبرون ترك الختان تحلّلاً من الإنتماء إلى اليهوديّة، ويتّهمون غير اليهود المعارضين للختان بمعاداة الساميّة. ولنا عودة إلى هذه النقطة عندما سنتكلّم عن الختان والسياسة.

واستعمال الختان كوسيلة للمخالفة والتمييز لا يقتصر على أصحاب الديانات، بل يمتد إلى القبائل. فبعض النساء الإفريقيّات تعتبر ختان الإناث عمليّة شبيهة بالوشم أو التخديش التي تميّزهن عن نساء القبائل الأخرى [124] . وتشير سيّدة سودانيّة تعمل في لندن بأنه كلّما أحس المرء بالغربة والعداوة في دول المهجر إزداد تمسّكه بعاداته ومنها ختان الإناث. وعليه يجب أن يكون الكفاح ضد هذه العادة شاملاً ويتضمّن تحسين أوضاع المهاجرات حتّى لا يشعرن بالغربة. فلا يمكن عزل الختان عن الأوضاع الإجتماعيّة [125] .

الفصل الثالث: الختان والدين

الدين هو أحد عوامل البتر الفردي الشاذ، ويلعب كذلك دوراً هامّاً في ممارسة الختان على المستوى الجماعي. فالأساطير الدينيّة هي المرجع الأساسي للختان. والختان يدخل ضمن التضحيات التي تفرض طاعة للآلهة. كما أن الدين يستعمل عامل مساعد لمبرّرات الختان.

1) الأساطير الدينيّة كمفسّر لنشأة الختان

تكشف الأساطير عن إعتقادات جماعيّة مضى عليها الزمن وتساعد في تفسير نشوء العادات البشريّة وقد تؤثّر في بقائها.

يسيطر البتر على الفكر الأسطوري الذي يحكي تكوين العالم. ففي أسطورة «ريجفيدا» الهنديّة تم ربط «بروزا» وتقديمه ضحيّة وتقطيعه إرباً وخلق العالم من أشلائه. فمن عينه خُلقت الشمس، ومن عقله خُلق القمر، ومن رأسه خُلقت السماء، ومن رجليه خُلقت الأرض، ومن أذنيه خُلقت مناطق الأرض المختلفة، ومن شحمه خُلق الهواء والحيوانات. وهناك أساطير مشابهة في حضارة الشرق الأوسط أهمّها أسطورة الإله «أوزيريس» الذي قطعه «سيث»، فحاولت الإلهة «إيزيس» أن تجمع جسمه ولكنّها لم تجد قضيبه الذي إبتلعته ثلاث سمكات تمثّل قوى الشر. وهذه الأسطورة قد تكون أساس ختان الذكور عند المصريّين القدامى [126] .

وللقبائل البدائيّة الإفريقيّة أساطير تتعلّق بالختان. فمثلاً تقول أسطورة عند قبيلة «مانتجا» أنه كان في قديم الزمان أخوان يدعيان «باجنزا» و«يقومو». وقد ذبحا يوماً حيواناً طيّب اللحم فقرّراً تقديمه ذبيحة للإله «بزجان» حتّى لا تأكل زوجتهما منه. وبعد إتمامهما الطقس الديني أخذا يأكلان منه. وكان «يقومو» جشعاً سريع الأكل، ممّا أغضب أخيه «باجنزا». وخلال تصارعهما جرح «يقومو» غلفة أخيه «باجنزا». وعندما دعي «زورو» لمعالجة الجرح، قرّر قطع غلفة «باجنزا» وإجراء عمليّة مماثلة على «يقومو» لعقابه. فكانت هاتين أوّل عمليّتي ختان تجريان في العالم. وقد حكم «زورو» على الأخوين البقاء قرب الإله «بزجان» حتّى يشفيان لأنهما تصارعا بحضرته. وبعد شفائهما وجدت النساء أن العلاقة الجنسيّة معهما لذيذة. عندها طلب باقي الرجال من «زورو» إجراء عمليّة الختان عليهم أيضاً. ولهذا السبب فإن قبيلة «مانتجا» تدعو أوّل وثاني طفل يختن بإسم «باجنزا» و«يقومو» وتجري العمليّة في حضرة الإله «بزجان». وتضيف الأسطورة أن «باجنزا» بعد شفائه رفض العلاقة الجنسيّة مع زوجته مدّعياً أن أعضائها الجنسيّة ليست نظيفة وذات رائحة كريهة. ومن يأسها، طلبت هذه الزوجة من «زورو» أن يجري عليها أيضاً عمليّة الختان كما فعل مع زوجها. فقام «زورو» بقطع بظرها وشفريها الصغيرين [127] .

وهذه الأساطير لا تختلف في نظر أتباعها عن الأسطورة التوراتيّة التي تتكلّم عن عهد قطعه الله مع إبراهيم بأن يكثّر نسله ويعطيه أرض كنعان مقابل إجرائه عمليّة الختان [128] . وهذه الأسطورة ما زالت مسيطرة على عقول اليهود والمسلمين ويروح ضحيّتها ملايين من الأطفال. وما زال يردّدها علينا «التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكيّة» الذي أقرّه بابا روما عام 1992. فنقرأ في هذا التعليم: «علامات العهد: قد إستلم الشعب المختار من الله علامات ورموز تميّز حياته الطقسيّة [...]، علامات إختيار أتمّها الله لشعبه من بينها الختان» [129] . والغريب في الأمر أن هذا «التعليم» يقول لنا: «باستثناء الأسباب الطبّية العلاجيّة، تعتبر مخالفة للقانون الأخلاقي عمليّات القطع والبتر التي تتم على أشخاص أبرياء» [130] . هكذا طغت الأسطورة اليهوديّة على هذا «التعليم» إلى درجة التناقض.

والأساطير الدينيّة قد تختفي أو تتراكم عليها أساطير أخرى تأخذ أحياناً طابعاً علميّاً، رأينا بعضها في القسم السابق من خلال محاولة تبرير ختان الذكور باعتباره وسيلة لمكافحة العادة السرّية وللوقاية من أوبئة فتّاكة آخرها الإيدز. يقول العالم «أشلي مونتاغو» في كلامه عن الأساطير التي حيكت حول ختان الذكور والإناث:

«إن الأساطير الفظيعة التي سيطرت على مشاعر الإنسان وغلَّت عقولهم ما زالت تبتلي عقول الملايين في المجتمعات التي يطلق عليها مجتمعات متحضّرة [...]. ومن طبيعة الأساطير أنها تخلق دون تقديم أي إثبات لحقيقتها» [131] .

هذا وقد رأينا أن هذه الأساطير «العلميّة» قد قصد منها أصلاً البرهنة على صدق الأساطير الدينيّة. من هنا جاء الخلل في محتواها وعدم مصداقيّتها.

ويرى البعض في ربط الختان بأوامر دينيّة حيلة. فقد مارس اليهود الختان قَبل 1000 سنة من كتابة التوراة. ثم جاء النص الديني معتبراً الختان أمراً إلهياً. وهكذا بدلاً من أن يتحمّل المرء مسؤوليّة ما يفعل تحت ضغوط إجتماعيّة لا يتمكّن من التخلّص منها، فضّل إلقاء تلك المسؤوليّة على الله [132] .

2) الختان أحد التضحيات للآلهة

رأينا كيف يقوم البعض ببتر أعضائهم إعتقاداً منهم بأن ذلك يهدئ غضب الآلهة ويؤهلهم لقبول النعم الإلهيّة. وهذه الإعتبارات تنتقل من الفرد إلى المجتمع وتأخذ شكل طقس ديني جماعي تسيطر عليه فكرة التقدمة والتضحية التكفيريّة التي قد تأخذ أشكالاً مختلفة إنتقدها طبيبنا وفيلسوفنا الكبير الرازي إذ يقول:

«لمّا كان ليس للإنسان في حُكم العقل والعدل أن يؤلم غيره تبع ذلك أنه ليس له أن يؤلم نفسه أيضاً. وصار تحت هذه الجملة أيضاً أموراً كثيرة يدفعها حُكم العقل، نحو ما يعمله الهند من التقرّب إلى الله بإحراق أجسادها وطرحها على الحدائد المشحوذة، ونحو المنانيّة وجبّها أنفسها إذا نازعتها إلى الجماع وإضنائها بالجوع والعطش وتوسيخها باجتناب الماء واستعمال البول مكانه. وممّا يدخل في هذا الباب وإن كان دونه كثيراً ما يستعمله النصارى من الترهب والتخلّي قي الصوامع وكثير من المسلمين من لزوم المساجد وترك المكاسب والإقتصار على يسير الطعام وبشعه ومؤذي اللباس وخشنه. فإن ذلك كلّه ظلم منهم لأنفسهم وإيلام لها لا يدفع به ألم أرجح منه» [133] .

وكما يتفنّن الإنسان في إعداد طعام ضيوفه فقد تفنّن أيضاً في إعداد ما يرضي الآلهة. فقدّم لها الأطفال والحيوانات محارق. وقد أعتبِرت الأعضاء الجنسيّة واهبة الحياة الطعام المفضّل عند الآلهة. فبعض القبائل الإفريقيّة تضحي بالخصية اليسرى، وبعضها بالخصية اليمنى، ولا يحق لرجل أن يقرب إمرأة إلاّ إذا تمّت هذه العمليّة عليه. وكان الهدف المرجو هو أن لا تلد الأم توأمين من الأولاد. ومن تلد توأمين، تقوم القبيلة بحرقها وحرق طفليها. وفي بعض القبائل يقوم الزوج بافتداء المرأة بذبح عبد له، أمّا التوأمان فلا يمكن تخليصهما. وعند قبيلة «بويبلوس» في المكسيك يتم تقديم أوسم شاب محرقة للإله الشمس بعد أن يمارس جميع الكهنة الجنس معه [134] .

وجاء في دراسة لموريس أسعد بأن من عادات المصريّين القدامى إلقاء دمية على شكل فتاة جميلة يزيّنوها كعذراء يوم عرسها ويلقونها في النهر. وكانوا يعتقدون أنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن النهر قد يغضب عليهم ويكف عن الإنعام عليهم بفيضانه. وكان موسم وفاء النيل هو الوقت المناسب لختان البنات. فتقوم الدايات بختانهن في ذلك الوقت. وكانوا يحتفظون بتلك الأجزاء التي كانت تقطع من الأعضاء الجنسيّة للفتاة ويلفّونها على هيئة حجاب ويربطونها بخيط حول عنق الفتاة التي قطعت منها تلك الأجزاء. وفي يوم الإحتفال بعيد فيضان النيل، كانوا يلقون بتلك الأجزاء في مجرى النهر معتقدين أن الفتاة التي لا تفعل ذلك تبقى عانساً بغير زواج، أو أنها إذا تزوّجت فإنها لا تنجب أطفالاً على الإطلاق، أو حتّى إذا أنجبت أطفالاً فإن أولئك الأطفال لا يعيشون أو يموتون صغاراً [135] . وما قاله أسعد عن البنات ينطبق على الأولاد أيضاً.

ونجد عادة إرضاء الآلهة بتضحية بشريّة في رواية إبراهيم الذي عزم أن يقدّم إبنه محرقة لإلهه «يهوه» لولا أن ملاكاً منعه من إتمام مخطّطه (التكوين، فصل 22). وقد إستمر اليهود في ممارسة المحارق البشريّة من بعده [136] .

والمتتبّع لعادات المجتمعات البشريّة عبر التاريخ يجد تطوّراً لتلك العادات وأسبابها. فالتضحية البشريّة تحوّلت إلى تضحية بأعضائه الجنسيّة وتضحية بالحيوانات. وتحوّل خصي الرجال من تضحية دينيّة إلى علامة لدمغ الأعداء، ثم إلى وسيلة للحصول على خدم وحرس عند الحريم، ثم للحصول على مرتّلين في الكنائس. وبعد أن كان الختان بديلاً للتضحية البشريّة، أصبح طاعة للعهد وعلامة لاختيار الشعب اليهودي، ثم وسيلة للتخلّص من النجاسة، ثم عمليّة للوقاية من الأمراض، ثم وسيلة لإبطاء القذف عند الرجل، ثم وسيلة جماليّة. وعند المسيحيّين حل القدّاس محل الضحيّة البشريّة والحيوانيّة، وحل العمّاد كعلامة إنتماء بدلاً من الختان. وقد ذكرنا أن بعض اليهود يحاولون التخلّص من الختان الذي يعتبرونه عمليّة بربريّة ومنافية للمساواة بين الذكر والأنثى، فيحتفظون بالمراسيم الدينيّة دون إهراق دماء سواء للذكر أو للأنثى. وهناك من يقترح بدلاً من ختان الذكر، قص جزرة [137] . وتقوم قبائل «النيف» في إحدى جزر المحيط الهادي بقطع جزء من الإظفر بدلاً من الختان. وعندما يعتنق هندي الإسلام في مقاطعة «ميسور» توضع ورقة نبات على قضيبه وتقص بدلاً من قص الغرلة [138] .

وإن كان الإنسان قادراً على فعل الأحسن، فهو أيضاً قادر على فعل الأسوأ. فقد رأينا كيف أن بعض رجال الدين اليهود قد شدّدوا في عمليّة الختان بإدخال درجة أكثر قسوة بسلخ بطانة الحشفة وقطعها مع الطبقة الخارجيّة. كما أن بعض المسيحيّين قد عادوا إلى ممارسة الخصي في بعض مراحلهم [139] .

ومهما كانت غرابة التصرّف البشري ودرجة رقيّه، فإنه حاول دائماً الربط بين تصرّفاته وبين الدين، حتّى في مرحلة الجنون. فهذه أحسن وسيلة لتبرير نفسه وإرسال من يعاتبه ليجادل الله، وهو صعب المنال. وربط الختان بالإله لا يقتصر على أتباع «الديانات السماويّة»، بل يشمل جميع المجتمعات البدائيّة في أدغال إفريقيا. والطقس الديني الذي يصاحب الختان عند تلك المجتمعات أكثر تعقيداً من طقس الختان عند اليهود ولا يقل أهمّية وقدسيّة في نظر أتباعه عن طقس الختان الديني اليهودي. ولنا عودة لطقس ختان الذكور والإناث في المجتمعات البدائيّة في الفصل السادس.

3) الدين عامل مساعد لمبرّرات الختان

قد يكون للتعاليم الدينيّة أثر مباشر وغير مباشر في إنتشار عادة ما. ومثالاً للتأثير المباشر النص التوراتي الذي ينقل لنا أمر «يهوه» لإبراهيم بختان نفسه ونسله من بعده، واعتقاد أكثر المسلمين بأن ختان الذكر من صميم تعاليم «الإسلام»، واعتقاد بعضهم أن ختان الإناث أيضاً ينتمي إلى تلك التعاليم. ولكن قد يكون هناك تأثير غير مباشر مبني على القاعدة التي تقول: «ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب». فإذا كان تنفيذ أمر ديني معيّن يتطلّب الختان، يصبح الختان واجباً بنفس درجة الأمر الديني ذاته. وهذه بعض الأمثلة على ذلك فيما يخص إنتشار ختان الذكور والإناث بين المسلمين رغم أن القرآن لم ينص عليهما ورغم أن الأحاديث النبويّة المتعلّقة بهما ضعيفة:

- يعتقد المسلمون بأن التعاليم الدينيّة تفرض على الولد أو الفتاة أن يكونا طاهرين حتّى يتمكّنا من إتمام الصلاة والحج وغيره من الفرائض الدينيّة. وبما أن الطهارة لا تتم إلاّ بالختان حسب إعتقادهم، لذا يصبح من الواجب إجراء الختان.

- يعتقد المسلمون بأن التعاليم الدينيّة تفرض على الفتاة أن تصل إلى الزواج عذراء. وحتّى تتمكّن من الحفاظ على عفّتها، يعتقد بعضهم أنه لا بد من الحد من شهوتها من خلال ختانها. وعليه يصبح الختان ضرورة دينيّة.

- تفرض التعاليم الإسلاميّة دفع مهر لصحّة الزواج. وبما أن قيمة المهر مرتبطة ببكارة البنت، وبما أن البنت لا يمكنها، في إعتقاد بعضهم، الحفاظ على بكارتها دون ختانها على الطريقة الفرعونيّة، لذلك رأى البعض في الختان الفرعوني جزء من تعاليم الدين الإسلامي.

- تسمح التعاليم الدينيّة الإسلاميّة للرجل بالزواج من أربع نساء في آن واحد. وبما أنه من غير الممكن أن يرضي جميع هؤلاء النساء، وفي نفس الوقت لا تسمح التعاليم الدينيّة لهؤلاء النساء بالبحث عن اللذّة خارج إطار العلاقة الزوجيّة، لذلك فإن الرجل يلجأ لختان الإناث إعتقاداً منه أنه بهذه الوسيلة يحد من شهوتهن.

- يعتقد بعض المسلمين بأن العادة السرّية مخالفة للتعاليم الدينيّة. وبما أن الختان في إعتقادهم يساهم في الحد من هذه العادة، لذلك يلجأون للختان كوسيلة للحد منها.

ومن هنا يتبيّن أنه رغم تأكيد البعض على أن ختان الإناث لا علاقة له بالإسلام، فإن هذه العادة قد إنتشرت مع إنتشار الثقافة الإسلاميّة. وقد أدّى عدم وجود كلمة موحّدة لرجال الدين المسلمين لإدانة عادة ختان الإناث إلى إعتقاد البعض أن ختان الإناث مطلوب في الإسلام، وهذا يؤدّي إلى صعوبة إلغاء هذه العادة [140] . ويلاحظ تزايد إنتشار ختان الإناث بين القبائل السودانيّة التي وقعت تحت سيطرة القبائل العربيّة أو تزاوجت معهم. فقد نقلت هذه القبائل العربيّة نظرتها إلى العلاقة الجنسيّة وتعدّد الزوجات والمهر واعتقادها بأن الختان وسيلة للحفاظ على طهارة البنت والنظافة. وكما هو الأمر في جميع المجتمعات التي تنقل عادات الغير، فإن هذه القبائل أخذت بأشد أنواع الختان الفرعوني. وهكذا فإن مناطق غرب السودان التي لم تعرف الختان الفرعوني قَبل خمسين سنة أصبحت تمارس عادة الختان الفرعوني بصورة عامّة [141] .

ورغم أن التعاليم المسيحيّة لا تحتوي على أوامر فيما يخص ختان الإناث، إلاّ أن بعض القبائل في «الكونجو» قد فهمت عبارة العذراء مريم بأنه هذه الأخيرة كانت مشبوكة الفرج، وإلاّ لما كانت عذراء. ومن هنا إعتقدت هذه القبائل بأن التعاليم المسيحيّة تفرض ختان الإناث على الطريقة الفرعونيّة [142] .

وسوف نرى في الفصل القادم وفي الفصل السادس كيف أن مفهوم الجنس والطهارة والتعالي المبني على منطلق ديني قد أدّى أيضاً إلى إنتشار ختان الذكور والإناث بين المسلمين وغيرهم.

الفصل الرابع: الختان وكبح النزوات الجنسيّة

رأينا كيف أن الجنس هو أحد أسباب بتر وتشويه الجسم على المستوى الفردي الشاذ. والجنس يلعب دوراً مهما أيضاً في التصرّفات ذات الطابع الجماعي الثقافي ومن بينها ختان الذكور والإناث. فللختان علاقة بالنظرة السلبيّة إلى الجنس، وهو أحد أساليب الكبت الجنسي الذي يقع على الذكور والإناث. وهذا ما سوف نراه في النقاط التالية.

1) علاقة الختان بالنظرة السلبيّة إلى الجنس

تختلف النظرة إلى العلاقة الجنسيّة من مجتمع إلى آخر. فقد أوكلت بعض المجتمعات القديمة فض البكارة إلى رجل الدين الذي يمثّل الإله وينقل للمرأة قوّته من خلال العلاقة الجنسيّة. وكثيراً ما كان يلبس قناعاً يمثّل حيواناً طوطميّاً تقدّسه تلك الجماعة. وقد تكون لهذه العادة علاقة بعادة فتح العروس ليلة زواجها بإبهام إمرأة عجوز في كمبوديا ومصر وعدد من القبائل الإفريقيّة [143] . وفي قبائل «بانتي» الإفريقيّة، يقوم الملك بدور الإله ويوكّل إليه فض بكارة الفتيات التي تعد للزواج مقابل هدايا قيمة من عائلات هذه الفتيات. ومن هنا جاءت أيضاً عادة العهر المقدّس الذي يتم في الهياكل [144] . وفي الديانة الهندوسيّة تضحي العذارى عذريتهن على قضيب من حجر أو معدن. وقد ذكر القدّيس أوغسطينس (توفّى عام 430) وجود مثل تلك العادة في روما [145] . وفي بعض القبائل الأستراليّة يقوم شخص مؤهّل بتوسيع فرج الفتاة بصورة شديدة وإزالة بكارتها ثم يمارس الجنس معها هو وأولاد أعمامها قَبل تسليمها لزوجها [146] .

وبعض القبائل الإفريقيّة تمرّن بناتهن على العلاقة الجنسيّة فتعلّمهن تحريك الورك، وثقب غشاء البكارة بواسطة شرش نبات على شكل قضيب، ومد الشفرين. وتشجّع بعض هذه القبائل العلاقة الجنسيّة قَبل الزواج، بينما تحرّمها قبائل أخرى أو تسمح بها على شرط أن لا تفقد البنت بكارتها أو أن لا تحمل. وتسمح بعضها للمرأة المتزوّجة بممارسة الجنس مع شاب غير زوجها على شرط أن لا يكون مختوناً. كما أن بعضها تعرف الضيافة الجنسيّة فتسمح للزوجة معاشرة خلاّنها بكل حرّية مع علم زوجها. ففي قبائل «موساي» تذهب المرأة عند صديقها وتقضي معه بضعة أيّام، وعند رجوعها لمنزلها تحمّلها زوجته هدايا. وتقوم هذه باختيار خليلات لزوجها من بين صديقاتها. وعلى النقيض من ذلك تعتقد بعض القبائل أن من تخون زوجها يموت إبنها أو تموت هي. ولكي ينجو المولود عليها الإقرار بالعلاقات غير المشروعة قَبل أن تلد. فالمولود يعتبر تجسد لأحد الأجداد. وكل خيانة تتلف روح الجد وتجعل الطفل عرضة لروح غريب.

والمجتمعات المحافظة، كالمجتمع الإسلامي، تمنع العلاقة الجنسيّة خارج إطار الزوجيّة. فلا تسمح أن تكون المرأة تحت عصمة أكثر من رجل، بينما تعطي للرجل حق إمتلاك أربع زوجات في آن واحد وتطليقهن دون سبب. ويحرص الرجل على أن يكون أوّل من مارس الجنس مع زوجته. فيدفع للبكر مهراً يعلو على مهر الثيب. ويتم الكشف عن بكارة الزوجة بعدّة وسائل، من قِبَل أبيها، أو زوجها، أو إمرأة تضع إبهامها في فرج العروس لفض بكارتها كما هو الأمر في بعض الأوساط المصريّة. وفي بعض الأوساط العربيّة يبرهن الزوج على بكارة زوجته من خلال عرض شرشف مبقّع بالدماء. وتدفع كثيراً من الشابّات حياتهن ثمناً لفقدانهن بكارتهن أو لمجرّد الشك في علاقة جنسيّة. فيقتل الأب إبنته لأنها شوّهت سمعة العائلة. وعند قبائل «لوو» الكينيّة يتم الجماع بحضور شهود. وبعد فض بكارة الزوجة، يخرج الزوج قضيبه دون إنزال ويبقى في حالة إنتصاب لرؤية أثر غشاء البكارة عليه. وعندها تدعو أخت العروس صديقاتها إلى غرفة الزواج وتضرب العريس قائلة: «لقد قتلت أختنا». وبعد ذلك يقوم الشباب والشابّات بالرقص والغناء طوال الليل [147] .

ولا عجب من مجتمع يسمح للرجل بتعدّد الزوجات والطلاق وقتل المرأة التي تفقد بكارتها أن يفرض الختان على إناثه كوسيلة لضمان عفّتهن وبقائهن تحت عصمة الرجل ما دام هذا المجتمع يعتقد أن الختان وسيلة لكبح النزوات الجنسيّة.

وقد أثّر الفكر اليهودي في الفكر الإسلامي في مجال البكارة والعلاقة الجنسيّة وتعدّد الزوجات وطهارة المرأة [148] . كما ساهم في إنتشار ختان الذكور والإناث عند المسلمين والأفارقة، وحتّى بين المسيحيّين الغربيّين إذ أعتُبر وسيلة لمكافحة العادة السرّية ومنع النشاط الجنسي كما رأينا. وما زال اليهود من أكثر المدافعين عن ختان الذكور. وقد ترك الغرب ختان الإناث وبدأ يتحوّل عن ختان الذكور بعد تخلّيه عن النظرة السلبيّة للجنس التي توارثها عن اليهود. ولكن ما زال كثير من المسلمين متمسّكين بختان الإناث، بالإضافة إلى ختان الذكور، بسبب تشدّدهم في العلاقة الجنسيّة والبكارة وقبولهم نظام تعدّد الزوجات. وقد صاحب إنتشار الإسلام في إفريقيا وآسيا إنتشار مماثل لكل من ختان الذكور والإناث. وهكذا كان المسلمون عامل توصيل للفكر اليهودي بعدما وقعوا تحت تأثيره.

2) وسائل الكبح الجنسي

بالإضافة إلى العقاب، لجأ الإنسان إلى وسائل شتّى للوصول إلى الكبح الجنسي عند الذكور والإناث. منها الصوم والصلاة. ومنها حلق الرأس كما عند الرهبان وبعض المسلمين والبوذيين. ويحلق اليهود المتديّنون رأس نسائهم ويستبدلون الشعر بالبرّوكة. كما تم بعد تحرير فرنسا من الغزو النازي حلق رأس النساء اللاتي مارسن الجنس مع المحتل الألماني. ويعدّد عالم الجنسيّات «جيرارد تسفانج» من بين وسائل الكبت الجنسي حلق العانة والإبط ووضع الحلق في الأنف والشفاه [149] .

ويدخل في هذا المجال أيضاً وضع حواجز بين الجنسين. وبما أن الرجال هم الذين وضعوا هذه الحواجز، فقد فرضوا على المرأة ما لم يفرضوا على أنفسهم. ففرض القرآن الحجاب على النساء دون الرجال [150] . ولم يسمح لهن بإبداء زينتهن (بما في ذلك الوجه واليدين عند بعض الفقهاء) إلاّ لعدد محدود من المحارم (النور 30:24). كما فرض عليهن أن يقرّن في بيوتهن (الأحزاب 33:33). ولم يسمح الفقهاء لهن الخروج من بيوتهن إلاّ بإذن الزوج أو الولي وبصحبة محرم. وقد برّروا تحيّزهم هذا بكون المرأة أكثر إنجرافاً نحو الغريزة الجنسيّة. وهذا ما عبّر عنه الشيخ النفزاوي (توفّى عام 1324) نقلاً عن غيره: «ألم تعلم أن النساء دينهن فروجهن؟» [151] . ويضيف: «إعلم يرحمك الله أن النساء لهن مكائد كثيرة وكيدهن أعظم من كيد الشيطان. قال الله تعالى: «إن كيدهن عظيم» (يوسف 28:12). وقال تعالى «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً» (النساء 76:4). فعظَّم كيد النساء وضعَّف كيد الشيطان» [152] . ومن هنا جاء نظام الحريم عند المسلمين. فكان للخصيان، والذين كان يطلق عليهم أيضاً الخدّام أو الطواشي، وحدهم الحق في الدخول عليهن دون تحفّظ، ليلاً ونهاراً، بينما كان يحرّم دخول الرجال الفحول [153] . ويحاول الفقهاء المسلمون، تبرئةً للذمة، نسبة تلك القواعد المتحيّزة إلى الله ونبيّه، تماماً كما يفعلون لتبرير ختان الذكور والإناث.

3) ختان الذكور وسيلة من وسائل الكبح الجنسي

بالإضافة إلى العقاب والصلاة والصوم والحجاب والحيطان، لجأ الإنسان إلى وسائل مباشرة للكبح الجنسي بالتعدّي على الأعضاء الجنسيّة ومنع وظيفتها. فقام عند الذكور بفرض حزام العفّة أو شبك الغلفة أو بترها جزئيّاً أو كلّياً أو بتر القضيب والخصيتين معاً أو منفصلتان.

أ) حزام العفّة

رأينا كيف أدّت موجة الرعب من العادة السريّة التي إجتاحت الغرب إلى إختراع أجهزة للحد من وصول الصبي إلى أعضائه الجنسيّة. وتعمل هذه الأجهزة وفقاً لمبدأ حزام العفّة الذي كان مستعملاً بالنسبة للإناث. ورغم هدوء موجة الرعب من العادة السريّة إلاّ أن مثل هذا الحزام يعرف الآن رواجاً كما يظهر من المقالات المنشورة على الانترنيت [154] . ولم يعد هذا الحزام بالضرورة للحفاظ على العفّة، بل أصبح أيضاً جهازاً لتهييج اللذّة. ويستعمل لكل من الذكور والإناث. وسوف نعود لهذا الموضوع عند كلامنا عن حزام العفّة للنساء تفادياً للتكرار إذ إنهن المستهدف الأوّل لمثل هذا الحزام.

ب) شبك الغلفة

عمليّة شبك الغلفة infibulation نظام سابق لنظام حزام العفّة، وقد تم اللجوء إليه كبديل له عبر التاريخ. ويُظن أن الرومانيون قد تعلّموه نقلاً عن شبك الفرج كما كان يتم في مصر وآسيا. وتستعمل الكلمة الغربيّة في أيّامنا للتعبير عن الختان الفرعوني. وهذه الكلمة مشتقة من كلمة fibula التي تعني الإبزيم أو المشبك الذي كان يجمع طرفي الإزار معاً [155] . وقد وصف الطبيب الروماني «شيلسوس» (توفّى قرابة عام 50) كيفيّة إجراء تلك العمليّة: تشد الغلفة إلى فوق الحشفة ثم تثقب من طرفيها بإبرة وخيط يحرّك من وقت لأخر حتّى يشفى الجرح. وبعد ذلك يمرّر في الثقبين حلقة من معدن [156] .

وكان القصد من وراء هذه العمليّة منع إنتصاب القضيب والإستمناء بسبب الألم الذي يسبّبه وجود الحلقة. وكانت تجرى على العبيد والمغنّين والممثّلين والرياضيين، للإعتقاد بأن عدم ممارسة الجنس يحافظ على قوّة الجسم وصفاء الصوت. وهذه النظريّة الأخيرة مأخوذة عن الفيلسوف اليوناني أرسطو (توفّى عام 322 ق.م) وتم تداولها لعدّة قرون لاحقة في الغرب [157] . إلاّ أن هذه العمليّة كانت تثير شهوة النساء، معتبرة أن الرجل مشبوك الغلفة، بحرمانه من تعاطي الجنس لمدّة طويلة، يصبح شديد المراس إذا ما أزيلت حلقته. فيذكر الكاتب الروماني «جوفينال» (توفّى قرابة عام 130) أن السيّدات الرومانيّات كن يدفعن مبلغاً طائلاً للوصل إلى إزالة هذه الحلقة لممارسة الجنس [158] . كما كن يشبكن غلفة عبيدهن الذين يغرن عليهم لنفس الغاية [159] . ونقرأ عند الشاعر الساخر «مارسيال» (توفّى قرابة عام 104 ) في مؤلّفه عن أخلاق الرومان بيتين من الشعر:

قل لي بصورة مبسّطة أيها الممثّل والمغنّي على وقع القيثارة

ماذا تستفيد من الشبكة؟ لكي أنكح بثمن أكبر! [160]

ويذكر في هذا المجال أن نسّاكاً مسيحيّين من جبل «اتوس» في اليونان كانوا يلجأون لمثل هذه العمليّة حتّى يحرموا أنفسهم من ممارسة الجنس. وتشير بعض الكتابات الغربيّة من القرن السادس والسابع عشر أن بعض المتصوّفة الأتراك والعرب والمصريّين والفرس كانوا يلجأون لها أيضاً [161] .

وقد إقترح الطبيب الفرنسي «ديونيس» الذي كان طبيباً في بلاط الملك لويس الرابع عشر (توفّى عام 1715) وضع حلقة في غلفة الشباب لمنع تبذير قوّتهم، فلا تُزال إلاّ في سن الخامسة والعشرين حتّى ينجبوا أطفالاً أقوياء لخدمة الجمهوريّة. كما إقترح الجرّاح الألماني «فانيهولد» عام 1827 ممارسة تلك العمليّة على الشحّاذين والعاطلين عن العمل والجنود ذوي الدرجات المنخفضة في الجيش للحد من عدد السكّان وتحسين الجنس البشري [162] .

وذكرت مجلّة الصحّة الفرنسيّة الصادرة عام 1822 أن فرنسيّاً وقع في حب إمرأة برتغاليّة فرحل معها إلى بلدها. وكانت هذه المرأة تغار جدّاً. وفي أحد الأيّام أحس قبل أن يفق من النوم بثقب مؤلم في غلفته. وتبيّن له بعد ذلك أن حبيبته قد شبكتها بمشبك ذهبي لا يمكن فتحه إلاّ بمفتاح صغير تحتفظ به. ولشدّة تعلّقه بها، وافق على أن يبقي على المشبك. وبعد مدّة لاحظ أن المرأة قد عادت وشبكت غلفته بمشبك آخر قرب المشبك الأوّل. وقد أجبره حبّه على الإحتفاظ به أيضاً إلى أن تقرّحت الغلفة بسبب إزالة وإعادة وضع المشبك، فأضطر إلى الذهاب إلى طبيب يعالجه [163] .

وقد إستمرّت ممارسة عمليّة شبك الغلفة في الغرب في القرن العشرين. فذكر «دينجوال» في كتابه الذي نشره عام 1925 حول هذا الموضوع أنه وجد قائمة دعائيّة لشركة في لندن تقول إنها توصي جدّاً بـ«حلقة الدكتور فالتيرز» لأنها تعطي للنائم تنبيهاً في الوقت المحدّد [164] . والقصد من هذه الحلقة هو منع القضيب من الإنتصاب في الليل والإستمناء. هذا ويظهر أن شبك الغلفة يعرف رواجاً بين متعاطي ثقب الجلد في أيّامنا. ويجد القارئ في شبكة الانترنيت مقالات كثيرة في هذا الخصوص [165] .

ج) بتر القضيب والخصيتين

تم ممارسة بتر القضيب والخصيتين عبر القرون المختلفة بقصد كبح الجنس إمّا للحصول على عبيد أقوياء أو عقاباً أو تديّناً. وقد تعرّضنا لهذا الموضوع في الجزء الثاني الذي نحيل القارئ إليه [166] .

د) بتر الغلفة بالختان

رأينا في القسم الطبّي كيف أن «فيلون» وابن ميمون وتوما الأكويني وابن العسّال وابن قيّم الجوزيّة وغيره من الكتّاب المسلمين قد إعتبروا ختان الذكور ببتر الغلفة وسيلة لكبح الجنس والحد من اللذّة. وقد تم اللجوء إلى هذه العمليّة لاحقاً لمكافحة العادة السرّية في الغرب. وقد أخذ الكتّاب المسلمون في أيّامنا يردّدون هذه الحجّة متناسين أنها قد فقدت قيمتها عند أصحابها ذاتهم. ونعيد القارئ لما قلناه في الجزء الطبّي.

4) ختان الإناث وسيلة من وسائل الكبح الجنسي

قام الإنسان عند الإناث بتصرّفات مماثلة لما قام به عند الذكور ففرض حزام العفّة، وشبك الفرج أو أخاطه، وبتر الغلفة والبظر والأشفار جزئيّاً أو كلّياً، معاً أو على إنفصال.

أ) حزام العفّة

أوّل رواية وصلت لنا بخصوص حزام العفّة نجدها في ملحمة «الأوذيسة» المنسوبة للشاعر اليوناني «هوميروس» الذي يُظن أنه عاش في القرن التاسع أو العاشر قَبل المسيح. تقول هذه الرواية إن إله النار والحدّادين «هيفستوس» قد عمل شبكة من حديد سقطت على منافسه وزوجته «افروديت» إلهة الحب والخصب، بينما كانا في السرير [167] . وكان عند اليونانيين والرومان عادة وضع حزام من الصوف لفتياتهم معقود بصورة خاصّة ومقوّى ببنية معدنيّة لا يحق نزعه إلاّ بيد الزوج ليلة الدخلة [168] .

وقد نسب إختراع حزام العفّة كما عرفه الغرب إلى العصور الوسطى في زمن الحروب الصليبيّة. فيروى أن الجنود الذاهبين إلى الحرب كانوا يضعونه لنسائهم ويحتفظون بمفتاح لفتحه. ولكن من المرجّح أن هذا الحزام يرجع إلى نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر، أي في عصر النهضة الأوروبيّة. وكان أوّل ظهور له في إيطاليا، ومن هناك إنتشر إلى الدول الأوروبيّة الأخرى لمنع النساء من الخيانة الزوجيّة. كما أن بعض الراهبات كن يلبسنه لمنع التعدّي الجنسي عليهن [169] . ويرى البعض أن فرضه على النساء كان بهدف الحماية من الأمراض الجنسيّة التي قد يُصبن بها إذا ما مارسن الجنس مع رجال موبوءين [170] . ويظهر أن حزام العفّة كان واسع الإنتشار في إيطاليا في زمن «فولتير» (توفّى عام 1778) الذي كتب عام 1716 قصيدة «القفل» أهداها لسيّدة متزوّجة من رجل متقدّم في السن ألبسها هذا الحزام، يقول فيها إنه ليس في البندقيّة أو روما مغرور أو برجوازي أو شريف إلاّ ويملك مثل هذا القفل لحماية شرف بيته [171] .

ويتكوّن حزام العفّة من حزام يوضع على وسط المرأة، متّصل به من الأمام ومن الخلف صفيحة معدنيّة تمر بين الفخذين مثبّتة بقفل يفتح بمفتاح أو معادلة مكوّنة من أحرف أو أرقام. ولقضاء الحاجات الطبيعيّة، يزوّد هذا الحزام بفتحة صغيرة من الأمام تكون في بعض الأنواع مسنّنة وفتحة أكبر من الخلف. وهاتان الفتحتان لا تسمحان بممارسة الجنس. وتحتوي المتاحف الأوروبيّة على عدد كبير من هذه الأحزمة لا يعرف تاريخ صنعها بصورة مؤكّدة، وبعضها ينسب زوراً للعصور الوسطى. والمتاحف البريطانيّة غنيّة في هذا المجال، ربّما بسبب ممارسة مهنة الملاحة في هذا البلد [172] .

ولم يكن حزام العفّة هذا ليمنع النساء من الوصول إلى غاياتهن، باللجوء إلى حداد يصنع لهن مفتاحاً ثانياً يتصرّفن به كما يشأن دون أن يعلم ذلك أزواجهن. ونجد كثيراً من الكتابات الأدبيّة والأعمال الفنّية (رسومات ومنحوتات) في الغرب التي تسخر من الأزواج [173] . وتقول إحدى الروايات إن الكردينال والسياسي الفرنسي «ريشيليو» (توفّى عام 1642) وقع في حب الملكة «آن النمساويّة» زوجة الملك «لويس الثالث عشر» الذي كان عنيناً لا يستطيع شفاء غليلها. ولكن الملكة لم تكن تحب الكردينال المذكور ولم تسمح له بالوصول إليها وفضّلت عليه «دوك بورجينهام». فقرّر الكردينال الإنتقام منها. فأهدى إلى الملك حزام العفّة مقنعاً إيّاه أن هذا الحزام يحمي شرف تاج فرنسا. وقد لقيت هذه الفكرة رضى الملك الذي فرضه على الملكة رغم بكائها وغضبها. إلاّ أن الملكة أحضرت حدّاداً من «ميلانو» صنع مفتاحاً لذاك الحزام سلّمته إلى «الكونت انطوان دي موري»، الإبن غير الشرعي للملك هنري السادس ورئيس أحد أديرة في فرنسا [174] .

ورغم عدم وجود قانون يمنع إستعمال حزام العفّة، وصلت بعض القضايا إلى المحاكم التي إعتبرته ممارسة وحشيّة، يُذكر منها ثلاث قضايا جرت في فرنسا عام 1750 و1892 و1938، وقضيّة جرت في إسبانيا عام 1882 [175] .

وكما نجد في أيّامنا من يساند ختان الإناث لكبح الجنس عندهن، أو يدعو للملابس «الشرعيّة» التي تحوّلهن إلى خيمة متنقّلة، كان هناك في الغرب من يقوم بالدعاية لحزام العفّة. وقد ذكر مؤلّف دعايتين فرنسيتين من نهاية القرن التاسع عشر تقول إحداهن:

لا إغتصاب بعد

آلة تحفظ إخلاص النساء

مع درع وقفل ومفتاح بسيط 120 فرنك

مع درع وقفل ومفتاح بسيط مشغول بفخامة وفن 180 فرنك

مع درع وقفل ومفتاح بسيط من فضّة صناعة متقنة جدّاً 320 فرنك

ترسل بناء على حوالة بريديّة للسيّد «كمبون»، كاتب عدل ورئيس بلديّة «كساني كومتو»، بواسطة «رينياك» المسؤول عن جمع المال والضامن. وهذا الإختراع غني عن المديح، فالكل يعرف فائدته. فبفضله يمكن التأمين على الشابّات من المصائب التي تسبّب لهن الخزي ولعيالهن الحداد. وبفضله يمكن للزوج أن يترك زوجته دون خوف من تدنيس شرفه. وهكذا لا كلام بعد ولا عار. وبفضله يتأكّد الآباء بأنهم الأباء ولن يتملّكهم الخوف من أن يكون أبناؤهم أبناء غيرهم، فيمكنهم أن يحفظوا بالمفتاح ما هو أغلى من الذهب. ففي زمن إضطرابات كهذه حيث كثير من الأزواج المخدوعين، أعتقد أني أقدّم خدمة للمجتمع بهذا الإختراع الذي يحفظ الأخلاق. وكان علي أن أكون متأكّداً من فائدته حتّى أتجرّأ للدعاية له وأتحدّى ما قد يثيره من ضحك. فقد يقال ما هذا العمل الجنوني. ولكن من هو المجنون؟ أهو مخترع قميص المجانين أو من يحتاجون إليه؟ [176]

وإن كان حزام العفّة يقصد منه الكبح الجنسي، إلاّ أن بعض المؤلّفين يرون إنه قد أستُعمِل أيضاً كوسيلة لتقوية العلاقة الزوجيّة وزيادة اللذّة. فالمرأة التي تلبس حزام العفّة تعتبره برهاناً على حب زوجها لها وغيرته عليها، على أمل أن يقوم الرجل بعدم ممارسة العلاقة الجنسيّة مع غيرها. وفي فك حزام العفّة، يحس كل من الرجل والمرأة بلذّة جنسيّة. وقد يكون هذا الحزام من النوع الأنيق الغالي الثمن والمزوّق برسومات وكتابات مثيرة للشهوة من إختيار النساء ذاتهن. ويضيف هؤلاء المؤلّفون أن بعض الأشخاص ينشدون عدم المساواة وعدم الحرّية بفطرتهم ولا يجدون سعادتهم إلاّ في حرمانهم من المساواة والحرّية. وبعض النساء ينتمين إلى هذه النوعيّة من الأشخاص. لذا يعتبرن حزام العفّة مثل الكرباج الذي يتلذّذن بضرباته. فيبقين متمسّكات به رغم إمكانيّة الخروج منه متى شئن [177] .

ولم يقتصر حزام العفّة على الغرب. يذكر مؤلّف من بداية القرن العشرين أن النبلاء في السودان كانوا يسمحون لنسائهم بالتجوّل خارج بيت الحريم دون حراسة الخصيان، على أن يتم وضع قصبة في فروجهن تثقب على مستوى الشفرين الكبيرين ويمرّر فيها سلسلة معدنيّة تلف حول وركهن وتثبّت بقفل يحتفظ الخصيان بمفتاحه. وفي مناطق القوقاز كانت هناك عادة خياطة قميص من الجلد حول ورك الفتاة لا يحق لغير زوجها فكّه [178] .

وفي أيّامنا إقترح صحفي مصري اللجوء إلى نوع خاص من حزام العفّة لحماية غشاء البكارة بصورة فعّالة. فيذكر بأن البنات اللاتي يمارسن الجنس قَبل الزواج يقمن باستعادة بكارتهن عند طبيب يعيد خياطة غشاء البكارة لإيهام أزواجهن بأنهن ما زلن عذارى. ويقدّر عدد الشابّات التي تجرى لهن عمليّات خياطة غشاء البكارة سنوياً في مصر بنصف مليون شابّة مصريّة ونصف مليون شابّة من الدول العربيّة الأخرى. وهذه العمليّة تدر أرباحاً تتراوح بين مليار وثلاثة مليارات جنيه مصري [179] . ويقول هذا الصحفي عن حزام العفّة المقترح لتفادي هذا الغش:

«لتعَذُّر [لبس حزام حديدي في أيّامنا] تفتّق ذهن الأطبّاء على إبتكار جهاز عصري، يسمّى «جهاز العفّة»، وهو عبارة عن قطعة حديد مستديرة في حجم العملة ذات شفرات حادّة يتم تركيبها في عيادة الطبيب على السطح الخارجي لغشاء البكارة. ومن يحاول الإقتراب منه يتمزّق إرباً. يستطيع الرجل إستخدامه لبناته منذ طفولتهن ولا ينزعه إلاّ العريس ليلة الدخلة. وكذلك يستفيد منه الشاب الذي يسافر للعمل بالخارج بعد قضاء شهور قليلة مع عروسه وهو لا يدري أنه ترك وراءه لهيباً مشتعلاً يغذّيه وقود الحصار الجنسي والمناخ الفاسد. يستطيع تركيبه لعروسه في عيادة الطبيب عند سفره ولا يخلع عنها إلاّ عندما يعود من رحلته بالخارج. ما أرويه عن ظهور هذا الإختراع «جهاز العفّة» قريباً جدّاً وليس خيالاً. لقد تحدّث فيه أطبّاء الترقيع بجدّية، خاصّة وإنهم سيستفيدون منه مادّياً باستحالة تركيبه إلاّ داخل عيادة طبيب النساء. ويجرى تصنيعه حاليّاً بالفعل» [180] .

هذا ويجد القارئ على شبكة الانترنيت ما يزيد عن 600 موقع تتكلّم عن حزام العفّة. ممّا يبيّن أنه قد عاد للإنتشار من جديد، خاصّة كآلة للتهيّج الجنسي لكل من الذكور والإناث.

ويذكر مقال إنه بيع قرابة 35000 حزام عفّة عام 1987. ويقول صانع إنكليزي إن كبار عملائه من فرنسا والولايات المتّحدة وبلجيكا. وله أيضاً عملاء من الشرق الأوسط يمرّرون هذه الأحزمة في الحقيبة الدبلوماسيّة. وهو يرى أن الأحزمة التي يبيعها للشرق الأوسط تساعد على إلغاء ختان الإناث هناك. ويذكر أنه يمكن لبسها تحت ملابس سهرة شفّافة دون خطر تعرّض الزوجة أو البنت أو الصديقة أو الصديق للإغتصاب أو الرضوخ للإغواء. وهذه الأحزمة مخصّصة لكل من النساء والرجال، ومجهّزة بطاقة من الأمام والوراء لها مفاتيح. وإذا تغيّب حامل المفتاح فإن صانع الحزام يتدخّل لفتحه. وعن سؤال ما إذا كان القانون البريطاني يسمح بهذه الأحزمة، أجاب بأنه ما دام الأشخاص راضين عن ذلك، فلا مانع. ويذكر أن بعض العائلات التي تنتمي إلى أقليّات عرقيّة تطلب منه أحزمة عفّة لبناتها القاصرات، إلاّ أنه يرفض ذلك. ولكنّه يضيف أن أحزمته تتم حسب المقاس، ولذا قد يكون المقصود منها تلبيسها لفتيات قاصرات [181] .

هذا ويشير مقال في صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسيّة بتاريخ 14 يوليو 1989 بأنه كانت تباع أحزمة عفّة حتّى عام 1973 في محلاّت «هرولدس» الشهيرة في لندن وفي محلات فرنسيّة، مصنوعة من جلد أو من كاوشوك ثخن أو من معدن. ويذكر هذا المقال إن قفّالاً فرنسياً يعيش على الجانب الفرنسي من بحيرة جنيف يقوم بتصنيع أحزمة نسائيّة حسب الطلب لعملاء أغنياء يزورون مدينة جنيف يأتون خاصّة من دول الخليج. وهذه الأحزمة مرصّعة بالجواهر والمعادن الثمينة [182] .

ونجد على الانترنيت عقداً قانونيّاً مفصّلاً بخصوص حزام العفّة يوقّع عليه مستعمله لصالح شخص يحتفظ بمفتاحه. ويوضّح هذا العقد الأسباب التي من أجلها يتم لبس هذا الحزام: إضفاء نوعيّة خاصّة على العلاقة الجنسيّة، ومنع العادة السرّية والعلاقة الجنسيّة غير المراقبة، والتأكيد على حفظ العهد بين الشريكين. وتذكر فقرات العقد أن مستعمل الحزام يتعهّد بلبسه آنى طلب منه ذلك حامل المفتاح. وهذا الأخير يتعهّد بأن يقدّم المفتاح لمستعمل الحزام لحالات الضرورة، على أن لا يستعمله إلاّ بعد موافقة حامل المفتاح. ويبيّن العقد أيضاً المرّات التي يسمح فيها بالعلاقة الجنسيّة [183] .

ب) شبك الفرج أو إخاطته

يلجأ البيطريون لإغلاق شفري الفرس بحلقة معدنيّة لمنع العلاقة الجنسيّة. وكما عرف الرومانيون شبك غلفة الرجل، عرفوا أيضاً شبك فرج المرأة بإمرار حلقة من معدن بشفريها الكبيرين. وكانت هذه العمليّة تتم على الإماء وعلى المكرّسات لخدمة الهياكل.

وقد نشرت مجلّة بريطانيّة عام 1737 قضيّة متّهم يعمل على مسافة خمسة أميال من بيته قرّر خياطة فرج زوجته حتّى يضمن عفّتها. ولكنّها شكت الأمر إلى والدتها والجيران الذين فكّوا الخياطة. وقد حكمت المحكمة على المتّهم بغرامة قدرها 20 شلنا وبالسجن لمدّة سنتين. وبينما كان خارجاً من المحكمة قامت النساء المتجمعات أمام المحكمة بخمشه [184] .

ويذكر كاتب إيطالي مجهول الهويّة من نهاية القرن التاسع عشر أن تجّار العبيد في آسيا الصغرى كانوا يخيطون الشفرين الكبيرين للفتيات للحفاظ على بكارتهن. وعندما يتقدّم مشترٍ لهن، كان يفك الخيط في حضوره بشفرة. وكانت تلك تجارة رائجة في آسيا. ويحكي أن سيّدة عثمانيّة قد إشترت فتاة من أرمينيا مخاطة بقصد تقديمها هديّة لزوجها بعد غيبتها عنه [185] .

وقد كانت عمليّة شبك الفرج تتم سابقاً ليس بخياطته كما هو الأمر اليوم، ولكن بإمرار حلقة من معدن في شفري الفتاة يتم لحامها بالنار عند الحداد. وأمّا النساء المتزوّجات، فقد كان يمر في شفريها حلقة مجهّزة بقفل يحتفظ زوجها بمفتاحه. ولقد لجأ لهذه العادة الفقراء ممّن لم يكن في إمكانهم اقتناء الخصيان للحفاظ على حريمهم، إذ إن سعر الخصي كان غالياً جدّاً بسبب إرتفاع نسبة الوفاة عند إجراء الخصي، ولم يكن يقدر على إقتنائهم إلاّ الأغنياء [186] . ويشير الدكتور «جوسوم» في القرن التاسع عشر أن الرجل في الهند يقوم قَبل سفره بشبك الشفرين الكبيرين لزوجته بسلك من ذهب ثم يلفّه ويضع عليه شمعاً ويختمه بخاتمه. ويضيف أن الجماعات التي لا تعرف إستعمال المعادن وليس لديها سلك ذهب أو حزام عفّة تلجأ إلى شبك الفرج بخياطته. وهكذا يكون شبك الفرج في حقيقته حزام عفّة على الطريقة البدائيّة للمعدمين، له نفس هدف حزام العفّة: منع العلاقة الجنسيّة [187] .

ويذكر مقال في صحيفة من جيبوتي بتاريخ 7 يونيو 1979 أسطورة فحواها أنه كان في قديم الزمان قَبل دخول الإسلام إلى إفريقيا ملك متجبّر. وكان هذا الملك يجري جميع إحتفالات الزواج ويقضي أوّل ليلة مع الزوجة، ممّا أثار تذمّر الشعب المغلوب على أمره. فبادرت إحدى العجائز بخياطة فرج بنتها وبنات أخريات. وعندما دخل الملك على إحداهن صدم بما رأى وتأذّى دون أن يتمكّن من فتحها. ففسّر هذا الحدث بأن الآلهة غير راضية عن فعله فقرّر عدم إغتصاب النساء من بعد. إلاّ أن الشعب إستمر في ممارسة هذه العادة بسبب الحيطة الحكيمة [188] .

وشبك الفرج واسع الإنتشار في بعض الدول الإفريقيّة، وخاصّة السودان والصومال وجيبوتي وإرتريا والحبشة وجنوب مصر بنسبة تزيد عن 90%. ويطلق عليه إسم «الختان الفرعوني» أو «الختان السوداني». وتقدّر نسبة مشبوكات الفرج بـ 15 إلى 20% من المختونات في العالم. والذين يمارسونه يرون فيه وسيلة لحماية بكارة بناتهم، ممّا يتيح لهم الحصول على مهر مرتفع عند زواجهن. وفي تلك المجتمعات تقوم المرأة برعاية الماشية بعيداً عن مكان سكناها. وهكذا يلعب شبك الفرج دور حزام العفّة لمنع إغتصابها. والمرأة التي لم يشبك فرجها تعتبر عاهرة [189] . والبكارة هناك لا تقاس بوجود غشاء البكارة، بل بضيق فتحة الفرج. ففي الصومال يتم دحرجة حبّة ذرة أو سمسم على خياطة الفرج. فإذا إنزلقت دون توقّف، أعتُبِر الختان ناجحاً، وأمّا إذا توقّفت في الثقب، شُق الفرج وأعيد تضييق فتحته [190] . وتقوم البنات في ذلك البلد، حتّى في المدارس، بالكشف عن فروجهن لترى صديقاتهن بأن ثقبهن صغير، علامة على أنهن ليست «شرموطات». وإذا كان الثقب كبيراً تتعرّض البنت للمسبّات وتعود باكية إلى بيتها [191] .

ويلاحظ وجود إرتباط بين ختان الإناث وعادات النوم. ففي المجتمعات التي تمارس ختان الإناث ينام الرجال منفصلين عن زوجاتهم، خاصّة في المجتمع الذي يعرف تعدّد الزوجات. فكل زوجة لها سكنها، وعلى الزوج تداول الليالي بينهن. وبطبيعة الحال يؤدّي تغيّب الزوج إلى حرمان النساء من العلاقة الجنسيّة ممّا قد يدفعهن لممارسة الجنس خارج رابطة الزوجيّة، خاصّة أنهن يعشن في محيط يجمع بين النساء والرجال [192] .

ويشار هنا إلى أن شبك الفرج قد يجرى للفتاة كما يجرى للمرأة عند سفر الزوج وفي حالة الطلاق أو الترمّل بقصد منع العلاقة الجنسيّة. غير أن ذلك لا يمنع ممارسة العلاقة الجنسيّة قَبل أو بعد الشبك. فقد يتم شبك فرج الفتاة التي تغتصب، فتظهر وكأنها عذراء. وهذا هو هم الأهل الوحيد. أمّا ما قد يتركه إغتصابها من آثار نفسيّة، فهذا لا أحد يهتم به. ومن جهة أخرى، قد تفك الفتاة شبك فرجها وتمارس الجنس ثم تعود لشبك فرجها من جديد قَبل الزواج [193] . ويشير طبيب فرنسي عمل في منطقة «عوفار» (جيبوتي) في القرن التاسع عشر بأن مشبوكة الفرج تسارع إلى فك خياطة فرجها بعد رحيل الرجل وتعود وتشبكه عندما تدري أن زوجها على الطريق. فلجامها بهذه الصورة يشعل شهوتها ويقوّي إرادتها في التعدّي على الحدود التي وضعها الرجل عليها. وهكذا تكون النتيجة عكس ما يرجى [194] .

ج) بتر الغلفة والبظر والشفرين

ما بين 80 و85% من النساء المختونات في العالم يتم عليهن بتر الغلفة والبظر معاً أو منفصلين، كلّياً أو جزئيّاً، ويضاف إلى ذلك في بعض الأوقات بتر الشفرين الصغيرين. والذي يقوم بهذه العمليّة يهدف من ورائها تبريد الفتاة بحرمانها من الأعضاء المهيّجة، معتبراً أن ذلك يساعد على الحفاظ على بكارتها ويحميها من الإنزلاق وراء الرذيلة. إنه جزاء وقائي تفادياً للوقوع في الخطأ. وفي بعض القبائل يتم إجراء الختان بعد وقوع الذنب أو عدم الطاعة. وقبائل «موها» في شمال «توغو» تختن البنات التي ترفض الزواج من الرجل الذي أختير لهن [195] .

وما زال مؤيّدو ختان الإناث المعاصرون يردّدون هذه النظرة لختان الإناث. يقول محمّد إبراهيم سالم، رئيس المحكمة العليا الشرعيّة:

«أجمع الفقهاء على إستحسان ختان البنات لما فيه من الحفظ والصيانة من التعرّض للإلتهابات العضويّة والتضخّم في أجهزة التناسل الظاهريّة، والإنفعالات النفسيّة وإثارة الغرائز الجنسيّة التي تؤدّي إلى الإضطراب العصبي في حالة كبتها أو إلى السقوط في مهاوي الرذيلة إذا أطلقت من عقالها، وخاصّة في سن الشباب ونشاط الغدّة التناسليّة» [196] .

ويرى بعض مؤيّدي ختان الإناث بأنه يحمي من شدّة الشبق الجنسي. يقول الدكتور حامد الغوّابي:

«هناك حالات في الطب... هي النيمفومانيا وهي شدّة الشبق في النساء، تكون فيها الحساسيّة عندهن شديدة جدّاً لدرجة يقع فيها الأزواج فريسة المرض، بل تقودهم إلى الموت، وهذه قل أن توجد فيمن إختتن من النساء» [197] .

ويرد الدكتور محمّد رمضان:

«إن عدم وضوح الجانب العلمي في هذا الموضوع جعل بعض الفقهاء يتأثّر بهذه الشائعات دون تمحيص ويبني رأيه عليها دون دليل. فبلغ الأمر ببعض الفقهاء في المذهب الشافعي أن المرأة التي لم تخفض تقع على الرجال في الشوارع من شدّة هيجانها. وهذا مخالف للواقع والعلم. فهذه الحالة - إن كانت موجودة - من الهياج، ليس لها علاقة بهذه الأعضاء أو بوجودها، أو عدم وجودها. بل هي حالة مرضيّة تسمّى مرض الشبق. ونسبة حدوث هذا الإنحراف النفسي بسيطة حتّى الآن. وهو يحدث مثله في الرجال. وهو إنحراف نفسي وليس إنحرافاً عضويّاً جسديّاً. وفيه قد لا تشعر المرأة باللذّة الموضعيّة عند المعاشرة - وهو الغالب - ويحدث لها سواء كانت مختتنة أم غير مختتنة. وهو في علم النفس نوع من الشذوذ يشتمل على إحساس نفسي بالرغبة في هذه الممارسة مع الرجل بكثرة دون إحساس بالشبع أو باللذّة منها. فهي تقصد ذات الفعل نفسه.

ولو تم إستئصال هذه الأعضاء بكاملها، لما تغيّر هذا السلوك عندها. والمرأة العاديّة الكاملة الأعضاء تشعر بعد المعاشرة واللذّة بنوع من الفتور والإسترخاء ولها حد معروف في تكرار المعاشرة خلال اليوم الواحد. أمّا صاحبة هذا المرض - أو صاحبه من الرجال - فلا يوجد عندها ذلك الأمر» [198] .

ونجد هذه النظرة لختان الإناث في كتابات الفقهاء المسلمين القدامى، كما رأينا في القسم الطبّي. وقد أضاف مؤيّدو ختان الإناث المعاصرون إلى تلك الكتابات التأسيس الأصولي معتمدين على قاعدتين فقهيتين.

القاعدة الأولى تقول: «ما يؤدّي إلى الواجب فهو واجب». يقول السكّري عن ختان الإناث: «إن ما يؤدّي إلى الواجب فهو واجب، وكل عمل يؤدّي إلى ستر المرأة وعدم كشفها فهو واجب فضلاً عن كونه فضيلة تحمد عند الله سبحانه» [199] .

والقاعدة الثانية تنادي بضرورة «سد الذرائع». يقول السكّري إن مصلحة المرأة في الختان «مصلحة حاجيّة وليست ضروريّة لأن المرأة غير المختونة ليس بالضرورة أن تنحرف لا سيما إذا كانت حياتها قائمة على أساس من الإسلام. لكن كل ما في الأمر أنها تحتاج إلى الخفاض لرفع المشقّة ودفع الحرج عنها وسد ذريعة وقوعها في المحظور تحقيقاً للمَكرُمَة التي حباها بها رسول الله (ص)» [200] .

وبناءاً على هاتين القاعدتين أضافوا إلى حجج الفقهاء القدامى حججاً أخرى نذكر هنا أهمّها.

حرارة الجو واختلاف شكل الأعضاء الجنسيّة للإناث

يقول إبن الحاج:

«واختلف في حقّهن هل يخفضن مطلقاً أو يفرّق بين أهل المشرق وأهل المغرب. فأهل المشرق يؤمرون به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن» [201] .

وفي عصرنا يقول الدكتور حامد الغوّابي:

«يختلف البرود الجنسي في الأجناس البشريّة. فمثلاً في الشرقيّين نجد أن الحساسيّة متزايدة بخلاف الأجناس الشماليّة فالحساسيّة فيهم أقل وهم لم تجر للنساء فيهم عمليّات الختان» [202] .

وهكذا إستبدل الغوّابي «أهل المغرب» (أي مسلمي شمال إفريقيا والأندلس) بـ«الأجناس الشماليّة» (أي الأجناس الأوروبيّة). فوسّع دائرة ختان الإناث حتّى تشمل دول شمال إفريقيا التي لا تعرف ختان الإناث. واستبدل صاحبنا «وجود الفضلة» بـ«حساسيّة متزايدة».

ويقول عبد الرحمن العدوي، أستاذ بكلّية الدعوة الإسلاميّة بالأزهر:

«بالنسبة لختان البنت فقد إتّفق الفقهاء على أنه مَكرُمَة لها. ومعنى كونه مَكرُمَة، أنه يساعدها على الإحتفاظ بحيائها، ويمنع عنها الدوافع التي تثير الرغبة الجنسيّة لديها. فإن البنت في بلاد المشرق وهي غالباً بلاد حارّة أكثر أيّام العام، إذا لم تعمل لها عمليّة الختان، فإنها مع هذا الجو الحار، تكون ذات رغبة جنسيّة جامحة، تقلّل لديها جانب الحياء وتجعلها عرضة للإستجابة... إلاّ من رحم الله» [203] .

ويجيب الدكتور محمّد رمضان على هذه الحجّة: «إذا كان إدّعاء أن حرارة الجو تهيّج الإنسان، فإنه يستوي في هذا الرجال والنساء، وسواء كانت النساء مختتنات أو غير مختتنات» [204] . وترفض الدكتورة سهام عبد السلام إدّعاء تضخّم أعضاء مواطنات المناطق الحارّة. فـجسد الأنثى في البلدان الحارّة لا يختلف عنه في البلدان الباردة. والزعم بغير هذا يعتبر موقفاً عنصريّاً. فقد «ثبت بفحص النساء السليمات في إفريقيا كذب هذه المزاعم» [205] .

الإحتكاك بالملابس وركوب الدواب

يقول محمّد إبراهيم سالم في الترغيب في الختان:

«هذا الختان الذي إعتبرته الشريعة الإسلاميّة مَكرُمَة هو إزالة الجزء البارز من البظر المرتفع عن البشرة لينخفض إلى مستواها حتّى لا يكون عرضة للتهيّج من الحركة أو الملابس أو ركوب الدواب أو نحو ذلك» [206] .

ويجيب الدكتور محمّد رمضان معارضاً:

«هذا يدل على الجهل الشديد. إن الجسم يتكيّف مع إحتكاك الملابس ولا يسبّب له أيّة إثارة. كما أن هذه الأعضاء داخل الشفرين الغليظين، وليس بهذا البروز الذي يتخيّلون، مهما كان حجم البظر. ثم إن هؤلاء الرجال يتكلّمون وينسون أنفسهم. فلماذا لا يحدث للرجل تهيّج وعضوه أكبر بكثير من عضو المرأة، وأكثر بروزاً واحتكاكاً بالملابس، وأغلبهم يلبسون البنطلون الحديث» [207] .

وسائل المواصلات المزدحمة

يقول الشيخ جاد الحق المؤيّد لختان الإناث:

«أضافوا [الأطبّاء] أن الفتاة التي تعرض عن الختان تنشأ من صغرها وفي مراهقتها حادّة المزاج سيّئة الطبع، وهذا أمر قد يصوّره لنا ويحذّر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم، بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة والزحام التي لا تخفى على أحد، فلو لم تختتن الفتيات على الوجه الذي شرحه حديث رسول الله (ص) لأم حبيبة لتعرّضن لمثيرات عديدة تؤدّي بهن - مع موجبات أخرى، تزخر بها حياة العصر، وانكماش الضوابط فيه إلى الإنحراف والفساد» [208] .

ويرد الدكتور محمّد رمضان معارضاً:

«لو صح هذا المنطق العجيب، أيكون هذا هو الحل - قطع هذه الأعضاء لجميع البنات؟ وهل يا ترى نقصّره على الموظّفات اللاتي يركبن المواصلات؟ ثم إنه مهما بلغ التلاحم في وسائل المواصلات، فلا يصل إلى أن يؤدّي إلى إحتكاك لهذه الأعضاء. فحجم هذه الأعضاء ومكانها من الجسم لا يتيح هذا الأمر، في حين أن أصحاب هذا المنطق لماذا ينسون الرجال؟ فإن أعضائهم أكبر وأكثر بروزاً، وفي موقع يتيح فعلاً الإحتكاك به عند الإلتحام، وهم أكثر تهيّجاً من النساء. فلماذا لا نقوم بتقصير الجزء الحسّاس منه - رأس القضيب مثلاً - أو بكّي عصب الإحساس فيه حتّى لا يتهيّج؟ للأسف، إنهم لا يتكلّمون من واقع الدليل والعلم والعقل، وإنّما بعاطفة العادة المتأصّلة داخلهم، والتي تبحث عن أي سبب يبرّرها لهم، ويقنعهم بها» [209] .

وسائل الإعلام الحديث

يقول أبو آلاء كمال علي الجمل تأييداً لختان الإناث:

«نحن أيها الإخوة نعيش في عصر طغت عليه المادّة وأصبح يموج بشتى ألوان الفجور والفسق من نساء كاسيات عاريات، من دور سينما ومسارح، من وسائل إعلام هدّامة تدعو إلى الفسق والفجور، من مجلاّت وصور، من إذاعة وتلفزيون، وأصبحت المرأة المسلمة محاصرة بحصار من حديد لا تستطيع أن تنجو منه إلاّ من عصم الله [...]

هل تأمن أخي المسلم على زوجتك أو إبنتك في ظل هذا الجو المشحون وأمام هذا التيّار الحاقد الجارف. لقد أمرك رسولك (ص) بتهذيب وتطهير بنتك بقطع جزء يسير من البظر، والذي به تهدّئ ولا تمحى بالكلّية شهوة البنت والمرأة، أم تتركها ببظرها كاملاً وأمام أيّة إثارة بسيطة تؤدّي بها إلى الهلاك ومسالك الشيطان. ماذا لو قامت إبنتك ففتحت التلفزيون ورأت فيلماً به جنس أو إثارة، وهي لم تخفض ولم تختتن؟ فماذا تفعل هذه الفتاة المسكينة؟ إمّا أن تثور شهوتها فتحاول أن تهدّئها فلا تجد أو تمارس العادة السرّية، أو تتّخذ طريق الإنحراف سبيلها. أمّا إذا قوّمنا هذه الفتاة بخفضها لكان هذا أيسر وأسهل عليها وعلينا» [210] .

وهذا القول مبني على النظريّة القائلة بأن ختان الإناث يحمي من العادة السرّية. وقد بينّا خطأها في القسم الطبّي.

إصفرار الوجه والهزل والإحتلام والعصبيّة وعدم تركيزها

يرى مؤيّدو ختان الإناث أن عدم الختان يؤدّي إلى إصفرار الوجه والهزل والإحتلام وعدم تركيزها في الدراسة لشدّة التهيّج وعدم الإشباع وانشغالها بالبظر. ويرد الدكتور محمّد رمضان:

«لماذا لا ينشغل الولد بقضيبه في حين أن البنت تفعل ذلك مع نفسها؟ وفي مصر وغيرها من بلاد العالم مئات وآلاف المتفوّقات غير مختتنات ولسن صفر الوجوه، أو في حالة سرحان، ولا يعانين من الأحلام الجنسيّة! إنها نفس العقيدة المتأصّلة بأن هذه الأجزاء وراء تهيّج الرغبة وحدوث الأحلام الجنسيّة للمرأة. إنه أمر لا علاقة له مطلقاً بذلك، لكنّه التهيّج وإلغاء العقول. وفترة المراهقة بمشاكلها وملامحها عامّة وواحدة، سواء كانت الفتاة مختتنة أم غير ذلك، وسواء كان المراهق فتى أم فتاة» [211] .

ويرفض الدكتور محمّد رمضان القول بأن غير المختنات أكثر حدّة وعصبيّة، نتيجة لهذا الهياج الداخلي:

«بأي دليل يقول ذلك؟ وأي علم معه على ذلك؟! أيقول: إنه الواقع؟ فليأتنا ببحثه الذي يثبت ذلك، بل إن الواقع يكذّبه. فما رأيك في آلاف البنات اللاتي تم لهن الختان وهن عصبيات وأكثر حدّة؟ إن الأمر ليس له علاقة بهذه الأجزاء، وإن حدّة وتقلّب مزاج المرأة خاص بالهرمونات الأنثويّة داخلها وتذبذب مستواها في مراحل الدورة الشهريّة. إننا لو أخذنا بنفس المنطق الأعوج لقلنا إن النساء المختتنات عندهن عصبيّة وحدة أكثر بسبب عدم حصولهن على لذّة الإرتواء أثناء المعاشرة» [212] .

سفر رب العائلة إلى الخارج

يقول أبو آلاء كمال علي الجمل تأييداً لختان الإناث:

«أخي المسلم: في أوائل الثمانينات قام كثير من أبناء مصرنا الحبيبة بالسفر إلى الخارج للعمل وجلب الرزق، وحسب الإحصائيّات يوجد حوالي خمسة ملايين مصري في شتّى بقاع العالم، على أقل تقدير نصف هؤلاء بالطبع ترك زوجته. من يسافر من هؤلاء لا يرجع إلاّ بعد سنة في المعتاد. بالله عليكم ماذا تفعل زوجة هجرها زوجها لمدّة عام كامل أو أكثر في عصر كما قلت ظهر فيه من ألوان الفساد ما ظهر [...]. وبالطبع لو كانت الزوجة قد خفضت فإن ذلك قد يهذّب من شهوتها فتحفظ زوجها وبيتها وكثيراً ما سمعنا من نساء تركهن أزواجهن وسافروا إلى الخارج كم عانين أشد المعاناة من فراق الأحبّة، واللاتي لم يعصمهن دين ولا عقل وقعن فريسة للشيطان» [213] .

ويرد كتاب «مفاهيم جديدة لحياة أفضل» مفنّداً هذه الحجّة:

«بعض الرجال قالوا أن غير المختنة يمكن أن تخون زوجها لو سافر. وهذا قول فيه إهانة للمرأة لأن الفضيلة تنبع من العقل وتعتمد على التربية وهذا الإعتقاد يرجع أيضاً لاحتقار أعضاء التأنيث وربطها بالشر والرذيلة. والحقيقة أن هذا الربط الزائف بين الختان والعفّة هو الذي جعل هذه العادة تستمر حتّى الآن. فهناك إعتقاد بأن الختان يمنع الهيجان الجنسي قَبل الزواج حيث يقولون: «تبقى أعقل وأبرد». وكما قلنا فإن العفّة مرتبطة بالعقل. والتفكير في فرض العفّة بحد السكّين يعتبر عنفاً ضد المرأة لا يفكّر أحد في ممارسة مثله ضد الرجل لكي لا يهتاج قَبل الزواج، مع أن العفّة مطلوبة للجنسين» [214] .

وتشير شهادة لمصريّة مختونة أن ربط ختان الإناث بالعفّة متغلغل في المجتمع المصري:

«الختان عندنا في القرية عادة مرتبطة بشرف البنت. فهو ضمان عفّتها والمسألة تتجاوز الأهل. فالأم التي لا تجري هذه العمليّة لابنتها وتعلن عن ذلك وسط نساء القرية، تعلم أن إبنتها ستتّهم بعد ذلك بالفجور، وربّما لا يتقدّم للزواج منها أحد، لأنها ستكون في نظرهم (عينها بجحة وقليلة الأدب). والأمر لا شأن له بالدين. إنه عرف قوي، وأنا شخصياً لا أجرؤ على عدم ختان بناتي. بتوع مصر [القاهرة] بقدروا، لكن عندنا لا. دي كانت تبقى فضيحة للبنت وأنا لازم أستر عليهم» [215] .

هذا وإن كان مؤيّدو ختان الإناث يرون فيه وسيلة للكبح الجنسي والحفاظ على الفضيلة، يرى معارضوه بأن في هذا القول إتّهام لغير المختونات بالفجور. يقول الدكتور محمّد رمضان:

«ليعلم هؤلاء أن أغلب بنات ونساء المسلمين في العالم العربي والإسلامي - ما عدا مصر والسودان وبعض الدول الإفريقيّة - لا يقومون بختان البنات وهن مثلنا في مصر غير فاجرات أو منحرفات. إن هذا إتّهام فاسد وظالم للمرأة، يعاقب عليه الشرع، كما أننا سنجد كثيراً ممّن يحترفون البغاء في مصر - قديماً وحديثاً - قد أجريت لهن عمليّة الختان. فلماذا لم تعصمهن من الإنحراف؟ إن قطع البظر لا يسبّب عفّة أو إستقامة، وتركه لا يسبّب فجوراً وانحرافاً أو هيجاناً» [216] .

كما أن معارضي الختان يرون أن ختان الإناث قد يؤدّي إلى نتيجة معاكسة تماماً لما ينتظره مؤيّدوه. فبدلاً من حمايتهن من الإنحراف، قد يؤدّي الختان إلى إنحرافهن [217] . ويرد عبد السلام السكّري على هذا القول:

«كيف يسوغ لطبيب مسلم أن يسمح لنفسه بأن يدّعي باطلاً في مواجهة المرويّات النبويّة ومنها قوله (ص) «الختان سُنّة للرجال ومَكرُمَة للنساء». فالرسول يصف خفض الإناث بأنه مَكرُمَة وإعفاف لهن، والطبيب المسلم يصفه بأنه إنحراف؟ ثم ما يلبث حتّى يقذف الناس جزافاً فهل يستطيع أن يقيم دليلاً على أن المنحرفات هن المختونات؟» [218] .

الفصل الخامس: الختان والزواج

إن كان ختان الذكور والإناث وسيلة للكبح الجنسي في نظام يحرّم العلاقة الجنسيّة خارج الزواج، فإن بعض الثقافات تعتبره أيضاً وسيلة لإعداد الرجل والمرأة لهذا الزواج. فالختان، في نظرها، يفصل الجنسين ويحدّد هويّتهما الذكوريّة والأنثويّة، وعمليّة تجميليّة تساهم في إنجذاب الرجل إلى المرأة، وشرط من شروط الزواج. كما أنها تعتبره وسيلة للخصوبة أو على العكس وسيلة لتحديد النسل. وهذا ما سوف نراه الآن.

1) الختان كعمليّة تمييز بين الذكور والإناث

كان المصريّون القدامى يعتقدون بأن آلهتهم مزدوجي الجنس، ذكوري وأنثوي. وعلى غرارها يحمل الرجل في طيّاته معالم أنوثيّة تتمثّل في غلفته، والمرأة معالم ذكوريّة تتمثّل في بظرها. وحتّى تتم ذكورة الرجل وأنوثة المرأة يجب إجراء الختان لهما لبتر هذه المعالم الخارجة عن طبيعتها [219] .

ونجد إعتقاداً مماثلاً عند الجماعات البدائيّة الإفريقيّة، ينبع من ملاحظات واقعيّة، مثل وجود مخنّثين، تم تضخيمها وصياغتها في أساطير. فتعتقد قبائل «دجون» و«بمبارا» أن الإنسان كان في بداية أمره مخنّثاً. وبعد فصل الجنسين عن بعضهما بقي عند كل منهما أثر من الجنس الآخر، تتمثّل في بظر المرأة وغلفة الرجل، تسكن فيهما قوّة شرّيرة تدعى «وانزو» تؤدّي إلى الفوضى. وبعد الختان يستتب السلام ويتم عزل الجنسين عن بعضهما تماماً [220] . ويتبع الختان فصل للجنسين على المستوى الإجتماعي. فيترك الصبي المختون نهائيّاً كوخ أمّه ليلتحق بأبيه ويسكن معه، ويحق له الأكل من ثمر صيده، والمشاركة في صنع الأقنعة المقدّسة والنشاطات الدينيّة. وفي قبيلة «باكوكو» في الكمرون يغيّر الشاب إسمه ويعطى كوخاً ويسلّمه أبوه زوجة. أمّا الصبيّة المختونة، فتمرّن في المهمّات المنزليّة وتلتزم كوخ أمّها. ولا يحق للمختون أداء أعمال النساء، كما لا يحق للمختونة أداء أعمال الرجال. فلكل منهما دوره الإجتماعي [221] .

ويتم التعبير عن هذا الإعتقاد ضمن طقس الختان. ففي قبائل إفريقيا الجنوبيّة تدعى البنت غير المختونة «صبياً»، وترتدي ملابساً رجّاليّة، وتضع بعضهن في أرجلهن أجراس من حديد يستعملها الصيادون لتخويف الأسود في الغابة، ويحملن في بداية طقس التدريب الذي يتم فيه الختان قضيب إصطناعي يحاولن به ممارسة العلاقة الجنسيّة مع رفيقاتهن. وأمّا الصبي غير المختون، فيدعى «الصبيّة الجديدة»، ويرتدي ملابس نسائيّة ويحمل على صدره ثدي إصطناعي [222] .

وتعبّر بعض القبائل عن الذكر والأنثى قَبل الختان برقم 7، وهو مجموع صفات الأنثى (الشفرين الصغيرين والكبيرين) مع صفات الذكر (القضيب والخصيتين). وبعد الختان، يقفز الذكور ثلاث مرّات والإناث أربع مرّات تعبيراً عن إنفصال الجنسين عن بعضهما، فيصبح الصبي رجلاً، والفتاة إمرأة دون شوائب من الجنس الآخر. ويمكنهما عند ذلك الإتّحاد من خلال الزواج ليكّونا من جديد الرقم 7. فالزواج يعبّر عنه برقم 7 الذي هو تعبير عن الثمر والحياة والذكاء والكمال البشري [223] .

ويقول المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان أن الجماعة من خلال الختان تقوم بتقليد أشد ما تخافه، وهو تأنيث الذكر. فحتّى لا يحدث هذا، يتم قطع جزء من القضيب كقربان للقوى المعادية للذكورة حتّى لا يتم فقد كل القضيب [224] . ويضيف أن الطفل المختون يخرج من عالم النساء «غير الطاهر» ليلتحق بعالم الطهارة والرجولة والصلاة. ويصبح أكثر إحساساً بهويّته الإجتماعيّة والجنسيّة [225] .

ولم نجد أي صدى لهذه الإعتقادات في كتابات الفقهاء المسلمين القدامى. إلاّ أنها ما زالت منتشرة عند نساء مصر. ففي إحدى الأبحاث الميدانيّة أكّدت 5% منهن أن هذه العمليّة تجرى للفتاة من أجل إكتمال أنوثتها وإزالة العضو القبيح [226] . وفي شهادة لإحدى المختونات المصريّات جاء ما يلي:

«تزوّجت ولم تكن قد أجريت لي عمليّة ختان. ومنذ الأيّام الأولى لزواجنا أخذ زوجي يعيّرني بذلك، ويلقي باللائمة علي رغم أنه لم تحدث معاشرة كاملة منه حيث لم يحدث له إنتصاب - رغم كل محاولاته والحبوب التي تناولها. وأخبره البعض أنه «مربوط»، وأن البعض عمل له عمل. وكان أوّل ما واجه به أمّي عندما قابلها «انتو مجوّزني راجل مش ست - إشارة إلى عدم ختاني - ثم أصر على أخذي للطبيب وأجرى لي علميّة الختان. وانتهت مشكلته تقريباً بعد عدّة أسابيع. لكني ظللت أعاني من هذه العمليّة وآثارها علي في المعاشرة» [227] .

وتقول ماري أسعد أن أحد أسباب ختان الإناث هو المحافظة على العادات الأسريّة، تلك العادات التي تبنى على أن المرأة لا تكتمل أنوثتها إلاّ إذا تخلّصت من هذا الجزء القبيح من جهازها التناسلي. وهو نفس التقليد الذي يجعل المرأة تعاير زميلتها التي لم تجر عليها هذه العمليّة وتشبّهها بالرجل، ممّا يجعلها غير صالحة للزواج [228] . وتشير الدكتورة سهام عبد السلام إلى إعتقاد بأن الختان يجعل الفتاة أكثر أنوثة: «فيقول الناس أن الفتاة التي لا تمارس عليها هذه العمليّة تتحوّل إلى ذكر «البنت تذكر». وتبالغ بعض الخرافات فتقول إن البظر لو لم يقطع فسوف ينمو حتّى يصل إلى حجم رقبة الأوزّة» [229] .

ونجد صدى لنظريّة إزدواج الجنس عند فرويد والكاتبة الفرنسيّة «اليزابيت بادانتير» [230] . إلاّ أن عالم الجنس، الدكتور جيرارد تسفانج، ينتقد هذه النظريّة التي برّرت بتر الأعضاء الجنسيّة، ويرى فيها تعبيراً عن الغباء المطبق. فالإنسان يولد إمّا ذكراً أو أنثى كما هو الأمر عند كل الحيوانات اللبوءة، ولا يوجد إلاّ عدد قليل جدّاً من الشواذ في هذا المجال [231] .

2) الختان كعمليّة تجميليّة جاذبة جنسيّاً

أ) إختلاف النظرة للجمال

إهتم الإنسان كثيراً بإعطاء مظهر جميل لنفسه حتّى يلقى قبولاً من الغير، وخاصّة من الجنس الآخر. وتحتل وسائل التجميل مثل أصباغ الوجه مكاناً كبيراً في ميزانيّة كل بيت.

وتختلف النظرة الجماليّة في المجتمعات البدائيّة من مجموعة إلى أخرى فيما يخص البدانة أو النحالة، ولون الجلد، وشكل الرأس والفم، وحجم وطول الثديين. وكثيراً ما يتم اللجوء للوشم والتخديش. وعندما سئل رجل ما إذا كانت هذه العمليّات مؤلمة، أجاب: «بطبيعة الحال مؤلمة، ولكن أيّة بنت تنظر لهذه العلامات لو لم تكن مؤلمة» [232] . وهذا يوضّح علاقة السادومازوشيّة بالإثارة الجنسيّة.

وتختلف النظرة الجماليّة أيضاً في المجتمعات الأكثر تقدّماً. فتذكر الأحاديث الشيعيّة أن ثقب أذن الطفل وختانه، ذكراً كان أو أنثى، هو من السُنّة. أمّا في أيّامنا، خاصّة في الشرق العربي، فنحن عادة نحتفظ بختان الذكر ونستهجن ثقب أذنه، بينما نثقب أذن الفتاة ونستهجن ختانها. وفي بعض مقاطعات سويسرا يعتبر وضع الحلق في إحدى أذني الشاب دلالة على التخنّث بينما في مقاطعات أخرى يعتبر ذلك نوع من العادات الجماليّة. ويقوم اليوم شباب وشابّات الغرب بثقب الأنف والحاجب والشفة واللسان وغيرها من الأعضاء لإمرار حلقة فيها معتبرين ذلك تجميلاً بينما تأنف الأكثريّة من تلك الموجة الجنونيّة التي تعبث بجسم الإنسان. وتمس عمليّات التجميل في الغرب جميع أعضاء الجسم، وتجرى على الصغار مثل الكبار، مثل تصحيح الأنف أو شد جلد الوجه أو تقليل حجم الثدي أو تشكيل الفخذين. وقد قدّر مقال عدد الذين تم عليهم عمليّات تجميل في الولايات المتّحدة عام 1997 بـ 700.000 شخص، بزيادة قدرها 70% عن السنين الأربعة الأخيرة. وقد يكون الرقم الحقيقي ضعف هذا الرقم [233] .

ب) الختان كتجميل للأعضاء التناسليّة الذكوريّة

لاقى العضو التناسلي للذكور إهتماماً في كل العصور فكان وما زال محل عبادة بين بعض المجموعات. وقد صوّر أو نحت على أشكال مضخّمة. وقد تدخّل الإنسان لكي يعطيه مظهراً يتّفق ومعاييره الجماليّة الخاصّة التي تختلف حسب المكان والزمان، شداً أو بتراً، بحثاً عن اللذّة الجنسيّة وإرضاءاً للنساء. وكل مجموعة تسخر من تصرّفات المجموعات الأخرى.

وخصّص الشيخ النفزاوي (توفّى عام 1324) فصلاً في كتابه «الروض العاطر» عنونه: «في ما يكبّر الذكر الصغير ويعظّمه» [234] . ومن قَبله بقرون عرض كتاب «كاماسوترا» الشهير وسائل مختلفة يلجأ لها الرجال في الهند لزيادة اللذّة الجنسيّة من خلال تضخيم القضيب أو تطويله أو ثقبه [235] .

وعند بعض القبائل الهنديّة، يتم سحب الغلفة وإدخالها في حلقة من العاج أو مادّة أخرى لمنع إنتصاب القضيب. وتزال الحلقة عند التبوّل، وفي الليل تضعها الزوجة في إصبعها. ويسير الرجال هناك في السوق بين النساء وهم لابسون تلك الحلقة دون أي حرج. وعند المصارعين اليابانيين كثيراً ما يتم سحب الغلفة لإرجاع الحشفة إلى كيس الصفن، ثم يفتلون الغلفة ويربطونها بحيث لا تظهر الحشفة. فهم يعتقدون أن كشف الحشفة تضعف قواهم الجسديّة. وقد ذكرنا أن اليونانيين والرومان كانوا يعتبرون كشف الحشفة في الساحات الرياضيّة مخالفاً للذوق. وقد إقترح الطبيب الروماني «شيلسوس» عمليّتين لشد الغلفة «لأجل الزينة» [236] .

وفي «الفليبين» و«ميلانيزيا» و«بورنيو» هناك من يثقب الحشفة ويمرّر فيها قضيباً من معدن أو عظم في سُمك عود الثقاب. وترفض النساء في تلك المناطق العلاقة الجنسيّة مع رجل ليس له مثل ذلك القضيب. وفي «سومترا» في إندونيسيا يتم إدخال حجارة صغيرة أو عاج أو قطع صدف تحت جلد القضيب. وتقوم بعض القبائل الأستراليّة بشق مجرى البول وتعمل فيه فتحة تشبه فتحة الفرج [237] . وفي قبائل «كيكويو» الكينيّة يتم شق الغلفة مع الإبقاء عليها ملتصقة بالقضيب لكي يتم إستعمالها كفرشاة لإثارة اللذّة عند شريكة العلاقة الجنسيّة في مهاجع الإستمناء الجماعيّة التي تنظّم بين الشابّات والشباب في تلك القبيلة والتي تتم في بيت ديني منعزل مخصّص لذلك [238] .

وقد وجدت بعض التماثيل الصغيرة المصريّة ترجع إلى العصور القديمة لذكور يلبسون غمداً على القضيب. وكان الإله «بيس» عند المصريّين يلبس مثل هذا الغمد [239] . وتستعمل قبائل «غينيا الجديدة» وبعض قبائل هنود البرازيل غمداً مشابهاً مع أشكال مزخرفة، يسلّم للشاب عندما يناهز سن المراهقة فيبقى معه طول الحياة. ويعتقد أن للغمد قوّة حماية سحرّية، وهو على كل حال يعطي صورة تفخيم للقضيب.

وإذا أتينا إلى أصحاب «الديانات السماويّة»، نجد أن اليهود والمسلمين يعتبرون الغلفة نجسة يجب قطعها. وليس في مؤلّفات اليهود والمسلمين القديمة أيّة إشارة إلى جمال القضيب المختون، ولكن إذا ما تكلّمت مع اليهود والمسلمين، تسمعهم يقولون بأن القضيب المختون أجمل من القضيب غير المختون. وتمدح إحدى المجلاّت النسائيّة الأمريكيّة الواسعة الإنتشار القضيب الملتوي الذي يميل إلى الشمال أو اليمين، جاهلة أن مثل هذه الظاهرة عيب ناتج عن عمليّة جراحيّة فاشلة تم خلالها حرمان القضيب من جزء كبير من جلده يمنعه من الإنتصاب بصورة مستقيمة [240] . وتعرض المجلاّت الخليعة عامّة صوراً لذكور مختونين. فحشفة المختون تكون ظاهرة حتّى في حالة إسترخاء القضيب، ويكون جلد القضيب مشدوداً عند الإنتصاب بسبب قطع جزء منه. وهناك مجموعة ألمانيّة تدعو للختان لإعتقادها أن القضيب المختون أجمل من القضيب غير المختون [241] .

ويرفض معارضو ختان الذكور الإدّعاء بأن الختان يعطي صبغة جماليّة للقضيب، معتمدين في ذلك على معايير النحّاتين والرسّامين في العصر اليوناني والروماني وعصر النهضة الأوروبيّة. فقد صوّر ونحت هؤلاء القضيب في حالة غير مختونة، حتّى عندما يكون الشخص قد ختن. فرسموا الطفل يسوع في حضن أمّه غير مختون، رغم معرفتهم أنه كان مختوناً. وكذلك نحت «ميكيل انجلو» تمثال داود العاري غير مختوناً. فهؤلاء الفنّانون أرادوا التعبير عن جسم كامل وليس جسم مبتور. فقد كانوا ينظرون إلى الختان كعمليّة تشويه [242] . وقد أشرنا في الجدل الطبّي إلى حركة تساعد في إسترجاع الغلفة لأسباب عدّة منها السبب الجمالي معتبرة أن القضيب المختون ليس جميلاً إذ يخالف الطبيعة [243] .

وإذا ما نظرنا إلى مخاطر عمليّة الختان التي تفرض في بعض الأحيان على الطبيب ترقيع جلد بدلاً من الجلد الذي يزال، أو تترك ندباً في الجلد، أو تشوّه الحشفة، فلا يمكننا إعتبار الختان عمليّة تجميل بل عمليّة تشويه لخلق الله.

ج) الختان كتجميل للأعضاء التناسليّة للإناث

تختلف النظرة الجماليّة بخصوص الأعضاء التناسليّة عند الإناث كما عند الذكور. وهناك نوعان متناقضان من التدخّل لتغيير شكل الفرج لاعتبارات جماليّة جنسيّة: مد غلفة البظر والبظر والشفرين، أو إزالتهما جزئيّاً أو كلّياً وخياطة الفرج.

ففي قبائل «هوتينتو» تطلب الأم من بنتها قَبل بلوغ الحيض شد شفرها يومياً حتّى تبلغ قدر إصبعها الصغير. وفي قبائل «جيسو» تعلّق الفتيات أحجاراً بشفرها لكي تطول حتّى تصبح مثل عرف الديك الرومي. وإذا رفضت الفتاة إجراء ذلك، تعاتبها أمّها بأنها كسولة وستبقى مثل الثقب. ويطلق على الشفرين عبارة «مفولي» أي «المئزرة» ويتراوح طولها ما بين 5 و20 سنتمتر بعد المط. وفي حالة الجماع، يحيط الشفران بقضيب الرجل كما يحيط القفّاز باليد. ويرفض الرجال من قبيلة «جاندا» و«سواحيلي» الزواج من إمرأة دون «مفولي» [244] . وتقوم فتيات بعض قبائل «البينين» بين عمر تسعة وإحدى عشر سنة، أي عندما يبدأ الثدي بالظهور، بتدليك ومد البظر والشفرين الصغيرين تحت إشراف إمرأة أوكلت لها. وهذه العمليّة تدوم على الأقل لمدّة سنتين. ففي ذاك البلد تعتبر الأشفار الصغيرة الرقيقة دميمة [245] . وتتواجد ظاهرة مد البظر والشفرين أيضاً عند النساء السوداوات في مدينة «ساو باولو» في البرازيل [246] . وفي قبائل «كيكويو» الكينيّة، يتم قطع جزء من البظر ثم يجذب الباقي ليلتئم في المهبل. ومثل هذه العمليّة كانت تتم في باريس في السبعينات من القرن العشرين بين الطبقات العليا لزيادة اللذّة الجنسيّة خلال الجماع [247] .

وعلى عكس ما سبق، هناك من يلجأ إلى تقليص حجم الأعضاء الجنسيّة عند الإناث وتضييق فتحة الفرج. فعند قبيلة «اوبانجي» أسطورة تقول إنه بعد شفاء أوّل شخص ختن، ويدعى «باجانزا»، رفض الجماع مع زوجته معتبراً أن فرجها لا يلائمه. فذهبت هذه إلى «زورو» راجية أن يفعل لها ما فعل لزوجها. فقام «زورو» ببتر شفريها الصغيرين وبظرها. إلاّ أنه أصيب بالعمى بعد هذه العمليّة. ولذلك تجري إمرأة عجوز عمليّة ختان الإناث في تلك القبيلة ويمنع الرجال من مشاهدتها حتّى لا يفقدوا بصرهم [248] .

وقد قال محاضران في مؤتمر دكار لعام 1984 إن أكثريّة النساء في دولة «البينين» يجرين بتر البظر لاعتبارات جماليّة. فتجد الفتاة صعوبة في الزواج إذا لم تختن كما أنها تلاقي المهانة عندما تلد خارج مراكز الصحّة بسبب بظرها غير الجميل [249] . وفي «نيجيريا» تبرّر بعض النساء ختان بناتهن بقطع بظرهن لأنه «ضخم وبشع» [250] .

ونجد ذِكراً لختان الإناث كوسيلة تجميليّة في مصر في القرن السادس بعد المسيح في كتابات «أيتوس» الذي كان طبيباً في البلاط البيزنطي [251] . وقد إعتبر الرحّالة الإسكتلندي «جيمس بروس» في القرن الثامن عشر أن الختان يجري في إفريقيا لأسباب جماليّة. فهو يقول:

«أن البظر الذي سترته الطبيعة تماماً في مناخنا، يكبر ويطول في وسط إفريقيا بصورة لا تصدّق إلى درجة أنّه لا يوحي إلاّ بالإشمئزاز وقد يؤدّي إلى مساوئ أخرى تخالف مقاصد الطبيعة. وبما أن المشرّعين في كل زمان وبلاد قد أعطوا إهتماماً كبيراً للإنجاب، تم الحُكم على ضرورة بتر جزء يضر بسبب تضخّمه المشوّه. ولذلك يخضع كل المصريّين والعرب وكل الأمم في وسط إفريقيا والأحباش [...] بناتهم للختان [...] قَبل أن يصلن إلى سن الزواج».

ويروي هذا الجوالة كيف حاول المبشّرون الكاثوليك في مصر في القرن السابع عشر منع هذه العادة بين الأقباط الذين تحوّلوا لطائفتهم تحت طائلة الحرمان الكنسي لأنهم إعتبروها عادة يهوديّة. ولكن البنات الكاثوليكيات اللاتي لم تختن كن، عندما أصبحن مراهقات، «مشوّهات بصورة قبيحة جدّاً ظاهرة للعيان» لدرجة أن الرجال كانوا يتقزّزون من الزواج منهن. وهكذا تحوّل الرجال الكاثوليك عن بنات طائفتهم مفضّلين الزواج من بنات الطوائف الأخرى حرّرهن الختان من هذا «التشويه الطبيعي». وقد أدّى ذلك إلى سقوطهم ثانية في الهرطقة. وعندما رأى المبشّرون أن المتحوّلين للكاثوليكيّة سيتناقصون وأن منع عادة يفرضها المناخ يحد من نجاحهم، رفعوا القضيّة إلى «مجمع الدعوة» في روما. فأرسل الكرادلة جرّاحين متمرّسين للتحرّي. فقرّر هؤلاء أن حرارة المناخ أو أسباب طبيعيّة أخرى على ضفاف النيل تؤدّي إلى نمو مفرط في الأعضاء الجنسيّة للنساء تجعلها مختلفة تماماً عمّا يرى في أماكن أخرى، وأن لا شك في أن هذه الظاهرة تقزّز الرجال، وأن هذا يناقض الهدف الذي من أجله يجرى الزواج. وبناء على هذا التقرير سمح «مجمع الدعوة» بممارسة ختان الإناث على شرط أن تعلن الفتاة وأهلها بأن هذه العمليّة لا تجرى بنيّة تنفيذ عادة يهوديّة بل لأن عدم الختان يمنع الهدف من الزواج ممّا يستوجب القضاء على ذلك التشويه بكل الوسائل [252] .

وقد ربط بعض الفقهاء المسلمين القدامى بين ختان المرأة والجمال. ونعيد هنا قول لابن الحاج سبق أن ذكرناه: «واختلف في حقّهن هل يخفضن مطلقاً أو يفرّق بين أهل المشرق وأهل المغرب. فأهل المشرق يؤمرون به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن» [253] .

والسؤال الذي يطرح هو: هل هناك حقيقة إختلاف في شكل الأعضاء الجنسيّة لدى إناث بعض المناطق يستوجب ختانهن لأسباب جماليّة؟

يقول «راشيفيلتز» إن فرج المرأة الإفريقيّة عامّة أكثر نتوءاً وأضيق وأكثر عمقاً من فرج المرأة الأوروبيّة (16 سنتمتر بدلاً من عشرة)، وأن الشرج أطول وفتحة البول أعلى ممّا يسمح لها بالتبوّل وقوفاً مثل الرجل [254] . ولكن الدراسات على أرض الواقع أثبتت بطلان المبالغات التي ذكرت حول الأعضاء الجنسيّة للإناث الإفريقيّات. فالأبحاث العياديّة التي أجريت في إثيوبيا في مراكز مراقبة الإنجاب لم تثبت هذه النظريّة [255] . وقد يكون وصف الطبيب العربي الزهراوي هو الأقرب دقّة في هذا المجال. فقد كتب يقول:

«البظر ربّما زاد في القدر على الأمر الطبيعي حتّى يسمج ويقبح منظره وقد يعظم في بعض النساء حتّى ينتشر مثل الرجال ويصير إلى الجماع. فينبغي أن تمسّك فضل البظر بيدك أو بصنّارة وتقطعه ولا تمعن في القطع ولا سيما في عمق الأصل لئلاّ يعرض نزف الدم ثم تعالجه بعلاج الجراحات حتّى يبرأ. وأمّا اللحم النابت فهو لحم ينبت في فم الرحم حتّى يملأه وربّما خرج إلى خارج على مثال الذنب ولذلك يسمّيه بعض الأوائل المرض الذنبي فينبغي أن تقطعه كما تقطع البظر سواء وتعالجه حتّى يبرأ» [256] .

وهذا يعني وجود حالات تشويه خلقي إستثنائيّة بالإضافة إلى تفاوت أحجام الأعضاء الجنسيّة من سيّدة إلى أخرى كما هو الأمر في أعضائها الأخرى، لا يتعدّى حجمها نطاقاً معيّناً. والجمال في حجم الفرج يبقى أمراً نسبياً. وقد كان العرب يفضّلون ضخامة الفرج كما يذكر التجاني (توفّى بعد عام 1309) في كتابه «تحفة العروس ومتعة النفوس» الذي نقتبس منه الفقرة التالية: «لم يختلف أحد في إستحسان ضخامة الفرج وكبره، ومن إختلف في إستحسان السمن والضمور وكبر الثدي ووفور العجيزة أو توسطها لم يختلف في هذا، بل جميعهم متّفق على أن الفرج مهما إزداد ضخامة ووفوراً إزداد حسناً واستحق تفضيلاً ومدحاً» [257] . ويقول في مكان آخر: «وقد ذموا بصغر الفرج وهجوا به وعدّوه في أوصاف النساء المذمومة وقالوا: إمرأة قَعِرة إذا كانت قليلة الفرج» [258] .

ولو إكتفى الكتّاب المسلمون الحاليّون بتأييد ختان الإناث في حالات التشويه الخلقي الشاذّة، لما كان أحد يلومهم. والمشكلة تكمن في أنهم يؤيّدون إجراء الختان على جميع النساء دون إستثناء، معتبرين ذلك صبغة جماليّة.

ففي تفسيره للحديث: «الختان مَكرُمَة للنساء»، يقول الإمام شلتوت إن ختان الذكور هو سُنّة لأن إعتبارات صحّية تحكمه. أمّا ختان الإناث، بسبب عدم وجود الإعتبارات الصحّية، فإنه يعتبر مَكرُمَة «ولعّل ذلك يرجع إلى أن تلك «الزائدة» من شأنها أن تحدث عند الممارسة مضايقة للأنثى، أو للرجل الذي لم يألف الإحساس بها، ويشمئز منها» [259] . ويقول الدكتور عبد الصبور شاهين عن ختان الإناث: «أن الإسلام مسلكه يحقّق للمرأة في هذا المكان نوعاً من الجمال الذي تفقده لو طال «المكان» زيادة على الحد المعقول والمقبول» [260] . ورغم هذا الكلام الذي يفيد إجراء الختان في حالات إستثنائيّة، فإن هذا المؤلّف لم يتصدّى لختان الإناث الذي يجرى على 97% من نساء مصر. وليس هناك من يصدّق بأن هذا العدد الهائل من النساء قد طال عندهن البظر «زيادة على الحد المعقول والمقبول».

ويرفض معارضو ختان الإناث إعتبار هذه العمليّة عمليّة تجميليّة. يقول القاضي صلاح محمود عويس:

«عمليّات التجميل التي أصبحت ضمن الجراحات الطبّية يقصد بها إصلاح عضو أو تقويمه أو إزالة زائد فيه أو بمعنى آخر محاولة إعطاء عضو من أعضاء الجسم أو جزء منه الشكل الطبيعي الفطري. وهذه هي الغاية من عمليّة التجميل. فهل يتّفق ذلك مع عمليّة الختان وهي في كل صورها تعتبر تغييراً للشكل الطبيعي للعضو التناسلي للأنثى حسب فطرته التي خلقه الله عليها. بالطبع لا. ومن ثم فلا تكون هذه العمليّة بمثابة تجميل. بل هي في حقيقتها إنتهاك لجسد الأنثى وتشويه لعضو فطري به» [261] .

ونشير هنا إلى أن الغرب مارس ختان الإناث لخفض البظر في حالة الإعتقاد بوجود تشوّه طبيعي عند البنت إذا كان طويلاً. فهناك تخوّف عند بعض النساء بأن لا يكون بظرها كبيراً بما فيه الكفاية أو ضخما أكثر من الطبيعي. ويتدخّل الأطبّاء حين ذاك بوسائل شتّى من بينها إعطاء الهرمونات أو إجراء العمليّات الجراحيّة لتحسين الوضع. ولكن هناك إتّجاه يقول بأنه من الصعب معرفة ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي إذ إن ما يقال عنه طبيعي لا ينطبق على أكثر من 15% من الناس [262] .

ونشير هنا إلى أن مؤيّدي الختان الفرعوني (شبك الفرج) يعتبرنه أيضاً عمليّة تجميليّة. هذا ما بيّنته دراسة ميدانيّة أجريت في الصومال حيث يعتبر الفرج المخاط والأملس جميلاً، وهذا يتّفق وفكرة أن المرأة يجب عليها أن تنتف عانتها [263] . ويفسّر الكاتب المغربي عبد الحق سرحان نتف عانة المرأة حتّى تصبح ملساء مثل البيضة بأنه نابع من الممارسة الجنسيّة الشاذّة للرجال. فالمرأة ملساء الفرج تهيّجهم لأنها تذكّرهم بالشرج الأملس. والمرأة تقوم بنتف عانتها طاعة لرغبات الرجال الجنسيّة [264] .

وترفض كاتبة إفريقيّة الإدّعاء بأن ختان الإناث يعطيها صبغة جماليّة. فالندب الناتجة عنه لا يمكن إعتبارها وسيلة للجمال. فالفرج المختون، خاصّة على الطريقة الفرعونيّة، منظره مخيف. ولكنّها تضيف أن الجمال هو في عين الناظر. فقد تم تعويد مؤيّدي ختان الإناث على إعتبار الفرج المختون أجمل من الفرج غير المختون. وهي ترى بأنه حتّى في الحالات النادرة حيث تكبر الأعضاء الجنسيّة عند المرأة، فإن النظرة غير المتحيّزة لا يمكنها أن تعتبرها قبيحة أو مزعجة [265] .

ونشير هنا إلى أن بعض الأطبّاء في كوريا الجنوبيّة يبرّرن الإخلاف بين النسبة العالية للختان في بلدهم والنسبة المنخفضة له في اليابان وأوروبا على أساس أن القضيب الكوري يختلف عن القضيب الياباني والأوروبّي، وهو أمر لا أساس له من الصحّة [266] .

3) الختان كإعداد وشرط للزواج

رأينا فيما سبق أن مؤيّدي الختان إعبتروه وسيلة للتمييز بين الذكور والإناث وعمليّة تجميليّة. وهم بذلك يعتبرونه إعداد للزواج وشرط من شروطه.

أ) ختان الذكور كإعداد وشرط للزواج

رأينا في الجزء الأوّل أن كلمة ختان ذات صلة بكلمة الختن، وهو الزوج. وفي بعض الجماعات، يتم الختان قَبل الزواج مباشرة [267] . وبالرجوع إلى المعتقدات القبليّة البدائيّة نرى علاقة بين ختان الذكور والزواج. فقد برّر شيخ من قبيلة «نسو» في «الكمرون» عمليّة الختان كما يلي:

«إن القضيب غير المختون شديد الحساسيّة. فبمجرّد دلك القضيب يمكن لغير المختون أن يجد اللذّة التي أجدها أنا وأنت في العلاقة الجنسيّة مع المرأة. وهذا الرجل غير المختون قد لا يحس الحاجة للزواج وإذا ما حدثت محنة فإنه قد يفضّل الإختفاء لدلك قضيبه بدلاً من الإندفاع لدفع الخطر. وقد يصبح مثل التيس يشم رائحة الأنثى من بعيد ويندفع نحوها بصورة جنونيّة» [268] .

ويعتقد بعض الباحثين أن ختان الذكور مرتبط بمنع الزواج بين المحارم. فهناك أساطير بدائيّة إبطالها رجال أو نساء يتزوّجون مع محارمهم. ثم ما يلبث أحدهم أن يكسر هذا الطوق العائلي بالزواج مع إمرأة من خارج المحارم، ويصاحب ذلك تعدّي على قضيب القريب حتّى يخسر المعركة في مواجهة الغريب. وفي بعض القبائل، تحتفظ الأخت بغلفة أخيها مجففة في عنقها وكأن ذلك برهان على تحرّرها من سلطة أخيها وحرّيتها في الزواج من غير أخيها. ورفض نساء بعض القبائل الزواج من رجال غير مختونين هو، في رأيهم، من متبقّيات ذلك التحوّل [269] .

وهناك من يرى في «خاتم» الزواج الذي نستعمله اليوم تعبيراً عن «الختان». فكان الرجل يهب لزوجته غلفته هديّة منه لها تضعها في إصبعها. وعندما إكتشف الإنسان المعدن، إستمر في إستعمال الخاتم ولكن على شكل معدن بدلاً من الغلفة. وفي بعض القبائل الإفريقيّة كان المقاتل يرسل أجزاء من ضحيّته لمحبوبته. وتذكر لنا التوراة طلب شاول من الملك داود تقديم 200 غلفة فلسطينيّة كمهر لزواج إبنته [270] .

وفي الأوساط التقليديّة لدولة «البنين»، يعتبر الختان أهم حدث في حياة الشاب. فبعد ختانه تتغيّر حالته الإجتماعيّة. وغير المختونين يعتبرون من الطبقة السفلى. ولا تقبل إمرأة الزواج من شاب غير مختون [271] . وفي قبيلة «كزهوسا» في جنوب إفريقيا، لا تقبل فتاة تحترم نفسها الزواج من شاب غير مختون. وفي تلك القبيلة يتم الختان بين عمر 18 و22 وقد يتأخّر الختان بعد هذا العمر [272] .

ويقول المؤلّف اليهودي «فيلون» إن المصريّين كانوا يختنون كل من الذكر والأنثى عندما يبلغون سن الرابعة عشر، أي عندما يبدأ «الخطيب» بالإمناء و«الخطيبة» بالعادة الشهريّة [273] .

وقد ذكرنا في الجزء الثاني كيف أن اليهود يحرّمون زواج اليهوديّة من غير المختون [274] . ونحن نجد صدى لهذا الفكر اليهودي عند بعض الفقهاء المسلمين. فهم يحرّمون زواج المسلمة من مسلم غير مختون، كما يحرّمون على المسلم غير المختون الزواج من الذمّية ويرفضون ولايته في تزويج نفسه أو في تزويج إحدى نسائه. وما زال بعض الكتّاب المسلمون يعيدون علينا هذه القاعدة ويسمحون للمرأة المسلمة التي تتزوّج من مسلم غير مختون أن تطلب من القاضي طلاقها منه [275] .

وتشير بعض الأنباء أن الإرهابي كارلوس أحب فتاة سودانيّة وأراد التزوّج منها فاشترطت عليه أن يختتن. فدخل المستشفى لإجراء تلك العمليّة وبينما هو هناك ألقى البوليس السوداني القبض عليه وسلّمه للفرنسيين. ويقول المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان: في المخيّلة التقليديّة المغربيّة من غير الممكن تخيّل إقامة علاقة جنسيّة بين إمرأة ورجل غير مختون. فالختان يعطي للرجل الطهارة. والعلاقة الجنسيّة مع غير المختونين يساوي التجديف [276] .

ويذكر عبد الوهاب بوحديبة: «تقبّلت تونس في السنوات الأخيرة إحتمال زواج المسلمة بغير المسلم، والغريب أن ما إستهجنه البعض إنحصر في كيفيّة مضاجعة رجل غير مختن لامرأة مسلمة» [277] . ويضيف أن ختان الذكور والإناث عادة يتّبعها المسلمون وليست فرضاً إسلامياً ويبدو ذلك جليا من الأهمّية المضفاة على مغزاها الإجتماعي الذي يجعل وجهها القدسي أمراً ثانوياً. فالختان يصاحبه إحتفالات صاخبة تشبه إلى حد بعيد حفلات الزفاف، فأسلوب الإستعداد يكاد يكون واحداً. بل تحمل الأيّام نفس الأسماء فيطلق على الليلة السابقة للختان في تونس ليلة الوطية إشتقاقاً من الوطء. وكذلك الإحتفالات التي تسبق يوم الختان مثل يوم الحناء والذهاب إلى الحمّام وزيارة الحلاّق ويوم الراحة. ويبدو الأمر وكأن إحتفالات الختان محاكاة لتلك المزمع إقامتها في يوم العرس، لتضاهي التضحية بالغرلة إفتضاض بكارة العروس. وكلمات الأغنية الشعبيّة الخاصّة بهذه المناسبة تبيّن ذلك: «ديالك مطاهر وعقبال العروس وحصانك يولول ما بين الغروس» [278] . ويشار هنا إلى أن الصحف الجزائريّة تطلق على إحتفال الختان تعبير «إحتفال زواج الختان» [279] .

ب) ختان الإناث كإعداد وشرط للزواج

بالرجوع إلى المعتقدات والممارسات القبليّة البدائيّة نرى علاقة بين ختان الإناث والزواج كما هو الأمر مع ختان الذكور.

تقول أسطورة لقبيلة «دوجون» الإفريقيّة أن الإله «أمّا» قبض على مصران مليء بطين فخّاري ورماه. فتكوّنت الأرض على شكل إمرأة مضطجعة على ظهرها، وجهها إلى السماء. وكانت أعضاؤها الجنسيّة شبيهة بوكر نمل يعلوه البظر. وعندما أراد الإله «امّا» مضاجعة مخلوقته المرأة، إستقام بظرها وكأنه قضيب يوازي قضيب الإله مانعاً العلاقة الجنسيّة. فقام الإله بقطعه ثم جامعها. وهذا الإعتقاد هو أساس لعمليّة ختان الإناث في تلك القبيلة التي ترى فيها شرطاً للزواج [280] .

وقد شرح إفريقي سبب ختان الإناث قائلاً بأن الله خلق بظر المرأة لكي تتمتّع به جنسيّاً قَبل الزواج من خلال الإستمناء. وعندما تكبر وتصلح للزواج، يقطع بظرها حتّى تتوقّف عن الإستمناء. وعند ذلك تحس بنقص في اللذّة فتميل للزواج بحثاً عن لذّة الجماع مع زوجها. ولذلك يرى أن بتر البظر يعمل حسب قصد الله. وعندما سئل لماذا تقطع بعض القبائل البظر، بينما تنفخه قبائل أخرى لتعطيه مظهراً كبيراً؟ أجاب لأن كل قبيلة لها آلهتها ولذلك تختلف العادات باختلاف الآلهة [281] .

وهناك مجتمعات في كينيا وأوغندا وغرب إفريقيا تستطيع فيها الفتاة الإنجاب خارج العلاقة الزوجيّة لإثبات خصوبتها. وبعد الإنجاب، يتم ختانها إعداداً للزواج [282] . وفي نيجيريا يتم ختان الإناث عامّة ما بين اليوم الثامن وبضعة شهور من عمر الفتاة. ولكن هناك من يقوم بهذه العمليّة قَبل الزواج أو في الشهر السابع من حملها [283]

وقد أوضحت ممثّلة لجنة النساء الغينيّات في مؤتمر دكار لعام 1984 أن الفتيات المختونات تبقى سويّة في غرفة واحدة أو في الغابة المقدّسة لمدّة شهر حتّى يشفى الجرح. وتقوم إمرأة عجوز أو ذات خبرة بمراقبتهن وتعليمهن النظام والقصص والأغاني الشعبيّة ودور المرأة كربّة بيت وأم عائلة. وبعد خروجهن من هذه العزلة، يتقدّم لهن من يطلب يدهن فيتزوّجن [284] .

وإن كان ختان الإناث هو شرط للزواج في المجتمعات التي تمارسه، فإن المجتمعات التي تمارس مد البظر والشفرين وتوسيع الفرج تعتبر ذلك أيضاً شرطاً للزواج كما ذكرنا في الفقرة الخاصّة بالجمال. فلا يقبل أحد التزوّج من فتاة لم يتم عليها هذه العمليّة. وكلّما طال بظرها وشفراها، كلّما زاد نصيبها في الزواج [285] .

وإذا إنتقلنا إلى مصر، نجد علاقة بين ختان الإناث والزواج في برديّة كتبها باليونانيّة كاهن مصري يرجع تاريخها إلى عام 163 قَبل المسيح [286] . وذكرنا أعلاه نص «فيلون» حول ختان الذكور والإناث عند المصريّين. كما ذكرنا رواية الرحّالة الإسكتلندي «جيمس بروس» حول محاولة المبشّرين الكاثوليك في مصر في القرن السابع عشر منع ختان الإناث على أتباعهم ولكنّهم تراجعوا عن هذا المنع عندما رفض الرجال الزواج من النساء الكاثوليكيات غير المختونات. هذا وقد أفادت دراسة أجريت على قرية دير البرشا ذات الأغلبيّة المسيحيّة التي تخلّت عن ختان الإناث أن أكثريّة الناس كانوا يرفضون مساعدة الغير في عدم ختان بناتهم وكان سبب رفضهم هذا ما يلي: «كل واحد يحكم على بيته. لنفرض أنني نصحت أم بعدم ختان بنتها ثم لم تتزوّج فماذا سيكون موقفي؟» وهناك من يعيد عليك قصّة الفتاة التي أعادها زوجها إلى أهلها بعد الزواج لأنها لم تكن مختنة» [287] .

وفي السودان، تلقّن الفتاة منذ صغرها عبارات تفيد بأن لا أحد سيقبل الزواج منها إن لم تختن. وتلبس إستعداداً لختانها أجمل ثيابها وحليّها وتحنّي كفّيها وقدميها وتتعطّر، ويطلق عليها في بعض الأحيان لقب «العروسة» [288] . وتشير المؤلّفة «لايتفوت كلاين» بأن أحد زعماء القرى السودانيّة قد طالب الناس هناك بإجراء «ختان السُنّة» بدلاً من «الختان الفرعوني». ولكنّهم رفضوا ذلك لأن الرجال لا يقبلون الزواج بامرأة غير مغلقة الفرج [289] .

وتقول الصوماليّة «واريس ديري»: «إن المرأة غير المختونة تعتبر غير طاهرة، يسيطر عليها الجنس ولا يمكن تزويجها. في ثقافة بدويّة كالتي تربّيت فيها لا مكان للعزباء. وتظن الأمّهات أن من واجبهن عمل كل ما يمكنهن حتّى يكون لبناتهن أكبر حظ تماماً كما تفعل العائلات الغربيّة التي تصر على إرسال فتياتهن إلى أفضل المدارس» [290] .

هذا وإن كان الزواج هو الهدف المقصود من ختان الإناث، فقد يستخدم كوسيلة لحصر الزوج في إطار محدود. فقد أخبرت مهاجرات صوماليات سيّدة سويسريّة أن ختان الإناث ضروري لكي يقبل الرجل الزواج من بناتهن. فالرجل يريد أن يكون أوّل من يدخل إمرأته. فأشارت السويسريّة بأن الفتيات الصوماليات قد تتزوّج من شباب سويسريين لا يشترطون ذلك. عندها خيّم سكوت على الصوماليات وشحبت الوجوه وكأن هذه الحجّة أعطتهن سبباً إضافيّاً لختان بناتهن حتّى لا يتزوّجن من سويسريين بل من صوماليين [291] .

4) الختان والإنجاب

أ) ختان الذكور والخصوبة

يرى «بتلهايم» أن الختان من مخلّفات العصور القديمة التي كانت تسيطر عليها النساء. فكان الرجل في تلك العصور يقدّم أعضاءه الجنسيّة للإلهة الأم، إلهة الخصوبة، واضعاً نفسه تحت حمايتها، آملاً رضى النساء عنه. ثم تحوّلت التضحية بالأعضاء الجنسيّة إلى تضحية بجزء من تلك الأعضاء يتمثّل في الغلفة [292] .

ويضيف «بتلهايم» أن المجتمعات القديمة لم تكن تعي كيفيّة تكاثر النسل والغلّة. فكانت تلجأ للسحر للوصول إلى تلك الغاية. فقد أخرج موسى الماء من الصخر بضربة عصا (الخروج 1:17-7). وكانت رسومات الحيوانات الحوامل في المغارات المغلقة التي يتم الوصول إليها من خلال شق يشبه رحم المرأة كجزء من طقوس سحرّية القصد منها إكثار تلك الحيوانات. وطقس التدريب الديني الذي يشمل الختان يتم في جوف الغابة. وفي طقوس الخصوبة عند القبائل الأستراليّة يرسم الرجال على أجسامهم الحيوانات التي يريدون إكثارها. وقد يقصد بالتغيير الذي يقومون به على أجسادهم من خلال الختان إكساب أنفسهم الخصوبة. هذا وقد صاحب ختان إبراهيم وعد بإكثار النسل: «ها أنا أجعل عهدي معك فتصير أبا عدد كبير من الأمم» (التكوين 4:17). ولم يكن الختان هو الطقس الوحيد الذي يلجأ إليه الإنسان كوسيلة سحرّية للتكاثر. فعند قبائل «أيرلندا الجديدة» طقوس يتم فيها تنظيم مواكب تحمل فيها تماثيل رجال لها قضيب ضخم وثديي نساء [293] .

وعلاقة الختان بالخصوبة واضحة في أساطير المصريّين القدامى. فإحدى تلك الأساطير تحكي أن الإله «رع» الذي يمثّل الشمس قد ولد إله الهواء «شو»، وإلهة الرطوبة «تفنوت» إمّا بإتّحاده مع نفسه أو بالإستمناء أو بختان نفسه. وفي الفصل السابع عشر من كتاب الموتى نقرأ هذا النص:

«من يكون هذا إذاً؟ إنه «اوزيرس»، أو كما يقول آخرون «رع» هو إسمه. عضو «رع» الذي به خلق نفسه [...] ماذا تكون هذه إذاً؟ إنها قطرات الدم التي سقطت من عضو «رع» عندما بتر نفسه. لقد انبثق إلى الوجود كإلهين هما «حو» و«سا» اللذان يسيران في ركب «رع» ويصطحبان «تمو» كل يوم على الدوام» [294] .

وفي نصوص أخرى يفسّر لون الشفق الأحمر بهذا الحدث الأسطوري. وهناك تميمة مصريّة تبيّن بزوغ الشمس بين تلّين بشكل عضو الإله «رع» المختون [295] .

وقد أدّت أسطورة ايزيس واوزيرس إلى عبادة عضو الإله اوزيرس واهب الخصوبة. فالمصريّون القدامى كانوا يعتقدون أن الإله هو الذي يهب الخصوبة التي تتمثّل في فض بكارة النساء من خلال الكاهن الذي ينوب عنه. فنقرأ في الفصل 168 من كتاب الموتى: «اوزيريس هو سيّد القضيب ومفتض بكارة النساء إلى الأبد». ولهذا السبب كان المصريّون يهبون عذراء إلى الإله النيل. وقد إستمرّت هذه العادة حتّى فتح عمرو بن العاص مصر عام 641. وقد ذكر الرحّالة «تيفينو» أنه حضر موسم وفاء النيل في 18 أغسطس 1657. فبعد أن ضحّوا بخراف، رموا في النهر تمثال رجل وتمثال إمرأة. وحتّى يومنا هذا ما زال المصريّون يحتفلون بعيد وفاء النيل فيرمون فيه لعبة من خزف تلبّس مثل العروس تدعى خطيبة النيل [296] .

وقد رأى المؤلّف اليهودي «فيلون» أن الهدف الأهم من الختان هو تقوية العضو التناسلي وزيادة النسل. فالمني يتّخذ طريقه مباشرة إلى مهبل الأنثى دون أن يسيل خلال ثنايا الغلفة. ولهذا السبب فإنه يرى أن الشعوب التي تختتن هي عادة أكثر نسلاً وعدداً [297] . ويظهر أن «فيلون» المختون يجهل رجوع الغلفة خلف الحشفة عند الإنتصاب.

وقد ربط الدكتور صالح صبحي في كتابه الصادر عام 1894 بين الختان والخصوبة:

«إن الختان عند الأولاد هو قطع الغلفة. ولا داعي بيان فائدة هذه العمليّة. فإذا ما قطعت بعض أغصان الشجرة، فإن الشجرة تصبح أقوى. فالمد الذي كان عليه أن يمر من خلال أغصان ضعيفة وغير مثمرة سيقوّي بعد القطع الأغصان التي تحمل الثمر. وهكذا، فإن الغذاء الذي يوفّر بقطع الغلفة التي لا فائدة فيها ينتقل إلى الخصيتين ويقوّي المني» [298] .

ونشير هنا إلى أن النساء عامّة يبعدن عن مشهد ختان الذكور في القبائل الإفريقيّة. ويُستَثنى من ذلك النساء العواقر لاعتقادهن أن ذلك يساعد على الحمل [299] . وعند اليهود يحضر الموهيل معه إلى طقس الختان نساء عواقر حتّى دون إذن أهل المختون. كما أن عندهم عادة وضع قنّينة ماء تحت كرسي إيليّا خلال الختان فتعطى لامرأة عاقر لنفس الهدف [300] . ويذكر المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان إن سيّدة إبتلعت غلفة صبي وقد حملت وولدت طفلاً بعد سنة [301] . ويذكر «موريس بلوخ» أن القرعة التي تصاحب عمليّة الختان عند قبائل «ميرنيا» في مدغشقر ترمى بعد الختان بعيداً فيتراكض نحوها الحضور ذكوراً وإناثاً كل منهم محاولاً الحصول على جزء منها ليضعه تحت السرير إعتقاداً منهم بأن هذا يزيد في إحتمال الحمل [302] .

وهناك قبائل إفريقيّة كثيرة تعتبر كل من ختان الذكور والإناث وسيلة لزيادة الإنجاب ويصاحبه عامّة تثقيف جنسي وتقوية الأعضاء الجنسيّة [303] . إلاّ أن قبيلة «نجميلة» تعتقد أن المرأة التي تلمس دم الختان تصبح عاقراً ويطلق على هذا الدم إسم «بتوتو» الذي يعني «الإجهاض» [304] .

ب) ختان الإناث والخصوبة

تعتقد بعض القبائل في نيجيريا أن البظر عضو خطير يؤذي رأس الطفل إذا مسّه. فقد يموت الطفل أو يصيبه مرض إستسقاء الرأس. ولهذا السبب يتم ختان المرأة في الشهر السابع من الحمل إذا لم تكن مختونة قَبل الحمل. وهناك إعتقاد في بوركينا فاسو أن بظر المرأة يجعل الرجل عنيناً أو قد يموت خلال العلاقة الجنسيّة. وفي مناطق ساحل العاج يعتقد أن الإمرأة غير المختونة لا يمكنها أن تنجب [305] . وهناك أسطورة تقول بأن الفرج له أسنان تضر بالرجل. وأن البظر هو أخر سن فيه فيجب قلعه [306] . وتعتقد بعض القبائل بأن الختان يزيد في الخصب، وأن البنات اللاتي يتزوّجن بعد الختان يحملن سريعاً، وإن الإفرازات التي تنتج عن البنت غير المختونة تقتل الحيوانات المنويّة الذي يضعها الرجل في رحمها [307] .

وفي مصر يعبّر عن البظر في العاميّة بأنه الزنبور أو زنيب (وهي إبرة الزنبور). وما يقطع من المرأة يسمّى فضلة. أي أن البظر خطير ولا فائدة منه في آن واحد. وبالإضافة إلى قطعه هناك عمليّات كثيرة للحد من ضرره مثل التمائم السحرّية وغسله بصورة خاصّة أو مسّه بأشياء مختلفة [308] . ويعتبر موسم وفاء النيل الوقت المناسب لختان البنات. وتلف الأجزاء التي تقطع على هيئة حجاب وتربط بخيط حول رقبة الفتاة. ثم ترمى في زمن الفيضان إعتقاداً بأن أيّة فتاة لا تلقيها في النيل تبقى عانساً بغير زواج. أو أنها إذا تزوّجت فإنها لا تنجب أطفالاً على الإطلاق، أو حتّى إذا أنجبت أطفالاً فإن أولئك الأطفال لا يعيشون أو يموتون صغاراً. وما زالت هذه العادة تمارس في صعيد مصر [309] .

وبين الحجج التي يتناقلها الناس في مصر أن ختان الإناث يسهّل عمليّة الولادة لأن البظر والشفرين يسدّان المهبل. ويرد كتاب «مفاهيم جديدة لحياة أفضل» على هذا القول إن عدم المعرفة بالتشريح هو الذي يدفع لهذا الإعتقاد. فالأعضاء الجنسيّة تعلو المهبل ولا تسدّه. كما أنها تتكوّن من نسيج مرن قابل للتمدّد مع خروج رأس الجنين ممّا يسهّل الولادة، بعكس النسيج الليفي الذي يحل محلّها عندما يلتئم جرح الختان. فهو نسيج صلب قد يتمزّق ويسبّب نزفاً وألماً للأم [310] .

وإن كان البعض يعتقد بوجود علاقة بين ختان الإناث والخصوبة، فإن قبائل أخرى تلجأ إلى شد البظر والشفرين حتّى تطولان كما أنها توسّع فتحة الفرج إعتقاداً منها أن هذا يساعد في خصوبة المرأة [311] .

وخضوع المرأة إلى بتر الأعضاء الجنسيّة أو شدّها كوسيلة لضمان الإنجاب لا يختلف عمّا كان يتم في إحتفالات الخصوبة الرومانيّة Lupercalia في 15 فبراير من كل عام. ففي تلك الإحتفالات كان الشباب يتراقضون في الشوارع ومع كل واحد منهم سوط مصنوع من جلد أحد ضحاياهم يضربون به كل النساء اللاتي يلاقونهن. وكانت النساء يكشفن عن أعضائهن الجنسيّة لتلقّي الضربات إعتقاداً بأنها تساعدهن على الإنجاب. والآلهة المصريّة ذات الرمز الذكوري تحمل سوطاً تعبيراً عن إعتقاد قديم بأن العلاقة الجنسيّة التي ينتظر منها الإنجاب هي عمل ديني يتم في حضور الآلهة ويفرض على المرأة بالسوط. ومن بقايا هذا الإعتقاد تقف إمرأة حاملة سوطاً بجانب المختونة في مراسيم الختان لدى بعض القبائل [312] .

وبطبيعة الحال يمكن إعتبار القول بأن الختان يساعد على الخصوبة أو عدمها أمر غير عقلي ومنافٍ للتفكير السليم وللعلم. ولكن يجب أن تقاس الأمور بمستوى التفكير لدى الجماعات. ويكفي هنا التذكرة بالطبيب البريطاني «بيكر براون» الذي كان يعتقد أن بتر البظر يشفي من الصرع. وما زال فكره يؤثّر على الفكر الطبّي في الولايات المتّحدة. فإن كانت الصفوة في الغرب قد وقعوا في شباك الأوهام وما زالوا حتّى يومنا هذا يمارسون ختان الذكور، فكيف يمكن معاتبة النساء الأمّيات في المجتمعات البدائيّة حيث لا توجد نساء غير مختونات يمكن التحقّق منهن من عكس ما يعتقدن؟ [313]

ونشير هنا إلى أن قبيلة «يرقوم» السودانيّة التي تبنّت حديثاً ختان الذكور تفرض على زعمائها والذكور من عائلته عدم الختان لاعتقادها أن ذلك يؤدّي إلى جفاف القمح. أمّا في قبيلة «فون»، فإنهم لا يختنون إلاّ الصيّادين منهم [314] .

ج) ختان الإناث وتحديد النسل

لقد رأينا أن ختان الإناث بأشكاله المختلفة قد أستُعمِل كوسيلة للكبح الجنسي والحد من العلاقة الجنسيّة قَبل الزواج أو في حال تغيّب الزوج. وهذا بحد ذاته نوع من تحديد النسل وتنظيمه. وقد ربط بعض الباحثين هذا الهدف بشح الموارد الإقتصاديّة في منطقة معيّنة.

يذكر الطبيب «جوسوم» محادثة جرت في نهاية القرن التاسع عشر مع شخص من قبائل «عفارة» (جيبوتي) حول السبب الذي من أجله يتم ختان الإناث على طريقة شبك الفرج. فأجاب بأن البنات في تلك المنطقة يرغبن سريعاً في العلاقة الجنسيّة، ولمنعهن من ذلك يتم ختانهن حتّى لا يتكاثر النسل. فلو تركت الفتيات كما هن سوف ينجبن بنات وبنين يركضون في السهل بأعداد أكثر من أعداد الغنم والخراف. وهذه المنطقة لا تكفي لإطعام عدد مثل هذا. وقد أخبره محدّثه أن الناس يتصرّفون ليس لإرضاء الله، ولكن لأنهم يعتقدون بفائدة تصرّفهم. فهم يضعون القبعة على رؤوسهم ليس إرضاء لله، بل لحماية رؤوسهم من حرارة الشمس. وكذلك الأمر فيما يخص شبك فرج المرأة الذي يهدف إلى تقليل نسلها [315] . ويشير هذا الطبيب أن التوراة ذكرت أن آدم وحوّاء قد غطّيا أعضاءهما الجنسيّة بورق تين ليحجباها عن الأنظار. ثم مع تكاثر البشر، توسّعوا في تغطية الجسم بملابس. ثم تم اللجوء إلى شبك الفرج تدريجيّاً كمانع للعلاقة الجنسيّة للحد من النسل بسبب ضعف الموارد الغذائيّة لدى بعض الجماعات [316] . وترى «لايتفوت كلاين» أن ختان الإناث الفرعوني وسيلة لتحديد النسل في مناطق كانت سابقاً خصبة ثم أصابها الجفاف والتصحّر [317] .

وهناك بعض المعلومات تفيد أن الأتراك كانوا يجرون ختان الإناث على طريقة شبك الفرج على العبيد الإناث حتّى لا يحملن. ويشار هنا إلى أن أشد أنواع ختان الإناث كان متواجد في القرن التاسع عشر بمحاذاة الطرق المارة بالسودان إلى الحبشة التي كانت تسلكها قوافل تجّار العبيد في إفريقيا، وأن مناطق مصادر العبيد لم تكن تمارسه، بينما كانت تمارسه المناطق التي كانت تستقبل العبيد [318] .

وتعتقد قبيلة «يروبا» أن مني الرجل يجري في حليب الأم ويضر بالطفل. فتلجأ إلى ختان الإناث كوسيلة لمنع الحمل إعتقاداً بأن ذلك يساعدهن على الإمساك عن العلاقة الجنسيّة ووقاية حليبهن من التلوّث بمني الرجل [319] .

هذا وقد يلعب ختان الإناث بحد ذاته دور تحديد النسل حتّى وإن لم يكن هذا هو الهدف منه. يقول الدكتور أحمد شوقي الفنجري:

«إكتشف بعض أطبّاء أمراض النساء والولادة أن أكثر من 70% من حالات العقم بين النساء في مصر بالذات تعود إلى عمليّة الختان التي تجرى عند حلاّق الصحّة. فهذه الآلات الملوّثة والأيدي الملوّثة والبيئة الملوّثة ثم هذه اللبخات والأقمشة التي يضعها الحلاّق لوقف النزيف تؤدّي كلّها إلى التلوّث. وتنشّط الميكروبات وتصل إلى المهبل عن طريق غشاء البكارة ومنه إلى الرحم ومنه إلى قناة فالوب فتسبّب التهاباً وانسداداً. وهذه القناة إذا سدت فإن البويضة لا تصل إلى الرحم ويحدث العقم» [320] .

ويذكر الدكتور «كوك» أن ما بين 20 إلى 25% من حالات العقم في السودان ترجع إلى الختان الفرعوني لإحداثه إلتهابات تضر بالأعضاء التناسليّة للنساء [321] . ويضاف إلى ذلك أن هذا الختان يؤدّي إلى نسبة وفيّات عالية للأطفال والنساء بسبب ضيق الفرج ومضاعفات الولادة عند المختونات [322] .

الفصل السادس: الختان والنظام القَبلي والطائفي

بعد الإنتهاء من عرض علاقة الختان بالجنس والزواج ننتقل إلى دائرة أوسع وهي علاقة الختان بالنظام القَبلي الطائفي، وهما نظامان متّحدان في التاريخ إذ إن القبيلة عامّة تجتمع حول دين واحد وعادات واحدة، تربط بين أفرادها عصبيّة واحدة. والختان يساعد في تقوية هذه العصبيّة بشكل أو آخر. فقد يكون علامة إنتماء وتمييز وتعارف، وعلامة عهد وتضامن، وعلامة طهارة وتعالي، وعلامة تدريب وامتحان، وعلامة إنتماء طبقي، وأخيراً وسيلة لدفع العنف وحماية المجتمع. وهذا ما سوف نراه في النقاط التالية.

1) الختان كعلامة إنتماء وتمييز وتعارف

تلجأ الدول اليوم إلى البطاقة الشخصيّة وجواز السفر للتعرّف على مواطنيها. أمّا القبائل، فكانت تلجأ في الماضي إلى وضع علامة جسديّة مميّزة، وما زالت تلك العلامة تستعمل في التعرّف على ملكيّة الحيوانات.

ذكرت التوراة أن الله قد وضع علامة لقابيل بعد قتله أخيه هابيل «لئلاّ يضربه كل من وجده» (التكوين 15:4)، ولكنّها لم توضّح طبيعة هذه العلامة. كما فرضت التوراة علامة للعبيد: «إذا إشترى [العبري] عبداً عبريّاً، فليخدمه ست سنين، وفي السابعة ينصرف حراً مجّاناً [...]. وإن قال العبد: قد أحببت سيّدي وامرأتي وبني فلا أنصرف حراً، يقدّمه سيّده إلى الله، ويقدّمه إلى الباب أو دعامته، ويثقب سيّده أذنه بالمثقب، فيخدمه للأبد» (الخروج 2:21، 5-6). وفي مكان آخر تفرض التوراة هذه العلامة بالنسبة للعبيد الذكور والإناث (تثنية 16:15-17). ويقول المؤرّخ اليوناني هيرودوت إن العبد الهارب من سيّده إلى معبد هيراكليس المقام على الشاطئ الكانوبي من نهر النيل كان يحمل علامة، قد تكون الختان، توضّح أنه مكرّس لإله فلا يمسّه أحد [323] .

وأوّل مرّة تذكر فيها التوراة الختان تعتبره علامة «عهد» بين الله وإبراهيم ونسله. ولحاملي هذه العلامة حقوق حدّدتها التوراة ما زلنا نعاني منها حتّى يومنا، أي الحق في إغتصاب أرض فلسطين: «سأجعل عهدي بيني وبينك [...]. وأعطيك الأرض التي أنت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل أرض كنعان، ملكاً مؤبّداً [...]. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختتن كل ذكر منكم [...]. وأي أغلف من الذكور لم يختن في لحم غلفته، تفصل تلك النفس من ذويها، لأنه نقد عهدي» (التكوين 17: 2، 8، 10، 14). وقد ذكرنا في الجزء الثاني أن غير المختون عند اليهود يعتبر نجساً، ولا يحق له المشاركة بالأعياد، أو أن يدخل الهيكل أو حتّى أورشليم، ولا يقبل زواجه من يهوديّة ولا يناسب، ولا يحق معاشرته ولا دفنه في مقابر اليهود، ولا نصيب له في الآخرة.

ورغم أن كثيراً من اليهود لا يؤمنون بالتوراة ككتاب منزل، فإنهم يستمرّون في إجراء الختان، ليس لوازع ديني، بل لخوفهم من عدم الإنتماء للجماعة اليهوديّة. فيعتبر الختان جزءاً من الهويّة اليهوديّة. ويعتبر تحدّي الختان تحدّياً لبقاء اليهود ذاته. وإذ يعلم اليهود المعارضون للختان ذلك، فإنهم يحاولون إقناع اليهود بأن ترك الختان لا يؤثّر على إنتمائهم للجماعة اليهوديّة. فيشيرون إلى أن الشريعة اليهوديّة تعتبر يهوديّاً كل من يولد من أم يهوديّة، سواء كان مختوناً أم لا. وقد أبقت النساء اليهوديّات على هويّتهن اليهوديّة رغم 4000 سنة دون ختانهن. والختان ليس حكراً على اليهود، فالمسلمون وكثير من المسيحيّين وغيرهم يختتنون. ولم يمنع الختان عدداً من الشباب من ترك الإيمان اليهودي. وبدلاً من أن يضعف ترك الختان الهويّة اليهوديّة فإنه قد يقوّيها إذ على اليهودي أن يثبتها بأسلوب آخر [324] .

ويعتبر المسلمون أيضاً الختان علامة إنتماء وتمييز. فقد قدح الفقهاء المسلمون في صلاة وإمامة وحج وشهادة وذبيحة وزواج المسلم الذي يرفض الختان، كما رفضوا دفنه في مقابر المسلمين، ومنهم من رأى قتله. وفي عصرنا شرّع شيخ الأزهر جاد الحق القتال ضد الجماعة التي تتخلّى عن ختان الذكور والإناث [325] . ويذكر هنا أن أحد الفرنسيين المناضلين مع الشعب الجزائري قد طلب دفنه في مقبرة المسلمين. فهدّد المسلمون بنقل موتاهم إذا ما فرض عليهم وجود جثمان رجل غير مختون بينهم. ولحل المشكلة تم بتر غلفته قَبل دفنه [326] . ويشير المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان أن غير المختون لا يعتبر منتمياً للإسلام [327] .

ونجد هذا الأمر أيضاً في المجتمعات الإفريقيّة التي تمارس ختان الذكور والإناث. فتعتبر تلك المجتمعات غير المختون غريباً وغير مقبولاً. وقد رأينا سابقاً أن الختان شرط للزواج عندها. وخلافاً لختان الذكور، يلاقي ختان الإناث معارضة متزايدة في الأوساط الإفريقيّة. ولا تجهل هذه المعارضة أهمّية الإندماج الإجتماعي، ولكنّها تريد أن لا يكون ثمن هذا الإندماج غالياً ومشروطاً بختان الإناث. وتشير إلى أن تغيير العادات لا يعني هدم المجتمع، بل تحسين الحياة للجميع [328] .

2) الختان كعلامة عهد وتضامن

ذكرنا أن التوراة إعتبرت الختان علامة «عهد». ويسمّيه اليهود بالعبريّة: «بريت ميلا»، أي «عهد القطع». والعرب تقول: «قطعت عهداً»، بمعنى «عاهدت»، وقد تكون هذه العبارة مأخوذة من اليهود. فالختان إذاً تعهّد يؤخذ على الأعضاء التناسليّة من خلال قطعها. وتذكر التوراة في نصّين صورة أخرى غير دمويّة للتعاهد على الأعضاء التناسليّة:

«وشاخ إبراهيم وطعن في السن [...]. وقال إبراهيم لأقدم خدّام بيته، المولّى على جميع ماله: ضع يدك تحت فخذي، فأستحلفك بالرب، إله السماء وإله الأرض، أن لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا مقيم في وسطهم [...]. فوضع الخادم يده تحت فخذ سيّده وحلف له على ذلك» (التكوين 1:24-9).

«ولمّا دنا أجل إسرائيل [يعقوب]، دعا إبنه يوسف وقال له: إن نلت حظوة في عينيك، فضع يدك تحت فخذي وأصنع إلي رحمة ووفاءً: لا تدفني بمصر، بل إذا إضطجعت مع آبائي فاحملني من مصر وادفني في مقبرتهم. قال: سأفعل كما قلت. فقال له: إحلف لي!. فحلف له يوسف» (التكوين 29:47-31).

وعبارة «ضع يدك تحت فخذي» (بالعبريّة: تحت وركي) عبارة منمّقة تشير إلى وضع اليد على الأعضاء الجنسيّة لحلف اليمين عليها كما نحلف اليوم على الكتب المقدّسة أو على رأس عزيز غالي. ويشير موسى إبن ميمون إلى طبيعة الختان كعهد وتضامن، ليس بين الله واليهود فقط، بل بين اليهود فيما بينهم. يقول:

«وفي الختان أيضاً عندي معنى آخر وكيد جدّاً وهو أن يكون أهل هذا الرأي كلّهم، أعني معتقدي توحيد الله، لهم علامة واحدة جسمانيّة تجمعهم، فلا يقدر من ليس هو منهم يدّعي أنه منهم، وهو أجنبي، لأنه قد يفعل ذلك كي ينال فائدة، أو يغتال أهل هذا الدين. وهذا الفعل لا يفعله الإنسان بنفسه، أو بولده إلاّ عن إعتقاد صحيح. لأن ما ذلك شرطة ساق أو كيّة في ذراع، بل أمر كان مستصعباً جدّاً جدّاً. معلوم أيضاً قدر التحابب والتعاون الحاصل بين أقوام كلّهم بعلامة واحدة وهي بصورة العهد والميثاق. وكذلك هذه الختانة هي العهد الذي عهد إبراهيم أبونا على إعتقاد توحيد الله. وكذلك كل من يُختن إنّما يدخل في عهد إبراهيم والتزام عهده لاعتقاد التوحيد: لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك (سفر التكوين 7:17). وهذا أيضاً معنى وكيد مثل الأوّل في تعليل الختان، ولعلّه أوكد من الأوّل [أي تقليل النكاح]» [329] .

وما زال هذا الفكر مسيطراً عند اليهود. فيعتبر اليهودي أنه يتم في إبنه ما قد تم عليه وما تم على أبيه وأجداده. وبالإضافة إلى الألم الذي يحس به الطفل، فإن الكبار يشعرون بهذا الحدث بألم جماعي. فهم يعترفون بأن هذا التصرّف غير منطقي وقاس، ولكنّهم جميعاً يوقفون عمل عقولهم ويخضعون له كوسيلة للإرتباط بالجذور. الختان إذاً خروج عن الذات للدخول في المجموعة وتخلّي عن العقل الفردي لأجل التضامن الجماعي [330] .

ويتم الختان في المجتمعات البدائيّة عامّة على مجموعة فتيان وفتيات ينتمون إلى عمر معيّن، فيخلق بينهم علاقة أخويّة أقوى من علاقة الأخ مع أخيه [331] . ويرى عالم نفس يهودي أن المجتمعات الإفريقيّة التي لا تختن تعاني من ضعف نفسي لعدم تمكّن أفرادها من التماسك بينهم [332] . وتشبّه كاتبة إفريقيّة ختان الإناث بعهد الدم المعروف في كل المجتمعات إذ يتم خلط الدماء تعبيراً عن التضامن. فهو يؤدّي إلى الصداقة والوحدة أمام العدو بين المختونات. ولكنّها تتساءل ما إذا كان هناك وسائل أخرى يمكن فيها خلق التضامن غير بتر البظر [333] .

ويذكر «موريس بلوخ» أن قبائل «ميرنيا» في «مدغشقر» تعتبر الختان طقس بركة يتم من خلاله نقل قوّة الأجداد للأطفال. وفي هذا الطقس المعقّد جدّاً والمليء بالرموز يجتمع كثير من الأقارب تعبيراً عن وحدتهم فيعدّون ملابسهم ويطبخون ويأكلون سويّة. ويتم طقس الختان في الركن الشرقي الشمالي للبيت الذي يعتبر مكاناً مقدّساً عندهم مثله مثل قبر الأجداد، يوضع فيه نباتات متعدّدة ترمز إلى القوّة والإتّحاد من بينها القرع الذي يطلق عليه إسم «ألف رجل». وهذه العبارة إختصار لمثل يقول: «ألف رجل لا يموتون في يوم واحد». والإتّحاد يعني هنا التواصل بين الأجداد وفروعهم. ويقوم رجلان وامرأة قَبل عمليّة الختان برفع صلوات لله وللأجداد طالبة منهم الحضور لإعطاء بركتهم للجميع وخاصّة للمختون. ثم يقوم الداعون بمباركة الطفل والحضور برش الماء. ويقوم رجل مسن ببلع غلفة الطفل بين شريحتي موز [334] .

وقد إغتنم ملك مدغشقر في نهاية القرن الثامن عشر معنى التضامن الذي يحيط بالختان في ذلك البلد. فوضع قوانين تفرض الختان على جميع الأطفال كل سبع سنين في زمن محدّد، ويشارك الملك في طقس الختان. ومن يترك أولاده غير مختونين أو يجري الختان خارج الوقت المحدّد يتم بيع زوجته وأولاده في سوق العبيد. وقد خلق هذا الطقس رباطاً بين الدولة والناس الذين كان عليهم أن يدفعوا ضريبة للملك عن كل ختان. فتحوّل الختان هكذا من نظام يربط بين أفراد القبيلة إلى نظام يربط الناس بالسلطة الحاكمة المركزيّة. وكان الختان شرطاً للقبول في الجيش أو وظيفة حكوميّة. وبتأميمه الختان أوجد الملك لنفسه شرعيّة قوميّة في أعين الناس [335] . وقد وضع الإستعمار الفرنسي حداً لطقس الختان الملكي بهدف كسر الرابطة بين الشعب وبين سلطاته الوطنيّة، ولكن طقس الختان ذاته على المستوى القَبلي ما زال مستمرّا في أيّامنا في مناطق الأرياف رغم معارضة رجال الدين المسيحيّين [336] .

3) الختان كعلامة طهارة وتعالي

ينظر الغربيّون باحتقار إلى الجماعات التي تمارس ختان الإناث. وكذلك ينظر اليهود إلى غير المختونين نظرة إحتقار وتعالي ويعتبرونهم نجساً. ولكي يتم إلغاء الختان، لا بد من كسر هذه النظرة المتعالية. وهذا ما قام به المسيحيّون. وقد ساهم رجوع فكرة النجاسة والتعالي عند المسلمين في تبنّيهم الختان. ونبدأ بتخلّي المسيحيّين عن ختان الذكور.

ذكرنا في الجزء الثاني أن المسيح لم يأخذ موقفاً واضحاً من الختان. ولكنّه هدم نظام التعالي الذي رافقه. فقد بدأ بالتمرّد على رجال الدين الذين وصفهم بـ«العميان الجهّال» (متّى 17:23)، طالباً من تلاميذه: «لا تدَعوا أحداً يدعوكم رابي [...]. وليكن أكبركم خادماً لكم» (متّى 8:23-11). وتعدّى على حرمة السبت معتبراً أن «إبن الإنسان سيّد السبت» (متّى 8:12). وغيَّر مفهوم الطهارة في الطعام: «ما من شيء خارج من الإنسان إذا دخل الإنسان ينجّسه، ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجّسه» (مرقس 15:7)، أي ما يقوله وما يسيء به إلى قريبه (مرقص 20:7-22). وعلّق مرقس على هذا القول: «وفي قوله ذلك جعل الأطعمة كلّها طاهرة» (مرقس 19:7). كما أن المسيح سامح الزانية (يوحنّا 11:8)، وأكل مع الخطاة (متّى 10:9-11)، ودخل بيت زكا العشّار (لوقا 7:19)، وتحدّث مع السامريّة (يوحنّا 9:4)، ومدح شكر الأجنبي له (لوقا 18:17)، وعظَّم إيمان المرأة الكنعانيّة وقائد المائة الروماني به (متّى 10:8؛ 28:15). وقد وصل به الأمر إلى سن محبّة الأعداء (متّى 44:5).

ثم جاءت دعوة القائد الروماني قرنيليوس لبطرس. وقد لبّاها بناءاً على رؤيا تدعوه لأكل طعام يعتبره اليهود نجساً، سمع خلالها صوتاً يقول له: «ما طهّره الله فلا تنجّسه أنت» (أعمال 15:10). فتم كسر شعوبيّة اليهود التي تحرّم على اليهودي «أن يعاشر أجنبياً أو يدخل منزله» (أعمال 28:10). وقد جاء بولس ليقرّر أنه لا فرق بين يهودي وغير يهودي، بين رجل وامرأة (الغلاطيين 27:3-28)، وأنه «لم يبق هناك يوناني أو يهودي، ولا ختان أو غلف، ولا أعجمي ولا أسكوتي ولا عبد ولا حر» (قولسي 11:3)، وأن «كل شيء طاهر للأطهار» (طيطس 15:1). وجاء العمّاد ليحل محل الختان (قولسي 11:2-13). وبينما كان الختان علامة يتم خلالها بتر الغلفة التي تعتبر نجسة وتنفّذ فقط على الذكور، أصبح العمّاد علامة رمزية تجرى على كل من الذكور والإناث. وكان العمّاد يتم عادة على الكبار وليس على الأطفال، أي أن الإنتماء للدين كان تعبيراً عن إرادة شخصيّة واعية.

إنهارت إذاً عند المسيحيّين فكرة «التعالي على الغير» وفكرة «النجاسة» التي بُني عليهما الختان، فسقط الختان من تلقاء نفسه. وقد تزامن إلغاء الختان وإلغاء منع أكل الخنزير الذي تعتبره التوراة حيواناً نجساً (الأحبار 7:11؛ تثنية 8:14). فالفصل 15 من سفر «أعمال الرسل» الذي ألغى الختان عن الوثنيّين، طالبهم فقط بـ«اجتناب ذبائح الأصنام والدم والميّتة والزنى» (أعمال 29:15). فلم يعد الخنزير حيواناً نجساً كما عند اليهود.

وعلى عكس ما جرى عند المسيحيّين الذين تحرّروا من أغلال الفكر اليهود، فإن المسلمين ورثوا عن اليهود:

- فكرة التعالي: «كنتم خير أمّة أخرجت للناس» (آل عمران 110:3).

- فكرة النجاسة: «إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» (التوبة 28:9).

- منع أكل الخنزير: «قل لا أجد في ما أوحي إلي محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميّتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهّل لغير الله به» (الأنعام 145:6) [337] . وواضح أن النص القرآني أخذ نص «أعمال الرسل» السابق الذكر وأضاف إليه الخنزير، ربّما في محاولة لجذب كل من المسيحيّين واليهود إلى دعوة النبي محمّد. وإن كانت التوراة تعتبر الخنزير «نجساً»، فالقرآن يعتبره «رجس» (الأنعام 145:6). والعبارة الأخيرة في الآية «أهّل لغير الله به» تساعدنا على فهم السبب الذي من أجله قديماً حرّم اليهود الخنزير. فقد كان الخنزير حيوان الذبائح الدينيّة لدى الكنعانيين [338] وشعار الكتيبة الرومانيّة العاملة في فلسطين. فقد فُسِّر نص المزمور 14:80 «خنزير الغاب أتلفها» بأنه يشير إلى الجيش الروماني. فسبب التحريم إذاً تنافس ديني وسياسي بين اليهود وأعدائهم. وقد نسي السبب القديم وربط المنع بفكرة النجاسة. هكذا تتغيّر المفاهيم ويقع الناس ضحايا لجهلهم [339] .

- تشديد في قواعد طهارة المرأة: فحُكِم بعدم صحّة صلاة وصوم الحائض، وحرّم عليها الطواف بالبيت ودخول المسجد ومس المصحف (الواقعة 79:56)، كما حرّم وطء الحائض في الفرج (البقرة 222:2). وقد لعبت هذه القاعدة دوراً في تبنّي نظام تعدّد الزوجات ونظام ختان الإناث كوسيلة للسيطرة عليهن.

- تحريم الزواج من الكافر وتحريم دفنه في مقابر المسلمين.

وبإرجاع الأسس الفكريّة التي قام عليها الختان، أي فكرة التعالي والنجاسة، لم يكن من الصعب على اليهود الذين أسلموا نشر كل من ختان الذكور والإناث بين المسلمين الذي ما زال الكثيرون يطلقون عليه إسم «الطهارة» رغم أن القرآن لم يأتي بذكرهما وأنهما يخالفان فلسفة القرآن التي تقول بكمال خلق الله. وقد إعتبر إبن جزي الغلفة نجسة «فلا يجوز أن يحملها المصلّي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه» [340] . ويذكر إبن قيّم الجوزيّة أن الشيطان يختبئ في غلفة الذكر والأنثى [341] . ويتناقل الشيعة عدداً من الأحاديث عن أئمّتهم تعتبر أن بول الأغلف نجس [342] . وهناك أحاديث تقول بمنع غير المختون من الحج. وفي الإمارات لا يجوز للطفل غير المختون أن يدخل الجامع ولا تُقبل صلاته لأنه «غير طاهر» [343] . وفي السودان تعتبر البنت نجسة حتّى «دخولها السُنّة»، أي ختانها [344] . والقول لشخص في هذا البلد إنه إبن غير مختونة تعتبر مسبّة تعني أنه إبن عاهرة. وكانت غير المختونات هناك تنتمي إلى طبقة العبيد. والقول لشخص إنه إبن غير مختونة يعني أنه من أصل غير عربي، أي مشكوك في أصله. وهذا يعني أن العرب كانوا ينظرون نظرة إحتقار لغير العرب [345] .

ونجد إرتباطاً بين الختان والنجاسة عند القبائل الإفريقيّة. فبعض تلك القبائل ترفض الأكل مع غير مختون لأن يديه تتنجّس بمس قضيبه. وبعضها يعتقد أن بظر المرأة يحتوي على سم يمكنه أن يقتل الرجل الذي يمارس الجنس معها، وأن ملامسة البظر رأس الطفل قد تؤدّي إلى موته [346] . وفي دولة «مالي» تعتبر الفتاة غير المختونة نجسة ولا يسمح لها بتحضير وجبات الأكل [347] . وفي «أوغندا» تعتبر المرأة غير المختونة «بنتاً» مهما كان عدد أطفالها، ويعتبر إبنها «إبن بنت» دون أيّة كرامة في جماعته ولا يحظى بأي منصب هام. ولا يحق لهذه المرأة حلب البقر أو جلب لطعها من الحظيرة لتغطّي به سطح بيتها لأن ذلك يجلب النحس. كما لا يحق لها سكب الماء في الإناء الذي يحتوي ماء الشرب للعائلة، أو الرقص مع النساء التي تلد توأمين، أو الصعود إلى المخزن لإحضار الحبوب للطبخ أو الزراعة. وإذا مات رجلها لا يحق لها إستقاء الماء من النهر أو البئر للذين يدفنون زوجها. ويعتقد هناك أن المرأة التي ترفض الختان تغضب الأسلاف وقد تقع مريضة أو تهزل بسبب غضبهم. ورغم أن مجلس المنطقة قد أصدر قراراً بجعل ختان الإناث أمراً إختياريّاً يتعلّق بإرادة المرأة، إلاّ أن النساء يشعرن بأنهن دائماً مجبرات على الخضوع لهذه الممارسة بوسائل شتّى [348] .

وليس من الصعب في مجتمع له مثل هذا الخوف من «النجاسة» أن يتمسّك بالختان إذا ما إعتبره وسيلة لبلوغ الطهارة. وقد أوضحنا في الجدل الطبّي أن المسيحيّين الغربيّين قد تبنّوا ختان الذكور والإناث بعد تغلغل الفكر اليهودي المتشدّد حول العلاقة الجنسيّة والعادة السرّية في العصر الفكتوري الذي إتّجه نحو تعظيم الجنس الأبيض. وقد إستمر التحجّج بالعادة السرّية مدّة طويلة لتبرير الختانين. ويرى عالم نفس برازيلي أن إدخال ختان الذكور والإناث في الولايات المتّحدة في القرن التاسع عشر لأسباب طبّية غير مثبتة علميّاً يخفي في حقيقته رغبة نفسيّة في خلق شعب مختار جديد طاهر خال من الأمراض [349] .

4) الختان كمرحلة تدريب وامتحان

يمر الإنسان في المجتمع «الحضري» بمراحل مختلفة: مرحلة الطفولة، ثم مرحلة التعليم في المدارس والجامعات والمراكز المهنيّة. وإذا إنتمى إلى هيئة مثل نقابة الأطبّاء أو المحامين، فإنه يمر بمرحلة تدريب وامتحان قَبل قبوله فيها. ونفس الأمر ينطبق على دخول الهيئات الدينيّة مثل الفرق الصوفيّة عند المسلمين، والجمعيّات الرهبانيّة عند المسيحيّين. ونجد نظاماً مشابها في المجتمع «البدائي» الإفريقي حيث يمر الذكور والإناث في أطوار مختلفة من الطفولة إلى الصبا، ثم إلى البلوغ. وللوصول إلى هذا الأخير يجب الخضوع إلى طقس يطلق عليه «طقس التدريب» rituel d'initiation يتضمّن عند بعض القبائل ممارسة الختان الذي تصاحبه شعائر دينيّة لا تقل عن تلك التي تصاحب الختان عند اليهود.

أ) طقس تدريب وختان الذكور

تمارس بعض القبائل هذا الطقس كل سنتين أو أربع سنوات، أو عندما يتوفّر عدد كاف من الذكور للمشاركة فيه، أو عندما يكون الموسم جيّداً. وكان هذا الطقس يجرى سابقاً في سن الزواج. ومع تطوّر العادات، يحدث أن يتم ختان شاب وأبيه في نفس الوقت. وبعض القبائل تفصل بين ختان الذكور والإناث بعام لاعتقادها أن الشاب الذي يتزوّج من شابّة حديثة الختان يعرّض نفسه للموت العاجل. ويحدّد الوقت ساحر القبيلة، الذي يلعب دور رجل الدين. وفي بداية الطقس يتم ذبح ثور أو ديك أو دجاجة تكريماً للآلهة. ففي قبيلة «دوجون» يقول الأب عند ذبحه الدجاجة: «أريد أن آخذ إبني إلى الغابة. فتقبّل يا «امولو» الدجاجة التي تحق لك وأشرب دمها وأحم إبني». ويتم توزيع لحم الضحايا بين الحاضرين والمتدرّبين.

وخلال طقس التدريب يتم عزل المتدرّبين مدّة تتراوح بين أسبوع وعدّة أشهر، يتعلّمون خلالها أسرار الحياة والطقوس والعادات ومعاني الأقنعة التي تلبسها القبيلة في المراسيم الدينيّة. كما يقومون بإجراءات تطهيريّة مثل حلق شعر الرأس كما يفعل اليهود (العدد 18:6؛ أعمال 24:21) والمسلمون (البقرة 196:2؛ الفتح 27:48). ويخضعون لعدّة إمتحانات جسديّة جماعيّة تتضمّن الصبر على النار وقرص النمل والجلد وشرب البول وأكل البراز. وفي بعض القبائل يتم ضرب المتدرّبين بأوتاد خشبيّة منحوتة على شكل قضيب. وهناك من يزرع مثل هذه الأوتاد في البيوت التي يسكنها المتدرّبون. ويُظن أن هذه الممارسة من تأثير اليهود الذين كانوا يعبدون الأوتاد المقدّسة [350] .

وفي يوم الختان، يقوم المتدرّبون بغسل ذكورهم في مياه النهر حسب الطقس الديني. وفي قبيلة «ناندي»، عليهم أن يعترفوا بكل علاقاتهم الجنسيّة مع إمرأة مختونة. ثم يدهن رجل عجوز شعر الشباب بخليط من الحليب والصلصال لإبعاد الأرواح الشرّيرة عنهم التي قد تهاجمهم مغتنمة ضعفهم بعد العمليّة. وعند اليهود إعتقاد مماثل [351] .

ويجري عمليّة الختان في أكثر الأحيان شخص ينتمي إلى طبقة الحدّادين. وعند قبائل «نامشي» يلبس الخاتن أزياء مصنوعة من ليف نباتي وغطاء رأس من ريش ديك. وفي قبائل «ليجا» يترك أظافره تطول حتّى يشبه الحيوان الذي تستعمله القبيلة كطوطم. وهذا يذكرنا بالموهيل اليهودي الذي يطيل إظفر إبهامه ويسنّه لسلخ بطانة الغلفة [352] . وعند قبائل «لويبا»، يدعى الخاتن أسداً، ومساعده ضبعاً. وعلى الخاتن أن يبقى طاهراً لمدّة خمسة أيّام قَبل عمليّة الختان وعشرة أيّام بعد إجرائها كشرط لنجاحها. وعند قبائل «مانجيا» يجب أن تتم العمليّة يوم الهلال. وعلى المتدرّبين أن يشربوا من ماء نقع فيه الحديد ويدعوا نجمة الزهرة التي ترأس الطقس الديني.

وقَبل الختان يتم تسخين الآلة على النار المقدّسة. وفجأة يظهر الخاتن ومساعده فيجلس المتدرّبون على الأرض فاتحين أرجلهم التي يمسكها المساعد ليمنعها من الحركة. ويمسك الخاتن السكّين الحار بيده اليمنى والغلفة بيده اليسرى ويقطعها بضربة واحدة. وفي قبيلة «نامشي» يصطف المتدرّبون حسب أعمارهم وتتم العمليّة عليهم بينما هم متّجهون نحو الشرق. ويقوم الخاتن بشق جلد القضيب طولاً حتّى يتم تعرية القضيب تماماً ثم يقطع الجلد. وفي قبيلة «دوجون» يدخل الخاتن خيطاً في الغلفة ويعمل عقدة فيه ويربط الخيط برجله اليسرى ويشدّه ليسحب أكبر قدر من الجلد ثم يقطعه. ويقوم الذين ختنوا في السنة السابقة بإمساك الشاب لكي لا يهرب من شدّة الألم. وبالإضافة إلى بتر الغلفة، تقوم قبائل «جانييرو» بنزع إحدى خصيتي الشاب وبتر حلمته. وفي بعض القبائل يتم أيضاً نزع الأسنان القاطعة أو عمل وشم. وفي قبيلة «ماساي»، إذا ما قام الصبي بالصراخ خلال الختان، يعتبره الحاضرون جباناً ويرفضون الأكل الذي يقدّمه أهله في هذه المناسبة. فيلحقه العار هو وعائلته ويتم ضربه بشدّة، كما تضرب الدواب التي في زريبة عائلته حتّى تتشتت وتخرج من سياجها.

وبعد إنتهاء طقس التدريب، يتم إدماج المختونين في الحياة الإجتماعيّة. وفي قبائل مختلفة، تنظّم بعد الختان عروض يحمل فيها المختونون أقنعة ذات رمز جنسي مثل قضيب كبير يرقصون به. وتشجّع القبائل الشباب في التعبير عن ميولهم الجنسيّة وتعطيهم حرّية جنسيّة واسعة. وتعتبر النساء العلاقة الجنسيّة مع مختون جديد علاقة مقدّسة [353] .

ب) طقس تدريب وختان الإناث

تنظّم قبائل «ناندي» هذا الطقس كل أربع سنوات ونصف إذا ما تم جمع عدد كاف من الفتيات التي تناهز أعمارهن 12 سنة. وتنظّم قبائل «مالينكي» هذا الطقس كل سنتين ويتم على فتيات يتراوح أعمارهن بين 13 و15 السنة. وتلعب العرّابة في قبائل «كيكويو» دوراً كبيراً في إعداد الفتاة لطقس التدريب. فهي التي تراقب بكارتها وتحرص على أن تجرى العمليّة قَبل 20 يوماً على الأقل من حيضها. ويجب على الفتاة الإعتراف بخطاياها عندها. وإذا إقترفت خطايا، فيجب أن تبحث العرّابة لها عمّن يطهّرها.

ويتم طقس التدريب في مكان يحدّده الساحر. ويصاحب هذا الطقس إحتفالات وغناء، وتتسابق الفتيات فيه للبحث عن الشجرة المقدّسة. وأوّل فتاة تجد هذه الشجرة تتلقّى أكثر طلبات زواج.

وعشيّة إجراء الختان تشعل قبيلة «ناندي» النار المقدّسة قرب شجرة زرعت خصّيصاً لهذه المناسبة. وتقوم الخاتنة بجني نوع من نبات يشبه القرّاص تفرك به بظر البنت حتّى ينتفخ. وفي اليوم التالي، يوضع على النار خشب الشجرة المقدّسة. ثم تأخذ الخاتنة بمعلقة قبساً من النار وتضعها على بظر البنت بينما ترفع النساء أصواتهن بالغناء لتغطية صراخ البنت. ففي هذه القبيلة يتم الختان بواسطة الكي.

وفي قبائل «اوبانجي»، يبدأ الإحتفال صباحاً بحمّام طقسي. ويختار مكان للختان يمنع على الرجال الذهاب إليه باستثناء زوج الخاتنة العجوز الذي يجلس الفتاة فوقه ويفتح فخذيها بشبك رجليه فوق رجليها. وتقف قرب المختونة إمرأة معها سوط تذكّر بالجلد الطقسي. وتمسك الخاتنة بظر البنت بملقط من خشب وتقطعه بسكّين بيدها اليمنى بينما تنتظر الفتيات الأخريات دورهن واقفات. وكلّما قطع بظر، تصرخ النساء فرحاً وتدفع المختونة للرقص بأداء حركات الجماع الجنسي رغم الدم الذي يسيل منها.

وفي قبائل «فندا» يتم تنظيم إحتفال بعد الختان ترقص فيه الفتيات ويمارسن الجنس مع الفتيان. وفي «توجو»، ينتهي طقس التدريب باحتفال تقوم خلاله الفتيات بالسير عاريات في مواكب أمام حجر مقدّس بشكل قضيب تجلس عليه تلك التي إحتفظت ببكارتها. وهنا إعتقاد بأنه إذا كذبت إحدى الفتيات فسوف يؤدّي ذلك إلى موتها. ويتم الإستفادة من زمن الشفاء لإعدادهن لدورهن كزوجة وأم. فتعطيهن العجائز دروساً في الجنس.

وفي «البنين»، تقاد المبتدئات وهن يغنين إلى شجرة كبيرة ويجلسن على حجر مسطّح على شكل دائرة ووجوههن متّجة خارج الدائرة. وعندما تعطى الإشارة تتجه العجوز التي تقوم بالختان إلى وسط الدائرة وتدير الفتاة نحوها بشدّة وتقوم خالتها أو عمّتها بمسكها بينما تفتح الفتاة فخذيها فتمسّك العجوز ببظرها وتحرّكه شمالاً ويميناً ثم تقطعه من جذوره. وتفتح البنت الشجاعة فخذيها وهي تغنّي متحدّية الألم، فتحيّي العجوز شجاعتها وتطلق النساء الصياح معلنة للقرية أنها بنت شجاعة. وإذا كانت البنت خائفة، فإنها تمدّد على الأرض وتمسّك بشدّة ويتم قطعها. ثم تجمع جميع الفتيات في كوخ كبير حيث يبقين معاً لمدّة أربعة أشهر تحت الرقابة والعلاج. فتجمعهن صداقة قويّة. وعند ترك الكوخ يتم عمل حفل كبير لهن [354] .

هذا وترفض الحركات النسائيّة إطلاق تعبير طقس التدريب على ختان الإناث كما يفعله مختصّو علم الأعراق أو الصحفيّون لأن مثل تلك التسمية تمويه لعمليّة تعذيب ليس إلاّ، ووسيلة للسكوت عنها وعدم فضحها [355] .

ولن نطيل على القارئ في عرض طقوس التدريب في القبائل البدائيّة التي يتم خلالها ختان الذكور والإناث. وكل ما نود أن يعيه هو أن تلك الطقوس لها معنى ديني لا يقل عن المعنى الديني الذي يسبغه اليهود أو المسلمين على الختان عندهم. وإن كان لليهود والمسلمين حق في إدّعاء أن ختان الذكور جزء هام من معتقدهم الديني، فالقبائل الإفريقيّة لها حق مماثل في الإدّعاء بأن ختانها هو أيضاً جزء من معتقداتها ونظامها [356] . ونحن نرى أن الطقس الديني، مهما كانت طبيعته، لا يبرّر التعدّي على حق الأفراد في سلامة جسدهم.

ج) من الختان الطقسي إلى الختان الطبّي والرمزي

يفترض أن ختان الذكور والإناث كان يتم في العصور الغابرة ضمن طقوس تدريب مماثلة لما ذكرناه. وبما أنه من الصعب القضاء على كل مظاهر الحياة البدائيّة، إستمر المجتمع بممارسة بعض متبقّيات طقس التدريب القديم مثل الختان الذي يصاحبه إحتفالات وتبادل هدايا. ثم تحوّل الختان من العائلة إلى المستشفى حيث يجرى في أكثر الأحيان مباشرة بعد الولادة، دون إحتفالات. وهكذا أُفرغ من معناه ومحيطه الإجتماعي الأصلي. ويشار هنا إلى أنه تم في «سيراليون» خفض عمر الفتاة التي تختن، كما خفضت مدّة التدريب من سنتين إلى أربعة أشهر، ثم إلى أسبوعين، ولم يعد الختان سبيلاً للإعداد للزواج. والبنات التي يحضرن التدريب يعدن بعده إلى المدارس. وتحكم هذا التغيير أسباب مادّية. فلم يعد في إمكان الأهل دفع تكاليف تدريب أطول. كما أن البنت التي تختن بسن صغير لا تنتظر هدايا كثيرة، ومن الأسهل السيطرة عليها. وهناك من يظن أن صدمة الختان أخف وطأة عليها عندما تكون صغيرة فلا تتذكّر ما تم عليها [357] .

وقد قام البعض بإلغاء الختان ذاته، مستبقياً على طقس الختان والإحتفالات. فقد أوجد معارضو ختان الذكور بين اليهود طقساً رمزيّاً يتم فيه بتر جزرة بدلاً من غلفة الطفل، يتبعه إحتفال. وفي إحدى القرى التنزانيّة التي تكافح ضد ختان الإناث، تم جمع 13 فتاة أعمارهن تتراوح ما بين 10 و13 سنة لمدّة أسبوعين وقدّم لهن تعليم بخصوص التدبير المنزلي والثقافة الصحّية والجنسيّة. وفي نهاية الأسبوعين، إجتمع 800 شخص حولهن وألقى أحد مشايخ القرية كلمة حول ختان الإناث وكيف أنه عادة متوارثة عن الأجداد وبدونه كانت الفتاة لا تجد زوجاً وتحرم من حقوقها. ثم جلست الفتيات على الأرض وسُكب على رأسهن ثلاثة آنية من عصير الذرة كل بلون تمثّل أدوار المرأة الثلاثة: الطفلة والزوجة والأم. ثم فتحت الفتيات أياديهن تعبيراً عن رغبتهن في تقبّل التعاليم بما فيها التعاليم الجنسيّة التي تؤكّد على أهمّية عدم ممارسة الجنس قَبل الزواج. وقد صاحب هذا الطقس رقص وغناء على وقع الطبول. وبعد الإحتفال تم تقديم الأكل والشرب للجميع [358] .

5) الختان كعلامة إنتماء طبقي

يُعتبر الختان عند اليهود والمسلمين علامة إنتماء ديني لتلك المجموعة الدينيّة. ولكنّه قد يلعب أيضاً دور علامة إنتماء طبقيّة داخل الطائفة أو داخل القبيلة. وسوف نركّز هنا على قبيلة «كيكويو» الكينيّة من خلال عرض «جومو كينياتا» لدور الختان في مجتمعه.

يقول «جومو كينياتا» بأن قبيلة « كيكويو» تستعمل الختان للتمييز بين الطبقات حسب مراحل الحياة. فالمرحلة الأولى تبدأ بثقب آذان الفتيات ما بين سن 6 و10 سنين، وآذان الذكور ما بين سن 10 و12 سنة. ثم يأتي دور الختان الذي يضم الفتى إلى الجماعة. فالطفل لا يختن إلاّ إذا كان هناك أمل في أن يثبت وجوده كمقاتل. وكان ختان الذكور سابقاً في تلك القبيلة يتم ما بين سن 18 و20 سنة، ثم أصبح يتم بين سن 12 و16 سنة. وهناك فرق شاسع بين المختون وغير المختون. فغير المختون لا يملك ولا يحق له أن يبني بيتاً، ولا يذهب في زمن الحرب إلى ساحة المعركة بل يبقى ليحمي البيت مع النساء، ولا يحق له أن يطيل شعره أو أن يمارس العلاقة الجنسيّة مع إمرأة مرّت بطقس التدريب، ويحرم في الحفلات من بعض قطع اللحم، ولا يمكن له أن يكون صديقاً حميماً لمختون [359] . وإذا سافر غير مختون مع مختون فلا يحق له أن يشرب قَبل المختون أو أن يسبح في ماء يجرى في مكان أعلى. فغير المختون يجب عليه أن يحترم المختون [360] .

وتتكوّن بين المختونين الذين ينتمون إلى شريحة عمريّة واحدة علاقة أقوى من علاقة الدم. ويعاقب من يضر برفيقه في الختان كمن يضر بأحد أفراد عائلته حتّى وإن كان يسكن مئات الكيلومترات بعيداً عنه [361] . وتلد تلك الشرائح يوم ختان أفرادها وتحمل أسماءاً تعتبر مرجعاً تاريخيّاً لأحداث القبيلة. فإذا ما تم الختان في زمن مجاعة، يطلق على الشريحة إسم «مجاعة». وإذا ما تم في زمن إنتشار مرض السفلس، يطلق على الشريحة إسم «السفلس» [362] .

وبعد الختان يدخل الشاب في المجلس الإستشاري الوطني للمحاربين الشبّان. فيعطيه أبوه سلاحاً مكوّن من رمح ودرع وسيف. وعليه حينذاك تقديم خروف لذبحه للمحاربين القدامى في حفل رسمي يتعهّد فيه بالثبات في المعركة. وبعد 82 شهراً من الختان، يدخل في المجلس الوطني للمحاربين القدامى. وبعد الزواج، ينضم إلى مجلس القدامى. وعندما يتم ختان كل أولاده وبناته وتبلغ نساؤه عمر اليأس، يصبح عضواً في مجلس التضحية الدينيّة، وهي أعلى درجة في تلك القبيلة [363] .

ويشار هنا إلى أن «جومو كينياتا» قد أخذ موقفاً مؤيّداً لختان الإناث لأنه يعتبره جزءاً من نظام قبيلته. فهو يرى «أن بتر البظر، مثله مثل الختان عند اليهود، شرط لا بد منه للحصول على تربية دينيّة وأخلاقيّة كاملة» [364] . ويقارن بين الثقافة الغربيّة وثقافة قبيلته فيقول إن الثقافة الغربيّة هي ثقافة كتابيّة. فالتلاميذ الغربيّون يذهبون إلى المدرسة لكي يتعلّموا القراءة والكتابة وقراءة التوراة وورقة التصويت والصحيفة والتأقلم مع ثقافة بلدهم. أمّا في قبيلة «كيكويو»، فليس لديهم كتب يقرؤونها، وثقافتهم تمر من خلال صور الحياة وطقوس ورقص وغناء تبقى في ذاكرتهم وتؤثّر عليهم [365] . وقد تحوّل ختان الإناث إلى قضيّة سياسيّة وعامل تصادم بين قبيلته والمستعمر البريطاني الذي كان يسعى إلى إلغائه كما سوف نرى لاحقاً.

6) الختان كوسيلة لدفع العنف وحماية المجتمع

فسّر علماء النفس عمليّات البتر الشاذّة كبديل للإنتحار، ولاحظوا أن الشخص الشاذ يشعر بالراحة بعد بتر نفسه. ولكن قد يكون الثمن باهظاً. فهناك من يقلع عينه أو يشوّه جسمه بصورة خطيرة [366] . وقد مد عالم النفس «فافدتزا» هذا التصرّف الفردي الشاذ إلى تصرّفات الجماعات البشريّة، معتبراً أن عمليّات البتر الجماعيّة قد يكون المقصود منها المصلحة العامّة وخلاص الجماعة في هذه الحياة وفي الآخرة.

فقد كانت طائفة الخصاة في روسيا تعتقد أنها بتصرّفها هذا تكفّر عن الخطايا الجنسيّة وترجع إلى طبيعة آدم وحوّاء قَبل خطيئتهما [367] . وهذا الفكر يحكم واقعة صلب المسيح ووصف الخادم المتألّم في سفر أشعيا: «رجل أوجاع وعارف بالألم [...]. لقد حمل هو آلامنا وأحتمل أوجاعنا [...]. طُعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا. نزل به العقاب من أجل سلامنا وبجرحه شفينا» (أشعيا 3:53-5). وقد تقشف النساك المسيحيّون في الصحراء وعذبوا أجسادهم لنيل الخلاص [368] .

ويرى هذا العالم أن العنف أحد مكوّنات الإنسان. ويصرف الإنسان هذا العنف إمّا من خلال العدوانيّة، أو من خلال العلاقة الجنسيّة، أو بالعادة السرّية، أو ببتر أعضائه [369] . ويضيف أن التعذيب والبتر والتضحية وسيلة لصب العنف على ضحيّة للحفاظ على تماسك الجماعة. ويقع إختيار الضحيّة على أفراد خارج الجماعة أو غير مقبولين كلّياً ضمنها مثل سجناء الحرب، والعبيد، والأطفال الصغار، والمعوّقين [370] . ونجد صدى لهذه النظريّة في قول «قيافا» عظيم الكهنة تبريراً للحُكم على المسيح: «أنه خير أن يموت رجل واحد عن الشعب» (يوحنّا 14:18). ونقرأ في رسالة بطرس الأولى: «تألّم المسيح أيضاً من أجلكم [...]. هو الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة [...]. وهو الذي بجراحه شفينا» (1 بطرس 21:2، 24).

والبتر في رأي هذا العالم هو وسيلة لتحديد الأدوار الإجتماعيّة لحماية المجتمع من التحلّل الداخلي. ففي السودان يتم خياطة فرج المرأة للحفاظ على عفّتها وعدم إختلاطها بغير زوجها. وفي الصين قيّدت أقدام البنات لتصغيرها وجعلها في وضع يمنعهن من الركض وراء الرجال. والختان عند اليهود أستعمل علامة تعارف عند اليهود. وكذلك يقوم الساحر القَبلي shaman بتشويه جسده كوسيلة لشفاء مجموعته [371] .

ويضيف هذا العالم أن الحيوان يقوم غريزياً بعمليّات بتر وتشويه لجسمه للوقاية والشفاء من الأمراض. أمّا الإنسان فهو يعلو على غريزته ويختلق وسائل للمعالجة والشفاء تختلف حسب تطوّر الجماعة. فاليوم نحن نؤمن بالوسائل العلميّة، أمّا في الماضي فقد لجأت الجماعة إلى طقوس أصبحت جزءاً من ثقافتها مع مرور الزمن تضمّنت عمليّات بتر وتشويه الجسم. وأشهر هذه العمليّات هي ثقب جمجمة المريض حتّى تخرج منها تلك الأرواح [372] . وهناك مجموعة دينيّة مغربيّة تقوم بتجريح الرأس لإخراج الجن والأرواح الشرّيرة. وهي تؤمن بوجود جنِّية شرّيرة تدعى «عائشة قنديشة» يمكنها أن تقتل كل من يعصي أوامرها فتأمر أتباعها بتجريح أنفسهم لتعطّشها للدماء [373] . وفي «بابوا غيني الجديدة» تظن القبائل أن النساء يبقين بصحّة جيّدة بسبب العادة الشهريّة، فتقوم بإجراء عمليّات مشابهة على الرجال بفتح مجرى البول وإدمائه. وهناك قبائل في إفريقيا تقطع خصيّة أو طرف إصبع كوسيلة للحماية من الأمراض [374] .

ويشير البعض إلى أن التحوّل عن طقوس التدريب الإفريقيّة يخلق بلبلة عند الأفارقة لأن الأمان الأخلاقي والإجتماعي التي كانت تتيحه تلك الطقوس لا تضمنها النماذج الجديدة التي حلّت محلّها، مثل النموذج المسيحي، أو المعرفة العلميّة، أو التجمّعات الإجتماعيّة الجديدة. ولذلك نجد نشوء مظاهر خطيرة في المجتمع الإفريقي كاللجوء إلى السحر والشعوذة [375] .

وهذا يعني بأن ختان الذكور والإناث له سلبيّاته الفرديّة ووظائفه الإجتماعيّة. وما كان للمجتمع أن يلجأ إليه لولا أنه رأى فيه مصلحته رغم سلبيّاته. ولإلغاء هذه الممارسة لا بد من معرفة وظائفه الإجتماعيّة ومحاولة تأمين وجودها. وقد سبق أن ذكرنا كيف أن بعض الجماعات قد ألغت طقس الختان الدموي وتبنّت طقساً غير دموي يبقي على المظاهر الإجتماعيّة الإيجابيّة التي تصاحب عامّة الختان الدموي.

الفصل السابع: الختان وغريزة التسلّط

إن كانت المواثيق الدوليّة تنادي بالمساواة وتشدّد عليها، فما ذلك إلاّ لأن غريزة التسلّط هي من الغرائز المتجذّرة في أعماق الإنسان. ولا يمكن لهذه المواثيق حذف هذه الغريزة بل تحاول تهذيبها حتّى لا تسود شرعة الغاب. وقد رأي علماء النفس أن الختان يدخل ضمن مفهوم غريزة التسلّط، فوضعوا لذلك النظريّات. وسوف نرى في هذا الفصل أهم هذه النظريّات ومظاهر التسلّط المتعلّقة بالختان.

1) الختان وعقدة أوديب وعقدة الخصي

حاول علماء النفس تفسير ظاهرة الختان بدراسة أساطير القبائل البدائيّة وتصرّفاتها، ومعاينة المرضى العقليين. فهم يعتقدون أن عوامل لاشعوريّة مختزنة في أعماق البشريّة تتحكّم في الناس، من بينها ما أطلقوا عليه «عقدة أوديب» التي إستلهموها من رواية «الملك أوديب» للروائي اليوناني «سوفكل» (توفّى عام 406 ق.م) والتي تفيد بأن «أوديب» قام بقتل أبيه الملك وتزوّج من إمرأته. وفي هذه الرواية عبارة تقول: «انك، دون أن تشعر، مرتبط بعقدة قذرة بمن تحبّه ولا تشك في مدى تعاستك» [376] .

و «عقدة أوديب»، حسب «فرويد» (توفّى عام 1939) وتلامذته، هي مجموعة من الرغبات الغريزية الجنسيّة والعدائيّة لدى الطفل تجاه أهله. فالطفل يميل، لاشعوريّاً، كما في رواية «أوديب»، إلى قتل منافسه من نفس الجنس للإستيلاء على الجنس المخالف. وهذه العقدة تستحوذ على الطفل الذكر ما بين عمر 3 إلى 5 سنين حيث يتمسّك الطفل بشدّة بأمّه ويغار عليها ويطالبها بكل محبّتها باغضاً أبيه المنافس له عليها. وفي هذا العمر، ينمّي الطفل إهتماماً خاصاً بقضيبه الذي يمسّه باستمرار بحثاً عن اللذّة، دون أي حرج خارجي، أمام أمّه، وكأنه يريد أن يغريها جنسيّاً. إلاّ أنه يجبر على التحفّظ في تصرّفاته أمام تهديد أبيه بقطع قضيبه. ويقوّي هذا الخوف في مخيّلته أن أمّه لا قضيب لها. فينمو عند الطفل شعور بالخوف من الخصي والخوف من الأب منافسه الذي يبغضه ويرغب موته لأنه قد يخصيه. ويقود هذا الشعور الطفل إلى التخلّي عن علاقته الإستبداديّة بأمّه. وتدريجيّاً يتقبّل الإبن سلطة الأب والمحرّمات التي يفرضها عليه، ويتخلّى عن أمّه، وينجّي قضيبه من القطع.

بداية من هذا المنطلق، يحاول «فرويد» توضيح المراحل التاريخيّة التي مرّت بها ظاهرة بتر الأعضاء الجنسيّة لتصل إلى الختان. فهو يرى أن في القديم كان الشخص القوي يقتل أو يخصي منافسيه. وأمّا اليوم فنكتفي بالتهديد بخصي الطفل. والختان يقع بين المرحلتين. فبقطع غلفة الطفل نهدّده بأنه إن لم يكف عن منافسته، فإنه سوف يتم قطع قضيبه كاملاً. وهذا ما أطلق عليه «عقدة الخصي».

وقد رأى «فرويد» أن البشر كانوا في بداية أمرهم يعيشون في تجمّعات كما تعيش القردة الشبيهة بالإنسان. وكان يسيطر على كل تجمّع أب يحتكر النساء ويمنع أبناءه من الإتّصال الجنسي معهن. وكلّما تطاول أحدهم عليهن كان يخصيه، ممّا خلق عندهم شعور بالبغض نحوه والإعجاب به. وفي آخر أمرهم تآمروا عليه وقتلوه وأكلوا لحمه إعتقاداً بأنهم بفعلهم هذا سوف يرثون قوّته الخارقة. وبعد قتله تصارعوا على السلطة ولكنّهم فهموا مخاطر هذا الصراع فاتّفقوا على نظام إجتماعي يتخلّى فيه الأفراد عن نزعاتهم ويقبلون المعاملة بالمثل ويخضعون لقواعد أساسيّة لا يحق خرقها، ومنها تحريم زواج المحارم. وهكذا تم نشوء الأخلاق والقانون. وقد إنتابتهم مشاعر الندم لقتلهم والدهم فاختاروا حيواناً «طوطم» يعبدونه ويقدّسونه ويتّقونه كما كانوا يفعلون مع أبيهم ويمتنعون عن قتله وأكله. ولكنّهم كانوا يجتمعون سنوياً فيقتلون هذا الطوطم ويأكلون لحمه لتقوية هويّتهم وتوثيق إرتباطهم ببعضهم واتّحادهم مع طوطمهم.

ويعتقد «فرويد» أن الخوف من الخصي عند الطفل شعور متوارث عن ذاك الماضي البشري. وإذا كان الإبن لا يقتل أباه اليوم ليأخذ نساءه، فلأنه قتله سابقاً واحتفظ في ذاكرته بهذا الحدث. فهو يندم على ما فعل ويحاول التصالح مع أبيه القديم بخضوعه لطقس الختان. يقول «فرويد»: «إن الختان هو بديل رمزي للخصي الذي فرضه الأب القديم والمسيطر على أولاده. وكل من قَبِل بهذا الرمز يظهر بقبوله هذا ولاءه لإرادة أبيه حتّى وإن أدّى ذلك إلى تحمّل أشد التضحيات ألماً» [377] . وهكذا يكون الختان الذي يفرض على الأطفال، حسب «فرويد»، تضحية متكرّرة للتكفير عن الجرم الأوّل الذي إقترفه الأبناء ضد والدهم في بداية البشريّة [378] . هذا ويعتقد فرويد أن موسى كان مصرياً من عائلة الملك إخناتون الموحِّد. وبعد وفاة الملك قرابة عام 1354 قَبل المسيح تمرّد خلفه عليه ورفض ديانته. فقاد موسى اليهود من مصر إلى فلسطين وفرض عليهم الختان وديانة سيّده التي كان يعتنقها [379] .

ونجد صدى لنظريّة «فرويد» عند الكتّاب العرب. فيعقد نور الدين الطوالبي مقارنة بينها وبين ما يجري في بعض مناطق الجزائر. فهناك يُختن الطفل دون مخدّر بعد أن يمسكه عدّة رجال على كرسي. ثم يطلق رجال آخرون عدّة طلقات من بندقيّة. وهذا يعبّر عن ثأر الأب بعقاب الإبن. وعندها يظهر الأب إرتياحه بينما تشيد زغاريد النساء بمجده. ويعتري الأب شعور بأن إسمه سوف يدوم من خلال إبنه الذي تصالح معه بنقل جزء من رجولته وقدرته له. فيكون الختان «فدية» يقدّمها الإبن للأب حتّى يحصل على جزء من سلطته ومركزه الإجتماعي [380] . ويقول المغربي عبد الحق سرحان أن قبول رمز الختان يعني الخضوع لإرادة الأب العنيف والغيور. ويضيف بأنه يمكن تفسير الختان، بصفته عمليّة وحشيّة، وصدمة، كعقاب يفرضه البالغ على الصبي بهدف تقوية سلطة «الذات» surmoi [381] .

وإذا تركنا نظريّة «فرويد» جانباً، وجدنا أن ختان الذكور قد يعني وسيلة لفصل الإبن عن أمّه. ويشار هنا إلى أن أحد عوامل إنتشار الختان حرمان الرجل من ممارسة الجنس بعد الولادة مدّة أربعين يوماً كما عند المسلمين. وهناك من يحرم نفسه من العلاقة الجنسيّة لمدّة سنتين وهي مدّة الرضاعة. وهذا يؤدّي إلى إنفصال في المنام بين الرجل والمرأة وتعلّق الطفل بأمّه. فيقوم الأب بختان إبنه لفصله عن أمّه وفرض سلطته [382] . وإن كان ختان الذكور علامة سيطرة مباشرة على الذكور، فهو أيضاً علامة سيطرة غير مباشرة على الإناث. فالأب الذي يختن إبنه يبعث بذلك رسالة للأم بأن باستطاعته فصله عنها وبتره دون إذنها [383] . ويذكر إبن ميمون أن ختان الذكور يهدف إلى إضعاف اللذّة عند كل من الرجل والمرأة إذ يقول: «من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها».

وتفسّر نوال السعداوي ختان الذكور والإناث بأنه من منتوج نظام العبوديّة كتعبير عن «الولاء والطاعة والعبوديّة». فهي تقول:

«في مصر القديمة لم يكن الختان معروفاً. نشأ الختان في مصر القديمة بعد نشوء العبوديّة، وانقسام البشر إلى عبيد وأسياد. كان الأسياد يطالبون العبيد بالختان. كانت عمليّات الختان تجرى بأمر فرعون الإله. كان الإله فرعون يغضب كثيراً حين يرى ذكراً غير مختن. إن ختان الذكور عادة عبوديّة. إن العبيد يقدّمون القرابين للآلهة. هذه القرابين كانت ذبائح لحوم تأكلها الآلهة. إذا كنت عبداً فقيراً لا تملك الضان ولا تملك تقديم ذبائح عليك أن تقدّم خضراوات ممّا تنتجه الأرض. كانت الآلهة يفضّلون القرابين من اللحوم على القرابين من الخضراوات أو النبات. أمّا العبيد الذي لا يملكون إلاّ أجسادهم، فعليهم أن يقطعوا جزءاً من هذا اللحم ويقدّم قرباناً للإله كنوع من الرمز على الولاء والطاعة والعبوديّة. بعض العبيد كانوا يقطعون آذانهم. في عصرنا الحديث ما زالت بعض الأنظمة العسكريّة تقطع آذان الجنود الهاربين من الجيش. وشم الجبين كان أيضاً نوعاً من العقاب يفرضه السادة على العبيد» [384] .

ويرجع اليهود الختان إلى إبراهيم. فهو طاعة ليس فقط لقانون الأب، بل للآباء. وهو أيضاً علامة تسلّط رجال الدين. فهم الذين يقرّرون من يدخل فيه. وقد كان الختان تضحية من اليهودي للإله مقابل إعطائه الأرض، وكان على اليهودي أن يعطي لرجل الدين وللهيكل عشر إنتاج تلك الأرض [385] ، كما كان عليه أن يشتري إبنه البكر من رجل الدين [386] . فالختان علامة للتملك شبيهة بالعلامة التي يضعها أصحاب العبيد على عبيدهم كما رأينا في الفصل السابق.

هذا ويرى البعض أن الختان كان يهدف في أساسه غايات منظورة، مثل النظافة، تماماً كما هو القصد من نتف شعر العانة والإبط وحلق الرأس. ولكن رجال الدين إستولوا عليه وتفنّنوا في تبريره دينيّاً وجعلوا منه وسيلة للكسب والتسلّط على الغير. وما زالوا متمسّكين به رغم إنتشار وسائل النظافة. والبرهان على أن الختان لم يكن أساسه ديني إجراؤه قديماً بوسائل بدائيّة مثل حجر الصوّان كما تذكر التوراة. وقد إستمر إستعمال الصوّان فيما بعد في بعض المجتمعات مثل قبائل «العفار» في نهاية القرن التاسع عشر [387] .

وعلى العكس من النظريّة السابقة، هناك من يرى أن قرار ختان الذكور في الولايات المتّحدة يرجع في آخر الأمر للأم التي تريد فرض رقابتها على الطفل من خلال التحكّم بأعضائه الجنسيّة. ومن خلال رقابتها على الطفل، ترغب في السيطرة على الرجال بصورة عامّة [388] .

ويشار هنا إلى أن مؤامرة الصمت إحدى وسائل إحكام السيطرة. فمن المعروف أن الحركات السياسيّة والإرهابيّة تعتمد على السرّية لتنفيذ خطّطها. وكذلك يفعل المغتصب مع ضحيّته عندما يكمّم فمها أو يتهدّدها بالقتل إن باحت بعلاقته معها. هذه المؤامرة نجدها في ختان الذكور. فالرجال الذين يعانون من متاعب جرّاء الختان يلاقون صعوبة في التكلّم عنها، كما يرفضون الدخول في جدل حول الختان بينما يستمرّون في ختان أطفالهم. وهؤلاء بدورهم يأخذون موقفاً مشابهاً مع أطفالهم عندما يكبرون. نحن إذاً أمام مؤامرة الصمت: نرفض السؤال عن الختان كما نرفض الرد على أسئلة عنه [389] . ويشارك في مؤامرة الصمت كثير من النساء. فأكثر الحركات النسائيّة التي تكافح ضد ختان الإناث ترفض أخذ موقف ضد ختان الذكور. وعلى الانترنيت مجموعة تناقش ختان الإناث. وكلّما طرح ختان الذكور على النقاش ضمن هذه المجموعة يقابل بعداء شديد. وقد حاولت في العديد من المرّات بيان أنه من صالح النساء الجمع بين مكافحة ختان الذكور والإناث. ولكن كثيراً من النساء فضّلن ترك هذه المجموعة للإحتجاج على تدخّلي.

ونشير هنا إلى أن أهل أستراليا الأصليين يرفضون تماماً التكلّم عن ختان الذكور أو الإناث. ويشاركهم في رفضهم هذا علماء الأنثروبولوجية. فقد زرت جامعة بريسبان في أستراليا في يوليو 2002 واجتمعت مع رئيس قسم الدراسات الخاصّة بهذه المجموعة، ميكائيل ويليمز، وهو من أصل أسترالي وعمره 52 سنة. وكان هو ذاته مختوناً ومشقوق القضيب حسب الطريقة الأستراليّة. وعلى كل سؤال حول الختان كان يرد بأنه لا يحق له التكلم في هذا الموضوع لأنه يخاف أن يصاب بالمرض. وعندما سألته عن معنى الحرّية العلميّة إذا كان يرفض الإجابة فرد بأن القانون العرقي يعلو على القانون العلمي. وفي ردّه على سؤال حول ختان الإناث قال لي بأنه لا يحق للرجال التكلّم عن مواضيع النساء واقترح علي مناقشة الأمر مع نائبته الأستاذة جاكي هيجنز. وقد أرسلت رسالة إليكترونية لها مع بعض الأسئلة عن ختان الذكور والإناث فردّت عليها جميعاً بجملة واحدة تقول فيها بأنها تأسف لعدم الإجابة على أسئلتي لأنها لا تملك إذناً بالبوح بما تعرف. وقد توجّهت إلى قسم علم الأنثروبولوجية والتقيت مع المسؤولة عن المتحف هناك وطلبت منها إذا كان ممكناً رؤية صور للختان، فقالت بأنه لا يحق لها عرض الصور إحتراماً للأقلّيات العرقيّة في أستراليا.

2) الختان كعلامة غيرة بين الذكور والإناث

خلافاً لنظريّة «فرويد» السابقة، رأى عالم النفس «بتلهايم» (توفّى عام 1990) في الختان علامة غيرة بين الذكور والإناث. وهذه النظريّة تذكّر بما جاء في كتاب «الوليمة» لأفلاطون (توفّى عام 348 ق.م) على لسان الروائي اليوناني «اريستوفان» (توفّى قرابة عام 380 ق.م) الذي يقول بأنه كان للبشر في بداية أمرهم أربعة أذرع وأربع أرجل. وقد تمرّدوا على الإله «زيوس» فعاقبهم بشطرهم إلى قسمين. ومنذ ذاك الوقت أخذ كل شطر يبحث عن الآخر من خلال غريزة الحب ليجتمع معه ويرجع إلى أصله [390] .

يعتقد «بتلهايم» بأن النساء هن اللاتي شرّعن ختان الذكور. فإحدى أساطير قبيلة أستراليّة تقول إن النساء قد إستبدلن أداة الختان، فاستخدمن حجر الصوّان بدلاً من الخشب. وهذه الأسطورة تذكّر بقصّة صفّورة إمرأة موسى التي ختنت إبنها بحجر الصوّان (الخروج 25:4). وفي بعض القبائل الأستراليّة يجمع دم المختون ويعطى إلى أمّه لتشرب منه. وفي قبيلة مغربيّة تبلع الأم غلفة إبنها. وفي قبائل «كوكويو» الكينيّة يعبّر المختونون عن غضبهم ضد النساء فيكوّنون عصابات من 15 إلى 20 شخصاً ويعتدون على النساء المتقدّمات في السن ويغتصبونهن ثم يقتلونهن. وتقول أسطورة لسكّان إحدى جزر المحيط الهادي أن رجلاً ذهب إلى الغاب مع أخته. فتسلقت شجرة وقطعت ثمرتها بخيزرانة. ثم سقطت الخيزرانة على أخيها وقطعت غلفته. وعندما شفي، مارس الجنس مع إمرأة. فأخبرت غيرها من النساء بأن الجنس معه كان ممتعاً جدّاً. فقامت النساء بممارسة الجنس معه، ممّا أثار غضب الرجال الآخرين. ولكن النساء سخرن منهم وطالبنهم بختان أنفسهم. وفي بعض القبائل الإفريقيّة يرفضن النساء العلاقة الجنسيّة مع الرجال إذا لم يكونوا مختونين [391] .

ويرى «بتلهايم» صلة بين ختان الذكور والعادة الشهريّة عند المرأة. فعند بعض قبائل وسط أستراليا يتم شق مجرى البول للذكر في أسفله بطول 2 إلى 3 سم. وهذه العمليّة تتم بحجر صوّان بعد خمس أو ست أسابيع من عمليّة الختان ذاتها. وهذا الشق يسمّى فرجاً مثلما هو الأمر عند المرأة. ويوضع في الشق الدامي زهرة حمراء حتّى يبقى أحمر اللون بعد الشفاء. وتعتقد القبائل الأستراليّة أن المرأة تتطهّر بالعادة الشهريّة، وعلى الرجل أن يتطهّر مثلها بإدماء جرحه. ويسمّى ذلك الإدماء العادة الشهريّة. ويعتبر الشخص الذي يدمي غير طاهر تماماً مثل المرأة طول مدّة الطمث [392] .

ويعطي «بتلهايم» مثلاً للرغبة في التشبّه بالجنس الآخر عادة مد البظر والشفرين الصغيرين عند نساء بعض القبائل. فهذا يعبّر عن رغبتهن في أن يكون لهن قضيب كقضيب الذكر. وتعبّر المرأة عن هذه الرغبة من خلال إرتداء ملابس رجال وحمل السلاح ولعب دور الرجال في المجتمع [393] . ويذكر «بتلهايم» أن بعض الصبيان المرضى بالفصام العقلي كانوا يعتبرون بأنهم خُدعوا بسبب عدم وجود فرج عندهم. فكانوا يرغبون في إمتلاك فرج وثديين. وكانوا يقولون عن البنات أنهن يعتبرن أنفسهن شيئاً مُهمّاً لوجود فرج عندهن. وكانوا يرغبون في بتر فرج المرأة وثديها [394] .

ويرى «بتلهايم» أن ختان الذكور والإناث لا يفرضه الكبار على الأصغر سنّاً بقصد تخويفهم لمنعهم من المنافسة على النساء. فهم أنفسهم يرغبون فيه لاشعوريّاً للتشبّه بالجنس الآخر. وقد جاءت الطقوس لكي تلبّي تلك الرغبة اللاشعوريّة [395] . ورُد عليه بأنه لو كانت تلك الرغبة عامّة في جميع المجتمعات، لكان الختان منتشراً فيها جميعاً [396] .

ورغم مخالفة «بتلهايم» لنظريّة «فرويد» السابقة، إلاّ أنه يرى أن الختان في بداية العمر مثلما يتم عند اليهود يخلق عند الطفل نوعاً من التخلّي عن الذات لصالح الأب. وعندما يكبر الطفل ويعلم أن أهله قد ختنوه، يصبح عنده خوف من أن يقوم أبوه بخصيه، معتبراً الختان كقصاص. ومن هنا تنمو لديه مشاعر الخوف من الأب. وهذه صفة مميّزة للدين اليهودي: الخوف من الأب. وقد يكون هذا سبب تكوين الفكرة الدينيّة بوحدانيّة الله وذكورته عند اليهود، إله جبّار يستطيع أن يخصي الناس [397] .

3) ختان الإناث تعبير عن سلطة الذكور على الإناث

في مقدّمة كتاب حول ختان الإناث في صوماليا، يقول السيّد «فاتزي»، منسّق برنامج الأغذية التابع لمنظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف:

«في كثير من المجتمعات التقليديّة، وخاصّة في إفريقيا، تقوم الأمّهات بنيّة حسنة من زمن بعيد بختان بناتهن في عمر الطفولة. وتعتبر هذه العادة في كثير من الأحيان تنفيذاً لأمر ديني، ولكن هذه الفكرة خاطئة. وقد أدّى إستمرار عادة الختان عبر العصور إلى جعلها وسيلة للشابّة لتحقيق حياة زوجيّة مستقرّة. ولهذا السبب تطلب الشابّات أنفسهن الختان باعتباره علامة إنتماء لقواعد مجتمعهن».

وينهي «فاتزي» مقدّمته معرباً عن أمله في أن يتم القضاء على «هذا الشكل القديم لإذلال واستعباد المرأة» [398] .

يظهر هذا الإقتباس جليّاً وجود نظرتين حول ختان الإناث. فالذين يؤيّدونه يعتبرونه عمل محبّة، مبني على معتقد ديني، وبه يتحقّق أمل الزواج، وتطالب به الفتيات أنفسهن كعلامة إنتماء لمجتمع. أمّا الذين يرفضونه، فيعتبرنه «شكلاً قديماً لإذلال واستعباد المرأة». وسوف نركّز هنا على هذا الطابع الأخير لختان الإناث.

قد يكون ختان الإناث نتيجة للنظام الذكوري الذي يشرّع تعدّد الزوجات ونظام العبيد. وقد أشار كتاب «كاماسوترا» الهندي كيف أن الرجل في نظام الحريم لا يمكنه أن يرضي جميع النساء اللاتي يمتلكهن. فقد يتداول العلاقة الجنسيّة مقسّماً لياليه بينهن، وقد يختار إحداهن ليمارس الجنس معها، بينما تقوم المحرومات بممارسة السحاق مع رفيقاتهن، أو يلجأن إلى إستخدام شروش وفواكه على شكل قضيب، أو يجامعن تمثالاً له قضيب منتصب، أو يحاولن الوصول إلى الرجل بكل الوسائل والحيل فيدخلنه إلى محيطهن متخفياً بملابس نسائيّة [399] . وللحد من هذه التصرّفات، قام الذكور بفرض الختان على الإناث باعتباره وسيلة للحد من شهوتهن ومنع إختلاط أطفالهم الشرعيين بأطفال من رجال غرباء [400] .

وقد كتب الدكتور أحمد شوقي الفنجري حول تاريخ ختان الإناث قائلاً:

«تعود هذه العمليّة إلى عصور الإقطاع حين كان الإقطاعي يمتلك الآلاف من البهائم والغنم إلى جانب المئات من العبدات والعبيد. وكان يعامل البهائم والبشر على السواء على أنهم ملك له. فكان يخصي الذكور من البهائم حتّى لا تحمل الإناث وهن في مرحلة إدرار اللبن، ويخصي الذكور من العبيد حتّى لا يقتربوا من نسائه. أمّا الإناث من البهائم فكانوا يضعون في أرحامهن قطعة من النوى أو زلطة حتّى لا تحمل في وقت غير مناسب. أمّا العبدات فكان يعتبرهن ملك له فقط دون غيره رغم أن أعدادهن بالمئات. فكان يختنهن لقتل الشعور الجنسي حتّى لا يستمتعن بالجنس لأنه لا يستطيع إشباعهن جميعاً» [401] .

والى نظام تعدّد الزوجات يجب إضافة ظاهرة زواج الرجل ممّن هي أصغر منه. فعدم التوازن في العمر يخلق عدم توازن في العلاقة الجنسيّة. وهذا يؤدّي إلى بحث المرأة عن اللذّة خارج عش الزوجيّة، وبحث الرجل عن وسائل لتقوية غريزته الجنسيّة (باللجوء إلى الحشيش مثلاً) أو للحد من غريزة زوجته (من خلال ختانها). وعليه فإن مكافحة ختان الإناث تتطلّب مكافحة نظام تعدّد الزوجات ونظام الزواج بفرق كبير في العمر بين الرجال والنساء. وبانتظار ذاك التغيير، فإن الطريق الأكثر أماناً للمرأة يبقى قبولها بالختان تلبية لرغبة زوجها. تقول الدكتورة كاميليا عبد الفتّاح:

«إن معنى الختان في الطبقات الفقيرة يرتبط بإرضاء الرجل إلى جانب إرتباطه بالنظافة وعدم الهيجان وبأنه سُنّة مرغوبة في الطبقات الأعلى. فالبنت الصغيرة تخضع لهذه العمليّة بل وتستريح لها طالما أنها ترضي الناس وأنها المتطلّب الرئيسي للرجل حيث تشيع فكرة أنه يفرح بذلك وأن ختان البنت هو ضمن المؤهّلات التي لن تُقبل كزوجة بدونه» [402] .

ويلاحظ أن عمليّة ختان الإناث تنتشر خاصّة حيث يحظى الرجل بتقدير من نسائه، كما هو الأمر في السنغال. يقول طبيب سنغالي إنه في هذه الأوساط يتم تكريم الرجل كتكريم المسن بالركوع أمامه وخدمته وكأنه ملك. وهذا التصرّف من المرأة يعتبر تعبيراً عن حسن التربية. فلا عجب وهذه الحال أن تقبل الفتاة، كما تفعل أمّها، الخضوع لختان الإناث وتقبل عليه وهي ترتجف ولكن بكل شجاعة لكي لا يصيب عائلتها العيب وحتّى يتم قبولها في المجتمع [403] .

وقد أجريت دراسة مصريّة رائدة على 500 طبيب وطبيبة من العاملين في وزارة الصحّة وكلّيات الطب في جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر لمعرفة موقفهم من ختان الإناث. وقد تبيّن أن تأييد الطبيب لختان الإناث ينبع من موقفه المتزمّت من قضايا الجنس والمرأة. فقد بيّنت الدراسة أن 60.8% من الأطبّاء الذين يوافقون على عمل المرأة موافقة مطلقة هم ضد ختان الإناث، بينما تصل نسبة الرافضين لختان الإناث إلى 11.6% فقط بين الذين يرفضون صراحة عمل المرأة. وتستنتج هذه الدراسة أن رفض الختان هو جزء من موقف عام يرى المرأة كائناً عاقلاً مساوياً للرجل في الحقوق والواجبات والقدرات الإجتماعيّة، ويرى أن تقدّم الوطن مرهون بإسهام كل مواطنيه رجالاً ونساء، بينما ترتبط الموافقة على الختان بنظرة دونيّة للمرأة تراها أقل كفاءة من الرجل، وأم مكانها المنزل لخدمة الزوج والأبناء، وخروجها خارج هذه الحدود يرتبط بالمشاكل الأسريّة، ويخلق فوضى جنسيّة [404] . كما بيّنت الدراسة المذكورة أن 60.6% ممّن يوافقون على إدخال الثقافة الجنسيّة في التعليم هم من معارضي الختان، بينما من يرفضون إدخال تلك الثقافة لأسباب تزمّتية دينيّة، فإن نسبة المعارضين لختان الإناث بينهم لا تزيد عن 29.4% [405] .

ويرى البعض أن ختان الإناث يقصد منه الحط من المرأة، على خلاف ختان الذكور. يقول الرئيس «توماس سنكارا»:

«هناك محاولة للحط من المرأة بجعلها تحمل هذه العلامة التي تنقص من وضعها والتي تشعرها دائماً بأنها ليست إلاّ إمرأة، ناقصة عن الرجل، لا يحق لها حتّى الإستفادة من جسدها وأن تَفرح وتُفرِح جسدها وكل كيانها. فلها حدود فرضها عليها الرجل. فبقدر ما نفهم أن الختان [للذكور] هو عمليّة صحّية، نعتبر أيضاً ختان الإناث وسيلة للحط من المرأة» [406] .

وقد قدّم لنا المقريزي (توفّى عام 1441) تفسيراً ظريفاً حول عادة ختان الإناث عند سكّان منطقة البجّة في صحراء قوص المصريّة. يقول:

«وليس منهم رجل إلاّ منزوع البيضة اليمنى، وأمّا النساء فمقطوع أشفار فروجهن، وإنه يلتحم حتّى يشق عنه للمتزوّج بمقدار ذكر الرجل، ثم قل هذا الفعل عندهم. وقيل إن السبب في ذلك أن ملكاً من الملوك حاربهم قديماً، ثم صالحهم وشرّط عليهم قطع ثدي من يولد لهم من النساء وقطع ذكور من يولد من الرجال. أراد بذلك قطع النسل منهم. فوفّوا بالشرط وقلبوا المعنى في أن جعلوا قطع الثدي للرجال والفروج للنساء» [407] .

ونشير هنا إلى أن بعض القبائل تلجأ إلى ختان الإناث كوسيلة لعقابهن على علاقة جنسيّة محرّمة. فقبائل «باهوان» الإفريقيّة تعرّض البظر إلى نمل قارص يقوم بقرضه حتّى يقع. ويقصد من ذلك إلغاء العضو الذي دفع بها إلى إقتراف مثل هذا العمل [408] .

ويفسّر الطبيب الفرنسي «جوسوم» ممارسة ختان الإناث عند قبائل «العافار» (جيبوتي) بخوف الرجال على نسائهم من رجال الدين. يقول هذا الطبيب بأن رجال الدين قد سيطروا على عقول الناس بتنويمهم مغناطيسياً من خلال وعود مستحيل الوصول إليها. وبين كل المخلوقات الحيّة، ليس هناك أسهل من الإنسان لتنويمه مغنطيسياً وللسيطرة على عقله. وفي كل العصور هناك من يُنوَّم، وهناك من يَنام، من يُسيطِر ومن يُسيطَر عليه. وفي مناطق قرن البحر الأحمر، يتم ختان الإناث بطريقة شبك الفرج كوسيلة لحمايتهن من تعدّي رجال الدين عليهن. فالساحر في تلك المنطقة له قدرة كبيرة في التأثير على الغير [409] .

والرغبة في سيطرة الذكور على الإناث نجده أيضاً في الغرب من خلال نظام حزام العفّة. ومن بعد ذلك من خلال ممارسة ختان الإناث عليهن. ويرى البعض علاقة ما بين أوّل إعلان عن حقوق المرأة في الولايات المتّحدة عام 1848 وبين تأييد الرجال هناك لختان الإناث كرد فعل لإرجاع المرأة إلى دورها الذي إعتادوا عليه وبسبب خوف الرجال من أنوثة المرأة. فهم يرون أن المرأة كانت تميل إلى الرذيلة ممّا يتطلّب علاجها ببتر أعضائها الجنسيّة [410] . وحتّى في عصرنا ما زال المجتمع الأمريكي ينظر للجنس عند المرأة نظرة إنتقاص. فلا يعيرون تقديراً للمرأة التي تبادر بالعلاقة الجنسيّة أو تبحث عنها. وتسلّط الرجل يجد تعبيراً عنه في قاعة العمليّات. فالنساء أكثر تعرّضاً لعمليّات غير ضروريّة من الرجال. فسبعة بين إحدى عشر من أكثر العمليّات ممارسة تخص النساء. وأكثر العمليّات إجراءاً هي عمليّة شق الفرج خلال الولادة دون أن يكون لتلك العمليّة ضرورة، تتبعها عمليّة إستئصال الرحم. حتّى أن بعض الأطبّاء ينصحون باستئصال الثدي كوسيلة وقائيّة ضد مرض السرطان. وهناك حالات تم فيها إفناء الأعضاء الجنسيّة للنساء دون علمهن المسبق [411] .

وكما هو الأمر فيما يخص ختان الذكور، نجد مؤامرة الصمت في خدمة السيطرة على النساء. تقول الدكتورة سهام عبد السلام تحت هذا العنوان:

«تنشأ النساء على أن من العيب أن تعلن المرأة آلامها، لا سيما المرتبطة منها بالجنس. بذلك تنكر النساء هذه الآلام سواء التي مررن بها فور إجراء التشويه لهن، أو التي يعانينها في حياتهن الزوجيّة من جرّاء هذا التشويه [...] ويكرّرن ما جرى لهن في بناتهن. علاوة على ذلك، أدّى سياج الصمت المضروب حول الحديث عن هذا الموضوع إلى إحجام السيّدات والفتيات التي لم يجر لهن هذا التشويه الجنسي وأسرهن عن الحديث مع بقيّة أخواتهن بما يعرفنه معرفة اليقين من عدم ضرورة هذه العمليّة وأن العفّة والنظافة لا ترتبطان بها، وأن حياتهن تسير في مجراها الطبيعي قَبل الزواج وبعده مع تمتّعهن بالسلامة الجسديّة. بل بلغ الأمر حد جهل أصحاب الموقفين بوجود بعضهما البعض أصلاً. فمن تخلّوا عن ممارسة التشويه الجنسي للإناث صاروا يعتقدون أن مصر كلّها قد حذت حذوهم ولم يعد فيها من يمارس هذه العادات. ومن ما زالوا يتمسّكون به يعتقدون أن هذه هي طبائع الأمور، وأنه لا توجد في مصر كلّها إمرأة لم تجر لها هذه العمليّة. وقد كسر حاجز الصمت هذا بعد إثارة الموضوع في مؤتمر السكّان» [412] .

ويرتبط بسياسة الصمت هذه الجهل الكبير بوظائف الأعضاء الجنسيّة. تقول الدكتورة سهام عبد السلام:

«ما زال الجنس من المناطق المحرّمة التي يجهلها الكثيرون. وهذا هو دور جميع مؤسّسات التعليم ولإعلام. فالناس أعداء ما جهلوا. ولو عرفوا الأساس النظري السليم لتركيب ووظائف أعضاء التأنيث الرئيسيّة لتشجّعوا على إعادة النظر في بتر هذه الأعضاء من الأنثى» [413] .

ويلاحظ في هذا المجال أن المختونات في المجتمعات التقليديّة الإفريقيّة يتم إنذارهن بعدم البوح بما يحصل لهن لأنهن سوف يمتن لو فعلن ذلك.. فالفتيات يطلبن إجراء الختان ولكن يجهلن ما يخفيه هذا الأمر لهن [414] . ويرى البعض في تأييد المختونات لما جرى لهن حتّى يحمين أنفسهن من الذم والألم النفسي أحد نتائج مؤامرة الصمت. فالمختونات لا يعترفن بأن هذا الختان يضرّهن، وهن عامّة يقرّرن ختان بناتهن [415] .

هذا وقد شنّت السيّدة «فران هوسكن» هجوماً عنيفاً على الرجال والمنظّمات الدوليّة والطبّية التي يسيطر عليها الرجال وعلى علماء الأجناس ومتخصّصي علوم الإنسان الغربيّين باعتبارهم المسؤولين عن ممارسة ختان الإناث وعن واستمرارها لأنها تخدم مصالحهم التي تتمثّل في إبقاء سيطرتهم على النساء. ولنا عودة لموقف هذه السيّدة عند كلامنا عن الختان والسياسة.

4) ختان الإناث تعبير عن سيطرة النساء على بعضهن

القول بأن ختان الإناث هو وسيلة لسيطرة الذكور على النساء يلقى إحتجاجاً وهو أن النساء أنفسهن يلعبن دوراً كبيراً في إستمراره. فمن الملاحظ أن معظم من يتّخذن قرار إجراء ختان الإناث مباشرة في مصر هن الجدّات والأمّهات، ومعظم من ينفّذنه دايات إناث، ومن يكبّلن الفتاة عمّات وخالات وجارات. وقد أشارت الإحصائيّات إلى أن أكثريّة النساء التي أجري عليهن الختان يؤكّدن على أنهن سوف يجرين الختان لبناتهن. وقد قدّمت عدّة تفاسير لهذه الظاهرة.

تبيّن نعمت أبو السعود أن الكلمة المسموعة في البيت كانت لمجموعة السيّدات الكبيرات مثل الحموات والأمّهات أو أكبر السيّدات مركزاً أو الشقيقات. فكن يحرصن على التمسّك بالتقاليد والعادات، ومن بينها ختان كل أنثى قَبل أن تصل إلى سن البلوغ. ولم تكن الأسرة تسمح بخروج نسائها حتّى لقضاء لوازمهن. وترتّب على ذلك دخول طبقة من النساء إلى المنازل لقضاء هذه الحاجات مثل الدلالة التي تبيع الملابس وغيرها. والماشطة لعمل حمّام للسيّدات ونقش الحنّة في المناسبات كمناسبات الطهارة والعرس والولادة، وهي التي كانت تجري إتّفاق الزواج بين العائلات وتعدّد أوصاف العرس ومن بينها أنها مختونة. والغجريّة تقوم برؤية الطالع وعمل الدق (الوشم الأخضر) وختان البنات. والقابلة كانت لها منزلة خاصّة فتقوم بعمليّة الولادة والعلاجات النسائيّة مثل الختان [416] .

وتفسّر السيّدة «هيكس» مساندة النساء لختان الإناث بأنهن يحصلن من ورائها على التقدير والإحترام ولقمة العيش. فمن دون ختان لا زواج ولا إحترام. فهذه وسيلتهن لحماية أنفسهن وضمان دورهن في المجتمع. والختان يخضع المرأة للنظام الإجتماعي المتضامن الذي من دونه لا حياة لهن. كما يعتبر ختان الإناث وسيلة لفقد الفرديّة ودخول جماعة النساء التي غايتها حماية عادات المجتمع الثقافيّة، فيكرّسن حياتهن للصالح العام [417] .

وتعطي الدكتورة سامية سليمان رزق تفسيراً آخر لمشاركة المرأة في ختان الإناث وهو الإنتقام من الزوج. فهي تشير إلى «معتقدات لدى البعض - وبخاصّة النساء - من أن كبت الرغبة الجنسيّة لديهن من خلال الختان هو بمثابة سلاح في أيديهن لمواجهة الزوج وإذلاله. وهو أمر يوضّح كيف أن النساء أنفسهن أصبحن مع الوقت يقمن بإعادة تشكيل القمع الذي يلحق بهن ويبرّرن حدوثه لصالحهن» [418] .

وهناك من يرى أن دعم النساء لختان الإناث ناتج عن غيرة من الشابّات [419] . وقد شرحت طبيبة سودانيّة بأن النساء ليس لهن دور في المجتمع. فيصببن كل سيطرتهن المكبوتة على الأبناء والبنات. فيجرين لبناتهن عمليّة الختان كما أجريت لهن أنفسهن. فكل إمرأة تألّمت كثيراً لا بد لها من الثأر، ولكن لا يمكنها الثأر إلاّ من بناتها رغم محبّتها لهن. وتشعر الجدّة أنه إذا أبطلت العادة فإنها سوف تفقد كل ما لها من سلطة. ولكن هذه الطبيبة تضيف أن هؤلاء الجدّات لسن شرّيرات، لا بل قد يكن متديّنات، ولكنّهن يعتقدن أنه لا يمكن الحفاظ على بكارة البنات إلاّ إذا أجري لهن الختان الفرعوني. وتضيف أن النساء رغم الألم الذي عانينه يقمن بختان أطفالهن إختياراً للطريق الأسهل وتهرّباً من مقاومة المجتمع [420] .

وترى الدكتورة سهام أن النساء يلعبن دور الوكيل المنفّذ لإرادة المجتمع الذكوري. فتشير إلى قول عجوز: «يجب أن تختن البنات لأن الرجال فقراء. فهم يأكلون فراخ المزارع التي تربّى بالهرمونات. ولذلك لا يمكن للرجال أن يرضوا نساءهن غير المختونات». فالنساء إذاً ترى في ختان الإناث مطلباً رجّاليّاً. وعامّة إذا إحتج الرجل على ختان بنته، فاحتجاجه يكون شكلياً ولا يأخذ خطوات عمليّة لمنعه. وبعد الختان يهنّئ الرجال البنت ويتمنّون لها عريساً. بينما هناك نساء يدافعن عن أخواتهن الأصغر سنّاً حتّى لا تختن كما تحاول الأمّهات حماية بناتهن بصورة أكبر من الرجال [421] .

ويشار هنا إلى أن الأم قليلاً ما تحضر عمليّات ختان الإناث لتجنّب نفسها مشاهدة ما تتعرّض لها إبنتها من أهوال وحتّى لا تتذكّر ما تعرّضت له هي في صغرها. وتسمّي كثير من النساء يوم الختان بأنه «اليوم الأسود» [422] . وقد بيّنت دراسة أجريت على قرية صعيديّة تخلّت عن ختان الإناث إلى أنه كلّما زاد سفر الرجل إلى الخارج، كلّما زادت نسبة الفتيات التي تبقى دون ختان. وقد فسّر هذا الفرق بأنه في حالة بقاء المرأة في البيت وتحمّلها مسؤوليّة تربية الأطفال، فإن المرأة تميل إلى عدم ختان بناتها. فالمرأة تستعيد الثقة في قدرتها على التصرّف في المواقف الصعبة عموماً، وهو ما لا بد وأن ينعكس على المدى البعيد على الثقة في قدرة النساء على الحفاظ على شرف الأسرة حتّى وإن كن غير مختّنات. وما فرضه سفر الرجال على النساء من ضرورة مواجهة عديد من المواقف الصعبة، والخروج عن الدور المألوف للنساء من المرجّح أن يكون له إنعكاس على تشجيعهن على الخروج على العادات السائدة فيما يتعلّق بختان الإناث أيضاً [423] .

5) من سيطرة القبيلة إلى سيطرة الأطبّاء والجيش

في المجتمعات التي فقدت العصبيّة القبليّة، تحوّلت السلطة إلى يد الأطبّاء في مجال الختان. فالختان وباء طبّي في هذه المجتمعات ما كان ليوجد لولا وجود الأطبّاء. فالأطبّاء يستعملون نفوذهم في المجتمع الغربي لإجرائه وخاصّة في المستشفيات التي تتبع الجيش. هذه هي النتيجة التي يمكن أن يتوصّل لها المتتبّع لظاهرة ختان الذكور والإناث في الغرب، وخاصّة في الولايات المتّحدة.

ففي هذه البلد تزامن تزايد ختان الذكور والإناث مع تزايد عدد الأطبّاء واهتمامهم بالعمليّات الجراحيّة وخاصّة مع تزايد إجراء الولادة في المستشفيات. ففي بداية القرن العشرين، كان أقل من 5% من الأمريكيات يلدن في المستشفى. وفي العشرينات، إرتفعت هذه النسبة إلى ما بين 30% إلى 50% في المدن الأمريكيّة الكبرى. وفي الثلاثينات، أصبحت النسبة تتراوح ما بين 60% إلى 70% في المدن المختلفة. وفي نفس البرهة الزمنيّة، بدأ إرتفاع عدد الختان حتّى تعدّت نسبته 50% من أطفال أمريكا. فإذا ولد طفل في البيت، يكون على الأهل إذا أرادوا ختانه أن يتوجّهوا أوّلاً للطبيب ممّا يتيح لهم فرصة للتفكير في ذلك مليّاً. أمّا إذا ولد الطفل في المستشفى، فالطبيب حاضر هناك وله السلطة العليا في المستشفى. وسيطرة الطبيب على الوضع لم يقع ضحيّتها فقط الطفل الذي يختن، بل أيضاً الأم. فقد تزايدت حالات الولادة بالعمليّة القيصريّة، كما تزايدت حالات شق العجّان. أضف إلى ذلك إدخال ظاهرة الرضاعة بالحليب الإصطناعي بدلاً من حليب الأم.

وبانتشار الولادة في المستشفيات، أصبحت عمليّة ختان الذكور تجرى في الأيّام الأولى بعد الولادة بينما كانت تتم سابقاً في أعمار مختلفة. وكانت هذه العمليّة تتم في بداية الأمر داخل غرفة الولادة، فور الولادة، ثم نُقلت إلى غرفة خارجيّة حتّى لا يصاب الطفل بالقشعريرة. وقد جُمِّع الأطفال في غرفة معزولة واحدة ممّا يسهّل إجراء الختان بصورة روتينيّة وميكانيكيّة دون موافقة الأهل وبعيداً عن أعينهم. وكان من الطبيعي أن يكتب الأطبّاء في ذلك الوقت أن معظم الأطفال بحاجة لمثل هذا الختان وأن هذا أفضل من إجرائه عندما يكبرون. ومع نشوء التأمين الصحّي، أحس الأطبّاء بالحرّية لأخذ أي إجراء ما دام أنهم متأكّدون بأنه سيتم دفع أجرتهم. وهكذا تم إجراء الختان مجّاناً للأهل وفي نفس الوقت إستفاد المستشفى والطبيب من هذه العمليّة التي تدر عليه مالاً سهل المكسب.

ومن الملاحظ هنا أن الختان كان منتشراً بصورة أكبر في الطبقات المرفّهة والمتوسّطة باعتبار أن هؤلاء كانوا يلجأون للولادة في المستشفى أكثر من الطبقة الفقيرة. وعندما تغيّر نظام الولادة في الولايات المتّحدة، إنخفضت نسبة الختان. وضمن هذا التغيّر الذي أثّر في إنخفاض تلك النسبة يذكر مشاركة الأب في عمليّة الولادة في المستشفى، وإعطاء الأمّهات إمكانيّة للولادة في البيت، وإعادة مكانة رضاع الطفل من ثدي أمّه [424] .

ولم يكتف الأطبّاء بممارسة سلطتهم داخل المستشفيات، بل مارسوا هذه السلطة من خلال الكتب الطبّية الشعبيّة. ففي الولايات المتّحدة حيث العلاقات العائليّة أكثر إنعزالاً والتجربة مع الأطفال أقل، تلعب الكتب الطبّية الشعبيّة دوراً كبيراً. فتعود لها العائلة لمعرفة التصرّف الذي يجب أن تتّخذه مع طفلها. وكانت هذه الكتب تنقل لتلك العائلات الثقافة المتداولة. وهكذا على سبيل المثال، كان الطبيب الأمريكي الشهير «بنجامين سبوك» ينصح الأهل بختان أولادهم. ولكنّه إنتهى بالإقلاع عن هذه الفكرة عام 1976. أي أنه إحتاج إلى 30 عاماً لتغيير فكره [425] .

كما أن الأطبّاء مارسوا سلطتهم من خلال المجلاّت الطبّية المتخصّصة التي يتّهمها معارضو الختان بالتحيّز لصالح الختان. وهذا ما أشار إليه عدد من المتدخّلين في المؤتمر الدولي الخامس حول الختان الذي إنعقد في جامعة أكسفورد عام 1998 [426] . وفي إحدى هذه المداخلات أشار الدكتور «فلايس» إلى أن تحيّز المجلاّت العلميّة الأمريكيّة قد أدّى إلى التغاضي عن القواعد العلميّة. وتختار هذه المجلاّت المحقّقين من بين مجموعة مؤيّدي الختان. وهناك تحيّز شديد من قِبَل من يكتبون عن الختان في الولايات المتّحدة. فكثير من هؤلاء الكتّاب ينفّذون برنامجاً المقصود منه ختن الأطفال حديثي الولادة دون إرادتهم وبصورة جماعيّة. فالطب الأمريكي مُسَيَّس إلى درجة عالية جدّاً. ويعقد هذا الطبيب مقارنة بين من ينشرون لصالح الختان وبين المؤلّفين الألمان في الزمن النازي الذين كانوا يحاولون البرهنة على النظريّة التي تقول إن اليهود جنس منحط. فمثل هذه الدراسات مشبوهة علميّاً لأنها على الأقل تخدم مصلحة سياسيّة. ونفس الشيء يمكن قوله عن الختان في الولايات المتّحدة. فالذين يؤيّدون الختان في الولايات المتّحدة يحاولون البرهنة على إنحطاط الذكر الطبيعي. وهذه النظريّة يجب إعتبارها مشبوهة على الأقل لأنها تخدم مصالح سياسيّة واقتصاديّة [427] .

ويشار إلى أن الأطبّاء الذين يعملون في إطار الجيش الأمريكي ومستشفياته قد ساهموا كثيراً في إنتشار ختان الذكور لاعتقادهم أن الختان يحافظ على صحّة الجنود ويبقيهم في حالة إستعداد للقتال. ولذلك كانوا يفرضون الختان على الجنود تحت طائلة محاكمتهم عسكرياً [428] . وكانت عمليّة الختان في القوات البحرّية الأمريكيّة من أكثر العمليّات شيوعاً إذ كان الأطبّاء يخضعون الجنود لزيارة مفاجئة تسمّى «رقابة السلاح القصير»، يختنون خلالها كل من وجوده غير مختون [429] . وحتّى الذين نجوا من سكّينهم تأثّروا فكريّاً بنظريّات هؤلاء الأطبّاء فقاموا بختان أطفالهم من بعد. وفي زمن الحرب الباردة، إستحوذت هستيريا الختان على عقول الأمريكيّين. وأحد المبرّرات التي قدّمتها المجلاّت الطبّية والشعبيّة هو أن الختان ضروري للإستعداد للحرب والخدمة العسكريّة [430] .

هذا وما زالت العائلات الأمريكيّة تقدّم سبباً لختان أطفالها بأن الإلتحاق بالجيش يتطلّب مثل تلك العمليّة. وهذا إعتقاد سائد في الشعب الأمريكي رغم أنه لا يوجد أي قانون في هذا الخصوص. وتعطي «رومبيرج» عدّة شهادات من جنود أمريكيّين تم ختانهم قصراً من قِبَل هؤلاء الأطبّاء حال إلتحاقهم بوحداتهم، دون أن يتمكّنوا من معارضة أوامرهم. وقد علّق أحد الأطبّاء على تصرّف الجيش الأمريكي هذا بأن فرض الختان قد يكون سببه إعطاء فرصة للجرّاحين الشباب للتمرّن على العمليّات الجراحيّة. فهناك أسِرَّة كثيرة غير مشغولة في المستشفيات العسكريّة. وهناك من يفسّر الختان في الجيش الأمريكي بأنه وسيلة لتدريب الجندي على العنف نحو الآخرين. فببتر جسمه وإيلامه يصبح أكثر عدوانيّة وأكثر إستعداداً لكي يقتل ويجرح الآخرين دون أن يشعر بألمهم [431] .

وهناك معلومات تفيد أن 15% من الإيطاليين الذين يلتحقون بالجيش يتم ختانهم على يد أطبّاء الجيش، خاصّة لأن العمليّة تتم مجّاناً. وإذا ما تم ختان أحد الجنود، فإن ذلك يحدث عدوى بين الباقين الذين يطلبون إجراءه عليهم [432] .

ويشار هنا إلى أن الختان في الجيش التركي فريضة على الجميع. وقد حصل شاب تركي مسيحي غير مختون يعيش في ألمانيا على اللجوء السياسي في هذا البلد على أساس أنه مضطر للخضوع للخدمة العسكريّة عند رجوعه إلى تركيا، ومن ثم سوف يجبر على الختان. ولنا عودة إلى هذه القضيّة في الجدل القانوني.

وإن كان الجيش هو أحد عوامل إنتشار ختان الذكور في الولايات المتّحدة، فإنه قد ساعد في الحد من ختان الإناث في إريتريا. ففي الحرب التي خاضها الإريتريون للإستقلال عن الحبشة، إنضمّت الشابّات إلى صفوف حركة التحرير التي تعارض ختان الإناث. وبسبب إبتعادهن عن أهلهن ومحيطهن القروي، إستطعن الإفلات من هذه العادة. ولكن ختان الإناث قد عاد للظهور بعد إستقلال إريتريا حيث تتراوح نسبة المختونات هناك 90% من النساء. وقد تم تخفيض سن الختان لأنه يسهّل السيطرة على الفتاة الصغيرة [433] .

6) الختان والحيلة والصوريّة

للحيلة والصورة دور في عمليّات بتر الذات الشاذّة. وقد يأخذ الختان صورة حيلة. والحيلة من أهم وسائل السيطرة على الغير، أو التخلّص من مأزق، أو الحصول على فائدة مباشرة.

تحكي لنا التوراة أن أولاد يعقوب طلبوا من مغتصب أختهم دينة أن يختتن هو وذكور مدينته كشرط لزواجها منه. وبعد الختان، لم يكن باستطاعة رجال المدينة المدافعة عن أنفسهم بسبب الألم. فدخل أولاد يعقوب عليهم وأخذوا أختهم وقتلوا كل ذكر بحد السيف وسلبوا كل ثروتهم وسبوا جميع أطفالهم ونسائهم (التكوين 1:24-29). وذكرت جريدة «الخبر» الجزائريّة بتاريخ 23 أغسطس 1999 أن إسلاميين حضروا حفل ختان طفل في بلديّة «وزرة» وهم متنكّرين. وبعد إنتهاء تناول العشاء، شرعوا في قتل المدعوّين بالسلاحين الناري والأبيض فراح ضحيّة هذا الاعتداء 17 شخصاً من بينهم الطفل المختون ووالده.

ويرى كاتب روماني من القرن الرابع الميلادي أن موسى قد ختن غلطاً من طبيب. وحتّى لا يحس بالنقص أمام اليهود، فرض عليهم الختان كأمر إلهي [434] . ويذكر المؤرّخون أن إبن سعود قد لجأ إلى حيلة ختان الجنود الإنكليز الذين قاتلوا معه لتهدئة البدو، مستعيناً بفتاوى رجال الدين ومدّعياً أنه إستولى عليهم كغنائم من الشريف حسين الذي كانوا يقاتلون معه [435] .

وتلجأ الشابّات السودانيّات اللاتي مارسن الجنس قَبل الزواج لخاتنة تجري لهن الختان الفرعوني مقابل مبلغ لحفظ السر. وهذا الأسلوب يشبه خياطة غشاء البكارة التي تلجأ لها الشابّات العربيات التي فقدن بكارتهن [436] . كما تلجأ للحيلة العائلات السودانيّة التي لا ترغب في إجراء الختان الفرعوني دون أن يفتضح أمرها عند الناس. فتنظّم إحتفالاً وتدعو إليه الأقارب ويتم سرّاً الإتّفاق مع الخاتنة بأن تجري على الفتاة عمليّة ختان بسيطة دون أن تبوح بذلك للمدعوّين. وقد يتم أيضاً ترك الفتاة غير مختونة مع الإعلان عن ختانها. وبطبيعة الحال، يكشف الأمر بعد الزواج، ممّا يخلق مشاكل عائليّة، إلاّ إذا كان الزوج من الطبقة المثقّفة الذي قد يعتبر ذلك مفاجأة سعيدة [437] .

وفي الجيش الأمريكي يقوم بعض الجنود بطلب إجراء الختان عليهم، فيبقون في المستشفى العسكري بعض الأسابيع على حساب الجيش في حالة نقاهة بدلاً من الذهاب إلى ساحة المعركة [438] . وقد أخبرني صديق بأن الجنود المسيحيّين في سوريا يتذرّعون بإجراء عمليّة الختان ليحصلوا على إجازة أسبوعين تهرباً من الجيش.

وقد يكون الختان وسيلة لتفادي الإضطهاد:

- في سفر أستير نقرأ أنه بعد تتويج أستير ملكة في فارس تحوّل عدد كبير من الناس إلى اليهوديّة خوفاً من سطوة اليهود (أستير 17:8) الذين إنتقموا من أعدائهم بحد السيف (أستير 5:9). ويذكر المؤرّخ اليهودي «يوسيفوس» هذا الحدث قائلاً إن كثيراً من الشعوب ختنوا أنفسهم خوفاً من اليهود وهكذا إستطاعوا النجاة [439] .

- في رسالة القدّيس بولس لأهل غلاطية نقرأ: «إن أولئك الذين يريدون تبييض وجوههم في الأمور البشريّة هم الذين يلزمونكم الختان، وما ذلك إلاّ ليأمنوا الإضطهاد في سبيل صليب المسيح» (12:6). وقد علّق القدّيس هيرونيموس (توفّى عام 420) على هذه الآية قائلاً بأن الأباطرة الرومان سمحوا لليهود بتطبيق عاداتهم. وهكذا تم إعفائهم من المشاركة في المراسيم الدينيّة الوثنيّة التي تعتبر الإمبراطور إلهاً حيّاً. وحتّى يستفيدوا من إمتيازات اليهود قام المسيحيّون بختان أنفسهم. وهكذا كان ينظر إليهم وكأنّهم يهود من قِبل الشعوب وكانوا ينجون من إضطهاد اليهود لهم [440] .

- يعتقد البعض أن اليهود أجروا الختان لغير اليهود في الولايات المتّحدة وقاموا بالدعاية له حتّى لا يكونوا المختونين الوحيدين هناك. وهكذا يصعب التعرّف عليهم في حالة عودة الإضطهاد ضدّهم كما حدث في الحرب العالميّة الثانية. ولنا عودة لهذه النقطة عندما سنتكلّم عن الختان والسياسة.

- يقوم المسيحيّون الفلسطينيون اليوم بختان أطفالهم بصورة واسعة لا مثيل لها في تاريخهم. وقد يكون ذلك حيلة منهم للتخفّي في الوسطين اليهودي والمسلم. وهذا السبب الذي من أجله يختارون أسماء عربيّة حياديّة حتّى يتفادوا التعرّف عليهم من قِبل المسلمين.

وقد رأينا أن بعض المخلتين يطالبون بإجراء عمليّات جراحيّة عليهم دون سبب. وهناك ظاهرة مشابهة يطلق عليها إسم «هوس العمليّات بالوكالة». فقد يتظاهر الأهل بأن إبنهم يحتاج إلى عمليّات جراحيّة ومعالجة في المستشفيات [441] . وقد ينطبق هذا على عمليّات الختان التي لا مبرّر طبّي لها. فالأهل والأطبّاء يتظاهرون بأن الطفل في حاجة لمثل تلك العمليّات، بينما الأسباب الحقيقيّة قد تكون الهوس الديني، أو الطمع المادّي، أو ميول ساديّة إجراميّة. فكما أنه هناك من يتلذّذ بتجريح نفسه وعرض جراحه، هناك من يتلذّذ بالنظر إلى جراح الغير [442] . ويشار هنا إلى أن طبيباً إسمه «اوتو ديتز» من ألمانيا الشرقيّة كان يفرض الختان على جميع المنخرطين في البوليس الشعبي. وهناك شكوك حول أسباب موقفه هذا. فقد يكون ذلك لإعداد «جواسيس» يتجسّسون على الجنود الأمريكيّين في القواعد العسكريّة الألمانيّة الغربيّة. وهناك من يعتقد بأنه كان شاذاً جنسيّاً، أو أحد الناجين اليهود من المعتقلات النازيّة، ممّا يعني أنه كان يفرض الختان إنتقاماً [443] .

7) الختان بين المحبّة والعنف والساديّة

هناك مثل عامّي يقول: «ضرب الحبيب إزبيب واحجاراته قطّين». ويقول كتاب «كاماسوترا» الهندي الشهير: «إن الرجل الذي يحمل في جسمه علامة الأظافر أو الأسنان على بعض أعضائه يتمكّن من التأثير على نفسيّة المرأة مهما كانت تلك النفسيّة قويّة. فليس هناك أفضل من علامة الأظافر والأسنان لزيادة المحبّة» [444] . ويضيف: «إذا عض رجل إمرأة بشدّة فعليها أن ترد عليه بعضة أشد. فإذا ترك أثر نقطة في جسمها، فعليها أن تترك في جسمه نقاطاً» [445] . غير أن هذا الكتاب يحث على تفادي التصرّفات الضارّة مثل قتل الزوجة أو عورها في حمية الشبق الجنسي [446] .

هناك ظاهرة مرضيّة تسمّى «المازوشية» نسبة إلى «ليبولد ساشر مازوش» (توفّى عام 1895) الذي كان يتلذّذ بإيلام نفسه وبتر أعضائه. كما هناك ظاهرة معاكسة يُطلق عليها «السادية» نسبة إلى المركيز «دي ساد» (توفّى عام 1814) الذي قضى 16 سنة في السجن و11 سنة في مستشفى للأمراض العقليّة. والمصاب بهذا الداء يتلذّذ بإيلام غيره. وقد قام المركيز المذكور بإيقاع إمرأة في فخّه فجلدها وسلخ كل جلدها بسكّين. ويذكر في هذا المجال نبيل فرنسي يدعى «جيل دي ري»، حارب مع «جان دارك». وكان هذا النبيل يستعمل دم الأطفال بدلاً من الخمر في الطقوس الدينيّة. وقد خطف طفلاً وقطع رقبته ويديه وقلع عينيه وانتزع قلبه وقدّمها للشيطان. ثم كرّر تلك العمليّة على أكثر من 700 طفل أغتصبهم أحياءاً وبعد موتهم. وقد تم إعدامه حرقاً في عام 1440 [447] .

وإن كنّا موضوعيين، فعلينا إعتبار ختان الذكور والإناث نوعاً من الساديّة والإنتهاك الجنسي للأطفال. فهو يتم تحت ستار الدين والطب على أطفال دون سبب طبّي، وعامّة دون إجراء تخدير. ويزعم الخاتن بأن الطفل لا يتألّم وأنه لا يسمع صوته، وهذا من ميّزات الساديّة. ويشار هنا إلى أن الموهيل اليهودي يقوم بمص قضيب الطفل بعد قطعه. وظاهرة مص دم الضحيّة معروفة عند علماء النفس [448] . ولا يتورّع بعض الأطبّاء من التفوه بالتعليقات المنافية للآداب وهم يقومون بالختان أمام الممرّضات [449] . ويتم الختان عامّة في حضور جماعة يظهرون الفرح من حول الطفل الذي يصيح ويحاول الإفلات من الألم. وهكذا يكون الختان ظاهرة ساديّة جماعيّة، يتلذّذ الحضور فيها بألم الغير.

يقول المؤلّف المغربي عبد الحق سرحان بأن ختان الذكور هو صورة من صور العلاقة الجدليّة ما بين العنف والمحبّة التي تتواجد بين الرجل المبتور الذي يَغتصِب والمرأة المغتصِبة التي تَبتُر. ويذكر في هذا المجال حكاية من «ألف ليلة وليلة» عن إمرأة تقوم بخصي الرجل لإذلاله ثم تطرده. ويضيف أن ختان الذكور قد يكون من إختراع النساء اللاتي لا يقدرن على إخصاء الرجل، فيقمن بقطع جزء من قضيبه. وهكذا يكون الختان وسيلة لإشفاء رغبة التدمير عند البعض مثل المتقدّمين في السن والنساء [450] .

ويشير هذا المؤلّف إلى ظاهرة مماثلة للختان في المغرب تلقى قبولاً هناك كما هو الأمر مع الختان. ففي المحيط التقليدي المغربي يرسل الأهل أطفالهم الذكور إلى المدارس القرآنيّة حيث يقوم الفقيه بالإعتناء بالأطفال من مشرق الشمس إلى مغيبها، فارضاً سلطته عليهم ومستعملاً أنواعا من القصاص الجسدي ضدّهم. وتتحوّل هذه المدارس التي تهدف إلى تعليم كلام الله إلى صفوف للإبتذال الجنسي. ويضيف هذا المؤلّف بأن الأهل يتسامحون مع مثل هذا التصرّف. ففي المحيط التقليدي، لا يعتبر إغتصاب الفقيه للصبيان إغتصاباً بالمعنى الحقيقي إذ إن هذا الشخص ملهم من الله. إن كل أبواب الجنّة مفتوحة أمامه. وهذا الشخص المختار من الله لا يمكنه آن يفعل إلاّ أعمالاً صالحة. لا بل إن البعض يعتقد أن مني الفقيه يحتوي على كمّية من الذكاء والبركة الإلهيّة التي من المستحسن إمرارها مباشرة للتلاميذ. ولذلك على التلميذ أن يضع جسده تحت تصرّف رجل القرآن. وهذا الإعتقاد يؤدّي إلى قبول تصرّفات المعلّم دون أيّة مقاومة ودون أمل في تدخّل الأهل [451] .

وبطبيعة الحال يثير وصف الختان بأنه ابتذال جنسي تحفّظاً كبيراً. فتنصح «رومبيرج» عدم اللجوء إلى مثل هذا الوصف لأنه قد يغضب البعض ويبعدهم عن قضيّة إلغاء الختان. وتضيف بأن الذين إستطاعوا من خلال تنويرهم الذهني أن يتركوا أطفالهم دون ختان عليهم أن يتذكّروا أن غيرهم قد إختار الختان لكونهم يهوداً أتقياء أو لأنهم آمنوا بالحجج الطبّية والإجتماعيّة. فكثير من معارضي الختان يعون أن الختان قد تم نتيجة الجهل أو الإعتقاد الديني، وليس لأنه كان هناك قصداً بإلحاق الضرر بالطفل. وتذكّرنا المؤلّفة بقول المسيح: «لا تدينوا لئلاّ تدانوا» (متّى 1:7-2) [452] . وهذا يعني بأنه علينا القبول بختان آلاف الأطفال من قِبل أناس يتمسّحون بالدين!!

وتقول طبيبة نفس بريطانيّة معادية للختان بأنه في حقيقته إنتهاك جنسي للأطفال لأنه إنطوى عبر العصور على معطيات هذا الإنتهاك، أي إنكار الغير، وكبح إرادتهم، وفقدان الشعور، والتكرار مع الإكراه. ولكنّها تضيف بأنها تحاول عدم اللجوء إلى مثل هذا الوصف لأن الأشخاص قليلاً ما يكون عندهم الشجاعة لمواجهة مثل هذا الإتّهام بصورة مباشرة. ولا يمكننا أن نطالبهم بمثل تلك الشجاعة. ولذا يكفي أن نشجّعهم على ترك الختان باعتبار أن الأوضاع قد تغيّرت، وأن المعلومات حول حساسيّة الطفل قد تطوّرت، وأن خبرتنا اليوم ليست كخبرتنا في الماضي [453] .

وتقول «لايتفوت كلاين» بأنه يجب عدم إشعار الإفريقيّات التي يعشن في الغرب بأن ختان الإناث عمليّة بربريّة. فتلك النساء تعتقد أن أهلهن قد قاموا بتلك العمليّة «لصالحن» وليس «ضدّهن»، كدليل على محبّتهم لهن. فلا يجب أن نجعل من تلك النساء هدفاً للسخرية بل يجب تفهمهن حتّى يتمكّن من التغلّب على وضعهن، خاصّة أنهن لسن دائماً حرّات في قرارهن نحو بناتهن. فالضغط الإجتماعي والعائلي يلاحقهن حتّى في الغرب [454] .

الفصل الثامن: الختان والعوامل الإقتصاديّة

يتميّز كل من إبن خلدون وماركس (توفّى عام 1888) في أنهما يعتمدان كثيراً على العوامل الإقتصاديّة والمادّية لتفسير الظواهر الإجتماعيّة. ومهما يكن موقفنا من هذا الفكر، يبقى واقع لا يختلف عليه إثنان وهو أن للختان علاقة بالإقتصاد. فهو مصدر ربح للطبيب. ويعتمد معدّل إنتشاره على من يدفع تكلفته. كما أن الغلفة تباع وتشترى. وتدخل في إجرائه أو عدمه إعتبارات التكلفة. وإذا كان الختان شرطاً للزواج، يتحمّل من يرفض إجراءه الآثار الماليّة السيّئة. ويعتمد مؤيّدوه ومعارضوه على سلاح المال لدعم مواقفهم. وأخيراً للختان علاقة بالتنمية الإقتصاديّة. هذا ما سنراه في النقاط التالية.

1) الجذور الإقتصاديّة لنشوء وتطوّر الختان

يرى اليهودي المؤمن في الختان أمراً إلهياً موجّهاً إلى إبراهيم ونسله (التكوين 10:17). وتوارث المسلمون هذا الرأي عن اليهود، وبعضهم زاد عليه بأن الختان كان سُنّة لآدم وأولاده من بعده. ولعّل أولاده تركوه، فعاد الله وأمر إبراهيم بإحيائه [455] . وللمؤمن أن يعتقد ما يشاء في العِلّة الأولى للختان. أمّا علماء الإجتماع والمفكّرون فإنهم يرجعون نشوء الختان وتطوّره إلى أوضاع إقتصاديّة.

تقول الدكتورة نوال السعداوي:

«إذا عرفنا من التاريخ أن الأب لم يكن حريصاً على معرفة أطفاله إلاّ من أجل أن يورثهم أرضه فإننا ندرك أن السبب الرئيسي لنشوء الأسر الأبويّة كان سبباً إقتصاديّاً. ومن أجل أن يحمي المجتمع مصالحه الإقتصاديّة فإنه يدعمها بالقيم الأخلاقيّة والدينيّة والقانونيّة. وعلى هذا فإن دراسة التاريخ توضّح لنا أن حزام العفّة الحديدي وعمليّة الختان ومثيلاتها من العمليّات الوحشيّة ضد رغبة المرأة الجنسيّة لم تنشأ إلاّ لأسباب إقتصاديّة. بل إن إستمرار مثل هذه العمليّات في مجتمعنا حتّى اليوم إنّما هو أيضاً لأسباب إقتصاديّة. إن آلاف الدايات والحكيمات والأطبّاء الذين يثرون على حساب عمليّة ختان البنات لا يمكن إلاّ أن يقاوموا أيّة محاولة للقضاء على مثل هذه العادات الضارّة. وفي المجتمع السوداني جيش هائل من الدايات يعشن على هذه العمليّات المتكرّرة من فتح أعضاء المرأة وإغلاقها في مناسبات متعدّدة ما بين زواج وولادة وطلاق وزواج مرّة أخرى» [456] .

وذكرت المغربيّة «حليمة الورزازي» في تقريرها للأمم المتّحدة لعام 1995 حول الممارسات التقليديّة التي تضر بصحّة النساء والأطفال (ومن بينها ختان الإناث) بأن هذه الممارسات تختلف من مكان إلى آخر ولكن لجميعها أصل واحد هو عدم المساواة الإقتصاديّة والإجتماعيّة التاريخيّة بين الرجال والنساء والتي ينتج عنها نظرة إلى أن المرأة أقل شأناً من الرجل [457] .

وتربط نظريّة حديثة نشوء كل من ختان الذكور والإناث بعنصر جغرافي واقتصادي. تقول هذه النظريّة بأنه قَبل 6000 سنة حدثت تقلّبات مناخيّة قاسيّة في المناطق التي يطلق عليها إسم «صحرآسيا» الممتدة من شمال إفريقيا إلى أواسط آسيا. ومن جرّاء هذه التقلّبات حل «النظام الأبوي» العنيف محل «النظام الأمي» المسالم الديمقراطي الذي كانت تسيطر عليه الأم. وهذه المجتمعات التي يسيطر عليها «النظام الأبوي» تنظر نظرة قلقة للجنس ويسيطر فيها الرجل على المرأة ويحتل فيها الإله دوراً كبيراً.

وتقول هذه النظريّة أنه في زمن المجاعة يصبح إهتمام الأهل بالطفل أضعف ورد فعلهم لصراخه أقل. والأم في بحثها المتواصل عن الطعام القليل لا تستطيع أن تعطيه الحنان الضروري، خاصّة إذا كانت هي ذاتها محرومة من الحنان في طفولتها. وكما مع القردة الأم التي ربّيت دون أم، فإنها تصبح أقل إعتناءاً بأطفالها. وهكذا تنمو القساوة في العلاقة بين الأهل وأطفالهم. وبعدها تنشأ عند المجتمع نظرة غاضبة وقلقة نحو الأم. فتتدخّل المعتقدات والقوانين والعادات والطقوس لكي تسن عدد من المحرّمات بخصوص المرأة. ويؤدّي إضعاف العلاقة بين الأم وابنها إلى إضعاف العلاقة بين المرأة والرجل. وهذا بدوره يؤدّي إلى تطوّر العنف والساديّة التي تدور حول الأعضاء الجنسيّة، ومن بينها عادة ختان الذكور والإناث. وبعد تغلغل هذه الطباع في المجتمع تصبح صفة مميّزة يحملها أفراده في هجراتهم وتصيب العدوى غيرهم من الشعوب. وحتّى إن تغيّرت الظروف الجغرافيّة التي كانت الدافع الأوّل لنشوء مثل هذه الطباع، فإن هذه الأخيرة تستمد قوّتها من كونها أصبحت تشريعاً وعادة. ولكي يتم إنهاء الختان لا بد من تغيير النظام الإجتماعي الأبوي العنيف الذي يصاحبه.

وتلاحظ هذه النظريّة أن بؤرة ختان الذكور والإناث نشأت في المناطق الشرقيّة الشماليّة لإفريقيا أو في الجزيرة العربيّة ومنها إنتقلت إلى مناطق أخرى مع الهجرات البشريّة وخاصّة الفتوحات الإسلاميّة. وموازياً لهذه المنطقة، هناك مناطق جغرافيّة أخرى مستقلّة مارس سكّانها كل من ختان الذكور والإناث، مثل القبائل الأستراليّة وبعض قبائل الأمريكتين. وفي هذه المناطق أيضاً رافق الختان تقلّبات مناخيّة قاسيّة [458] .

ويمكن المقاربة بين هذه النظريّة ونظريّة إبن خلدون الذي يرى تأثير المناخ وما يتبعه من خصب وجوع على أجساد البشر وأخلاقهم وعاداتهم ودياناتهم. ويقول إن «إختلاف الأجيال في أحوالهم إنّما هو باختلاف نحلتهم من المعاش» [459] .

وتشير «هيكس» إلى أن ممارسة الختان الفرعوني نشأ في مجتمع الرعاة والمجتمع المختلط بين الرعاة والفلاّحين في شمال السودان وقرن إفريقيا كوسيلة لحماية عفّة المرأة. ثم إنتشر إلى الجماعات الفلاّحيّة المجاورة والى سكّان المدن في شمال السودان وجيبوتي وصوماليا بسبب العلاقة الإجتماعيّة والإقتصاديّة بين الرعاة والفلاّحين والحضر [460] . وتقول «لايتفوت كلاين» بأنه نشأ كوسيلة لتحديد النسل في مناطق عانت من التصحّر وقلّة المياه لا تتحمّل زيادة عدد السكّان كما هو الأمر في شمال غربي المناطق الصحراويّة السودانيّة [461] .

وإن كان الختان قد نتج عن أوضاع إقتصاديّة متدهورة بسبب التصحّر، فقد ساعدت الأوضاع الإقتصاديّة الحاليّة في إفريقيا على إنتشاره. تقول دراسة حول ختان الإناث نشرتها الأمم المتّحدة عام 1981 أن إفريقيا تعرّضت إلى ثلاث غزوات غربيّة. كانت أوّلها تجارة العبيد التي أفرغت إفريقيا من سكّانها. تلاها الإستعمار الذي هدم النظم المحلّية وأدخل نظم إنتاجيّة جديدة لتصدير المواد الأوّليّة والمعادن. ثم جاء الإستقلال والتصنيع الذي صاحبه إستيراد المواد البديلة. وقد أدّت هذه الغزوات إلى تغيير أنماط حياة الناس وتوزيع غير متساوي للثروات، فتمّت المتاجرة بجميع مظاهر الحياة، حتّى في مجال الختان الذي أصبح وسيلة للتكسّب. كما أدّت إلى تدهور الحالة الصحّية للأكثريّة، وخاصّة النساء والأطفال، ممّا جعل الأكثريّة تلجأ إلى عادات قديمة كوسيلة للتأقلم والأمان الإجتماعي والإقتصادي. وأُدخلت ممارسات ثقافيّة يُظن أن لها أثراً إيجابيّاً على الصحّة والإنجاب ومراقبة العلاقات الجنسيّة من بينها ختان الإناث. وقد أدّى الفقر إلى إعطاء المتوفّر من الموارد والغذاء للذكور، ممّا زاد من سيطرتهم على العائلة. وقد حاول المبشّرون الغربيّون إلغاء ختان الإناث ولكن رفضت الشعوب ذلك تمسّكاً بثقافتها. فالشعوب الواقعة تحت السيطرة سياسيّاً واقتصاديّاً تجد في تصرّفاتها الثقافيّة حصناً للتأكيد على هويّتها [462] .

ويلاحظ وجود جذور إقتصاديّة لظاهرة إنتشار ختان الذكور والإناث في الولايات المتّحدة. فقد أدّى تطوّر الصناعة في العقود الأولى من القرن العشرين في ذاك البلد إلى إرتقاء الطبقة المتوسّطة إقتصاديّاً وسياسيّاً فأصبح في مقدورها تحديد الأخلاق التي يجب أن تحكم المجتمع. وقد عكست فئة الأطبّاء هذا التغيير الإجتماعي فحاولت تقديم حلول للمشاكل الناتجة عنها. ومن بين هذه المشاكل الرغبة الجنسيّة لأن الشاب أصبح مضطراً إلى تأخير الزواج بسبب التعليم الجامعي والمهني كما تطلّبه المجتمع الصناعي. كما أن الأطبّاء الأمريكيّين تبنّوا النظريّة القائلة بأن التعبير عن الحاجة الجنسيّة بدون هدف إنجاب الأطفال هو إهراق للطاقة الحيويّة. ومن هنا جاءت الحملة المعادية للعادة السرّية. ومن لم يكن في إستطاعته السيطرة على رغباته، كان على الطب التدخّل لكبتها من خلال الختان [463] . وقد رأينا سابقاً كيف أن تحوّل الولادة من البيت إلى المستشفيات في الولايات المتّحدة قد أدّى إلى إرتفاع معدّل الختان في ذلك البلد.

وإن كان للعامل الإقتصادي دور في نشوء الختان، فله أيضاً دور في تحوّله من طقس ديني إلى طقس طبّي. فهناك كثير من اليهود الذين يفضّلون إجراء عمليّة الختان في المستشفى على يد طبيب في الأيّام الأولى بعد ولادة الطفل مخالفين في ذلك التعاليم الدينيّة التي تفرض إجراء الختان ضمن طقس ديني وفي اليوم الثامن. وهذا التصرّف نابع من كون الختان في المستشفى أقل كلفة من الختان الديني الذي يتطلّب إحضار موهيل من مدينة أخرى وتعويضه ماليّاً حسب المسافة التي يقطعها [464] . ويلاحظ هذا التحوّل فيما يخص ختان الذكور والإناث في المجتمعات الأخرى. فالختان الطقسي تتبعه إحتفالات يشارك فيها الكثيرون وتكلّف مصاريف ليس في مقدور كل واحد تحمّلها. لذا تم التخلّي عن المظاهر الخارجيّة مع الإبقاء على الختان الذي أصبح يجرى في المستشفى فور الولادة. ويشار إلى أن الختان الفرعوني حل محل حزام العفّة المكلف والذي يتطلّب معرفة فنّية، كما حل محل نظام الحريم الذي لم يعد من السهل تأمين الخصيان له وتحمّل تكاليفه [465] . وقد بيّنت إمرأة تشاديّة بأن أحد أسباب إستمرار ختان الإناث في بلدها هو الخوف من الإتّهام بالبخل أو بعدم المقدرة على تمويل حفلة الختان [466] .

ويلعب الإقتصاد دوراً في تحديد هويّة الخاتن. فبعد إنتشار الختان في الدول الغربيّة في القرن التاسع عشر، بدأ الجدل حول من هو الذي يجب أن يجري الختان. فحاول رجال الطب إحتكار هذه العمليّة التي تدر عليهم أرباحاً، معتبرين أن رجال الدين اليهود ليسوا مؤهّلين للقيام بها وأنهم يعرّضون الطفل للمخاطر، خاصّة من خلال مص القضيب. ورد رجال الدين بأن ختانهم أقل خطراً وأفضل نتيجة من ختان رجال الطب. والآن تحاول السلطات الصحّية في بريطانيا تمويل عمليّات ختان الذكور التي يجريها الطبيب في المناطق المأهولة بالأقليّات العرقيّة خوفاً من الختان الذي يجرى في الشوارع [467] .

ويلعب الإقتصاد دوراً في إختلاق الأسباب الطبّية للختان. فحتّى يقوم التأمين بدفع عمليّة الختان يجب على الطبيب أن يبرّرها طبّياً. أمّا إذا كانت العمليّة لسبب ديني، فإن على الأهل تحمّل أتعاب الطبيب، ممّا قد يحثّهم على عدم إجرائها [468] . وقد تكلّمت مع أستاذ مسلم في لندن ختن إبنه في المستشفى لسبب ديني. وحتّى لا يدفع الأستاذ التكاليف من جيبه أعلن الطبيب أن الختان سببه طبّي.

وتغيير الأوضاع الإقتصاديّة من أهم العوامل التي يمكن من خلالها القضاء على ختان الإناث. فالمرأة التي لها عشرة أطفال عليها أن تسعى لإطعامهم. وسوف تسعى لتزويج بناتها إذا كان الزواج هو الوسيلة الوحيدة للتخلّص من أعبائهن. وإذا ما فرض الرجال الختان كشرط للزواج، فإن المرأة سوف تخضع لشروطهم. أمّا إذا كانت للبنات إمكانيّة للعيش إقتصاديّاً دون زواج، فإن أمّهن لن تقبل بشروط الرجال. ولذا يجب إعطاء النساء والفتيات وسيلة إقتصاديّة للعيش حتّى لا يتمكّن الرجال من فرض شروطهم عليهن. وعلى الدول الغربيّة التي تكافح للقضاء على ختان الإناث في الدول الإفريقيّة تخصيص جزء من أموال التنمية لصالح النساء الإفريقيّات لتأمين إستقلالهن الإقتصادي [469] .

2) الربح هو أحد عوامل إنتشار الختان

أ) الختان مصدر ربح للأطبّاء والخاتنين وغيرهم

يذكر لنا إنجيل متّى أن يهوذا، أحد تلاميذ المسيح، قد ذهب «إلى عظماء الكهنة وقال لهم: ماذا تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضّة. وأخذ من ذلك الحين يطلب فرصة ليسلمه» (متّى 14:26-16). لقد أدّى جشع يهوذا إلى خيانة معلّمه. وقد شدّد المسيح في الحرص من الجشع: «ما من أحد يستطيع أن يعمل لسيّدين [...]. لا تستطيعون أن تعملوا لله والمال» (متّى 24:6).

كل عمل يستحق أجراً. ولا أحد يجادل في حق الطبيب أن يستلم مالاً مقابل إجرائه عمليّة جراحيّة مثل الختان. ولكن ماذا لو كان الداعي من وراء إجراء الختان هو ربح الطبيب وليس صحّة المريض ومصلحته؟ هنا يكون الطبيب قد إقترف جرماً بحق المريض وخان قواعد الأخلاق الطبّية التي تفرض عليه أن تكون صحّة مرضاه أوّل إهتماماته، كما جاء في قسم الرابطة الطبّية العالميّة. وهذا فعلاً ما يتّهم به معارضو ختان الذكور والإناث أولئك الذين يجرون الختان. فلولا جشعهم لما أجريت تلك الأعداد الهائلة من عمليّات الختان. حتّى أن بعض المعارضين إعتبروا تصرّف الأطبّاء هذا إستغلالاً جنسيّاً واقتصاديّاً للأطفال [470] . إن الهدف الأوّل والوحيد للطبيب من إجراء الختان قد لا يكون دائماً الحصول على ربح مادّي. ولكن من المؤكّد أن الطبيب الأمريكي الذي يرفض إجراءه يتعرّض لخسارة ماليّة قدّرتها مؤلّفة أمريكيّة بـ 10000 دولار سنوياً. وهذا المبلغ الذي يخسره الطبيب الرافض سوف ينتهي إلى جيب طبيب منافس آخر. ولذا يمكن إعتبار رفض ذاك الطبيب إجراء الختان من الأعمال البطوليّة حقاً. وفي مقابلة لها مع جرّاح أمريكي، أوضح لها أنه يعارض الختان إذ لا مبرّر طبّي له. ولكي يثني الأهل، فرض عليهم أجراً أكبر ممّا يطلب الغير معتبراً ذلك «ثمن إغضاب ضميره». ورغم ذلك، هناك بعض الأهل الذين يقبلون هذه الزيادة، خاصّة أن هذه المبالغ تغطّيها شركات التأمين [471] .

ويقول طبيب أمريكي بأنه عليك عدم تصديق كل ما يقوله لك الطبيب عن الختان. فالسبب الحقيقي من ورائه ليس صحّة الطفل بل جيب الطبيب. ويذكر في هذا المجال مناقشة مع طبيب أخبره بأن الأهل يريدون الختان، وأنه سوف يحصل 200 دولار من العمليّة، ولذلك ليس هناك سبب لكي يقنعهم بعكس ذلك. وإذا هو لم يقم بالعمليّة، فإن غيره سوف يقوم بها ويحصل على المال [472] . ويضيف هذا الطبيب بأنه عليك أن لا تغلط. إن وراء عمليّة الختان مال. فالأطبّاء الأمريكيّون يجمعون سنوياً قرابة 240 مليون دولار بإجرائهم 1.2 مليون عمليّة على 1.2 مليون ذكر سليم دون مبرّر طبّي. فهذه هي العمليّة الأكثر إنتشاراً في الولايات المتّحدة. والوحيد الذي سوف يتضرّر من إلغائها ليس الطفل بل الأطبّاء والمستشفيات. فلنفرض أن طبيب التوليد يجري سنوياً 300 عمليّة ولادة نصفهم ذكور، وإذا ما قام بتحصيل 200 دولار عن كل عمليّة، فهذا يعني 30.000 دولار سنوياً. وهذا سعر سيّارة فاخرة. وإذا ما تم إقناع الأمريكيّين بأن ختان الإناث أيضاً أمر حسن ما دام أن عندهن أيضاً غلفة، فهذا يعني أن المبلغ سوف يتضاعف لشراء أفخم سيّارة [473] .

وفد أقر الدكتور «وايزويل»، كبير المدافعين عن الختان، بأنه ينظر إلى غلفة الطفل ويرى ملصقاً عليها 125 دولاراً. فإذا ما أجرى عشر عمليّات ختان في الأسبوع. فهذا يعني ربحاً إضافياً يعادل 1000 دولار. وكل هذا لا يأخذ وقتاً طويلاً [474] . هذا وقد سألته منظّمة NOCIRC في إجتماع للأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال عمّا يمكن فعله حتّى يغيّر رأيه ويترك إجراء عمليّة الختان، أجاب قائلاً: «مليون دولار» [475] .

وهناك إعتبار آخر له صلة بالمال. فرفض الطبيب إجراء الختان يعني أنه عليه أن يدخل في جدل طويل مع الأهل ومع إدارة المستشفى ممّا قد يفقده زبائنه ويخلق له مشاكل مع المستشفى [476] . وتجدر الإشارة هنا إلى أن «مارلين مايلوس»، رئيسة منظّمة NOCIRC الأمريكيّة فُصلت عن عملها كممرّضة بسبب رفضها المشاركة في إجراء الختان. فعدم الخضوع لعادات المجتمع يؤدّي إلى خسارة ماليّة أكيدة.

ويتّضح دور ربح الطبيب في معدّل الختان ممّا حدث في إنكلترا. ففي هذا البلد كان الختان يمارس بصورة واسعة كما في الولايات المتّحدة. ففي بداية الحرب العالميّة الثانية كان معدّل الختان في الطبقات المرفّهة يصل إلى 80%، وفي الطبقة العاملة إلى 50%. وكان الأطبّاء هناك يتذرّعون بمكافحة العادة السرّية. ولكن بعدما أخذ هذا البلد بنظام التأمين الإجتماعي إنخفض معدّله تدريجيّاً إلى أن وصل إلى ما يقارب الصفر في السبعينات. لقد فقد الأطبّاء الإنكليز السبب الحقيقي الذي كانوا من أجله يجرون الختان: أي الربح المالي، إذ لم يعد هناك فرق في معاشهم، أجروا العمليّة أم لم يجروها [477] .

والربح المادّي آفة ليس فقط فيما يخص ختان الذكور، بل أيضاً في أكثر العمليّات الجراحيّة. فقد تزايدت تلك العمليّات مع تزايد عدد الأطبّاء الذين يتقاسمون كعكة الأرباح الناتجة عن تجارة الصحّة. أضف إلى ذلك تزويد المستشفيات بالآلات الحديثة المكلفة. ولتغطية تكاليفها وتحقيق مكسب من ورائها لا بد من زيادة إستعمالها بخلق حاجات جديدة.

ويثير معارضو ختان الإناث نفس المشكلة. فهم يرون أن الربح عامل إنتشار لهذه العادة في الدول الإفريقيّة. فكثير من الخاتنات تعتمد على هذه العمليّة كوسيلة لكسب لقمة العيش. ففي السودان مثلاً يتم دفع مال للداية عندما تشبك فرج البنت. ثم تعود وتكسب مالاً عندما تشبك فرجها من جديد بعد ولادة إبنها أو عند الطلاق أو الترمل. كما إنها تحصل على مال للمساعدة سرّاً في فتح الزوجة إذا ما تعذّر على الزوج فتحها طبيعيّاً. وإذا كانت البنت غير عذراء فإنها تُدفع مالاً إضافياً عندما تشبك فرجها للمحافظة على السر لأن إباحته يؤدّي إلى إبطال الزواج وزرع الفوضى في المجتمع. وبطبيعة الحال، يقود هذا الربح الداية لإقناع النساء بالإبقاء على عادة ختان الإناث [478] .

وقد هاجر كثير من الأطبّاء والمثقّفين السودانيين إلى الدول التي تدفع لهم معاشات وافرة مثل السعوديّة. حتّى أن كل خرّيجي كلّية الطب قي جامعة أم درمان لعام 1983 دون أي إستثناء سافروا للعمل في السعوديّة. وقد أدّى نزوح هذه الطبقة المثقّفة إلى حرمان المستشفيات والخدمات الصحّية السودانيّة منها وسيطرة غير المؤهّلين على هذه الخدمات مثل الدايات التي لا خبرة طبّية لهن. وتحاول هذه الفئة المهنيّة جاهدة زيادة دخلها المالي بممارسة ختان الإناث في أشد صورها. وبطبيعة الحال ليس من مصلحة هذه الفئة مكافحة هذه العادة. [479] .

ويشار هنا إلى أن الحملة ضد ختان الإناث في السودان بدأت في العقدين الأوّلين من القرن العشرين بتثقيف دايات يحللن محل الدايات التقليديات، تحت إشراف سيّدة بريطانيّة. ولم يكن الهدف حين ذاك منع ختان الإناث تماماً بل إجراء ختان بطريقة أقل قساوة وأقل خطراً على صحّة الفتيات. ولكن تلك الدايات لم يكن يتقاضين أجرة من الحكومة، ولذلك كن يعتمدن لمعيشتهن على ما تدفعه العائلات. ولهذا السبب كانت العائلات هي التي تؤثّر بالدايات، وليس العكس [480] .

وفي مصر، تقوم الداية عامّة بعمليّة ختان الإناث. ومهنة الداية لها إحترامها في هذا البلد. وهي مهنة متوارثة عن الخالة أو الحماة أو الأم. والداية تقوم بمهمّات صحّية قَبل الولادة وأثناء الولادة وبعدها. ويتم إستشارتها فيما يخص الحمل وتربية الأطفال وفي كل مشكلة صحّية متعلّقة بالولادة تواجه المرأة. وبما أن ختان الإناث مصدر كسب لهن، فإنهن يعارضن الحد منه تماماً كما يعارضن تحديد النسل واستعمال وسائل منع الحمل. فهذا كلّه ينقص من مكسبهن ومستواهن الإجتماعي [481] .

وقد طرحت المشكلة الماليّة عندما فكرت مصر في تكليف الجرّاحين بدلاً من الدايات والحلاّقين بعمل عمليّة ختان الإناث تلافياً لمضاعفاتها الصحّية. فقد تبيّن أن تحويل هذه العمليّة للجرّاحين سيفتح لهؤلاء باب رزق جديد. وبدلاً من أن يحاولوا إلغاء هذه العادة سوف يشجّعونها ويرفعون من قيمتها لما لهم من مكانة في المجتمع. وهذا هو أحد الأسباب التي دعت المنظّمات التي تكافح ضد ختان الإناث إلى رفض إجرائه في المستشفيات. تقول الدكتورة سهام عبد السلام:

«الإستغلال المادّي للمرضى... هو الدافع الأساسي الذي سيجعل ضعاف النفوس من الأطبّاء يطبّقون قرار الوزير، دون محاولة إقناع الأهل. إننا نعاني من تدهور عام في الأخلاقيّات، يبرّره أصحابه (وخاصّة موظّفو الحكومة منهم) بضعف مواردهم الإقتصاديّة. والجنيهات العشرة التي سيصيب الطبيب الخاتن منها جزء والممرّضة جزء ستشجّع من لا يتحرّجون. أمّا المُستَغل مادّياً هنا فهو متخذ القرار بختان الفتاة من أهلها. أمّا الفتاة نفسها فضحيّة الجميع» [482] .

ولا يخلو موقف رجال الدين المسلمين المؤيّدين لختان الإناث في مصر من الآفة الماليّة. فهناك علاقة حميمة بين من يقوم بختان الإناث والذكور ورجال الدين. وقد بين الطبيب المصري محمّد بدوي في المؤتمر الثالث للختان الذي عقد عام 1994 في «ماريلاند» بأن محلاّت الختان في مصر تكون عامّة على مقربة من الجوامع وتحصل عادة على براءة من رجال الدين المسلمين. ومن المعروف أن البراءة تُدفع لمن يَدفع. وكما يقول المثل العامّي: «ما في شي بلاش إلاّ العمى والطراش».

وحتّى تنجح حملة مكافحة ختان الإناث، تبيّن أنه من الضروري الإعتناء بالخاتنات وتعليمهن مهنة يكسبن منها لقمة العيش حتّى يتخلّين عن إجراء ختان الإناث. ففي مؤتمر أديس أبابا لعام 1990، ذكرت ممثّلة الإتّحاد الوطني لنساء جيبوتي أن القضاء على ختان الإناث يصطدم بالإعتبارات الإقتصاديّة، أي محاولة إيجاد وظيفة بديلة للسيّدات اللاتي يجرين الختان ويبلغ عددهن في مدينة جيبوتي وحدها 30 سيّدة. ولذلك ينوي الإتّحاد تدريبهن كدايات للتوليد التقليدي خاصّة أن الطلب على هذه المهنة كبير [483] . وقد قامت اللجنة الإفريقيّة بمشروعين كبديل إقتصادي في الحبشة وفي سيراليون. وفي كل من المشروعين قامت الخاتنات باختيار نشاطات تنتج ربحاً مثل الخبز (في الحبشة) أو الصباغة (في سيراليون). وقد تخلّت هؤلاء النساء عن إجراء ختان الإناث [484] .

هذا ويلعب عامل الربح دوراً في إنتشار ختان الإناث حتّى بين الأفارقة المهاجرين في الدول الأوروبيّة. فقد تبيّن أن بعض الأطبّاء في لندن يجرون هذه العمليّة مقابل 1700 جنيه إسترليني [485] . وقد كان الأطبّاء في بريطانيا من أشد المعارضين لتبنّي القانون الذي يمنع ختان الإناث هناك [486] . وتبيّن السيّدة «هوسكن» أن موضوع ختان الإناث في الدول الغربيّة قد أُثير خاصّة في الدول التي تتحمّل فيها الحكومة تكاليف الصحّة العامّة. أمّا في دولة مثل الولايات المتّحدة، فإن كل شخص يدفع تكاليف العمليّة، ولذلك لم يثر هذا الموضوع بشدّة [487] .

وترى «هوسكن» أن عامل الربح يقف وراء إستمرار الختان. فنجده ليس فقط عند أصحاب المهن الطبّية، بل أيضاً عند أخصّائي علم الإنسان (الأنثروبولوجية). فكل هيئات التنمية تلجأ إلى مثل هؤلاء الخبراء الذين يشدّدون على ضرورة إحترام عادات الدول النامية، ومن بينها ختان الإناث. فهم يكسبون لقمة عيشهم من وراء تلك المهنة التي يستعملونها لكي يثبتوا السلطة الذكوريّة في المجتمع. وقد أدّى ذلك إلى فشل كثير من برامج التنمية التي تصطدم بالتقاليد المناهضة للتنمية [488] .

ونشير أخيراً إلى خبر نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 4 مارس 1997 يقول إن خاتنات قامت باحتجاز أكثر من ألف فتاة ما بين 4 و5 سنين في سيراليون لأن أهلهن لم يدفعوا مبلغ 3 دولارات أجرة الختان [489] .

ب) الختان وتجارة الآلات الطبّية

رأينا في الجدل الطبّي كيف نشأ الخوف من العادة السرّية في الغرب. وللحد من هذه العادة إخترع الغرب آلات وملابس خاصّة تمنع وصول اليد إلى الأعضاء الجنسيّة للذكور والإناث. وقد وتم في الولايات المتّحدة وحدها تسجيل قرابة 20 براءة إختراع لمثل تلك الأجهزة، كان أوّلها عام 1861 وآخرها عام 1932 [490] . ولجأ الغرب أيضاً إلى شبك الغلفة. وقد ذكر «دينجوال» في كتابه الذي نشره عام 1925 أنه وجد قائمة دعائيّة لشركة لندنيّة توصي بـ«حلقة الدكتور فالتيرز» لأنها «تعطي للنائم تنبيهاً في الوقت المحدّد» [491] .

وإذ أعتُبر ختان الذكور والإناث وسيلة للوقائيّة من العادة السرّية، تم أيضاً إختراع آلات تحل محل السكّين والمقص، ذكرنا بعضها في الجزء الأوّل، كان لليهود السبق في إختراعها. وقد ساعدت هذه الآلات في تثبيت عادة الختان إذ إن من يشتريها لا بد له من أن يستعملها لتغطية تكاليفها. وقد قامت الشركة الأمريكيّة المصنّعة لملزم «جومكو» بالدعاية له في الدول التي لا تمارس الختان مثل ألمانيا الغربيّة والشرقيّة. ففتحت مركزاً للتوزيع في مدينة «اولم» الألمانيّة عام 1957. وقد تم ختان 150 طفلاً في مستشفى دون تخدير بواسطة هذا الملزم في مدينة «دارمشتادت» عام 1959 ضمن حملة للترويج له. وفي عام 1968، كان هناك إتّفاق لختان 2832 طفلاً في ألمانيا الشرقيّة بواسطة هذا الملزم أملاً في إنتشاره في هذا البلد. إلاّ أن هذه الحملة قد توقّفت بعد نقد الأوساط الطبّية الألمانيّة للختان في أوائل السبعينات. وقد إنتقلت الشركة إلى محاولة ختان أطفال الدانمارك فتم ختان 18 طفلاً عام 1973 بهذا الملزم ونشرت دعايات له في المجلاّت الطبّية الدانمركيّة. ولكن كان هناك رفض شعبي لمثل هذه الإجراءات [492] .

وفي عام 1959 قام الطبيب اليهودي الأمريكي «راثمان» باختراع آلة لختان الإناث ونشر مقالاً في مجلّة طبّية للترويج لهذه الآلة موضّحاً في نفس الوقت الفوائد التي تجنى من إجراء هذه العمليّة [493] .

وقد أشرنا في الجزء الأوّل إلى آلة ماليزية الصنع لختان الذكور تدعى «تارا كلامب» من البلاستيك تشبه السحابة التي تزيل فلينة القنّينة. وقد منح معرض جنيف الدولي للإختراعات مخترعها الميدالية الذهبيّة لعام 1996. وبطبيعة الحال مانحو هذه الميدالية هم من مؤيّدي ختان الذكور. وتقوم الشركة المصنّعة بالدعاية لهذه الآلة على شبكة الانترنيت مدّعية أن إستعمالها يسمح للمريض أن يتحرّك ويعمل فوراً بعد الختان، ممّا يوفّر نفقات على الفرد. وعلى المستوى القومي «تتحسن الإعتبارات الإقتصاديّة القوميّة الإجماليّة بشكل كبير لتكلفة عمليّة الختان».

هذا ولا يمكن الوقوف ضد إختراع آلات تسهّل في إجراء العمليّات الجراحيّة وتخفّف من الآلام لو كانت هذه العمليّات ضروريّة لصحّة الفرد. وهذا ليس حال الختان. أضف إلى ذلك أنه من العبث إنتظار موقف معاد، أو على الأقل حيادي، من الختان من قِبَل مصنّعي هذه الآلات. فمن مصلحتهم إستمراره حتّى تروج تجارتهم. وهذا بحد ذاته يساعد في إنتشار الختان. ونشير هنا إلى أن المقصلة guillotine التي يتم بها تنفيذ الإعدام في فرنسا تحمل إسم الطبيب «جيوتان» الذي كان قد قدّم في عام 1789 تقريراً حول وسائل جعل عقوبة الإعدام أكثر إنسانيّة. وقد قام بتصميم الآلة طبيب آخر شغل منصب أمين عام جمعيّة الجرّاحين [494] . بإسم الإنسانيّة تُصنع آلة لإعدام الإنسان، وبإسم الإنسانيّة تُصنع وتُكافأ آلة لبتر أعضائه الجنسيّة. ولكن أين ذهبت القواعد الأخلاقيّة الطبّية التي تمنع مشاركة الأطبّاء في عمليّات التعذيب؟

ج) الختان وتجارة الغلفة

كانت الغلفة وما زالت تعتبر عند البعض عضواً نجساً. وقد تعبّد البعض بها أو إستعملها لمداواة العقم. ومنهم من وضعها في فم طفل قَبل ختانه لتقيه هجوم الأرواح الشرّيرة. ومنهم من دفنها مع الخاتن لتضمن ثوابه في الآخرة. وتقول رواية يهوديّة أن إبراهيم يجلس على باب الجحيم وينزع غلفة الأطفال الذين ماتوا غير مختونين ويلصقها على قضيب اليهود الخطأة ويرسلهم إلى الجحيم [495] . وبعض القبائل تبلع الغلفة ضمن شريحتين من الموز أو تصنع منها شوربة أو تضعها في مزبلة كمقوّي سمادي. والبعض يعلّقها في عنقه وحول ذراعه كتعويذة تقيه من الشيطان أو العين، أو يرميها في النيل واهب الخيرات. وفي سوريا يتم لف الغلفة ووضعها أمام دكّان شخص مرضي عنه ليؤمّن له نجاح تجارته.

وبجانب هذه الإعتقادات الخرافيّة المتعلّقة بالغلفة، هناك من رأى في الغلفة سلعة تجاريّة. فقد أصبحت للغلفة إستعمالات صناعيّة وطبّية. فهي تدخل في صنع بعض مستحضرات التجميل كما تستعمل في إجراء التجارب الطبّية وفي ترقيع المحروقين. فكلّما كان الجلد حسّاساً وخلاياه قادرة على التمدّد، كلّما كان تكثيره أسهل وأفضل. وهاتان الميّزتان تتواجدان في النسيج المحيط بالعينين وبالأعضاء الجنسيّة، من بينها الغلفة. ويمكن للمعمل الطبّي أن يوسّع الغلفة لتغطية ستّة ملاعب كرة قدم، حسب قول مدير إحدى تلك المعامل في الولايات المتّحدة [496] .

ومنذ الثمانينات، بدأت بعض المستشفيات الخاصّة بتزويد الشركات والمعامل الطبّية والدوائيّة بغلفات جنت من ورائها أرباحاً طائلة. فقد تباهت شركة عام 1996 بأن رأس مالها يقدّر بـ 663.9 مليون دولار [497] . وفي مقال صدر عام 1992، قدّرت المعامل الطبّية أن تجارة زراعة الجلد ستصل إلى مبالغ تراوح المليار والنصف إلى ملياري دولار سنوياً في نهاية التسعينات [498] .

وفي مقال تهكّمي صدر في الانترنيت يبيّن كاتبه أن كل غلفة تقطع من طفل يمكن أن تصل قيمتها النهائيّة إلى ما يساوي مائة مليون دولار. وإذا ما خصمنا تكاليف توسيعها في المعمل، فإن الأرباح التي يكسبها المعمل عالية جدّاً. وهذا يبرّر أن يدفع المعمل لكل طفل مبلغ مليون دولار ثمن غلفته. وقد بيّن كاتب المقال إن أسعار اسهم أحد هذه المعامل في سوق البورصة قد إرتفعت إلى أكثر من أربعة أضعاف ما بين عام 1994 وعام 1996 [499] .

وتشير مقدّمة كتاب حديث أن إجراء ختان الذكور في الولايات المتّحدة أدّى إلى أرباح تتراوح ما بين 136052000 و162540000 دولار في عام 1996 وحده. ففي ذاك العام تم إجراء 1204000 عمليّة ختان. ومتوسّط تكلفة العمليّة في عام 1995 لأطبّاء الأطفال هو 113 دولار ولأطبّاء الولادة 135 دولار، يضاف إليها أرباح المختبرات التي تتاجر وتتعامل مع الغلفة. فقد جنت هذه المختبرات التي تنمّي وتبيع منتجات صادرة عن الغلفات التي تجمعها أرباحاً طائلة. ففي عام 1996، أعلنت شركة «العلوم المتقدّمة للأنسجة» التي تتعامل مع منتجات الغلفة عن رأس مال قدره 663000000 دولار. ويتساءل مؤلّفا المقدّمة عمّا إذا كان يحق المتاجرة بالأعضاء البشريّة. ففي القرن التاسع عشر ثار جدل حول الحق في التجارة بالعبيد. واليوم، بدلاً من المتاجرة بالأفراد، هناك متاجرة بأجزاء من الأفراد دون أن يحصل الأطفال الذين تؤخذ منهم الغلف على جزء من الأرباح التي تجنيها المختبرات. كما يتساءل المؤلّفان عمّا إذا كان القصد من الدعاية للختان في الأوساط المختلفة هو جني الأرباح من وراء هذه العمليّة ومخلّفاتها [500] .

وما دام ليس لعمليّة الختان أسباب طبّية، بل رغبة الطبيب في تحقيق ربح من ورائها، فإن معارضي ختان الذكور يرون في تجارة الغلفة مشكلة جديدة تعرقل حملتهم. فما دام هناك طلب على الغلفة، فلا بد من توفيرها بختان أكبر قدر ممكن من الأطفال. فأخذ المعارضون يحذّرون الأهل من أن المستشفيات والأطبّاء الذين يجرون عمليّة الختان يسرقون غلف أطفالهم ليبيعوها [501] . فأحد تلك المستشفيات في الولايات المتّحدة يبيع الغلفة بـ 35 دولار. ويخصم بعض الأطبّاء هذا المبلغ من أتعابهم. وهناك عدّة أسئلة تطرح في هذا المجال تنتظر جواباً. ومن هذه الأسئلة:

- هل تباع الغلفات بالوزن أو بالقطعة أو بالحجم؟

- هل تفضّل الشركات التي تشتري الغلفات أن يتم الختان مع أو بدون مخدّر؟

- هل تفضّل الشركات لوناً معيّناً للغلفة؟

- هل تفضّل الشركات سنّاً معيّنة للطفل المختون؟

- هل يتم بيع غلفة الطفل والبالغ؟

- هل يطلب المستشفى موافقة الأهل على بيع الغلفة؟

- لمن ملكيّة الغلفة قَبل وبعد قطعها؟

- هل هناك سمسار يتوسط في بيع وشراء الغلفة؟

- من الذي يبيع الغلفة: إدارة المستشفى؟ أم الطبيب؟ أم الممرّضة؟ أم الموهيل؟

- هل للشخص الذي يحصل على موافقة الأهل لإجراء الختان علاقة ببيع الغلفة؟

- هل يستلم الأهل ثمن الغلفة أم يخصم الثمن من تكلفة العمليّة؟

- من الذي يحصل على المال الناتج عن إستعمالات الغلفة؟

- هل يخضع إستعمال الغلفة لنفس القواعد الأخلاقيّة التي تطبّق على زرع الأعضاء؟ [502]

وتحت يدي رسائل من كلّية الطب في جامعة «سيدني»، أستراليا، من عام 1994، تظهر أن أحد الباحثين قد وزّع معلومات مؤيّدة لختان الذكور على الممرّضات ومجموعات أخرى في العيادات الطبّية مستعملاً دون وجه حق إسم الجامعة لدعم دعايته. وقد تبيّن أن هدف توزيع هذه الرسائل كان لتأمين جمع غلفات الأطفال لإجراء الأبحاث عليها. وقد إنتقدت الجمعيّة الطبّية الأستراليّة هذه الخطوة واعتبرتها معكّرة للمهن الطبّية.

3) معدّل الختان يعتمد على من يدفع تكاليفه

أ) تكاليف الختان عند المسلمين واليهود

إهتم الفقهاء المسلمون بتحديد من يقوم بدفع تكاليف عمليّة الختان. تقول الإباضيّة إن أجرة الختان تؤدى من أموال أولياء الأطفال، ولكن إذا لم يكن لهم أموال فهي تؤدّى من أموال الأطفال. يقول الرستاقي: «يعطى أجرة الختان من أموال الصبيان إذا لم يكن لهم من يؤدّي عنهم» [503] . ويقول النووي: «يجب على السيّد أن يختن عبده أو يخلي بينه وبين كسبه ليختن به نفسه. قال القاضي: فإن كان العبد زمناً فأجرة ختانه في بيت المال. وهذا الذي قاله فيه نظر وينبغي أن يجب على السيّد كالنفقة. أجرة ختان الطفل في ماله فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته» [504] . ويقول الأنصاري (توفّى عام 1520): «وأجرته في مال مختون لأنه لمصلحته فإن لم يكن له مال فعلى من عليه مؤنته» [505] .

وفي المجتمع المسلم كثيراً ما يدعوا الموسرون عند ختان أبنائهم أطفال الفقراء للختان متحمّلين التكلفة تبرّكاً. ويقوم بعض الخاتنين بإجراء الختان مجّاناً للفقراء أو العميان.

وفي المجتمع اليهودي التونسي كان الخاتن يبادر إلى طلب شرف ختان الصبيان حال ظهور علامة الحمل على الأم. وإذا كانت العائلة فقيرة، كان يتحمّل هو تكاليف حفلة الختان [506] .

وفي فرنسا، كان النظام لعام 1853 الخاص بالختان اليهودي ينص على أن على الموهيل الحصول على شهادة من معلّمه ومن الحاخام الأكبر في منطقته وإجراء إمتحان أمام طبيب يعينه رئيس المنطقة وبعد ذلك يمكنه أن يجري عمليّة الختان، مجّاناً [507] . ولكن كانت العادة أن يعوّض الموهيل عن مصاريف تنقّلاته. وهناك من يدفع الموهيل باعتبار أنه يترك عمله لإجراء العمليّة. وقد يتم الإتّفاق مسبقاً على المبلغ أو يترك القرار للعائلة. وقد تبيّن أن المبلغ قد يتراوح بين 250 إلى 4000 فرنك فرنسي في أيّامنا. ولكن بعض المهيلين يدفعون هذه المبالغ للجمعيّات الخيريّة اليهوديّة [508] .

ويذكر طبيب وموهيل يهودي أمريكي أن من درّبه على مهنة الختان لم يكن يحتفظ بأي مبلغ يحصل عليه من الختان، بل يقدّمه لجمعيّات خيريّة. ويرى أن عدم الجري وراء الربح يساعد المهيل في أخذ قرارات موضوعيّة. فلا يقوم بختان طفل عليل خوفاً من إلتجاء الأهل إلى غيره فيكسب الأجر بدلاً منه [509] . ويقول طبيب وموهيل آخر بأن الموهيل لا يطلب أجراً على الختان. فكونه يتمّم أمراً إلهياً يعتبر بحد ذاته أجر له. ولكن العادة أن يعطى الموهيل مبلغاً من المال يأخذ منها تكاليفه ويعطي الباقي لعمل الخير. ولكن هناك من يعيش من وراء تلك العطيّة كجزء من دخله [510] .

ب) التأمين يشجّع تزايد عمليّات الختان

للتأمين وجه نيّر لأنه يساعد في توطيد التضامن بين طبقات المجتمع. ولكنّه يفتح الباب أمام مزيد من الإستهلاك الطبّي. فالمشترك في التأمين يطمع في أكبر قدر من الخدمات مقابل إشتراكه. ودفع التأمين تكاليف الختان يؤدّي إلى قبول الأهل إجرائه دون تذمّر: «كل شي بلاش كثّر منه». ومنهم من يرى في دفع التأمين برهاناً على أن للختان فائدة طبّية. وقد بيّنت دراسة على 90 عائلة بأنه في حالة عدم دفع التأمين التكاليف، فإن 20% فقط منها سوف تقوم بختان إبنها [511] .

ويفتح التأمين أيضاً الباب أمام إجراء الطبيب عمليّات غير ضروريّة. فبدلاً من أن يلجأ الطبيب إلى علاج عاهة ما بالأدوية والمضادّات الحيويّة، فإنه سوف يميل إلى إقتراح إجراء الختان لأنه يدر عليه أرباحاً أكبر ويتطلّب مجهوداً أقل. وشركات التأمين بطبيعة الحال لن تدفع أجراً للطبيب إلاّ إذا كان هناك سبب طبّي للعمليّة. ولذلك يلجأ الطبيب إلى إختلاق الأسباب الطبّية لتبرير إجرائه. وكلّما زادت تغطية التأمين لعمليّة ما، زادت نسبة ممارستها. وهذا ينطبق على الختان كما على عمليّات أخرى مثل بتر ثدي الشابّات بحجّة الوقاية من السرطان. فقد أدّى إرتفاع المبالغ التي يدفعها التأمين لمثل هذه العمليّات إلى إرتفاع في معدّلات بتر الثدي في الولايات المتّحدة [512] . وقد أظهرت دراسة تمّت في الولايات المتّحدة عام 1998، بأن 48% من الأطبّاء سوف يتركون الختان لو أن التأمين تخلّى عن دفعه. ولكن 40% منهم قالوا بأنهم سوف يستمرّون في إجرائه ويقومون بتقاضي أجرهم عنها من الأهل [513] . وقد حاول معارضو ختان الذكور لفت نظر شركات التأمين إلى أن عمليّة الختان ليست ضروريّة طبّياً. إلاّ أن لتلك الشركات منطق آخر. فقد ردّت شركة تأمين تقول:

«نحن على علم بأنه لا حاجة طبّية لهذه العمليّة [...] ونحن نشجّع مشتركينا على عدم إجرائها. إلاّ أن إجراءها لا يكلّفنا شيئاً بسبب طبيعة العقد مع المستشفيات. فنحن ندفع تكلفة يوميّة مهما كانت الخدمة المقدّمة. ولذلك إخترنا الإستمرار في دفع العمليّة لأننا نشعر بأن عدداً كبيراً من مشتركينا يريدون ذلك. وإذا رفضنا دفعها فقد يكون رد فعل مشتركينا سلبيّاً [...]. لذلك قرّرنا الإستمرار في تقديم هذه الخدمة لهم. إن الخلفيّة التي تدعم الختان ثقافيّة واجتماعيّة وليست طبّية. ونحن نستجيب لطلب إجتماعي وثقافي بدفعنا هذه العمليّة» [514] .

وردّت شركة أخرى تقول:

«من المعروف أنه لا توجد أيّة ضرورة طبّية مثبتة لإجراء الختان. ولكنّه يضرب بجذوره في ثقافتنا [...] ورغم أن عقودنا ترفض عامّة دفع خدمات غير ضروريّة طبّياً، إلاّ أننا نقوم بدفع بعض تلك العمليّات لأن مشتركينا يريدون ذلك» [515] .

وقد كتبت «رومبيرج» رسالة إلى شركة تأمين تقول فيها إن التلقيح ضد الأمراض يقي من الشلل والدفتريا، بينما عمليّة الختان لها مخاطرها ولم يمت أحد بسبب عدم قطع غلفته. فلماذا تدفعون تكاليف الختان ولا تدفعون تكاليف التلقيح ضد الأمراض؟ فأنا لا أظنّكم تدفعون تكاليف ثقب الأذن للحلق. وقد إعترفت الشركة المذكورة بأن لا فائدة صحّية من الختان. ولكنّها رأت أن عدم دفع تكاليف التلقيح ناتج عن العقد الذي لا يشمله، على عكس الختان. وليس للشركة أن تقرّر ما هي العمليّات التي يمكن أو لا يمكن إجراؤها. فهذا أمر متروك للمريض وطبيبه. وتعلّق المؤلّفة على الجواب بأنه من الواضح أن هم شركات التأمين هو بيع التأمين لشركائها وليس صحّتهم. وقد خلق هذا الوضع دائرة مفرغة. فالذي يرى أن التأمين يدفع تكاليف الختان، يظن أنه مفيداً للصحّة فيحجم عن نقده أو تركه. والوضع يختلف لو أن الأهل كان عليهم دفع تكاليفه من جيبهم الخاص. ولكن حتّى تتوقّف الشركة عن دفعها، يجب أن يسبق ذلك رفض الأطبّاء والأهل لهذه العمليّة [516] .

ويقترح الدكتور «جون وارين» بأن يتّصل معارضو الختان هاتفياً بشركات التأمين (على الخط المجّاني) للتحرّي بخصوص فواتير ختان يقدّمها لها الأطبّاء على أساس أنه عمليّة طبّية وليس دينيّة لحملها على الدفع. وهكذا تقوم الشركات بوضع هؤلاء الأطبّاء تحت الرقابة.

ونشير هنا إلى أن بعض شركات التأمين تخلّت فعلاً عن دفع تكاليف الختان. فقد أرسلت إحدى تلك الشركات واسمها Pennsylvania Blue Shield في أوّل يناير 1987 رسالة لمشتركيها تعلمهم فيها أنها لن تغطّي من الآن فصاعداً تكاليف عمليّة ختان حديثي الولادة بناءاً على «أبحاث طبّية تفيد بأن عمليّة الختان ليس لها فائدة طبّية» [517] . وقد طالبت تلك الشركات من الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال وغيرها من الهيئات الطبّية أخذ موقف من الختان لتعتمد عليه في قرارها [518] .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن طبيعة التأمين تؤثّر على معدّل الختان. ففي نظام التأمين الخاص، تقوم الشركات بجذب المشتركين من خلال تقديم أكبر قدر ممكن من الخدمات، خاضعة في ذلك إلى مبدأ المنافسة. أمّا التأمين العام، فمن مصلحته دفع أقل قدر ممكن من الخدمات. وبطبيعة الحال، ليس من مصلحته دفع عمليّات لا فائدة طبّية من ورائها. وهكذا قامت «خدمة الصحّة الوطنيّة» البريطانيّة برفض دفع عمليّات الختان غير الطبّي على إثر مقال نشره الدكتور «جيردنير» هناك عام 1949 حول عدم ضرورة ختان الذكور، مفنّداً إدّعاءات مؤيّديه. فأدّى ذلك إلى هبوط سريع في معدّله [519] .

ولكن مهما يكن النظام المتّبع، فإن الأطبّاء يلجأون أحياناً للغش لتخفيف الأعباء عن الأهل. فقد أخبرني أستاذ جامعي مسلم مصري في لندن بأنه ختن أطفاله في المستشفى. وعندما سألته هل دفع تكاليف العمليّة أجاب بأن الطبيب كان متعاوناً معه فكتب أن سبب الختان كان ضيق الغلفة [520] . وهذا ما يجري أيضاً في فرنسا حيث لا يدفع التأمين الإجتماعي إلاّ العمليّات الضروريّة طبّياً [521] .

وفي سويسرا، حيث نظام التأمين الخاص، قمت باستطلاع للرأي في شهر مارس 1999 لدى عدد من المستشفيات والهيئات الطبّية. فتبيّن من الأجوبة أن عدداً من عمليّات الختان الدينيّة يتم تقديمها لشركات التأمين كعمليّات طبّية فتدفعها دون أيّة مراقبة. وقد أشار رئيس أطبّاء في أحد المستشفيات في رسالة له بتاريخ 11 أغسطس 1993 إلى أن بعض الموظّفين الإجتماعيين وبعض الأطبّاء يحاولون إظهار عمليّة الختان الديني التي يطلبها اللاجئون المسلمون وكأنها عمليّة طبّية، لكي يدفع التأمين تكاليفها. وقد حذّر رئيس الأطبّاء من مثل هذا التصرّف المخالف للأخلاق وللقانون. ولكنّه يشير إلى أن طبيبين في ذلك المستشفى، أحدهما مسلم، مستعدّان لتقديم خدماتهما مجّاناً، على أن يتحمّل الأهل 700 فرنك تكاليف إجراء العمليّة في المستشفى. هذا وإن كانت شركات التأمين لا تدفع تكاليف ختان الذكور الديني، إلاّ أنه من واجبها تغطية تكاليف فتح الفرج للمختونات على الطريقة الفرعونيّة [522] .

4) الختان والزواج كصفقة تجاريّة

أشار متدخّلون في مؤتمر الأمم المتّحدة الذي عقد في «واجادوجو» عاصمة «بركينا فاسو» ما بين 29 أبريل و3 مايو 1991، بأن أحد عوامل إستمرار ختان الإناث هو المهر. ففي بعض القبائل في «بركينا فاسو» إذا ما كانت البنت عذراء عند الزواج يكون مهرها أعلى من مهر غير العذراء. وبما أن بعض المجتمعات، وخاصّة الرعويّة، ترى في الختان وسيلة للمحافظة على بكارة الفتاة، فإنها تجريه على فتياتها كوسيلة للحصول على مهر أكبر [523] .

وتقول السيّدة الصوماليّة «واريس ديري» إن ختان الإناث في مجتمعها هو وسيلة للحفاظ على بكارة البنت حتّى تكون سلعة رابحة عند الزواج. فقد أراد أبوها أن يزوّجها عندما كان عمرها 13 سنة لرجل عجوز مقابل خمس جمال [524] .

هكذا يأخذ الزواج دور الصفقة التجاريّة المربحة لكل من أهل الفتاة والفتاة ذاتها. ويدفعهما هذا إلى الرضوخ لمطالب الزوج بختان الفتاة كشرط لتحقيق هذه الصفقة. ومن المعروف أن التعاليم الإسلاميّة تعطي أهمّية كبيرة للزواج وتعتبره «نصف الدين»، حسب حديث نبوي. ولا مخرج من هذه الدائرة إلاّ إذا استقلت الفتاة إقتصاديّاً وتمكّنت من كسب لقمة العيش بوسيلة أخرى غير الزواج. عندها سيكون في إمكانها أن تفرض شروطها وتقول لا لمن يطلب منها الختان. وتقول «فران هوسكن» أن هروب الفتاة من الختان والزواج قد يؤدّي إلى نتائج وخيمة في حال عدم تحقيق الإستقلال الإقتصادي. فبعض هؤلاء الفتيات يهربن إلى العاصمة والمدن القريبة. وحتّى يتمكّن من العيش قد يلجأن للدعارة [525] .

وتشير دراسة أجريت في كينيا عام 1972 أن نسبة الختان بين البنات اللاتي حصلن على قدر من التعليم أقل من نسبة الأمّيات. فالبنت المتعلّمة أكثر إستقلالاً وأقل إعتماداً على الزوج. ولذلك لا حاجة لها للختان كورقة تساعدها على الزواج. كما أن نصيبها في الزواج من المثقّف أكبر، والمثقّف أقل إهتماماً بموضوع ختان الإناث من غير المثقّف. لا بل قد يحبّذ أن تكون إمرأته غير مختونة [526] .

والتمرّد على ختان الذكور يخضع لاعتبارات مماثلة. فما دام الشاب يعيش في كنف عائلته ويعتمد عليها في تأمين عيشه وفي البحث عن زوجة له وفي تربية أطفاله، فسوف تفرض عائلته سلطتها عليه وعلى أطفاله فتقوم بختانهم إذا ما إعتبرته جزءاً من معتقداتها. بينما إذا إستقل الشاب وعمل خارج العائلة وقرّر شخصياً متى ومن يتزوّج وكان هناك قوانين تحميه دون حاجة للجوء إلى عائلته، فحين ذاك سوف يشعر بحرّية في إتّخاذ قرار عدم ختان أولاده. وفعلاً قام عدد من الشباب في إسرائيل برفض ختان أطفالهم فلجأ أهاليهم إلى قطع علاقتهم العاطفيّة والماليّة معهم وهدّدوهم بحرمانهم من الميراث إذا لم يختنوهم. وليس لكل واحد القوّة الأخلاقيّة والمادّية للصمود لمثل هذا الضغط [527] .

ونشير هنا إلى أن الرجل غير المختون في قبيلة «كهوسا» في جنوب إفريقيا لا يمكنه أن يرث أو يؤسّس عائلة أو يقيم المراسيم الطقسيّة أو يجد زوجة تقبله. ويعبّر عنه بأنه صبي أو كلب أو شيء نجس. وإذا ما مضى الوقت الذي يجب فيه الختان، تقوم مجموعة من الرجال من تلك القبيلة بالسيطرة عليه بالقوّة وتختنه غصباً عنه. وهذا يحدث ليس فقط مع أعضاء القبيلة، بل أيضاً مع من ينتمون للقبائل الأخرى. فقد أمسكوا بمديري المدارس والمفتّشين وغيرهم في مدينة «ليبوا» وختنوهم بهذه الصورة. وفي «كوا نديبيلي» عيّن وزير غير مختون، ففرضوا عليه الختان. وفي عام 1987، قامت قبيلة «بيدي» بإحاطة تجمّع من الرجال من بينهم مدير المدرسة وختنتهم بالقوّة [528] .

وبما أن الإستقلال المادّي للأفراد، إناثاً كانوا أو ذكوراً، لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها. فإن القضاء على ختان الذكور والإناث رهن هذا التحوّل الإجتماعي ويتبع المدّة المتطلّبة لمثل هذا التحوّل طولاً وقصراً. وهذا لا يعني أن الإستقلال المادّي هو الشرط الوحيد للقضاء على هاتين العادتين، بل هو أحد الشروط، وقد يكون أهمّها.

5) الختان والترفيه والهدايا

يلعب الإقتصاد دوراً في قرار الختان من عدّة وجوه. وأحد تلك الوجوه الترفيه والهدايا التي تصاحب عمليّة الختان. تقول سهام عبد السلام:

«يتيح إجراء التشويه الجنسي فرصة للإحتفال وتبادل الزيارات والهدايا، لا سيما في المجتمعات التي لا تتاح فيها للنساء فرصاً كافية للترويح الإجتماعي. لذلك ينبغي تشجيع الأشكال الأخرى والمناسبات المختلفة للترفيه عن النساء بعيداً عن عمليّات التشويه الجنسي. ولا توجد إقتراحات جاهزة في هذا الشأن، إذ يلزم حشد الطاقات الإبداعيّة للعاملين الميدانيين لابتكار ما يناسب كل مجتمع على حدة» [529] .

وتقول نعمت أبو السعود أن عمليّة ختان الإناث بين الأسر الفقيرة مرحّب بها، إذ تصلها الهدايا من الجيران والأسرة بهذه المناسبة، كما أن الطفلة تحظى بأنواع من الأكل كاللحوم والدجاج ممّا لا يتيسّر لها في الظروف العاديّة. وكثيراً ما كانت تحضر الخالة أو العمّة في حالة إنفصال الأم عن الأب لتستأذن الأب في إجراء العمليّة للطفلة، وذلك لما كانت تستشعره من أن الطفلة في وجودها مع زوجة أبيها لن يلتفت إلى مصلحتها. فكانت إحدى هؤلاء السيّدات تطلب إجراء العمليّة في منزلها حتّى لا تتعرّض البنت للمعايرة بعد ذلك. وفي مثل هذه الظروف كانت البنت نفسها تحرص على إجراء العمليّة لها حتّى تحظى بما تحظى به قريناتها من البنات من هدايا وطعام ورعاية واهتمام [530] .

6) الختان وسلاح المال

يتطلّب تغيير المجتمع سواعداً ومالاً. وقد وضع القرآن الجهاد بالمال قَبل الجهاد بالنفس: «وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم» [531] . وهناك تعبير فرنسي يقول: «المال عصب الحرب». ومثل سويسري يضيف: «من يدفع يأمر». وصاحب المال لا يرضى أن يصرف ماله خلافاً لمبادئه.

في مقدّمة أعمال المؤتمر الذي عقدته «اللجنة الإفريقيّة حول الممارسات التقليديّة المؤثّرة على صحّة النساء والأطفال» عام 1984، نجد قائمة بأسماء المموّلين تتضمّن ثلاث منظّمات تابعة للأمم المتّحدة هي منظّمة الصحّة العالميّة، وصندوق الأمم المتّحدة للطفولة (يونيسيف)، وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان. ويضاف إليها عدد من المنظّمات البريطانيّة والسويسريّة والسويديّة والهولنديّة والأمريكيّة [532] . وقد موّل مؤتمر أديس أبابا لعام 1987، بالإضافة إلى الثلاث منظّمات الدوليّة السابقة، منظّمات كنديّة وبريطانيّة وسويسريّة وسويديّة وهولنديّة وأمريكيّة ودانمركيّة وألمانيّة ونرويجيّة [533] .

وإذا ما نظرنا إلى قائمة الذين شكرتهم اللجنة الإفريقيّة في منشورها رقم 24 لعام 1998 على مساعدتهم الماليّة، نجد أنها تتضمّن 36 منظّمة وهيئة هي منظّمة الوحدة الإفريقيّة، واللجنة الإقتصاديّة لإفريقيا، وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان، وصندوق الأمم المتّحدة للطفولة، ووكالة الأمم المتّحدة للاجئين، ومنظّمة الصحّة العالميّة، والبنك الدولي، ومنظّمات حكوميّة وغير حكوميّة تنتمي إلى أستراليا والدانمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا والنرويج وسويسرا والولايات المتّحدة وإيطاليا وألمانيا وكندا والسويد وألمانيا وبريطانيا واليابان [534] .

وقد ذكرت اللجنة الإفريقيّة في نشرتها رقم 20، ديسمبر 1996 نبأ مفاده أن البنك الدولي قد أهدى اللجنة الوطنيّة لمكافحة ختان الإناث في «بركينا فاسو» سيّارة وثلاثين درّاجة «يامها» ضمن مساعدته الماليّة، وهذا حتّى يتمكّن الأفراد الذين يقومون بدور التوعية من الوصول إلى الجماعات في الأوساط الريفيّة البعيدة [535] . ونشير هنا إلى أن الحكومة الهولنديّة موّلت الأعداد الأخيرة من النشرة الإخباريّة للجنة الإفريقيّة.

من الواضح من هذه الوقائع أن الغرب والمنظّمات الدوليّة التي تدور في فلكه مصدر رئيسي لتمويل حملة مكافحة ختان الإناث. ونجد إمتداداً لهذه الظاهرة في دولة مثل مصر. فالمنشورات الصادرة عن الهيئات المصريّة التي تكافح ختان الإناث تذكر أحياناً مصدر التمويل. نذكر منها:

- الإتّحاد الدولي لتنظيم الوالديّة: موّل الحلقة الدراسيّة عن الإنتهاك البدني لصغار الإناث التي عقدت في القاهرة عام 1979 [536] . وهذا هو أوّل مؤتمر يعقد في مصر حول هذا الموضوع.

- مؤسّسة «فورد»: تدعم مجموعة العمل المعنيّة بمقاومة ختان الإناث، والتي تتبع اللجنة القوميّة للمنظّمات غير الحكوميّة للسكّان والتنمية، القاهرة [537] .

- السفارة الهولنديّة في القاهرة: موّلت طباعة كتاب «مؤتمر الصحّة الإنجابيّة للمرأة» [538] .

وهناك مشكلة كبيرة حول تمويل الجمعيّات غير الحكوميّة العاملة في مجال حقوق الإنسان في مصر الذي يتضمّن موضوع ختان الإناث. وقد كتبت سناء المصري فصلاً كاملاً من كتابها «تمويل وتطبيع» تحت عنوان له مغزاه «ندوات ومؤتمرات تختين السياسة والسياسيين»، تسيطر عليه «نظريّة المؤامرة» التي سوف نتكلّم عنها في الفصل القادم.

تشير سناء المصري إلى أن إهتمام المنظّمات غير الحكوميّة بقضيّة ختان الإناث بدأ خاصّة بعد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا 1993. وزاد هذا الإهتمام بعد عقد مؤتمر السكّان بالقاهرة 1994، وتوصيات الأمم المتّحدة والجهات الخارجيّة بهذا الموضوع. وتتساءل عن سر إهتمام صنّاع القرار في الدانمارك والسفارات الأجنبيّة بموضوع ختان الإناث وعن سر الإهتمام المبالغ فيه من هذه الجهات الغامضة وسر الملايين المخصّصة للإنفاق على هذه القضيّة. وتشير كيف أنه إمعاناً في إرضاء المانحين يتسابق الحكوميون وغير الحكوميين في إبراز إهتمامهم بقضايا ختان الإناث وغيرها من الموضوعات المفضّلة لدى الخارج. وهي ترى أن للحكومات الغربيّة المموّلة أهدافاً سياسيّة تجنّد لها المثقّفين العرب وتملي عليهم أنواع النشاط الذي تريدهم أن يقومون به. وهم يتسابقون في تنفيذ رغبات تلك الحكومات جرياً وراء المال فيعقدون المؤتمرات في الفنادق الفخمة دون أن يتوصّلوا إلى نتيجة تذكر رغم الملايين التي تصرّف على نشاطاتهم [539] .

وإن كان الغرب هو المصدر الرئيسي للتمويل، فمن الطبيعي أن يملي شروطه. وبما أن الغرب يرفض الدخول في جدل حول ختان الذكور، فإن تلك المنظّمات تتفادى هذا الموضوع خوفاً من دخولها في صراع مع مصدر التمويل. وعلى سبيل المثال، رفضت الدكتورة ناهد طوبيا وضع إجاباتها بالإنكليزيّة على أسئلتي على شبكة الانترنيت بينما وافقت على نشرها بالعربيّة. فهي تعارض كل من ختان الذكور والإناث، ووضع موقفها هذا على الانترنيت باللغة الإنكليزيّة قد يعرّض مؤسّستها (رمبو) إلى قطع المعونة الماليّة عنها. وقد أشار محاضر من الكمرون أنه إشترك في مؤتمر للجنة الإفريقيّة في بلده عام 1997 وحاول إثارة موضوع ختان الذكور ولكنّه أسكت في الحال. فقد إتّهمته إحدى السيّدات بأنه يمثّل التيّار الذكوري الذي يحاول أن يحيد النقاش عن مجراه ليجذبه إليه كلّما طرح موضوع نسائي. وأضافت أن التمويل الذي جمع للمؤتمر مخصّص للكفاح ضد ختان الإناث وليس ضد ختان الذكور. وعندما أوضح أنه أيضاً يدافع عن النساء أستهزئ به [540] .

ولا تكتفي الدول الغربيّة بتمويل حركات مناهضة ختان الإناث، بل تلجأ أحياناً إلى التهديد بقطع معونتها الإقتصاديّة عن الدول التي لا تناهض هذه العادة كما سنرى في فصلنا القادم. وتشير منظّمة «أرض النساء» الألمانيّة بأن أحد أهدافها حجب المساعدة الماليّة عن مثل تلك الدول [541] .

وسلاح المال ليس حكراً على الحكومات. فمؤيّدو ختان الذكور يلوّحون بالملاحقات القضائيّة المكلفة لكي يستمر الأطبّاء في إجراء ختان الذكور وشركات التأمين في تغطية تكلفة هذه العمليّة. فقد كتب الطبيب «وايزفيل»، صاحب نظريّة حماية الختان من إلتهابات المسالك البوليّة، مقالاً يقول فيه بأنه إذا تم وضع صبي في عمليّة غسل كلى بسبب إلتهاب المسالك البوليّة لعدم ختانه، فإن شركات التأمين التي ترفض دفع تكاليف الختان سوف تعتبر مسؤولة عن ذلك. وخوفاً من تلك الملاحقات، جاء في قرار هذه الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال لعام 1989 وفي قراراتها اللاحقة أن «لعمليّة الختان بعض الفوائد الطبّية المحتملة كما لها مضارّها وأخطارها». فهذه الصياغة تحمي الأكاديميّة من الملاحقات. فلا يمكن للطبيب التحجّج بقرار الأكاديميّة لعدم إجراء الختان. ومن جهة أخرى، يمكن للطبيب تبرير إجرائه للختان بأن له فوائد محتملة [542] .

ونجد تهديداً بالملاحقات القضائيّة لإسكات معارضي الختان في رسالة نشرها حاخام يهودي أسترالي يقول فيها: «يجب أن يسمح للأطفال والأهل الذين وقعوا تحت تأثير دعاية حركات معارضي الختان أن يلاحقوا هذه الحركات قضائيّاً بسبب الأمراض التي أصابتهم لعدم ختانهم» [543] .

هذا وتشجّع الجمعيّات المعارضة للختان رفع قضايا ضد الأطبّاء الذين يجرون ختان الذكور. ويشير محامي أمريكي دافع في قضايا ختان بأن تلك القضايا سلاح فعّال. فهي وسيلة لتثقيف الأطبّاء وردع المستشفيات وتنبيه شركات التأمين بأن الختان عمليّة خطيرة وغير ضروريّة. وهي وسيلة للربح لكل من المحامي وموكّله. وكل قضيّة يتم كسبها يعني مزيد من ضغط شركات التأمين على المستشفيات والأطبّاء للكف عن هذه العمليّة المكلفة قضائيّاً. أضف إلى ذلك أن هذه القضايا سوف تثير إنتباه العامّة وتثقّفهم [544] .

7) الختان والإقتصاد الوطني

أ) ختان الذكور والإقتصاد الوطني

لملئ خزينة الدولة، قرّر الإمبراطور الروماني «فيسباسيانوس» (توفّى عام 79) وضع ضرائب على إستعمال المراحيض العامّة، معتبراً أن المال لا رائحة له. وقد إستعمل حكام «مدغشقر» الختان في القرنين الثامن والتاسع عشر لنفس الهدف. فقد فرضوا الختان على الشعب ومعه ضريبة تدفع للملك عن كل ختان. ومن لا يقوم بختان إبنه تباع إمرأته وأولاده في سوق العبيد [545] .

وتذكر «فران هوسكن» أنه يتم الإعلان عن أفلام ختان إناث في باريس ونيويورك ليشاهدها الفاسقون والمصابون بالسادومازوشيّة. ويلجأ بعض الأفارقة إلى إجراء تلك العمليّة على ضحاياهم لجمع المال من السوّاح. وتعطي مثلاً على ذلك رسالة بتاريخ 9 سبتمبر 1982 دون إسم إستلمتها من سائح زار باريس دعي لمشاهدة عمليّة ختان على فتاة سوداء مكمّمة الفم مقابل دفع 1000 فرنك فرنسي. وقد أثار نشر هذه الرسالة ضجّة في البرلمان الأوروبي، وقامت فرنسا بالتحقيق في الحادث ولكن دون نتيجة. وادعت وزيرة حقوق المرأة بالوكالة أن هذه الرسالة مختلقة [546] . وقد إتّفقت «ريني سوريل» مع الوزيرة المذكورة على ذلك. ولكن هذه الرسالة أتاحت الفرصة لإثارة الموضوع في البرلمان الأوروبي رغم أن أعضاء البرلمان كانوا يعلمون من قَبل هذا الحادث بأن ختان الإناث يمارس في الدول الغربيّة [547] .

وقد إقترح وزير الثقافة والفنون والسياحة الماليزي تنظيم مراسيم ختان ذكور جماعيّة كأحداث ثقافيّة لجذب السوّاح، معلناً بأن ذلك سوف يجلب أموالاً من مشاهدين يسرّون بمشاهدة هذه المراسيم [548] . ورغم تناقل وكالات الأنباء هذا الخبر، لم يثر أي تعليق عليه.

وقد بنى مؤيّدو إجراء ختان الذكور بصورة شاملة على الأطفال دعايتهم على أساس أن ذلك أقل كلفة للإقتصاد القومي ممّا لو أجريت عليهم بعد أن يكبروا. وبما أنه لا بد من إجراء الختان، عاجلاً أو آجلاً، فمن المفضّل إجراءه عاجلاً بعد الولادة. يقول الطبيب اليهودي «ارون فينك»، أحد المروّجين لفكرة أن الختان يحمي من مرض الإيدز، بأن الختان في الكبر أكثر تعقيداً من الختان في الصغر، فهو يتطلّب دخول المستشفى وإجراء العمليّة تحت تخدير تام وخياطة الجرح. وعليه فهو أيضاً أكثر كلفة. لذلك فإن ختن جميع الأطفال بلا سبب أرخص من ختان 5 أو 10% من الأطفال عندما يكبرون لسبب طبّي [549] .

وقد إعتمد الدكتور حسّان شمسي باشا على هذه الحجّة لنفس الهدف، مستشهداً بمقال للدكتور «وايزفيل»، كبير المدافعين عن ختان الذكور الشامل [550] . ونحن ننقل ما كتبه حسّان شمسي باشا وما نقله عن زميله الأمريكي:

«يفكّر الذين يخطّطون لأي مشروع بالتكاليف الماليّة لهذا المشروع، وفيما إذا كانت فوائده أكثر من كلفته. وعلى هذا المنوال، يقيس الأمريكيّون كلفة إجراء الختان روتينياً عند كل مولود. يقول البروفيسور «وايزفيل»:

تعالوا نبحث في النتائج الإقتصاديّة التي تترتّب على إجراء الختان عند كل وليد. ولنفترض أن كلفة الختان تبلغ 100 دولار، فإن الكلفة السنويّة لختان جميع الأطفال الذين يولدون في أمريكا ستبلغ ما يقرب من 180 مليون دولار.

فما هي الآن الكلفة السنويّة لو أننا تركنا كل أطفال أمريكا غير مختونين؟ يحتاج 10-15% من الأطفال الذكور غير المختونين أثناء الولادة إلى الختان في سن متقدّم من العمر بسبب ضيق الغلفة أو إلتهاب الحشفة المتكرّر. وإن إجراء الختان عند الأطفال الكبار أو البالغين عمليّة مكلفة، فهو يحتاج حينئذ إلى تخدير عام، ومكوث في المستشفى وإلى تغيّب المريض عن عمله لفترة ما بين 3 - 5 أيّام. وتصل تكلفة العلميّة آنذاك إلى 2000-5000 دولار. فإذا ما تركنا 1.8 مليون طفل يولدون سنوياً في أمريكا بدون ختان، ولنفرض أن 10% منهم فقط سيحتاجون إلى الختان في المستقبل، فإن الكلفة ستصل إلى ما بين 360-900 مليون دولار سنوياً (وهي أضعاف ما هو عليه لو ختن كل هؤلاء بعد الولادة). وإذا أدخلنا نفقات العوامل الطبّية الأخرى الناجمة عن عدم الإختتان كالتهاب المجاري البوليّة والأمراض الجنسيّة وسرطان المستقيم... الخ، فإن التوفير الناتج عن إجراء الختان روتينياً لكل مولود يكون أعظم بكثير.

هكذا يحسبون ويقدّرون. وحساباتهم تأتي موافقة للفطرة. ولكن العناية الإلهيّة قضت بأن الختان هو الأفضل قَبل أن يوجد حساب» [551] .

من الواضح أن الجملة الأخيرة هي من الدكتور باشا وهي إشارة إلى حديث الفطرة الذي ذكره في بداية كتابه: «الفطرة خمس: الختان والإستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط». وقصد الدكتور باشا من ذكر الفطرة في هذا المساق هو التأكيد على أن النبي قد سبق العلم في تقرير فضل الختان. وتفادياً للتكرار، نعيد القارئ إلى ما ذكرناه في الجزء الثاني حول هذا الحديث والشكوك التي تحيط به [552] .

وأرقام مؤيّدي ختان الذكور مبالغ فيها بدرجة كبيرة كما رأينا في الجدل الطبّي. أضف إلى ذلك أنهم لا يأخذون بالإعتبار نسبة مخاطر إجراء الختان، ومن بينها الوفاة، وهي عامّة أكبر من نسبة الإصابة بالأمراض التي يتذرّعون بها. ثم أنهم يتجاهلون إمكانيّة معالجة هذه الأمراض باللجوء إلى المضادّات الحيويّة دون حاجة للختان. هذا والحالات التي تستلزم اللجوء إلى عمليّة الختان لأسباب طبّية قليلة جدّاً في الدول التي لا تمارس الختان. ففي فنلندا لا يزيد عدد المحتاجين لمثل هذه العمليّة عن ستّة أفراد بين 100.000 شخص. وفي الولايات المتّحدة يتم ختان ثلاث شباب بين كل ألف شاب بعضهم لأسباب غير طبّية مثل التحوّل إلى الإسلام أو اليهوديّة أو لسبب آخر. وارتفاع هذه النسبة في الولايات المتّحدة يفسّر بكون الأطبّاء في هذه الدولة سريعي اللجوء إلى السكّين [553] .

وعلى العكس من الموقف السابق، رأى البعض عام 1977 أن التخلّي عن الختان في الولايات المتّحدة تقلّل من مصاريف المستشفيات بما يقارب 50 مليون دولار سنوياً [554] . ومن المعروف أنه لا يمكن تقديم الخدمات الصحّية بصورة متناهية. فإذا ما إشتغلت المستشفيات بإجراء عمليّات ختان لا مبرّر لها، فإن الجهد والأموال التي تحشدها المستشفيات لإجرائها ينعكس سلباً على مجالات أخرى مثل معالجة الفقراء والمتشرّدين [555] .

ب) ختان الإناث والإقتصاد الوطني

يلجأ معارضو ختان الإناث لحساب تكلفته الإقتصاديّة على الإقتصاد الوطني لتأييد موقفهم. وتشير «هوسكن» إلى أربع مبادئ في حساب هذه التكلفة:

1) التكلفة الناتجة عن وفاة الفتيات والنساء اللاتي تختن، على مستوى البلد والعائلة.

2) التكلفة الناتجة عن مضاعفات العمليّة على المدى القصير والبعيد. فإذا ما زاد عدد النساء اللاتي يلجأن إلى المستشفيات، فإن تكاليف الصحّة الحكوميّة سوف تزيد. وقد تبيّن من دراسة مصريّة بأنه خلال سنة واحدة (من يوليو 1977 إلى يوليو 1978) سجّل في مستشفى عام واحد 1967 إشغال سرير لعلاج مضاعفات ختان الإناث. وهذه التكلفة مرتفعة جدّاً خاصّة للدول النامية ذات الإمكانيّات الماليّة المحدودة في مجال الصحّة.

3) المصاريف التي يتحمّلها رب العمل عن فقدان وقت العمل الناتج عن المرض الذي يتبع تلك العمليّة. والمستخدم الرئيسي في إفريقيا والشرق الأوسط هو الحكومة. وهذا يصيب ميزانيّة التنمية وخططها في تلك الدولة.

4) تكلفة تلك العمليّة إذا ما تمّت في المستشفيات. وهنا يجب حساب تكلفة الدواء والعلاج.

وإذا ما أخذنا بالإعتبار كل هذه المعطيات، فإن الحملة ضد ختان الإناث سوف تكلّف الدولة أقل من الختان وتوفّر لها موارد كبيرة في السنين القادمة خاصّة بسبب الكارثة التي يسبّبها الإيدز الذي يساعد ختان الإناث على إنتشاره. فبدلاً من صرف كل تلك المبالغ لإجراء ختان الإناث، من المفضّل صرفها لتحسين صحّة الأطفال والمرأة من خلال الرعاية الصحّية والتربية الصحّية وتنظيم الأسرة. فهذا سوف يساعد على تنشئة جيل جديد سليم يقلّل من المصاريف الصحّية [556] .

وتذكر «لايتفوت كلاين» أن كل النساء المختونات على طريقة شبك الفرج عانت من مضاعفات في مدّة الحيض. وقد يدوم الحيض مدّة عشرة أيّام وينتج عنه روائح كريهة تضطر معها الفتاة للبقاء في البيت مدّة الحيض ممّا يخلق مشاكل دراسيّة ومهنيّة [557] .

ويحاول معارضو ختان الإناث الإعتماد على العلاقة بين هذه العادة والتنمية الإقتصاديّة لإقناع الناس للإقلاع عنها. يقول كتاب الممارسات التقليديّة:

«أن حالات الختان [للإناث] تشكّل عبئاً على دخل الأسرة وعلى الخدمات الصحّية للدولة، عندما تلجأ الفتاة أو السيّدة إلى المستشفيات العامّة أو المؤسّسات الصحّية الأخرى لعلاج أحد مضاعفات الختان. ومن أمثلة ذلك، حالات النزف بعد الطهارة مباشرة. وفي الحقيقة لا توجد إحصائيّات لعدد حالات الختان التي تلجأ إلى المستشفى لإيقاف النزف الشديد. ومن الواضح أنها تكثر في أوقات معيّنة من السنة خصوصاً في شهري يوليو وأغسطس في وقت العطلة الدراسيّة. كذلك قد تلجأ إلى المستشفى لعمل تجميل أو تصليح لما أفسدته الطهارة من جهازها التناسلي مثل إعادة العمليّة في حالة عدم قطع أجزاء متساوية، أو لعلاج ورم أو كيس أو إلتهاب في غدّة بارثولين. وفي ليلة الزفاف تلجأ بعض الفتيات لعلاج النزيف الذي قد يحدث نتيجة لصعوبة فض البكارة بسبب التليف الموجود حول فتحة المهبل نتيجة لإجراء الختان. وكذلك في وقت الولادة قد تضطر لشق العجّان لتسهيل عمليّة الوضع. وفي بعض الأحيان تذهب المرأة إلى المستشفى لعلاج مضاعفات أخرى للختان تكون قد أضرت بالأجهزة والأنسجة المجاورة» [558] .

ويستعمل معارضو ختان الإناث هذا المنطق لإقناع الجهات الغربيّة حتّى تخصّص جزءاً من مساعداتها للدول الإفريقيّة لتمويل حملات مناهضة ختان الإناث كوسيلة للتنمية الإقتصاديّة. فقد جاء في المؤتمر الذي عقد في أديس أبابا عام 1987: «يجب بذل جهود خاصّة لإعلام الواهبين والمستفيدين بضرورة حماية النساء ضد مخاطر بعض الممارسات التقليديّة كجزء من تنمية البلد ومساعدته في هذا المجال». وقد ذكر هذا المؤتمر أن ختان الإناث يؤدّي إلى تزايد عدد الوفيّات والمرض في إفريقيا وتبديد موارد العائلة على عادة لا فائدة فيها. ويضيف أن الصحّة شرط أساسي للتنمية [559] . هذا وتشتكي السيّدة «هوسكن» من أن المنظّمات الغربيّة لم تدخل ضمن برامجها التنمويّة قضيّة ختان الإناث. فقد إهتمّت هذه المنظّمات في تنظيم الأسرة وتوزيع وسائل منع الحمل، ولكنّها في نفس الوقت تغاضت عن ختان الإناث. بل إن رئيس دائرة المعونة الأمريكيّة الدكتور «رافينهالت» إعتبره «وسيلة تقليديّة لتحديد النسل» وطلب من السيّدة هوسكن كتابة مقال في هذا المعنى في مجلتها، فرفضت [560] .

وإن كان القضاء على ختان الإناث يهدف إلى التنمية الإقتصاديّة، فإن هناك من يرى أنه لا يمكن القضاء على ختان الإناث قَبل تحسن الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة. ومن جهة أخرى هناك من يرى أنه بدلاً من التشديد على ختان الإناث، يجب إعطاء الأوّلويّة لتنمية المرأة إقتصاديّاً. ويرد معارضو ختان الإناث بأنه دون تحرير العقل يصعب تحقيق التنمية الإقتصاديّة. فما لم يرتفع وعي النساء بذاتهن ويقبلن الدفاع عن حقوقهن لن تتحسّن أحوالهن الإجتماعيّة والإقتصاديّة [561] .

وتنقل «لاتفوت كلاين» عن طبيبة سودانيّة بأن المجتمع السوداني يعيش مشاكل كبيرة جدّاً. والمشاكل الجنسيّة هي مشاكل ثانويّة خلافاً لما هو الأمر في الغرب. والسيّدات السودانيّات لا يعرفن ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي. «بطبيعة الحال نحن نحس بأن هناك شيئاً يشد، ولكن يمكننا أن نتعايش معه ما لم توجد مضاعفات طبّية خطيرة». وتضيف هذه الطبيبة أنه حيث تدخل الكهرباء ستتغيّر الأمور بسبب تأثير التلفزيون ووسائل الإعلام. ولذلك سوف تبقى المشكلة كبيرة في القرى [562] .

نحن هنا إذاً في حلقة متكاملة. الختان ينبع عن أوضاع إقتصاديّة، ولا يمكن إلغاء الختان دون تغيير هذه الأوضاع. ومن جهة أخرى لا يمكن تغيير هذه الأوضاع دون إلغاء الختان.

الفصل التاسع: الختان والدوافع السياسيّة

قامت النظم الدينيّة على مبدأ الصراع بين «المؤمنين» و«الكفّار». وما زال الكثيرون يبنون علاقاتهم مع الغير على هذا الأساس ويفسّرون الموقف من الختان ضمن هذا المنطق. فيتّهم مؤيّدو الختان معارضيه بالإلحاد ومعاداة الأديان. وجاء الإستعمار كصراع بين العنصر الأوروبي وغير الأوروبيين، وخاصّة الأفارقة. ويرى هؤلاء في معاداة الغرب لختان الإناث صدى لذاك الإستعمار. وفي مواجهة هذين الصراعين يوجد صراع على أساس الجنس تقوده الحركات النسائيّة بهدف تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، متخطّية الحاجز الديني أو العنصري. وهذه الحركات تعتبر ختان الإناث تعدّياً من الذكور على النساء. وتتخلّل هذه الصراعات الثلاثة إتّهامات بالمؤامرة ومغالاة في الحجج ومبالغات في المطالب. وفي كل هذا يصعب التفريق بين النوايا الإنسانيّة والنوايا الأنانيّة كما سوف نبيّنه في هذا الفصل.

الفرع الأوّل: اليهود والختان والصراع السياسي

1) ختان الذكور والإتّهام بمعاداة الساميّة

يعتبر رجال الدين اليهود ختان الذكور جزءاً هامّاً من معتقدهم الديني وعلامة لهويّتهم كما أوضحنا في كتابنا الأوّل. ومع تصاعد الحملة الحاليّة ضد ختان الذكور، إعتبر رجال الدين اليهود هذه الحملة تعدّ عليهم وعلى معتقداتهم، متهمين المعارضين غير اليهود بـ«بمعاداة الساميّة»، والمعارضين اليهود «ببغض الذات».

والإتّهام بـ«بمعاداة الساميّة» فيه مغالطات كثيرة أوّلها في التعبير ذاته. فاليهود يحتكرون هذا التعبير ويعنون به «معاداة اليهود»، كأنهم وحدهم السامّيون بينما هم لا يكوّنون إلاّ الأقلّية بين الساميين. من جهة أخرى، لو وضعنا الجماعات التي تختن الذكور على أساس الديانة، لوجدنا اليهود أقلهم عدداً، إذ لا يزيد عددهم عن 16 مليوناً مقابل أكثر من مليار مسلم وأكثر من 350 مليون مسيحي يمارسونه. أضف إلى ذلك أن عدداً متزايداً من اليهود يأخذون موقفاً معارضاً لختان الذكور. وأخيراً يمكن إعتبار السكوت عن ختان الأطفال اليهود معاداة لليهود لأنه يتغاضى عن حمايتهم وكأن لا حق لهم في سلامة جسدهم كباقي أطفال العالم.

وقد أثّر الخوف من الإتّهام بمعاداة الساميّة في الإصطلاحات المستعملة في كتابات المنظّمات الدوليّة الحكوميّة وغير الحكوميّة. فقد تخلّت هذه المنظّمات عن إستعمال تعبير «ختان الإناث» واستبدلته بعبارة «بتر الأعضاء التناسليّة للإناث» حتّى لا يكون هناك خلط بينه وبين «ختان الذكور» الذي يمارسه اليهود. كما أن هذه المنظّمات ترفض إستعمال عبارة «بتر الأعضاء التناسليّة» للتعبير عن «ختان الذكور». فعبارة «بتر الأعضاء الجنسيّة» مهينة ولا يقبل بها اليهود لما يفعلونه لأطفالهم، فهم لا يرون في ختانهم عمليّة «بتر». ونشير هنا إلى أن الذين يمارسون ختان الإناث هم أيضاً لا يرون فيه عمليّة «بتر». وقد نقلت المؤلّفة الأمريكيّة «لايتفوت كلاين» قول لأمريكي تجوّل في إفريقيا ومارس الجنس مع نساء إفريقيّات مختونات ولم يشعر بأنهن مبتورات، ولم تكن هؤلاء النساء ليعتقدن أنهن مبتورات، فهن نساء كغيرهن من النساء [563] .

والخوف من الإتّهام بمعاداة الساميّة أدّى إلى سكوت المشرّع الغربي والمنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة (مع بعض الإستثناءات) عن «ختان الذكور» كما سنرى في الجزء الخاص بالجدل القانوني. وقد أستبعِدت مناقشة «ختان الذكور» عند عرض «ختان الإناث» دون أن يبيّن من إستبعدوه سبب التفريق بين الختانين. فمجرّد عقد مقارنة بينهما يعتبره اليهود معاداة للساميّة. وقد وضع تقرير نشر في الانترنيت إسمي ضمن معادي الساميّة في سويسرا، متعلّلاً بكتيّب نشرته عام 1994 حول الختانين [564] . هكذا يحاول اليهود فرض الصمت حول ختان الذكور حتّى يستمرّوا في ممارسته دون إحتجاج. وهذا الصمت هو أكبر عامل في إنتشاره وبقائه.

وقد إحتججت في 7 يناير 1999 على التقرير المذكور وطلبت من ناشريه إمّا تصليحه أو إضافة إعتراضي. ولكنّهم لم يردّوا على إعتراضي. وقد أرسلت إحتجاجي إلى معارضين لختان الذكور لمساندتي. فأرسلت ممرّضة يهوديّة مسؤولة عن جمعيّة «الممرّضات من أجل حقوق الأطفال» رسالة إلى ناشري التقرير تقول فيها:

«أعارض كيهوديّة ختان الأطفال الطقسي والطبّي. إني غير معادية للساميّة ولكني لو تكلّمت فقط عن حماية الأعضاء الجنسيّة للغوييم [غير اليهود]، لكنت عندها معادية للساميّة. وإذا أراد شخص بالغ أن تقطع غلفته، فلا أعترض على ذلك. ولكن أعترض على أن يقوم بالغين ببتر جزء من جسد الأطفال غصباً عنهم مهما كانت ديانتهم» [565] .

وكتب ممرّض يهودي رسالة يقول فيها:

«لقد حزنت جدّاً لوصفكم سامي الذيب بأنه معادٍ للساميّة لمعارضته كل من ختان الإناث والذكور بصورة عامّة. هناك كثير من أعضاء الطائفة اليهوديّة، وأنا واحد منهم، الذين يرون في قطع الأعضاء الجنسيّة للأطفال حديثي الولادة أبشع تصرّف ينم عن بغض اليهودي لذاته. فقد إضطر شخص من عائلتي على عمل عمليّة جراحيّة تصليحيّة لأن الموهيل الذي ختنه كان يومه مشؤوماً. وهذا اليوم المشؤوم للموهيل أدّى إلى حياة مشؤومة لضحيّته. [...]. وقد بقي طفل إحدى صديقاتي في غرفة العناية المشدّدة لمدّة سبعة أسابيع وكادت تموت بسبب ذلك. إلاّ أنها لم تكن تجرؤ على نقد الختان لأنها كانت متزوّجة من حاخام. وقد بقي طفلها على قيد الحياة ولكني أعرف أن أطفالاً آخرين لم يحالفهم الحظ مثله فماتوا. هناك كثير من اليهود الذين بدأوا يشعرون بأن هذا الطقس غير الضروري في حقيقته إنتهاك للأطفال. وقد رفع يهود في إسرائيل هذه القضيّة إلى المحكمة العليا [...]. إنكم، بإتّهامكم السيّد سامي الذيب بأنه معاد للساميّة لأنه يدعم حقوق جميع الأطفال لكي لا ينتهكوا ولا يبتروا، تقترفون خطأ وضيق في التفكير [566] .

هذا وقد حضرت السيّدة اليهوديّة «مريم بولاك» المؤتمر الدولي الثالث حول الختان الذي عقد في «ماريلاند» عام 1994. ورغم موقفها المعارض لختان الذكور كما رأينا في الجدل اليهودي، قامت بإرسال محاضرتي إلى جهات يهوديّة لتأليبهم ضدّي. وفي المؤتمر الرابع الذي عقد في لوزان عام 1996، إعتبرت القول بأن اليهود هم السبب وراء المعدّل العالي للختان بين غير اليهود في الولايات المتّحدة، أو أن اليهود يطالبون بختان غير اليهود لكي يحوّلوهم للدين اليهودي (وهو ما جاء في محاضرتي) يمكن أن لا تكون وراءه نوايا سيّئة ولكن هو في كل حال ليس مجرّد خطأ بل صداً لما يتردّد عن قوّة اليهود وتآمرهم. وهذا يخلق جواً معادياً للطائفة اليهوديّة يؤدّي إلى تماسك اليهود حتّى العلمانيين منهم في صف واحد ضد هذا الموقف. وهذا لن يخدم قضيّة إلغاء الختان. وهي ترى أن ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسلمين يجب أن يواجهه أعضاء تلك الجماعات فقط. وكامرأة يهوديّة بيضاء لا يمكنها أن تقول للنساء الإفريقيّات كيف يمكنهن أن يكافحن ضد ختان الإناث. ولكن يمكنها أن تقول لهن إنها تساندهن وتكرّم رغبتهن في إستمرار العلاقة مع ميراثهن الثقافي [567] .

هذا والإتّهام بمعاداة الساميّة لا يأتي فقط من اليهود، لا بل أيضاً من المسيحيّين ويوجّه ضد غير اليهود واليهود على السواء. تقول إحدى الممرّضات اليهوديّات اللاتي أسّسن جمعيّة «الممرّضات من أجل حقوق الأطفال»: «لقد إتّهمني غير اليهود بأني معادية للساميّة. نحن نمس هنا عصباً حسّاساً. ولكن كيهوديّة، كيف يمكنني أن لا أنتقد الختان اليهودي. هذا يعني أنني سوف أسقط الأطفال اليهود من حسابي» [568] .

ونشير هنا إلى حدث له مغزاه. فقد قامت «اللجنة الوطنيّة للأخلاق» الإيطاليّة في 25/9/1998 بإصدار تقرير تستنكر فيه ختان الإناث الذي إعتبرته مخالفاً للقانون بينما إعتبرت ختان الذكور يتّفق والقانون. إلاّ أنها رأت بأن ختان الذكور الذي يجرى لأسباب دينيّة دون سبب طبّي، كما يفعل اليهود، لا يمكن للتأمينات الإجتماعيّة تغطية تكاليفه. وقد إعتمدت في قرارها على مبدأ علمانيّة الدولة [569] . وقد إنتقد في نفس اليوم رئيس جمعيّة المستهلكين هذا القرار واعتبره معادياً لليهوديّة والصهيونيّة، في بلاغ وزّع على الصحف! [570]

وقد إعتبر ثلاثة أطبّاء يهود أمريكيّون في مقال صدر عام 1973 أن معارضة الختان نوع من المرض العقلي، وشبّهوها بحركات الكفاح لحماية الحصان البرّي ودب القطب الشمالي والجزر والبحيرات [571] .

ولتفادي تقوقع اليهود على أنفسهم، يحاول معارضو الختان اليهود إفهامهم أن الختان قضيّة إنسانيّة قَبل كل شيء، وأن كل نقد له ليس بالضرورة معاداة للساميّة. ومن جهة أخرى يحاولون إقناع غير اليهود بترك موضوع التصدّي لختان الذكور عند اليهود لليهود أنفسهم. فقد طالب «رولند جولدمان»، مؤسّس مجموعة يهوديّة معادية للختان، أن يتم طرح الموضوع في الولايات المتّحدة دون إعتبارات دينيّة ودون النظر إلى كيفيّة تقبل اليهود لمعارضة الختان. ولكنّه أضاف بأنه من المفضّل أن تقوم الطائفة اليهوديّة ذاتها بطرح موضوع الختان داخلياً. فلا يمكن لغير اليهودي فهم الضغط الثقافي والعاطفي الكبير الذي يواجهه اليهود في هذا الموضوع. ويشير إلى أن اليهودي يسمع بسهولة أكبر لليهودي ممّا لغير اليهودي. وإذا إعتبرنا أن الأطفال اليهود لا يكوّنون إلاّ 4% من أطفال أمريكا، فهناك عدداً كبيراً من غير اليهود يمكن تثقيفهم [572] .

وقد قاد الخوف من إتّهامات اليهود بعض الحركات في الولايات المتّحدة بالإكتفاء بالكلام عن «الختان الروتيني» الذي يتم في المستشفيات بعد الولادة لحجج طبّية ووقائيّة، مستثنيين الختان الديني وخاصّة الختان اليهودي. ويقول مؤلّف بأن إستثناء الأطفال اليهود كان يزعجه لأنه منافٍ للنزاهة إذ لا يحق إهمال حقّهم في سلامة الجسد لاعتبارات دينيّة. إضافة إلى ذلك قد يؤدّي إلى شعور مزدوج بالإضطهاد عند معارضي الختان اليهود: فهم مضطهدون داخل طائفتهم، ومرذولون من معارضي الختان. ويذكر هنا قولاً لأحدهم:

«هناك جهد كبير لتثقيف الشعب حول الختان الطبّي. ولكني أرى أن أكثر هذه الكتابات ترفض المجادلة حول الختان الديني. فأنا شاب عمري 28 سنة وأعيش مشاكل جنسيّة بسبب فقدي نصف حشفتي في الختان الديني. هل الأطفال اليهود لا حق لهم لحماية غلفهم؟ إن معاداة الساميّة هي رفض الإقرار بأن ما يحق للأطفال غير اليهود يحق أيضاً للأطفال اليهود» [573] .

ويضيف هذا المؤلّف إن قضيّة الختان قضيّة بسيطة بحد ذاتها. ولكنّها بالنسبة لليهود قضيّة تضرب بجذورها في الماضي البعيد ومتشابكة بحملات الإضطهاد التي عانوا منها في تاريخهم. وعندما نتكلّم عن ألم وصدمة الختان بالنسبة للطفل، فما يسمعه اليهود ليس تعاطفنا مع الطفل ولكن موافقتنا على ما حدث لهم في تاريخهم واغتصابهم على أبواب ديارهم قَبل أن يحملوا إلى المعتقلات. كل هذا جعل التعاون بين اليهود وغير اليهود صعباً جدّاً. ويعتبر بعض اليهود معادة اليهودي للختان تآمراً مع الأعداء. ولذا يعتبر الإقلاع عن الختان عند اليهود مشكلة أكثر تعقيداً من الإقلاع عنه عند غيرهم. وعندما يسقط الجدار بين اليهود وغير اليهود، فعند ذلك سيكون من الأسهل التكلّم عن الختان. ويبيّن هذا المؤلّف أن اليهود قد عاشوا قضيّة الختان منذ قرون، بينما لم تصبح قضيّة عند غير اليهود في الولايات المتّحدة إلاّ في القرن العشرين. ورغم المدّة القصيرة التي جرت فيها ممارسة الختان في الولايات المتّحدة، يصعب على الأمريكيّين الإقلاع عنه. فكيف يكون الأمر بالأحرى بين اليهود الذين مارسوه منذ عدّة قرون؟ [574] .

ولكن هل يمكن لليهود أن يتحرّروا من الختان دون التدخّل الخارجي؟ يقول المؤلّف إن حركة تحرير العبيد في الولايات المتّحدة لم تكن لتنجح لو كانت تعتمد فقط على العبيد دون مساعدة من غير العبيد. ولكن يجب عدم التصرّف كالمبشّرين الذين يريدون فرض تعاليمهم على الغير. فيجب من جهة عدم حرمان الغير من مساعدتنا، وفي نفس الوقت عدم ظلم الغير بفرض إرادتنا عليهم [575] .

وتوضّح طبيبة يهوديّة معارضة لختان الذكور أن رد فعل اليهود ضد معارضي الختان نابع من تاريخهم حيث تم منعهم من ممارسته تحت طائلة الموت ليس لأسباب إنسانيّة تجاه الأطفال بل للقضاء على الشعب اليهودي. وقد تحدّى اليهود مثل هذا المنع راضين بالموت في سبيل عدم التخلّي عن ختان الذكور الذي إعتبروه رمزاً لإيمانهم. وكل الشعب اليهودي، بما فيه تلك الطبيبة، يحمل ذاك التاريخ في ذاكرته الجماعيّة، وكل تحدّي للختان يذكّر به، شعوريّاً أو لاشعوريّاً. وحتّى النقد بنيّة حسنة يعتبر تهديداً خطيراً. ومن يريد أن يتصدّى للختان من الخارج يجب عليه أن يتذكّر التاريخ وأن لا ينبع نقده من معاداة الساميّة لأن ذلك لا يفيد في هذه المعركة وهو بحد ذاته أمر ممقوت مثله مثل الختان. وتضيف بأن الألم الكبير الذي عاناه اليهود لا يبرّر بحد ذاته الإستمرار في تأليم الأطفال [576] . ولنا عودة إلى موضوع منع الختان في القسم القانوني.

والخوف من الإتّهام بمعاداة الساميّة لا يؤدّي فقط إلى إسكات المعارضين، بل يقود الأطبّاء إلى إجراء عمليّات ختان تخالف الأخلاق الطبّية. يقول الدكتور «فان هو» أن علاقة الختان بمعتقدات اليهود والمسلمين تثني بعض الأطبّاء عن معارضة الختان لخوفهم من إغضاب رفاقهم اليهود والمسلمين، أو إلباسهم بتهمة معاداة الساميّة. وقد إمتد هذا الخوف إلى «هيئة الخدمات الصحّية والإنسانيّة الأمريكيّة». فعندما سئلت ماذا يمكنها عمله للحد من الختان غير الديني الذي يجرى على الأطفال، كان جوابها في عام 1994: «كل محاولة تقوم بها هيئة عامّة لمناهضة الختان غير الطبّي سوف تُفسّر بصورة خاطئة كتعدّ على المجموعات الدينيّة التي تمارسه»، و«ليس من مصلحة الحكومة تبنّي سياسة تنتقد عادة دينيّة بصورة مباشرة أو غير مباشرة» [577] .

وعلى إثر عرض تلفزيون مدينة «اونتاريو» الكنديّة في 10 أكتوبر 1996 فيلم «إنه صبي» الذي أخرجه يهودي إنكليزي حول عمليّة ختان فاشلة أجراها حاخام يهودي، إعتبر المؤتمر اليهودي الكندي هذا العرض عاراً ومخالفاً للإحساس وللفهم ودعاية ضد اليهود والمسلمين. كما أعلن مركز «فيزينتال» في مدينة «تورنتو» أنه لا يليق أن تتهجّم هيئة تثقيفيّة تموّلها الحكومة على ختان الذكور الذي يمارسه اليهود والمسلمون. وقد نشرت مجلّة يهوديّة تأييداً لهذا النقد وقالت إن الختان ليس محل جدل في الأوساط اليهوديّة والإسلاميّة، وليس أمراً يخضع للبحث العلمي أو الرأي الطبّي. وهو ليس عمليّة إختياريّة. إنه عمل يجرى دون أي تساؤل منذ أكثر من 3500 سنة وسوف يستمر لأكثر من 3500 سنة أخرى. فالختان علامة وبرهان والتزام. إن كل من يتهجّم على هذه الشعيرة، مهما كان إنتماؤه (علمانياً أو إنسانيّاً أو ملحداً) إنّما يتهجّم عبثاً. فقد حاول كثيرون عبر التاريخ أخذ منحاهم بقصد التعدّي على اليهود، ولكن أثبت التاريخ أنهم لم يتمكّنوا من المساس بعهد الختان كما أنهم لم يتمكّنوا من المساس بقوس القزح الذي هو أحد آيات الله [578] .

2) إتّهام اليهود بنشر ختان الذكور وأهدافهم

لقد أثّر اليهود في إنتشار ختان الذكور عند المسلمين والمسيحيّين كما أوضحناه في الجزء الثاني وفي أماكن متعدّدة أخرى من هذا الكتاب. وتشير مؤلّفة أمريكيّة أن الأصل التوراتي للختان جعل غير اليهود يتقبّلون هذه العادة. ولولا ممارسة اليهود له، لما عرف مثل هذا الإنتشار، بل لكنا ننظر إليه نظرة إستهجان ورفض مثلما نفعل مع ختان الإناث. ولو مارس اليهود ختان الإناث كما يمارسون ختان الذكور، لكان ختان الإناث منتشراً مثله مثل ختان الذكور. وبما أن ختان الذكور أصبح عادة في الولايات المتّحدة، فمن الطبيعي أن يدافع اليهود عنه ولسان حالهم يقول: «لقد كان الله محقّاً والأطبّاء في آخر الأمر لا يقومون إلاّ بما عرفه شعبنا منذ عصور» [579] .

لقد بلور اليهود دفاعهم عن الختان من خلال إبتكارهم الآلات الطبّية لإجرائه والتي حاولوا الدعاية لها في الدول التي لا تمارسه. كما ساهموا مساهمة كبيرة في إيجاد التبريرات ذات الطابع العلمي للختان. وقد ساعدتهم في ذلك النسبة العالية للأطبّاء والباحثين اليهود في الغرب وسيطرتهم على وسائل النشر والإعلام وتحكّمهم بمصادر التمويل. فكان الأطبّاء اليهود من أهم الداعين للنظريّة التي تقول بأن الختان يقي من العادة السرّية، ومنها إنتقلوا إلى الدفاع عن الختان كوسيلة للوقاية من الأمراض الجنسيّة، ثم سرطان القضيب والرحم، ثم إلتهابات المجاري البوليّة، ثم أخيراً الإيدز. ولم يكتفوا بالدعاية للختان في الولايات المتّحدة، بل حاولوا أيضاً تصدير آلات الختان التي صنعوها إلى أوروبا والتبشير بنظريّاتهم فيها. ونذكر على سبيل المثال مقالين للدكتور «شوين» [580] .

وقد أثارت مساهمة اليهود في الدفاع عن ختان الذكور واختلاق الحجّة بعد الأخرى لتبريره الشكوك حول نواياهم، خاصّة وأن الختان عندهم هو أوّلاً وأخيراً قضيّة إيمان بعهد بين الله وبينهم ولا علاقة له بالصحّة. فهم يختنون حتّى الذي يموت غير مختون قَبل دفنه في مقبرة يهوديّة. وقد كتب الأستاذ اليهودي «ايريخ إسحاق» أن كل تلك التبريرات الطبّية في أحسن الأحوال تفتقر إلى البرهان وفي أسوأها مجرّد خيالات، لا بل إن ذلك الطقس كثيراً ما يمارس بصورة غير صحّية، وبدون معرفة فنّية وبوحشيّة [581] .

يرى محامٍ إنكليزي أن تصميم الأطبّاء اليهود، ومن يتّبعهم في ذلك من المسيحيّين المتعصّبين والمسلمين، في الدفاع عن ختان الذكور بالحجج العلميّة المزعومة ينبع من خوفهم من أن تؤدّي المعلومات الطبّية السليمة إلى إحراج بعض الأديان. والسبب الثاني هو أنهم لا يريدون الإقرار بالضرر الذي احلقوه بملايين الأطفال [582] . ونحن نرى أسباباً أربعة وراء موقف اليهود المؤيّد لختان الذكور: حماية عقائد الطائفة من الداخل، والتبشير، والسياسة، والانتقام.

أ) حماية عقائد الطائفة من الداخل

رأينا في كتابنا الأوّل كيف أن المجدّدين اليهود حاولوا كسر حائط العزلة بإلغاء ختان الذكور. وقد رأى رجال الدين اليهود حين ذاك في تلك المحاولة خطوة لهدم صرح الكتاب المقدّس وسلطتهم المبنيّة عليه. إلاّ أن الجدل حول الختان بين المجدّدين اليهود الألمان لم يعد له مكان في الولايات المتّحدة على إثر إنتشار الختان هناك بين المسيحيّين [583] . وأمام الحملة الحاليّة ضد ختان الذكور بين المسيحيّين في الولايات المتّحدة، يخاف رجال الدين أن يحس اليهود أنهم معزولون، ممّا قد يحثّهم على فتح باب الجدل من جديد ضد ختان الذكور. لذلك يعملون جاهدين لكي يستمر الختان بين المسيحيّين.

ورغم نفي «رومبرج» لوجود مؤامرة يهوديّة لفرض الختان في أمريكا، تعترف

«أن اليهودي يستفيد من كونه ليس الوحيد الذي يملك قضيباً مختوناً. فهو يحس بالطمأنينة أمام قبول نظامنا الصحّي للختان لأن ذلك إفتراض بأنه مفيد. وبما أن الأسباب العلميّة المزعومة للختان لم يعد لها أساس من الصحّة، وبدأ الشعور يتزايد بأن الطفل يتألّم من هذه العمليّة، وأن للشخص حقوقاً يجب حمايتها، فقد تزايد عدد العائلات الأمريكيّة التي لا تختن أولادها. وفي المستقبل سيجد اليهودي بأنه الوحيد الذي يبتر غلفة إبنه».

والمؤلّفة المذكورة تأمل بأن يأخذ غير المختونين حينذاك موقفاً متسامحاً مع المعتقدات الدينيّة للشعوب الأخرى وأن لا تعود معاداة الساميّة للظهور [584] .

ويشير كاتب يهودي إلى أن الإنتقادات العلميّة ضد الختان الديني وغير الديني (الروتيني) سوف تضعف إخلاص اليهود نحو الختان الديني فيحرمون أطفالهم من الحق في أن يدخلوا عهد إبراهيم. و«لذلك لا يمكننا السكوت على ذلك التهجّم المستمر» [585] . وقد أنهى هذا المؤلّف كتابه عن الختان بردود صدرت عن أطبّاء يهود يدافعون فيها عن الختان. وآخر فقرة في الكتاب تقول:

«لك الشكر أيها الطبيب «لايتر» لإعطائك هذه المعطيات العلميّة. إن «منظّمة عهد الختان» لا تدافع عن الختان الروتيني للأطفال حديثي الولادة. فهذا أمر يخص أهل الطفل وطبيبهم. أمّا نحن، فإننا متأكّدون بسلامة وفعاليّة وجدارة الختان الديني الذي يمثّل حجر الزاوية للدين اليهودي» [586] .

فواضح من كلام هذا المؤلّف أنه يحاول أوّلاً الفصل بين الختان الطبّي الروتيني الذي يجري على غير اليهود والختان الديني الذي يجري على اليهود. فإن إكتفى الأطبّاء بالتهجّم على الختان الطبّي دون المساس بالختان الديني، فقد وصل إلى الهدف المنشود. وبما أنه يعلم بعدم إمكانيّة الفصل بين الختانين، فإنه يرى ضرورة دخول حلبة الصراع في المجال العلمي.

ب) الأهداف التبشيريّة

خلافاً لما يعتقده الكثيرون، حاول اليهود عبر تاريخهم التبشير بديانتهم، ولو بدرجة أقل من المسيحيّين والمسلمين لعدم تمكّنهم من فرض سيطرتهم السياسيّة. وهناك من يرى وراء دعم اليهود للختان الشامل في الولايات المتّحدة رغبة في إكتساب غيرهم إلى ديانتهم. هذا ما أوضحه لي شخص أمريكي في رسالة بعثها لي في 21 فبراير 1995 معتمداً على كتاب يهودي عن الختان [587] . فإذا ما ختن الشخص صغيراً لن يكون خوفه من الختان عائقاً أمام تحوّله إلى اليهوديّة عندما يكبر. أضف إلى ذلك أنه إذا لم يتحوّل غير اليهودي إلى اليهوديّة، فإنه على الأقل لن يعترض على ختان إبنه في حال زواجه من يهوديّة، عِلماً بأن الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود واسع الإنتشار في الولايات المتّحدة. هذا وقد سمح رجال الدين اليهود بختان غير اليهود باعتبار أن التوراة للجميع [588] .

ج) الأهداف السياسيّة

في المؤتمر العالمي الثالث للختان الذي عقد في ماريلاند عام 1994، قال لي أحد الحاضرين إن الأطبّاء اليهود الذين هاجروا من ألمانيا خلال الحرب العالميّة الثانية إلى الولايات المتّحدة قد ساعدوا في إنتشار ختان الذكور هناك لأسباب دفاعيّة. فبختان أكبر عدد ممكن من غير اليهود، لن يعود بالإمكان التمييز بين اليهودي وغير اليهودي إذا ما إستهدفتهم إضطهادات كالتي مرّوا بها في ألمانيا. وهكذا يكون تعميم الختان وسيلة لحماية اليهود. فمن المعروف أن الختان في ألمانيا كان العلامة لتمييز اليهودي عن غير اليهودي. ومن كان مختوناً من بين غير اليهود، كان يحمل شهادة عمّاد لتبرئة نفسه من اليهوديّة. وقد سمعت هذا القول عدّة مرّات من أمريكيّين حتّى داخل سويسرا. وقد ردّدت هذه الحجّة الصحفيّة اليهوديّة «هيلين لاتنير» في مقال نشرته صحيفة أسبوعيّة يهوديّة. وأضافت أن الرغبة في إبقاء الإختلاف بين اليهود وغيرهم إنّما هي علامة لمعاداة الساميّة. ولكن «فالرشتاين» يوضّح أن ليس كل الأطبّاء اليهود يتبنّون مثل هذا الموقف. فقد بيّنت دراسة حول تصرّفات الأطبّاء في منطقة «سان دييجو» الأمريكيّة بأنهم أقل ميلاً من الأطبّاء البروتستانت والكاثوليك إلى النصح بممارسة الختان [589] .

ونشير هنا إلى وجود تيّار فكري يسمّى British-Israelism أو Anglo-Israelism بدأه «ريتشارد بروذيرز» (توفّى عام 1824) ونظّر له «جون ويلسون» (توفّى عام 1871) اللذان يدّعيان أن بريطانيا كانت مهجر القبائل اليهوديّة التائهة، وأن الإنكليز هم من نسل تلك القبائل. وعليه، فهم جزء من شعب الله المختار. وقد إنتقل هذا الفكر إلى الولايات المتّحدة في الثلاثينات من القرن العشرين. وقد نشأت عن هذه الحركة طائفتان دينيتان هما «كنيسة الله العالميّة»، أو ما يسمّى «الأدفنتيست» و«الهويّة المسيحيّة». وهاتان الطائفتان، مثلهما مثل طائفة «شهود يهوه» ذات الميول اليهوديّة الصهيونيّة، تمارسان ختان الذكور وتدعوان إليه. وهناك معلومات تفيد أن حاخاماً يقوم بختان ذكور العائلة المالكة في بريطانيا باعتبارهم ينتمون، حسب بعض الأساطير، إلى نسل داود الملك. ولم ينج من الختان إلاّ إبنا الأمير «شارلز» لأن والدتهما الأميرة «ديانا» رفضت إجراء هذه العمليّة عليهما. وتقول بعض المعلومات بأن العائلة المالكة الإسبانيّة تمارس ختان الذكور لنفس الإعتبارات.

د) الأهداف الإنتقاميّة

ذكرنا أن الختان كان وسيلة للتعرّف على اليهود في الحرب العالميّة الثانية. ورغم أن الختان هو علامة العهد بين اليهود وإلههم تميّزهم عن غيرهم من الشعوب المحيطة بهم، إلاّ أن اليهود شاركوا في ختان غير اليهود في الولايات المتّحدة. ممّا جعل البعض يتساءل ما إذا كان عملهم هذا تعبيراً عن ثأر اليهود ضد غير اليهود، عملاً بالمثل القائل: «وداوها بالتي هي الداء». فالمضطهد يحاول الإنتقام من مضطهده بدمغه بالعلامة التي كان يعتبرها عاراً. وهناك من يحلّل تلك الظاهرة نفسيّاً: يحس اليهودي بالخصاء، فينتقم من المجتمع بخصي غيره. وهي ظاهرة نفسيّة معروفة عند علماء النفس [590] .

وبالرغم من دعم اليهود لختان الذكور وممارسته على الغير ومحاولة نشره في العالم، تجدر الإشارة إلى وجود تيّار يهودي متنامي يناهض ختان الذكور. لا بل إن بعض اليهود أصبحوا رأس الحربة في الحركات المعارضة للختان [591] .

3) اليهود وحملة مكافحة ختان الإناث

رأينا في الفصل الثاني أن اليهود قد أثروا في إنتشار ختان الإناث بين المسلمين وفي إفريقيا. وما زال اليهود الفلاشة في الحبشة يمارسونه. ولا شك في أن الأطبّاء اليهود قد أجروه كغيرهم من الأطبّاء في الولايات المتّحدة. وقد قام أحدهم باختراع آلة لإجرائه أعلن عنها في مجلّة طبّية عام 1959. وهذه الأمور عامّة يتم التستر عليها.

ومع تصاعد الحملة ضد ختان الإناث في الغرب، قام اليهود بالمشاركة فيها حتّى يظهروا بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان. لا بل قاد بعضهم هذه الحملة بعنجهيّة لا مثيل لها دون التساؤل عمّا إذا كان يحق لهم التدخّل في العادات الإفريقيّة. وفي نفس الوقت فصلوا بين ختان الإناث والذكور حتّى في مجال التسمية كما ذكرنا، تفادياً لرجوع الحملة ضدّهم.

ومن الشخصيّات القياديّة في حملة مكافحة ختان الإناث نذكر خاصّة اليهودي «ايدمون كيزر»، مؤسّس جمعيّتي «أرض الناس» Terre des Hommes و«الخفير» Sentinelles . وقد بدأ حملته بتأليب الرأي العام في مؤتمر صحفي عقده في جنيف في 25 أبريل 1977 جمع فيه لفيفاً من الأطبّاء والباحثين والنشطاء [592] . وكان من وراء تبنّي الأكاديميّة السويسريّة للعلوم الطبّية قرار ضد ختان الإناث عام 1983. ولكنّه رفض تماماً إنتقاد ختان الذكور. وقد جرى بيني وبينه نقاش حاد على صفحات الصحف السويسريّة وعبر الرسائل في هذا الخصوص لأني إعتبرت معاداة ختان الإناث والسكوت عن ختان الذكور نوعاً من الإمبرياليّة والمراءاة [593] .

وقد قامت اليهوديّة «هيرتا هاس» بتأسيس جمعيّة في ألمانيا تدعى «أرض النساء» Terre des femmes على غرار جمعيّة «ايدمون كيزر» السابقة الذكر. وتضع هذه الجمعيّة بين أولويّاتها المطلقة النضال ضد ختان الإناث في ألمانيا وفي الدول الإفريقيّة. وقد قامت مؤخّراً بنشر كتاب حول هذا الموضوع يتضمّن مقالات لمناضلات ألمانيّات وإفريقيّات ضد ختان الإناث تحت عنوان: «بتر الأعضاء التناسليّة للإناث خرق أساسي لحقوق الإنسان» [594] .

وفي فرنسا تقوم المحامية اليهوديّة من أصل مصري «ليندا فايل كيرييل» بالترافع في القضايا الخاصّة بختان الإناث. وقد شاركت في المؤتمر المذكور أعلاه كما أنها تعمل ضمن جمعيّة فرنسيّة تدعى «لجنة القضاء على بتر الأعضاء الجنسيّة». وفي محادثة هاتفيّة بتاريخ 1 يونيو 1999 أخبرتني هذه المحامية بأنها ترفض أيضاً ختان الذكور بصورة شخصيّة وإن لم تصرّح بذلك علناً ولم تكتب أي شيء في هذا الموضوع. إلاّ أنها تكرّمت بكتابة تقديم لكتابي عن الختان بالفرنسيّة [595] .

ومقابل هؤلاء النشطاء اليهود ضد ختان الإناث، هناك بعض اليهود الذين يخافون التدخّل في هذا الموضوع حتّى لا يتحوّل الجدل إلى ختان الذكور. فقد أشارت المحامية السابقة الذكر في محادثتها بأن الحاخام الفرنسي الأكبر «صاموئيل صيرات» وكردينال مدينة باريس «ليستيجير»، وهو من أصل يهودي، لم يردّا على إستفسارها حول موقفهما من ختان الإناث. وقد سبق أن ذكرنا تملق «مريم بولاك» تجاه الإفريقيّات في محاضرتها في المؤتمر الرابع الذي عقد في لوزان عام 1996. وعندما قام «اناستازيوس زفاليس» في محاضرته بوصف ختان الذكور والإناث بأنه جريمة إبادة ضد الإنسانيّة، ثارت ثائرتها فهاجت وماجت وتركت القاعة بصخب كبير طارقة الباب بكل شدّة إحتجاجاً على كلامه.

ونشير هنا إلى أن الطبيب اليهودي الفرنسي «توبي ناتان» دافع، في مقال محل جدل، عن ختان الإناث وقارنه بختان الذكور. فهو يرى أن من دونه تعاني الفتيات الإفريقيّات في فرنسا من إضطرابات خطيرة. فالفتيات غير المختونات يبحثن عن بديل له من خلال تعاطي المخدّرات. ويقترح هذا الطبيب نقل الصلاحيّات في مجال العائلة والدين وطقوس التدريب إلى الطوائف الدينيّة والسماح بوجود قوانين متعدّدة لتلك الطائف والمساهمة في خلق «جيتو» لها [596] . ويقول الطبيب الفرنسي اليهودي «ميشيل ايرليخ» إن الإهتمام بختان الإناث منذ خمس عشرة سنة أدّى إلى أحكام أخلاقيّة غير متّزنة وفجّة، ومنذ زمن قريب إلى محاكمات مذلّة للثقافات المتّهمة. إن السكوت في عصر الإستعمار عن هذه العادة يجعل من بعض المواقف المعادية لتلك العادات مواقف عنصريّة. ووصف تلك العادة بأنها تعذيب يعني رفض إعتبارها عادة ثقافيّة ودمغها بالهمجيّة كما كان الأمر مع ختان الذكور في الماضي إلى أن أصبح عادة طبّية [597] . وواضح من موقف هذين الطبيبين اليهوديين بأنهما يتخوّفان من إنتقال الجدل من ختان الإناث إلى ختان الذكور.

الفرع الثاني: المسلمون والختان والصراع السياسي

رأينا أن اليهود، حتّى المعارضين منهم لختان الذكور، يرفضون تدخّل الغير في موضوع الختان كما يمارسونه هم. ونجد موقفاً مماثلاً عند المسلمين والأفارقة الذين يرون في التهجّم على ختان الإناث تعبيراً عن عداء لديانتهم ونظمهم. غير أن هناك مسلمين وأفارقة إنضمّوا إلى الحملة ضد ختان الإناث. وهنا سوف نتكلّم عن الجانب الإسلامي، مركّزين على ما يكتب في مصر، تاركين الجانب الإفريقي إلى الفرع القادم.

1) ختان الإناث والإتّهام بمعاداة الإسلام والمسلمين

ختان الإناث عادة معروفة في مصر منذ قَبل المسيح. إلاّ أن ملفّها لم يفتح في هذه الصورة الملفتة للنظر إلاّ في العقد الأخير. وليس هناك دراسة شاملة تبيّن كيف بدأت القضيّة. وفي إنتظار مثل تلك الدراسة، نشير إلى أن رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين الذين إهتمّا بقضايا تحرير المرأة لم يذكرا هذه العادة في كتاباتهم.

أقدم نص مصري معارض لختان الإناث عثرنا عليه كتبه الدكتور أسامة في مجلّة الرسالة عام 1943 نفى فيه صلته بالدين الإسلامي معتمداً على عدم ممارسته في دول إسلاميّة كثيرة. ورفض الحجج القائلة بأنه يحافظ على نظافة الأنثى وعفّتها ويزيل عضواً له «شكلاً بشعاً». كما أوضح مخاطره واعتبره «جناية على جسم الفتاة ليس من حق أي إنسان إرتكابها». وختم مقاله قائلاً: «لست أطالب تشريعاً جديداً إذ يكفي تطبيق القانون الخاص بتعاطي مهنة الطب على القائمين بممارسة هذه العمليّة مع بيان أضرارها للجمهور، حتّى يقضى عليها سريعاً ونتفادى أضرارها في الجيل الجديد. وإلى هذا أوجّه نظر وزارة الصحّة ووزارة الشؤون الإجتماعيّة، وكل حريص على مستقبل وطنه وصحّة أبنائه» [598] . وقد رد عليه «دسوقي إبراهيم» مستشهداً ببعض الأحاديث وأقوال الأئمّة القدامى ليثبت بأن لختان الإناث صلة بالدين الإسلامي [599] . وتدخّل عبد المتعال الصعيدي بينهما مطالباً الأطبّاء بالوصول إلى «قرار إجماعي في هذه المسألة» يمكن من بعده التعرّض لموقف الدين بحيث يتم تأويل «دليل النقل بما يوافق دليل العقل» [600] .

وقد أصدر الشيخ حسين محمّد مخلوف فتوى عام 1949 رداً على سؤال جاء فيها: «أكثر أهل العلم على أن ختان الإناث ليس واجباً وتركه لا يوجب الإثم وأن ختان الذكور واجب وهو شعار المسلمين وملّة إبراهيم عليه السلام» [601] .

وقامت مجلّة «الدكتور» عام 1951 بإستطلاع آراء بعض الأطبّاء وجمعت أقوالهم في ملحق خاص مع عدد شهر مايو لذلك العام وكلّهم قد أيّد عدم ختان الإناث مبيّنين أضرارها. ورداً على هذا الموقف، أصدر الشيخ علاّم نصّار فتوى في يونيو 1951 قال فيها أن «ختان البنات من شعار الإسلام وردت به السُنّة النبويّة» ورفض الآراء الطبّية حول مضارّه لأنها «ليست مستقرّة ولا ثابتة، فلا يصح الإستناد إليها في إستنكار الختان الذي رأى فيه الشارع الحكيم حِكمته» [602] . كما نشرت مجلّة «لواء الإسلام» في يونيو 1951 آراء كبار العلماء من رجال الأزهر من بينها رأي للشيخ محمود شلتوت يقول فيه:

«متى ثبت بطريق البحث الدقيق، لا بطريق الآراء الوقتية التي تُلقى تلبية لنزعة خاصّة، أو مجاراة لتقاليد قوم معيّنين، أن في أمر ما ضرراً صحّياً، أو فساداً خلقيّاً، وجب شرعاً منع ذلك العمل دفعاً للضرر أو الفساد. وإلى أن يثبت ذلك في ختان الأنثى فإن الأمر فيه على ما درج عليه الناس وتعوّدوه في ظل الشريعة الإسلاميّة، وعلم رجال الشريعة من عهد النبوّة إلى يومنا هذا، وهو أن ختانها مَكرُمَة، وليس واجباً ولا سُنّة» [603] .

وقد ذكرت الدكتورة نوال السعداوي أنها حاولت إثارة موضوع ختان الإناث (والذكور) في نقابة الأطبّاء وفي وزارة الصحّة المصريّة في الستّينات ولكن زملائها والرقابة الحكوميّة أسكتاها [604] . وقد تدخّل المشرّع المصري فأصدر القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959 الذي يمنع إجراء عمليّة ختان الإناث في المستشفيات.

وبمناسبة السنة العالميّة للمرأة عام 1979، وصل إلى رئيسة جمعيّة تنظيم الأسرة بالقاهرة العديد من الرسائل من السيّدة «هوسكن» تدعوها إلى القيام بدورها في حماية إناث بلدها من الختان. إلاّ أنها كانت معتقدة في ذلك الوقت بأن هذه العادة قد أبطلت بمقتضى القرار السابق الذكر. ولكن تبيّن بعد دراسة أن هذا القرار لم يأت بنتائج حاسمة [605] . فعقدت هذه الجمعيّة في 14-15 أكتوبر 1979 حلقة دراسيّة تحت عنوان «الإنتهاك البدني لصغار الإناث». وقد أدّى تطبيق توصيات هذه الحلقة إلى إقامة «الجمعيّة المصريّة للوقاية من الممارسات الضارّة بصحّة المرأة والطفل». وقد برز دور السيّدة ماري أسعد في حملة مكافحة ختان الإناث إذ أعدّت دراسة حول تغلغل عادة الختان في مصر. وكان الحافز إلى نضالها ما سمعته في مؤتمر عقد للجنة المرأة في جنيف عندما كانت تعمل في جمعيّة الشابّات المسيحيّة [606] .

وقد إنتقل الجدل حول ختان الإناث في مصر عام 1994 إلى مرحلة جديدة. ففي سبتمبر من ذاك العام إنعقد في القاهرة مؤتمر السكّان العالمي الذي تناول ضمن موضوعاته قضيّة ختان الإناث. وبمناسبة إنعقاد المؤتمر إختارت القناة التليفزيونيّة الأمريكيّة (سي إن إن) تصوير تفاصيل تلك العمليّة البشعة التي أجريت لفتاة إسمها نجلاء في أحد الأحياء الشعبيّة القاهريّة على يد حلاّق الصحّة. وقد أثار هذا الفيلم ضجّة لدى الرأي العام المصري والعالمي، ونشرت في مصر كتب ومقالات كثيرة حول ختان الإناث، تأييداً أو رفضاً.

ولتهدئة الرأي العام العالمي والداخلي المعارض لختان الإناث، وعد وزير الصحّة باتخاذ قرار يمنع ختان الإناث. فقام بزيارة شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق طالباً منه الدعم. فإذا بهذا الأخير يناوله كتيّباً يتضمّن نص فتوى كان قد أصدرها عام 1981 وأعاد نشرها بعد تحديثها كملحق مجّاني مع عدد أكتوبر 1994 من مجلّة الأزهر. وهذه الفتوى تشرّع «القتال» ضد الممتنعين، إذ تعيد ثلاث مرّات:

«والختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه» [607] .

فوجد الوزير نفسه بين جبهتين متصارعتين: جبهة معارضي ختان الإناث الذين يطالبونه بتحريمه، وجبهة رجال الدين الذين يؤيّدون ختان الإناث ويهدّدون بإشعال حرب أهليّة إذا ما قامت الدولة بتحريمه. وتفادياً للفتنة، تراجع الوزير عن وعده وقام بإصدار قرار يسمح بإجراء ختان الإناث في المستشفيات، إرضاءاً للمؤسّسة الدينيّة [608] . وهكذا تحوّل ختان الإناث إلى قضيّة مكاسب سياسيّة داخليّة الهدف منها إثبات من هو الذي يسيطر على المجتمع ومن هو الذي يقرّر بخصوص مكانة المرأة فيه. وقد كتبت عايدة سيف الدولة، أستاذة علم نفس مصريّة، تقول:

«إن القرار بتقنين الختان بدلاً من تحريمه هو قرار بتقنين التحكّم في النساء وتقنين العنف الموجّه ضدّهن وتقنين وضعهن الدوني في المجتمع الذي هو شرط من شروط الإستقرار الداخلي وثبات الأمور على ما هي عليه. من أجل هذا الإستقرار يتراجع الوزير عن تصريحاته. ويتم الإنحياز للتحليل الإسلامي الرجعي في مواجهة التحليل الأكثر تفتّحاً رغم أن الأخير صادر عن جهة الإفتاء الرسميّة. من أجله تتنكّر نقابة الأطبّاء لأخلاقيّات المهنة وآدابها والتزامها نحو الصحّة الجسديّة والنفسيّة للمواطنين ويضرب عرض الحائط بالمعلومات الطبّية لتكريس وضع المرأة على ما هو عليه دليلاً على أن توازن القوى الداخلي على ما يرام» [609] .

وقد نشرت جريدة الأهرام مقالاً للدكتورة آمال عبد الهادي والدكتورة سهام عبد السلام من جمعيّة التنمية الصحّية والبيئة نقله الدكتور الفنجري دون ذكر لتاريخه. يقول المقال:

«الموضوع يا سادة موضوع سياسة عليا وليس مجرّد «جلدة تقطع أو لا تقطع» كما يقول مؤيّدو هذا التيّار. سياسة يثبت بها الفكر الغوغائي إنتصاراً في مجال جديد. فلا أداة تتحرّك دون فكر. والفكر المحرّك للمشرط في هذه القضيّة ليس علميّاً ولا دينيّاً بل هو فكر سياسي بحت يثبت نفسه هذه المرّة بعلامة لا تمحى في أجساد الإناث، وتمرّره هذه المرّة أيضاً السلطة التنفيذية حين تفتح له أبواب مستشفيات الدولة كما بدأت في تمريره في السبعينات من أبواب الجامعات» [610] .

هذا ونحيل القارئ إلى القسم القانوني فيما يخص موقف المشرّع المصري من ختان الإناث منذ عام 1959 حتّى يومنا هذا. والذي يهمّنا هنا هو معرفة نظرة المسلمين إلى الموقف الغربي من قضيّة ختان الإناث في مصر.

يظهر من فتوى الشيخ محمود شلتوت لعام 1959 أن هناك تخوّف من أن تكون الحملة ضد ختان الإناث «تلبية لنزعة خاصّة، أو مجاراة لتقاليد قوم معيّنين». وقد كتب عبد السلام السكّري عام 1988:

«على الرغم من أن خفاض الإناث كعادة قديمة تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل وجاء الإسلام فأقرّها وهذّبها إلاّ أنه تحت تأثير التيّارات الأجنبيّة الوافدة والغزو الفكري خضعت الشعوب الإسلاميّة لهذه التأثيرات سواء في العادات أو التشريعات الرسميّة. وفي يقيني أن المجتمعات المسلمة لن تحقّق ذاتيتها إلاّ بالعودة إلى ما يحقّق الفضيلة ويسلك سبيلها، ولن يتأتّى هذا إلاّ بالتمسّك بالفطرة التي فطر الله الإنسان عليها وهذا هو الدين القيّم» [611] .

وبعد حادثة 1994، أخذ مؤيّدو ختان الإناث بالتلويح بالمؤامرة الغربيّة صراحة. حتّى أن معارضيه أبدوا تخوّفهم من أن يكون وراء الحملة الغربيّة ضد ختان الإناث نيّة بالنيل من المسلمين والتهجّم على الإسلام. فقد فنّدت الدكتورة نوال السعداوي الإدّعاء بأن لتلك العادة علاقة بالإسلام، رداً على من يريد إغتنام تلك الحملة للتشهير بالإسلام والمسلمين [612] . كما أنها فنّدت الإدّعاء بأن ختان الإناث عادة فرعونيّة أو إفريقيّة. فقد كتبت تقول:

«إن ختان الإناث ليس عادة فرعونيّة أو مصريّة قديمة كما ورد في وثائق الأرشيف البريطاني، بل هذه عمليّة أجريت في جميع بلاد العالم، بما فيها بريطانيا والبلاد الأوروبيّة والأمريكيّة وجميع القارّات. إن وثائق التاريخ الحديث وعلم الإنسان (الأنثروبولوجية) قد أوضحت أن هذه العادة نشأت مع نشوء النظام العبودي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. ولا علاقة لها باللون أو الدين أو الجنس أو العرق...

إن القارّة الإفريقيّة أو اللون الأسود ليس مسؤولاً عن هذه الجريمة وإنّما هي إحدى جرائم العبوديّة في التاريخ البشري. إلاّ أنها بقايا النظرة العنصريّة التي تتصوّر أن مشاكل الدنيا (بما فيها الإيدز) أصلها إفريقي، أو على الأقل بدأت في إفريقيا ثم إنتقلت بالعدوى فقط إلى الجنس الأبيض» [613] .

وكتبت في مقال آخر:

«لقد أثبت علم التاريخ والأنثروبولوجي أن هذه العمليّات «الختان والإخصاء وغيرها» لا علاقة لها بالمصريّين أو العرب أو المسلمين أو اليهود أو المسيحيّين أو البوذيين أو غيرهم. إنها ترتبط بنوع النظام الإجتماعي الإقتصادي السائد في المجتمع وليس نوع البشر ( race ) أو دينهم أو لونهم أو جنسهم أو عرقهم أو لغتهم» [614] .

ويخاف معارضو ختان الإناث في مصر من إتّهامهم بالضلوع في مؤامرة غربيّة. فقد بدأ الدكتور محمّد رمضان كتابه الطبّي ضد ختان الإناث بقوله:

«ينبغي أن نترك هذه الحساسيّة التي صاحبت هذا الإختلاف بين الآراء والتلميح بالعمالة والتآمر على الأسرة وتشجيع الفجور... الخ. فإن منطلقنا في هذا الأمر هو أيضاً الحفاظ على الأسرة وعلى المرأة وتفنيد المفاهيم المغلوطة في هذا الجانب» [615] .

وهذا المؤلّف يرى في الإنسياق وراء فكرة المؤامرة بحد ذاته مؤامرة غربيّة:

«إن تناول الموضوع من خلال حس المؤامرة على الإسلام، وأقوال الغرب يزيد الأمر توتّراً ويبعدنا عن الدراسة الموضوعيّة. إن أعداء الإسلام قصدهم إثارة معارك للتشكيك، ندخلها حول قضايا هامشيّة لإثارة البلبلة وعدم الثقة وإظهار الخلل في تفكيرنا وعدم الموضوعيّة. وأنساق بعض علمائنا دون رويّة أو تبصّر - في الرفض والهجوم، ممّا أدّى إلى حيدة بعضهم عن الموضوعيّة، وعن جانب الصواب في ذلك. بل دخل في الأمر الخلافات الشخصيّة بين بعض العلماء. ولو أنصفوا لردّوا الأمر إلى أصوله. فهذا الأمر ليس من جوهر الإسلام، وإباحته أو تحريمه أمر فرعي تحدّده المصلحة وأصول الشريعة. فاستدرج علماؤنا إلى هذه المعركة المفتعلة، وكأننا ندافع عن أصول الإسلام وفرائضه. والأمر في أصله عادة لها جذور فرعونيّة، وهي غير منتشرة في كثير من بلاد المسلمين. وتحت شعار المؤامرة يستدرج علماؤنا بسهولة. أرأيتهم لو قام أعداء الإسلام بمهاجمة الأضرحة والموالد أيكون رد فعلنا الدفاع عنها والتمسّك بها؟» [616] .

ولا نريد أن نغرق القارئ بالإقتباسات من مؤيّدي ختان الإناث التي تعتبر معارضة الختان نوع من المؤامرة والخضوع للغرب. ونكتفي هنا ببعض فقرات من كتابين بين أيدينا. الأوّل وعنوانه «نهاية البيان في أحكام القرآن» من تأليف «أبو آلاء كمال علي الجمل»، مدرّس الحديث بكلّية أصول الدين والدعوى بالمنصورة، صدر عام 1995 عن مكتبة الإيمان في المنصورة. يقول:

«إن هذه الهجمة على الختان [...] يقوم بها دعاتها ومروّجوها، إمّا عن جهل أو غفلة كما تفعل الببّغاوات، وإمّا عن خبث نيّة وسوء طويّة كما تفعل الثعالب والذئاب، وإمّا عن عداوة وبغضاء، كما يفعل العملاء والأجراء من الخونة والأعداء.

هؤلاء تراهم يعملون لهذه الجائحة الخطيرة ليلاً ونهاراً سرّاً وجهاراً متستّرين بالشعارات العريضة الخادعة، وبالهتافات الصاخبة الكاذبة، عِلماً بأن وسائل التمويه والخداع مهما كانت من القوّة، ومهما بلغت من الدقّة فلن تعدم الحقيقة وتفنيها وإن كان باستطاعتها أن تعمى عنها وتضلل عن طريقها لوقت ثم ينتهي ويظهر كل شيء بعدها على حقيقته وجوهره وأصالته ومنبته [...].

أولئك نادوا من قَبل بتحرير المرأة: ولكن تحريرها من الفضيلة والشرف والحياء. وهتفوا بالعطف على المرأة: لكنّهم قسوا عليها أشد من وائدي البنات في الجاهليّة الأولى. وأعلنوا مساواتها المطلقة: فكلّفوها ما لا تطيق وحادوا بمؤهّلاتها الفطريّة وكفاءاتها الجبليّة عن جادة الطريق.

[...] همّهم في الحياة إشباع النزوات، وغايتهم إرواء الشهوات، ومقصدهم الإنسلاخ من جميع الضوابط والحدود، والآداب والأخلاق والتقاليد والعادات. محاولين قلب مجتمعنا إلى ما يناسب تفكيرهم الأعوج وقلوبهم السوداء، وأنفسهم الخبيثة إلى مجتمع قائم على الفساد والإباحيّة والإلحاد واللادينيّة والفوضى واللاأخلاقيّة.

وقد جنّدوا لتحقيق ذلك الأجناد، وأعدوا له العتاد، يساندهم العدو من الخارج ويدعمهم العميل من الداخل، ويتّبعهم السذّج من الببّغاوات والخبثاء من أصحاب الغايات.

وفي وجه هؤلاء وقف دعاة الإيمان، وجنود الرحمن، وأهل العلم والعرفان قمماً شامخة وجبالاً باسقة، يذودون عن حياض الدين والشرف، ويدافعون عن كرامة الأمّة والبلاد محاولين إنقاذ البلاد من الفساد، وإنجاء العباد من الإلحاد، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى» [617] .

ونقراً في كتاب آخر عنوانه «الختان من شعار الإسلام» من تأليف الشيخ «محمّد بن شاكر الشريف» صدر عام 2000 عن دار طيّبة الخضراء في مكّة:

«لقد شن الكارهون للإسلام وشعائره على ختان الأنثى حملة ضروساً كان الحقد النصراني المغذي لها والدافع إليها، وساهمت في نشرها والدعاية لها وسائل الإعلام الصليبيّة، وتحمّل الدولار الأمريكي النصيب الأكبر في تمويلها والإنفاق عليها، وتقاضى العلمانيون، والمنهزمون، والجاهلون ممّن ينتسبون إلى العلم - وهو منهم بريء - أجوراً سخيّة مقابل مساهماتهم ومشاركتهم في تلك الحرب الأثيمة. وقد بلغ الأمر ذروته حينما عمدت بعض دول المسلمين إلى إصدار تشريعات تحظر على الأطبّاء والخاتنين إجراء عمليّة ختان الإناث، ووضعت عقوبات لمن يخالف ذلك ويقوم بإجراء تلك العمليّة. وهي بذلك تكون قد حرّمت ختان الإناث إذ لا معنى لتحريم الشيء إلاّ حظره ومنعه، وعقوبة من يفعله. وبذلك تكون هذه الدول قد حرّمت ما أحل الله تبارك وتعالى. وهنا تكمن الخطورة. فالمسألة هنا ليست مجرّد إختلاف فقهي في فهم بعض دلالات النصوص الشرعيّة وما يترتّب عليها من أحكام، بل إن المسألة في هذا السياق تدخل في باب العقيدة. إذ المعلوم الثابت من دين الإسلام أن التحريم والتحليل إنّما هو لله [...] وليس لأحد دونه سواء كان فرداً: حاكماً أو محكوماً، بشراً أو من الملائكة؛ أو كان جماعة: مؤسّسة أو هيئة أو دولة، أن يحلّل أو يحرّم ما لم يأذن به الله» [618] .

وللرد على هذه الإدّعاءات الخطيرة، نحيل القارئ إلى الجزء الثاني حيث أثبتنا أن ختان الإناث والذكور مخالف لروح القرآن لأنه تعدّي على خلق الله، وأن الأحاديث التي وردت فيه متناقضة وضعيفة لا يمكن الإعتماد عليها. لذلك فإن القول بأن ليس للدولة حق في تحريمه وتجريمه قول ينقصه الدليل والبرهان ما دام أنه تعدّي على سلامة الآخرين يلحق الضرر بهم. ولو إتّفقنا مع صاحب هذا الرأي لوجب إلغاء النور الأحمر على الطريق لأن إضاءته تحرّم العبور دون إذن الله.

وقد إغتنم مؤيّدو ختان الإناث صدور بيانات رسميّة من الحكومات الغربيّة والمنظّمات الدوليّة فاعتبروها برهاناً على التآمر على مصر والمسلمين في هذه القضيّة. ففي مقال نشرته جريدة الوفد في عدد 5/10/1997 يقول محمّد الحيوان تعليقاً على تدخّل الخارجيّة الأمريكيّة والبرلمان الأوروبي ضد قرار القضاء المصري المؤيّد لختان الإناث:

«ما هي مصلحة أوروبا وأمريكا في أن تكون بناتنا على كيفها دون ختان. وأشترك في التدخّل صندوق الأمم المتّحدة للسكّان [...] والأمم المتّحدة في جنيف [...]. كلّها هاجمت حُكم القضاء المصري وأيّدت وزير الصحّة المصري. فهل يعمل وزير الصحّة لحساب هذه الهيئات التي تؤيّده بشدّة وتطالبه بعدم إحترام حُكم القضاء. وأعتبر مجلس الشيوخ الأمريكي أن هذا الحُكم يمكن أن يؤدّي إلى خفض المعونة الأمريكيّة لمصر.

نحن لم نعلم أبداً أن القضاء المصري يتأثّر بالضجّة التي تثيرها أمريكا. ولا نتصوّر ذلك. كما لا نتصوّر أن مصر يمكن أن تضع سياستها الأخلاقيّة بناء على توجيهات من أمريكا. ونسأل بإصرار لماذا تريد أمريكا أن تمنع ختان بنات مصر. وهل إسرائيل هي التي تريد ذلك باعتبار أن أمريكا لا تتّخذ قراراً مع مصر أو ضدّها إلاّ بعد إستشارة إسرائيل» [619] .

وكما أن بعض اليهود يهاجمون الأفلام التي تتكلّم عن ختان الذكور، فإن بعض المسلمين أيضاً يهاجمون الأفلام التي تتكلّم عن ختان الإناث. فقد رفع أحد المحامين المصريّين دعوى يطالب فيها «سي إن إن» بتعويض بسبب الفيلم السابق الذكر معتبراً أن ذلك تشويه لسمعة الإسلام ومصر. وفي دولة «تشاد»، قام مفتي العاصمة «نجامينا» بإصدار فتوى ضد شابّة إسمها سارة يعقوب لأنها صنعت فيلماً تم بثه في التلفزيون الوطني حول ختان الإناث. وقد طالبت الفتوى كل المؤمنين بقتل هذه السيّدة مهما كان اليوم أو الساعة. وقد صدرت هذه الفتوى بأمر من المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة والإمام الأكبر لجامع نجامينا [620] .

2) ختان الذكور والإتّهام بمعاداة الأديان

إحتل ختان الإناث الصدارة في النقاش الدائر على الساحة السياسيّة في العالم الإسلامي. وقد تم السكوت عن ختان الذكور. ولكن ختان الذكور لم ينج من فكر المؤامرة. فالدكتور عبد الرحمن القادري، وهو مدرّس في كلّية الطب بجامعة دمشق، يرى في نقد ختان الذكور عند المسلمين «نيّة خبيثة غايتها محاربة هذه الشعيرة التي أقرّها هذا الدين القويم» [621] .

وقد أشرنا في الجزء الثاني إلى موقف القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي المعارض لختان الذكور. فقد رفعت عليه دعوى بالردّة وطالب رجال الدين في ليبيا وفي السعوديّة بقتله ومنع كتابه [622] . وبعد محاكمة طالت سبع سنين، برأته محكمة الإستئناف الليبيّة من تهمة الردّة ولكنّها في نفس الوقت صادرت كتابه ومنعت إعادة نشره [623] .

وقد نشرت في الملحق 24 نصّاً للشيخ محمود محمّد خضر يقول فيه أن وراء حملة مكافحة ختان الذكور

«مجموعة من الملحدين الذين لا مِلّة لهم ولا دين ويهولهم أن يستيقظ الشعور الديني في أي مظهر من مظاهره أو أي شكل من أشكاله ومجموعة أخرى من المتعصّبين لمسيحيّة القدّيس بولس ويسوءهم العودة إلى كل ما هو شرقي حتّى ولو كان هو الدين الصحيح لسيّدنا يسوع المسيح».

ويضيف: «إن الحملة ضد الختان تمثّل إهانة لجميع الأنبياء والمرسلين الذين مارسوا الختان ورغبوا فيه بمن فيهم محمّد وعيسى وموسى وإبراهيم عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم». وعليه، فأعداء ختان الذكور في نظره هم «أعداء الأديان أعداء الإنسان أعداء الله أولياء الشيطان». ورغم إعترافه بأن ختان الذكور ليس واجباً في الإسلام، فإنه يرى في تحريمه محاولة لنشر الإلحاد. فحملة تحريم الختان هي مرحلة يتم الإنتقال منها إلى مس جوهر العقيدة: «إذا كان من الممكن أن يتحوّل أمر من الأمور من مقدّس إلى مباح وبعد ذلك إلى محرّم أي ينتقل من النقيض إلى النقيض على مدى قرن أو قرنين من الزمان ألا يمكن أن يجرى هذا التطوّر على العقيدة نفسها؟»

وإذا تركنا الإتّهامات بالمؤامرة على الأديان جانباً، نجد أن الإعتبارات السياسيّة تلعب دوراً في السكوت عن كل من ختان الذكور والإناث عند المثقّفين المسلمين. ففي مناقشاتي مع بعضهم، كثيراً ما يرون في الإهتمام بهما تبديداً للجهد أو حتّى تعاملاً مع العدو في وقت تخوض فيه الدول العربيّة والإسلاميّة معركة سياسيّة واقتصاديّة ضارية. وموقفهم هذا ينطبق على كثير من المعارك الإجتماعيّة مثل حقوق المرأة أو الحرّية الدينيّة.

ومع إعترافنا بأهمّية المعركة السياسيّة والإقتصاديّة، إلاّ أننا نرى بأنه يجب عدم ترك جميع المواضيع الأخرى معلّقة بسبب تلك المعركة. فالنساء الجزائريات قد شاركن في معركة التحرير من الإستعمار الفرنسي ودفعن ثمناً باهظاً في نضالهن الوطني. ولكن بعد التحرير تم سن قانون أحوال شخصيّة لا يحترم حقوقهن. فالتحرير السياسي بحد ذاته لا يحل المشاكل. ومن جهة أخرى للصمود في المعركة السياسيّة والإقتصاديّة من الضروري ضمان حقوق أعضاء المجتمع. فمن يحس بأنه مظلوم من نظام معيّن، لن يسارع إلى الدفاع عن هذا النظام قَبل أن يحصل على ضمانات بأن حقوقه سوف تحترم.

ونشير هنا إلى أن السياسة ليست فقط قضيّة رؤساء وحكام وأرض. بل هي أيضاً مسألة شعب وأفراد ونظام إجتماعي. فلا يكفي الإطاحة بعدو خارجي أو بحاكم طاغية داخلي حتّى يصبح المجتمع كما يرام. والقرآن يقول: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد 11:13). فالمجتمع بناء مكوّن من لُبنات. وإذا تفسّخت لبنة فهي تؤثّر سلبيّاً في تماسك البنيان. كما أن الختان يخلق صداماً بين الصغار والكبار وبين الذكور والنساء، ويجعل المجتمع أكثر عرضة للعنف الإجتماعي وفقدان المودّة والتراحم كما سنرى لاحقاً. ونحن لا ننفي إحتمال وجود مؤامرة من الغرب، إلاّ أنه في نفس الوقت لا يمكننا أن ننكر وجود مؤامرة من المجتمع ذاته ضد ضحايا ختان الذكور والإناث. وهذا ما يجب العمل على إنهائه من خلال البحث العلمي والإقناع العقلي وليس من خلال السكوت عنه.

الفرع الثالث: الختان والصراع الإستعماري

في نهاية القرن التاسع عشر، طالب الدكتور الفرنسي «جوسوم» الأوروبيين أن يذهبوا إلى البلاد التي تمارس شبك الفرج ليتعرّفوا على أسبابه ونتائجه. وعندها سوف يعرفون «أن أوّل واجب إجتماعي هو أن نترك للشعوب ما تمتلك، وأن أوّل واجب من أمّة تحترم نفسها وتريد أن تُحترم، أن لا تجرح شعور الغير وأن لا تستهزئ بعاداتهم» [624] . ومقابل هذا الموقف، هناك من أراد تغيير مجرى الأمور. وتدريجيّاً أخذ التيّار الغربي المعادي لختان الإناث يتبلور خلال فترة الإستعمار واستمر بعد خروجه من إفريقيا. وقد رفض الأفارقة هذا التدخّل الغربي في عاداتهم التي يريدون ممارستها ليس فقط في بلدهم بل في الدول الغربيّة التي هاجروا إليها. إلاّ أن بعض الأفارقة إنضمّوا إلى الغربيّين مطالبين إلغاء ختان الإناث كما سنرى في هذا الفرع.

1) الغرب وختان الإناث في إفريقيا في عهد الإستعمار

لن ندخل هنا في تفاصيل الحملة ضد ختان الإناث في جميع الدول التي سيطر عليها الغرب، مكتفين بتذكير سريع لما حدث في كينيا وفي السودان.

أ) الحملة في كينيا

تزعّم المبشّرون البروتستنت الحملة ضد ختان الإناث في كينيا منذ عام 1906. وقد ناقش هذا الموضوع «مؤتمر كيكويو للإرساليّات البروتستنت» عام 1913. وحاول بعض المبشّرين إقناع العائلات بإجراء الختان في المستشفى ولكن الأطبّاء اشمأزوا من هذه العمليّة وقاموا بحملة ضدّها. وقد قرّرت مدرسة الإرساليّة الاسكتلنديّة أن الطالبة التي تتغيّب عن المدرسة بسبب عمليّة الختان سوف تطرد منها لمدّة 18 شهراً. وقد أدّى ذلك إلى نشوء كنائس وطنيّة منفصلة عن تلك الإرساليّة. وتفادياً للإضطرابات قرّر مؤتمر الحكّام في شرق إفريقيا لعام 1926 بأنه بسبب قدم العادة يجب إقناع الشعب بالإمتناع عن الختان في شكله الشديد والاكتفاء بقطع البظر، وإمكانيّة رفع دعوى على من يخالف هذا القرار.

وقد قام مؤيّدو ختان الإناث بحملة إستنكار بعد محاكمة سيّدتين في أبريل 1929. وعندما أعلنت قبيلة «كيكويو» في حملتها للإستقلال تأييدها للختان أصبحت القضيّة سياسيّة. وكان من بين المؤيّدين «جومو كينياتا» الذي إعتبر أن الختان يحافظ على تماسك المجتمع وأن القضاء عليه يجب أن يتم تدريجيّاً وليس بفعل القانون. وبعد إكتشاف راهبة أمريكيّة عمرها 63 سنة مقتولة عام 1930 في محاولة لختانها أو إغتصابها، خافت الحكومة البريطانيّة من القلاقل فسمحت بالملاحقات القضائيّة فقط في حالة عدم موافقة الفتاة على الختان [625] .

ب) الحملة في السودان

بدأت الحملة السودانيّة ضد ختان الإناث في العقدين الأوّلين من القرن العشرين حيث تم تثقيف دايات تحت إشراف سيّدة بريطانيّة بهدف إجرائه بطريقة أقل قساوة وخطراً على صحّة الفتيات. وقد حاولت هذه السيّدة أن تلفت نظر السلطات الإستعماريّة إلى هذه العادة. وقد بلغت الأخبار بريطانيا حيث كان السياسيون يتابعون حملة مكافحة ختان الإناث في كينيا. فطالبت عضوة في البرلمان البريطاني السلطات الإستعماريّة في السودان بتقديم تقرير حول إنتشار هذه العادة وأسبابها وأن تحمي الفتيات اللاتي يردن البقاء دون ختان. فاتّصلت تلك السلطات برجال الدين المسلمين. فأخذ كبير القضاة موقفاً ضد هذه العادة، أمّا غيره فأيّدها معتبراً أنها جزء من التعاليم الدينيّة. ولذلك رأت السلطات أن الرأي العام غير مستعد لتقبّل إدانة ختان الإناث. وفي تلك الأحيان وصلت أخبار مقتل الراهبة الأمريكيّة في كينيا، ممّا جعل الحكومة أكثر تحفّظاً. حتّى أنها منعت نشر مقال في صحيفة «الحضارة» في 19 أغسطس 1930 كتبه سوداني يعتبر فيه ختان الإناث مخالفاً لتعاليم الإسلام خوفاً من أن يعتقد أحد أنها هي التي أوحت له كتابته [626] .

وفي 25 يوليو 1939 نشر الدكتور السيّد عبد الهادي في صحيفة «النيل» مقالاً ينتقد فيه ختان الإناث، ويعتبر أن لا أساس ديني له، وأنه غير موجود في دول إسلاميّة أخرى. فأصدر مفتي السودان فتوى نشرت في تلك الصحيفة في 31 يوليو 1939 قال فيها إن ختان الإناث مرغوب فيه وليس إجباريّاً، وأنه يتم بقطع جزء من البظر معتمداً على قول النبي محمّد إلى أم عطيّة «أشمّي ولا تُنهِكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». وأعتبر كل ختان بخلاف «ختان السُنّة» عمليّة بتر ممنوعة تماماً [627] . فكان موقفه متّسقاً مع موقف السلطات البريطانيّة الذي يتمثّل في إلغاء الختان الفرعوني دون المساس بختان السُنّة. وقد وزّعت في المدارس ذاك الوقت على الفتيات منشورات يقول إحداهن:

«أي الرجلين تصدّقن: فرعون عدو الله أم محمّد رسول الله؟ الخفاض الفرعوني منسوب إلى فرعون. أمّا السُنّة فمنسوبة إلى محمّد صلّى الله عليه وسلم. فأي الإثنين أحسن؟ لقد وافق رجال الدين في السودان أمثال السيّد علي الميرغني والسيّد عبد الرحمن المهدي على بطلان الخفاض الفرعوني. فهل عندكن رأي يخالف السيّدين؟ لقد أفتى فضيلة المفتي ورجال الدين ببطلان هذه العادة فهل تفهمن أكثر منهم؟ لقد نصح الأطبّاء بأن الخفاض الفرعوني قد يسبّب العقم فهل تردن العقم؟ دينكن يمنع إحداث الضرر بالجسم فهل تخالفن دينكن؟» [628]

وفي فبراير 1946 تبنّى البرلمان السوداني المادّة (284 أ) من قانون العقوبات هذه ترجمتها:

1) كل من يحدث متعمّداً جرحاً في الأعضاء التناسليّة للمرأة، خارج الإستثناء المذكور لاحقاً، يعتبر مقترفاً ختاناً غير قانوني.

إستثناء: لا يعتبر جرماً حسب هذه الفقرة الإكتفاء بقطع الطرف البارز من البظر.

2) كل من يقترف ختاناً غير قانوني يعاقب بالسجن لمدّة قد تصل إلى خمس سنوات وبالغرامة أو بكليهما.

توضيح: المرأة التي تجري هذه العمليّة على نفسها تعتبر مقترفة لهذا الجرم [629] .

وقَبل دخول هذا القانون حيّز التنفيذ، سارعت العائلات بختان فتياتها حتّى اللاتي كان عمرهن سنتين، ممّا أدّى إلى مضاعفات صحّية خطيرة. وقد إستعمل المناضلون السودانيون هذا القانون كحجّة للقيام بمظاهرات صاخبة ضد المستعمر البريطاني. فبعد أوّل قضيّة ضد داية من مدينة «رفاعة»، قاد السيّد محمود محمّد طه، رغم مواقفه المتحرّرة من قضايا المرأة، مظاهرة بعد صلاة الجمعة إلى السجن. فكسروا الباب وأخرجوا الداية. غير أن أخاها، وكان عريفاً في البوليس، أعادها إلى السجن. فأخِذت إلى «واد مدني». فقام المتظاهرون بالتوجّه إلى مكتب المفوّض عن المحافظة للإحتجاج فأخلى سبيلها.

أدّى هذا الحدث إلى إضافة فقرة إلى القانون تمنع الملاحقات القضائيّة دون إذن حاكم المحافظة. فلم يتم ملاحقة إلاّ 15 سيّدة حتّى عام 1948. وكانت الحكومة ترى أن ملاحقة القبطيّات السودانيّات أقل خطراً من جهة الأمن من ملاحقة المسلمات. وقد تبيّن بعد ثلاث سنين من صدور القانون بأنه لم يؤدِّ إلى نتيجة وأن الدايات اللاتي يخرجن من السجن يستمررن في إجراء الختان. وإذا تصادف وجود الحاكم في المحافظة، كانت الدايات يجرين «ختان السُنّة». وما إن يغادرها حتّى يحوّلنه إلى «ختان فرعوني». وقد أدّت التطوّرات السياسيّة إلى إهمال قضيّة ختان الإناث. فأعلنت الجمعيّة الطبّية البريطانيّة في 7 يوليو 1949 أن هذه القضيّة هي قضيّة طبّية ويجب الإمتناع عن عمل تصريحات عامّة حول هذا الموضوع حتّى لا يحدث تدخّل في جهود الأطبّاء في السودان [630] .

ولا بد من كلمة حول محمود محمّد طه. فقد كان لمشاركته في المظاهرة السابقة الذكر أثراً سلبيّاً على قضيّة ختان الإناث رغم أنه إعترف بعد توقيفه بأنه كان يحتج ضد الإدارة البريطانيّة وليس لكي تستمر هذه العادة. وتشير «لايتفوت كلاين» إلى مقابلة أجرتها معه يقول فيها إن فلسفته تتمحور حول تنوير جميع أفراد جماعة المسلمين، ذكوراً كانوا أو إناثاً، وأن التغيير الإجتماعي سوف يحصل عندما يتم هذا التنوير [631] . ونشير هنا إلى أن نظام النميري قام بشنقه عام 1985 بتحريض من الأزهر ورابطة العالم الإسلامي بسبب رفضه تطبيق الشريعة الإسلاميّة وفهمه الخاص للقرآن [632] .

2) الغرب وختان الإناث بعد إنتهاء عهد الإستعمار

سوف نرى في القسم القادم كيف عادت قضيّة ختان الإناث إلى الظهور تدريجيّاً في المنظّمات الدوليّة في ظل تزايد الحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة. وقد أصبحت هذه القضيّة محل بحث سنوي في المحافل الدوليّة بدعم من الدول الغربيّة والمنظّمات غير الحكوميّة. وقد أصدرت عدّة دول غربيّة قوانين تمنع ممارسة ختان الإناث على أرضها، كما أنها دعمت تبنّي المحافل الدوليّة لقرارات تدين ختان الإناث، موجّهة خصّيصاً للدول الإفريقيّة. وتم إنشاء جمعيّات غير حكوميّة في الدول الغربيّة والإفريقيّة بدعم غربي لمكافحة هذه العادة. فماذا كان رد الفعل أمام التدخّل الغربي في شؤون الدول الإفريقيّة؟

أ) إنقسام الأفارقة بخصوص التدخّل الغربي

جاء في قرار صادر عن جمعيّة النساء الإفريقيّات للبحوث والتنمية في نوفمبر 1979:

«في السنين الأخيرة، صدم الرأي العام الغربي باكتشافه أنه في وسط القرن العشرين هناك آلاف من النساء والأطفال الذين يتم «بترهم بهمجيّة» بسبب «عادات وحشيّة من القرون الماضية». لقد صدم الضمير الطيّب للغرب من جديد إلى درجة إظهار عدم موافقته على مثل هذه التصرّفات. مؤتمرات صحفيّة وأفلام وثائقيّة وعناوين بارزة في الصحف والأخبار اليوميّة والرسائل المفتوحة ومجموعات عمل. كل ذلك موجّه للرأي العام ويهدف إلى الضغط على حكومات الدول التي ما زالت تمارس ختان الإناث.

إن الحملة الصليبيّة الجديدة للغرب نابعة من التحامل الأخلاقي والثقافي للمجتمع الغربي اليهودي المسيحي [...]. وحتّى يتمكّنوا من الوصول إلى الرأي العام عندهم، وقع الصليبيون الجدد في إستثارة الشعور دون إحساس بكرامة المرأة التي يريدون تخليصها [...]. وباعتقادهم أن هذه قضيّة عادلة، نسوا أن هؤلاء النساء اللاتي ينحدرن من عرق آخر وثقافة مختلفة هن أيضاً من جنس الإنسان وأن التضامن لا يمكن له أن يتواجد إلاّ مع التأكيد على الذات والإحترام المتبادل».

وتبيّن الجمعيّة أن هذه الحملة أنتجت ثلاثة آراء في إفريقيا

1) رأي محافظ يؤكّد على الحق في الإختلاف الثقافي وحماية القيم والممارسات التقليديّة. وهذا الرأي ينكر على الغرب الحق في التدخّل في المشاكل الخاصّة بالثقافة.

2) رأي يدين ختان الإناث لأسباب صحّية ولكنّه يرى أنه من المبكّر فتح جدل عام بخصوصه.

3) رأي يركّز على الطبيعة العدوانيّة للحملة ويعتبر أن القصد من ورائها إبعاد الأنظار عن الإستغلال الإقتصادي والظلم الواقع على الدول النامية، وهما سببا إستمرار هذه العادة.

وإن تقر الجمعيّة النقد الموجّه ضد الحملة الحاليّة، فإنها أيضاً ترفض التغاضي عن العادات التقليديّة. فعلى الأفارقة أخذ موقف بخصوص جميع المشاكل التي تخص مجتمعهم واتخاذ الخطوات لإنهاء الممارسات التي تحط من قيمة الإنسان.

وتضيف هذه الجمعيّة بأن المختونات في إفريقيا لا يمكنهن تلبية إحتياجاتهن الأساسيّة وعليهن الكفاح يومياً للبقاء على الحياة. وهذا بسبب إستغلال الدول النامية. وفي ظل هذه الأزمة الإقتصاديّة العالميّة يشكّل اللجوء إلى العادات التقليديّة مع كل أغلالها شعوراً بالأمان لشعوب العالم الثالث. والكفاح ضد ختان الإناث دون وضعه في محيط الجهل والتعتيم والإستغلال والفقر ودون طرح أسئلة حول النظم والعلاقات الإجتماعيّة التي تبقي عليه يشبه رفض رؤية الشمس في وضح النهار. وهذا هو الأسلوب الذي يلجأ إليه كثير من الغربيّين ممّا يجعل تلك الحملة مشبوهة. وتطالب الجمعيّة النساء الغربيّات اللاتي يناضلن من أجل هذه القضيّة ولا يبحثن عن الإعتبارات الشخصيّة، أن يفهمن جوانب هذا الموضوع. هذه مشكلة النساء الإفريقيّات ولا يمكن حدوث تغيير دون مشاركة النساء الإفريقيّات. يجب على النساء الغربيّات أن يتفادين التدخّل في التوقيت غير المناسب، والتعالي العرقي، والتعسّف في إستعمال السلطة. فهذا يوسّع الهوّة بين الحركة النسائيّة الغربيّة والحركة النسائيّة في العالم الثالث [633] .

وقد أعادت هذه الأقوال دراسة كتبتها باحثة إفريقيّة حول ختان الإناث نشرتها اللجنة الإقتصاديّة لإفريقيا التابعة للأمم المتّحدة عام 1981. وهذه الدراسة ترى أن مشكلة الحملة ضد ختان الإناث تكمن في أنها تفصل ما بين هذه العادة ومحيطها. والأسلوب التعصّبي والعدواني الذي تتسم به هذه الحملة تقود إلى الإعتقاد بأن الهدف منها هدم الأفارقة. وقد إنتقدت هذه الدراسة وصف ختان الإناث بأنه عمليّة «بتر». فكلمة «البتر» تعني بأن هدف الختان هو إلحاق الضرر، وقطع وإتلاف عمدي للشخص، بينما هو في حقيقته عمليّة تجرى لأسباب موضوعيّة ومادّية وتاريخيّة. وترى هذه الدراسة أنه لا يمكن القضاء على ختان الإناث دون إشراك النساء المعنيّات به مباشرة. فالأسلوب الهجومي الذي يأتي من الخارج يجعل المشكلة أكثر صعوبة ويؤدّي إلى مقاومة ثقافيّة [634] .

وقد كتب رئيس الدولة السنغاليّة عبدو ضيوف رسالة في 5 أبريل 1984 يقول فيها:

«إن السيّد ادمون كيزر، رئيس جمعيّة Sentinelles ، يقوم بحملة ضد بتر الأعضاء الجنسيّة وخاصّة تلك التي تمس بالنساء. لقد قدّم نفسه لنا ليس كرقيب يشمت بمجتمعاتنا وثقافتنا، ولكن كرجل لا يفوته شيء يخص الإنسان. فهو يكافح بإسم الأخلاق والقيم العالميّة. ولكن يجب أن لا نرتكب خطأ متسرّعاً بالحُكم [على هذه الممارسات] بالوحشيّة والدمويّة. يجب الحرص على عدم وصف ما هو إختلاف ثقافي بالوحشيّة. ففي إفريقيا التقليديّة ينبع ختان الإناث من مجموعة متماسكة لها قيمها واعتقاداتها وتصرّفاتها الثقافيّة والطقسيّة. فقد كانت تجربة ضروريّة في الحياة لأنها تتمّم مرحلة دمج الطفل بالمجتمع.

وإن كانت هذه الممارسات تخلق مشكلة اليوم فذلك لأن مجتمعاتنا في تحوّل كبير وتعيش ديناميكيات ثقافيّة واجتماعيّة جديدة ليس لمثل تلك الممارسات مكان فيها أو تظهر وكأنها بقايا أثريّة. ولذلك يجب الإسراع بالقضاء عليها. إلاّ أن القسم الأهم من هذا الكفاح سوف يتم من خلال التثقيف وليس بالتكفير، ومن الداخل وليس من الخارج» [635] .

وفي المؤتمر الذي عقد عام 1984 في داكار، قال الأستاذ «بول كورييا» من كلّية الطب في جامعة داكار، بأن المرء يسر أمام هذا التضامن الإنساني الغربي ضد ختان الفتيات. ولكن عند دراسة هذه الظاهرة ونتائجها بصورة موضوعيّة يلاحظ أنه لا بد من لجم هذا الحماس بعض الشيء لكي يكون أكثر فعاليّة للوصول إلى هدفه وهو القضاء على هذه العادة. فالأفارقة لا يفهمون لماذا يقوم الغربيّون بحملة ضد ممارسات بتر مارسوها سابقاً ولكن يصفونها اليوم بالوحشيّة عند غيرهم. وهذا التصرّف الغربي يزعج بصورة كبيرة حتّى أكثر الناس رغبة في دعم هذه الحملة الإنسانيّة. فالإفريقي يسمح لنفسه إنتقاد تصرّفاته بشدّة ولكنّه لا يقبل بسهولة أن يقوم الغير بنقده، خاصّة في وقت تحاول فيه إفريقيا البحث عن هويّتها. وحتّى يتم التوصّل إلى إقناع تلك الشعوب الإفريقيّة بالتخلّي عن تلك العادة، يجب ترك الكلمة للإفريقيّات [636] .

وقد بيّنت رئيسة المنظّمة الإفريقيّة، السيّدة «برهان راس ورك»، في هذا المؤتمر أنه لخلق علاقة مع من يمارسون ختان الإناث، يجب الأخذ بالإعتبار ثلاثة مبادئ أساسيّة هي:

أ) إن موضوع ختان الإناث هو أوّلاً مشكلة تخص الأفارقة، وعليه، فإنه يجب أن يضطلع بها مواطنو الدول الإفريقيّة.

ب) إن إثارة هذا الموضوع الحسّاس في الغرب خارج محيطه الثقافي سوف يؤدّي إلى نفور ومنازعات.

ج) إن نتائج الختان على الصحّة تثير قلقاً أكيداً عند كثير من المنظّمات الإنسانيّة [637] .

وكما أثار فيلم عن ختان الذكور ضغينة الأوساط اليهوديّة، أثار فيلم أنتجته «اللجنة الإفريقيّة» عن ختان الإناث مخاوف بعض المشاركين في مؤتمر الأمم المتّحدة الذي عقد عام 1991 في «وجدوجو» في «بوركينا فاسو». فقد رأى البعض أن مثل هذا الفيلم الموجّه للشعوب التي لا تمارس الختان قد تفسّره الشعوب التي تمارسه بأنه تعدّي على شرفها فتنغلق أمام كل إقتراح للقضاء على تلك العادة. وهذا فعلاً ما حدث في الحبشة حيث غضب الكثيرون منه. وقد ردّت اللجنة الإفريقيّة بأن الفيلم لا يعرض إلاّ الحقيقة وأنه لكي لا يتم عرض فيلم كهذا يجب القضاء على ختان الإناث. وقد رأى بعض المشاركين أنه لا مانع من توعية الشعوب التي لا تمارس ختان الإناث حول هذه العادة حتّى يؤثّروا على من يمارسونها [638] .

ولن نثقل على كاهل القارئ باقتباسات من ردود الفعل الإفريقيّة المتحفّظة. فنكتفي هنا بذكر موقف الرئيس الجامبي في بداية عام 1999 حيث نعت المكافحين والمكافحات ضد ختان الإناث في بلده بأنهم أعداء الإسلام. وأضاف أن من يبشّرون ضد هذه العادة، بما فيهم الرؤساء الدينيين الإسلاميين، يحاولون من خلال ذلك التصدّي للدين الإسلامي لهدمه. واعتبر أن التصدّي لعادة ختان الإناث دون المشاكل الأخرى التي تمس بصحّة المرأة في إفريقيا يخفي مصالح غربيّة محدّدة. وأضاف أن الذين يلجأون إلى إستعمال تعبير «بتر» لوصف ختان الإناث يكذبون إذ إنه ليس هذا ما يتم. ولذا سوف يقدّم إقتراحاً بإصدار قانون يمنع الدعاية ضد ختان الإناث لأنه يعتبرها غير عادلة ولا يمكن السماح لها بالإستمرار.

وقد ردّت اللجنة الجامبيّة حول العادات التقليديّة في رسالة بتاريخ 25 يناير 1999 بأنها تحاول نشر المعلومات بين الشعب وتشجيع الحوار. وبما أن أكثر الشعب لا يقرأ ولا يتكلّم الإنكليزيّة أو العربيّة فمن مسؤوليّتها توصيل هذه المعلومات لهم من خلال الراديو والإجتماعات والوسائل الأخرى. والعادات التقليديّة، ومن بينها ختان الإناث، تمييز ذكوري واقع ضد النساء يقصد منه السيطرة على حياتهن الجنسيّة حتّى وإن قامت بها النساء، إذ إن الرجال هم الذين يدعمونها. وتتعهّد اللجنة بمواصلة الجهد لتحسين وضع المرأة والأطفال في جامبيا. وحتّى إن قام الرئيس بمنع نشاطاتها، فإنه لن يتمكّن من القضاء على قناعتها وحبّها للبلد [639] .

وتقول كاتبة إفريقيّة معارضة لختان الإناث أن جومو كينياتا وغيرهم من الزعماء الأفارقة قد تمسّكوا بعاداتهم الإفريقيّة كرد فعل أمام المستعمر الذي أراد أن يهدم كل ما يمكن أن يعبّر عن إنتمائهم الوطني المتميّز. وتضيف هذه السيّدة أنه لا مانع من رد الفعل، ولكن ليس على حساب النساء ببترهن [640] . إلاّ أنها ترى ضرورة التعرّض لهذه العادة بكل رفق لأنها عمليّة معقّدة جدّاً [641] .

ب) إنقسام الغربيّين بخصوص التدخّل الغربي

تعلم الدول الغربيّة علم اليقين أن المهاجرين الأفارقة يمارسون ختان الإناث على ترابها منذ زمن طويل. ولكنّها تغاضت عنهم وتركتهم يفعلون ما يريدون. ففي فرنسا، كان الأفارقة هناك يقومون بأنفسهم بختان فتياتهم أو يحضرون خاتنة من إفريقيا لإجرائه. وعندما قامت السيّدة «سيمون إيف» رئيسة التنظيم الأسري بتنبيه السلطات الفرنسيّة عام 1974-1975، كان جواب هذه الأخيرة بأن هذه المشكلة لا تخص إلاّ المهاجرين، «وماضينا الإستعماري يمنعنا من طرح أسئلة حول هذا الموضوع» [642] . هناك إذاً خوف من الإتّهام بالعنصريّة والتعالي الثقافي والإمبرياليّة.

إلاّ أن معارضي ختان الإناث يرفضون هذا الموقف. تقول «هوسكن»:

«أود أن أسأل أولئك الذين ما زالوا يدّعون بضرورة الحفاظ على العادات الإفريقيّة وأن التدخّل لحماية الأطفال من البتر هو نوع من العنصريّة: هل ترضون بأن يتم ختان بناتكم؟ إن العنصريّة الحقيقيّة هي أن تطالبوا بترك الفتيات السوداء تردخ لمثل هذا التعذيب الفظيع مع أضرار صحّية مدى الحياة، بينما ترفضون أن يجرى ذلك لبناتكم أنتم [...]. إن بتر الأطفال هو جريمة مهما كانت العادات الإفريقيّة» [643] .

وتقول نشيطة ألمانيّة بأن ختان الإناث يمس النساء مهما كان أصلهن. وكامرأة ترى أن الختان أمر يهمّها ويجب أن تكون متضامنة مع غيرها من النساء. وتضيف بأن من يرفض تدخّل الغربيّين في مجال ختان الإناث يجب أن يفحص نواياه. فإن طالبت النساء الإفريقيّات عدم التدخّل، فيجب عند ذلك أخذ الأمر على محمل الجدّية. إلاّ أن عدد النساء الإفريقيّات ضحايا ختان الإناث اللاتي يطلبن المساعدة يتزايد. لذا لا يمكن التخفّي وراء حجّة بأن الإفريقيّات يرفضن التدخّل [644] .

ويرى البعض بأنه إن كان على الغربيّين عدم التدخّل في شؤون الأفارقة في إفريقيا، إلاّ أنه لا يحق للغربيّين السكوت عمّا يتم في الغرب، ويجب على الأفارقة الخضوع للقوانين الغربيّة. تقول «ريني سوريل» إن كان صحيحاً بأن ماضينا الإستعماري لا يسمح لنا أن نفرض أنفسنا بإعطاء الدروس للآخرين، ولكن ذلك لا يمنعنا من التدخّل إذا ما تم جرم على أرضنا في فرنسا [645] .

وقد جاء في النشرة الإعلاميّة التي توزّعها وزارة العمل والشؤون الإجتماعيّة الفرنسيّة بهدف الحد من ختان الإناث، أن أحد أسباب هذه العادة هو الإعتقاد «بأن ختان الإناث هو إحترام العادات والتقاليد». وترد هذه النشرة قائلة: «في الحقيقة هناك عادات وتقاليد مفيدة للصحّة، مثل إرضاع الطفل من ثدي أمّه أو حمل الطفل على الظهر. ولكن هناك أيضاً عادات وتقاليد ضارّة جدّاً مثل ختان الإناث». وتذكر النشرة مضار ختان الإناث وتضيف أن لا فائدة من كل هذه الآلام وأنه حتّى في إفريقيا هناك أهالي يرفضون ممارسته على بناتهم. وبعد أن تبيّن أن القانون الفرنسي يعاقب على هذه الممارسة، تضيف بأن إعتقاد الأهل أنهم يعملون عمل عملاً صالحاً بمراعاتهم تقاليدهم لا يغيّر من طبيعة الجرم. فختان الإناث مخالف للقانون الفرنسي لأنه بتر للجسد. وفي فرنسا يطبّق القانون على جميع سكّانها بصورة متساوية مهما كانت جنسيتهم [646] .

وإن كان التفريق بين الدول الغربيّة والدول الإفريقيّة في مجال سن القانون يخضع لاعتبارات سياسيّة، أهمّها الخوف من الإتّهام بالإمبرياليّة، إلاّ أن هناك من يبرّر هذا التفريق لاعتبارات إجتماعيّة. تقول أستاذة إيطاليّة تعمل في مجال مكافحة ختان الإناث أن على الدول الغربيّة إتّخاذ الوسائل التي تراها الأنجع لمنع إجراء ختان الفتيات اللاتي يعشن على أرضها مثل تثقيف وعقاب الأهل والطبيب وذلك لأن الختان يؤدّي إلى نتائج وخيمة ويمنع الفتيات من الإندماج في المحيط الجديد. بينما على الدول الإفريقيّة أن تتّخذ الخطوات التي تختارها لمحو هذه العادة حسب الوسائل التي تراها الأفضل لأن الختان الذي يجرى في محيطه الإجتماعي الإفريقي أقل تأثيراً على البنات من الختان الذي يجرى في المجتمع الغربي [647] .

3) الغرب وازدواجيّة المعايير

يستنكر الغرب، حكومة وإعلاماً، ممارسة ختان الإناث ويرسم لهذه العادة صورة بشعة للغاية، وكثيراً ما لا يفرّق بين درجاته المختلفة. فتبدو تلك العادة في مخيّلة الغربي العادي والمثقّف كعمليّة وحشيّة تمارسها شعوب متخلّفة تتمثّل في الدول الإفريقيّة التي كانت يوماً خاضعة للإستعمار الغربي. وكأن الغرب برسمه هذه الصورة القاتمة يبحث عن مبرّر لاستعماره السابق لهذه الدول أو يريد الثأر منها لخروجها من سلطته.

ولكن حتّى وإن صفت النوايا، على الأقل عند النفوس الخيِّرة، أو قَبلنا بالحِكمة القائلة: «رب ضارّة نافعة»، علينا أن نعترف بازدواجيّة المعايير لدى الغرب. فبينما يقوم بفضح عادات الأفارقة ومعايبهم، يتناسى الغرب أن له عاداته ومعايبه التي لا تقل بشاعة عن عادات ومعايب الأفارقة. وكل هذا يجعل مكافحة ختان الإناث في إفريقيا أكثر صعوبة. فالإنسان المهاجم بصورة تحيّزية سوف يدافع عن نفسه. وبدلاً من تغيير عاداته فإنه سوف يشدّد عليها، إن لم يكن «إقتناعاً»، فعلى الأقل «مماحكة».

ونشير أوّلاً إلى أن الغرب مارس ختان الإناث في الماضي القريب وما زال يمارسه في أيّامنا ولو بإعداد أقل وبحجج أقل وقعاً على النفوس مثل تجميل الفرج أو زيادة اللذّة. وكثيراً ما يتغاضى الإعلام الغربي عن هذه الحقائق مُشَهِّراً فقط بالممارسات التي تتم بين المهاجرين الأفارقة في الدول الغربيّة. ويكفي هنا ذكر مقال نشرته منظّمة العفو الدوليّة في صفحتها على الانترنيت تقول فيه «إن عمليّة ختان الإناث في الدول الصناعيّة تجري في الغالب بين المهاجرين الذين يأتون من دول تمارس ختان الإناث». ولم يذكر المقال ما يحدث بين الغربيّين [648] . وقد أشرنا سابقاً إلى تقرير مستشار منظّمة الصحّة العالميّة عن ختان الإناث في 1979 الذي لم يتعرّض إلاّ إلى الختان الفرعوني معتبراً أن الأنواع الأخرى من ختان الإناث ليست ضارّة ما دام أنها تمارس في الولايات المتّحدة.

ويسكت الغرب أيضاً عن ممارسته لعدد من عمليّات البتر على النساء دون مبرّر طبّي لها في كثير من الأحوال، مثل العمليّات القيصريّة، وشق العجّان عند الولادة، أو بتر الثدي وغيرها.

وفيما يخص الذكور، يجب أن لا ننسى أن الغرب يرفض الدخول في جدل حوله. وأود هنا أن أذكر تجربة شخصيّة. ففي إحدى محاضراتي في سويسرا حول تاريخ وأسباب ختان الذكور في الولايات المتّحدة، وقف أمريكي يحمل دكتوراه في القانون من جامعة هارفرد، وقال وعلائم الغضب على وجهه: «انك تتعدّى علي. هل تظن حقيقة إنني مشوّه جنسيّاً كالهمج في أدغال إفريقيا الذين يبترون الأعضاء الجنسيّة لبناتهم؟»

لقد إختصر هذا الأمريكي الموقف الغربي المتعالي من الأفارقة وعاداتهم. والحقيقة أنه لا فرق بين الغربيّين وبين الأفارقة فيما يخص الأعضاء الجنسيّة. فختان الذكور وختان الإناث هو تعدّ على الأعضاء الجنسيّة السليمة مهما كانت هويّة المتعدّي وادّعاءاته الحضاريّة. والمشكلة مع الغربيّين أنهم يلومون الغير على إنتهاك حقوق الإنسان ويتناسون عامّة إنتهاكاتهم لتلك الحقوق. وهذا ما جعل معارضي ختان الذكور في الدول الغربيّة ذاتها يلومون دولهم لأنها تعمل لاحترام حقوق الإنسان في الدول الإفريقيّة أكثر ممّا تعمل لاحترام حقوق مواطنيها، وبفعلها هذا تنكر على ذكورها حقوقاً تعترف بها لإناث الدول الإفريقيّة [649] .

في مقدّمة لكتاب ضد ختان الذكور لمؤلّفة أمريكيّة يقول الدكتور «فريديريك ليبوايي»:

«إن منظّمة الصحّة العالميّة تقود حملة ضد ختان الفتيات البالغات في إفريقيا. والرأي العالمي تحت الصدمة لرؤية التشويه الجسدي الذي يقع على الأعضاء التناسليّة للإناث. ولكن ختان الذكور لا يختلف عن ختان الإناث، فهو في نفس المستوى ونفس الطبيعة بينما ندعو أنفسنا عقلانيين ومتقدّمين. إن ختان الإناث يجرى على فتيات إفريقيّات في حالة وعي وحولهن من يُفهِمهن أنه إمتحان عليهن أن يتحمّلنه بشجاعة، رغم أن القصد الأساسي لكل ذلك هو إخضاعهن للرجال والتأكّد من أنهن لن يتحدّين سلطتهم. أمّا في حالة ختان الذكور الذي يتم على الأطفال حديثي الولادة، فإنه لا وعي لديهم، والتعذيب يتم وهم لا حول لهم ولا قوّة [...]. لقد حان الأوان أن نضع حدا لذلك العمل البربري» [650] .

ويقول الطبيب «جيرارد تسفانج» أن عدداً كبيراً من معارضي ختان الإناث يسكتون عن ختان الذكور. والآن يقوم اليهود والمهاجرون من الدول الإسلاميّة باللجوء إلى المستشفيات لإجراء ختان الذكور على حساب النظام الإجتماعي الفرنسي. وقد يكون مؤيّدو ختان الذكور هم أنفسهم مختونين، أو أنهم يظنّون أن الختان يساعد في تحسين الأطفال الزنوج بينما يفضّلون الإبقاء على أعضاء بناتهم الجنسيّة سليمة. وهذه المواقف المتناقضة للرجل الأبيض جعلت الإفريقي يشك في كلامه. فكل من ختان الذكور والإناث عند الأفارقة يهدف إلى تصليح وتكميل جسم الإنسان. لذا لا يرون لماذا عليهم أن يتوقّفوا عن ختان بناتهم بينما يستمرّون في ختان ذكورهم. ولن نتمكّن أبداً من القضاء على ختان الإناث إلاّ إذا قضينا على ختان الذكور في بلادنا. وهذه معركة شديدة المخاض لأنها تخالف كثيراً من أحكامنا المسبقة وعاداتنا وتصطدم باللوبي الذي يختن في الولايات المتّحدة. ولكن هذا بحد ذاته ليس سبباً لكي نيئس [651] .

هذا والمتبحّر في الحملة الحاليّة ضد ختان الإناث يرى أن هذه الحملة تستهدف الأفارقة على إختلاف دياناتهم. فكل الدراسات تركّز على هذه القارّة بالذات رغم أن ختان الإناث يمارس في دول أخرى مثل عُمان والبحرين وإندونيسيا وبعض مناطق الباكستان والهند، وربّما أيضاً في بعض دول أمريكا الجنوبيّة والوسطى. وليس هناك مسح شامل ولا إحصائيّات ولا دراسات متعمّقة بخصوص ختان الإناث في تلك الدول. وقد لفتت إنتباهي ممارسة ختان الإناث في عُمان عندما زرتها في سبتمبر 1999 وقابلت رئيسة الجمعيّة النسائيّة العمانيّة وعدداً من موظّفي الوزارات بما فيها وزارة الصحّة. ففي هذا البلد تقدّر نسبة النساء العمانيّات المختونات بأكثر من 90%. إلاّ أنه لا توجد أيّة حملة تهدف إلى إلغائه هناك رغم أن منظّمة الصحّة العالميّة ومنظّمة الأمم المتّحدة تطالبان جميع دول العالم بالعمل على القضاء على تلك العادة. لا بل إن رئيسة منظّمة الجمعيّة النسائيّة العمانيّة أكّدت لي بأن ختان الإناث ليس مطروحاً للنقاش بتاتاً في بلدها، وليس هناك من يطالب بإلغائه، وليس عندها أيّة نيّة في بدء مثل هذه الحملة. وعندما سألتها ما إذا كانت قد سمعت بالحملة ضد ختان الإناث في مصر، أخبرتني بأن تلك الحملة سياسيّة أوّلاً وآخراً ولها أهداف سياسيّة معروفة. وبما أن عُمان ليست مستهدفة سياسيّاً، فإن ختان الإناث في عُمان ليس محل جدل في المحافل الدوليّة.

الفرع الرابع: الختان والصراع السياسي على أساس الجنس

جاء «ماركس» (توفّى عام 1888) وأتباعه بنظريّة تفسّر التاريخ على أنه صراع ليس بين الأديان أو الأعراق، بل بين طبقات المنتجين والعمّال المستغَلّين، واقترح حل هذا الصراع من خلال الإشتراكيّة. وقد حوّرت بعض الحركات النسائيّة هذه النظريّة معتبرة أن الصراع هو في حقيقته بين الذكور والإناث. ففوق الدين والعرق والطبقات هناك الرجل والمرأة في صراع يجب حلّه من خلال نظام المشاركة بين الجنسين. والنساء، حسب تعبير «بينوات جرولت»، هن آخر مستعمرة في العصر الحديث، وعليهن أن ينلن إستقلالهن من خلال تضامنهن [652] . وتعتبر الحركات النسائيّة عامّة ختان الإناث إحدى حلبات هذا الصراع بين الرجل والمرأة، وعلى جميع النساء مهما كان إنتماؤهن الديني أو العرقي أو الطبقي المشاركة في هذا الصراع.

1) الحركات النسائيّة الغربيّة وختان الإناث

ما زالت بعض النساء الغربيّات يفسّرن ختان الإناث على أساس الصراع الطبقي بين المنتجين والعمّال على الطريقة الماركسيّة. فترى السيّدة «فونتاني» أن مساندة ختان الإناث يخدم الطبقة البورجوازية الوطنيّة إذ إن النساء المختونات أكثر النساء إنجاباً. وهذا يتيح يداً عاملة شابّة ورخيصة في سوق العمل الغربي والخليجي. وهي ترى أن مساندة الرئيس الكيني «جومو كينياتا» لختان الإناث يدخل ضمن هذا المنطق [653] .

هذا والحركات النسائيّة الغربيّة عامّة لا تتبنّى هذا التفسير الطبقي لختان الإناث وتكتفي بعرض ختان الإناث ضمن مظاهر سيطرة الرجال على النساء. وتختلف نظرة هذه الحركات لختان الإناث جوهرياً عن نظرة الرجال له. فـبينما يقوم «جومو كينياتا» بعرضه بصورة مشوّقة ورومنتيكيّة كجزء من طقس تدريب، ويعتبره المسلمون الذين يؤيّدونه جزءاً من شعائر الإسلام وفي صالح المرأة، ترى الحركات النسائيّة الغربيّة فيه «أحد أشد وأوضح أشكال إذلال المرأة» حسب تعبير نشيطة ألمانيّة [654] .

ولا يمكننا هنا إستعراض مواقف كل ممثّلات الحركات النسائيّة، ونكتفي بتقديم فكر السيّدة «هوسكن»، وهي من أكبر المهتمّات بقضيّة ختان الإناث من وجهة نظر نسائيّة غربيّة. فهي مؤسّسة جمعيّة «الشبكة العالميّة للنساء» التي تنشر أخباراً وتقاريراً عن أوضاع النساء في العالم. ولها تقرير خاص حول ختان الإناث يعتبر مرجعاً هامّاً في هذا الخصوص.

تتّهم السيّدة «هوسكن» الرجال، جماعيّاً وأفراداً، بأنهم المسؤولون عن إستمرار ختان الإناث، وأنه «لو كان هناك إرادة لإيقاف ختان الإناث، فإنه كان بالإمكان الوصول إلى ذلك خلال العشرين سنة الماضية في أكثر المدن. ولكن هذا يتطلّب قيادة ذكوريّة على المستوى الوطني والدولي» [655] .

وترى «هوسكن» تعبيراً عن سيطرة الرجال الأحكام التي يصدرها القضاء في موضوع ختان الإناث. فالقضاء يسيطر عليه الرجال. ولذلك فإنهم يحكمون على النساء وليس على الرجال في تلك القضايا [656] .

وتصب «هوسكن» غضبها على الدول الإفريقيّة والشرق أوسطيّة التي، حسب رأيها، تسيطر عليها سلطات ذكوريّة طاغية ذكوريّة دون تمثيل نسائي. وتستنكر «هوسكن» الدعاية القائلة بأن تلك الدول في تحوّل ديمقراطي. فهذه التحوّلات حيث وجدت لم تأخذ بالإعتبار مصالح النساء بصورة حيويّة، مثل التربية والصحّة، وما زالت هناك فجوة شاسعة بين أمّية الذكور وأمّية النساء. وتقول:

«إن السياسة الجنسيّة للرجال في إفريقيا والشرق الأوسط تهدف إلى إبقاء النساء في علاقة تبعيّة للرجال. والهدف من المرأة هو أن تخدم زوجها وسيّدها، وتقدّم له الطعام والراحة والخدمات الجنسيّة، وأن تحمل وتربّي أولاده. وإذا لم تعجبه، يمكنه تطليقها في نفس اللحظة. وختان الإناث يضمن علو قدر الرجال. وحتّى تستمر هذه الممارسة، يتم تقديم أساطير عجيبة ومعتقدات غير عقلانيّة وقصص وتبريرات تبيّن أن الختان ضروري» [657] .

وترى «هوسكن» أن المنظّمات الدوليّة لها مصلحة واحدة: الحفاظ على النظام الذكوري. ولذلك تحبط أي تحرّي عن ختان الإناث. وكل الهيئات الحكوميّة التي تهتم بالتنمية يديرها رجال وليس فيها إلاّ بعض السكرتيرات. فالتنمية كانت دائماً بيد الرجال الذين يقومون بالإتّصال بالحكومات التي يسيطر عليها رجال. وهم لا يسألون أسئلة عن النساء لأن المسؤولين الحكوميين قد يحتجّون على ذلك. وإن كانت الحكومات ترسل اليوم بعض النساء في مهمّات التنمية، فأن القرار يرجع في النهاية للرجال [658] . وفي شهادتها أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في 15 يونيو 1993، طالبت حكومتها بفرض المساواة في الوظائف، وحماية النساء من التحرّش الجنسي، وتكوين هيئة مستقلّة للشكاوي والتحقيق في كل الهيئات الدوليّة التي تحصل على مساعدات ودعم من الولايات المتّحدة. كما طالبت بإدخال مكافحة ختان الإناث في كل برامج الإعانة الأمريكيّة الخاصّة بتنظيم الأسرة والصحّة في الدول الإفريقيّة والشرق الأوسط، ودعم المجموعات المحلّية التي تكافح ضد ختان الإناث في تلك البلاد. وطالبت بأن يفرض شرط مكافحة ختان الإناث على كل الهيئات الدوليّة التي تموّلها الولايات المتّحدة مثل صندوق الأمم المتّحدة للسكّان [659] .

وتتّهم السيّدة «هوسكن» الهيئات الطبّية في الدول التي يتم فيها ختان الإناث بعدم تصدّيها له. وتٌرجع ذلك إلى كون تلك الهيئات في يد الرجال. وهؤلاء يطالبون الآن بإجراء عمليّة ختان الإناث في المستشفيات بدلاً من إجرائها على يد الداية أو حلاّق الصحّة بدعوى أن ذلك أفضل للمرأة، بينما هدفها الحقيقي هو الدفاع عن النظام الذكوري في المستشفيات. وتعطي عدّة أمثلة على محاولة الأطبّاء الغربيّين التصدّي للقوانين التي تمنع ختان الإناث. كما تنتقد «هوسكن» جهود منظّمات تنظيم الأسرة في العالم الثالث التي يسيطر عليها الرجال الذين يهدفون السيطرة على النساء. فتلك المنظّمات لا تهتم بصحّة المرأة، بل بضبط النسل، فلم تهتم بختان الإناث. وكان على هذه المنظّمات الإهتمام بما تحتاجه المرأة الإفريقيّة، وهو التثقيف والموارد التي تساعدهن لكي يصبحن مستقلات عن الرجال. ولكن مثل هذا الموقف سوف يؤدّي إلى فقدان الخبراء عملهم والرجال تسلّطهم على النساء. وللأسف فإن ما فشل في تحقيقه خبراء تنظيم الأسرة سوف يتم بفضل مرض الإيدز حيث تعرف إفريقيا أكبر نسبة إصابات بهذا الداء الفتّاك والذي يساعد ختان الإناث في إنتشاره [660] .

وترى «هوسكن» أن «ختان الإناث مستمر في الإنتشار لسبب واحد: لأن الرجال يدعمونه، ولأن الرجال يطالبون به أو لأنهم يتسامحون معه. فلولا ذلك، لانتهى من على وجه الأرض. ومسؤوليّة التحرّك في هذا المجال ترجع للرجال إذا ما أرادوا أن يكسبوا إحترامنا». ولكنّها تضيف:

«وبما أن المسؤولين الذكور يرفضون إتّخاذ إجراء فعلي، فعلينا للقضاء على ختان الإناث تقوية المرأة الإفريقيّة ومدّها بكل الإمكانيّات الماليّة والتثقيفيّة التي تحتاج إليها لكي تكسب إستقلالها الإقتصادي، حتّى تتمكّن من رفض ختان الإناث، ورفض سيطرة الذكور، ومعاقبة العنف الذكوري. إن مستقبل إفريقيا في أيدي النساء. فالنساء كن دائماً القوّة المنتجة في إفريقيا. وإذا كنّا نهتم فعلاً بإفريقيا، علينا أن ندعم المرأة الإفريقيّة بكل الطرق حتّى يتحقّق السلام والصحّة والإنتاج في هذه القارّة التي هي في حالة إنهيار بسبب العنف الذكوري» [661] .

هذا وإن كانت المنظّمات النسائيّة تتّهم الرجال باستمرار ختان الإناث لفرض سيطرتهم عليهن، فإن هناك نساء تتّهم الرجال باستمرار ختان الذكور أيضاً، كجزء من مؤامرة الرجال على النساء. فالقصد من ختان الذكور، في نظرهن، هو فصل الطفل عن أمّه ومنعها من التدخّل لحمايته، وحرمان المرأة من اللذّة الجنسيّة. وهذا الإتّهام يمتد ليصيب التوراة ذاتها. فعندما طلب الله من إبراهيم أن يختن إبنه، كلّمه وكأنه هو الوحيد الذي ولده، فليس هناك أي ذكر لسارة أم الطفل. ولم يقم إبراهيم باستشارة أم الطفل قَبل ختانه. والذين قرّروا بأن الختان أمر مقدّس لأنه ضروري للسلطة الذكوريّة هم الرجال، وليس النساء أو الأطفال. لذا يجب على المرأة الآن إعادة تعريف ما هو مقدّس. وهي تعرف في قلبها أن أخذ السكّين لقطع الأعضاء الجنسيّة لطفلها ليس مقدّساً، وليس مقدّساً التعدّي على ثقة الإبن بأن أهله سوف يفعلون كل ما في إمكانهم لحمايته من الضرر [662] .

2) موقف النساء غير الغربيّات من هذه الحركات

تجد مواقف الحركات النسائيّة الغربيّة المتشدّدة صدى عند النساء الإفريقيّات، إمّا دعماً أو رفضاً أو في محاولة للتخفيف من وطأة هذا الصراع.

تقول السيّدة الصوماليّة «واريس ديري» بلهجة لا تخلو من التهكّم:

«إن الحروب القبليّة، مثلها مثل ختان الإناث، هي نتيجة عنف وأنانيّة الرجال. لا أحب أن أقول ذلك، ولكن هذه هي الحقيقة. فهم إنّما يفعلون ذلك لأنهم متشبّثون بأرضهم وممتلكاتهم، والنساء جزء من تلك الممتلكات ثقافيّاً وقانونيّاً. ولو أننا خصينا الرجال، لأصبحت بلدنا جنّة! فقد يهدأ الرجال ويصبحون أكثر إحساساً بما يحيط بهم. من دون دفعة التيستوستيرون المتتابعة، لن يكون هناك حروب، ولا مذابح، ولا سرقات، ولا إغتصاب. فلو أننا قطعنا أعضاءهم الجنسيّة وتركناهم يتوهون دون علاج حتّى يسيل دمهم ويموتوا أو يعيشوا، فقد يفهموا لأوّل مرّة ما يفعلون تجاه نسائهم» [663] .

وتضيف:

«رغم غضبي لما فُعل بي، فإني لا أدين أهلي. إني أحب أمي وأبي. فلم يكن باستطاعة أمي قول شيء لأنها كامرأة لا قرار لها. فهي لم تفعل لي إلاّ ما فُعل بها وبأمّها من قَبلها. ولم يكن أبي يشعر بالألم الذي يحدثه لي. كل ما يعرفه هو أنه يجب عليه ختان إبنته إذا أراد أن يزوّجها في مجتمعه، وإلاّ فلن يرغب الرجال فيها. إن والداي كانا ضحيّة تربيتهما وعادات ثقافيّة ثابتة منذ آلاف السنين. ولكن كما إننا نعرف اليوم أنه في الإمكان تفادي الأمراض والموت بالتلقيح بالأمصال، فكذلك نعرف أن النساء لسن حيوانات هائجة، وأن أمانتهن تكتسب بالثقة والمودّة، وليس من خلال طقوس همجيّة. لقد حان الأوان لترك مثل هذه العادات القديمة التي تحدث آلاماً كبيرة» [664] .

وأعلنت السيّدة «رقيّة حاجه دوالي»، ممثّلة الصومال وعضوة المنظّمة الديمقراطيّة لنساء الصومال في المؤتمر الذي عقد في الخرطوم:

«يمكن إعتبار ختان الإناث شكلاً من أشكال القهر الجنسي، والتلاعب بالطبيعة الجنسيّة للنساء لضمان السيطرة عليهن واستغلالهن. وبصورة أوضح، يستخدم ختان الإناث لإعدادهن لدور ثانوي وذليل بإعطائهن صورة سلبيّة عن أنفسهن [...]. إن النساء هن ضحايا عادات عفا عليها الزمن ومواقف متعالية ما زال الرجال يتّخذونها [...]. إن جذور الكبح الجنسي للنساء تتواجد في العائلة والمجتمع والدولة والدين» [665] .

وترى «اوا ثيام» في رفض الأفارقة التدخّل الغربي في شؤونهم الداخليّة ومطالبهم بالحفاظ على عاداتهم ومن بينها ختان الإناث وسيلة للإبقاء على سيطرة الرجال على النساء. وتضيف أنه يجب تخطّي مشكلة العرق والنظر إلى الإنتماء البشري دون إعتبار للأصل. ومن الإنتماء للبشريّة، نرى أن هناك طبقات إجتماعيّة وهناك الرجال والنساء في علاقة متصارعة، علاقة السيّد على المسود. فالمرأة السوداء ترى نفسها مظلومة من المستعمر كما من إخوتها السود. والأسود لا يملك فقط حياته، بل حياة زوجته. والزوجة في الفكر الإسلامي لن تدخل الجنّة إلاّ بواسطة زوجها إذا أسعدته [666] .

إلاّ أن هذه السيّدة تحذّر من الروح العنصريّة البغيضة التي قد تختفي وراء موقف النساء الغربيّات المعارضات لختان الإناث. وتعطي مثلاً بمقال صدر عام 1937 للكاتبة الفرنسيّة «اني دي فيلنيف» [667] . وتذكِّر بأن «صراع النساء الزنجيات لا يقع على نفس مستوى صراع النساء الأوروبيات. فمطالبنا الأوّليّة ليست هي نفسها». وتضيف أن النساء الزنجيات في زمن الإستعمار عشن تحت وطأة إستعمارين: إستعمار المستعمر الغربي واستعمار رجلها الأسود. وبعد رحيل الإستعمار الغربي إستمر إستعمار الرجل الأسود عليها. إنها عبدة العبد. وقد شاركت الجزائريات في حرب التحرير، ولكنّهن لم يحرّرن [668] . وترى بأنه يجب على النساء التي تعتبر ختان الإناث عمليّة بتر أن تعبّر عن رفضها لهذه العادة. وأمّا الشعوب التي لا تمارس ختان الإناث، فيجب إطلاعها عمّا يجري وعليها أن تتصرّف ضد هذه العادة نظريّاً وفعليّاً. ولكن يجب أن يكون كل عمل بمشاركة النساء المعنيّات مباشرة بهذا الموضوع إذا أردنا للكفاح ضد ختان الإناث أن ينجح [669] .

وترى ناهد طوبيا بأنه حتّى لا يؤدّي نقد عادات الجماعات إلى تقوقعها على نفسها وعمل عكس ما يطلب منها، يجب ترك القيادة في معارك تلك الشعوب لأفرادها. وأمّا من لا ينتمون لتلك الشعوب فعليهم أن يساندوهم وأن يعملوا بشراكة معهم. ويجب على كل حال تقديم مبدأ الحق في سلامة الجسد، ليس كوسيلة لمعارضة ونقد تلك الشعوب، بل لصالحها [670] .

بجانب هذه المواقف الإفريقيّة التي تقبل دفاع الغربيّات على شرط أن تبقى المبادرة بيد الإفريقيّات، هناك نساء إفريقيّات يرفضن كل تدخّل غربي في شؤونهن. وتعطي السيّدة «هوسكن» مثالاً على ذلك السنغاليّة «ماري انجيليك سافان». فقد تدخّلت هذه الأخيرة في مؤتمر كوبنهاجن عام 1980 وأقامت ضجّة كبيرة مع مجموعة من النساء الإفريقيّات لمنع «هوسكن» من إلقاء كلمتها ضد ختان الإناث. كما أنها إعترضت على تدخّل منظّمة اليونيسيف في موضوع ختان الإناث. وهي ترى أن للنساء الإفريقيّات مشاكل أخرى غير مشكلة الختان. وتعلّق السيّدة «هوسكن» على موقف السنغاليّة قائلة بأنها قد جذبت إهتمام كثير من وسائل الإعلام التي فرحت جدّاً بهذا التدخّل الذي يثبت السلطة الذكوريّة ويبيّن أن النساء اللاتي ينتمين إلى ثقافات مختلفة لا يستطعن أن يعملن سويّة. وقد قامت منظّمة الأمم المتّحدة بمكافأتها بتعيينها في مركز إداري كبير في جنيف بقرار من الرجال. وتتساءل هوسكن ما هو الأساس الذي يمكن بموجبه التمييز بين الإفريقيّات وغير الإفريقيّات، هل هو القانون العنصري الذي وضعه هتلر، أم قانون جنوب إفريقيا للتمييز العنصري؟ [671]

هذا وإن كانت بعض الحركات النسائيّة تأخذ موقفاً معادياً للذكور، إلاّ أن هناك من ترى ضرورة إشراك الرجال في الكفاح ضد ختان الإناث. تقول السيّدة «ليلى مهرا»، المسؤولة السابقة عن ختان الإناث في منظّمة الصحّة العالميّة:

«بما أن هذه الممارسة كانت تتم في السر وأن الرجال لم يكونوا يتدخّلون فيها (أو يتدخّلون بصورة هامشيّة من خلال المظاهر الإحتفاليّة التي تتبعها)، فإننا نقرّر اليوم ضرورة أن يعرف الرجال تفاصيل وآثار هذه الممارسة. ولذلك نشجّع الرجال على مشاهدة الأفلام حول ختان الإناث والمشاركة في مجموعات النقاش الخاصّة به. فنحن نريد أن نشركهم في التغييرات. وبما أن دورهم مهم جدّاً في التغيير السياسي، لذلك من المهم جدّاً أن يشتركوا في التغيير الثقافي» [672] .

الفصل العاشر: النتائج النفسيّة والإجتماعيّة للختان

تصوّر نفسك جالساً أو نائماً مع من تحب. ويدخل عليك فجأة أناس تجهلهم فيمسكوك بقوّة ويخلعون ملابسك ويقطعون جلد قضيبك بسكّين حاد في عمليّة قد تدوم 15 دقيقة وأنت تصيح من الألم وتصارع لكي تفلت منهم. وفي حدّة الألم تكتشف أن من تحب قد تآمر عليك وساعد في تعريتك وبتر جلد قضيبك. فماذا سيكون رد فعلك؟ وهل تختلف آثار هذه الصدمة التي تصاب بها كبالغ عن آثار الصدمة التي يصاب بها من هو أصغر سنّاً؟

لقد طرح هذا السؤال من زمن قريب. وما زال حتّى الآن بعض الناس يستهجنونه، من بينهم كثير من الأهل والأطبّاء. وهذا الإستهجان نابع من الإعتقاد أن الطفل لا يتمتّع بجميع الحواس، ولا يشعر بالألم كما يشعر البالغ، ودماغه لا يمتلك القدرة على تذكّر ما يجري له فهو سريع النسيان. أضف إلى ذلك أن المجتمع نفسه لم تتبلور لديه فكرة أن للختان آثاراً نفسيّة. فهناك إعتقاد سائد بأن المختونين لا مشاكل لهم ولا يشتكون من أي أعراض. وهذا الموضوع لم يتعرّض له الباحثون إلاّ نادراً بسبب حساسيّته على عدّة أصعدة، ليس أقلّها المحرّمات الدينيّة والجنسيّة والسياسيّة. وهذه المحرّمات تصد الأوساط الحكوميّة والخاصّة والأكاديميّة عن تمويل أبحاث عن هذا الموضوع أو قبولها، ناهيك عن نشرها حتّى في أكثر الدول تحرّراً. أضف إلى ذلك أن كل باحث يقصد من وراء بحثه الشهرة والمال. وبحث حول الآثار النفسيّة تؤدّي إلى نتائج عكسيّة. ولا أحد يبحث عن «خراب عيشه».

هذا وقد رأينا في الجدل الطبّي آثار الختان الجنسيّة. وسوف نتكلّم هنا عن آثاره على الفرد وعلاقته مع أهله والمجتمع. وننبه القارئ بأن علم النفس مبني على فرضيات معقّدة ليس من السهل إستيعابها لغير المتخصّص، ولكن لا يمكن إستبعادها كلّياً. ونحن في عرضنا هذا نأخذ بالمبدأ القائل: «تعلّم السحر ولا تعمل به» و«العلم بالشيء خير من الجهل به». وسوف نعتمد خاصّة على كتاب عالم النفس «رولاند جولدمان» وعنوانه (الختان: الصدمة الخفية، كيف تؤثّر عادة ثقافية أمريكية على الأطفال وعلينا جميعاً) باعتباره الكتاب الوحيد الذي تعرّض لهذا الموضوع بصورة شاملة، وعلى كتاب عالمة النفس «اليس ميلير» وعنوانه (المعرفة المنفيّة: مواجهة إيذاء الطفولة).

الفرع الأوّل: آثار صدمة الختان على الطفل

1) إنكار ترك ختان الذكور والإناث آثاراً نفسيّة

كتب «موزيس»: «لقد إدّعى بعضهم أن لختان الذكور آثار سلبيّة نفسيّة وعاطفيّة وجنسيّة طويلة المدى. ولكنّنا لم نتمكّن من العثور إلاّ على بعض النوادر، أمّا الإثباتات العلميّة فلا توجد» [673] . وقال «شوين» في محاولة لإقناع الأوروبيين بإجراء الختان: «إن 70 مليون مختون في الولايات المتّحدة يثبتون أن لا أثر للختان على مستوى الصحّة العاطفيّة أو الممارسة الجنسيّة وليس هناك دراسة موضوعيّة تثبت العكس» [674] . وقال حاخام أنه «لا يوجد أي برهان على أن الختان يؤثّر على مستقبل الأطفال. فهم ينسون تلك العمليّة كالجروح التي تدمي [...]. ماذا يفعل علماء طب النفس إن لم يهتمّوا بذلك؟ إنهم سيعانون من البطالة. إنك تعطي الطفل صفعة صغيرة عندما يولد. وهذا لا يسبّب له صدمة» [675] . ومثل هذا الرأي نجده عند مؤلّف إفريقي يقول:

«لم يؤدِّ ختان الذكور أبداً إلى نتائج سلبيّة، لا على المستوى الجسدي أو الإجتماعي أو النفسي. [...] وكل ما يمكن إعتباره هو الألم الشديد الذي ينتج عن العمليّة ومخاطر الصدمة النفسيّة. ولكن هذه الفكرة مجرّد خيال. فالأفراد لا يعيشون هذا الألم كظلم أو إستبداد أو مجرّد تعسّف يفرض عليهم. فهذه العمليّة تجرى على كل ذكور الجماعة، وهي الوسيلة الوحيدة التي تؤدّي إلى الوجود الجماعي. وما الألم الناتج عنها إلاّ نوع من التدريب على تحمّل الألم» [676] .

وهناك من يرفض التكلّم عن صدمة الختان لأن بعض المجتمعات لا تتقبّل هذه الفكرة. تقول طبيبة يهوديّة بريطانيّة معارضة للختان أن فكرة «الذاكرة اللاشعوريّة» غير متداولة كثيراً في بريطانيا إلاّ في إطار محدود من المثقّفين، على خلاف ما هو عليه الأمر في أمريكا. فثقافة الطب النفسي لم تتغلغل بعد في المجتمع البريطاني إذ إن الناس يطلبون برهاناً علميّاً لكل ذلك كمن يتعامل مع الشعور بمعادلات حسابيّة. وتضيف بأنه يكفي في مثل هذا المجتمع الإعتماد على المبادئ الأخلاقيّة والقول بأنه حتّى وإن كانت لا توجد «ذاكرة لاشعوريّة»، إلاّ أنه من الغلط إيلام شخص ما. وهي تقول لمن يدّعي أن ألم الختان سريع الزوال بأنها لا تتّفق معه، ولكن حتّى وإن كان على صواب، هل يمكن أن نقبل بإيذاء شخص آخر حتّى وإن كان ذلك لدقيقة مع القول بأن الألم يمر؟ [677]

2) تأثّر الصغار بالصدمات

قَبل القول بأن للختان آثار يجب بداية معرفة ما إذا كان عند الطفل قدرة على التذكّر. فكثير من الباحثين ينكرون ذلك معتبرين أن الطفل لا يحتفظ بذكرى تجاربه التي يمر بها في صغره. وهم يعتمدون على عدم مقدرتهم تذكّر ما حدث لهم في صغرهم. ولكن غيرهم يرون أن الطفل يتمتّع بذاكرة شعوريّة ولاشعوريّة تكيِّف تصرّفاته في حياته. وقد تم البرهنة على أن القردة والفئران والعصافير والحلزون والفراشات تمتلك مثل تلك الذاكرة، فكيف يمكن أن ننكر على الإنسان تمتّعه بمثل تلك المقدرة على التذكّر؟ [678] فنحن نخزّن المعلومات في ذاكرتنا حتّى وإن لم نستطع إستعادتها. وهنا يأتي دور عالم النفس لإستنباط ما خفي في أنفسنا بهدف معرفة أسباب المشكلات المرضيّة النفسيّة [679] .

ولعدم وجود أبحاث حول آثار الختان النفسيّة، يُلجأ إلى الآثار النفسيّة لصدمة الولادة والتي تم بحثها في دراسات عدّة. فقد لوحظ أن الألم الذي يعيشه الشخص في وقت الولادة يؤثّر على تصرّفاته مدى الحياة. وقد بنى بعض علماء طب النفس علاقة بين تجربة الولادة وما يحدث في الحياة عندما يكبر الشخص:

تجربة الولادة عوارضها في الحياة

الولادة بواسطة ملقط الجذب عدم الإستقلاليّة ووجع الرأس

ولادة متأخّرة عدم الصبر والشعور بالوقوع في فخ

ولادة قيصريّة عدم إحساس بالحدود وصعوبة في التعلّم

ولادة مبكّرة مقاومة التغيير والتعلّق بفكرة معيّنة

الإختناق في الولادة داء الربو

ولادة مصاحبة بصدمة كبيرة رغبة في الإنتحار وقلق من الموت [680]

3) تأثير صدمة الختان على الذكور

إذا كان للوالدة أثراً، فلا يمكن إنكار أن للختان أثر مماثل لا سيما لو تم بعد وقت قصير من الولادة. وقد أشار علماء النفس الأمريكيّون منذ زمن طويل إلى آثار تلك الصدمة. فقد نشر الدكتور «دافيد ليفي» بحثاً عام 1945 يقول فيه إنه تأثّر بكثرة عدد الحالات التي شهد فيها الهلع والهم واضطراب البال ترتسم على وجوه الأطفال عقب إجراء الختان، ولاحظ أنه كلّما كان الطفل أصغر سنّاً كان أعظم تأثّراً بالألم وأشد إستجابة له. وقد وجد أنه كثيراً ما ينجم عن تلك الصدمات نوبات من الفزع والرعب تنتاب الأطفال أثناء نومهم فيهبّون مولولين ثم يصمتون قانطين. كما وجد أن هذه الصدمات تتلاشى ويزول أثرها بعد فترات تتباين طولاً وقصراً، ولكن قد يحدث ألاّ تزول البتّة في الطفولة فتظهر في الكبر على صورة مسلك عدائي للمجتمع واستجابة للنزعات الهدّامة وسقوط في حمأة الإجرام ينشد به الإقتصاص من المجتمع. وقد شهد أطفالاً في الثالثة والرابعة من أعمارهم أصبحوا بعد جراحة الختان ذوي طباع شكسة ونزوع إلى التمزّق والتحريق والهدم والقتل والإنتحار. وشهد كذلك طفلاً أصبح بعد ختانه يبلّل فراشه [681] .

وقد لاحظت بعض الدراسات أن لا فرق بين إستجابة الأطفال الذكور والإناث الأوروبيين للإستثارات السمعيّة والذوقيّة، بينما هناك إختلاف بين إستجابات الذكور والإناث الأمريكيّين. وقد أرجع هذا الإختلاف إلى إرتفاع نسبة الختان في الولايات المتّحدة [682] . وبيّنت دراسات أخرى أن 90% من الأطفال المختونين قد تغيّرت تصرّفاتهم بعد الختان وأن الأطفال المختونين أقل قدرة على الترويح عن أنفسهم. وبيّنت بعض الأمّهات أن أطباع أطفالهن قد تغيّرت بعد الختان، وصاروا يصرخون لمدّة أطول، مع إستحالة تهدئتهم. وهذا يعني أن لهم مقدرة على التذكّر [683] .

ويقول الدكتور «جيرارد تسفانج»: «إن عدداً من الأطفال المختونين ينمو لديهم خوف من الألم. فهم لا يتحمّلون أي قدر من الألم البسيط كالذي ينتج عن الفحوصات الطبّية والتلقيح دون أن يصابوا بنوبة هستيريّة» [684] .

وهناك شهادات لأطفال عمرهم بين 3 و6 سنين تبيّن أنهم يتذكّرون فعلاً ختانهم في صغرهم، وكيف أنهم سحبوا من حضن أمّهم. كما أن بعض الرجال يسترجعون في ذاكرتهم ختانهم. وقد وصف أحدهم تحت التنويم المغنطيسي بالتفصيل كل ما حدث له خلال عمليّة الختان والألم الذي تعرّض له عندما كان طفلاً. وقد عبّر آخر عن شعوره قائلاً: «الغضب تعبير لطيف شاحب لما أحس به. وقد يكون أكثر دقّة تسميه حقد ورغبة في الثأر وتعذيب وتشويه وتدمير كل شخص له أيّة علاقة بإجراء الختان أو أمر به أو طلبه». وقد قام طبيب آخر بمداواة نفسه بنفسه باسترجاع ختانه في ذاكرته. يقول: «كانت التجربة مثيرة للعاطفة ومخيفة. لقد شعرت بخوف كبير، وبدأت أصب عرقاً، وأرجف لمدّة طويلة. وفي بعض الأحيان كان ينتابني شعور بالغضب. كنت أرغب في حماية نفسي، ولكني لم أكن أستطيع ذلك. لقد شعرت بنفسي حزيناً جدّاً، مغموراً بالأسى، واليأس والإحباط» [685] .

وتبيّن دراسة تمّت على صبيان أتراك ختنوا بين عمر 4 و7 سنين أن الصبي يشعر بالختان كتعدّ جسدي، وعمليّة إيقاع ضرر، وبتر، وفي بعض الحالات يشعر بأنه تدمير له. وقد أدّى ذلك إلى إضعاف في شخصيّة الصبي، وانغلاق على الذات، واتّجاه للعنف. وفي دارسة ثانية تبيّن أن الأطفال كانوا في حالة رعب شديد. ومنهم من سقط مغشياً عليه وأصيب بعد ذلك بالتأتأة. وبعد بضع أسابيع قال أهل الأطفال أنهم أصبحوا أكثر عنفاً، وأنهم كانوا يرون أحلاماً مرعبة في منامهم، ويلاقون صعوبة في التكيّف مع محيطهم. وبعض الأطفال شعروا بالخوف من الخصي [686] .

وقد قال شخص ختن وعمره عشر سنين بأنه أصبح أقل تعاطفاً مع الغير وأقل ثقة فيهم. وقال غيره ختن في سن الرابعة بأنه يهاب التعرّي أمام الغير وأنه يلاقي صعوبة في علاقته معهم. وهناك أعداد متزايدة من المختونين في الولايات المتّحدة الذين يعبّرون عن عدم رضاهم عن ختانهم [687] . ويرى «ايرليخ» أن الختان في الصغر لا يؤدّي إلى نتائج نفسيّة أو قد يؤدّي إلى نتائج غير هامّة، بينما يعترف بأن إستئصال اللوزتين يترك أثراً في نفس الشخص يظهر عندما يتم بحث التجربة المؤلمة المُعاشة خلال الطفولة. فهناك شعور بالقلق وتشويش الشخصيّة وأن من يرعاه تخلّى عنه. وقد لوحظ أنه كلّما كان الطفل أصغر، كلّما كان الأثر أكبر [688] . وهذا التناقض عند «ايرليخ» قد يكون نابعاً من إنتمائه لليهوديّة ودفاعه عن الختان، أو نتيجة كبته لما يشعر به.

4) عوارض صدمة ختان الذكور

قد تظهر عوارض الإضطرابات الناتجة عن الصدمة، كما هو الأمر في صدمة الختان، مباشرة بعد الصدمة أو في زمن متأخّر، وقد تبقى لمدّة محدّدة أو تظل لمدى طويل. وتصنّف كما يلي:

أ) إستعادة الصدمة في الذاكرة من خلال التفكير أو الأحلام أو التخيّلات، أو من خلال الأفعال، وردود الأفعال تجاه شيء يذكر بتلك الصدمة. فقد لوحظ أن الذين أنتهكوا صغاراً، كما هو الأمر في الختان، يتصرّفون تصرّفات سادومازوشيّة، أي يتلذّذون بإيلام نفسهم وبإيلام الغير. وقد يكون ذلك إستعادة للصدمة التي عانوا منها في طفولتهم. ومن المعروف أن أكثر الذين يتصرّفون على هذا النحو هم رجال. وليس مستبعداً أن يزيد الختان من هذه الظاهرة [689] . وقد يتفادى بعض الرجال النظر إلى السكّين والمقص طوال عمرهم. وهذه وسيلة لعدم تذكّر الختان. وبعضهم يكره سماع كلمة الختان ويرتجف لسماعها. وبعضهم إذا وضعت كتاباً عن الختان بين يديه يصبح في حالة هستيريّة [690] . وقد بيّنت دراسة أجريت في تورنتو أن الأطفال المختونين أكثر بكاءاً وبصوت أعلى من الأطفال غير المختونين عند تطعيمهم ما بين 4 و6 أشهر. وقد برّرت هذه الظاهرة بأن الذاكرة تحتفظ بألم الختان وتستعيدها عندما يتعرّض الشخص لألم جديد [691] .

ب) تفادي التفكير بالصدمة أو كل ما قد يذكر بها: ويقصد من هذه الظاهرة عادة حماية الذات من الآلام التي يحس بها الشخص عند إستعادة الصدمة في الذاكرة. وقد يكون هذا هو سبب عدم إهتمام الكثيرين بالختان. فهم يكبتون ما حدث لهم في تجربة الختان، ويرفضون أو يتفادون كل كلام عن هذا الموضوع. وقد ذكر مركز مهتم بدراسات الختان أن البعض يتفادون أيضاً كتابة كلمة الختان على مغلف الرسالة. وقد لاحظ بعضهم أنك إذا وضعت على سيّارتك شعاراً ضد الختان، فإن السيّارات التي تتبعك سوف تأخذ مسافة كبيرة منك لتفادي قراءة هذه الكلمة [692] .

ج) يلاحظ عند بعض الرجال صعوبة في النوم وميل للغضب والأجوبة الفجائيّة. وحتّى بعد مرور زمن طويل على الختان، يبقى عند بعض المختونين شعور بالغضب وميل للثأر. وإذا عاش مختون في محيط مؤيّد للختان، فإن هذا الغضب يمكن كبته إلى أن يصل إلى حد لا يمكن معه الإحتمال. فيؤدّي ذلك إلى إنفجار وعنف. ويجد الذين أنتهكوا صغاراً عامّة مشاكل في السيطرة على الغضب فيحوّلوه إمّا ضد أنفسهم أو ضد الغير. وهناك أيضاً عوارض أخرى مثل صعوبة في النوم واليأس والإحباط والخجل والعدوانيّة والإنطواء على الذات والقلق. وقد يؤدّي ذلك إلى الإبتعاد عن العلاقة الجنسيّة. وإذا إعتبرنا أن الختان قد يؤدّي إلى عجز جنسي جزئي أو كامل، فإن ذلك يؤثّر على صحّتهم الجسديّة والنفسيّة فيزيد عندهم الكآبة والغضب وعدم تقدير الذات [693] .

ورداً على من يتساءل عن سبب عدم سماع مزيد من أصوات المعارضة للختان إذا ما كان الختان يؤدّي إلى إضطرابات، يجيب معارضوه بأن ذلك يرجع إلى الأسباب التالية:

1) تمنع الإعتقادات السائدة والإفتراضات الثقافيّة الأشخاص من الشعور بعدم الرضى.

2) يمكن أن تكون المشاعر المرتبطة بالختان مؤلمة جدّاً. ولحماية الذات يقوم الشخص بكبتها.

3) يخاف المختونون من التعبير عن حالهم لأن الآخرين قد لا يفهمونهم أو يسخرون منهم.

4) يحتاج التعبير بالكلام عن الإحساسات وعياً بها. ويتم التعبير عن الصدمات المكبوتة في اللاشعور من خلال التصرّفات وليس بالكلام [694] .

ويشار هنا إلى أن الشخص يحاول أمام الألم أن يحمي نفسه بتزوير الحقيقة ونسيان الواقع. وقد أظهرت الدراسات أن الصدمة في الصغر تؤدّي إلى تغيير في الأعصاب المركزيّة وفي كيمياء الأعصاب، وأن الجزء الخاص بالذاكرة في المخ والذي يسمّى «قرن أمون» يكون أصغر حجماً عند الأطفال الذين يتعرّضون لانتهاك جنسي في صغرهم، وأن مقدرتهم على التذكّر تكون أقل. وقد أكّد «جيمس بريسكوت» متخصّص في أعصاب المخ أن الختان يؤثّر على تطوّر المخ. وفي الختان يرتفع مستوى الكورتيزون (هرمون الضغط) ثلاثة أو أربعة أضعاف معدّله الطبيعي [695] .

هذا وهناك من يقارن بين صدمة ختان الذكور وصدمة العنف الجنسي الواقع على النساء. ففي بحث تم على الفئتين تبيّن أن كليهما يستعمل نفس التعابير. فالطفل لا يمكنه أن يميّز في الواقع بين العمليّة الطبّية والعنف الجنسي الواقع عليه من خلال الختان [696] .

وقد أجريت دراسة إستطلاعيّة عام 1994 على 313 شخص مختون في الولايات المتّحدة ينتمون إلى أوساط دينيّة وعرقيّة مختلفة ولهم صلة بمراكز مكافحة الختان واستعادة الغلفة. وقد كانت شكاوي أفراد هذه العيّنة من الختان كما يلي:

ضرر جنسي 84%

ضرر عاطفي 83.1%

ضرر جسدي 81.5%

ضرر نفسي 55.1%

إنخفاض في تقدير الذات 74.4%

مشاكل في العلاقة الحميمة 44.4%

مشاكل إدمان 25.6%

وقد أوضح أفراد هذه العيّنة شعورهم تجاه الختان كما يلي:

شعور بعدم الرضى العام 69%

شعور بأنهم مبتورون 62%

شعور بأن جسمهم غير كامل 60.7%

شعور بالإمتعاض لما جرى لهم 60.7%

شعور بأنهم غير طبيعيين 60.1%

شعور بأن حقوقهم الإنسانيّة خرقت 60.1%

شعور بالغضب 54.3%

شعور بالإحباط 53%

شعور بأنهم أغتصبوا 49.5%

شعور بأنهم أقل من غير المختونين 47.3%

شعور بأن ختانهم مانع للعلاقة الجنسيّة 42.5%

شعور بأن أهلهم خانوهم لسماحهم بختانهم 33.9%

وعند إجراء البحث، أعلن 61.1% من أفراد العيّنة بأنهم لم يأخذوا أي إجراء للخروج من مشكلتهم. ومن هؤلاء، إعتقد 39.3% بعدم وجود أيّة وسيلة لذلك. وقال 19.8% أنهم كانوا خجولين، و15.7% أنهم كانوا يخافون السخرية، و12.5% أنهم لا يثقون بالأطبّاء، و3.5 % أن الأمر لم يكن بتلك الأهمّية.

ويقول الباحث بأن أكثر الأمريكيّين المختونين لا يعبّرون عمّا يشعرون به. وقد يكون ذلك لجهلهم شكل أعضاء التناسل الطبيعيّة ووظيفتها بسبب حملة الختان الواسعة النطاق التي تجرى هناك. وإذا ما كان هناك مشاكل جنسيّة، يرجعها أصحابها إلى أسباب أخرى غير الختان [697] .

5) تأثير صدمة الختان على الإناث

يذكر المعارضون المصريّون لختان الإناث عدداً من الآثار النفسيّة الناتجة عنه ويسكتون تماماً عن الآثار النفسيّة التي قد تنتج عن ختان الذكور. وهذا ما عابه عليهم أحد مؤيّدي ختان الإناث مستشهداً بفقرات من كتاب جوزيف لويس: الختان ضلالة إسرائيليّة ذكرنا بعضها سابقاً [698] .

وآثار ختان الإناث النفسيّة قد تكون سابقة له. فما أن تسمع الفتاة بما حدث لأقرانها الأكبر سنّاً حتّى ينتابها القلق، وكلّما إقتربت من السن المعتاد إجراء الختان فيه يتصاعد قلقها ويتحوّل إلى رعب نفسي قد يصل في بعض الحالات إلى حدوث كوابيس وتأخّر دراسي. وتزداد حدّة هذا القلق كلّما كانت الفتاة معتدة بنفسها وبشخصيّتها [699] . ولتفادي هذه الإضطرابات، تلجأ العائلة عامّة للمارسات السحرّية والدينيّة مثل التبخير ولبس الطلاسم [700] .

ويحكى الدكتور طه باشر أن فتاة كانت تصرخ خلال نومها قائلة: «الحشرة الحشرة». ولكن الأهل لم يجدوا أثراً لمثل تلك الحشرة. ثم تبيّن أن خادمة البيت كانت قد أعادت عليها في الأيّام السابقة بأنها سوف تختن. فالحشرة التي تتكلّم عنها في منامها تعبّر عند العامّة بمخالبها ومنظرها المخيف عن المرأة التي تقوم بالختان. وبعد ذلك تم التأكيد للفتاة بأنها لن تختن. وقد أدّي ذلك إلى إنفعال الفتاة بشدّة وعادت إلى نومها الهادئ [701] .

وفيما يخص الآثار اللاحقة لختان الإناث، تقول الدكتورة سامية سليمان رزق:

«لا يمكن أن تمحى الآثار النفسيّة لأخذ البنت غدراً وسط مظاهر الإحتفال، لتفاجأ بعمليّة التكبيل ورؤية أسلحة البتر، وتعاني من الآلام والمضاعفات، في مقابل تقديم رشاوى مادّية رخيصة. فمهما كانت البنت صغيرة فهي تستطيع أن تقارن بين ما قدّم لها من أكل مميّز وملابس جديدة، وبين ما دفعته من كرامتها بعرضها مجرّدة من ملابسها الداخليّة أمام أغرب، ويترتّب على ذلك فقدان ثقة الطفلة في أبويها أو من يحل محلّهما، ويرتبط الغدر والأذى الجسمي والنفسي بخلق الشعور بالظلم لدى الفتاة الصغيرة والذي قد تلجأ للتعبير عنه بالتبوّل اللاإرادي والإنطواء الإجتماعي. فعمليّة الختان ليست فقط بتراً عضويّاً ولكنّها أيضاً بتر نفسي» [702] .

ويقول الدكتور عادل صادق أستاذ الطب النفسي:

«إن الختان يشكّل عمليّة بتر وتظل في مخيّلة الفتاة مدى الحياة [...]. إن هذا الشعور بالبتر لعضو مهم في جسم الفتاة بما فيه من معان جنسيّة يصبح شيئاً راسخاً في ذهنها. ويقولون إن هذا الجزء يبتر حتّى لا تنحرف الفتاة. إذاً يصبح مفهوم الأخلاق مرتبطاً بالغريزة وأنه لا إرادة لها في ذلك. وذلك يحرمها كأنثى من الإعتزاز بذاتها الأخلاقيّة الإنسانيّة الناشئة عن قناعة وإيمان» [703] .

وحكى الدكتور طه باشر كيف أن إمرأة في الثلاثين من عمرها قد عانت من هبوط نفسي بعد وضعها على إثر تأخّر شفاء ندب الختان، فلم تستطع لا الأكل ولا النوم. وكان يجب معالجتها جسديّاً ونفسيّاً في عيادة الأمراض العقليّة. وأن إمرأة قبليّة مريضة عقليّاً في الثلاثين من عمرها أحيلت إلى طبيب. وقد تبيّن أن هذه المرأة لا أطفال لها وأنها مطلّقة مرّتين، وهذا أمر غريب لحالتها الإجتماعيّة. وبعد الفحص تبيّن أن هذه المرأة تعاني من ورم بحجم كرة التنس تحت جرح الختان. وبعد إزالة هذا الورم، شفيت وتركت المستشفى سليمة عقليّاً [704] .

وقد شرحت باحثة التحوّل الذي ينتج عن ختان الإناث. فقَبل الختان، كانت الفتيات ودودات وصافيات العين وطبيعيّات دون خوف من الفحوصات الطبّية. إمّا بعد شهرين أو حتّى سنتين من الختان، تحوّلت الصورة تماماً. فالبنت منهن تقف مرتجفة أمام الباب المفتوح وتخلع ملابسها العليا بحذر كبير. وكانت بعض الفتيات الشجاعات يقتربن وهن يرجفن ويبكين بصمت. كن مرعوبات من منظر الآلات الجراحيّة المعدنيّة. وبعضهن كن يُصبن بالعصبيّة عند رؤية ملعقة الفحص في يد الطبيب [705] .

وخلافاً للرأي السابق، هناك من يرى في ختان الإناث آثاراً إيجابيّة. تقول «لايتفوت كلاين» أن الفتاة السودانيّة تكسب نوعاً من الكبرياء الذاتي بعد ختانها إذ إنها تشعر بأنها أصبحت شابّة مسؤولة قابلة للزواج ومحل رضى أهلها وعرفانهم بمحافظتها على شرف العائلة. وترجع هذه الكاتبة عدم وجود أعراض نفسيّة إلى طبيعة الحياة العائليّة في السودان. فالأطفال هناك يعيشون جواً عائلياً دافئاً وودوداً يحسدهم عليه الغربيّون. وبعد الزواج يساعد الرباط القوي بين الزوجين على التخلّص من تلك العوارض. وإن كانت هناك حالات نفسيّة إكتئابيّة وجنون، فإن علماء النفس لا يرجعونها إلى ختان الإناث. وقد يشجّع المجتمع عوارض الإحباط والخوف والقلق حتّى تبقى المرأة تحت سيطرة الرجال [706] .

وتشير دراسة منظّمة الصحّة العالميّة أنه قد يكون لختان الإناث أثر إيجابي على نفسيّة الفتاة إذ تعتبر ختانها وسيلة لقبولها في المجتمع وتفادي السخرية من رفاقها. وقياس الأثر الإيجابي بالأثر السلبي يحدّد كيفيّة تذكّرها للحدث، وتكيّفها معه حتّى وإن يبقى هناك شعور بالقلق الناتج عنه. ومع تزايد حرّية التعبير بين النساء يظهر أن هذا الحدث يتم الشعور به كحدث أليم جدّاً ويترك أثراً عميقاً في أنفسهن [707] .

ويقول «لانتيي» أن النساء التي تنتمي إلى مجتمع تقليدي متمسّك بعاداته ومعتقداته لا يعانين من أمراض نفسيّة أو شعور بالتعاسة بسبب ختان الإناث. لا بل قد تعتبر المرأة نفسها سعيدة في ذلك المجتمع. ولكن حيث تتفتت المعتقدات ويدخل الشك بين أفراد المجتمع الذين فقدوا المعنى الديني لهذه العادة، كما هو الأمر في المجتمع الصومالي، فإن المرأة هناك قد تصاب باضطرابات عصبيّة وتغرق في الخمول والحزن [708] .

6) صغر السن يزيد من تأثير الصدمة

يفرّق «بتلهايم» بين الختان الذي يجري في الأيّام الأولى من حياة الطفل كما عند اليهود، والختان الذي يجرى في عمر الصبا. ويقول إن الختان في الأيّام الأولى قد لا يكون له أثر نفسي. ولكن الأطفال يسمعون في السنين الأولى كثيراً من الكلام عن الختان في المدرسة وفي محيطهم. وفي نفس الوقت يرون الأهل كأشخاص يفرضون السيطرة عليهم ويهدّدونهم في حالة عدم الطاعة. فيخلق الكلام عن الختان عندهم شعوراً بأن الأهل أكثر إرهاباً من أي وقت آخر. وهذا ما جعل «فرويد» يكوّن نظريّته عن أن الطفل يعيش الخوف من الخصي إذ إن أكثر المرضى الذين كانوا يزورون عيادته يهوداً مختونين، خاصّة أن الختان في ذاك الوقت كان مقتصراً على اليهود [709] .

أمّا عندما تتم عمليّة الختان على مراهقين، فيرى «بتلهايم» إن المختون لا يشعر بالختان كتهديد، إذ يمكنه التصرّف وحده ويعرف الحياة، وهو يعرف أهله ونواياهم بصورة أفضل. ولذلك فإن الختان يكون أقل تهديداً لهم من الأطفال الصغار. وفي بعض القبائل إذا لم يفهم الولد معنى الختان يعتبر صغيراً يجب عدم إجراء الختان عليه. فالختان على المراهقين يكتسب معنى الإرتقاء في المجتمع وإمكانيّة الزواج وأنه صار أكثر جاذبيّة للجنس الآخر. وفي هذه الحالة لا يوجد عند الطفل شعور بأن أهله يرغبون تعذيبه أو خصيه. فلا تتكوّن عنده عقدة الخصي. ويشبّه «بتلهايم» عمليّة الختان في سن البلوغ بعمليّة تجميليّة: فعمليّة التجميل التي تخضع لها البنت المراهقة بقصد الجمال قد تكون مؤلمة مثل الختان، ولكنّها لا تهتم بالألم لأنها تنتظر نتائج إيجابيّة من هذه العمليّة مثل الجمال وجذب الغير. وهي هنا لا تشعر ببغض لأهلها أو أن أهلها يريدون الإقتصاص منها [710] .

الفرع الثاني: أثر الختان على العلاقة مع الأهل

1) ختان الذكور والعلاقة مع الأهل

يحتاج الإنسان والحيوان للحنان كما للأكل. هذه هي سُنّة الطبيعة. وعند الإنسان والحيوان يبدأ الحنان بالأم. فيتعلّق الطفل بها كما تتعلّق به. وهذا يؤثّر على صحّة الطفل الجسديّة والنفسيّة وعلى تصرّفاته في حياته كلّها. ويبدأ الحنان من الحمل. وقد يحدث كسر لعلاقة الطفل بالأم من خلال الفصل بينه وبينها. وهذا يؤدّي إلى شعور بالقلق عند الطفل أكثر ممّا عند الأم، يعبّر عنه إرتفاع مستوى هرمون الكورتيزون في دم الطفل، حتّى وإن لم يصرخ الطفل. ويبدأ هذا القلق بالتذمّر ثم بالإحباط.

يبدأ تأثير الختان في علاقة الأم مع إبنها منذ الحمل، فتقلق الأم بسببه. فيؤثّر هذا القلق بدوره على الطفل، خاصّة إذا لم تجد الأم حلاً لهذه المعضلة مع زوجها. وقد يكون له تأثير على الولادة التي قد تطول وتصبح أكثر تعقيداً، وقد يؤثّر على وزن الطفل. وقد بيّنت شهادة أن ولادة أم يهوديّة كانت مستعصية. واكتشفت القابلة أن الأم لم تكن تريد أن تختن إبنها، والأب كان برأي مخالف. عندها إقتربت القابلة من الأب وطلبت منه بأن يقول لزوجته بأنه غيَّر رأيه وأنه لن يختن إبنه. فتمّت الولادة بسهولة وبقي الطفل دون ختان [711] .

وقد يعتبر الختان في الصغر كسراً للعلاقة بين الأم والطفل يرقى إلى درجة الصدمة. فالطفل يؤخذ من أمّه إلى غرفة أخرى والى جو آخر ممّا يسبّب له الرعب والقلق. ويفترض أن يؤدّي كسر العلاقة بين الأم والطفل بسبب الختان أو لأي سبب آخر إلى إضطرابات نفسيّة وعصبيّة بالإضافة إلى نتائج صحّية. فقد لوحظ أنه في حالة فصل الحيوان الصغير عن أمّه لمدّة معيّنة، فإن ذلك يؤثّر على علاقة الأم مع إبنها إلى درجة رفضها الإعتناء به. وهذه الظاهرة تم إختبارها على الإنسان في علاقة الأم بابنها. وهذا يؤثّر على مقدرة الطفل على الكلام. وهناك أيضاً من رأى صلة بين فصل الأم عن طفلها وانتهاكه للأطفال عندما يكبر [712] .

وقد لاحظت بعض الدراسات أن العلاقة بين الطفل وأمّه تتغيّر خلال الأربع وعشرين ساعة بعد الختان. فتصبح رضاعته مضطربة [713] . وهناك شهادات تبيّن أن الطفل يرفض أمّه بعد الختان. وللرضاعة أثر إيجابي كبير على صحّة الطفل وذكائه وأعصابه. فإذا كسر الختان العلاقة بين الأم والطفل، فإن هذه الفوائد تفقد. وصراخ الطفل بعد الختان قد يصبح مزعجاً للأم إلى درجة أنها قد تهمل طفلها أو لا تعير صراخه أي إهتمام. هناك إذاً علاقة متبادلة بين الأم والطفل، وكل ما يتدخّل لكسر هذه العلاقة له آثاره السلبيّة على كل من الأم والطفل. وهذا يؤدّي في الحالات الصعبة إلى توتّر العلاقة بين الطفل والأهل. وقد يستعمل الأهل العنف لإيقاف صراخ الطفل ويتعسّفون في ذلك [714] .

ويتطلّب التطوّر النفسي للطفل وجود ثقة بين الطفل والأم والمحيط. وإذا تعرّض الطفل إلى ألم شديد كما في الختان، يتكوّن عنده شعور أن أمّه مسؤولة عمّا أصابه. فرغم أن الطبيب هو الذي يجري العمليّة، وأن الأب هو الذي يأخذ القرار في أكثر الأحيان، فإن الطفل يرى في كل ذلك أمّه. وهذا كلّه يؤثّر على تصرّفاته وأعصابه ويفقده الثقة بأمّه [715] .

وكسر الثقة يؤدّي في الحياة إلى قطع صلة الود والإلفة بين الطفل وأمّه، والنساء والرجال من حوله. وقد بيّنت دراسة أن الأطفال الأتراك المختونين ينظرون لأمّهاتهم على أنهن تعدّين عليهم فيهاجمونهن. وبعض المختونين يأخذون موقفاً معادياً من أهلهم بسبب الختان. فقد بيّنت دراسة على 301 شخص غير راضين عن ختانهم، بأن 52.7% كانوا مغتاظون من أهلهم لأنهم ختنوهم ولم يقوموا بحمايتهم. وهذا يعني أن الختان قد يخلق توتّر في العلاقة بين الأهل وأولادهم [716] .

وقد بيّنت الشهادات أن الأم التي تعاين ختان طفلها تكون أكثر قلقاً عليه من الأب لدى سماع صراخه. وقد يبقى حدث الختان في ذاكرتها لمدّة طويلة ويخلق إضطرابات عندها. وقد صرّحت أم أن ختان إبنها كان أبشع يوم في حياتها. وقالت أخرى بأنها ما زالت تسمع في أذنها صراخ إبنها بعد 22 سنة من ختانه وأنها سوف تبقى تسمع هذا الصراخ حتّى حملها إلى القبر مع شعورها بأنها مسؤولة عمّا حدث لابنها. وحتّى النساء اللاتي يوافقن على ختان أولادهن يتساءلن ما نتائج الختان عليهن ولماذا يبتعد أولادهن عنهن. وقد يكون ذلك بسبب الختان [717] .

ويحاول معارضو الختان إعطاء المختونين والأهل إمكانيّة التعبير عن شعورهم. ولكن هذا يتطلّب شجاعة من المختونين لأنه يتطلّب الإعتراف بأن جزءاً من رجولتهم قد فقد، كما يتطلّب شجاعة من الأهل لأن ذلك بمثابة إعتراف بالذنب. ولكن التعبير عن الذات يعتبر وسيلة للشفاء النفسي وتصفية الأجواء. وكان بودنا هنا نقل بعض شهاداتهم، ولكن ضيق المكان لا يسمح لنا بذلك [718] .

2) ختان الإناث والعلاقة مع الأهل

تقول الدكتورة عبد الفتّاح بأنه يترتّب على هذا الختان «فقد ثقة البنت في الآخرين وخاصّة وأنهم يمثّلون أحب الناس إليها - وهم الوالدان ومن يحل محلّهما. وهنا يرتبط الغدر والأذى الجسمي بأولئك الذين كانوا محل ثقة وحب الفتاة» [719] .

ويذكر الدكتور عادل صادق، أستاذ الطب النفسي، حالة سيّدة طلّقها زوجها لأنها لم تشعر بأي متعة معه. فاتّجهت بعدوانيتها نحو والدها الذي إعتبرته سبب فشل حياتها الزوجيّة، وذلك لإصراره على ختانها في طفولتها [720] .

وتوضّح دراسة إيطاليّة تمّت على رسومات بنات صوماليّات مختونات أن الختان ينظر إليه كتعدّي وإذلال، وأن تجربة الختان لا تنسى مع مرور الوقت بل تترك أثراً في فكر الضحيّة. غير أن التعليق الكتابي على الرسومات عبّر عن رضى البنات لعدم تألّمهن كثيراً بسبب مهارة الخاتن، ولأنهن أتممن واجباً إجتماعيّاً، ولأن رفيقاتهن قد أشعروهن بإعجابهن. وكانت الحفلة حدث يظهر قدرهن. وتشير هذه الدراسة أنه إذا وضع الختان في محيطه، فإن الفتيات لا يعتبرنه عنفاً، لا بل علامة محبّة واهتمام من الأهل. فهناك إعتقاد محلّي أن المرأة التي لم تختن تبقى طفلة لا أحد يهتم بها. والوضع يختلف عن الختان الذي يجرى في إيطاليا حيث لا تستطيع الأم أن تربّي أطفالها في المحيط الإجتماعي الإفريقي. وعليه فإن الطفلة تنظر إلى الختان كعمليّة غريبة ومخيفة ومصدر مفاجئ للصدمة. وهذا يؤدّي بدوره إلى تعب نفسي أكبر في المحيط الغربي [721] .

الفرع الثالث: أثر الختان على العلاقة مع المجتمع

1) فاقد الشيء لا يعطيه

كل ما يؤثّر علينا نفسيّاً يؤثّر علينا إجتماعيّاً. فالصدمة التي حدثت لنا وتم نقلها للجيل القادم سوف تؤثّر على أجيال متتابعة عديدة إلى أن يتم التعرّف عليها وإيقافها. والعواقب الإجتماعيّة للختان عميقة. ولم تتم دراسة هذه العواقب لأنها تثير قلق شديد لمن يمارسون الختان، والذين لا يمارسونه لا يهتمّون بها. ويرى عالم نفس أن مثل هذه البحوث تفتح مجالات جديدة، ويطالب بأن يؤخذ الختان بالإعتبار عندما نبحث في تصرّفات الأطفال والأولاد والبالغين [722] .

بيّنت البحوث التي أجريت على القردة أنه إذا فصل صغيرها عن أمّه وربّي مع لعبة تشبه الأم مصنوعة من قماش ناعم ودافئ تصبح عواطفه مضطربة عندما يكبر. وإذا ربّي مع لعبة تشبه الأم من المعدن البارد، فإن هذا القرد يصبح أبا متعسّفاً. والقردة الأم التي ربّيت دون أمّها تصبح أقل رأفة على إبنها فلا تستجيب لصراخه ولا تطيّب خاطره. وهذه القردة تصبح عنيفة مع أولادها. ونفس الظاهرة نجدها عند الإنسان.

فالذي يعاني من الحرمان يحرم الغير من الحنان. والذي يُنتهك يكوّن شخصيّة قلقة على المستوى الجنسي ويحرم الغير من اللذّة الجنسيّة. فالأهل ورجال الدين الذين يبحثون عن تبرير لتعريض الأطفال للصدمات والكبت إنّما يعبّرون في حقيقة الأمر بصورة مُغلَّفة عن حرمانهم الذي عانوا منه. وقد بيّنت الدراسات أن الأطفال الذين عانوا في طفولتهم من القصاص وضرب الأهل يصبحون كباراً أكثر ميلاً للجريمة، وأن المدارس التي تتّبع أكبر قدر من القصاص البدني تعرف أكبر نسبة من السرقة والتعدّي على الممتلكات، وأن الأطفال الذين يضربون من أهلهم هم أطفال أهل ضُربوا سابقاً. وهؤلاء الأطفال سوف يضربون أولادهم بعد ذلك. وهذا لا يعني أن كل الأطفال سيصبحون عنيفين مع أطفالهم. فهنا قد يدخل في الإعتبار ما إذا كان الشخص قد حصل على تعويض عاطفي وجنسي في كبره [723] .

وقد عبّرت عن ظاهرة عدوى العنف هذه عالمة النفس «اليس ميلير» التي تقول: إن الأهل الذين لم يعرفوا المحبّة في طفولتهم لا يمكنهم أن يعطوا المحبّة للغير. فالطفل الذي يولد في محيط بارد وغير عابئ به يظن أن تلك هي الإمكانيّة الوحيدة في الوجود. وهذا يؤثّر على الفرد ذاته ولكنّه أيضاً تهديد للإنسانيّة ككل. إن إنتهاك الأطفال جسديّاً أو نفسيّاً يشبه وضع ديناميت في عالمنا [724] . وتشير هذه المؤلّفة أن 100% من نزلاء السجون في الولايات المتّحدة هم من الأشخاص الذين تم إنتهاكهم عندما كانوا صغاراً [725] .

وهذا لا يعني بحد ذاته أن من يُنتهك سوف يَنتهك غيره حتماً. فالجراثيم تنتِج جراثيم ولكن يمكن الحد من إنتشارها إذا تم إكتشافها والقضاء عليها. وهذا يتم عندما يقوم الأهل بمعاملة أطفالهم معاملة جيّدة [726] . وتضيف: «إنه أمر متعلّق بنا. فنحن الذين نقرّر بمعاملتنا لأطفالنا ما إذا كنّا نريد أن نخلق منهم وحوشاً أو أشخاصاً مع مشاعر ومسؤولين كبشر» [727] .

وما سبق قوله ينطبق على الختان باعتباره سبباً لاضطرابات نفسيّة وكسراً للعلاقة مع الأم. فالختان يؤثّر على تصرّف المختونين مع المجتمع. وتنتقل عدوى تلك الإضطرابات للرجال والنساء. وهذا لا يعني أن الختان هو الحدث الوحيد الذي يؤثّر في المجتمع، فهناك أحداث كثيرة تترك أثرها في نفسيّة الطفل. كما أنه قد يكون الشخص مختوناً ولكنّه لا يتأثّر بالصدمة. وكما أنه لا يصح التعميم فإنه أيضاً من الغلط إعتبار أن الختان لا أثر له على المجتمع [728] . ونحن نقدّم هنا آثار ختان الذكور المحتملة على المجتمع بصورة مختصرة، ومن يريد الإستفاضة يمكنه الرجوع لكتابي عالم النفس «رولاند جولدمان» وعالمة النفس «اليس ميلير» اللذين نعتمد عليهما بصورة خاصّة.

2) إنتقاص تقدير الذكور لأنفسهم وتقديرهم للغير

إذا ما عرف الذكور أن الختان له أثر على العلاقة الجنسيّة، فإنهم سوف ينظرون لأنفسهم نظرة سلبيّة، ممّا يحط من تقديرهم لأنفسهم، خاصّة أن العلاقة الجنسيّة لها علاقة قويّة بتقدير الذات. وهذا له أثر شخصي واجتماعي. فالذي لا يقدّر نفسه لا يقدّر الآخرين. ويؤدّي ذلك إلى الإنعزاليّة والإحباط واستعمال المخدّرات. ولكي يعوّض عدم تقديره لنفسه، يحاول البعض إتّخاذ تصرّفات خاصّة. فهو سوف يفضّل العلاقة الجنسيّة مع الصغيرات في السن حتّى يثبت سيطرته ويرفع من تقديره لنفسه. ومن المعروف أن العلاقة الجنسيّة مع من هم أصغر سنّاً ظاهرة منتشرة في العالم الأمريكي والعالم الإسلامي الذي يمارس الختان.

ومن تنقص نفسه في عينيه يحاول أن يثبت أنه أكبر وأحسن من الغير. وإذا لم يتمكّن من ذلك وحده، فإنه يربط نفسه بمجموعة رياضيّة أو نادي أو جمعيّة أخرى. ومن هنا تأتي المنافسة في مجال إمتلاك أحسن كمبيوتر كما في إمتلاك أكبر عضو تناسلي. والتنافس له ثمن: فقدان محبّة الغير وقلّة الإهتمام بهم والتعاطف معهم. كما يؤدّي إلى حط من تقدير النساء التي يجبرن باتّخاذ تصرّفات للرفع من قدرهن من خلال المعايير الجسديّة [729] .

وهناك من يرى في إنتشار الختان في الولايات المتّحدة تعبيراً عن شجب اللذّة الجنسيّة والقلق تجاهها كما يظهر من الضجّة التي قامت ضد الرئيس الأمريكي بسبب علاقته الجنسيّة مع إحدى موظّفاته. وإن كان لاستغلال هذه الحادثة غايات سياسيّة، فممّا لا شك فيه أنها مبنيّة على خلفيّة نفسيّة قلقة تجاه الجنس. فالشخص الذي يأخذ بمبادئ صارمة ويحرم نفسه من ملذّات الحياة، يكون عامّة قاسياً مع الغير ويحرمهم أيضاً من إستمتاعهم بحقّهم باللذّة ويشدّد الرقابة عليهم. ولذلك هناك بعض الأهل الذين يمنعون أطفالهم من مس أعضائهم الجنسيّة. والختان هو قطع جزء حسّاس من جسم الإنسان يعتقد الكثير أنه يمنع العادة السرّية والتلذّذ الشخصي [730] .

3) السلبيّة

يحاول الطفل عند ختانه الإفلات ولكن دون نتيجة. وعندها يستسلم بإحباط أو يدخل مرحلة الغيبوبة الكاملة أو الجزئيّة. ويصبح الطفل بعد ذلك أكثر إنعزالاً وأقل تكيّفاً مع محيطه. وهذا يطرح السؤال حول علاقة الختان بالمواقف السلبيّة والشعور بالإحباط والتشاؤم التي يتّخذها البالغون باعتبار أنهم لن يتمكّنوا من تغيير الوضع. وقد يكون إدمان الجلوس أمام شاشة التلفزيون هو إحدى نتائج هذا الشعور [731] .

4) بتر أعضاء الغير

يتساءل البعض عن نسبة أطبّاء الولادة والأطفال والمجاري البوليّة الذي إختاروا هذه المهنة مدفوعين بكرههم للختان. ويعطي طبيب قصّة حقيقيّة. فقد إتّصلت ممرّضة بطبيب في وسط الليل وطلبت منه الحضور حالاً لأن طبيباً متدرّباً كان يختن أطفالاً. فسأله الطبيب: «ألا تخاف أن تقطع جلداً أكثر ممّا يجب؟» أجابه الطبيب المتدرّب: «لن اقطع أكثر ممّا قُطِع منّي». فهذا الطبيب المتدرّب لم يشفَ من الصدمة التي عاشها خلال الختان. فالذي تعرّض لصدمة سوف يحاول إعادتها على غيره. وهذه الظاهرة لا تقتصر على الولايات المتّحدة. فقد ذهب الأطبّاء الأمريكيّون عام 1949 إلى كوريا الجنوبيّة التي لم تكن تعرف الختان من قَبل. وخلال عقود قليلة إنتشر الختان في هذا البلد. فاليوم يكاد يكون كل رجل كوري عمره أقل من 40 سنة مختوناً [732] . وبطبيعة الحال، عندما يتم تبنّي عادة ما تدر أرباحاً على طبقة معيّنة، أعني طبقة الأطبّاء، تقوم هذه الطبقة في الحرص على نشرها واختلاق الأسباب لبقائها. وهكذا تكتسب هذه العادة إستقلالاً ذاتيّاً حتى بعد تلاشي السبب الأول لوجودها، أي سيطرة الأطبّاء الأمريكيّين [733] .

ويقول «جولدمان» بأنه رغم وجود آثار ضارّة للختان، فإنه من الصعب لمؤيّدي ختان الذكور أن يغيّروا رأيهم وذلك لعوامل نفسيّة قويّة. ومن تلك العوامل ميل الشخص الذي وقع ضحيّة أمر ما أن يعيد ذلك على غيره. وهذا ما يجري في الختان: فالذي خُتن يحاول إعادة الختان على غيره. وقد بيّنت الأبحاث أن الأطبّاء الذين يدافعون عن الختان هم من المتقدّمين في السن والذكور والمختونين [734] .

ويبحث الإنسان عامّة عن التناسق بين ما يعتقده وبين تجربته. ويتم تحوير الإعتقاد حتّى يتّفق مع التجربة. والتجربة عند الأطبّاء هي أنهم قد أجروا الختان مراراً. واختيار القيام بالختان هو إختيار جدّي. وبعد أن يقوم بذلك الإختيار فإنه سوف يميل إلى ما إختاره ورفض ما يخالف إختياره. وبناء عليه، فهو يجعل إعتقاده يتّفق وتجربته ويقوم بالدفاع عنه. وأحد تلك الإعتقادات هو أن الختان لا يؤلم، وأن الغلفة لا فائدة منها. وقد قال الدكتور «وايزفيل» كبير المدافعين عن الختان بأن الغلفة هي غلطة من الطبيعة. ومن تلك العوامل أيضاً إنكار المعلومات. فالذي يقوم بتجربة يبني عليها إعتقاده يختار بعض المعلومات التي تتّفق واعتقاده، وينكر أو يتجاهل أو يرفض المعلومات التي لا تتّفق معه. وحتّى عندما يتعلّم أمراً جديداً، فإنه لا يتذكّر إلاّ ما يتناسب مع إعتقاده. وهذا يؤدّي إلى تحجر في المواقف والآراء [735] .

ويقول طبيب أمريكي أن الأطبّاء يقومون باختلاق الأسباب الطبّية التي لا يتقبّلها لا العقل ولا المنطق لتبرير أنفسهم في إجراء عمليّة الختان. ولا توجد أيّة عمليّة جراحيّة لاقت محاولات تبرير مماثلة للختان. وهذا بحد ذاته يجعل هذه العمليّة محل شك. هناك أسباب نفسيّة خفيّة تتحكّم في تصرّفات الأطبّاء، وما الحجج العلميّة إلاّ وسائل للتغطية على أفعالهم [736] .

وهناك من يربط بين الختان وبين ظاهرة إرتفاع نسبة العمليّات التي تجرى على النساء في الولايات المتّحدة دون ضرورة طبّية. فمن المعروف أن كل المجتمعات التي تمارس ختان الإناث تمارس أيضاً ختان الذكور. وإذا إعتبرنا أن ختان الذكور ينقص اللذّة الجنسيّة، فهذا يعني أن من يجد نفسه محروماً من حقّه في اللذّة، فهو أيضاً يرفضها لغيره تحت أستر مختلفة منها الخوف والجهل والجراحة الطبّية. والرغبة في الحد من لذّة المرأة بختانها قد تكون إحدى نتائج ختان الذكور. ولذلك يكون التعرّض لختان الذكور شرطاً مسبقاً لكي يتم القضاء على ختان الإناث [737] .

ويلاحظ أيضاً أن النساء المختونات هن اللاتي يقمن بختان البنات، وكذلك الرجال المختونين هم الذين يقومون بختان الذكور. كما أن الرجال يؤيّدون ختان الإناث. فالمبتور يحاول دائماً أن يتصرّف مع الغير كما تصرّف الغير معه. وهكذا تدوم عادة الختان. ويؤدّي نظام العدوى هذا إلى بغض لكل من هو غير مختون. ولذا وضعت الحواجز الدينيّة والإجتماعيّة بينه وبين جماعة المختونين: فلا يُقبل زواجه أو شهادته أو مشاركته في العبادة أو دفنه في المقابر العامّة. ويُعتبر مسبّة كبرى القول لشخص أنه غير مختون أو إبن غير مختونة. وهنا يقارن البعض بين هذا التصرّف وبين الذين أنتهكوا جنسيّاً في المجتمعات الغربيّة. فهم يقومون بدورهم بانتهاك غيرهم [738] .

وترى عالمة النفس «اليس ميلير» أن هناك صلة بين ختان الأهل لطفلهم، وختان هذا الطفل لابنه عندما يكبر. وهذا هو أحد أسباب دوام عمليّة ختان الذكور والإناث التي تعتبرها هذه العالمة عمليّة إنتهاك للأطفال وأبشع عمليّة إجراميّة تكرّسها البشريّة بإسم الدين ولا يتدخّل القانون لمنعها، تحت دعوى أن ذلك يجري لمصلحة الطفل [739] . وتقول هذه العالمة أن المؤرّخين وعلماء النفس سوف يستمرّون طويلاً في التحقّق من الأسباب الكامنة وراء هذه العادة الغريبة لأنهم ينسون في مناقشاتهم التفسير الوحيد الذي لا بد أن يظهر يوماً ما. فماذا عساه أن يفعل الطفل الذي عذبه أهله الجهلة؟ ألن يحاول هذا الطفل أن ينتقم عندما يكبر؟ إنه فعلاً سوف ينتقم إلاّ إذا ما تم شفاء جرحه. فالطفل الذي تم التعدّي عليه لا بد أن يتعدّى على غيره من الأطفال مؤكّداً بأن ذلك لا يضرّهم ما دام أن أهله الذين يحبّونه قد فعلوا ذلك معه. أضف إلى ذلك أن الختان يصوّر على أنه مطلب ديني، ممّا يعني في عقول الناس أن الدين لا يمكن أن يكون قاسياً [740] .

وتضيف «اليس ميلير» بأنه حتّى لا يصبح كل ضحيّة مجرماً يجب توعيته وشفاؤه. وهذا هو دور المعالجين النفسيين، والأطبّاء، والممرّضات، والحقوقيّين، والمعلّمين. كما هو دور التشريع الذي ما زال لا يهتم بهذه الجرائم [741] . فيجب أن يلقى الشخص محبّة كافية من شخص ما حتّى يستطيع أن يتخلّص من الإنتهاك الذي وقع عليه ويعرف أن في الدنيا شيء آخر غير القسوة [742] . ولو لقي هتلر من يساعده للخروج من مأزق آلام طفولته لما أصبح ما هو عليه [743] .

5) عدم الإحساس بآلام الغير

يصاحب عامّة العمليّات التي تصيب الأعضاء الجنسيّة كبت الألم كوسيلة لإثبات الشخصيّة وحماية الذات. ولكن هذا يؤدّي بدوره إلى عدم الإحساس بآلام الغير. ونتيجة لذلك نرى الأطبّاء والحاخامات ينكرون حدوث ألم للطفل عند الختان. فقد فقدوا الإحساس بالألم. أو كما يقال بالعاميّة، أصبح كل منهم «بليداً» أو «تمسح»، أي أصبح مثل التمساح. وهم يحاولون إختراع النظريّة بعد الأخرى لمحاولة تبرير أنفسهم وتصرّفاتهم ضد الأطفال، وقد يهوّنون من قسوة العمليّة أو يلجأون إلى النكتة كوسيلة للإفلات من معارضيهم [744] . وبسبب نقص الإحساس يلجأ الكثيرون إلى مثيرات قويّة ويعرّضون نفسهم لمخاطر حتّى يحسوا ويثيروا أنفسهم. وهذا قد يفسّر تفضيل الرجال للموسيقى الصاخبة والأفلام العنيفة والتصرّفات غير الإجتماعيّة دون إعتبار للنتائج [745] . وقد تطغى نزعة حماية الذات على نزعة الشعور بآلام الغير فيقومون بالدفاع عن الختان. يقول الدكتور محمّد رمضان عن ختان الإناث: «بعضهم يدافع عمّا فعله بابنته أو بأخته من إجراء هذه العمليّة لها، أو من أدائها بنفسه للآخرين. وحتّى لا يحس بخطئه، أو يتّهم بالخطأ، يتّخذ موقف المؤيّد والمدافع عنها بحماس شديد» [746] .

6) العنف والتصرّف غير الإجتماعي

تقول «رومبيرج» في كتابها ضد الختان الذي صدر عام 1985 إنه لا توجد أيّة دراسة تبيّن النسبة المئويّة للمختونين بين الذين يلجأون للعنف والإجرام. وهناك عدد من الرجال العظام عبر التاريخ مختونين. والشخصيّات المُهمّة في التوراة أمثال المسيح ويوحنّا المعمدان وأكثر الرسل وأتباع المسيح الأوائل كانوا مختونين. ولذا تشك في إحتمال أن يكون الختان أو أيّة صدمة مؤلمة أخرى سبباً لتحويل شخص ما إلى رجل مجرم أو مشاكس [747] .

ولكن هذا الموقف قد تحوّل. فقد بدأ معارضو ختان الذكور في طرح أسئلة حول علاقة الختان بالتصرّفات غير الإجتماعيّة والعنف، خاصّة في الولايات المتّحدة التي تعتبر المجتمع الأكثر عنفاً في العالم. فمعدّل القتل في هذا البلد يساوي 14 مرّة ما هو عليه في اليابان و8 مرّات ما هو عليه في الدول الأوروبيّة. ويحاول البعض تفسير هذه الظاهرة بعوامل إجتماعيّة مثل المخدّرات، وضعف التربية الأخلاقيّة، ووجود الأسلحة بيد الناس، والعنف في التلفزيون، وغياب الأب عن العائلة، وضعف المستوى الدراسي، والبطالة، والعنصريّة، وتدنّي الشعور الديني. ولكن بيّنت دراسة أن مستوى الجريمة في هذا البلد قد إرتفع جدّاً خلال الثلاثين سنة الماضية التي شهدت إرتفاع نسبة المختونين. ممّا يوعز أن هناك علاقة بين الختان والعنف [748] .

وقد أوضحت الدراسات وجود علاقة بين تجارب الطفولة والعنف. فقد تم تتبّع 4000 شخص حتّى عمر الثامنة عشر. وتبيّن من ذلك أن من تعرّضوا لمضاعفات في الولادة أو رفضتهم أمّهاتهم في سن مبكّر هم أكثر عنفاً من غيرهم. وقد إستنتجت هذه الدراسة أن الإعتناء بالطفل قَبل وبعد ولادته سوف يخفّض مستوى العنف بدرجة هامّة. فالأطفال الذين أنتهكوا يميلون أكثر للعنف ضد الغير عندما يكبرون. وتبيّن أيضاً أن الذكور الذين أنتهكوا جسديّاً أو جنسيّاً أكثر عرضة ستّة أضعاف لأن يسجنوا لأسباب تتعلّق بجرائم الجنس عندما يكبرون. فهم يستعيدون الصدمة التي أصابتهم من خلال الصدمات التي يحدثونها للغير. وهذا يعني أن نوعيّة الطفولة تؤثّر في تصرّفات الأشخاص. ولا شك أن الطفل يعيش الختان كحدث مؤلم وعنيف جدّاً. فهي صدمة له يخزّنها في اللاشعور. وقد بيّنت دراسات أن الألم يؤدّي إلى العنف عند الحيوان والإنسان. فالذين يتألّمون هم أكثر ميلاً للغضب وللعنف. يضاف إلى ذلك ضعف تقدير الشخص لنفسه، ممّا يجعله أكثر عرضة لاقتراف القتل.

وأوسع أنواع العنف في الولايات المتّحدة هو العنف الذي يتم داخل البيت. فتقدّر نسبة الأزواج الذين يتعدّون على بعضهم البعض بـ 12%. وفي عام 1993، وجد أن 29% من النساء اللاتي قُتِلن، قد تم قتلهن بيد أزواجهن أو أصدقائهن. فهل هناك علاقة بين كون أن كل 25 ثانية هناك طفل يختن وأن كل 15 ثانية هناك رجل يضرب إمرأة؟ إن ضرب الرجل للمرأة قد يكون بقصد السيطرة عليها أو رد فعل على عدم تلبيتها لحاجته. وهذا ينبع من الإعتقاد بأن بيت الرجل هو قلعته، وأن المرأة ملكه. وهذا لا يختلف عن إعتقاد من يوافق على الختان أو يجريه على الأطفال. ففي كلتا الحالتين هناك شعور بحق فرض إرادة الشخص على الآخر. أضف إلى ذلك أن الأشخاص الذين يعانون من عدم تقدير أنفسهم يكونون عامّة أكثر غيرة في علاقاتهم. والغيرة هي إحدى أسباب العنف. وقد رأينا أن الختان هو إحدى عوامل عدم تقدير الذات. وقد أثبتت دراسات أن إنتهاك الأطفال يجعل منهم أزواجاً عنيفين. والختان هو إنتهاك جسدي للأطفال. وبعض المختونين يرون أن أمّهاتهم لم تحمينهم عندما تم التعدّي عليهم بالختان. ومن هنا يأتي الشعور بالإنتقام من النساء دون وعي بالأسباب التي أدّت إلى هذا الشعور. وهذا لا يعني حتماً أن كل المختونين يتعدّون على النساء. ولكن الختان قد يكون أحد عوامل العنف ضد النساء [749] .

وبعد الأحداث الدامية التي شهدتها المدارس الأمريكيّة في الآونة الأخيرة والتي قام خلالها تلامذة بقتل رفاقهم مستعملين سلاح ناري، رأى معارضو ختان الذكور صلة بين الختان وظاهرة العنف هذه. فالعنف يولد العنف، والمرء يحصد ما زرع [750] .

7) الإغتصاب

الإغتصاب هو نوع آخر من الإعتداء على النساء ويخفي رغبة في الثأر. فهناك في الولايات المتّحدة مليوني حالة إغتصاب سنوياً، وأكثر حوادث الإغتصاب لا يعلن عنها. وقد بين بحث أن 15% من الطلاّب مارسوا الجنس إغتصاباً مرّة على الأقل. وقد يكون الإغتصاب من الزوج ذاته. وقد بين بحث أن 60% من الطلاّب قد يغتصبون إمرأة في بعض الظروف. و46% من النساء تعرّضن لاغتصاب أو محاولة إغتصاب في حياتهن. ونسبة الإغتصاب في الولايات المتّحدة تبلغ سبعة أضعاف الإغتصاب في دول المجموعة الأوروبيّة. فهل هناك صلة بين هذا الإغتصاب وما يحدث للرجال الأمريكيّين في صغرهم من خلال الختان؟

هناك تماثل بين الختان والإغتصاب. ففي الختان يتم ربط الطفل وتعريته وبتر قضيبه قصراً. وهذا لا يختلف عمّا يجري في عمليّة إغتصاب النساء. فكليهما يتم فيه التعدّي على الأعضاء الجنسيّة. والإختلاف الوحيد هو العمر وطبيعة الفعل. وقد عنون الدكتور «مورجان» عام 1965 مقاله عن الختان «إغتصاب القضيب» [751] . وهناك كثير ممّن يرفضون الختان الذين يعبّرن عنه بأنه إغتصاب. ويشير عالم النفس «باري وانهولد»، وهو رئيس برنامج الدراسات حول العنف في جامعة كلورادو الأمريكيّة، إلى أن المختونين يعيشون في حالة غضب. فالختان هو أوّل عمليّات إغتصاب للرجال [752] .

والإغتصاب والختان يؤدّيان إلى نتائج مماثلة. فالختان يؤدّي إلى فقد الثقة في الغير والعزلة كما في الإغتصاب. والمرأة التي تغتصب كثيراً ما تكبت الألم وتسكت عنه رافضة التكلّم عمّا أصابها. وهذا ما يحدث مع المختونين. وكما أن الخاتن يرى أن الطفل لا يحق له رفض الختان، يعتقد المغتصب أن المرأة لا يحق لها رفض العلاقة الجنسيّة. وكما أن البعض يعتقد أن المرأة المغتصبة تتمتّع بالإغتصاب ولا تحس بالألم، فكذلك هناك إعتقاد بأن الطفل لا يتألّم بالختان ولا يتأثّر به. والذين يغتصبون النساء يظهر أنهم أنفسهم كانوا ضحايا إغتصاب. وارتفاع نسبة الإغتصاب في الولايات المتّحدة يتطلّب بحث الصلة بين هذه الظاهرة وظاهرة الختان [753] .

8) الإنتهاك الجنسي للأطفال

أحد أنواع العنف في الولايات المتّحدة هو الإنتهاك الجنسي للأطفال. وقد بيّنت دراستان بأن 38% من النساء تم إنتهاكهن جنسيّاً في صغرهن. ودراسة أخرى بيّنت أن هذه النسبة تصل إلى 45%. وهذه الأعداد قد تكون أقل من الحقيقة لأن ليس كل النساء تقبل التكلّم عن هذه المواضيع، وقد يقع الإنتهاك ولا تتذكّره المرأة. ولذا يمكن إعتبار هذه النسبة 60%.

وقبول عادة الختان إجتماعيّاً جعل الناس لا ينظرون للختان على أنه إنتهاك جنسي. ولكن هناك من يعتبر هذه العادة نوعاً من الإنتهاك الجنسي الضمني للأطفال يقوم به أشخاص يحتلّون مكانة إجتماعيّة مُهمّة على المستوى الوظيفي مثل الطبيب أو رجل الدين. ولو قام غيرهم بما يقومون به فإن ذلك لا شك يعتبر إنتهاكاً جنسيّاً.

صحيح أن الإغتصاب الجنسي للأطفال قد ينتج عن تفكّك عائلي ويترك ذلك أثراً شديداً على الأطفال. أمّا في الختان، فإن الأهل يحيطون الطفل بنوع من الحنان، ممّا قد يخفّف من أثر هذا الإنتهاك. ولكن هناك نقاط تشابه بين الختان وانتهاك الأطفال جنسيّاً. فكل منهما يؤدّي إلى إضطرابات عصبيّة مع آثار طويلة المدى. وكل منهما ينتج غضباً، وقلقاً، وانطواءاً على الذات، وكآبة، وشعوراً باليأس، ونقصاً في تقدير الذات، وتصرّفات جنسيّة شاذّة.

وهناك من يرى علاقة بين الختان وانتهاك الأطفال. فالذين ينتهكون الأطفال يعانون من إنخفاض في تقدير أنفسهم، وإحساس بعدم القدرة. وهذه العوارض نفسها تنتج عن الختان. وهم أيضاً يعانون من صعوبة في تحقيق حاجاتهم الجنسيّة، وهذا أيضاً ناتج عن الختان. وإذا أحس الطفل أنه قد أغتصِب جنسيّاً فإن ذلك سوف يقوده إلى إغتصاب غيره. وإن كان من المؤكّد أن ليس كل المختونين ينتهكون الأطفال، وأن أسباب إنتهاك الأطفال متعدّدة، إلاّ أن ذلك يتطلّب البحث في ما إذا كان الختان هو أحد تلك الأسباب [754] .

9) الإنتحار

إرتفع معدّل الإنتحار في الولايات المتّحدة بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة، خاصّة بين الذكور. فما بين عامي 1950 و1990 أزداد معدّل الإنتحار 3.4 مرّة بين الشباب الذين يتراوح عمرهم بين 13 و24 سنة. وقد كان إنتحار الذكور 6.5 مرّات أعلى ممّا هو بين الإناث عام 1990. والإنتحار ينتج عن الإنعزاليّة وكبت الشعور العاطفي والخجل. وهذه كلّها من مخلّفات الختان.

هناك أيضاً ظاهرة وفاة الأطفال فجأة تحت عمر سنة والتي تصيب 6000 طفل سنوياً في الولايات المتّحدة، من بينهم 60% ذكور. ويجب هنا دراسة مدى تأثير الختان على هذه الظاهرة. فإذا ما إعتبرنا أن الختان يشابه الإغتصاب، وأن الإغتصاب يقتل إرادة وروح الإنسان، فلا يمكن إستبعاد أن يكون الختان أحد أسباب هذه الظاهرة [755] .

وقد عرض أحد المختونين الحالة النفسيّة التي يعاني منها بسبب فشل ختانه وفشل عملية إصلاح الضرر ويقول بأنه كثيراً ما تراوده الرغبة في الإنتحار للتخلّص من مشاكله [756] . واتصل بي رجل فلسطيني مسلم تم ختانه وعمره عشر سنين وأخبرني كيف أنه أيضاً حاول الإنتحار وقد تمكّن من السيطرة على مشاعره بعد إستعادته جزء من غلفته بمد جلد القضيب بذاته.

10) السرقة

تمثّل السرقة مشكلة كبيرة في الولايات المتّحدة. وقد تم إقتراف 12.2 مليون حالة سرقة عام 1992. ومعدّل السرقة في هذا البلد في إرتفاع.

هذا وهناك من يعتبر الختان عمليّة سرقة لأنها تجري على ممتلكات شخص دون إرادته. فالتيّار اليهودي المعارض للختان يرى فيه مخالفة للوصيّة التوراتيّة لا تسرق (الخروج 20:15) [757] . وقد قام أحد المختونين بسرقة الآلة التي يتم الختان عليها في «مستشفى جامعة كورنيل». وقد إعترف بأن عمله سرقة ولكن كرد فعل على سرقة قام بها المستشفى عليه قَبل عشرين سنة عندما قطع غلفته. ولكن لم يلتفت إلى دفاعه وحُكِم عليه بالأشغال للمصلحة العامّة [758] .

ونجد تعبير السرقة في كتاب السيّدة الصوماليّة «واريس ديري». فهي تقول في كلامها عن ختان الإناث الذي عانت منه: «إني أعرف أن عدد النساء الغاضبات مثلي اللاتي لن يتمكّن من الرجوع إلى الوراء أو يسترجعن ما سُرق منهن في تزايد» [759] . وتضيف في مكان آخر: «إني أعتقد أن الجسد الذي أعطاني الله إيّاه عند ولادتي كان كاملاً. لقد سرقني الرجال، وسلبوني قوّتي وتركوني مع عاهتي. لقد سرقوا منّي أنوثتي. وإن كان الله قد حكم بأن بعض أعضائي غير ضروريّة، فلماذا إذاً خلقها؟» [760]

ويرى «جولدمان» أن هناك شبه بين الختان والسرقة. فالذي يُسرق يغضب، ويحس باليأس، ويحاول أن يقلّل من أهمّية ما سُرق منه لحماية نفسه. وكثير من المختونين قد يقلّلوا من أهمّية ما تم سرقته منهم. وإذا ما إعتبر شخص أنه تم سرقته فإنه سوف يسرق غيره كما سُرق هو. فهل الختان هو أحد الأسباب التي تدفع الأشخاص للسرقة رداً على ما فعل ضدّهم؟ هل هناك صلة بين إرتفاع معدّلات السرقة ومعدّلات الختان؟ [761]

11) الصراعات والحروب

يمكن للمجتمع، مثله مثل الأفراد، أن يوجّه غضبه وعنفه داخلياً وخارجياً. ومن المعروف أن مشاكل كلينتون الجنسيّة لها صلة ما بالعدوان الذي شنته أمريكا على العراق وراح ضحيّته مئات الأشخاص الأبرياء، ناهيك عن تدمير الإقتصاد العراقي. فقد حاول كلينتون أن يشد إهتمام الشعب الأمريكي ومرشّحيه بعيداً عن مغامراته الجنسيّة في وسط البيت الأبيض. وكل ما يساعد في زيادة العنف الفردي يساعد في زيادة عنف المجتمع وميله لشن الحروب. فعدم الثقة، والتقدير المنخفض للذات، ونقصان التعاطف مع الغير، والرغبة في السيطرة عليهم، وكبت العواطف هي من مكوّنات النفسيّة الأمريكيّة. وهذا يؤدّي بدوره إلى الحروب. وهذا لا يعني أن المختونين هم الذين يشنون الحروب، ولكن ليس من المستبعد من أن يكون الختان إحدى المؤثّرات في شنها. واستبعاد إفتراض تأثير الختان على التصرّفات الإجتماعيّة لأنها مجرّد تخمينات يعني بحد ذاته رفض معرفة ما إذا كان هناك علاقة سببيّة بين الختان وتلك التصرّفات خوفاً من إكتشاف آثارها. وهكذا يسد الباب أمام البحوث الإجتماعيّة حتّى لا نطرح تساؤلات حول الختان [762] .

تقول السيّدة الصوماليّة «واريس ديري» بلهجة لا تخلو من التهكّم:

«إن الحروب القبليّة، مثلها مثل ختان الإناث، هي نتيجة عنف وأنانيّة الرجال. لا أحب أن أقول ذلك، ولكن هذه هي الحقيقة. فهم إنّما يفعلون ذلك لأنهم متشبّثون بأرضهم وممتلكاتهم، والنساء جزء من تلك الممتلكات ثقافيّاً وقانونيّاً. ولو أننا خصينا الرجال، لأصبحت بلدنا جنّة! فقد يهدأ الرجال ويصبحون أكثر إحساساً بما يحيط بهم. من دون دفعة التيستوستيرون المتتابعة، لن يكون هناك حروب، ولا مذابح، ولا سرقات، ولا إغتصاب. فلو أننا قطعنا أعضاءهم الجنسيّة وتركناهم يتوهون دون علاج حتّى يسيل دمهم ويموتوا أو يعيشوا، فقد يفهموا لأوّل مرّة ما يفعلون تجاه نسائهم» [763] .

وقد رأت أيضاً السيّدة «فران هوسكن» علاقة بين ختان الإناث وبين ما يحدث في الصومال من حروب أهليّة مدمّرة. فهي تقول إن ما يحدث في الصومال من عنف ذكوري أدّى إلى تمزيقه وإيقاع الأذى خاصّة بالأطفال والنساء الذين يعذبون ويموتون جوعاً. ويعبّر هذا العنف بين قبائل ذكوريّة عن العنف الخفي الوحشي الذي يمارسه الرجال ضد النساء والأطفال من خلال ختان الإناث. إن فتح الرجل إمرأته بصورة مؤلمة لإشباع رغبته باغتصاب فتاة مدماة تبيّن سقوط القيم وفسق لا يمكن قياسه أو فهمه. وهذا الأمر مقبول في السودان كعادة عائليّة متّفق عليها. فإذا بالعنف الذكوري ينفجر الآن في كل أنحاء الصومال من خلال إغتصاب وقتل النساء والفتيات الذي هو في قمة الفظائع التي تقترف في هذا البلد كما يبيّنها التلفزيون [764] .

وفي مكان آخر تقول السيّدة «هوسكن» أن الحروب الأهليّة والعنف في المنطقة الإفريقيّة الصحراويّة السفلى منتشرة أكثر ممّا في أي مكان آخر في العالم. وفيها أكبر عدد من الوفيّات للأطفال، وهي أكثر المناطق أمّية، وأسوأها صحّة، وأضعفها إنتاجاً للغذاء. وفي هذه المنطقة توجد أكبر سيطرة للرجال على النساء من خلال حرمانهن من حق تملّك الأرض وإخضاعهن لنظام تعدّد الزوجات والتعسّف نحوهن. وتوجد هذه السيطرة الذكوريّة في القرى كما على مستوى الحكومة. ومن الواضح أن المسؤوليّة هي مسؤوليّة الرجال لتدهور الأوضاع في إفريقيا. وضحايا هذه الأوضاع هم الأطفال والنساء. لم يعد هذا زمن لوم الإستعمار، ويجب على الرجال الأفارقة أخذ مسؤوليّتهم في عالمنا الحاضر. وإذا أردنا أن تتغيّر الأوضاع في إفريقيا، يجب أن نبدأ بتغيير الرجال هناك. فيجب أن يأخذوا مسؤوليّتهم تجاه نساءهم وأطفالهم. فالرجال هم المسؤولون عن ختان فتياتهم، والتعسّف نحو نسائهم، وتعدّد الزوجات، وانتشار الإيدز القاتل. يجب تغيير تصرّف الرجال إذا ما أردنا تغيير إفريقيا [765] .

بهذه الصرخة المؤلمة المحزنة ننهي هذا الفصل لننتقل إلى الوسائل الإجتماعيّة للقضاء على ختان الإناث والذكور. لعّل ذلك يخفّف من آلام البشريّة المعذّبة من خلال تخفيف آلام الأفراد الأبرياء.

الفصل الحادي عشر: الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان

يقول المثل: «درهم وقاية خير من قنطار علاج». رأينا في نهاية القسم الطبّي الوسائل العلاجيّة للآثار الضارّة التي تنتج عن ختان الذكور والإناث. وهنا نقدّم زبدة ما يقترحه معارضوه كوسائل تربويّة ونفسيّة وقائيّة حتّى يتم القضاء على هذه العادة. ونحيل القارئ إلى القسم القادم فيما يخص الوسائل القانونيّة.

1) الدراسة الشاملة وكسر حاجز الصمت

بدأت حملة مكافحة ختان الإناث بصورة مكثّفة منذ أكثر من عقدين، تم فيها التركيز على مضار هذه العادة. وترى الدكتورة سهام عبد السلام أن التركيز على هذه المضار دون التعرّف على جوانب هذه العادة المختلفة هو أحد أسباب فشل هذه الحملة [766] .

وترى الطبيبة ناهد طوبيا أن التركيز على المضاعفات الصحّية لختان الإناث لم يؤدّي في نهاية الأمر إلاّ إلى إجراء تلك العمليّة على يد طبيب بدلاً من إجرائها على يد جاهل. ولإلغاء هذه العادة لا بد من تفنيد الأسباب الثقافيّة والدينيّة التي تختفي وراءها. لقد زادت مقدرتنا على الإعتماد على المنطق الطبّي وتضاءلت مقدرتنا على الإعتماد على المنطق الفلسفي والأخلاقي [767] .

ونحن نرى أنه لمكافحة الختان لا بد من دراسته من جميع جوانبه التاريخيّة والدينيّة والطبّية والإجتماعيّة والنفسيّة والإقتصاديّة والسياسيّة والقانونيّة. وهذا يتطلّب تخصّصات متعدّدة ومعرفة عدّة لغات وتوفير الإمكانيّات الماليّة وإيجاد مكتبات غنيّة. ونرى أنه من غير الممكن الفصل بين ختان الذكور والإناث لأن ذلك يضعف من إمكانيّة فهم كل منهما ويطبع الدراسة بطابع التحيّز الأعمى. ومن جهة أخرى، يجب ضمان حرّية الفكر والتعبير لحساسيّة الموضوع، ويجب أن يكون الباحث متجرّداً في فكره قاصداً الحقيقة فيما يبحث، فلا يكون قصده دعم معتقد ديني على حساب معتقد ديني آخر، أو تثبيت سيطرة فئة إجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة على حساب فئة أخرى. ويا حبّذا لو أن الجامعات والمراكز العلميّة تنسّق فيما بينها لعمل مثل هذه الدراسة. وهذا أمل بعيد المنال إذ إن موضوع الختان، وخاصّة ختان الذكور، ما زال من المحرّمات ولا يتاح للباحث إلاّ بالكاد إلقاء بحث في هذا المجال على طلبة الجامعات لتوعيتهم. وقصد مؤيّدو ختان الذكور والإناث هو الإبقاء على الجهل والسرّية لأنهما أكبر حليفين لهم ما دامت العادة هي التي تقود الناس في تصرّفاتهم.

ومن الضروري توصيل الدراسات إلى كل من يهمّه الأمر على جميع المستويات، بلغة مفهومة: الطبيب والممرّضة والمشرّع والقاضي والمحامي ودارس القانون ونشطاء حقوق الإنسان. فالعلم سلاح، ولا فائدة منه إلاّ إذا وضع في يد من يستعمله. ولا يكفي في هذا المجال عمل مؤتمرات تبقى أوراقه في ملفّات لا يصل لها أحد. ونشير هنا إلى أن أعمال المؤتمر الدولي الرابع للختان الذي ساعدت على تنظيمه في جامعة لوزان كانت أولى الأعمال التي نشرت في هذا المجال بعد تشديدي على ذلك.

والقصد من عمل الدراسات ونشرها هو كسر السر وحاجز الصمت الذي يحيط به ومضاعفاته. فقد أدّت السرّية إلى جهل مدى إنتشار هذه العادة. وحتّى الآن على سبيل المثال لا توجد أيّة دراسة حول ختان الإناث في المجتمع العُماني رغم أن هذه العادة منتشرة على نطاق واسع في هذا البلد حيث يقدّر البعض أن أكثر من 90% من النساء العمانيّات مختونات. وفي مصر ذاتها صرّح المسؤولون السياسيون في مؤتمر السكّان الدولي عام 1994 أن ختان الإناث عادة كادت تختفي من مصر، وقد تبيّن بعد ذلك أن عدد المختونات في مصر يناهز 97%. وحتّى زمن قريب كانت المنظّمات الدوليّة ترفض الخوض في موضوع ختان الإناث.

وإن كان ختان الإناث قد أصبح حديث الساعة، إلاّ أن ختان الذكور ما زال التكلّم عنه من المحرّمات. فمجرّد القول بأنني أبحث موضوع ختان الذكور يثير التعجّب حيناً والإستنكار أحياناً. وعند إعلاني عن نشر كتابي الأوّل حول الجدل الديني، كتب لي أحدهم قائلاً بأن الختان أمر حسّاس جدّاً لأنه يثير حساسيّة دينيّة. ولذلك يجب الإبتعاد عنه وعدم الخوض فيه. وقد حاول ترهيبي بأني سوف أدخل نار الجحيم، حتّى قَبل أن يقرأ كتابي. وقد كتب لي أحدهم: «لماذا تهتم بموضوع ختان الذكور والإناث بينما هناك مشاكل أخرى. هل موضوع الختان يستحق كل هذا الإهتمام؟» فسألته: «هل بتر 15 مليون طفل سنوياً ليس أمراً يستحق الإهتمام؟» ولكنّه لم يرد على سؤالي.

كسر حاجز الصمت ضرورة لهدم صرح الختان ولتفادي إستمراره. يقول طبيب أمريكي معارض للختان في بداية كتابه:

«إذا كنت مسؤولاً عن ختان إبنك، فإن المعلومات في هذا الكتاب سوف تجعلك حزيناً وغاضباً وسوف تشعر على إثرها بالأسف والذنب. ولكن أرجوك أن لا تأخذ موقفاً دفاعياً قائلاً: إنه من المفضّل أن يبقى كل أحد هادئاً، فقد فات الأوان على كل حال. لا، إن الأوان لم يفت. دعنا نتكلّم عن الإنتهاك الجسدي والجنسي للأطفال عموماً. فهل من الغلط التكلّم عن إنتهاك الأطفال؟ طبعاً لا. فهذه أحسن وسيلة للوصول إلى التوعية ولتغيير قوانيننا ونظمنا حتّى لا تستمر هذه الجرائم التي تقترف ضد الأطفال الأبرياء جيلاً بعد جيل. فالكلام يكسر الدائرة المغلقة. وهذا ينطبق فعلاً على الختان. فيجب على الناس المعنيين التكلّم حتّى يتم إيقاف هذه الممارسة التعسّفيّة والضارّة ضد أطفالنا. أضف إلى ذلك أن الختان الذي أنت مسؤول عنه لم يكن ذنبك. فأنت لم تكن تعرف الحقيقة، وقد يجهل أيضاً طبيبك مثل تلك الحقيقة. وكل ما يمكنك فعله هو الإعتذار. قل لابنك بأنك آسف لما حدث، ثم تكلّم مع أصدقاء وأهالي أطفال آخرين حتّى يعرفوا أن العضو الذكوري الطبيعي هو الأفضل» [768] .

هذا وأشير هنا إلى تجربتي الخاصّة مع الطلاّب. فكثيراً ما يتّصل بي طلبة الجامعات من دول مختلفة طالبين مساعدتي للحصول على وثائق ومعلومات لكتابة أبحاث ورسائل دكتوراه. وقد تبيّن لي أن الأكثريّة الساحقة منهم تريد الكتابة عن ختان الإناث، دون ختان الذكور. وقد يكون إستبعاد ختان الذكور إمّا إرادياً، أو لاشعوريّاً، أو بسبب الجهل، أو تفادياً لمشاكل مع أساتذتهم. وقد يكون أيضاً بسبب الكبت الداخلي الذي يعانون منه، أو لعدم شجاعتهم في خوض موضوع حسّاس، أو لعدم وجود كتب في المكتبات العامّة حوله. وقد إتّخذت موقفاً مبدئياً مع هؤلاء الطلبة لا أتنازل عنه. فكنت أخبرهم بأني لا أستطيع أخلاقيّاً مساعدة طلبة يكتبون فقط عن ختان الإناث دون ختان الذكور لأن ذلك مخالف لمبدأ عدم التمييز الجنسي والديني والثقافي وظلم للأطفال، وأن ذلك لا يخدم حتّى قضيّة ختان الإناث. وفي نفس الوقت، كنت أؤكد بأني لا أقصد بتاتاً فرض موقفي من ختان الذكور عليهم. فمن حقّهم أخذ موقف مخالف تماماً لموقفي، والدفاع عن موقفهم. وقد نجحت فعلاً في تغيير مواضيع الأبحاث لجعلها أكثر توازناً وتلاؤماً مع حقوق الإنسان.

2) التحرّك على المستوى الديني

رأينا أن الدين هو من أهم العوامل التي تتحكّم بعمليّة ختان الذكور والإناث. ويلعب رجال الدين دوراً تختلف أهمّيته حسب المجتمعات. ولكن مهما يكن دورهم ضئيلاً، فإنهم يتحمّلون وزر إستمرار هذه العمليّة لأنهم كثيراً ما يقومون بممارستها بأنفسهم كما هو الأمر عند اليهود، ولأنهم يبرّرون تلك العمليّة من الوجهة الدينيّة، أو يسكتون عنها. وهم عامّة متمسّكون بالتفاسير الحرفيّة للكتب المقدّسة التي تخدم مصالحهم. والناس من ورائهم يسيرون كقطعان غنم وراء راع أعمى. وهناك ثلاثة حلول للتعامل مع رجال الدين.

أ) علاج وعزل رجال الدين ومنع قراءة بعض النصوص الدينيّة

يلعب الدين دوراً كبيراً في عمليّات البتر الشاذّة. وإن كان ممكناً اللجوء إلى الأدوية الكيماويّة والجراحة لعلاج الشذوذ الفردي، إلاّ أنه من غير المتصوّر إعطاء أدوية مهدّئة لجميع اليهود والمسلمين حتّى يكفوا عن ختان أطفالهم. ولكن ماذا عن الذين يمارسون الختان تحت ستار الدين إذا ما تبيّن بعد الفحص والتدقيق بأنهم مصابون بمرض عقلي وتسيطر عليهم نزوات غير أخلاقيّة وعدوانيّة سادومازوشيّة؟ فهل يمكن إخضاع هؤلاء لعلاج كما يتم مع المرضى الذين يثبت خطرهم على المجتمع، رحمة لضحاياهم وصدا لهم عن شرورهم؟ هذا موضوع شديد الحساسيّة ويصعب أخذ موقف بخصوصه ولكن لا بد من طرحه.

وقد إقترح «فولكوف» لمكافحة طائفة الخصيان في روسيا تنظيم شبكة من الهيئات السياسيّة والتعليميّة والتثقيفيّة، وإرسال أشخاص للتثقيف ضد تفسيرهم للدين وأطبّاء للمناطق التي تتواجد فيها تلك الطائفة، وعمل قائمة بالخصيان المعروفين ومراقبتهم بشدّة، وأخذ الإجراءات الإداريّة لفصل الخصيان المتعصّبين ووعّاظهم ومن يقومون بالخصي وإبعادهم عن الشعب. فهو يرى أن العقاب لم يؤدِّ إلى نتيجة إيجابيّة. لا بل إن ذلك قد يؤدّي إلى نتيجة عكسيّة إذ يعطيهم الشعور بأنهم يتّبعون مخلّصهم. فقد أمضى بعض الخصيان عشرات السنين في السجن في عصر القيصر دون أن يتعلّموا درساً. ويقول «فولكوف» بأنه «يجب فصل 40 أو 50 مجرماً حتّى نحرمهم من بتر عشرات أو مئات من الأفراد» [769] . وهذا الأسلوب مثل سابقه لا يمكننا اللجوء إليه في مكافحة الختان دون أن يثير حركة معارضة شديدة.

وقد ذكرنا أن البعض يرى ضرورة منع الشاب الذي يبتر نفسه من قراءة النصوص الدينيّة التي قد تبرّر في عينيه تصرّفاته الشاذّة. كما نصح معارضو العادة السرّية منع الشاب من قراءة النصوص التوراتيّة ذات الطابع الجنسي. إلاّ أنه من الصعب منع قراءة النصوص الدينيّة المتعلّقة بختان الذكور خاصّة أن اليهود يعتبرونها من صميم إعتقادهم الديني.

وبدلاً من علاج وعزل رجال الدين ومنع قراءة بعض النصوص الدينيّة، يقترح البعض إشراك رجال الدين في الحملة ضد الختان ويرى البعض الآخر ضرورة تثقيف الشعب وتحصينه ضد تأثير رجال الدين والنصوص الدينيّة.

ب) إشراك رجال الدين في الحملة ضد الختان

هناك تيّار يحاول، إمّا عن جهل أو عن حيلة، كسب تأييد رجال الدين إلى صفوفهم. وبطبيعة الحال ليس من السهل الحصول على تأييد جميع رجال الدين. فالسلطات الدينيّة المسيحيّة واليهوديّة في فرنسا لم تأخذ موقفاً من ختان الإناث رغم مطالبة الحركات النسائيّة. والذين يتجرّؤون في إتّخاذ موقف معاد للختان يتّهمون بالكفر والخيانة. ولكن ظاهرة التكفير هذه يمكن إستغلالها لكسر سطوة رجال الدين المؤيّدين للختان أخذاً بالمبدأ القائل «فرق تسد».

تذكر منظّمة العفو الدوليّة أنه من المهم لنجاح حملة مكافحة ختان الإناث جعل رجال الدين يشاركون في هذه الحملة بإعلانهم بأن هذه العادة ليست مطلباً دينيّاً. وهي ترى أنه يجب تفادي تقديم هذه الحملة على أنها إلغاء لطقوس تدريب بل على أنها إعادة تعريف لهذه الطقوس لتجنيدها في خدمة القيم التقليديّة الإيجابيّة مع إلغاء ضررها الجسدي والنفسي [770] .

وإن كان من المفيد إشراك رجال الدين، فإنه يجب تثقيفهم قَبل ذلك. ففاقد الشيء لا يعطيه. ورجال الدين يجهلون أو يتجاهلون موضوع ختان الذكور والإناث حتّى في مجال الجدل الديني. وقد إعترف لي رجال دين فلسطينيون مسيحيّون بأنهم لم يدرسوا بتاتاً هذا الموضوع بل مرّوا عليه مرور الكرام، مثلهم في ذلك مثل الأطبّاء. فثقافتهم ومعلوماتهم وردود فعلهم نابعة ممّا قد تنشره وسائل الإعلام من مواضيع الإثارة العامّة دون تعمّق وبشكل أحادى الجانب. فالكل سمع بالفضيحة التي أثارتها شبكة التلفزيون الأمريكي «سي إن إن» حول ختان الفتاة نجلاء في القاهرة عام 1994، والكل يشمئز من ختان الإناث، ولكن لا أحد من رجال الدين يتكلّم عن ختان الذكور لأنه قد يثير الخلافات الدينيّة ويضعهم في مشكلة أخلاقيّة حول كيفيّة تبرير وتفسير نص التوراة الخاص بختان إبراهيم وأمر الله له بختان كل الأطفال. وفي أيّامنا حيث يُروَّج كثيراً لموضوع الحوار المسيحي الإسلامي اليهودي قد يُعتبر فتح ملف الختان حجر عثرة أمام مثل هذا الحوار. فمن أجل هذا الحوار، الذي لم يثمر أمراً إيجابيّاً إلاّ على موائد الطعام، يغمّض رجال الدين أعينهم أمام أكثر من 12 مليون طفل ذكر يبترون سنوياً.

ونذكر هنا على سبيل المثال كتاباً واسع الإنتشار في أيّامنا كتبه قس من أصل هندي يعمل في مجال الحوار الديني في سويسرا عنوانه «الملك والحكيم ومجنون الملك». فقد تصوّر المؤلّف لقاءاً نظّمه ملك بين ممثّلي التيّارات الدينيّة المختلفة بقصد البحث عن دين لبلده: أستاذ جامعة فرنسي ملحد، وحاخام يهودي من إسرائيل، وشيخ مسلم ضرير معتدل من مصر، وراهب بوذي من سريلانكا، ورجل دين هندوسي من الهند، وقس مسيحي من سويسرا. وقد وضع المؤلّف في فم الملحد هذا القول ضمن لومه للأديان:

«كل يوم في العالم يتم ختان 6000 فتاة مسلمة وحيائيّة animiste ومسيحيّة؛ كل 15 ثانية، يتم بتر فتاة [...] في خصوصياتها. لا بل هناك من يبرّر مثل هذه الممارسة بإسم الدين. وبينما نحن نتكلّم في «الميتافيزيقا» في هذا المكان المنعزل، فإن الأرض تستمر في دورانها مثل لعبة خشبيّة مختلّة. وماذا تقول السلطات الدينيّة ضد هذه الفظاعات؟ لا شيء أو القليل. وإذا ما تكلّمت، فإنها تساهم في زيادة المشاكل وليس في حلّها» [771] .

وعبثاً تبحث في هذا الكتاب عن ذكر لختان الذكور. هل المؤلّف واع لهذا النقص في كتابه؟ وإن كان واعياً، فما هو موقفه منه؟ هذا ما سألناه في مكالمة هاتفيّة. وقد أخبرنا بأنه لم يفكّر في الموضوع، وأنه يعتبر ختان الإناث أمراً عنيفاً وضارّاً على عكس ختان الذكور الذي يظهر له بأن ليس فيه مضرّة على العلاقة الجنسيّة. وقد أقر بأنه لم يتعمّق في الأمر، وأن معلوماته أتت ممّا سمعه من التلفزيون وقرأه في الصحف، وأن عدم ذكر ختان الذكور ليس سببه الخوف من إثارته ضمن الحوار الديني، ولا يرى مانعاً من أن يفتح جدلاً بخصوصه ضمن ذاك الحوار.

ودور رجال الدين في التخلّي عن عادة ختان الإناث توضّحه دراسة مصريّة رائدة تمّت على قرية صعيديّة مصريّة مسيحيّة إسمها «دير البرشا» تخلّت عن ختان الإناث وقرية مجاورة أخرى إسمها «البرشا» فيها خليط من المسلمين والمسيحيّين.

فقد بيّنت هذه الدراسة بأن الإنتماء الديني بحد ذاته ليس له تأثير متميّز على ممارسة ختان الإناث، وهو ما يتّضح من إنتشار ختان الإناث بنفس النسب تقريباً بين المسلمين والمسيحيّين في مصر. وتؤكّد المقارنة بين قريتي «دير البرشا» و«البرشا» على نفس النتائج. فرغم أنه لم يكن هناك غير مختّنات بين بنات المستجيبات والمستجيبين المسلمين، إلاّ أن هناك فارقاً كبيراً بين نسبة غير المختّنات من بنات المسيحيّين في «دير البرشا» (37%) وبين نسبة غير المختّنات من بنات المسيحيّين في «البرشا» (16%).

والفرق بين النسبتين، حسب هذه الدراسة، يعود إلى دور القيادات الدينيّة في قرية «دير البرشا». فقد تبيّن أن عدداً كبيراً من المستجيبين والمستجيبات قد تلقّى معلوماته عن طريق الكنائس، وأن كل الكنائس هناك قد أوضحت أن ختان الإناث ليس من المسيحيّة. من جانب آخر فإن إلتزام بعض القادة الدينيين بعدم ختان بناتهم، وإعلانهم عن ذلك، ساهم في خلق القدوة للمواطن العادي، لما لرجال الدين - خصوصاً في المناطق الريفيّة - من تأثير معنوي. كما أن توقيع رجال الدين على وثيقة القرية بوقف ممارسة ختان الإناث، والصياغة الدينيّة «أن من يقوم بهذا العمل منذ اليوم يكون معرّضاً للسؤال أمام الله ولجنة البلدة وقانون الدولة»، أضفى على الإتّفاق طابع القداسة، وجعلها محمّلة بمضامين إيجابيّة من زاوية الثقافة السائدة. وساعد الثقل الأدبي للقيادات الدينيّة على إلتزام الدايات وحلاّقي الصحّة بعدم الختان، وعدم خضوعهم لضغوط الأهالي الذين يرغبون في ختان بناتهم. وأخيراً فإن موقف أحد القيادات الدينيّة في القرية لعب دوراً خاصاً بإعلانه عن عدم ختان بناته، وهو ما أضفى بعداً إيجابيّاً وشجّع الآخرين سواء من القيادات المجتمعيّة أو من أهل القرية على الإعلان عن عدم ختان بناتهم [772] .

وتشير هذه الدراسة أن بعض الناس كانوا في البداية يحاولون الحصول على موافقة «أبونا»، فكان يقول لهم: «لو لقيتوني طاهرت بناتي، ابقوا طاهروا بناتكم». والموقف هنا يتجاوز دور القيادة الدينيّة العاديّة، فهو يقدّم نموذجاً إنسانيّاً وقدوة لباقي أهل القرية. فإعلانه عن عدم ختان بناته يضفي بعداً إيجابيّاً ويشجّع الآخرين سواء من القيادات المجتمعيّة أو من أهل القرية على الإعلان عن عدم ختان بناتهم. وتقول إحدى الدايات: «كل ما حد يطلب منّي أطاهر بنته أقولهم إذا أبونا دانيال وافق أنا مستعدّة أختن. وأنا عارفة أن أبونا مش حيوافق طبعاً» [773] .

ج) تثقيف الشعب وتحصينه ضد سطوة رجال الدين والنصوص الدينيّة

رأينا في الجزء الثاني من كتابنا هذا كيف أن اليهود المعارضين للختان قد فسّروا النصوص التوراتيّة بصورة تاريخيّة فأفرغوها من طابعها الإلهي واعتبروها كتباً غير منزلة. وقد حاول آخرون إبطال مفعول نص الختان باللجوء إلى نص أخرى. فبدلاً من قراءة الفصل 17 من «سفر التكوين» الذي يحتوي على أمر الله إبراهيم بختان إبنه، يقومون بقراءة الفصل 22 والذي يذكر نداء الملاك إبراهيم عندما نوى تضحية إبنه قائلاً: «إبراهيم إبراهيم [...] لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئاً» (التكوين 11:22-12). وهذا ما يسمّيه المسلمون «النسخ». فهم يعتبرون النص الأول منسوخ بالنص الثاني.

وأمّا عند المسيحيّين، فإن كتبهم المقدّسة قد أخلت الختان من طابعه اليهودي الإجباري وأعطت القيمة ليس لختان الجسد بل لختان القلب. كما أن آباء الكنيسة إعتبروا الختان منافياً لمبدأ كمال الخلق. وأن من يختن عن إعتقاد ديني يقترف خطيئة. ولكن التيّار المسيحي المتعصّب يرفض التخلّي عن النصوص التوراتيّة التي يعتبرها نصوصاً موحاة يجب تطبيقها. وقد رد عليهم معارضو الختان بإظهار تناقض تلك النصوص مع روح التعاليم المسيحيّة [774] .

وفيما يخص المسلمين، فإن المشكلة مع النصوص الدينيّة أقل صعوبة ممّا هي عليه عند اليهود والمسيحيّين. فليس من الصعب صدّهم عن ختان الذكور والإناث إذا ما أثبتنا لهم أن القرآن لم يذكرهما، وأن الأحاديث التي تتكلّم عنهما ضعيفة، وأنه من غير الثابت أن النبي محمّد قد ختن، وأن الختان في حقيقته مخالف لفلسفة القرآن الذي ينادي بكمال خلق الله وعدم التعدّي على سلامة الجسد وعدم الضرر. وتتمثّل المشكلة عند المسلمين خاصّة في جهلهم لمحتوى نصوصهم الدينيّة وانقيادهم وراء رجال دينهم بصورة عمياء.

وهناك تيّار معارض للختان يرى التفريق بين التعاليم الخاطئة والتعاليم الصحيحة للدين. ففي هذا المنحى تتساءل كاتبة إفريقيّة ما إذا كان من الضروري التصدّي للدين لمكافحة ختان الإناث. وتجيب: «لا، لأنه لا يوجد سبب ديني لهذه العادات، رغم ما يدّعيه البعض» [775] . وترى السيّدة الحبشيّة «برهان راس ورك»، وهي مسيحيّة، بأن سكّان جيبوتي يقبلون بختان الإناث رغم الألم التي تعانيه النساء من هذه العمليّة وكأنه قضاء وقدر. وهذا ناتج عن تفسير خاطئ للدين الإسلامي. ولذلك تطالب رجال الدين المسلمين بتبيين حُكم القرآن من ختان الإناث [776] . وتقول السيّدة الصوماليّة «سيرات سلاد حسن» «إن البتر الجنسي يجد حجّته الدعائيّة الرئيسيّة في التفسير الخاطئ للدين الإسلامي، وخاصّة في السعوديّة والصومال والسودان ومصر وجيبوتي وإندونيسيا والباكستان». إلاّ أن هذه المؤلّفة تتحفّظ قائلة: «حتّى وإن ليس هناك أساس يبرّر ختان الإناث في المبادئ الدينيّة، فإن أكثريّة الدول الإسلاميّة تعتقد بأن المرأة غير المختونة نجسة بالمفهوم الديني» [777] .

يتفادى هذا الأسلوب الظهور بمعاداة الدين، لا بل يبرّئ ساحة الدين من ختان الإناث. إلاّ أن ما تعتبره هؤلاء السيّدات تعاليم خاطئة هي في نظر من يمارس هذه العادة تعاليم صحيحة. فلكل مجموعة فهمها الخاص للدين، ولا يمكن التفريق بين ما هو من الدين وما هو خارج عنه. فالدين ليس وحدة محدّدة المعالم. فالقاتل والمقتول في الجزائر يعتبر كل منهما نفسه أنه هو الوحيد الذي يفهم الدين على حقيقته. ونفس الأمر فيما يخص الكاثوليكي والبروتستنتي الأيرلندي، أو المتعصّب وداعية السلام اليهودي. ونحن نرى أن لكل منهم الحق في تحديد ما يعتقده دينه، ولكن لا يحق له إعتبار معتقده هو الدين الذي على الجميع إتّباعه.

ولتفادي الوقوع في التعميمات كما تفعل هؤلاء السيّدات، فمن المفضّل تفادي التكلّم عن الأديان والإكتفاء بالتكلّم عن الأفراد أو الجماعات. ولهذا السبب عنونا كتابنا: «ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين» وليس: «ختان الذكور والإناث في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام». وإن برّأنا ساحة القرآن من ختان الذكور والإناث وأوضحنا أن الأحاديث المنسوبة للنبي محمّد حول هاتين العادتين لا يمكن الإعتماد عليها، فليس لنا أن نقول ما إذا كان ختان الذكور والإناث هو جزء من «الدين الإسلامي» أو لا، كما يفعل رجال الدين المسلمون. فمن المفضّل أن يتكلّم هؤلاء عن معتقدهم هم بدلاً من إعتبار إعتقادهم هو ما يجب إعتناقه والقتال في سبيله. ونذكِّر هنا بفتوى شيخ الأزهر جاد الحق التي تقول: «أن الختان للرجال سُنّة. وهو من الفطرة، وللنساء مَكرُمَة. فلو إجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه».

بالإضافة إلى محاولة تذليل عقبات النصوص الدينيّة، هناك من يلجأ إلى المبدأ السياسي الروماني القائل «فرق تسد». وتطبيقاً لهذا المبدأ يرى البعض أن ختان الذكور يمكن إيقافه بين اليهود بإقناعهم بأن هذه العادة عادة إسلاميّة ولذلك يجب الإبتعاد عنها من خلال رفضهم للمسلمين. وهناك تيّار معاكس يقول بأنه يمكن إيقاف ختان الذكور بين المسلمين بإقناعهم بأن هذه العادة من الإسرائيليّات ولذلك يجب الإبتعاد عنها بسبب رفضهم لليهود.

تنقد ناهد طوبيا [778] هذا الأسلوب لأنه يخلق عداء ما بين الطوائف المختلفة. ونحن نرى أنّه من غير الضروري إضافة عناصر جديدة للكراهيّة بين المسلمين واليهود، بل يجب على العكس مساعدة هاتين الجماعتين على الوصول إلى الوئام والتعايش السلمي بينهما المبني على العدل. إلاّ أننا نرى ضرورة توضيح سبب ممارسة ختان الذكور عند المسلمين. وإذا بينّا أن تلك العادة لا أساس لها في القرآن والسُنّة، وأن اليهود الذين أسلموا هم الذين جلبوا معهم هذه العادة ونجحوا في ترويجها بين المسلمين، فإن ذلك ليس بقصد زرع الكراهيّة بين اليهود والمسلمين، بل لتوضيح هشاشة الأسس الدينيّة التي لأجلها يقوم المسلمون بختان أطفالهم. ونشير هنا إلى أن معارضي ختان الإناث يلجأون إلى نفس المنهج إذ يعتبرون أن ختان الإناث لا علاقة له بالدين الإسلامي وأنه مجرّد عادة فرعونيّة إستمر العمل بها في مصر بعد دخول الإسلام وقدّمت لها التبارير من خلال أحاديث ضعيفة نُسبت إلى النبي محمّد. وهذا القول لا يهدف بحد ذاته إلى خلق عداء بين المصريّين وأجدادهم الفراعنة.

ويطبّق البعض مبدأ «فرق تسد» في مجال الختان بخلق جو معاد بين الشعب ورجال الدين من خلال عرض أخطائهم وسوء نواياهم. وهكذا يتم تقليص تأثيرهم على المجتمع. ونجد كثيراً من التعدّي على رجال الدين اليهود في الجدل الذي ينشر في الانترنيت. فالبعض لا يتحرّج من وصف رجال الدين اليهود بالأطبّاء النازيين أمثال «مينجيلي».

وإذا ما إستثنينا التيّار اليهودي المجدّد الذي ألغى الطابع الإلهي للكتب المقدّسة، فإن المحاولات الأخرى تفادت التعرّض لتلك الكتب بصورة مباشرة. والبعض يرى أنه لا بد عاجلاً أم آجلاً من فتح المعركة مع هذه الكتب والتصدّي لفكرة الوحي. ويرى هذا التيّار بأنه كلّما إستمر الناس في إعتقادهم بأن الله قد أعطى أوامراً في «كتب مقدّسة»، فإنهم سوف يستمرّون في تنفيذها. فيختنون أطفالهم، ويقطعون أيدي اللصوص، ويقتلون المرتدّين، ويرجمون الزناة، ويسرقون ممتلكات الغير كما يفعل اليهود في فلسطين. ولهذا السبب لا بد من إفهام الناس أن الله لم يعطِ أي أمر بالتصرّف بهذه الطريقة الوحشيّة في أي كتاب كان. وهذا يعني أنه يجب أن نلغي من عقولنا مقولة «الوحي». وهذا ما توصّل إليه الفيلسوف والطبيب الرازي الذي يؤمن بالله ويرفض فكرة الوحي التي ينسبها إلى ادّعاءات أنبياء متعطشين للدماء نصَّبوا أنفسهم بأنفسهم ونَصَبوا على الناس. فهو يعتقد أن الوحي هو مخالف للعقل الذي يعطيه الله لكل خلائقه [779] .

وليس عبثاً يطالب الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود باقتلاع جذور سلسلة خصائص من التربية الثقافيّة قبل أن يتاح لنا إستنبات زرع جديد. وأوّل تلك الخصائص وأعمقها جذوراً وأكثرها فروعاً هي نظرة العربي في أن «السماء قد أمرت وعلى الأرض أن تطيع، وأن الخالق قد خط وخطّط وعلى المخلوق أن يقنع بالقسمة والنصيب، وأن المثال سرمدي وثابت وعلى الواقع أن يقسر نفسه على بلوغه، وأنه إذا ما تعارضت الآخرة والدنيا، كانت الآخرة أحق بالإختيار، وأن المنقول إذا ما تعارض مع المعقول، ضحّينا بالمعقول ليسلم المنقول» [780] . وفي مكان آخر يطالب هذا الفيلسوف «أن نزيل عن الماضي كل ما نتوهّمه له من عصمة وكمال» [781] .

ولكن هذا الفكر لا يمكن له أن يترعرع إلاّ في جو كامل من الحرّية الفكريّة، ولا يمكن التعاطي معه إلاّ على مستوى الطبقة المثقّفة. ممّا يعني أنه لا يستطيع التأثير على الشعب. ولذلك فإنه من الضروري إستعمال منطق أقل جرحاً وحرجاً إذا ما أردنا أن نحمي أطفالنا على المدى القريب [782] . وكما يقول المثل العامّي: «لا تعطي الجوز للي ما عندو أسنان ولا المشط للأقرع». وليس كل الناس على مستوى واحد من الثقافة ووسع الصدر.

3) رفع المستوى التعليمي والتثقيفي والإجتماعي

يشير الأستاذ «بول كورييا» إلى أن هناك ثلاث خطوات في سياسة مكافحة ختان الإناث:

- خطوة تغيير العقليات: ويبدأ ذلك بإقناع المسنّين والسلطات التقليديّة والأخلاقيّة والسياسيّة على المستوى القروي والإقليمي. ويجب أن يؤدّي ذلك إلى حملة عامّة توكّل إلى جميع أصحاب المهن الطبّية على جميع المستويات.

- خطوة إستعمال وسائل الإعلام: وهذا يجب أن يتبع الخطوة الأولى. فالناس في إفريقيا يفضّلون أن يتم إعلامهم أوّلاً في محادثة تحت الشجر قَبل أن يتم نقل تلك المعلومات لهم من خلال وسائل الإعلام. لأن العكس يعطيهم الإنطباع أن القرار قد فرض عليهم من فوق.

- خطوة القرار الإداري والسياسي: وهذا يعني إتّخاذ سياسات وطنيّة لإلغاء ختان الإناث. وهذا يجب أن تسبقه دراسة دقيقة حول آثاره حتّى تتمكّن الحكومات من إتّخاذ الإجراءات لمكافحته. فيجب تفادي إتّخاذ قرار متسرّع لا يطبّق على أرض الواقع ويأتي بنتيجة عكسيّة.

ويضيف بأنه في موازاة هذه الخطّة الثلاثية يجب محاولة إعلام وإقناع وإشراك المولّدات والممرّضات وممارسي الطب التقليدي والعجائز «قطّاعات البظور» مبيّنين مضار هذه الممارسة، لأن مساعدة هذه الطبقة مُهمّة. وهو يرى أن المنظّمات الدوليّة مثل منظّمة الصحّة العالميّة واليونيسيف واليونيسكو والمنظّمات النسائيّة يمكنها أن تلعب دوراً مُهمّاً بسبب خبرتهن ومعرفتهن بما يجرى في الدول الأخرى، ولكن يجب أن يكون هذا الدور من خلال دعمهم لمواطني تلك الدول حتّى يكون أكثر فائدة وأكثر ملاءمة [783] .

وحملة التثقيف هذه للعامّة هي من المهمّات التي يمكن أن تقوم بها وسائل الإتّصال الجماهيريّة بصفتها أكثر الوسائل فعاليّة. ولكن حتّى تقوم هذه الأخيرة بدورها يجب ضمان حرّية الرأي والتعبير. وتشير الدكتورة سامية سليمان رزق أن مكافحة ختان الإناث يواجه صعوبة بسبب الصبغة الدينيّة التي تعطى لهذه العادة. وهو أمر يتطلّب من الإعلاميين إيضاح الموقف الديني من القضيّة بقدر كبير من الحذر واليقظة، باعتباره مدخلاً هامّاً يصعب بدونه على التوجيه الإعلامي أن يأتي بالنتائج المطلوبة [784] . وتقول إن الإعلاميين يراودهم القلق من نشاط دعاوى التكفير والتطرّف. وتذكر من بين المعوّقات التي تواجه العمل الإعلامي ضد ختان الإناث:

إنتشار الإتّجاهات المتطرّفة 18.4%

إنتشار الأمّية وبخاصّة بين النساء 17.8%

تشعّب الموضوع وتأصّله وحساسيّته للجمهور 17.1%

عدم التوافق في الرأي بين الجهات المعنيّة بالقضيّة 16%

إفتقار الجهات الرسميّة للرغبة الصادقة في المواجهة 15.7%

إفتقار الإعلاميين للمعلومات الخاصّة بالقضيّة 15% [785] .

وإذا ما أردنا أن يقوم الإعلام بتثقيف الناس، فعلى المثقّفين مدّهم بالمعلومات الضروريّة لذلك. فالإعلامي هو في كثير من الأحيان مجرّد ناقل للأخبار، وليس لديه الوقت للقيام بالبحث العلمي. وليس من العدل الإنتظار منه أن يكون عالم دين ونفس واجتماع وطب وقانون. ويجب أن لا نرمي بكل الحمل على رجل الإعلام، بل يجب تدريب هؤلاء المتخصّصين على طرق إيصال المعلومات كل في مكان عمله وللفئة التي ينضم إليها.

وإن كانت البرامج الإذاعيّة والمرئيّة هي جزء من وسائل الإعلام لمكافحة ختان الإناث، إلاّ أن هناك من يرفض اللجوء إليها في الغرب. تشير طبيبة سودانيّة تعمل في لندن بأنه ليس هناك أي معنى لعرض فيلم في التلفزيون عن ختان الإناث. فهذا لن يؤدّي إلاّ إلى إغلاق الأبواب إذا لم يصاحبه توضيح تاريخي واجتماعي وسياسي وعرفي. لا بل قد يُلاقى من قِبَل المجموعات المعنيّة بالرفض والغضب. فيجب أن لا نجعل الختان هو الأولويّة، بل يجب أن نضعه ضمن إطاره العام [786] .

وما دمنا في مجال وسائل الإعلام، فلا بد من ذكر شبكة الانترنيت التي دخلت في كثير من البيوت والمؤسّسات، وسمحت بتوصيل المعلومات بصورة سريعة وبأسعار زهيدة، واخترقت الحدود والرقابة. وهذا أمر مهم جدّاً بالنسبة للدول التي تحرّم حرّية الرأي في مجالات الدين وكل ما يتعلّق به. ومن المعروف أن رجال الدين كانوا قد منعوا سابقاً ترجمة النصوص الدينيّة حتّى لا تصل إلى من قد يستعملونها للإفلات من سلطتهم. ونشير هنا إلى أن الانترنيت يسهم في تبادل الرسائل والمعلومات، ويفتح المجال أمام النقاش بين مجموعات ذات مصالح مشتركة، ويتيح إمكانيّة الوصول إلى بنوك معلومات ووثائق. وقد إغتنم معارضو ومؤيّدو ختان الذكور والإناث هذه الوسيلة للدفاع عن آرائهم بكل حرّية. وهذا أمر بحد ذاته لا يقدّر بثمن مهما إختلفت الآراء. فمن الجدل ينبعث النور [787] .

وبالإضافة إلى التثقيف في مجال الختان، هناك من يرى أن رفع المستوى التعليمي للمجتمع يساعد على القضاء على هذه العادة أو على الأقل على تحويلها من «ختان فرعوني» إلى «ختان سُنّي» كمرحلة أولى لإلغائه. فتشير دراسة أن نسبة الفتيات المختونات أقل في العائلات المتعلّمة من العائلات غير المتعلّمة. ونفس الأمر فيما يخص نسبة الختان الفرعوني إلى الختان السُنّي. وبما أن النساء هن أكبر محافظ على عادة الختان، فإن تعليمهن سوف يساعد في إنخفاض نسبة الختان وتحويله من ختان فرعوني إلى ختان سُنّي. ويشار إلى أن نوع التعليم يلعب دوراً في ذلك. فالتعليم ذات الطابع الديني أقل تأثيراً على إنخفاض مستوى الختان من التعليم العلماني، وذلك بسبب تأييد رجال الدين للختان، أو بسبب تذبذب مواقفهم في هذا الموضوع. وهذا التغيير في نسبة ونوعيّة الختان بسبب التعليم لا يمكن أن يؤدّي نتائج فوريّة بل يتطلّب أجيال وأجيال. وهذا التغيير قد يحصل في الدول التي تعتبر الختان عادة محلّية فيها، على خلاف الدول التي لا يمارس فيها الختان إلاّ من قِبَل المهاجرين كما هو الأمر في بريطانيا أو فرنسا. ففي هذه الدول لم يتمكّن التعليم العام من إبعاد المهاجرين عن ختان فتياتهم لأنهم يعتبرون الختان هويّة ثقافيّة [788] .

وتبيّن من بحث ميداني في الصومال أن نسبة الختان الفرعوني تصل بين الأمّيات 84%، بينما تصل إلى 65.1% بين المتعلّمات الجامعيّات. وأن نسبة رفض ممارسة الختان الفرعوني على بنات المختونات يرتفع بين المتعلّمات [789] .

وتغيير ختان الإناث يتطلّب تغيير الوضع الإجتماعي للنساء حتّى يتمكّن من الحصول على إستقلالهن الإقتصادي عن الرجال، فيتمكّن بذلك أخذ قرار ذاتي غير مفروض عليهن. وقد رأينا هذا الموضوع في نقاشنا حول الختان والإقتصاد.

4) أساليب توصيل المعلومات للعامّة

هناك أسلوب للكلام والتعامل مع الغير مهما كان الموضوع. وإن كنّا نؤمن بأنه في النهاية «لا يصح إلاّ الصحيح»، إلاّ أن تبليغ الرسالة مرهون بالأسلوب المستعمل في توصيلها. وفن التكلّم والإقناع من الأمور التي يهتم بها كل صاحب رسالة. وحتّى الأنبياء كان عليهم الخضوع لقواعد الكلام. يقول القرآن الكريم: ««ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك» (آل عمران 159:3). والعرب تقول: «لكل مقام مقال». وفيما يخص الختان هناك من يتّخذ أسلوب الجد، وهناك من يعتمد على أسلوب الهزل والسخرية، كما هناك الأسلوب الأدبي والشعري والفنّي. والبعض لا يكتفي بذلك بل يضيف إليهما أسلوب العمل من خلال المظاهرات. ولنا هنا كلمة عن هذه الأساليب.

أ) أسلوب الجد

تشرح الدكتورة سهام عبد السلام طريقتها في مناقشة ختان الإناث مع الناس كعضو في مجموعة العمل المعنيّة بمناهضة ختان البنات في مصر.

بدأت الدكتورة سهام بالتثقيف الطبّي المباشر في محاضرات حول أنواع ختان الإناث ومخاطره يتبعها أسئلة. ولكن كان الناس لا يأخذون دوراً في هذه الحلقة. وقد تم إدخال عنصر المشاركة بعد ذلك. ولكن التركيز على الطب وحده لم يكن مفيداً لأن الناس يمارسون الختان على أساس أنه يحمي عفّة الفتاة وأن النساء قليلات عقل. وكان لا بد من شرح هذه النقطة من خلال توضيح عمل المخ وعلاقته بالجنس والفرق بين الرغبة الجنسيّة واللذّة الجنسيّة. فالعقل هو الذي يتحكّم في الرغبة الجنسيّة. وبعد شرح دور العقل يأتي شرح دور البظر كوسيلة للذّة. وللمحافظة على الطهارة يجب تطهير العقل وليس قطع الأعضاء الجنسيّة.

ولكن لا يكفي معرفة ما إذا كان الختان أمراً ضارّاً أم لا حتّى نتوقّف عنه. فالأطبّاء يعرفون مخاطر التدخين، ولكنّهم يدخّنون رغم ذلك. فالتصرّف مبني على خلفيّات ومصالح. ولذلك يجب طرح المشكلة الإجتماعيّة. فأضافت عنصر التاريخ الثقافي والإعتقاد القديم حول الجنس بالإستعانة بواقع رمي الجزء المقطوع في النيل، والإعتقاد أن الآلهة مذكّرة ومؤنّثة، وأن الختان لا يمارس في جميع الدول الإسلاميّة. وقد أضيف إلى هذا الأمر موضوع ما يرجى للفتيات. فكل عائلة تريد الصحّة، والزواج، والأمومة، والأخلاق، وخدمة المجتمع، والتعليم، والتغلّب على مصاعب الحياة. فيطرح هل يؤدّي ختان الإناث حقاً إلى تلبية هذه الإحتياجات.

ويأتي بعد ذلك موضوع لماذا هذه الحملة الآن، وهل هناك نوايا مبيّتة من الغرب. أليس مكافحة الختان هو برنامج غربي؟ ثم يطرح موضوع القانون. فالناس يعتقدون أن ختان الإناث جيّد ما دام أن القانون لا يمنعه. وبعد قرار المحكمة المصريّة الأخير تبيّن للناس بأن ختان الإناث ضار ومخالف للقانون. ولكنّهم في نفس الوقت لا يقبلون بالتبليغ عن الأطبّاء الذين يجرون هذه العمليّة.

ثم يأتي موضوع الدين وموضوع ختان الذكور. فهذا الختان أيضاً له مخاطره مثله مثل ختان الإناث. وكلاهما عادة إجتماعيّة يحث عليها الدين. ولكن سياسة المجموعة التي تناضل ضمنها الدكتورة سهام عبد السلام هي عدم دخول معركة ختان الذكور حتّى لا تعقّد الوضع، خاصّة أن لا حلفاء لها فيها. فليس هناك أيّة سلطة طبّية أو دينيّة في مصر ستساعد ضد ختان الذكور. وختان الإناث يقصد منه الوقاية من التهوّر الأخلاقي، وهذا ليس الأمر بخصوص ختان الذكور. ولذلك فإن ختان الإناث له عواقب أكبر يمكن نقدها إذ إنه يعتمد على إعتبار أن المرأة خفيفة بطبعها ولا يمكن الثقة فيها. وهذا يؤدّي إلى إبقاء المرأة في حالة دونيّة. ولكن الدكتورة سهام عبد السلام تقول بأنها على إستعداد لدعم أيّة حركة رجال يريدون مكافحة ختان الذكور، وأنها تعلم بأن ختان الذكور ضار، وأنها ستمد من يريد بالمعلومات الضروريّة لذلك. وهي لا تسكت لمن يروّج لختان الذكور أثناء مهاجمة ختان الإناث، بل ترد عليه وتواجه غضب من يغضبون بالمعلومات.

ورغم كل الشروحات، فإن الناس يعودون كل مرّة من جديد إلى موضوع عفّة المرأة، إذ إن هذا هو أساس المشكلة. وهنا لا بد من الإعتماد على من لا يقبلون بهذه المعطيات، ومن هن غير مختونات وتركوا بناتهن غير مختونات. فهؤلاء يقمن بالدفاع عن موقفهن أمام الغير.

وقد تم إدخال تحسين على المداخلات وذلك بتقسيم الحاضرين إلى مجموعات غير مختلطة من رجال ونساء، يسرد أفراد كل مجموعة تجاربهم. ثم تقدّم كل مجموعة خلاصة تجاربها للجميع. وهذه الحلقات تساعد في كسر الصمت وفي تبادل الخبرات [790] .

وتتساءل طبيبة علم نفس يهوديّة كيف يمكن إفهام الناس بالتخلّي عن الختان دون إستثارتهم. وتجيب بأن أوّل شيء يجب عمله هو إفهامهم أن من يجري عمليّة الختان هو دائماً ضحيّة. أمّا إذا قلت لهم أن ما يفعلونه أمر سيّئ فإنك لن تصل إلى نتيجة ولن تغيّر شيئاً لأنك وضعت نفسك في موقع المُتِّهِم. وإذا ما أردت الوصول إلى نتيجة، عليك أن تكون صبوراً وتستمع لهم. وعندها سوف يكون في إمكانهم الإستماع لك والإنفتاح نحو التغيير. ويجب أن تكون الرحمة خاصّة نحو الطفل أساس حركتنا المناهضة للختان. والخطر يكمن في إستبدال الرحمة بالغضب نحو من يمارس الختان جاعلين منه عدوّاً لنا. فهذا ينسينا أن الأهل كانوا يوماً ما ضحايا. وتضيف هذه الطبيبة بأن معارضي ختان الذكور يأخذون موقفاً شجاعاً بوضع أنفسهم في «حذاء» الطفل المتألّم وتبنّي قضيته. ولكن عليهم أيضاً أن يأخذوا موقفاً أكثر شجاعة، وهو أن يضعوا أنفسهم في «حذاء» من يجري الختان. عليهم أن ينظروا للأهل الذين تألّموا يوماً ما وهم الآن بدورهم أصبحوا يوقعون الألم بغيرهم. وهذا ما يفعله معالج المصابين بأمراض نفسيّة. وإن كان هذا هو الموقف مع من يريد أن يتغيّر، فما بال بالأحرى من لا يريد أن يتغيّر، ولم يأخذ أبداً بالإعتبار التغيير، والذي وقع في فخ دائرة العنف [791] .

وتقول «برفاتي بيكير»، وهي قابلة ومؤلّفة في مجال الصحّة، بأنها تلجأ إلى أسلوب البحث عن الجرح الموجود في أعماق الأهل. «فمن الجرح ينبع الدواء»، حسب تعبير إغريقي. فعندما تسأل الأم عمّا إذا كانت تبغي ختان إبنها، تجيب الأم عامّة بالإيجاب. وإذا ما تابعت الأسئلة يتبيّن لها أن الذي يريد الختان هو في الحقيقة الأب الذي يريد أن يجعل من إبنه شبيهاً له. حين ذاك تسأل: وإذا كان أنف إبنك مختلفاً عن أنفك، هل ستجري عمليّة جراحيّة لأنفه حتّى يشابه أنفك؟ وعندها يتبيّن للأب بأنه لا مصلحة له في الختان، ويتم تنمية نزعة الحماية الأبويّة نحو الإبن [792] . وأشارت في محاضرة أخرى بأنها تلجأ إلى أسلوب «التوليد» الذي كان سقراط أكبر روّاده. فالداية لا تولّد الطفل بل تنتظر ولادته. إنها تحاول الرد على سؤال بسؤال آخر حتّى يتمكّن الشخص الآخر إكتشاف مكنون نفسه. وهذه محاولة لإيقاظ الشخص ومعرفة خفاياه. وهكذا يتم خلق الثقة بين المتكلّم والمخاطب، والوصول إلى وحدة في الرأي. ويتم هكذا السير معاً في طريق واحد [793] .

وترى ناهد طوبيا أنه من الضروري تبنّي لغة ولهجة بعيدة عن الغضب والإنفعال، حتّى وإن كان هناك مبرّر للغضب والإنفعال. فالغضب والإنفعال غير مجديين في التعامل مع القضايا الإجتماعيّة. فهذه القضايا تتطلّب تفكيراً وليس خصاماً [794] .

هذا وترى السيّدة «لايتفوت كلاين» ضرورة إتّخاذ الطبيب موقف إحترام تجاه النساء المختونات وعدم إعتبارهن محل إستهجان. فعمليّة الختان لم تجرِ لأجل إحداث ألم، بل بمحبّة من قِبَل هذه المجموعات ولصالح النساء. فيجب فهم السبب الذي من أجله تمّت هذه العمليّة وعدم الحُكم على ذلك المجتمع بالقسوة والوحشيّة. وهذا هو الأسلوب لكي نتمكّن من التخلّص من هذه العادة [795] .

وتقول باحثة سويسريّة بأنه يجب فتح حوار مع من يمارس الختان والإبتعاد عن إستعمال كلمات جارحة للغير مثل «عادة همجيّة» أو غيرها من العبارات المذلّة، وذلك لخلق مناخ من التفاهم. فمثل هذه التعابير لا تخدم الهدف المنشود، أي الإقلاع عن ختان الإناث، إذ تضع الطرف الآخر في موضع المدافع. ولذلك فإنها تفضّل الحملات الإعلاميّة الوقائيّة بدلاً من الحملات الإعلاميّة التي تتّبعها فرنسا [796] .

ب) أسلوب الهزل والسخرية

إن كان من الضروري اللجوء إلى المنطق والتفكير الهادئ، إلاّ أنه يجب عدم تجاهل الفكاهة والكاريكاتير، فهما من وسائل العلاج الإجتماعي والنفسي التي لا ينكرها ذو عقل. لقد قال النبي العربي: «روّحوا القلب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت». وقد جاء في بعض كتب السيرة أنه كان يضحك حتّى تبدو نواجذه [797] . وبطبيعة الحال، مثل هذه الوسيلة لا بد من أن تثير ضغينة فقهاء النكد على إختلاف دياناتهم الذين لا يبتسمون حتّى للرغيف الساخن.

ونحن لا نود تكذيب المثل القائل «أمر مبكياتك ولا أمر مضحكاتك». فنحن مع الجد ولو أبكى. ولكنّنا نؤمن أيضاً بالمثل القائل: «شر البليّة ما يضحك». والختان هو بليّة حقاً إنبلت بها البشريّة منذ قديم الزمان. فلم يكتف الإنسان بأن يبدأ حياته بصرخة، فأضاف إليها صرخات الختان، معتبراً ذلك شرطاً لإرضاء الآلهة ودخول جنّات النعيم. حتّى أن بعضهم يسارع في ختان الميّت قَبل دفنه إن لم يكن مختوناً وكأن للسماء أبواباً لا تفتح إلاّ بذكر مختون رغم إعتقادهم أنهم ما إن يخرجوا من هذه الدنيا حتّى تعاد لهم غلفهم. وتصوّر تزاحم جموع المختونين عند ولوج باب السماء، كل منهم يبحث عن غلفته كالمصلّين يبحثون عن أحذيتهم عند الخروج من باب الجامع. فهم لن يذوقوا لذّات النعيم مع حور العين الموعودين بها في الآخرة إلاّ إذا إسترجعوا ما إعتبروه في حياتهم الأولى نجساً لا تصح به لا صلاة ولا حج ولا زواج. ألا تتّفق معي بأنه كان أحرى بهم ترك تلك الغلفة التي خلقها الله على حالها حتّى لا يفوِّتوا وقتاً في البحث عنها في الآخرة؟

وقد يكون فشل المنظّمات الدوليّة في إلغاء هذه العادة هو إهمالها الفكاهة في خططها. ولعّل ذلك بسبب الخوف من الإتّهام بالتهكّم على معتقدات الغير ومعاداة الساميّة. ولكن لا أحد يمكنه أن ينكر إن المساس بالختان هو مساس بالمعتقدات. وكما أنه من غير الممكن عمل عجّة دون كسر البيض، لا يمكن إلغاء الختان دون كسر للمعتقدات الدينيّة والطبّية والإجتماعيّة والنفسيّة والقانونيّة. ويكفيك أن تقرأ مقال الصحفي الساخر محمّد عفيفي «مرشد الحيران في عمليّة الختان» حتّى يتبيّن لك ذلك. وقد نشرنا هذا المقال في الملحق 21. وهو أجمل ما عثرنا عليه في هذا المجال [798] .

ولا أكون مبالغاً إن قلت أن نص محمّد عفيفي هو النص الوحيد الذي يجده القارئ في هذا الأسلوب التهكّمي الذي يجمع بين خفة الروح والسخرية والجد. وقد تصفّحت الكثير من الكتب التي كتبت في الختان والفكاهة والضحك بحثاً عن نكت وفكاهة بخصوص الختان. ولكن جهدي ضاع هباءً. إلاّ أنني وجدت بعض الكاريكاتير في هذا الخصوص في المجلاّت والصحف المصريّة. ولا عجب إن كانت هذه الكاريكاتير صادرة عن فنّانين مصريّين معارضين للختان إذ إن مؤيّديه، وهم ممّن يعتمدون على الدين في تأييدهم لمثل هذه العادة، ثقيلو الظل لا يهضمون خفة الروح ولو كانت لصالحهم.

والفكاهة أكثر فائدة من آلاف المحاضرات والكتب للوصول إلى إلغاء الختان. فالختان مصيبة مبنيّة على خرافات ولا يحتاج المرء إلاّ للقليل من الجهد للإقتناع بسخافتها. ولكن من أين له ذلك الجهد وقد أقفل الدين على عقله؟ وملاذ البشريّة هو في إيجاد العبارة السحرّية التي تفتِّح العقول كما فتح «علي بابا» مغارة الكنوز بعبارته السحرّية «إفتح يا سمسم».

ج) أسلوب الأدب والشعر والفن

رغم إننا نعيش عصر التخصّص، إلاّ أن الإنسان يبقى محكوماً في تصرّفاته بعناصر مختلفة منها العقل والشعور والدين. وإن كنّا كلنا نتوق إلى أن تكون تصرّفاتنا عقليّة ومنطقيّة، إلاّ أننا لا نسد آذاننا للمشاعر الإنسانيّة. فالبعض يتذوّق الشعر، ويهتز لسماعه، فيؤثّر في حياته. وهناك من يتأثّر بالنكتة وخفة الروح أكثر من الجدل الجاد المتعب. وهناك من يقتنع بمثل عامّي. ويرى معارضو ختان الذكور أن هناك حلقة مفقودة في معركة ختان الذكور ألا وهو الأدب والإحساس. ويشدّد أحد المحامين على أهمّية أن يعتمد الدفاع في قضيّة الختان على المعطيات العلميّة كما على المشاعر.

ونحن نؤكّد على أن للخطيب والشاعر والأديب وكاتب المسرحيات ومخرجي الأفلام والممثّلين دور يساوي، إن لم يكن يفوق، دور المتخصّصين في الدين والقانون والطب وغيرها من العلوم، لأنهم وسيلة للتوصيل، وهم الذين يعرفون كيف ومتى يمكن التأثير على قلوب الناس وعقولهم. ونشير هنا إلى أن المؤتمرات التي تنظّمها منظّمة مكافحة الختان تلجأ إلى هذه الوسائل وتنشر ضمن أعمالها قصائد شعريّة ضد الختان.

د) أسلوب الفعل

بالإضافة إلى الأساليب السابقة، هناك من لجأ إلى المظاهرات أمام المستشفيات والهيئات الطبّية. وقد شاركت في إحدى تلك المظاهرات عام 1994 في واشنطن، قام خلالها بعض المتظاهرين بحرق وثيقة ميلادهم التي سجّل عليها إسم الطبيب الذي ختنه. كما أحرقوا وثيقة حقوق الإنسان لأنها لم تتضمّن الحق في سلامة الجسد.

وقد بدأ معارضو ختان الذكور في أمريكا ما يسمّى «إقتحام المستشفيات»، بإقامة مظاهرات صاخبة أمامها تأييداً للممرّضات التي يتعرّضن للفصل بسبب رفضهن المشاركة في عمليّات الختان. وقد ذكرنا كيف أن أحد المعارضين قام بسرقة الآلة التي يتم الختان عليها كرد على سرقة قام بها المستشفى عليه قَبل 20 سنة عندما قطع غلفته [799] .

ويقول معارضو الختان أن الأفعال تتكلّم بصوت أعلى من الكلام، وإذا إجتمعا فتكون النتيجة أيضاً أكبر. فالذين أصيبوا في جسدهم يستطيعون أن يعبّروا عن آلامهم بصورة مؤثّرة أكبر من الكلام الأكاديمي البحت.

5) علاج الآثار النفسيّة للبتر الجماعي الثقافي

بالإضافة إلى الآثار الطبّية الضارّة، يترك ختان الذكور والإناث أثاراً إجتماعيّة ونفسيّة ضارّة تدوم مدى الحياة. ويرى معارضوه ضرورة الإهتمام بها من خلال الوسائل النفسيّة والتربويّة لمساعدة الشخص المختون والمجتمع وتفادي تكرار الختان. وعملهم هذا لا يختلف عن عمل طبيب النفس الذي يداوي من يقوم ببتر نفسه. ونحن نقدّم هنا ما عثرنا عليه في كتابات معارضي ختان الذكور. وهذا ينطبق على ختان الإناث أيضاً.

يقول عالم النفس «جولدمان» عن ختان الذكور أنه إذا ما عرف الشخص بأنه وقع ضحيّة الختان وأنه يعاني من أضراره النفسيّة والصحّية، عند ذلك سوف يأخذ ثلاثة مواقف: الانغلاق على الذات، أو البحث عمّن يستمع له، أو الثورة. وأفضل أسلوب للقضاء على الختان والشفاء من آثاره هو التعبير عنه لأنه يؤدّي إلى راحة نفسيّة ويساعد على إستعادة الثقة والإحساس بقوّة ذاتيّة. ولكن التعبير عن الختان ليس مقبولاً في المجتمع عامّة. لذلك قليلاً ما يبوح الشخص عن آلامه. وإذا ما إختار المرء التعبير عن مشاعره، فيجب أن يكون ضمن محيط يثق به. فليس كل مختص في مجال الطب النفسي منفتح على موضوع الختان بسبب حساسيّته. وبما أن الختان له صلة بالعلاقة الجنسيّة، فقد يكون من المهم أن يكون إنفتاح المختون مع شريك الحياة الجنسيّة. وإذا كان التعبير عن الشعور ضمن العائلة، فقد يكون مفيداً أن يقدّم معلومات كتابيّة للطرف الآخر حتّى يعي المشاكل التي تتعلّق بالختان. وإذا عبّر الأهل عن ندمهم لإجراء الختان، فإن ذلك سوف يخفّف من الغضب الذي يكنّه المختون نحوهم [800] .

والتعبير عن الشعور أمام رجل قد يؤدّي إلى تواجد رابطة بين الرجال. فكما أن الختان يخلق ترابط بين أفراد القبيلة، فإن رفض الختان يمكن أن يخلق ترابط مشابه. وكذلك من المهم التعبير عن الشعور أمام إمرأة بسبب رهافة حسّها وطبعها الودود. فهذا يفيد كل من المختون والمرأة على السواء. فيجب إعادة خلق ثقافة جديدة وروابط جديدة تحل محل الثقافة التي تبتر والروابط المبنيّة على البتر. والمغفرة أحد وسائل الشفاء النفسيّة وتهدف إلى إعادة الصلة والتراحم بين الناس. وهذا يتطلّب تعيين المسؤولين عن الختان وتحمّل المسؤوليّة عن الأخطاء. فلا يمكن تعليق المسؤوليّة بعنق الأطبّاء فقط، أو بعنق الأهل فقط. فالختان مشكلة إجتماعيّة يتحمّل مسؤوليّتها المجتمع ككل. فبدلاً من تحميل المسؤوليّة لطرف بعينه، يجب زيادة الوعي إجتماعيّاً للمساعدة في حلّها على المستوى الجماعي [801] .

وقد يؤدّي تطوّر الوعي حول الختان إلى وضع حواجز بين الرجال وأهلهم. فبموافقة الأهل أو دون موافقتهم تم إجراء الختان على طفلهم فحرموا هذا الطفل من حقّه في تقرير مصيره بإرادة مستقلّة. غير أن الأهل هم بدورهم ضحايا المحيط الثقافي وكثيراً ما يجهلون العمليّة، أو لا يُؤخذ رأيهم، وربّما أرادوا أن يتفادوا صراعاً مع أحد الطرفين (الأب أو الأم) أو الطبيب أو النظام. ويجب هنا العمل برقّة لمعرفة ما إذا كان يجب مواجهتهم وإشعارهم بذنبهم بشأن الختان. ففي بعض الحالات من المفضّل عدم تحميل الأهل المشقّة مجدّداً، وفي بعضها قد يكون حسناً وضع الأمر على المكشوف ومشاركتهم في عمليّة شفاء الشرخ بين الأهل وابنهم [802] .

وفي هذا المجال يجب أن لا يأخذ الشخص موقفاً حيادياً. لأن سكوته عن الختان يعني أن هناك أطفال آخرين سوف يختنون. فيجب أن يتحمّل الشخص ذاته مسؤوليّة الأمر فيكافح ضد الختان شخصياً حتّى يحد من هذه العادة. وإضافة إلى منع ختان الآخرين، يساعد إتّخاذ موقف ضد الختان في شفاء الذات. وهذا أيضاً يعطي شعوراً بالحرّية والثقة بالذات. وكما أن الخوف من التعبير يعدي الآخرين، فإن الشجاعة على التعبير لها أثر العدوى. فالخوف يؤدّي إلى الإحباط واليأس ليس فقط على المستوى الفردي بل الجماعي أيضاً. وبتغيير أنفسنا نساعد في تغيير الثقافة التي تحيط بنا والمجتمع الذي نعيش فيه [803] .

وهناك أسلوب لتخفيف العبء من خلال كتابة الرسائل للأهل والأطبّاء والمستشفيات الخ. ويمكن كتابة هذه الرسائل وتركها جانباً لقراءتها بعد حين. ويظهر حين ذاك أن الرسالة قد أدّت مفعولها على نفسيّة الشخص. ولكن قد يكون مفيداً إرسال بعضها كوسيلة لإحداث التغيير. وهناك اللجوء إلى وسائل أخرى مثل العمل، والغناء، والرقص، والموسيقى، والشعر، وتمثيل الأدوار، أو الإسترخاء، وإعادة تخيّل اللحظة. وهناك أيضاً طقوس يمكن المشاركة بها للشفاء [804] .

وفيما يخص ختان الإناث، تقول الدكتورة سهام عبد السلام بأنه ينبغي توفير الدعم الصحّي والنفسي والقانوني لمن تعرّضن للتشويه الجنسي ليعرفن أن المجتمع لا ينبذهن شخصياً بالدعوة إلى نبذ ذلك التشويه فيصبحن عاملاً مساعداً لجهود مناهضة الختان. ويمكن للأطبّاء مساندة هؤلاء النساء بقدر الإمكان بمعالجة ما يكون لديهن من مضاعفات أو عواقب عاجلة أو آجلة لعمليّة التشويه الجنسي، وأن يعرفهن بأن التشويه الجنسي هو المتسبّب فيها لا سيما لو كانت مشكلات توافق جنسي مع الزوج، لأن معرفتهن بهذا سيخفّف عنهن وطأة الإحساس بأنهن السبب في عدم التوافق الزوجي، وثانياً لأنه سيجعلهن يفكّرن في عدم تعريض بناتهن لهذه العواقب. ويمكن التخفيف من وطأة هذه المضاعفات بجلسات إرشاد للزوجين معاً أو إعطائهما معلومات عن المناطق الجنسيّة الثانويّة لدى المرأة، وتشجيعهما على التعاون للتغلّب على هذه الصعوبة. فلا يأس مع الحياة [805] .

هذا وعمليّة إكتشاف الذات ومحاولة شفائها بحد ذاتها ضروريّة إذا ما أردنا أن نتجنّب الدائرة المفرغة. فقد سبق وذكرنا أن الشخص الذي يتم إنتهاكه صغيراً، يقوم عامّة بانتهاك غيره كبيراً. ولكن حتّى لا تستمر هذه العمليّة إلى ما لا نهاية، يجب توعية الشخص الذي أنتهك ومساعدته لكي يتغلّب على مشاكله الذاتيّة. فإن كان من غير الممكن إرجاع المختون إلى حالته الطبيعيّة جسديّاً ونفسيّاً، فعلى الأقل يجب مساعدته حتّى لا يقوم بدوره بانتهاك غيره. وهذا هو الدور الهام لمعارضي الختان في توعية المجتمع أمام ظاهرة إنتهاك الأطفال. ونحن ننقل هنا للقارئ رأي عالمة النفس «اليس ميلير» المتخصّصة في هذا المجال.

تقول هذه العالمة بأن القاتل لم يكن ليقتل لو أنه إستطاع أن يتذكّر كيف أنتُهك في صغره ويعيش تلك اللحظة ويفكّر فيها. لذا يجب كسر القمقم الذي كبت فيه الإنسان تجربته في صغره، وإعادته لوعيه، حتّى يستطيع أن يتخلّص من رغبته في إعادة ما عاشه من ألم على غيره. ويجب في ذلك التخلّص من المبرّرات التي تردّد لصالح من قام بعمليّة الإنتهاك [806] .

فمثلاً يجب أن يعي المختون أنه تم بتر قضيبه والتغلّب على حرّيته والسيطرة عليه بحجّة الدين أو حجج أخرى، وأن هذه الحجج لا يمكن الإستناد عليها للتصرّف معه بهذا الأسلوب الوحشي. وهكذا يستطيع أن يفلت من الحلقة المفرغة فلا يقوم بدوره بختان إبنه. وتحمل العالمة «ميلير» على إستغلال الدين إستغلالاً سيّئا. فالدين يعلّمنا أن نحترم أهلنا ولذلك نحجم عن إتّهامهم بما يفعلونه معنا. لقد تعوّدنا أن ننظر إلى أعمال القسوة وكأنها أعمال حب. لقد وقعنا تحت تأثير تعاليم التوراة التي تقول: «من لا يستعمل عصاه يبغض إبنه والذي يحبّه يبادر إلى تأديبه» (الأمثال 24:13). ولا أمل في الخروج من المأزق إلاّ بالإعتراف بالحقيقة وهو أن الختان عمليّة بتر وحشيّة مهما كانت الأسباب الدينيّة والإجتماعيّة. وهذا أيضاً مهم للمشرّع نفسه، فهو لن يحرّك ساكناً قبل أن يعترف بأن الختان جريمة بحق المجتمع لها نتائجها الوخيمة [807] .

وترى هذه العالمة في ختان الإناث والذكور عمليّة إنتهاك أحيطت بالقدسيّة. وللتخلّص منها يجب كسر هذه القدسيّة التي تحيطها والإعتراف بأن هذا الفعل هو جريمة، أو حسب تعبيرها «أبشع جريمة تقترفها البشريّة» تم تكريسها ولا يوجد أي قانون يمنعها. وفي كل من ختان الذكور والإناث هناك شعور بأن ذلك لمصلحة الأطفال. وهذه العمليّة القاسيّة التي تتم على الصغير تقود هذا الأخير عندما يكبر إلى إجراء مماثل على الغير مع نفس التبريرات [808] . وتضيف بأن كل مجرم كان في بداية الأمر ضحيّة. وحتّى لا يكون كل ضحيّة مجرماً يجب توعيته وإشعاره بما وقع عليه في صغره. وفقط عندما يستطيع أن يحس ما أصابه يمكنه أن يرأف بالغير. ويجب في ذلك مصاحبته حتّى لا يقود نفسه وغيره إلى الهلاك [809] .

خاتمة الجدل الإجتماعي

قَبل الإنتقال إلى الجدل القانوني، نود أن نقدّم للقارئ مجملاً لما رأيناه في هذا القسم.

الختان هو أحد مظاهر بتر الذات الذي يجريه الفرد على ذاته تحت تأثير الدين والجنس والأمراض النفسيّة وعدوى المحيط. وقد يأخذ طابع الحيلة والصوريّة. وهذه الأسباب تتراكم على بعضها لتبرّر تصرّفات الفرد. ويحاول علماء النفس التصدّي لهذه الظاهرة بوسائلهم الخاصّة الوقائيّة والعلاجيّة حتّى لا تقود الفرد إلى تدمير نفسه. ولكن تتحوّل هذه الظاهرة من الفرد إلى الجماعة. وما يعتبره البعض عملاً شاذاً يصبح تدريجيّاً تصرّفاً ثقافياً وأحد أهم معالم تلك المجموعة، كما هو الأمر مع الختان. ونرى ذلك أيضاً في ظاهرة غرز الحلق والوشم وتخديش الجلد التي إنتشرت بصورة مقلقة في المجتمع الغربي. وليس هناك تفسير علمي مقنع لماذا يختار البعض نوعاً معيّن من البتر بينما يختار آخرون نوعاً آخر. فهذا الإختيار تتحكّم به العفويّة وقوّة شخصيّة البادئ بها والجاذبيّة التي تتمتّع بها الرموز التي تحيط بنوع من البتر. وربّما يكون ختان الذكور من أقوى ظواهر بتر الذات لأنه يرتبط بشخصيّة إبراهيم التي تقبل بها ثلاثة مجموعات دينيّة رئيسيّة في العالم، ويرتبط بالجنس الذي هو أقوى النزوات البشريّة، ويُبرّر بالدين الذي يعطي الفرد بعداً خيالياً وأملاً يخرجه عن واقعه الأليم. ويشار هنا إلى أن العفويّة تتدخّل أيضاً في إختيار الشعوب أنماطا كتابيّة مختلفة للتعبير عن أفكارها وصياغتها.

وإذا ما إنتقلت ظاهرة بتر الذات من فرد إلى مجموعة، فإنها تخضع لتأثيرات لا تختلف عن التأثيرات التي تقود الفرد إلى بتر ذاته. فهناك عدوى المحيط العائلي والإجتماعي والمهني والثقافي وعامل المخالفة، وتتدخّل عوامل شتّى في تثبيت وتبرير هذه الظاهرة مثل الدين، والنزوات الجنسيّة، والزواج، والنظام القَبلي، وغريزة التسلّط، والأوضاع الإقتصاديّة، والدوافع السياسيّة ذات الطابع الديني والعرقي والجنسي.

وإن كان الختان هو نتيجة أوضاع إجتماعيّة، فإنه أيضاً أحد العوامل المؤثّرة على الفرد، ومن ثم على علاقة الفرد بأهله وبمجتمعه. وهناك من يربط بين الختان وبين الآفات الإجتماعيّة مثل الإنتحار والسرقة والإغتصاب والعنف العائلي والجماعي. ولا يستبعد البعض أن يكون للختان علاقة بالحروب والنزاعات. فالختان يخلق صدمة عند الشخص تترك فيه مشاعر واعية وغير واعية تتحكّم في تصرّفاته، أبى أم رفض. وكما أن سلامة البيت وعدم سقوط سقفه يتبعان سلامة الطوب الذي بني فيه، فكذلك سلامة المجتمع هي رهينة سلامة أفراده. ومن هنا تأتي ضرورة التدخّل للقضاء على الختان في مجتمعاتنا حتّى تكون أكثر أماناً.

وقد ذكرنا في آخر الجزء الطبّي الوسائل العلاجيّة لآثار الختان الضارّة. وأمّا في آخر فصل في هذا الجزء، فقد عرضنا الوسائل التربويّة والنفسيّة لمعالجة حالات الختان بهدف الوقاية منه. وقد رأينا بأنه يجب، للوصول إلى هذا الهدف، دراسة الموضوع من جميع جوانبه لفهم آليته. وبعد ذلك يجب التحرّك على المستوى الديني والتعليمي والثقافي والإجتماعي. وذكرنا أساليب توصيل المعلومات للعامّة، ولكل أسلوب من هذه الأساليب أهمّيته. فهناك أسلوب الجد، وأسلوب الهزل والسخرية، وأسلوب الأدب والشعر، وأسلوب الفعل. وفي النهاية رأينا ضرورة مساعدة الشخص المتألّم على التغلّب على الآثار النفسيّة التي يتركها الختان حتّى لا تقوده إلى هدم نفسه وهدم المجتمع.

هذا ويشير البعض إلى أن المجتمع يسير نحو تبسيط النظم الطقسيّة والدينيّة والجماليّة [810] . ممّا قد يوحي أن الختان الذي إنتقل من نظام معقّد في المجتمعات البدائيّة إلى ختان مبسّط كما هو الأمر في المجتمعات الإسلاميّة والى ختان رمزي عند المعارضين اليهود الذين إستبدلوا قطع غلفة القضيب بقطع جزرة، هذا الختان هو في سبيله إلى الإنقراض. ولكن يلاحظ أيضاً أن بعض المجتمعات التي لم تمارس ختان الإناث في الماضي قد أخذت تمارسه اليوم وفي أشد صوره تحت تأثير العدوى الجماعيّة. وكذلك الأمر فيما يخص ختان الذكور. والمثال الوحيد المتوفّر لاختفاء عادة الختان هو ما حدث في قبيلة «سوازي» في إفريقيا الجنوبيّة حيث قرّر ملكها الإقلاع عنه عام 1875 [811]

ومهما يكن من أمر، فإن مستقبل الحملة الهادفة للقضاء على ختان الذكور والإناث مرهون بجهد كل واحد منّا، كل في مجال تخصّصه والمحيط الذي قد يؤثّر به عملاً بالحديث المشهور: «كلكم راع وكل مسؤول عن رعيّته». رب البيت عن عائلته. ورئيس القرية عن قريته. ورجل الدين عن أتباعه. والمعلّم عن تلامذته. والصديق عن أصدقائه. والمؤلّف والناشر عن قرّائه. لكل منهم دوره في هذا العالم الذي نسعى جميعاً لكي يكون جنّة لأطفالنا وليس جحيماً، نحيطهم بالمحبّة والحنان، وليس بالبتر والحرمان. وسوف نرى في الجزء القادم مسؤوليّة المشرّع الدولي والوطني ورجال القضاء والقانون في هذه الحملة وكيفيّة تحمّلهم هذه المسؤوليّة.


[1] Bettelheim, p. 10-11

[2] Favazza, p. 322

[3] Favazza, p. 234-345

[4] Favazza, p. 237-240

[5] Favazza, p. 261-264

[6] أنظر هذه النصوص في الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الخامس، رقم 2) حرف أ).

[7] Favazza, p. 279-280

[8] Erlich: La mutilation, p. 194

[9] Favazza, p. 115-117

[10] Favazza, p. 120-124

[11] Favazza, p. 195-219

[12] Favazza, p. 218 أنظر أيضاً Erlich: La mutilation, p. 187-188

[13] Bettelheim, p. 33-37

[14] Erlich: Les mutilations sexuelles, p. 67-69

[15] Favazza, p. 9-11

[16] Erlich: La mutilation, p. 210

[17] Favazza, p. 269-272

[18] Favazza, p. 272-273

[19] Favazza, p. 76-77

[20] Favazza, p. 73-75

[21] Favazza, p. 77-79, 240-260, 269

[22] Favazza, p. 273-274, 279

[23] Favazza, p. 281

[24] الزركلي: الأعلام، جزء 5، ص 199.

[25] آل نوري: الأمثال الدارجة في الكويت، ص 211-212.

[26] Erlich: La mutilation, p. 182-185

[27] Erlich: La mutilation, p. 182-185

[28] Erlich: La mutilation, p. 205

[29] Favazza, p. 282

[30] Favazza, p. 283-284

[31] كمال، ص 10.

[32] الرازي، ص 295-303.

[33] أنظر إبن خلدون: المقدّمة، ص 80-106 و417-419.

[34] إبن الجوزي: أحكام الحمقى، ص 28-29.

[35] Favazza, p. 292-293

[36] Favazza, p. 300-302

[37] Favazza, p. 294-298, 302

[38] Favazza, p. 308-309

[39] Favazza, p. 310-314

[40] Favazza, p. 316-319

[41] Favazza, p. 290

[42] Favazza, p. XI et XIX, 68-73

[43] Favazza, p. 223

[44] Favazza, p. 290-292

[45] Favazza, p. 293, 294

[46] أنظر في هذا الخصوص Favazza, p. 42-45; Erlich: La mutilation, p. 191-193

[47] Favazza, p. 27

[48] أنظر حول هذه المجموعة Jaffrey: Les derniers eunuques

[49] Favazza, p. 31-32

[50] Favazza, p. 12-13 . أنظر حول ظاهرة جلد الذات الجماعيّة عند المسيحيّين Erlich: La mutilation, p. 195-197

[51] Favazza, p. 186

[52] Wallerstein: Circumcision and anti-semitism

[53] Bloch, p. 48

[54] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 13-14

[55] البخاري، حديث 7054.

[56] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 64

[57] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 64-65

[58] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 43

[59] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 66-70

[60] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 44-45

[61] Goldman: The psychological impact, p. 96

[62] Ritter, without pagination

[63] Ritter, p. 19-1

[64] Pang; Kim; Kim: Male circumcision in South Korea, p. 69, 79

[65] عبد الهادي؛ عبد السلام: موقف الأطبّاء، ص 13، 66-67.

[66] Sanderson, p. 54

[67] Serhane, p. 151-152

[68] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 194-196

[69] Lightfoot-Klein: Prisoners of ritual, p. 24, 66

[70] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 152; Iaria; Scalise, p. 22

[71] عبد الفتّاح: الأضرار النفسيّة، ص 68-69.

[72] Nadel: The Nuba, p. 487

[73] Hicks, p. 18

[74] Miller, p. 26

[75] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 122-123

[76] أنظر مثل هذه اللائحة في Ritter, p. 21-2; Goldman: The psychological impact, p. 97-98

[77] Kalthegener; Ruby: Zara Yacoub, p. 89

[78] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 81

[79] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 42

[80] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 42-43

[81] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 70

[82] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 191-192

[83] Denniston: Tyranny, p. 234

[84] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 77

[85] El-Saadawi: The hidden face of Eve, p. 37

[86] Hecht: The cutting edge

[87] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 80-81 أنظر كذلك مقال Van Howe: Peer-Review bias

[88] Spock: Circumcision, it is not necessary, quoted by Boyd, p. 54

[89] Montagu: Mutilated humanity

[90] Montagu: Foreword, in Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. XIII . أنظر أيضاً مقدّمته لكتاب Ritter

[91] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الخامس، رقم 2) حرف أ).

[92] Erlich: La mutilation, p. 44

[93] Favazza, p. 86-87

[94] إبن خلدون: المقدّمة، ص 129-130.

[95] أنظر الجزء الثاني، القسم الأول، الفصل الرابع، الفرع الأول رقم 2) حرف أ).

[96] النص العربي في Burmeste, p. 113-114

[97] Rachewiltz, p. 164-169 . حول أكل اللحوم في التوراة أنظر 2 ملوك 26:6-29؛ تثنية 53:28-57؛ أرميا 9:19.

[98] Bruce, tome 8, p. 149-150, 164-166

[99] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثالث، رقم 3).

[100] Bodily integrity for both, p. 16

[101] أنظر النص في الانترنيت www.haverford.edu/relg/sells/reports/4thB.html

[102] Hicks, p. 27-28

[103] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 15

[104] عبد الهادي؛ عبد السلام: موقف الأطبّاء، ص 12، 55.

[105] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 50

[106] Kim, p. 28-33; Pang; Kim; Kim: Male circumcision in South Korea

[107] www.circlist.org/critesitaly.html

[108] www.circlist.org/critesgermany.html

[109] أنظر على الانترنيت في http://www.circlist.org/critesgermany.html

[110] Aldeeb: Mariages, p. 28-29 et 36

[111] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 45

[112] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثاني، الفرع الأوّل، الرقم 2).

[113] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، رقم 1) حرف هـ).

[114] Spock: Circumcision, it is not necessary, quoted by Boyd, p. 54

[115] أنظر بخصوص هذا التفسير Glick: Jewish circumcision: an enigma in historical perspective, p. 19-54

[116] مسند إبن حنبل، حديث 5114.

[117] اللويحق، ص 45.

[118] اللويحق، ص 29.

[119] اللويحق، ص 31.

[120] اللويحق، ص 126-127.

[121] إبن قيّم الجوزيّة، الملحق 1 في آخر الكتاب.

[122] محمود: حكم الإسلام، ص 14.

[123] أنظر الملحق 24 في آخر الكتاب.

[124] Sanderson, p. 45-46

[125] Ismail, p. 63

[126] Favazza, p. 23-25; Erlich: Les mutilations sexuelles, p. 11-19; Erlich: La mutilation, p. 25-36

[127] Vergiat, p. 69 et sv.; Rachewiltz, p. 182-183; Ombolo, p. 104

[128] أنظر النص في الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الأوّل، رقم 2).

[129] Catechismo, par. 1150

[130] Catechismo, par. 2297

[131] مقدّمة كتاب Ritter

[132] Goldman: The psychological impact, p. 98

[133] الرازي، ص 105-106.

[134] Lanval, p. 71-77

[135] أسعد: الأصل الأسطوري، ص 38-39.

[136] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الثاني، الفرع الأوّل، رقم 4).

[137] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الرابع، الفرع الثاني، رقم 1) والجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الخامس، رقم 3).

[138] Romberg: Circumcision, p. 2-3

[139] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الخامس.

[140] Sanderson, p. 57

[141] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 48-49

[142] Hicks, p. 28

[143] Lanval, p. 68

[144] Rachewiltz, p. 13-17

[145] Augustin: La Cité de Dieu, VII, 24

[146] Erlich: La mutilation, p. 49

[147] Rachewiltz, p. 251-270

[148] أنظر مثلاً تثنية الإشتراع 13:22-21.

[149] Zwang: Motivations for modifications, p. 203-207

[150] أنظر مثلاً الأحزاب 59:33.

[151] النفزاوي، ص 71.

[152] النفزاوي، ص 127.

[153] Ayalon, p. 68-69

[154] أنظر built of chastity

[155] Caufeynon, p. 9

[156] Celsus: De Medicina, VII, 25, 3 . أنظر أيضاً Dingwall: Male infibulation, p. 3-4

[157] Dingwall: Male infibulation, p. 31-32

[158] Juvénal: Satires, VI, 73

[159] أنظر Dingwall: Male infibulation, p. 6, 17, 21-22, 26; Caufeynon, p. 9-10

[160] Martial: Epigrammes, XIV, 215

[161] Dingwall: Male infibulation, p. 33, 49

[162] Dingwall: Male infibulation, p. 49-51, 54-56

[163] Caufeynon, p. 58-61

[164] Dingwall: Male infibulation, p. 57

[165] أنظر http://public.diversity.org.uk/deviant/fsprmprc.htm; http://www.tpe.com/~altarboy/dorisd.htm

[166] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الخامس

[167] Homer: The Odyssey, VIII, 266-36.

[168] Caufeynon, p. 3; Storia della cintura, p. 40

[169] Lorenzoni, p. 23-26; Dingwall: The girdle of chastity, p. 14

[170] Storia della cintura, p. 44-46

[171] Voltaire: Oeuvres complètes, vol. IX, p. 566-568

[172] Caufeynon, p. XVIII

[173] Dingwall: The girdle of chastity, p. 48-70, 129-159

[174] Storia della cintura, p. 49-53

[175] Caufeynon, p. 37-74

[176] Dingwall: The girdle of chastity, p. 117-118

[177] أنظر كتاب Lorenzoni, p. 31-41, 56; Caufeynon, p. 75-76 وقد رفض هذه النظريّة Dingwall: The girdle of chastity, p. 89

[178] Caufeynon, p. 56-57

[179] شوكت: الغشاء وأحلام العذارى، ص 12 و28 و69.

[180] شوكت: الغشاء وأحلام العذارى، ص 129.

[181] www.tpe.com/~altarboy/not80531.htm; www.tpe.com/~altarboy/not80605.htm

[182] www.tpe.com/~altarboy/ceint-fr.htm

[183] www.tpe.com/~altarboy/not90203.htm

[184] Dingwall: Male infibulation, p. 59

[185] Storia della cintura, p. 30-31 أنظر أيضاً Caufeynon, p. 56

[186] Caufeynon, p. 7

[187] Jousseaume, Tome II, p. 41, 413, 512

[188] Réveil de Djibouti, 7 juin 1979, cité par Ossoukine, p. 62

[189] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 10

[190] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 14, 154

[191] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 178

[192] Hicks, p. 106

[193] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 13, 157-158

[194] Jousseaume, Tome II, p. 513

[195] Sanderson, p. 51

[196] سالم: رأي، ص 81؛ أنظر أيضاً الجمل: نهاية البيان، ص 49؛ السيّد، مقدّمة كتاب إبن عساكر: تبيين الإمتنان، ص 12.

[197] الغوّابي، ص 57.

[198] رمضان، ص 61-62.

[199] السكّري، ص 36.

[200] السكّري، ص 36.

[201] إبن الحاج: المدخل، جزء 2، ص 296.

[202] الغوّابي، ص 61.

[203] العدوي، ص 97. أنظر أيضاً رأي الدكتور منير محمّد فوزي ضمن كتاب سليم: دليل الحيران، ص 34

[204] رمضان، ص 50.

[205] عبد السلام: التشويه، ص 22.

[206] سالم،: رأي، ص 81.

[207] رمضان، ص 49. أنظر أيضاً عبد السلام؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 64-65؛ الفنجري، ص 27.

[208] الملحق 6 في آخر الكتاب.

[209] رمضان، ص 48-49. أنظر أيضاً رد العوّا في الملحق 12 في آخر الكتاب.

[210] الجمل: نهاية البيان، ص 51-52.

[211] رمضان، ص 49-50.

[212] رمضان، ص 53.

[213] الجمل: نهاية البيان، ص 52-53.

[214] عبد السلام؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 64-65.

[215] جريدة الشعب، 18/11/1994، ضمن كتاب رمضان، ص 78-79.

[216] رمضان، ص 52.

[217] الحديدي، ص 70؛ الممارسات التقليديّة، ص 23؛ عبد السلام: التشويه، ص 23. أنظر أيضاً ما قلناه في الجزء الثالث، الفصل الخامس، رقم 5) حول تأثير الختان على الزواج.

[218] السكّري ص 38.

[219] Meinardus, p. 321-322 ؛ أسعد: الأصل الأسطوري، ص 73-74.

[220] Ombolo, p. 105-106

[221] Ombolo, p. 146-148

[222] Rachewiltz, p. 170-181, 212; Erlich: La mutilation, p. 232; Ombolo, p. 63, 76 et 94-95

[223] Touré, p. 24

[224] Serhane, p. 144

[225] Serhane, p. 140-141

[226] رزق، ص 21.

[227] جريدة الشعب 18/11/1994، في رمضان، ص 80-81.

[228] أسعد: الخلفيّة التاريخيّة، ص 78.

[229] عبد السلام: التشويه، ص 21؛ وكذلك Abd-el-Salam: Female sexuality, p. 75

[230] Badinter: XY de l'identité masculine

[231] Zwang: Functional and erotic consequences, p. 75; Zwang: Histoire des peines de sexe, p. 118-119

[232] Rachewiltz, p. 127-130

[233] Gross: Girls seek beauty under knife

[234] النفزاوي، ص 163.

[235] Vatsyayana: Kamasutra, p. 172-174

[236] Dingwall: Male infibulation, p. 94-95, 101

[237] Erlich: Les mutilations sexuelles, p. 41-43; Favazza, p. 115-117

[238] Lantier, p. 213, 264

[239] Dingwall: Male infibulation, p. 98-99

[240] Ritter, p. 5-5

[241] Szene Hamburg, 8/96 InfoCirc, Kennwort SH, Postfach 100405, D-46524 Dinslaken

[242] Steinberg, p. 193-194, 214-219

[243] Bigelow, p. 113 أنظر أيضاً Doiteau

[244] Rachewiltz, p. 120-124, 152

[245] Bettelheim, p. 175

[246] Erlich: Les mutilations sexuelles, p. 20-22 . أنظر أيضاً Ombolo, p. 55-59, 101-102

[247] Lantier, p. 264

[248] Rachewiltz, p. 211-212

[249] Azomahou; Madeleine, p. 196

[250] Odundan; Onadeka, p. 105

[251] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الثالث، رقم 2).

[252] Bruce, tome 8, p. 164-166

[253] إبن الحاج: المدخل، جزء 2، ص 296.

[254] Rachewiltz, p. 120-124

[255] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 40 . أنظر أيضاً Davis, p. 154-155; Hosken: The Hosken Report, p. 78; Zwang: Histoire des peines de sexe, p. 119

[256] Albucasis, p. 457

[257] التجاني، ص 330.

[258] التجاني، ص 333.

[259] أنظر الملحق 7 في آخر الكتاب.

[260] الشعب، 30/9/1994، ضمن كتاب سليم: دليل الحيران، ص 39.

[261] عويس، ص 13. أنظر أيضاً رمضان، ص 54؛ عبد السلام؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 61-62.

[262] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 179-182

[263] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 103 . أنظر أيضاً في السودان Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 99-101; Sanderson, p. 49

[264] Serhane, p. 164

[265] Koso-Thomas: The circumcision, p. 10

[266] Pang; Kim; Kim: Male circumcision in South Korea, p. 78

[267] أنظر الجزء الأوّل، الفصل الأوّل، رقم 2) والجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثامن، رقم 1) حرف أ).

[268] Tangwa, p. 187

[269] Maertens, p. 12-31

[270] Jousseaume, Tome II, p. 65

[271] Bulletin (du Comité inter-africain), no 12, juin 1992, p. 9

[272] Crowley; Kesner, p. 318

[273] Philon: Questiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 107

[274] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثاني، الفرع الثاني، رقم 5).

[275] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل السابع، رقم 5).

[276] Serhane, p. 149-150

[277] بوحديبة، ص 241.

[278] بوحديبة، ص 250-252.

[279] أنظر جريدة «الخبر» الجزائريّة، 23/8/1999.

[280] Lefeuvre, p. 69

[281] Lantier, p. 271-272

[282] Female genital mutilation, an overview, p. 2

[283] Odundan; Onadeka, p. 103

[284] Rapport du séminaire sur les pratiques traditionnelles, Dakar, 1984, p. 221

[285] Ombolo, p. 70

[286] أنظر محتوى هذه البرديّة في الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الخامس، رقم 1).

[287] عبد الهادي: كفاح قرية، ص 60.

[288] Baasher, p. 78-79

[289] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 9

[290] Dirie, p. 321

[291] Beck-Karrer: Refugee women, p. 63

[292] Bettelheim, p. 115

[293] Bettelheim, p. 97-106

[294] The Book of the dead, plate VIII, chap. XVII, par. 60, p. 35-36

[295] Rachewiltz, p. 31

[296] Rachewiltz, p. 37-39

[297] Philon: De specialibus legibus, I-II, p. 17; Philon: Questiones et solutiones in Genesim, III-VI, p. 109-111

[298] Soubhy, p. 128-129

[299] Rachewiltz, p. 200

[300] Hidiroglou, p. 77-78, 83 . أنظر حول كرسي إيليّا الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، رقم 2) حرف د).

[301] Serhane, p. 149

[302] Bloch, p. 80, 139

[303] Ombolo, p. 105

[304] Ombolo, p. 84

[305] Giorgis, p. 21-23; Koso-Thomas: The circumcision, p. 7; Hosken: The Hosken Report, p. 327

[306] Thiam, p. 101-102

[307] Koso-Thomas: The circumcision, p. 9

[308] Abd-el-Salam: Female sexuality, p. 73, 76-77; 88-89

[309] أسعد: الأصل الأسطوري، ص 38-39.

[310] عبد السلام؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 65-66.

[311] Ombolo, p. 102

[312] Rachewiltz, p. 24-25

[313] Sanderson, p. 48

[314] Ombolo, p. 50, 71

[315] Jousseaume, Tome II, p. 33-34, 496-497

[316] Jousseaume, Tome II, p. 425

[317] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 28

[318] Hicks, p. 26-27

[319] Giorgis, p. 21; Onadeka, p. 105

[320] الفنجري، ص 17-18.

[321] Cook, p. 62

[322] Hicks, p. 107-121

[323] Erodote: Le storie, Libro 2, paragraphe 113

[324] Goodman: Jewish circumcision, p. 26; Goldman: The psychological impact, p. 98

[325] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل السابع، رقم 3) والفصل الثامن، الرقم 1) حرف هـ).

[326] El Hassani, p. 60-66

[327] Serhane, p. 140

[328] Koso-Thomas: The circumcision, p. 8, 10

[329] أنظر النص في الملحق 25 في آخر الكتاب.

[330] Zajde, p. 61

[331] Touré, p. 23-23

[332] Erlich: La mutilation, p. 217

[333] Thiam, p. 107-108

[334] Bloch, p. 50-51, 52, 54, 55, 59, 61, 65, 79

[335] Bloch, p. 114, 117, 118

[336] Bloch, p. 149-151

[337] أنظر أيضاً البقرة 173:2؛ المائدة 3:5؛ النحل 115:16.

[338] أنظر أشعيا 3:66؛ 1 المكابيين 47:1

[339] أنظر Pig, in Encyclopaedia judaica و Verroust, p. 49-50

[340] إبن جزي: قوانين الأحكام الشرعيّة، ص 214.

[341] أنظر الملحق 1 في آخر الكتاب.

[342] أنظر الملحق 18 في آخر الكتاب.

[343] العبّودي: الختان في الإمارات، ص 68.

[344] Baasher, p. 76-77

[345] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 137

[346] Ombolo, p. 106

[347] Corréa: L'excision, p. 60-61 . أنظر أيضاً Sanderson, p. 49

[348] Bulletin (du Comité inter-africain), no 14, juillet 1993, p. 9-10

[349] Tractenberg, p. 213

[350] أنظر القضاة 7:3؛ 1 ملوك 13:15؛ 2 ملوك 7:21؛ 4:23؛ 7:23؛ 2 أخبار 2:14؛ 16:15؛ 6:17؛ 3:19؛ أشعيا 9:27.

[351] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، رقم 3) حرف أ).

[352] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، رقم 3) حرف ج).

[353] Rachewiltz, p. 183-211; Ombolo, p. 70-78

[354] أنظر بخصوص طقس التدريب Bulletin (du Comité inter-africain), no 11, déc. 1991, p. 9; Rachewiltz, p. 211-222; Ombolo, p. 61-66; Touré, p. 21-22

[355] Groult, préface du livre de Thiam, p. III

[356] Kenyatta, p. 99-110

[357] Koso-Thomas: The circumcision, p. 23

[358] Bulletin (du Comité inter-africain), no 24, déc. 1998, p. 8-9

[359] Kenyatta, p. 85-86

[360] Kenyatta, p. 92

[361] Kenyatta, p. 91

[362] Kenyatta, p. 98-99

[363] Kenyatta, p. 138-142

[364] Kenyatta, p. 98

[365] Kenyatta, p. 203-204

[366] Favazza, p. XI et XIX, 22

[367] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الخامس، رقم 2) حرف أ).

[368] Favazza, p. 227-230

[369] Favazza, p. 81

[370] Favazza, p. 30

[371] Favazza, p. 222-223; 230-231

[372] Favazza, p. 88-90

[373] Favazza, p. 91-92

[374] Favazza, p. 226-227

[375] Ombolo, p. 173 . أنظر أيضاً Sylla, p. 327-328

[376] Sophocle, p. 37

[377] Freud: L'homme Moïse, p. 223-224

[378] أنظر حول نظريّة فرويد ونقدها Toualbi, p. 53-73; Bettelheim, p. 43-69; Green, p. 215

[379] Freud: L'homme Moïse, p. 92-98

[380] Toualbi, p. 64-65

[381] Serhane, p. 142-142

[382] Hicks, p. 106

[383] Maertens, p. 111

[384] السعداوي: حقائق الطب الجديدة.

[385] الأحبار 30:27؛ العدد 21:18.

[386] العدد 11:3-13، 44-50؛ 16:8-18؛ 16:18.

[387] Jousseaume, Tome II, p. 59-60 أنظر حول إستعمال الصوّان الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، الرقم 3) حرف ب).

[388] Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 447

[389] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 61-63 أنظر حول مؤامرة الصمت التي تحيط بالختان Niswander, p. 5

[390] Platon: Le banquet, 189 d - 193 d

[391] Bettelheim, p. 109-110, 116-119

[392] Bettelheim, p. 121-131

[393] Bettelheim, p. 175

[394] Bettelheim, p. 35-37

[395] Bettelheim, p. 180-181

[396] Pouillon, p. 245

[397] Bettelheim, p. 188

[398] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 8, 9

[399] Vatsyayana: Kamasutra, p. 129-130

[400] أنظر في هذا المعنى السعداوي: المرأة والصراع النفسي، ص 73؛ El-Saadawi: The hidden face of Eve, p. 40-41

[401] الفنجري، ص 28-29؛ أنظر في نفس المعنى رزق، ص 14.

[402] عبد الفتّاح، ص 68-69.

[403] Corréa, p. 66-67

[404] عبد الهادي؛ عبد السلام: موقف الأطبّاء، ص 76-78.

[405] عبد الهادي؛ عبد السلام: موقف الأطبّاء، ص 83-85.

[406] E/CN.4/1986/42, annexe I, p. 2

[407] المقريزي، جزء 1، ص 547.

[408] Ombolo, p. 64, 107

[409] Jousseaume, Tome II, p. 463

[410] Sanderson, p. 58-59

[411] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 151-152

[412] عبد السلام: التشويه، ص 24-25.

[413] عبد السلام: التشويه، ص 25.

[414] Sidibe, p. 70 et 71; Kilanowski, p. 166

[415] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 72

[416] أبو السعود، ص 108-109.

[417] Hicks, p. 84-86

[418] رزق، ص 26.

[419] عبد الفتّاح، ص 66. أنظر أيضاً رزق، ص 24.

[420] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 127-129 أنظر أيضاً ص 148-149.

[421] Abd-el-Salam: Female sexuality, p. 91

[422] عبد السلام؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 59.

[423] عبد الهادي: كفاح قرية مصريّة، ص 9، 65، 70-71.

[424] Sorrells, p. 332-333; Romberg: circumcision, p. 100-104, 114-116

[425] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 60

[426] أنظر في هذا المجال المداخلات الثلاث التي تضمّنها الفصل الثامن من كتاب المؤتمر Denniston; Hodges; Milos: Male and female circumcision, p. 357-409

[427] Fleiss: An analysis, p. 397-398

[428] Burrington

[429] Hodges: A short history, p. 27

[430] Sorrells, p. 333

[431] Romberg: Circumcision, p. 179-184

[432] www.circlist.org/critesitaly.html

[433] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 50

[434] Feldman, p. 158

[435] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثامن، رقم 1) حرف ب).

[436] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 13, 24, 152

[437] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 13, 127, 133

[438] Romberg: Circumcision, p. 179-184

[439] Josephus: Jewish antiquities, XI (vol. VI), par. 285, p. 451

[440] Hieronymus: Comment. in epistolam ad Galatas, 6:12, vol. 26, col. 464

[441] Erlich: La mutilation, p. 180-182

[442] Erlich: La mutilation, p. 182-185

[443] www.circlist.org/critesgermany.html

[444] Vatsyayana: Kamasutra, p. 50

[445] Vatsyayana: Kamasutra, p. 54

[446] Vatsyayana: Kamasutra, p. 61

[447] Favazza, p. 9-11; Erlich: La mutilation, p. 197-199

[448] أنظر حول ظاهرة مص الدم: Favazza, p. 7-8; Erlich: La mutilation, p. 199-201

[449] Romberg: Circumcision, p. 108

[450] Serhane, p. 144-146

[451] Serhane, p. 44-47

[452] Romberg: Circumcision, p. 94

[453] Goodman: Open letter, p. 8

[454] Lightfoot-Klein; Chase; Hammond; Goldman, p. 451-452

[455] السكّري، ص 12-11.

[456] السعداوي: المرأة والصراع النفسي، ص 73-74.

[457] E/CN.4/Sub.2/1995/6, 20 July 1995, par. 34

[458] DeMeo: The geography, p. 10-11; DeMeo: Saharasia, p. 4-8, 88-89

[459] إبن خلدون: المقدّمة، ص 72-80 و106.

[460] Hicks, p. 5, 33-58

[461] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 28

[462] Giorgis, p. 2-7

[463] Hodges: A short history, p. 17-18

[464] Romberg: Bris Milah, p. 90-91, 172

[465] Hosken: The Hosken Report, p. 83

[466] Rapport de la conférence régionale sur les pratiques traditionnelles, Addis Abeba, 1990, p. 266

[467] Gordon; Dunsmuir, p. 9

[468] Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 427

[469] Wesch, p. 93-95

[470] Denniston; Hodges; Milos: Male and female circumcision, preface p. VII

[471] Romberg: Circumcision, p. 111, 133

[472] Ritter, p. 27-1

[473] Ritter, p. 29-1

[474] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 45

[475] NOCIRC Annual Report, Spring 1999, vol. 13, p. 8

[476] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 44-45

[477] Romberg: Circumcision, p. 112

[478] Giorgis, p. 19

[479] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 49-50

[480] Sanderson, p. 72-73

[481] Giorgis, p. 19-20

[482] عبد السلام: ختان الإناث، ص 27. أنظر أيضاً رمضان، ص 43.

[483] Rapport de la conférence régionale sur les pratiques traditionnelles, Addis Abeba, 1990, p. 203

[484] Ras-Work: Female genital mutilation, p. 149-150

[485] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 45

[486] Hosken: The Hosken Report, p. 304

[487] Hosken: The Hosken Report, p. 309

[488] Hosken: The Hosken Report, p. 51

[489] E/CN.4/Sub.2/1997/10, 25 June 1997, par. 12

[490] Bullough, p. 549, 561-562

[491] Dingwall: Male infibulation, p. 57

[492] Hodges: A short history, p. 30

[493] Rathmann: Female circumcision

[494] Erlich: La mutilation, p. 97

[495] Cohen: Everyman's Talmud, p. 381

[496] Financial Times, 12 February 1996, p. 20

[497] Hodges: A short history, p. 35 ;. ونذكر بين هذه الشركات: Advanced Tissue Science- BioSerface Technology - Novartis - Organogenesis

[498] The Boston Globe, 19 October 1992

[499] Chuff@prodigy.com, 27 October 1996

[500] Denniston; Hodges; Milos: Male and female circumcision, preface p. VII-VIII and footnotes 3 and 5, p. VIII

[501] Fleiss: Where is my foreskin?

[502] أنظر حول إستعمال الغلفة عدّة مقالات في Erickson: Foreskins for sale وكذلك مقال Sunday Times بتاريخ 6 يونيو 1999.

[503] الرستاقي: منهج الطالبين، مجلّد 1، ص 436.

[504] النووي، المجموع، جـ 1، ص 305-306.

[505] الأنصاري: شرح المنهج، جـ 5، ص 175.

[506] Loir, p. 58

[507] Hidiroglou, p. 29

[508] Hidiroglou, p. 56-58

[509] Romberg: Bris Milah, p. 40-41

[510] Glass, p. 20

[511] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 61

[512] DeMeo: Saharasia, p. 129-132

[513] Fletcher, p. 266-267

[514] رسالة بتاريخ 23 مارس 1994 كتبتها شركة تأمين Group Health Cooperative of Madison, Wisconsin

[515] رسالة بتاريخ 21 سبتمبر 1994 كتبتها شركة تأمين Blue Cross Blue Shield of Utah

[516] Romberg: Circumcision, p. 113-114

[517] Ritter, p. 36-2

[518] Burger; Guthrie: Why circumcision?; Fleiss: An analysis of bias regarding circumcision, p. 383

[519] Gairdner: The fate of the foreskin Warren: Norm UK, p. 85-86; Van Howe: Why does neonata; circumcision persist, p. 111; Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 28-31

[520] مقابلة في أغسطس 1998.

[521] إتّصال هاتفي مع المحامية Linda Weil-Curiel في باريس في 1/6/1999.

[522] حسب قرار المحقّق في الشكاوي «الأمبودسمان» في مجال التأمينات بتاريخ 24 فبراير 1999.

[523] E/CN.4/sub.2/1991/48, 12 juin 1991, paragraphe 35

[524] Dirie, p. 89

[525] Hosken: The Hosken Report, p. 35

[526] Sanderson, p. 68

[527] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثالث، الرقم 6).

[528] Funani, p. IV-V, 53

[529] عبد السلام: التشويه، ص 25.

[530] أبو السعود، ص 112. أنظر أيضاً عبد الفتّاح، ص 68-69.

[531] التوبة 41:9؛ أنظر أيضاً التوبة 20:9 و88؛ الأنفال 72:8؛ الحجرات 15:49

[532] Rapport du séminaire sur les pratiques traditionnelles, Dakar, 1984, p. 5

[533] Rapport du séminaire régional sur les pratiques traditionnelle, Addis Abeba, 1987, p. 51

[534] Bulletin (du Comité inter-africain), no 24, déc. 1998, p. 14

[535] Bulletin (du Comité inter-africain), no 20, déc. 1996, p. 4

[536] أنظر الحلقة الدراسيّة، ص 10.

[537] عبد السلام: التشويه، ص 7.

[538] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة، ص 5.

[539] المصري، ص 93-130.

[540] Tangwa, p. 188

[541] Richter, p. 119

[542] Hodges: A short history, p. 34; Boyd, p. 70-72

[543] Shechet: Letter to the editor

[544] Llewellyn, p. 478

[545] Bloch, p. 141

[546] Hosken: The Hosken Report, p. 302-303

[547] Saurel, p. 22-26

[548] Bangkok Post, 8 Dec 1997, in NOCIRC annual report, Spring 1998, vol 12, p. 3

[549] Boyd, p. 68

[550] Wiswell: Routine neonatal circumcision

[551] باشا، ص 31-32. ونجد نفس الأقوال عند البار: الختان، ص 79.

[552] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الثاني، رقم 2).

[553] Boyd, p. 68; Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 128; Ritter, p. 34-1

[554] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. XIII

[555] Romberg: Circumcision, 112

[556] Hosken: The Hosken Report, p. 48

[557] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 57-58

[558] الممارسات التقليديّة، ص 21.

[559] Rapport du séminaire régional, Addis Abeba, 1987, p. 9, 13, 19

[560] Hosken: The Hosken Report, p. 359

[561] عبد السلام: التشويه، ص 28.

[562] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 127-128

[563] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 165

[564] Anti-semitism world report 1997

[565] Betty Katz Sperlich, email dated 7 january 1999

[566] Leland Traiman: email dated 8 January 1999

[567] Pollack: Redefining the sacred, p. 171

[568] Cutting edge, p. 2

[569] Comitato nazionale per la bioetica, p. 28 et 32

[570] أنظر circoncisione في الانترنيت www.aduc.it/nuovo/pagframe/motore.htm

[571] Dagher; Selzer; Lapides

[572] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 220

[573] Boyd, p. 89-90

[574] Boyd, p. 96, 103-105

[575] Boyd, p. 94-95

[576] Goodman: Jewish circumcision, p. 25-26

[577] Van Howe: Why does neonatal circumcision persist, p. 114

[578] Shame on TVO

[579] Romberg: Circumcision, p. 17, 105

[580] Schoen: Is it time for Europe to reconsider newborn circumcision? Schoen: Benefits of newborn circumcision: is Europe ignoring medical evidence?

[581] Isaac, p. 51

[582] Price: Male non-therapeutic circumcision, p. 427-428

[583] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الثالث، رقم 3).

[584] Romberg: Circumcision, p. 50

[585] Cohen: Guide, p. 133

[586] Cohen: Guide, p. 140

[587] Barth (editor): Berit Mila, p. 183-185

[588] أنظر الجزء الثاني، القسم الأوّل، الفصل الرابع، الفرع الأوّل، الرقم 1) حرف أ) وحرف ب).

[589] Wallerstein: Circumcision and anti-semitism: un upadate, p. 45

[590] Romberg: Circumcision, p. 49

[591] أنظر الجزء الأوّل، الفصل الثاني، رقم 3).

[592] أنظر التدخّلات في هذا المؤتمر في Terre des Hommes: Les mutilations sexuelles féminines infligées aux enfants

[593] أنظر رسالتي في Nouveau quotidien, 8 juillet 1997 ورد «ايدمون كيزر» عليها في Nouveau quotidien, 18 juillet 1997

[594] Schnüll; Terre des Femmes: Weibliche Genitalverstümmelung . أنظر حول هذه المنظّمة وأهدافها وموقف مؤسّستها مقال Hass ومقال Richter

[595] Aldeeb Abu-Sahlieh: Circoncision masculine, p. 13-14

[596] : Afrique Magazine, mai 1999 www.enfant.org/commu3.html وقد قام هذا الطبيب بالإحتجاج على المقال المنشور قائلاً أنه لم يلتقي بالصحفي المذكور الذي إستعمل مقالاً آخر للطبيب صدر في Science et nature ( février 1995) وكتبه بصيغة الحوار. وقد قامت المجلّة المذكورة بنشر إعتذار في عددها الصادر في سبتمبر 1999. وهذا الطبيب يرفض أيضاً ما جاء على لسانه في المقال الذي إعتمد عليه الصحفي. أنظر الجدل حول مواقف هذا الطبيب Alain Policar: La dérive de l'ethnopsychiatrie, in Libération, 20.6.1997; Tobie Nathan: Pas de psychiatrie hors les cultures, in Libération, 30.7.1997.

[597] Erlich: Les mutilations sexuelles, p. 123-124

[598] أسامة: ختان البنات في مصر.

[599] إبراهيم: ختان الأنثى في الإسلام.

[600] الصعيدي: بين الدين والعلم في ختان الأنثى.

[601] أنظر الملحق 3 في آخر الكتاب.

[602] أنظر الملحق 4 في آخر الكتاب.

[603] أنظر الملحق 7 في آخر الكتاب.

[604] السعداوي: حقائق الطب الجديدة.

[605] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة للمرأة، ص 20.

[606] مؤتمر الصحّة الإنجابيّة للمرأة، ص 26.

[607] أنظر الفتوى الأولى والثانية في الملحقين 5 و6 في آخر الكتاب.

[608] النديم، ص 67.

[609] سيف الدولة، ص 43.

[610] الفنجري، ص 66.

[611] السكّري، ص 5-6. أنظر أيضاً ص 34 و41.

[612] أنظر تقديمها لهذا الكتاب.

[613] السعداوي، حول رسالة الطبيبة الشابّة.

[614] السعداوي: مرّة أخرى حول رسالة الطبيبة الشابّة.

[615] رمضان، ص 5.

[616] رمضان، ص 37-38.

[617] الجمل، ص 7-8.

[618] الشريف، ص 5-6. أنظر في نفس المعنى إبراهيم: الختان، ص 13-14؛ محمود: حكم الإسلام، ص 14-15 و79-80؛ إبراهيم: الفرقان، ص 5؛ شوكت، ص 41-42. وهذا الأخير يصف معارضي ختان الإناث بالطابور الخامس.

[619] الوفد، 5/10/1997، ص 11

[620] Bulletin (du Comité inter-africain), no 19, juin 1996, p. 14; Bulletin (du Comité inter-africain), no 18, déc. 1995, p. 12-13; Kalthegener; Ruby: Zara Yacoub, p. 88

[621] القادري، ص 12.

[622] أنظر الجزء الثاني، القسم الثالث، الفصل الأوّل، رقم 4)، حرف ب).

[623] رسالة إلى المؤلّف من القاضي المهدوي بتاريخ 29 يناير 2000.

[624] Jousseaume, Tome II, p. 495-496

[625] Sanderson, p. 65-69; Kenyatta, p. 96-110

[626] Sanderson, p. 73-78

[627] Sanderson, p. 80-81

[628] صورة المنشور في Sanderson, p. 85

[629] Sanderson, p. 91-92

[630] Sanderson, p. 92-100

[631] Lightfoot-Klein: Prisoners, p. 43

[632] أنظر بخصوص هذا المفكّر Aldeeb Abu-Sahlieh: Les musulmans, p. 30-31 et 214-215

[633] Giorgis, annex II, p. 55-61

[634] Giorgis, p. 35-37

[635] نص الرسالة في Les mutilations sexuelles féminines et leur abolition

[636] Corréa, p. 67-68

[637] Ras-Work: L'excision: propositions d'éradication, p. 76

[638] E/CN.4/sub.2/1991/48, 12 juin 1991, paragraphes 23-24

[639] Bulletin du Comité inter-Africain, no 25, juillet 1999, p. 13

[640] Thiam, p. 109

[641] Thiam, p. 113

[642] Saurel, p. 7

[643] Hosken: The Hosken Report, p. 53, 54 .

[644] Laufer, p. 108, 109

[645] Saurel, p. 7

[646] Nous protégeons nos petites filles

[647] Gallo: Edpidemiological, medical, p. 250

[648] http://www.amnesty.org//ailib/intcam/femgen/fgm1.htm

[649] Niswander, p. 5

[650] Romberg: Circumcision, p. VII

[651] Zwang: Functional and erotic consequences, p. 75

[652] Groult, préface du livre de Thiam, p. VIII

[653] Fortunati, p. 71

[654] Laufer, p. 110

[655] Hosken: The Hosken Report, p. 315-316

[656] Hosken: The Hosken Report, p. 302

[657] Hosken: The Hosken Report, p. 326

[658] Hosken: The Hosken Report, p. 336

[659] Hosken: The Hosken Report, p. 354

[660] Hosken: The Hosken Report, p. 317

[661] Hosken: The Hosken Report, p. 54

[662] Pollack: Circumcision: a jewish feminist perspective, p. 185; Pollack: Redefining the sacred, p. 163-173

[663] Dirie, p. 327

[664] Dirie, p. 328

[665] Hosken: The Hosken Report, p. 59-60

[666] Thiam, p. 19-22

[667] De Villeneuve: Etude sur une coutume somalie

[668] Thiam, p. 105-106, 153, 155, 159, 160-161

[669] Thiam, p. 115-117

[670] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 6

[671] Hosken: The Hosken Report, p. 51-52, 63-64

[672] Mehra: The World health organization, p. 47

[673] Moses, p. 368-373

[674] Schoen: Benefits of newborn circumcision

[675] Romberg: Circumcision, p. 69

[676] Ombolo, p. 153-154

[677] Goodman: Open letter, p. 8

[678] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 246, note 20

[679] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 86-87

[680] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 89-94 . أنظر أيضاً Miller, p. 28

[681] لويس، ص 85-86. أنظر النص كاملاً في اللغة الإنكليزيّة Lewis, p. 109-111

[682] Wallerstein: Circumcision: an American health fallacy, p. 139-143

[683] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 24-26

[684] Zwang: Functional and erotic consequences, p. 73

[685] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 94-97; Romberg: Circumcision, p. 82

[686] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 100

[687] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 101-106

[688] Erlich: La mutilation, p. 135, 137

[689] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 115-117

[690] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 117-118

[691] Van Howe: Anaesthesia, p. 74

[692] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 118-119

[693] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 119-121

[694] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 111-115; Goldman: The psychological impact, p. 95

[695] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 110-111

[696] Menage, p. 215-219

[697] Hammond: Long-term consequences, p. 125-129

[698] طه، ص 81-82.

[699] عبد السلام؛ حلمي: مفاهيم جديدة، ص 78.

[700] Taha: Female circumcision, p. 48

[701] Baasher, p. 80-83

[702] رزق، ص 32؛ أنظر في نفس المعنى عبد الفتّاح، ص 69-70؛ فيّاض، ص 31-32.

[703] رأي ضمن كتاب سليم: دليل الحيران، ص 35.

[704] Baasher, p. 80-83

[705] Sanderson, p. 42

[706] Lightfoot-Klein; Chase; Hammond; Goldman, p. 447-448

[707] Female genital mutilation: an overview, p. 31-32

[708] Lantier, p. 281

[709] Bettelheim, p. 90-91

[710] Bettelheim, p. 91-92

[711] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 127-128

[712] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 124-128

[713] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 24-25

[714] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 129-131

[715] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 131-132

[716] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 132-133

[717] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 133-138

[718] ومن يريد قراءة هذه الشهادات يمكنه العودة إلى الكتب التالية Ritter; Romberg: Circumcision the painful dilemma; Bigelow

[719] عبد الفتّاح، ص 69-70. أنظر أيضاً الممارسات التقليديّة، ص 21.

[720] رأي ضمن كتاب سليم: دليل الحيران، ص 53.

[721] Gallo: Edpidemiological, medical, p. 250

[722] Goldman: The psychological impact, p. 99

[723] DeMeo: Saharasia, p. 37-40

[724] Miller, p. 2-4

[725] Miller, p. 27

[726] Miller, p. 5

[727] Miller, p. 9

[728] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 139-141

[729] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 141-143

[730] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 61-63

[731] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 154-155

[732] Denniston: Tyranny, p. 221-222

[733] أنظر حول الوضع في كوريا Pang; Kim; Kim: Male circumcision in South Korea, p. 61-82

[734] Goldman: The psychological impact, p. 96

[735] Goldman: The psychological impact, p. 96-97

[736] Denniston: Tyranny, p. 222

[737] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 152-153

[738] DeMeo: The geography, p. 10

[739] Miller, p. 135

[740] Miller, p. 139-140

[741] Miller, p. 140-141

[742] Miller, p. 193

[743] Miller, p. 193

[744] Warren: NORM UK, p. 99

[745] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 153-154

[746] رمضان، ص 54.

[747] Romberg: Circumcision, p. 89-90

[748] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 157-162

[749] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 162-164

[750] Zighelboim: Guns and penises . أنظر أيضاً في نفس المعنى رسالة على الانترنيت كتبها Dan Bollinger, 7 Dec. 1999

[751] Morgan: The rape of the phallus

[752] Burrington

[753] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 164-168

[754] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 168-171

[755] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 171-172

[756] Peterson: Assulted and mutilated

[757] Goldman: Circumcision: a source of Jewish pain

[758] Boyd, p. 131

[759] Dirie, p. 319

[760] Dirie, p. 328

[761] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 173

[762] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 173-174

[763] Dirie, p. 327

[764] Hosken: The Hosken Report, p. 60

[765] Hosken: The Hosken Report, p. 69

[766] Abd-el-Salam: A comprehensive approach, p. 318

[767] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 3-4

[768] Ritter, without pagination

[769] Volkov, p. 117

[770] http://www.amnesty.org//ailib/intcam/femgen/fgm8.htm

[771] Keshavjee, p. 33

[772] عبد الهادي: كفاح قرية، ص 9-10.

[773] عبد الهادي: كفاح قرية، ص 69-70.

[774] أنظر الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل الرابع، رقم 2).

[775] Thiam, p. 116

[776] Ras-Work: L'excision: propositions d'éradication, p. 80-81

[777] Hassan: La donna mutilata, p. 20, 29-30

[778] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 6-7

[779] حول فكر الرازي أنظر بدوي، ص 230-260.

[780] محمود: تجديد الفكر العربي، ص 294.

[781] محمود: ثقافتنا في مواجهة العصر، ص 96.

[782] أنظر حول هذا التيّار مقالنا Aldeeb Abu-Sahlieh: Muslims' genitalia, p. 163-164

[783] Corréa, p. 69-70

[784] رزق، ص 69.

[785] رزق، ص 92-93.

[786] Ismail, p. 63-64

[787] أنظر حول إستعمال الانترنيت في معركة الختان: Sarkis: Activism on the world wide web

[788] Hicks, p. 199-201

[789] Gallo: La circoncisione femminile in Somalia, p. 44, 57, 98

[790] Abd-el-Salam: A comprehensive approach, p. 323-327

[791] Goodman: A jewish perspective, p. 181-182

[792] Parvati Baker: The wound, p. 179-183

[793] Parvati Baker: Unifying, p. 197-200

[794] Toubia: Evolutionary cultural ethics, p. 6-7

[795] Lightfoot-Klein: Weibliche Genitalverstümmelung , p. 103-104

[796] Beck-Karrer: Frauenbeschneidung, p. 137

[797] علي: الضاحكون، ص 35.

[798] أنظر أيضاً مقالنا Aldeeb Abu-Sahlieh: Jehovah, p. 58-59

[799] Boyd, p. 131

[800] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 198-200

[801] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 200-201

[802] Lander: The man behind restoration, p. 314

[803] Goldman: Circumcision the hidden trauma, p. 202-203

[804] Lander: The man behind restoration, p. 314-315

[805] عبد السلام،: التشويه، ص 29.

[806] Miller, p. 26-27

[807] Miller, p. 32-33

[808] Miller, p. 135

[809] Miller, p. 140-141

[810] Ombolo, p. 5

[811] Ombolo, p. 50 et 71

عودة