الخضوع ومشيئة الله

تمهيد

الفصل الأول: تعريف الخضوع

الفصل الثاني: مجالات الخضوع

الفصل الثالث: حتمية الخضوع

الفصل الرابع: دوافع الخضوع

الفصل الخامس: أسلوب الخضوع

الفصل السادس: حدود الخضوع

الفصل السابع: تأمين الخضوع

الفصل الثامن: ثمار الخضوع

الفصل التاسع: خطورة عدم الخضوع

الفصل العاشر: اعتراضات والرد عليها

خاتمة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصل العاشر اعتراضات على الخضوع والرد عليها



تقوم في وجه مبدأ الخضوع لأصحاب السلطة عدة اعتراضات تبدو في منطقها أنها كتابية ومعقولة ولكنها تهدف إلى التحرر من قيود الخضوع. فدعنا نناقش بعض هذه الاعتراضات.



أولاً: الكل واحد في المسيح: 

استناداً على قول معلمنا بولس الرسول "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر أو أنثى. لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع" (غل26:3ـ28) يظن البعض أنه يقصد إلغاء مبدأ الخضوع حيث أن الجميع واحد في المسيح يسوع. 



والمتأمل في هذا القول يدرك أن معلمنا بولس الرسول لا يفرق بين يهودي ويوناني، وعبد وحر، وذكر وأنثى، في الامتيازات التي لهم جميعاً في المسيح يسوع إذ يقول "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" 

وأما من جهة الخضوع فليس في هذا الكلام ما يشير إلى أن معلمنا بولس الرسول قصد أن يلغيه، بل على العكس نراه في اكثر من موضع من رسائله يؤكد مبدأ الخضوع، كما مر بنا في فصل "مجالات الخضوع" (يحسن مراجعته).



بل إن البرهان الأقوى على احترام معلمنا بولس الرسول لمبدأ الخضوع وحضه المؤمنين على مراعاته ما ذكره في رسالته إلى تلميذه فليمون بخصوص عبده أنسيموس. فبعد أن هرب أنسيموس العبد من سيده فليمون وتقابل مع معلمنا بولس الرسول وفتح قلبه لقبول السيد المسيح في تلك المقابلة، كتب على الفور رسالة إلى تلميذه فليمون يقول له "لأنه ربما لأجل هذا افترق عنك إلى ساعة لكي يكون لك إلى الأبد" (فل15) وهو بهذا الكلام يحض أنسيموس على الخضوع لسيده.



وفي نفس الوقت يخاطب فليمون (السيد) أن يقبل أنسيموس "لا كعبد فيما بعد بل أفضل من عبد كأخ محبوب ولا سيما إليَّ (أي إلى بولس نفسه) فكم بالحري إليك في الجسد وفي الرب جميعاً" (فل16). وهناك اعتراض آخر:



ثانياً: الطاعة في الرب فقط:

ويقوم هذا الاعتراض بناء على قول بولس الرسول "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق" (اف1:6) ظانين أن الأولاد غير مطالبين بالطاعة إلا للوالدين المؤمنين الذين يعيشون في الرب فقط.

الـرد:

1- ولكن الذي يدرس الأصل اليوناني لهذه الآية كما أجمع المفسرون بجد أن عبارة (في الرب) (إن كيريو) لا تعود على الوالدين بل تعود على الطاعة نفسها، والقصد من المعنى هو أن حياة الأبناء التي يعيشونها في الرب وفي شركة مع السيد المسيح تجعل هذه الطاعة سهلة عليهم فلا يجدون فيها صعوبة. وقال المفسرون أيضا أن واجب الطاعة يستند على المبدأ الأخلاقي الأول وهو (لأن هذا حق) أي أن هذا الحق لا يمكن أن يتغير مع العصور ولا يمكن أن يحل محله روح الاستقلالية عند الأبناء.



2- والدليل على ذلك أن الكتاب يطالب النساء بالخضوع لأزواجهن حتى وإن كان الأزواج غير مؤمنين وغير طائعين للكلمة، لأن الخضوع قد يستخدمه الرب كوسيلة لجذبهم إلى الإيمان، لهذا قال معلمنا بطرس الرسول "كذلكن أيتها النساء كن خاضعات لرجالكن حتى وإن كان البعض لا يطيعون الكلمة يربحون بسيرة النساء بدون كلمة" (1بط1:3)



3- كما أن وصية معلمنا بولس الرسول بالخضوع للسلطة المدنية أو الحكومية توضح أن الخضوع لا يقتصر على أن يكون للسادة المؤمنين فقط، لأن الدولة الرومانية التي كانت صاحبة السيادة في ذلك الوقت كانت دولة وثنيه وبالرغم من هذا قال الرسول "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأن ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" (رو 1:13ـ2) 



4- وعلاوة على ذلك نجد معلمنا بولس الرسول يوصي العبيد بالخضوع للسادة غير المؤمنين أساساً، ولذلك نراه يخصص وصية أيضا عن الخضوع للسادة المؤمنين بقوله "جميع الذين هم عبيد تحت نير فليحسبوا سادتهم مستحقين كل إكرام لئلا يفتري على اسم الله وتعليمه، والذين لهم سادة مؤمنين لا يستهينون بهم لأنهم اخوة بل ليخدموهم أكثر لأن الذين يتشاركون في الفائدة هم مؤمنون ومحبوبون" (1تى1:6ـ2).

5- ويوضح الأسرار بكل جلاء معلمنا بطرس الرسول بقوله: "أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة للسادة، ليس الصالحين المترفقين فقط بل للعنفاء أيضاً" (1بط18:2).

ويوجد اعتراض ثالث: 

ثالثاً: انحراف السلطة: 

يعترض البعض بأن الرسل لم يكونوا خاضعين للكهنة ورؤساء الكهنة بسبب انحرافهم وطلباتهم التي كانت ضد الكرازة باسم السيد المسيح مما اضطر معلمنا بولس الرسول أن يقول لهم مع الرسل "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع29:5) 



وكما ذكرت في موضع آخر بخصوص هذه الآية أنها لا تقصد أن تنفي الخضوع للناس فهي لا تقول (ينبغي أن يطاع الله لا الناس) ولكنها تشير إلى طاعة الله، وطاعة الناس أيضا على أن تعطى الأولوية إلى طاعة الله متى تعارضت مع طاعة الناس.



والواقع إن مفهوم الخضوع يختلف عن مفهوم الخنوع كما مر بنا، فقد عرفنا أن الخضوع لا يلغي أن يعبِّر الإنسان عن رأيه، ولكنه يعبر بأسلوب مسيحي ومع استعداده بأن يتعرف على مشيئة الله من خلال السلطات. ولهذا يلزم أن يتبع الخطوات السبع التي أشرنا إليها في موضوع (حدود الخضوع). ومتي اتبع هذه الخطوات فحتى وإن قال "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" رافضا أمراً من أوامر السلطة، وهو المضاد لوصايا المسيح، ولكنه سيكون خاضعاً لبقية أوامرها الأخرى التي تتعلق بنفسه هو، كأن تلقيه السلطة في السجن أو تحمله الصليب، ولا يملك أن يرفض أمر هذه السلطة وإلا اعتبر متمرداً. ولقد وضح معلمنا بولس الرسول ذلك في قوله عن الرب يسوع: "وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى8:2) 


وما أكثر ما تعرض التلاميذ للسجن فلم يتمردوا أو يثورا، كما يتضح من التالي: 

1- "فألقوا أيديهم على الرسل ووضعوهم في الحبس العامة". (أع17:5) 

2- "قبض على بطرس ... ووضعوه في السجن. فكان بطرس محروساً في السجن وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله" (أع3:12) 

3- "فوضعوا عليهما (بولس وسيلا) ضربات كثيرة والقوهما في السجن وأوصوا حافظ السجن أن يحرسهما بضبط. وهو إذ أخذ وصية مثل هذه ألقاهما في السجن الداخلي وضبط أرجلهما في المقطرة" (أع13:16ـ24).

كما يوجد اعتراض آخر هو: 



رابعاً: الإنسان الروحي لا يحكم فيه من أحد: 

من الآيات التي يتذرع بها بعض المعترضين ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس "ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً وأما الروحي فيحكم في كل شئ وهو لا يحكم فيه من أحد" (1كو14:2ـ15) 



ويستخلصون من الآية الأخيرة "أما الروحي فيحكم في كل شئ وهو لا يحكم فيه من أحد" أن المؤمن ليس تحت سلطان ولا يخضع لأحد.



والواقع أنه إن كان هذا هو ظاهر الآية ولكن إذا عدنا إلى سياق الحديث نجد أن معلمنا بولس الرسول لا يقصد ذلك مطلقاً وإنما كان يتكلم بخصوص حكم أهل كورنثوس عليه بخصوص شرعية رسوليته من عدمها عندما قارنوا بينه وبين أبولس. لذلك فهو يحذرهم من إصدار أحكام في غير ما يخصهم ومن أجل هذا يكمل حديثه قائلا: 



"إذاً لا تحكموا في شئ قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب. وحينئذ يكون المرح لكل واحد من الله فهذا أيها الاخوة حولته تشبيها إلى نفسي وإلى أبولس من أجلكم لكي تتعلموا فينا أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب كي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الأخر) (1كو5:4و6) 



من هذا يتضح أنه ما قصد إطلاقاً القول بأن المؤمن لا يخضع لحكم أحد والدليل على ذلك أنه في نفس الرسالة يتكلم عن حتمية محاكمة المؤمن أمام الكنيسة وليس أمام المحاكم المدنية بقوله: "أيتجاسر فيكم أحد له دعوى على آخر أن يحاكم عند الظالمين وليس عند القديسين" ويستنكر مقاضاة المؤمن عند المحاكم المدنية بقوله: "لتخجيلكم أقول أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر أن يقضى بين اخوته لكن الأخ يحاكم الأخ وذلك عند غير المؤمنين!!) (1كو1:6ـ6). 



ثم هناك اعتراض أخير:

خامساً: المؤمن حر: 

وثمة آية أخرى يرفعها المعترضون شعاراً لعدم الخضوع هي قول الرب يسوع "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو36:8) ظناً منهم أن المسيح يدعو إلى التحرر من السلطة.

والواقع أن السيد المسيح كان يتكلم عن التحرير من الخطية وليس التحرر من السلطة بدليل قوله في الآيات التي تسبق هذه الآية "أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً) (يو34:8ـ36)

هذا هو سياق الحديث الذي يوضح الهدف الذي يقصده السيد المسيح من هذا القول ألا وهو التحرير من عبودية الخطية وليس التحرر من السلطات البشرية.